تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

مغامرات من خارج السرب اللبناني

ســــيــــنـــمـــــا الـــفــــــــــــرص الــمــقــتــنــصــــة

هوفيك حبشيان

كانت نهاية الستينات بالنسبة الى السينما اللبنانية، نهاية حقبة. حينئذ تبلورت الرغبة في إنشاء سينما جديدة ملتزمة وقريبة من الحياة اليومية والاجتماعية والسياسية. وأصبحت القضية الفلسطينية موضوعاً متكرراً. في هذه الفترة أيضاً، برز مخرجون جدد هم جورج شمشوم وسمير خوري وسمير الغصيني وكريستيان غازي. سينماهم لم تجذب الجمهور، وأحلام هذا الجيل ذهبت سدى مع اندلاع الحرب ودخول التلفاز البيوت.

عام 1975، ضاع لبنان جراء الحرب الأهلية. في هذه الأثناء برز جيل جديد من المخرجين صبّوا تركيزهم على الهوية اللبنانية. فراحت تولد الأفلام وأراد كل منهم التعبير عن غضبه حيال الحرب. تارةً كانت كئيبة وطوراً عنيفة، ولكنها كلها جميلة ومؤثرة، علماً أن أعمال الغالبية قد لاقت نجاحاً باهراً في الخارج. من برهان علوية الى مارون بغدادي وجوسلين صعب وجان شمعون الى رندة الشهّال. في هذه الحقبة، كان السينمائيون يستغيثون بأموال الدعم الأجنبية.

مع الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وتدنّي سعر صرف الليرة اللبنانية، انتقل مارون بغدادي للإقامة في فرنسا بعدما أخرج فيلم "حروب صغيرة"، أما برهان علوية فخاض ميدان السينما الاجتماعية. في حين انتقل جان شمعون ومي مصري إلى الأفلام الوثائقية. وراحت جوسلين صعب ورندة الشهال تصوّران لبنان ضمن الريبورتاجات والأفلام الوثائقية. هذا الجيل أعاد النظر في أهمية الإنتاج السينمائي الذي جاء من قبله.

بعدما انخرط في أجواء ثورة أيار 68 الفرنسية، عاد برهان علوية الى لبنان وقلبه ينبض بالقضايا العربية، فأخرج فيلم "كفرقاسم" عن المجزرة التي حدثت في المدينة الفلسطينية الشهيرة في 29 تشرين الاول 1956. على رغم طابعه المؤدلج، فإن الفيلم، الذي صار مذذاك احدى كلاسيكيات السينما العربية، لم يساوم على الخلفيات الفنية.

خلال الحرب الأهلية، ذاع صيت المخرج مارون بغدادي بعدما أنجز أفلاماً نقلت الواقع اللبناني بتعقيداته العسكرية والأمنية والفردية. تصدّت كاميراته لجنون تلك المرحلة التي أخذت بيروت رهينةً للوحشية والهمجية. الأهم انه ظل ماكثاً على الحد الفاصل بين الروائي والوثائقي، مراقباً بنظرة مبدعة وجميلة سقوط بلاده في أتون العنف. معه كانت الولادة الثانية للسينما اللبنانية. نال بغدادي تقديراً في الخارج، ولا سيما في فرنسا التي شاركت في انتاج أفلامه، وحاز جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كانّ.

ليس ممكناً الكلام على الحرب اللبنانية من دون ذكر جان شمعون الذي نبعت أفلامه الوثائقية التي أنجزها مع زوجته مي مصري من الواقعين اللبناني والاقليمي. أرّخ شمعون لتجارب اشخاص ذهبوا الى أقصى ما يمكنهم الذهاب في مقاومة الذل والعنف. جعل من الشوارع والأزقة والأحياء استوديو تصوير لا تزال أصداء لعلعة الرصاص ودوي المدافع تتردد في رحابه.

تأسيساً على سينما الذاكرة، انجز شمعون مطلع عام 2000 فيلمه الروائي الطويل الأول "طيف المدينة"، مصفّياً فيه حساباته مع الماضي. يتمحور الفيلم على شخصية رامي الذي يصبح طرفاً رغماً عنه في دهاليز الحرب.

