تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

من ابرز كتاب الدراما السورية الشباب ومسلسله 'فنجان الدم' اثار الكثير من الجدل عدنان عودة:

التلفزيون يخضع للكثير من المحاذير الرقابية بعكس السينما والمسرح

فادي عزام/ دبي

عدنان عودة واحد من أبرز كتاب الدراما السورية الشباب، يعرض حاليا له مسلسل 'فنجان الدم' على قناة 'ام بي سي'، الذي أثير حوله الكثير من الآراء وتأجل عرضه لأسباب غير واضحة، في هذا الحوار الشديد الصراحة يعرض عودة الكثير من آرائه حول أزمة أو أزمات الدراما العربية والسورية وبعض مما يحدث في كواليس الإنتاج.

·     بصفتك دارسا للنقد المسرحي وقادما من ثقافة عميقة في المسرح، كيف ترى سطو التلفزيون على كلمة دراما (وهل حقا ما يعرض) يمكن أن يطلق عليه هذا المصطلح بعمقه ومفهومه وأيضا بخطورته؟

مما لا شك فيه أن الدراما كمصطلح ارتبط في نشأته بالمسرح، كنوع ثالث إلى جانب التراجيديا والكوميديا، غير أنها امتدت إلى الرواية والفن التشكيلي أيضاً.

وفي القرن العشرين صار يطلق على كل عملٍ تمثيلي من ابتكار الخيال دراما، بل تجاوز الأمر ذلك وأصبحت كل الأنواع التمثيلية كتراجيديا وكوميديا معاصرة تندرج تحت اسم الدراما، ومع نشوء قنوات الاتصال الحديثة كالسينما والإذاعة والتلفزيون، ظهرت أنواع الدراما السينمائية والإذاعية والتلفزيونية، ولكل منها خصائصها، ولذا فليس من الغريب أن يقدِّم التلفزيون دراماه الخاصة به، على أن السؤال ينبغي أن يكون،

·         هل دراما التلفزيون مؤثرة وفاعلة كدراما المسرح والسينما؟

أعتقد أنها الأضعف قياساً لسابقيها، لأن الأمر يتعلَّق بخصوصية جهاز التلفزيون كمؤسسة وقناة اتصال تخضع للكثير من المحاذير الرقابية، على عكس المسرح والسينما، وأكاد أجزم أن 90 بالمئة مما يبث من مسلسلات على الفضائيات العربية، غايته ملء ساعات البث لا أكثر، لأنها لا تحتوي على الحدود الدنيا من مقومات الدراما، ولعل المشاهد العربي يستطيع أن يتنبأ بالأحداث التي ستقع في الحلقة ثلاثين من أي مسلسل، بمجرد أن يتابع الحلقتين الأوليين منه، هذا كمثال: على أن صنعة التشويق تنقص هذه الدراما التلفزيونية وهي من أبسط أساسياتها..هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن جرأة التلفزيون على أن يقدم دراماه كبديل لدراما المسرح والسينما ترجع في جوهرها إلى العقلية الثقافية للحكومات العربية، لأنها حريصة جداً على قتل أي فعل ثقافي مدني، يكرِّس الحوار والتفاعل الفكري، وهذان أمران خاصان بالسينما والمسرح، ولهذا نستطيع بنظرة سريعة أن نرى كيف تحولت النشاطات التفاعلية إلى مهرجانات سياحية فولكلورية، تشبه إلى حد التطابق الاحتفالات الرسمية للحكومات.

يقال انه ما من تمويل للمسرح، وأنا أقول: لو صرفت ميزانيات مهرجان المحبة والسلام في سورية، ومهرجان الجنادرية في السعودية على الإنتاج المسرحي، لحصلنا بالتأكيد على مئتي عرض مسرحي ضخم ومن الطراز الرفيع، غير أنه ما من أحدٍ يريد ذلك.

·     المسلسلات السورية وما يطلق عليه الدراما السورية، بدأت تقع بمحظور الذي حذر منه الكثيرون قبل سنوات، بدأت تفصل على مقاس التلفزيونات الخليجية، وبدأ المنتجون الخليجيون يفرضون الشروط والأدوار والمواضيع وبدأت تظهر ظواهر النجومية التي ابتليت بها المسلسلات المصرية؟ كيف ترى مستقبل الإنتاج التلفزيوني السوري في ظل كل ذلك؟

من حيث المبدأ، لا أستطيع أن ألوم المال الخليجي الذي يمول المسلسلات السورية، فما من مال يقدِّم لصناعة فن، إلا ويطلب من هذا الفن أن يكرِّس قيم ومفاهيم صاحب رأس المال.

