يحتفي المغاربة بالسينما بطريقتهم الخاصة؛ إذ يوجد على مدار العام عدد لا
تخطئه العين من المهرجانات السينمائية التي تتنوع في اهتماماتها بما تقدمه
الشاشة الكبيرة تستهدف إشاعة ثقافة الفرجة، وإتاحة الفرصة أمام صناع
السينما في المغرب للاطلاع على ما ينتج في العالم في مجال الفن السابع،
فضلا عن الأهداف الاقتصادية والتجارية التي تتحقق على خلفية انعقاد هذه
المهرجانات من حيث إيجاد تمويل للأفلام المغربية وتسويق المنتج المحلي على
نطاق واسع.
ربما تكون هذه الأهداف هي منبع الريبة التي لاحظنا أثرها في تعليقات
المهتمين على أعداد المهرجانات السينمائية المتزايدة في المدن المغربية
خصوصا في فصل الصيف.
لكل مدينة
فالمغرب البلد العربي الوحيد الذي ينظم على أرضه أكبر عدد من المهرجانات
السينمائية، سواء محلية كانت أو عربية ودولية أيضا، فهناك مهرجان مراكش
الدولي، وهناك مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط، ومهرجان أكادير
لسينما الهجرة، ومهرجان السينما الفرنكفونية بمدينة آسفي، ويختص بعرض
الأفلام الناطقة باللغة الفرنسية التي أخرجها مخرجون أفارقة وغربيون،
ومهرجان خريبكة للسينما الإفريقية.
وينضم إلى كل هذه المهرجانات سيل آخر من التظاهرات السينمائية من قبيل
مهرجان الرباط للفيلم التسجيلي، ومهرجان الربـاط لسينما المؤلف، ومهرجان
"مارتيل" للسينما الإسبانية، ومهرجان "زاكورة" لسينما الصحراء ومهرجان
مدينة "سلا" (قرب الرباط) لسينما المرأة.. وغيرها الكثير.
أساس متهاوٍ
هذا العدد الكبير من المهرجانات يثير سؤالا هاما حول الأبعاد الثقافية التي
يرى المهتمون أنها منسية جريا وراء هدف غير واضح المعالم؛ إذ يبدي المؤلف
والمُنَظر المسرحي الكبير الدكتور عبد الكريم برشيد، في حديثه مع إسلام أون
لاين رأيه بأنه لا وجود لفن السينما أساسا في المغرب مردفا بقوله: "يجب على
المهرجانات أن تعكس وجود حركة وصناعة سينمائية قائمة على أقدامها وهي التي
لا تتوفر في القطاع السينمائي بالمغرب".
ومن هنا تساءل رائد المسرح الاحتفالي بالعالم العربي: "كيف يمكن تبرير
إقامة عشرات المهرجانات السينمائية بالمغرب ومجموعة من قاعات السينما تحولت
إلى عمارات ومقاه وأسواق تجارية، وكيف نبرر هذه المهرجانات في ظل غياب
شركات ورأسمال وطني كفيل بتطوير القطاع السينمائي بالبلاد على غرار بعض
البلدان التي نهضت السينما فيها على أكتاف "رساميلها" المحلية والوطنية، ثم
كيف نبرر مهرجانات تقام في مدن لا تتوفر على قاعات سينمائية ولا على نواد
سينمائية ولا أي بنية ثقافية تحتية تعنى بالفن السابع".
ولم يكتف برشيد بطرح هذه الأسئلة "الاستنكارية"، بل وصف تنظيم هذه
المهرجانات بكونه "هدرا للمال العام" في ظل كونها بالوعة بذخ برأي البعض،
الذي يؤديه أبناء الشعب المغربي من الضرائب التي يسددها، وهي مهرجانات تنظم
وفق مقاسات غربية وأجنبية بالأساس وليست من أجل سواد عيون الجمهور المغربي
العريض، والتواق إلى سينما مغربية متطورة تحكي همومه ومشاكله، وترفه عنه
بطريقة محترمة ليس فيها ميوعة أو ارتجال.
الصورة الذهنية
مدللا على رأيه بضرب مثل حول مضمون أفلام هذه المهرجانات السينمائية قائلا:
"يتم تقديم المرأة مثلا كما هي صورة "الحريم" في العين الغربية، وتُقدَّم
للوافدين على هذه المهرجانات أفلام ما يسمى بسنوات الرصاص، ويُقدم لهم أيضا
المغرب "الفلكلوري" وليس المغرب الحقيقي والواقعي لهذه الألفية الثالثة".
واسترسل برشيد: "هذه المهرجانات بمثابة قوقعات البحر.. تراها من بعيد
فتعجبك ببريقها ولمعانها، لكن حين تدنو منها تجدها غير ممتلئة بأي شيء".
وأكد برشيد في حديثه لـ"إسلام أون لاين" أن المغاربة صاروا بحاجة ملحة إلى
دعم الصناعة السينمائية والفنية عموما من مسرح وسينما وغيرهما، وإلى
المساهمة الفعالة في مجال التكوين السينمائي بكل ما فيه من وظائف وتخصصات
كثيرة ومتعددة، مردفا أن تراكم المهرجانات بهذا الشكل المَرَضي الخطير
وإحضار مجموعة من الأشرطة السينمائية دفعة واحدة وتكريم الفنان العربي
الفلاني والممثلة السينمائية الفلانية، ثم يُسمى المهرجان بمهرجان المرأة
أو مهرجان الرجل أو مهرجان الفلاح (ساخرا)، فهذا لا يعدو أن يكون ضحكا على
الذقون ليس إلا.