كانت بداية التسعينات نهاية حقبة مدمّرة. فبعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989، بُعث لبنان من أنقاضه. وبرزت السينما بعد سنوات صعبة زعزعتها الحرب والسياسة ووجهات النظر المتباينة حيال هوية لبنان. كذلك عاد السينمائيون القدامى إلى الساحة الفنية، مَن تغرّب منهم ومَن صمد خلال الاشتباكات وجولات الحرب، وأثبتوا وجودهم بتنفيذ أفلام سينمائية لبنانية، وللمرة الاولى بدا أن هناك جيلاً يستطيع أن يترك ارثاً للجيل التالي.

مع انتهاء الصراع، ظهر جيل ما بعد الحرب، وكان سمير حبشي أحد روّاد تلك المرحلة. فبعدما درس السينما في الاتحاد السوفياتي، وصل الى لبنان حيث انجز "الاعصار" عام 1993 عن سنوات النزاع المسلح، وصولاً الى "دخان بلا نار" الذي انجزه حديثاً عن مرحلة ما بعد سكوت المدافع. هو ابن هذا الموزاييك اللبناني الذي يصارع من أجل البقاء.

على غرار سمير حبشي، يُعتبَر بهيج حجيج من السينمائيين الذين عملوا على الذاكرة، وأيضاً على بناء الانسان اللبناني الجديد الذي دُمِّر خلال الحرب اللبنانية. لكن المشكلات الانتاجية المستعصية، طاردت هذا الجيل الذي كان مرغماً على أن يتوسل بالغرب لانتاج أفلامه. في دولة تعمّها الفوضى باستمرار، لبثت أصوات المخرجين مجرد صدى. مثل كثر من ابناء جيله، سعى بهيج حجيج الى تأريخ صفحة كان الجميع يريد طيّها. فكان اقتباس رواية "المستبد" لرشيد الضعيف، في توليفة سينمائية ترتكز على تجسيد الحوادث ومشهدية البناء الدرامي والأحاسيس.

ذكريات أخرى احتلت مكاناً على الشاشة، هي تلك التي عاشها ميشال كمون الذي يُعتبر من الجيل الثاني للمخرجين ما بعد الحرب. كمون من الذين جاؤوا الى السينما من باب السينيفيلية والعشق والمشاهدة الأكولة.

التوازن الحقيقي بين السخرية والعبثية، هو ما تجلّى في أفلام ايلي خليفة الذي صنع بضعة افلام قصيرة، طبع فيها اسلوبه الخاص الشفاف والخفيف، النابع من نظرة سوريالية الى لبنان.

لم ينتظر أسد فولادكار، المخرج الذي يعلّم مادة السينما في الجامعة اللبنانية الأميركية، التمويل الأوروبي لينجز فيلمه الروائي الطويل الاول "لما حكيت مريم"، فانطلق في مغامرة صنع هذا الفيلم معتمداً على متطوعين. مع "لماّ حكيت مريم"، روى فولادكار مأساة ثنائي لعب دوره بجدارة كلٌّ من برناديت حديب وطلال الجردي. جذب الفيلم هواة الميلودراما لكنه بدا أكثر اهتماماً بالبكائيات منه بلغة سينمائية مبتكرة.

من السينمائيين الموهوبين الذين غيّروا نظرة الخارج الى لبنان، غسان سلهب الذي رمى نظرة مستهجنة وفاضحة على محيطه. منذ شريطه الأول "أشباح بيروت" حتى "أطلال"، اعتاد ان يضع اصبعه على الجرح، مستعيناً بسوداوية وتمرد قل نظيرهما في السينما اللبنانية. صوّر بيروت مدينة كئيبة ضاقت فيها آفاق العيش، لكن هذه السينما الصعبة لم يقدر أن ينافس بها جميع اشكال البصريات السائدة.