المشكلة ليست في المال الخليجي، المشكلة هنا تكمن في الدراما السورية والقائمين عليها، ذلك أنها وعلى الرغم من نوعيتها الجيدة فنياً ووفرة إنتاجها وتعدد أنواعها، إلا أنها لم تتحوَّل إلى صناعة حقيقية بعد، فنحن لا نمتلك إتحاداً حقيقياً للمنتجين ولا لكتاب السيناريو ولا للمخرجين ولا للمصورين ومهندسي الديكور إلخ، ولا قنوات فضائية سورية تبث أعمالنا وتروج لها، إضافة إلى أن الإنتاج الدرامي السوري إنتاج اعتباطي، خاضع للارتجال، وليس هنالك من شركة إنتاج سورية لديها خطة إنتاجية لعام واحد مقبل.

الدراما السورية على كف عفريت..فمن كان نجماً في الموسم الرمضاني الماضي، لا وجود له على الخارطة الدرامية لهذا العام، وهذا يعني أنني لست ضد مفهوم النجم، وأقصد هنا النجم بمفهوم هوليوود لا النجم بالمفهوم المصري، لأن للتلفزيون نجومه في هوليوود وهم يختلفون عن نجوم السينما، فيما الأمر مختلف في مصر، حيث جاؤوا بنجوم السينما إلى التلفزيون، وبدأت الكارثة، وإذا كنا سنقع في مشكلة فهي أننا سنقلِّد المُقلِّد.

هناك محاولات اعتباطية في سورية لصناعة نجم، غير أنها لم تتحقق بعد واعتقد أنها لن تتحقَّق أبداً في مثل هذه الظروف، غير أن المشاهد في سورية مثلاً لا يُتابع هذا المسلسل أو ذاك لأنه من بطولة فلان أو فلانة، إنما يتابعونه لأنه مسلسل سوري وحسب.

وأما على صعيد المضمون فإن المراقب يستطيع أن يلاحظ أن هنالك أكثر من ثمانية مسلسلات سورية لهذا الموسم تتناول مجتمع القاع في دمشق، لدرجة أنه يصعب عليك التمييز في ما بينها، إنها باختصار مسلسل واحد بثمانية عناوين، وهذا ناجم بالطبع عن الارتجال وعدم التنسيق في ما بين شركات الإنتاج. ما من خليجي أو مصري يقتل الدراما السورية..السوريون هم من بدأوا أولاً بقتل دراماهم، بعشوائيتهم وفوضاهم التي تشبه كل التفاصيل الأخرى في حياتهم.

افتتحت قناة دراما سورية على أنقاض القناة الثانية (ورافقها كالعادة كم من اللغط) وبدأت بثها.

·         كمعني بالإنتاج السوري كيف ترى مكانها وماذا تريد منها وكيف تقرأ أداءها؟

من الجيد أن تفتتح قناة للدراما السورية، ولكن ما الذي يضمن لي أنها لن تكون كما الفضائية السورية في آلية عملها وتوجهاتها.

عندما تراهن على فرس وفارس في سباق ما ويخسر الاثنان، عليك أن تغير أحدهما، في الحقيقة لدينا الآن فرس جديدة هي قناة الدراما، ولكن الفارس ما يزال هو نفسه، العقلية ذاتها التي تدير باقي قنوات التلفزيون الرسمي، ولهذا فإنني لست متفائلاً كثيراً، بدليل أن ما كانت تحذفه الرقابة السورية على القناتين الفضائية والأرضية سيحذف أيضاً على قناة الدراما، وعلى هذا فإننا سنبقى نراوح في ذات المكان.

