تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

بسبب المط والتطويل

البطولة الحائرة فى «حرب الجواسيس».. وأشياء أخري

محمود مسعود

سؤال يطرح نفسه بقوة أمام الكاتب الدرامى عندما يشرع فى نسج مساحة درامية قبل أن تتشكل خطوطها السردية. 

وإجابة هذا السؤال تكون بمثابة العمود الفقرى الذى تلتف حوله كل خطوط السرد مكونة نسيج المساحة بأكملها. 

والسؤال هو: من هو بطل هذه المساحة؟ 

ومن منطلق الإجابة المتعددة التى تطرحها المقدمة المنطقية الدالة على المقصد الدرامى يقع المبدع فى فخ الاختيار، حيث يتوقف على اختياره هذا منهاج معالجته وأسلوب تناوله، وهذا الاختيار يحقق الموقف الفلسفى لأبعاد رصيده من الأحداث وموقفه الشخصى منها!!.. وهو فى الوقت نفسه يحقق لمقولة الفن اختيار أبعادها. 

واختياره سوف ينحصر من بين تلك الإجابات التى تحدد بطل السرد الذى يمكن التعامل معه كمفجر للأحداث. 

فهناك صورة الفرد الذى يمتلك الإمكانية والقدرة وهناك حسابات أخرى لبطولة المكان.. وبعد ثالث عندما يصبح الزمان هو البطل.. أما رابعًا فإنها تتيح إمكانية البطولة للحدث الذى تتجمع حوله كل خطوط السرد، أما خامسًا فإنها تطرح البطولة للموضوع الذى يتجسد أحيانًا فى حدث ما أو أبعاد قضية مطروحة للجدل. 

فى عام 1982 عرض التليفزيون المصرى الجزء الأول من مسلسل «رأفت الهجان» المأخوذ عن رواية طويلة للروائى صالح مرسى الذى عالج أيضًا السيناريو وكتب الحوار وأخرجها يحيى العلمي. 
والرواية مستوحاة من ملفات المخابرات المصرية تلك التى تحوى أحد أوجه الصراع العربى ـ الإسرائيلي، وتدور أحداث المسلسل حول العملية المخابراتية التى قامت خلالها المخابرات المصرية بزرع عميل دائم لها داخل المجتمع الإسرائيلي. 

وقد استطاع هذا العميل أن ينجز من الأعمال ما استحق أن تطلق عليها الأعمال البطولية.. وأن يلقب هو بالبطل، وهو الأمر الذى جعل صالح مرسى يحسم أمره مبكرًا لاختياره لصورة البطل حيث كانت صورة البطل الفرد وإمكاناته الهائلة وأعماله التى تترجم أحداثًا تفرض نفسها على المعالجة بقوة سواء على مستوى العمل الروائى «أدبيا» أو على مستوى المعالجة التليفزيونية للمسلسل، ثم كان هذا النجاح الجماهيرى العريض الذى حققه المسلسل. رغم الأخطاء النقدية التى شابت المعالجة التليفزيونية سواء على مستوى بناء السيناريو أو أبعاد الرؤية الإخراجية إلا أن صورة البطل التى كانت الجماهير عطشى إلى تحقيقها طغت على كل هذه الأخطاء وتجاوزتها وأصبح «الهجان» مجسدًا لأمجد الأحقاب التاريخية المصرية، وهو ما أكسبه تلك الحصانة النقدية والتى جعلته فى مصاف التابوهات التى لا تمس!! 

واجه بشير الديك كاتب السيناريو والحوار حيرة شديدة جاءت مع مواجهته للإجابة عن ذلك التساؤل الذى تحدد إجابته بطل العمل.. فالشخصيتان المحوريتان اللتان تتصدران خطوط السرد يتمتع كل منهما بالإمكانية والقدرة على تبؤ صدارة البطولة. 

وعلى الرغم من الانحياز الواضح لـ «صالح مرسي» لإسناد البطولة إلى سامية فهمى طبقًا لما حققه فى نصه الأدبى إلا أن هذا الانحياز لم يقنع الديك لكى يسند لها البطولة، وقد عكس بناء السيناريو أبعاد هذه الحيرة التى لم تستطع تحسم وبصورة قاطعة صورة البطل! 