آخرون في السينما اللبنانية لم ينتظروا مساعدة الغرب او السلطة للانطلاق. منهم جوني كارليتش الذي خاض تجارب سينمائية تخالف الواقع المألوف وتناقض القوانين الانتاجية المتعارف عليها، مثبتاً ان السينما في مستطاعها ان تكون فقيرة ونبيلة في الآن نفسه. من خلال كاميرا رقمية صغيرة، صوّر جوني كارليتش باكورة افلامه، "اكواريوس"، الذي شارك في أول مهرجان دولي للسينما الفقيرة في كوبا، ومن ثم فيلم "المرسال الثامن" وLost In Lynch، اللذين يمثلان نموذجين للـ No Budget Film او الفيلم ذي الموازنة المنعدمة. ما نراه من مشاهد هو لمشروعه الجديد الذي يدعى "تسكعات مخرج منفرد".

ليس ممكناً الكلام على جيل صارع من أجل صناعة سينما لبنانية ذات ملامح من دون ذكر تجربة زياد دويري، الذي بعد فيلمه "غرب بيروت" عن الحرب اللبنانية، خالف التوقعات، مع "ليلا تقول هذا"، الذي أدخل مخرجه في مناطق جديدة بصرياً وفكرياً، ظل دويري ينتقد السينما اللبنانية ومعوقاتها.

فؤاد عليوان هو الآخر درس في الخارج وعاد الى بيروت حيث اكتشف ان الواقع اللبناني يختلف كثيراً عن أحلامه. انه ابن هذه الحرب التي عاشها طفلاً مراهقاً فصاغ نظرته الى الحياة في عتمة السينما اللبنانية واهباً إياها بضعة افلام قصيرة. انه من جيل سعى الى إيصال الارث الذي أخذه من أسلافه السينمائيين الى برّ الامان، لكن ليس من دون تحديات.

تناضل السينما اللبنانية منذ ولادتها من أجل أن تكون. على رغم ما حدث في الستينات، عادت مع الزمن وتحولت مبادرات فردية ومغامرات فنان خارج السرب. فكم من السينمائيين تحتاج اليهم السينما اللبنانية كي تنتقل من الفرص المقتنصة الى سينما ذات ملامح واضحة؟

 

جيرار جونيو: حدود الخلق هي بذاتها خلق

ذات يوم قابلتُ جيرار جونيو الذي اطلعني ان الانسان هو الحيوان الوحيد يضحك لأنه الوحيد يعرف انه سيموت، وخرجنا ببعض النتائج الجدية حول الاسلوب الكوميدي الذي ينتهجه منذ بضعة عقود.

·         كيف تعرّف الكوميديا؟

- الكوميديا ليست مضموناً، إنها شكل. طريقة في التعبير عن الأمور، لكنها طريقة لطيفة اكثر، وساخرة اكثر، ومحتشمة اكثر. تخطيت الـ 50 عاماً، واخرجت افلاما عدة. أكسب معيشتي من هذه المهنة منذ سنوات. وليس وارداً عندي التخلي عنها اياً يكن السبب. على رغم ذلك، ما من امر يمنعني من إلقاء نظرة ساخرة وساذجة على مجتمع الفن. هذا متفق عليه. في رأيي، ان الكوميديا موجودة بفضل نظرة انسانية. خلافاً للجمال الموجود في حالته الطبيعية.

·         الا تعتقد ان هناك ما يكفي من المواد في محيطنا في حالتها الخام كي نأخذها ونصقلها مثلما يصقل الصائغ الجواهر؟

بلى، هنالك الكثير منها. النظرة التي يلقيها الممثل الكوميدي الى مواده نادرة. لذلك ليس عددنا كبيراً.

·         أشعر ان لديك ميلاً الى الوقوف دائماً الى جانب المهمشين وعامة الناس رافضاً دخول لعبة الكبار.

- ما ادى غالباً الى تحريف النقد الذي تناول اعمالي، هو حقيقة انني ممثل افلامي. اعترف ان هذا الامر يشكل ميلاً لدى شخصيتي (كممثل) وليس ميلي الخاص (كإنسان). لكن الناس يعتقدون أني إذ اؤدي دور هذه الشخصية فينبغي لي الدفاع عن افكارها، لكنني اعترف انني ميال للاهتمام بالناس الذين لا يتلقون الدعوة الى الاحتفالات، ولا يذهبون الى مهرجان كانّ. باختصار، اهتم بالمستبعدين، فأجد ذلك مؤثراً اكثر، لأنني اتحدر من وسط متواضع، واشعر بوجود تلك النزعة في جيناتي.