·     صرح أحد المنتجين السعوديين وهو حسن عسيري ان السوريين ينامون بالعسل، قريبا سيكونون منفذين للإنتاج على الأكثر وظاهرتهم ستنتهي. ألا ترى أن الإنتاج السوري مكشوف وغير محمي حتى الآن، وأن التصريح بحد ذاته ليس مهما، بمقدار ما يعكس علنا ما يتداول سرا في مؤسسات الإنتاج التي تمتلك المادة ومصير الدراما السورية؟

لا أعتقد أنه من الصحة بمكان أن نأخذ على محمل الجد تصريحاً كالذي أدلى به حسن عسيري حول الدراما السورية، ذلك أنه هو الآخر طفرة خلقها الفساد والمحاباة في بعض المؤسسات التلفزيونية العربية.

الدراما السورية وجدت قبل عسيري وستبقى بعده، لأنها حاجة سورية أولاً، ذلك أنه لا بديل لهم عنها في غياب السينما والمسرح والصحافة والفن التشكيلي، إنها خبزهم اليومي، ولا أعتقد أن هنالك شعباً يعلي من قيمة دراماه التلفزيونية كما السوريين.

المشكلة تكمن في أن تقتل هذه الدراما نفسها بنفسها، بأن تبدأ بتكرار مواضيعها وطرق معالجتها، ومنافسة بعضها، أما في ما عدا ذلك فلا أعتقد أنه سيكون للتلفزيونات العربية بديل عن المسلسل السوري، وإن كان هنالك دراما خليجية بدأت بالنهوض حالياً فإنها تقوم على أيدي المخرجين والفنيين والممثلين السوريين، إنها دراما سورية جديدة ولكن بلهجة خليجية فقط.

·     احد تعليقاتك على نجاح (باب الحارة) قلت في احد الحوارات (نجح لأنه يمتلك حاملا جنسيا) العبارة غامضة فهمت وفسرت خطأ، هل يمكن توضيحها خاصة أنك قرنتها مع المسلسلات التركية وأطلقت حكم قيمة عليها؟

ما أقصده بان مسلسلاً مثل (باب الحارة) يقوم على حامل جنسي، ينطلق من أن الدراما إما أن تتوجه إلى العقل ليحاكم ويحلِّل، أو أن تتوجه إلى الخيال لتنشطه، أو إلى العاطفة لتحركها، أو إلى الغرائز لتستثيرها، ولعل المراقب للجزء الثاني من باب الحارة (حينها قلت انه عمل يقوم على حامل جنسي) لن يوجد للعقل والتحليل، أو الخيال ونشاطه مكان..وحدها الغريزة الجنسية كانت تحرك العمل، وذلك انعكس في سطوة الرجل على المرأة (الصراخ عليها، غسلها لقدميه، الزواج من أكثر من زوجة، انقسام المجتمع إلى سلملك وحرملك، أجواء الحرملك وما تثيره في الرجال والنساء على حد سواء) ذاك ما قصدته بالضبط، ذلك أنه مسلسل ذكوري بامتياز، في المقابل قدمت الدراما التركية في (مهند ونور) باقي الأسماء صورة جنسية رومانسية أثرت كثيراً في المرأة العربية، فكان هذا المسلسل مسلسل نسوي جنسي بامتياز.

قيل الكثير عن (فنجان الدم)، ولكن لدينا سؤال جوهري في موضوع إعادة الاعتبار للبدو على الشاشة، هل تعتقد أن ما عرض على الشاشات العربية لم يعن بإعادة الاعتبار للناس جميعا على مختلف مشاربهم هذا واحد، وأنك استشهدت أن في العراق الحل العشائري والقبلي هو الحل الذي يثبت الأوضاع داخل البلد.

·         أليس هذا هو بالضبط مشروع تقسيم المنطقة (وتكريس أقلياتها، ودويلاتها القبلية والعشائرية والطائفية؟

لم أقصد في (فنجان الدم) أن أعيد الاعتبار للبدو في واقعهم الحياتي وصيرورة حياتهم، ذلك أنهم فعلوا ذلك بأنفسهم، فالأسر التي تحكم السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات هي أسر بدوية صرفة، وليس هنالك من اعتبار يتحقق أكثر من استلام هؤلاء للسلطة في بلدان مهمة كهذه.

إعادة الاعتبار التي كنت أعنيها، هي في الدراما التي كرست على مدى عقود صورة خاصة عن المجتمع البدوي، تتعلَّق بأمور ثانوية لا جوهرية كتحليل العقلية البدوية، وعلاقة البدو بالأوضاع السياسية في المنطقة، واستفادتهم من ذلك لتحديد مستقبلهم في ما بعد، ولهذا حورب (فنجان الدم)، لأنه نبش في ملفات ممنوعة وحرك مياها راكدة، كان الجميع حريص أن تبقى هكذا إلى ما شاء الله.