ويبدو أنه اقتنع بنظرية القسمة العادلة وعلى طريقة «أنت النص وأنا النص» قدم معالجته التى افتقدت إلى سيمات وملامح الحبكة الدرامية التى يمكن أن تتضافر من خلالها الأحداث.. وبات واضحًا الفصل التعسفى الذى فصل بين الشخصيتين المحوريتين وجعل كلاً منها بعيده عن الأخرى من حيث الهدف والمقصد والمعني. 

زاوية أخري: لم يستطع بشير أن يحقق فى معالجته المساحة الدرامية التليفزيونية التى تستطيع أن تستوعب أحداث السرد للأجزاء الثلاثة للنص الأدبى والذى تعامل معه بشير بطريقة الاختزال الرياضي. 

«وقد تكون مشاهد إنقاذ سامية فهمى من يد الموساد الإسرائيلى من المشاهد التى حرم منها المشاهد من تفاصيلها تلك التى كانت كفيلة بأن تحقق عنصر التشويق وأن تولد الحماسة الوطنية».. أيضًا أفرغت المعالجة دور سامية فهمى من مضمونه حيث اختزل دورها على أن تكون النموذج الذى نفذت من خلاله المخابرات المصرية عملية الإنقاذ من الموساد الإسرائيلي.. أما دورها الأساسى فقد اختزلته المعالجة فى تلك المشاهد المحدودة التى جسدت عملية توصيل المعلومات التى دبجتها المخابرات المصرية للموساد.. وفى المرة الثانية تم اكتشافها واعتقالها.. أى أن دور سامية فهمى لم يكتمل ولم تتضح ملامحه وانتهى قبل أن يبدأ!! 

أدى هذا الاختزال أيضًا إلى فقدان رجل المخابرات المصرى « السيد عادل» إلى الكثير من صفات رجال المخابرات ومنها إمكانية القدرة على التصرف فلم نشاهد طوال الأحداث فعلاً يحقق له وجودًا فاعلاً ومؤثرًا رغم محورية دوره.. وقد نلاحظ من خلال مشهد ما.. ملامح شكله ثم فجأة «قطع» انتهت المشكلة.. أما الكيفية فإن الأمر مرجعه إلى مورفيبية أمام المشاهد على الأقل.. ويرجع ذلك إلى المنهاج الدرامى القديم الذى تعامل به بشير مع الشخصية حيث استخدم فى بنائها.. ذلك المنهاج الذى كان يستخدم فى بناء شخصيات التراجيديا القديمة باعتبارهم خاضعين لمقدرات قدرية لا دخل فيها لإمكانات شخصية. 

أما اللافتة الأكثر فجاجة تلك تعلن بها سامية فهمى أنها عضو فى التنظيم الطليعى للدرجة التى تتناول بها هذا بصورة هى الأقرب إلى انتمائها إلى عضوية جمعية خيرية. 

الأم: كنت فين يا سامية. 

سامية: أنا يا ماما كان عندى اجتماع فى التنظيم الطليعي!! 

ويقدر من الجهد المعلوماتى كان يستطيع بشير الديك أن يجمع من المعلومات حول التنظيم وطبيعته وهيكله لكى يعرف أنه من السرية بمكان للدرجة التى قد لا يعرف فيها الأعضاء بعضهم بعضًا. 

إن موقف بشير الديك من الحقب الناصرى كانت سببًا مباشرًا فى ذلك التعتيم التاريخى الذى حرص بشير أن يضفيه على معالجته، لولا الرؤية الإخراجية التى وضعت صورة عبدالناصر فى المكاتب الرسمية لكى تدلنا فقط على زمن الأحداث وليس تاريخها!! 

لم تستطع المساحة الدرامية التى أتاحها كاتب السيناريو أن تتيح الفرصة كاملة للمخرج أن يحقق رؤية إخراجية متكاملة الأبعاد، على الرغم من الجهد ـ الذى بذله لكى يحقق تلك الرؤية ـ ذلك لأن بناء السياق الدرامى ومساحته والشخصيات ومدى تأثير وجودها وتفاعلها لم يساعده بصورة مباشرة أو غيرها على تحقيق هذه الرؤية. 

