·
يرسم فيلم هانس كريستيان شميد سيناريو كئيبا لاهتمامات السياسة العالمية
ومزاجيتها
·
يسلط هانس كريستيان شميد في فيلمه المثير ذي الطابع الوثائقي الضوء على
تباطؤ القضاء في ملاحقة جرائم حرب يوغوسلافيا في تسعينيات القرن العشرين،
وأن عمل رجال القضاء يتعرض لمعوقات كثيرة كالبيروقراطية والمصالح السياسية
·
المخرج هانس كريستيان شميد حصل على جائزة السلام للفيلم الألماني بمهرجان
ميونخ السينمائي على فيلمه "العاصفة" الذي يصور جرائم الحرب في يوغوسلافيا
سابقا.
تحقق محكمة العدل الدولية في لاهاي منذ 1993 في جرائم حرب يوغوسلافيا
سابقا. وحول ذلك أخرج هانس كريستيان شميد فيلما سياسيا مثيرا يبين فيه
طريقة اتخاذ الغرب للقرارات السياسية التي تتعلق بمصائر الأفراد. أندريه
توسيدتش يعرفنا بالفيلم.
عندما انهارت يوغوسلافيا بعد نهاية الحرب الباردة نشبت صراعات عرقية دينية
خلّفت العديد من الضحايا في تسعينيات القرن العشرين. وكانت هذه الصراعات
تتعلق بحرب العشرة أيام في سلوفينيا (1991) وحرب كرواتيا (1991 – 1995)
وحرب البوسنة (1992 – 1995) وحرب كوسوفو (1999). لقد بينت احدى الدراسات
التي نشرها مركز الأبحاث والتوثيق بمدينة سراييفو في نوفمبر / تشرين الثاني
2005 بتمويل من الحكومة النرويجية أن مجموع ضحايا هذه الحروب قد يبلغ مئة
ألف شخص، من بينهم 70 في المائة بوسنيا، أي من مسلمي البوسنة و25 في المائة
من صرب البوسنة و5 في المائة من الكروات. هذه هي الخلفية التي بنى عليها
المخرج الألماني هانس كريستيان شميد مؤلَّفه الدرامي في أسلوب فيلم سياسي
مثير.
شهود من الماضي الغابر
ينصبّ فيلم "العاصفة" حول دور الممثلة حنا ماينارد المدعي العام لدى محكمة
العدل الدولية في لاهاي الخاصة بيوغوسلافيا السابقة. ومهمة هذه المحكمة
تقديم مجرمي الحرب للعدالة وإدانتهم، وهذه مهمة معقدة تتسم في أغلب الأحيان
بصعوبات في تسليم المتهمين. وتحاول ماينارد كمدعي عام الحكم على غوران
دوريتش الذي كان قائدا في الجيش اليوغوسلافي. وكان دوريتش متهما بالقيام
بعمليات ترحيل قسرية وقتل مسلمين بوسنيين بمدينة كسماج، تلك المدينة
الصغيرة الواقعة في الجمهورية الصربية حاليا.
كما توجه التهمة إليه أيضا بقيامه بخطف عشرات النساء إلى مكان يسمى فيلينا
كوسا، حيث أنزلهن في فندق كان بمثابة معسكر اغتصبهن فيه هو وزبانيته. وقد
وجدت ماينارد شاهدا يشهد ضد دوريتش. ولأن أقوال هذا الرجل كانت تزداد
تضاربا سافرت بعثة من المحكمة إلى البوسنة للتأكد من أقواله. ومن خلال
التحريات ثبت أن هذا الرجل كان يكذب، وانتحر بعد ذلك بقليل.
شاهد آخر
ولأن ماينارد، المدعي العام لدى محكمة العدل الدولية، لا تريد التخلي عن
القضية سافرت شخصيا إلى سراييفو لحضور جنازة الشاهد، ثم قابلت هناك ميرا
أرنت، أخت المتوفى. وخلال اللقاء تبين لها بسرعة أن لديها معلومات عن
القضية أكثر من أخيها. ومن ثم حاولت كسبها كشاهد جديد. لكن ميرا أرنت، التي
تعيش حاليا مع أسرتها في برلين والتي لم يبحْ لها زوجها ولا ابنها بشيء عن
أحداث الماضي، ترددت في البداية في أن تشهد ضد دوريتش. ولكن المدعي العام
استطاعت مؤخرا إقناع المرأة الشابة بالقيام بذلك.
وقبل الجلسة الحاسمة حاول محامي دوريتش الحيلولة دون قبول ميرا أرنت
كشاهدة، ونجح في ذلك. ولما تبين أن جهودا دبلوماسية للاتحاد الأوروبي وراء
ذلك أيقنت ماينارد أن خصومها ليسوا فقط في قفص الاتهام ولكن من بين طاقم
المحكمة.