·         أتعني بذلك الفرنسي المتوسط؟

بلى، لكن لا يمكننا ان ننفي ان ذلك يتوافق اجتماعياً مع واقع معين. حاولت ان اظهر شيئاً من هذا في افلامي عبر الدفاع عن شخصيات واعطائها سبباً لتصرفاتها حتى لو لم تكن دائماً محقة. في هذه المهنة، لا ينبغي الاعتقاد اننا موجودون فقط للتعبير عن انفسنا، ينبغي ايضاً ان نمنح الآخرين السعادة والمتعة. الحال ان النقاد لا يذهبون مطلقاً الى مواقع التصوير. او انهم يذهبون لمدة 5 دقائق لتناول الفطور. اذاً، ينبغي ان يثقوا بي. أصوّر السينما كما قد يراها أهلي. نظرة الساذج تضحكني، فتظهر العبثية على الفور. كما هي الحال في بيروت. هذه مدينة مجانين! كل هذا الهيجان غير مألوف. هناك ضجيج مصطنع لا يشبه ضجيج باريس ونيويورك. حتى أبواق السيارات ليست كما هي في باريس.

·         يساورنا الشعور بأنك من فيلم الى آخر تبني كاراكتيراً يصعب على الآخرين تقليده، على طريقة لوي دو فونيس تقريباً.

ليس هذا بالضبط، كان لدى لوي دو فونيس شخصية حقيقية لم يتخلّ عنها مطلقاً. احاول ان اغيّر قليلاً. لكن اذا كان هناك مجال للمقارنة فأشبّه نفسي ببورفيل.

·         في مسار حياتك المهنية منذ 30 سنة، انتقلت من التمثيل الى الاخراج فالكتابة. الا تسعى الى انجاز عمل شامل مثل تشارلي شابلن؟

- اعتقد انني موجود في ما يمكنني القيام به على نحو افضل. باستر كيتون وتشارلي شابلن لم يكتبا دائماً سيناريوات افلامهما. هيتشكوك لم يكتب سطراً في سيناريو، وعلى رغم ذلك يعتبر مؤلفاً. أؤلف الافلام لكن ليس وحدي. نكون بصحبة سيئة في السينما عندما نكون وحدنا. ليست السينما عملاً فردياً. ليس عليك سوى مشاهدة جينيريك أي فيلم لادراك ذلك.

·         هل ترى ان هدفك الاساسي، استيهاماتك التي ترغب حقاً في رؤيتها محققة، تنفذ واقعاً مع هذا الحشد من الاشخاص الذين يشاركون في تحقيقها؟

ليس لديك الخيار في ذلك. او آنذاك تفعل شيئاً آخر. منذ مدة طويلة جداً، وأنا أعمل على طريقة One Man Show، لكن ذلك كان امراً مختلفاً.

·         قل لي كيف تعلمت المهنة؟ كيف حصل انتقالك الى خلف الكاميرا؟

- من الصعب الاجابة عن هذا السؤال. سابقاً انجزت افلاماً عندما كنت طالباً في الثانوية. في عمر 15 سنة انجزت 5 او 6 افلام، طول كل منها 8 ملم، وكنت ارغب في أن اكون مخرجاً. بعد ذلك، تعرفت الى تييري ليرميت، وميشال بلان، وكريستيان كلافييه في "ثانوية باستور" في نويي. ثم عملنا في المسرح.

·         اذاً، لم تمر في مرحلة الممثل المتدرب.

- بلى، بعد ذلك تلقينا دروساً مع اناس كانوا يعملون في المسرح الاختباري. كان لديَّ ايضاً كأستاذ ممثلة مسرح مشهورة. بعد ذلك، تعلمنا مهنة التمثيل عبر تأليف افلام مثل "البابا نويل حثالة". الكتابة مدرسة جيدة جداً.

·         هذه افلام حققت نجاحاً كبيراً.

- تحقق النجاح مع مرور الوقت بفضل الفيديو، والتلفزيون، والـ دي. في. دي. اليوم، بات عمر هذه الافلام 20 سنة. اعتبرها مثل النبيذ المعتق. في ذاك العهد، كثير كانوا يصنعون افلاماً رائجة. اليوم، من يتحدث عن الاخوة شارلو؟

·         ربما لانهم لم يعالجوا موضوعات عالمية.

