احتفل المهرجان بمرور ثلاثين سنة على إنتاج أول شريط نسائي مغربي،
هو «هوية امرأة» لفريدة بليزيد ومنحَ جائزته الكبرى للبيروفية
كلوديا يوسا
استضافةُ رام الله والانخراط في شراكات فعلية مع مؤسساتها الثقافية ليسا
خياراً سهل التنفيذ في العالم العربي اليوم. لذا حين أقدمت مدينة سلا،
عاصمة الجهاد البحري وأهم ثغر بحري عسكري واجه منه المغاربة حملات الإسبان
والبرتغال في القرون الماضية، على استضافة رام الله والاحتفاء بفلسطين خلال
الدورة الثالثة من «مهرجانها الدولي لسينما المرأة»، اعتُبِرت المبادرة
نموذجاً ملموساً لما يجب أن يكون عليه التضامن العربي مع فلسطين في المجال
الثقافي.
ولأن واجهة أي مهرجان سينمائي هي فيلم الافتتاح، فقد جاءت واجهة هذه الدورة
فلسطينيّة بامتياز، من خلال شريط شيرين دعيبس «أميركا» (عُرض أيضاً في
«مهرجان بيروت). افتتاح مهرجان سلا تميز أيضاً بتكريم خاص حظيت به المخرجة
الفلسطينية علياء أراسوغلي التي عرض لها المهرجان فيلميها «حبل الغسيل»
و«بعد السماء الأخيرة» ضمن باقة فلسطينية ضمت 25 فيلماً لمخرجات فلسطينيات
شابات.
اختيار السينما الفلسطينية ضيفة شرف، لم يمنع مهرجان سلا من توجيه تحية
خاصة للمخرجات المغربيات، احتفاءً بخمسينية السينما المغربية ومرور ثلاثين
سنة على إنتاج أول شريط نسائي مغربي: «هوية امرأة» الذي أخرجته فريدة
بليزيد سنة 1979. وهكذا جرى تكريم سبع مخرجات مغربيات هن: فريدة بليزيد،
فريدة بورقية، نرجس النجار، إيمان المصباحي، زكية الطاهري، ليلى كيلاني،
وياسمين قصاري.
فلسطين كانت ضيفة الشرف في المهرجان
تميزت المسابقة الرسمية للمهرجان بعرض 12 فيلماً طويلاً. أعمال ليست كلها
للنساء بل أيضاً لمخرجين ذكور اشتغلوا على قضايا نسائية، وعكست أعمالهم
الموقف النسائي من قضايا السياسة والمجتمع. أما لجنة التحكيم فجاءت نسائية
بالكامل وترأستها النجمة الألمانية إيزولد بارث.
أفلام المسابقة أكدت أنه ليست هناك قضايا صغيرة وأخرى كبيرة في السينما.
المعاناة الإنسانية هي نفسها مهما اختلفت سياقاتها ومبرراتها. معاناة ثريا
بطلة فيلم آن ماري جاسر «ملح هذا البحر»، هي مع ذكريات مشوشة لوطن لا تعرفه
وتريد أن تتجذر فيه. هكذا، خلال زيارتها لفلسطين، تناضل من أجل استعادة
بيتها القديم في يافا لا لشيء إلا لأنه بيت جدها. أزمة الهوية التي عاشتها
ثريا العائدة إلى أرض الأجداد بجواز سفر أميركي ستتضاعف حين تجد نفسها إزاء
شباب فلسطيني يحلم بالهجرة طلباً لحياة من دون حواجز وجنود يجوبون الشوارع.
في السينما، الفقد هو الفقد مهما اختلفت السياقات. لذا فإحساس ثريا باليتم،
حين وجدت نفسها عاجزة عن استعادة بيت جدها، لا يختلف كثيراً عن إحساس ويندي
بالعجز والضياع حين فقدت كلبها لوسي في إحدى المدن الصغيرة في ولاية
أوريغون. «ويندي ولوسي» شريط بالغ الرقة للأميركية كيلي ريتشارد. الفقد هو
الفقد، الأهم هو حساسية الإخراج وشاعرية الكتابة والصدق في الأداء.
ولعل المستوى المتقارب للأفلام، والفيض الشاعري الذي ميز أغلبها، جعل مهمة
لجنة التحكيم بالغة الصعوبة.