حوار ثقافات
غير أن هذه النظرة القاتمة لم تكن نفسها لدى أحد أطراف القضية الدكتور
الحبيب ناصري رئيس المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمدينة خريبكة والذي
قدم صورة مضيئة لواقع السينما ومهرجاناتها في المغرب معتبرا في حديثه
لـ"إسلام أون لاين" أن ظاهرة المهرجانات الثقافية بشكل عام والسينمائية
بشكل خاص ظاهرة فنية حديثة نسبيا بالمغرب، وهي أداة من الأدوات التنشيطية
التواصلية التي يمكنها أن تساهم في تطوير المَلَكات الفنية للجمهور المغربي
والتعريف أيضا بالمغرب بكونه بلد التعايش والتسامح والانفتاح على الآخر.
وأكد ناصري أن الفيلم المغربي اليوم يساهم بشكل متميز في الدفاع عن صورة
المغرب فنيا، خصوصا الأفلام المستمدة من رؤية فنية وثقافية واجتماعية
وتاريخية نوعية ومتميزة.
وأردف ناصري أن ترويج هذه الأفلام مرتبط بشكل وثيق بتنظيم المهرجانات
السينمائية في زمن تتهاوى فيه القاعات السينمائية في المغرب بشكل مخيف
ومرعب، نظرة إيجابية لواقع دور العرض المتدني المستوى في المغرب.
وقال ناصري بخصوص استفادته كناقد وباحث فني ورئيس مهرجان: "شخصيا، نفعتني
المهرجانات السينمائية المغربية في تطوير إمكاناتي النقدية وعرفتني بالعديد
من الأسماء والمكونات السينمائية المغربية والعربية والدولية، وكم اكتسبت
من صديق ومن فكرة ومن مقالات هامة هي اليوم تعرف طريقها إلى النشر في كتب
نقدية سينمائية مختصة".
معايير الجودة
واسترسل الدكتور ناصري بأن المهرجانات السينمائية تعد محطة فنية وثقافية
وجمالية مهمة ودالة، ويمكن تطويرها في اتجاه أفضل خصوصا حينما نخلصها من كل
ما من شأنه أن يعكر صفوها وأن تُستغَل في اتجاهات غير الاتجاهات الثقافية
والفنية.
ويضيف رئيس المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بأنه ينبغي على القطاع الخاص
أن يساهم هو الآخر بشكل فعال وكاف من أجل تعميق إنجاح هذه المهرجانات
بالمغرب، فالقطاع الخاص مكون أساسي من المكونات الاقتصادية الوطنية التي من
الواجب أن تتفاعل مع المهرجانات بشكل إيجابي، لاسيما حينما يتعلق الأمر
بالمهرجانات الموجودة بالهوامش الجغرافية للبلاد.
ودعا الناقد المغربي إلى الضبط المالي والمراقبة الصارمة وترشيد النفقات،
واستحضار البعد الثقافي في المهرجانات السينمائية كأحد الأذرع الواقية
للمهرجانات السينمائية والمعمقة لها، والتي -يردف المتحدث- نعترف بفضلها في
منحنا فرصة التواصل والاحتكاك النقدي والثقافي النافع".
هذه هي المعايير التي وصفها ناصري بكونها "الضامنة" لسد الطريق على كل من
ينبش من أجل هدم المهرجانات السينمائية المغربية الهادفة"، على حد قوله.
بروباجاندا
أما الناقد وكاتب السيناريو محمد اشويكة فاتخذ موقفا وسطا في هذا الجدال
حول الكم الهائل من المهرجانات السينمائية التي يشهدها المغرب كل سنة، فهو
يرى ضرورة التفكير -بعد التراكم الذي حصل على مستوى تنظيم الملتقيات
السينمائية- في تطوير التجارب التي أخذت تترسخ في مفكرة التظاهرات
السينمائية بالمغرب ووضع هوية تخرجها من استنساخ غيرها، فقد "أصبحنا نلاحظ
نفس الوجوه ونفس التيمات ونفس الأفلام".
وقال الناقد المغربي إن متطفلين كثيرين برزوا في تنظيم وتأسيس المهرجانات،
ولا يعرفون "ألفبائيات" السينما، ولكنهم يعرفون أبجديات "البزنس"، مضيفا أن
المغاربة ليسوا في حاجة إلى مهرجانات "البروباجاندا" (الدعاية)؛ حيث يجب
على المغرب أن يبتعد عن ثقافة المواسم التي أصبحت الكثير من التظاهرات
السينمائية تعيد إنتاجها بمسحات مُعَصْرَنَة.
ولاحظ المتحدث أن كل المهرجانات السينمائية، مع استثناءات قليلة، تمر
كالغيمة ولا تخلف إلا الخِلاَف والانقسام.
صحفي مغربي مهتم بالشأن الثقافي.
إسلام أنلاين في
08/10/2009 |