وعلى أى الحالات فإن هذا الجهد قد أثمر عن صناعة الـ 30 حلقة التى تم بثها وإن كنت أعتقد أن مساحة الدراما على الورق التليفزيونى لا تغطى أكثر من 15 حلقة أو أقل. 

مع ملاحظة مهمة جدًا أن ذلك لم يجعله يقع فى فخ التطويل وسوف نوضح ذلك لاحقًا. 

ومن هنا كان افتقاد المسلسل إلى الكثير من المقومات التى تتميز بها تلك النوعية التى تعتمد بالدرجة الأولى على التشويق والإثارة وبعث الحس الوطني. 

ولأن الورق التليفزيونى لم يكن يحمل أصلاً أسباب هذه العناصر فقد حرم المخرج من تحقيق الرؤية الإخراجية متكاملة الأبعاد. 

رغم محاولاته لإضفاء الجديد على بناء وشكل الشخصيات والجديد الذى أضافه على فريق العمل المصرى هو ذلك القدر من السذاجة وإظهارهم بهذا المظهر غير اللائق سواء على مستوى الشكل، حيث الملابس الكاجوال الأقرب إلى ملابس العمال.. أو من حيث السلوك المهني.. حيث تتم المتابعة المخابراتية عن طريق «الفسبا» وخوذة المرور والتى يعتقد مرتدوها أنها وسيلة الخفية.. تحقيقًا لنظرية النعامة فى الإخفاء. 

على الجانب الآخر فإن الأمر مختلف تمامًا، حيث مظاهر الثراء واضحة على كل المستويات، وكذا الإمكانية والذكاء والقدرة على التصرف. 

ومن خلال مقارنة بصرية بسيطة يفقد الجانب المصرى إلى قدر من التعاطف معه، وهو الأمر الذى يتضاد تمامًا والهدف من صناعة مثل هذه النوعية من المسلسلات!! 

لا شك أن المنتج لعب دورًا مهمًا فى صنع نوع من الإيقاع لتتابع الخط السردي، خاصة فى الجزء الأول غير أننى أعتقد أن نقلات المونتاج كانت تحوى فكرًا إخراجيا على مقاس ونوعية نادر جلال، ولذا فإننى أعتقد أنه كان هناك تعاون واضح بين المونتير الذى أدى دوره ببراعة وإضافة وبين المخرج، وهذا التعاون أدى إلى ضبط إيقاع الحركة ونجاة المساحة الدرامية من الوقوع فى فخ التطويل. 

ومن المؤكد أن التقسيمة التى صيغت من خلالها صناعة المسلسل كان لها الأثر السيئ على فريق التمثيل، حيث لم تستطع المساحة المتاحة أن تحقق لأى منهم «ربما المسثنى من هذا هو شريف سلامة» دورًا واضح الملامح أو الفرص للتعبير عن مضمون وموضوعية دوره وفى مقدم من أخير من هذه التقسيمة هو النجم هشام سليم، فلا شك أن هشام يملك من الإمكانية والاستطاعة ما يفوق الكثير مما ظهر منه فى هذا المسلسل، وهو الممثل الوحيد الذى لم يعطه المؤلف مساحته وحقه ولا المخرج فرصته للتعبير. 

أما الحسناء جدًا منة شلبى فإننى أراها فى هذا الدور أى شخصية أخرى غير سامية فهمي. 

أما شريف سلامة فهو الممثل الوحيد الذى بات دوره فضفاضًا عليه فمازالت المساحة بينه وبين البطولة بعيدة بعده عن حرفة التمثيل نفسها. 

رانيا يوسف كانت مبالغة للدرجة التى يشعر فيها المشاهد بأنها متعمدة تصوير هذه المبالغة وهو ما أفقدها المصداقية والقدرة على التأثير يشاركها فى هذا أحمد صيام فى دور اليهودى التقليدي. 

أما باسم باخور فقد كان الأقرب إلى تحقيق مصداقية فى دوره.. فى النهاية على أن أشير بكل التقدير إلى صاحب الموسيقى التصويرية والمقدمة فهو الوحيد الذى كتب لهذا المسلسل عن حقيقية هويته. 

العربي المصرية في

06/10/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)