لكن اللجنة حسمت أمرها في نهاية الأمر، ومنحت الجائزة الكبرى (الشهادة
الذهبية لسلا) لفيلم «حليب الأسى» لكلوديا يوسا من البيرو. الشريط الذي
يحكي قصة مرض غريب ينتقل من الأم إلى ابنتها بواسطة ما يسمى في البيرو بـ«حليب
الأسى». أما جائزة لجنة التحكيم الخاصة فكانت من نصيب الفيلم الأميركي
«ويندي ولوسي»، فيما عادت جائزة أفضل سيناريو للبوسنية عايدة بيجيك عن فيلم
«الثلج» الذي تميز برقة عالية في الكتابة. يعود بنا الشريط إلى قرية منعزلة
خربتها الحرب في منطقة سلافنو، لنعيش مع لينا ومروان وغيرهما من أهالي
القرية معاناة جديدة لقرية تحاول الخروج من الفقر حتى ولو اقتضى الأمر
إخلاء منازلهم مقابل مبالغ مالية يقترحها عليهم رجال أعمال جشعون.
أما مفاجأة الدورة، فهي من دون شك فيلم بلجيكي مجنون، مرح وخفيف الظل
عنوانه «رومبا». سحر العمل جمهور سلا، وأربك لجنة التحكيم التي اضطرت لأن
تخلق له جائزة استثنائية أطلقت عليها جائزة التنويه الخاص.
المنافسة كانت محتدمة هذه الدورة، على جائزة أفضل دور نسائي. كان واضحاً أن
التنافس سيكون عربياً بعد الأداء المذهل لسُلاف فواخرجي في «حسيبة» لريمون
بطرس. قطعت خلاله سُلاف كل مراحل العمر وتقلبات الزمان الممكنة: من الصبية
المقاتلة المتخفية في زي الصبيان، إلى العروس المتألقة زوجة التاجر الغني،
فالأرملة الشابة، فالأنثى المنذورة لعشق مستحيل (عشقت زوج ابنتها)، فالأم
المكافحة، فالجدة المنهارة انهيار زمن دمشقي جميل عصفت بأجمل ما فيه تحولات
السياسة والاقتصاد.
لكنّ الاختيار سيبقى صعباً، فكيف نغفل تميز إلهام شاهين في «خلطة فوزية»
لمجدي أحمد علي؟ لجنة إيزولد بارث ذهبت في اتجاه مختلف، إذ قرّرت منح
الجائزة للنجمة المغربية هدى صدقي بطلة «خربوشة» لحميد الزوغي. الفيلم يحكي
قصة شاعرة ومغنية شعبية عاشت في نهاية القرن التاسع عشر، واشتهرت بصوتها
الحزين وأغانيها اللاذعة الرافضة للظلم، وخصوصاً بعد الإبادة التي تعرضت له
قبيلتها «أولاد زيد» من القائد عيسى بن عمر العبدي.
هوليوود في العشوائيات
تكمن ميزة «المهرجان الدولي لسينما المرأة» في إقامته في مدينة شعبية
وهامشية رغم عراقتها، مدينة القراصنة والمجاهدين البحريين. المهرجان ينظم
في قلب المدينة الشعبي ووسط أحيائها الأشد فقراً. وإذا كانت أفلام المهرجان
قد عرضت في الدورات السابقة في الهواء الطلق، فإن دورة هذه السنة كانت
مناسبة لافتتاح قاعة سينمائية بديعة في قلب سلا اسمها «هوليوود». قاعة
قديمة ظلت مغلقة لعشر سنوات. هكذا ربحت المدينة قاعة بديعة من 900 مقعد
ستحتضن مستقبلاً دورات «مهرجان سلا».الذين يعرفون سلا جيداً وخبروا أحياءها
الشعبية الفقيرة استغربوا ماذا تفعل هذه التحفة السينمائية الجميلة وسط هذه
العشوائيات الفقيرة. لكن الذين يؤمنون بالسينما كفنّ ديموقراطي ويراهنون
على طاقة الحلم التي يوفرها الفن السابع لعشاقه، لم يجدوا في الأمر ما يثير
الاستغراب. هكذا بالضبط تتحقق الأحلام في السينما.
