السذاجة أصبحت تطول كل شيء في حياتنا.. من أول التعامل مع الأشياء الكبيرة
والمهمة.. وحتي أبسط شيء وأصغره.. ومنها برامج التليفزيون مثلا التي تختصر
معني الجرأة في حديث الفحش فقط. ونسف فكرة الحياء التي امتاز بها الإنسان
عن الحيوان.. وتسطيح القضايا بالفتونة والمجاهرة بالخطأ.. واعتقد انه لغويا
تسمي هذه الأشياء بجاحة واستنطاع وليست من الجرأة في شيء.. وقديما قالوا:
"راحت الهيبة.. وبقيت الخيبة"!!
وفيلم إيناس الدغيدي الجديد "مجنون أميرة" حالة واضحة من حالات الخيبة التي
ابتليت بها السينما المصرية في هذا الموسم الأعرج الذي به من العاهات ما به..
أولها هو هذا التصعيد العبثي والمجنون لممثلين لا يرقون حتي للأدوار
الثانية فما بالك بأدوار البطولة المطلقة ودون النظر إلي المؤهلات التي
يمكن أن تسندهم في هذا الرالي المضحك للمعوقين.. أول هذه المؤهلات هي حسن
الأداء المتقن من ممثل يفترض أن يأخذ الأمور بجدية حتي ولو كان يلعب
الكوميديا.. ولكن في حالتنا هذه نري "مهرجا" لا ممثلا طاش صوابه أمام نجمة
كليباته أو عروسة حلاوة كما طاش أمام تحمله لمسئولية أكبر منه بكثير!..
ثانياً: هذا الموضوع الافتراضي الغريب.. وبالمناسبة هي المرة الثانية التي
أري فيها أحداثا افتراضية هزيلة في وقت متقارب وكأن الواقع الذي به ما هو
أغرب من الخيال لم يعد يلفت نظر أحد بكل ما فيه من غرائب وطرائف تملأ آلاف
الأفلام لا شريط واحد لا يصلح حتي للأطفال!.. ثم تلبيس هذه الافتراضيات
بأمور معقدة لا يصح حتي الإلقاء بها هكذا في هذا الهرج مثل مناقشة حوار
الأديان أو حتي الحضارات!!
إننا أمام ابراهيم مصطفي هريدي ذلك الشاب الأهبل المتعلق بالأميرة ديانا
إلي حد الهوس والجنون وتعليق صورها في كل مكان في بيته بل وعلي البسكيلته
التي يجري بها في الشوارع ثم فجأة وهو عمل في البازار السياحي يجد شبيهتها
وتدعي كريستينا "نورا رحال" فيعزفها والوفد المرافق لها علي طبيخ أمه "هياتم"
في الحي الشعبي الذي يقطنه فتوافق وفيه تجد ألفة لا تجده في حياة القصور
التي تعيشها. ومع مغامرات "غيرة" نمطية من تراث السينما المصرية العقيم
تقوم خطيبته "شمس" وأمها "نادية العراقية" بالمزيد من سخافات المشاهد
للعكننة عليه وعلي ضيوفه.. لنعرف بعد ذلك ان كريستينا هي ديانا الحقيقية
ولكنها كانت متنكرة كي تسير بحريتها في شوارع وحواري مصر وتتعرف علي العرب
والمسلمين بشكل مباشر بعيدا عن الضجة الإعلامية المغلوطة حول العرب ثم تعلن
عن زيارة رسمية للقاهرة يكون ضمن برنامجها مقابلة شيخ الأزهر والاستماع
إليه!..
إلي هنا والأحداث يمكن أن تقبل كمقدمة لتصرف أهم.. ولكن يفاجئنا الفيلم
بهطل أكبر حينها نجد صحفنا الغراء تهلل لإسلام ديانا الذي لم يتم بل وتخرج
المظاهرات في الشوارع تؤيد إسلامها وكأننا كنا منتظرين هذا الحدث الجلل
لتحل به جميع مشاكلنا بما فيها تحرير فلسطين.. حتي الولد الأهبل يظل
يطاردها.. حتي ينقذها من مؤامرة لاغتيالها يقوم بها حراسها ومعاونوها..
ويفيدها بنفسه ليموت هو شهيد حبه وتعلقه المعتوه!
القصة كتبها أشرف شيتوي بشكل آخر يفترض فيها نظرية المؤامرة وبصرف النظر عن
ابتعاد الفيلم عن حكايتها مع دودي وهي الأشهر والأهم. فان السيناريست مصطفي
محرم قد ركز علي سلبياتنا نحن مع سلبياتهم هم أيضا.. ولا أعرف ما المغذي
اذن؟! ويبقي إدانة العلاقات المحرمة قبل الزواج هي أهم ما جاء بالفيلم..
برغم وضع هذا الكلام في سياق مضطرب وسرد أقرب إلي الشعوذة والتلفيق.. وأبعد
عن الاتزان الفكري والفني الثاقب!!
حتي التهريج يحتاج إلي خفة دم وإلي حضور مرح يحدث الشعور بالبهجة.. كما
يحتاج إلي فكرة واضحة وموضوع له معني.. لا تزوير للتاريخ وضحك علي الذقون
بخزعبلات مجنون!!
Salaheldin-g@hotmail.com
الجمهورية المصرية في
08/10/2009 |