- لست ادري. ما الذي يجعل الناس يتحدثون عن فيلم ولا يتحدثون عن فيلم آخر؟ اجهل الجواب.

·         هل حققت هذه الأفلام النجاح خارج فرنسا؟

- بعضها حالفها الحظ في استقطاب الجمهور. كان هناك نسخة ثانية من فيلم "البابا نويل حثالة"، وكانت كارثة.

·         مثل معظم النسخات الثانية.

- نعم، غالبا.

·         هل فشل الاميركيون في صنع نسخة ثانية جيدة من "البابا نويل حثالة لأن الفيلم وصف للمجتمع الفرنسي؟

الصدق لا بديل منه. اذا قلت: "سوف اقوم بهذا... يبدو ان هذا الامر يضحكهم"، فهذه بلاهة ولن تنجح. عندما كتبنا الفيلم قبل 22 سنة، راودتنا الرغبة في التخلي عنه.

·         تقول ان كتابتك حزينة...

تعلم ان الكوميديا ترتكز على الدراما.

·         حتما.

ابتُكر الضحك كي يجعلنا نتحمل مآسي الحياة.

·         قيل ان الضحك خاص بالانسان ذلك لأن الانسان هو الحيوان الوحيد الذي يعرف انه سوف يموت.

بانيول هو الذي قال ذلك.

·         بعدما أنجزت ما انجزته من افلام، كيف ترى تقدم عملك السينمائي؟

- لا اشاهده كثيرا (يضحك). لا استطيع الكلام على "عمل" (Oeuvre)، حتى لو كنت قد مثلت في نحو 50 فيلما، واخرجت 8 افلام ونفذت 200 دعاية...

كل ما استطيع قوله ان هناك جوا عائليا في كل من الافلام التي أخرجتها.

·         تردد ايضا انك لا تحب عبارة "فيلم تجاري".

هذا الأمر يثير اعصابي. ما معنى ذلك؟ الا ندفع المال من اجل الذهاب لمشاهدة فيلم فني؟ المهم ان يعطي الفيلم ما وعد به. مكتبتنا السينمائية مكتظة بالافلام التي حققت الكثير من النجاح. كان القليل جدا من ضمنها اعمالا فاشلة.

·         ما هي ميولك السينمائية؟

احب السينما الفرنسية في فترة ما بعد الحرب. إنتاج جيل المخرج هنري جورج كلوزو. انا مولع ايضا بإنتاج المخرج جوليان دوفيفييه. الموجة الجديدة ابعدتنا كثيرا عن تلك السينما التي كانت تعتمد على الممثلين والحوارات.

·         هل كنت صادقا عندما قلت "لا أبادل عملا واحدا لكلوزو في مقابل 10 اعمال لغودار"؟

آه! اجل. افلام غودار تضجرني. الموجة الجديدة اساءت الى السينما الفرنسية. إنتاجها ليس اهلاً للمشاهدة. حسناً، هناك بعض الافلام الجيدة لفرنسوا تروفو، 2 لنظيره غودار. اما البقية، اعمال دونيول -

فالكروز، الكسندر- استروك، فهي بائسة، لا تطاق.

·         لكنك ذكرت اسماء سينمائيين كبار.

نعم، الأمر بالنسبة اليهم.

·         فهمت الآن لماذا تلقى افلامك استقبالا سيئا من النقاد.

لست مكروها من النقاد، لكنني ايضا لست محبوبا منهم. هناك جملة جميلة لا اريد استخدامها لأنه يؤلمني قول امور خبيثة قليلا. تلك الجملة هي: "هل تهتم المرآة العاكسة بالكلب؟".

·         على رغم ان الكلب يبول فوقها... انت من يقوم بدرس إمكان تحقيق افلامك؟

اجل، انا مشارك في انتاج افلامي، اذا...

·         هذا الأمر مزعج، لأنك مرغم على وضع حدود لمخيلتك بسبب ضغوط مادية.

- هناك احياناً ضرورات خلاّقة. حدود الخلق هي بذاتها خلق.