الأخبار اللبنانية في
12/10/2009
لندن تحتفي بالسينما بعيداً عن الاستعراض
لندن ــــ
فيصل عبد الله
لا مراهنات ولا توقعات كبرى في أروقة الدورة الـ53 من «مهرجان لندن
السينمائي». التظاهرة التي تنطلق بعد غد، وتستمرّ حتى 29 الحالي، هي فرصة
لمشاهدة أفضل ما أنتجته مصانع الأحلام والعجائب في 146 بلداً. ستقدّم
الدورة أكثر من 191 فيلماً، فضلاً عن كنوز الأرشيف السينمائي المرممة
حديثاً. ولو أضفنا إلى هذا الحشد الندوات العديدة، وبينها «السينما
الإيرانية الى أين؟ ـ ما بعد الموجة الجديدة، ما بعد الانتخابات الرئاسية
الأخيرة...» و«هل يمكن السينما أن تستفيد من الأزمة المالية؟»... نتيقّن من
أن التظاهرة تفوّقت على المناسبات العالميّة المخصّصة للفنّ السابع،
بابتعادها عن البهرجة والاستعراض.
لكن ذلك لم يمنع الاقتباس عن المهرجانات الكبرى، كما هي حال شريط الافتتاح.
إذ وقع الاختيار، لأول مرة في تاريخ هذه التظاهرة، على فيلم التحريك «السيد
فوكس العجيب» للويس أندرسون. الشريط المنفذ عبر الكومبيوتر، يستعيد عملاً
كلاسيكياً للكاتب رولد داهل. النكهة الشرق أوسطية تخيّم على المهرجان عبر
عدد من الأعمال العربية التي نالت مصر حصّة الأسد منها. إضافةً إلى الأفلام
القادمة من إيران. وسيكون هاجس التاريخ طاغياً في هذا الأفلام، على رأسها
«الزمن الباقي» للفلسطيني إيليا سليمان، حيث يستكمل سيرة عائلته في
الناصرة، وحالة الشتات الذي عاشته عقب نكبة الـ 1948. لكن النكبة تاخذ صيغة
أخرى في «المسافر» لأحمد ماهر الذي يستحضر ثلاثة تواريخ مهمة من الهزائم
العربية. وتتابع مواطنته كاملة أبو ذكرى في «واحد صفر» ليلة فوز فريق كرة
القدم المصري بكأس أفريقيا وحالة الفرحة المرّة التي عمت الشارع المصري
مقابل القهر الطبقي والاجتماعي في بلدها.
السينما الإيرانية والمصرية تخيّم على المهرجان
وسيحضر عمل الراحل شادي عبد السلام «المومياء» بنسخته الجديدة بعد ترميمها
من قبل «مؤسسة السينما العالمية» التي يشرف عليها المخرج الأميركي مارتن
سكورسيزي. أما السينما الإيرانية فممثلة بشريط «لا أحد يعرف شيئاً عن القطط
الفارسية» للإيراني بهمان غوبادي الذي يتابع هنا عالم موسيقى الـ «أندرغراوند»
في طهران. فيما تتخذ قضية الرقابة والمنع شكلاً آخر على يد مواطنته شيرين
نشأت. «نساء بلا رجال» يعود الى أيام الإنقلاب الذي دبرته وكالة
الإستخبارات الأميركية لقلب نظام الرئيس المنتخب محمد مصدق عام 1953 غداة
تأميمه النفط. وعلى ضوء هذه الخلفية، نتابع مصائر نساء يبحثن عن أصواتهن.
ويعرض المهرجان أحدث الأعمال التي سلّطت عليها الأضواء في «مهرجان كان»
وسواه. بينها مثلاً شريط جين كامبيون «النجمة الساطعة» و«نبي» للفرنسي جاك
أوديار وفيلم المعلم النمساوي مايكل هانيكي «الشريطة البيضاء» الفائز بسعفة
«مهرجان كان» الأخير. كما يُعرض
Enter
the Void لغاسبار نوي، و«حدود السيطرة» لجيم
جاروموش وشريط ستيفن سودربيرغ الجديد «المخبر» وBellamy
للفرنسي
الأخبار اللبنانية في
12/10/2009 |