سيناريو كئيب
يرسم فيلم هانس كريستيان شميد سيناريو كئيبا بين محاولات الكشف عن الحقيقة
التي تقوم بها إحدى المثاليات وتهديدات الصرب القوميين واهتمامات السياسة
العالمية التي ترى مصير الشاهدة ليس إلا شيئا هامشيا فقط. والمخرج هانس
كريستيان شميد حاز شهرة بأفلامه "23" و"كريزي" و"الأضواء" و"صلاة الجنازة"،
وبفيلمه "العاصفة"، وهو إنتاج ألماني دنماركي هولندي مشترك، استطاع أن يكسب
ممثلين عالميين مشهورين، منهم الممثلة كيري فوكس التي قامت بدورالمدعى
العام والحائزة عام 2001 على جائزة الدب الفضي لفيلم "انتيماسي" (حميمية)،
والفنانة آنا ماريا مارينشا التي قامت بدور الشاهدة ميرا أرنت والحائزة على
جائزة الفيلم الأوروبي لفيلم "4 شهور و3 أسابيع ويومين".
وبالتعاون مع السينارست برند لانجه قام هانس كريستيان شميد بالبحث مدة
طويلة في القانون الدولي حتى يتسنى لهما وضع حبكة فيلم "العاصفة". واختارا
شخصية الممثلة حنا ماينارد على غرار المدعي العام لدى المحكمة العدل
الدولية في لاهاي هيلدجارد اروتس ريتسلاف. وعن ذلك يقول شميد في حوار صحفي:
"كان يهمنا تناقضات امرأة أصبح أداء الواجب لديها من أعظم الفروض. والآن
أوشكت أن تصبح منطوية على نفسها من خلال عنادها، وأصبحت تجابه واقعا أنها
تقاوم نظاما كانت تمثله بقناعة وبحماس".
استقلالية القضاء
لقد تم عرض النسخة الأصلية من فيلم "العاصفة" في مهرجان برلين السينمائي
الدولي لعام 2009 وكان ضمن ما فاز به جائزة منظمة العفو الدولية للأفلام.
وكما صرحت مونيكا لوكه، سكرتير عام منظمة العفو الدولية فإن شميد تناول
موضوعا تهتم به المنظمة منذ سنوات، وتعلق على ذلك قائلة: "لقد استطاع شميد
عرض هذه الموضوعات المعقدة وصعبة الطرح بطريقة مؤثرة". وأردفت: "إن القضاء
في دول البلقان لا يزال غير حيادي، وفي الغالب لا يتم ملاحقة المتهمين من
رجال الشرطة أو الجيش".
لقد تأسست محكمة لاهاي العسكرية عام 1993 كالأولى من نوعها عالميا. وبناء
على مبادرة هذه المحكمة اعتُبر الاغتصاب جريمة حرب لأول مرة في التاريخ.
وهذه المحكمة التي تُسمى أيضا محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا سابقا تختص
بملاحقة الجرائم الكبرى التي ارتكبت خلال حروب يوغوسلافيا السابقة منذ عام
1991. وقد تم حتى الآن إصدار ما يزيد على ستين حكما بالإدانة وأحد عشر حكما
بالبراءة وتحويل ثلاثة عشر حالة إلى المحاكم المختصة في كرواتيا وصربيا
والبوسنة والهرسك، وفي الوقت الراهن يُبت النظر في 18 قضية ضد 41 متهما.
وطبقا لمونيكا لوكه فـ"لم يتم حتى الآن البت إلا في احدى عشرة قضية اغتصاب،
ويتضح من هذا العدد تباطؤ الإجراءات القضائية". وتستطرد قائلة أن المحكمة
سوف تُغلَق العام القادم وسوف يتم تحويل الحالات التي لم يُبت فيها بعد إلى
المحاكم المختصة التابعة للدول المعنية، وهذا ما تراه مبكرا، وتعلق على ذلك
قائلة: "لا بد من إنشاء نظام قضائي مستقل قبل إغلاق المحكمة".
وقد صرح السينارست برند لانجه أن "أحد الرؤساء الأوائل للمحكمة شبهها ذات
مرة بالطفل الذي ما زال يتعلم المشي وشبه القائمين عليها بالوالدين الذيْن
يجب عليهما أن يساعداه على النهوض عندما يتعثر". ويرى لانجه أنه وصف جيد
يعبر عن مسؤولية القائمين على المحكمة وكذلك الأمم المتحدة. وأردف قائلا:
"إن النظام القضائي المستقل لا يمكن أن أعتبره حُلما بعيد المنال لأنه أحد
أسس ديمقراطيتنا، وبهذا فإن مصلحة المحكمة أمر يخصنا جميعا".
حقوق الطبع محفوظة: قنطرة 2009
موقع "قنطرة" في
12/10/2009 |