(hauvick.habechian@annahar.com.lb)

 

خارج الكادر

الدجاجة والنقد السينمائي

العلاقة بالمخرج اللبناني والعربي غاية في التعقيد. يتداخل في هذه العلاقة المهني بالأخلاقي، والفني بالشخصي. عدم تقبّل المخرج للنقد هو شيء يستمده من أخلاقيات مجتمع متخوف، يرفض أن يضع كل الموروثات في اطار البحث.

كثيرة هي المفاهيم ينبغي تفكيكها. السينمائيون، للأسف، يثبتون في كثير من الأحيان انهم ابناء هذا المجتمع في سلبياته أكثر من ايجابياته. نحن من المجتمعات القليلة التي تعتبر النقد اهانة لصاحب الفيلم، في منطقة تحول فيها كل شيء مسألة شرف وأخلاق وكرامة شخصية. هذه الأشياء متأتية من كون الخاسر لا يريد البتة الاعتراف بخسارته. لماذا لا يعترف السينمائي العربي بالناقد شريكاً له؟ ربما لأنه يعتقد ان ذكوريته ستوضع على المحك اذا قال له احدهم إن أفكاره تحتاج الى بعض الترتيب. حتى ان بعضهم يربط النقد السلبي بالحقد. يقولون: فلان يحقد على فلان، لذا كتب ما كتب. هذا هراء واسفاف وانحطاط واستخفاف بقيمة النقد.

•••

السينمائيون يتوقعون منا أن نواكب عملية عرض أفلامهم في الصالات أو أن نحتفي بمشاركتها في المهرجانات. البعض منهم يعتبر دورنا مشابهاً لدور الملحق الصحافي. مع فارق بسيط هو أننا لا نكلفهم بدلاً مادياً. الحجة جاهزة: نحن ابناء وطن واحد.

السينما لا وطن لها. السينما بذاتها هي الوطن والشارع والقرية والديانة والعائلة. المسايرة العمياء لا قيمة لها الا عند الذين يريدون للسينما أن تبقى رهينة "المهرّجين" والوصوليين.

•••

بعض النقد يرتقي في بعض الأحيان الى الأدب. وثمة نصوص أكثر فناً وخلقاً وافكاراً، من الفيلم الذي تتناوله. بعض المقالات هي امتدادات لأفلام. الناقد لا يزحف تحت الفيلم بل يكمل عملية البناء. يبني فوق الفيلم أفكاره وأطروحاته، كمن يضع قبة فوق جامع أو صليباً فوق كنيسة.

•••

 ليس المطلوب أن نبدو كضحايا. نحب مهنتنا ونتمسك بها، ونعتبر أن السينما لا يمكن أن تتبلور وتستمر من دون نقد ونقاد. ليست مشكلتنا اذا كان ثمة من يشك في دورنا. لكن، في المقابل، عدم وجود تراث نقدي عريق كما هي الحال في بلدان غربية عريقة، يجعل النقد يبدو كأنه تهجم على السينمائي. الهيبة مفقودة وأسلافنا قد يتحملون جزءاً من مسؤولية غياب النقد وعدم دخوله الثقافة السينمائية. لأسباب كثيرة، أحدها عدم كفاية العديد منهم، على رغم وجود نقاد كبار كبار. في ظل هذه الصورة، لا يستطيع الناقد المبلور لفكرة النقد أن يبني على تركتهم كما هي الحال في الخارج، لأن التركة غير كافية. والمسؤولية تعود ايضاً الى الجوّ الذي عمل فيه اسلافنا.

•••

الحوادث المتتالية أقنعتني أن الصداقة بين الناقد والسينمائي ليست ممكنة في لبنان، وربما غير مطلوبة، لأن مهنة النقد منفصلة عن مهنة الاخراج على رغم ان الواحدة تكمل الأخرى. حتى الآن لا يزال بعضهم متمسكاً بنظرية ان الكلام سهل لكن الفعل صعب، وذلك في حديثهم عن عدم قدرة الناقد على أن يصنع فيلماً بنفسه، علماً ان هذه المسألة حسمها الغرب، وفي شأنها قال اوسكار وايلد كلاماً جميلاً: "ليس من الضروري أن تكون دجاجة لتشتمّ رائحة البيض المعفن". 

هـ. ح.  

النهار اللبنانية في

14/10/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)