هذا عدا أن القيادات السياسية والعسكرية في البلدان العربية قيادات قبائلية وطائفية، فمن المعروف أن القسم الأكبر من الحرس الوطني السعودي هم من قبائل معينة، كذلك الأمر بالنسبة للحرس الجمهوري في العراق وسورية.

ولهذا فإن (فنجان الدم) لا يدعو إلى النكوص إلى القبائلية والطائفية، بقدر ما يسعى إلى تحليل هذه النوى الاجتماعية التي ارتدت لباساً مدنياً مؤسساتياً، وما زالت تحكمنا حتى هذه اللحظة.

كل القيادات العربية تقول انها ليست طائفية أو قبلية، ولكن الحقيقة على الأرض ليست كذلك..وهذا ما يجعل من (فنجان الدم) عملاً إشكالياً.

·     ألا تعتقد أن المسلسلات الخليجية بمواضيعها وأفكارها وتصوراتها تعكس حياة البدو المعاصرين، لماذا تم تصوير الحالة البدوية على أنها المسلسلات الساذجة ، وما رأيك بمسلسلات البدو المعاصرين خاصة أن هناك مؤسسات عملاقة ومليارات صرفت لتكريس الشعر الشعبي البدوي، والحديث عن التراث والعادات والتقاليد التي بجوهرها هي تجل لروح البدوية؟

يقول المثل البدوي (الإمارة ولو على حجارة) ذلك نزر يسير من العقلية البدوية..وذاك ما لا يجرؤ أحد على التحدث به، المسلسلات الخليجية ومسابقات الشعر والمهرجانات التي تتغنى بالبادية والبداوة، لا تخرج عن السياق السياحي، الذي تباركه الحكومات العربية طالما يحصر الأمر في النطاق الفولكلوري، ولكن البحث في صراع الأسر والقبائل البدوية، أمر محرَّم لأنه يشكل خطراً حقيقياً.

·     منذ سنوات قُتل الأمير الشاعر طلال الرشيد في صحراء الجزائر..ترى هل قُتل لأنه علماني؟ أم لأنه إسلامي؟ أم لأنه شاعر؟ أم لأنه من آل الرشيد؟

البداوة ستبقى فينا إلى الأبد..ولذا لا بد من التوقف والبحث فيها بجدية هذه المرَّة من هنا جاءت مقاربات (فنجان الدم) للمسكوت عنه، والممنوع الحديث فيه.

فالمؤسسات الحاكمة والسلطة ليس لديها مشكلة مع تصوير كاريكاتوري للبدو، ولكن لديها حساسية خاصة حين تدخل إلى جوهر الحالة البدوية.

·     كيف تقرأ عمل المنتجين (وغالبا) هم المحركون والمبشرون وأصحاب القرار يصنعون النجوم والمخرجين ويبقون في الظل، من خلال عملك ورحلتك في كواليس العمل التلفزيوني وشركات الإنتاج السورية والعربية ، كيف تقرأ ذهنية المنتجين العرب عامة والسورين خاصة؟

قد لا أبالغ إذا قلت إن معظم شركات الإنتاج التلفزيوني في سورية، شركات لتبييض الأموال وقد ارتبطت معظمها بأبناء الحرس القديم الذين أقيلوا من مناصبهم الرسمية وتحولوا إلى الأعمال التجارية، ومنها صناعة التلفزيون، إضافة إلى صنف آخر من المنتجين الذين لم يحصلوا على الشهادة الإعدادية، غير أن لهذا استثناءات، ولكن بالمجمل يخضع الإنتاج التلفزيوني السوري لسطوة مجموعة من الأميين، ولذا فإنه من الصعب أن تعول على مثل هؤلاء لمناقشة عدد حلقات المسلسلات وكيفية تطوير الدراما، ولأن الكثير من الكتاب والمخرجين هم الآخرون مرتزقة، فإنه من الصعب أن تعول على هؤلاء أيضاً لصناعة ثقافة حقيقية.

هذا عدا عن أن المواطن العربي فقد ثقته بالكتاب، لأنه لم يعد بحاجة إلى المعرفة التي لا تجلب سوى وجع الراس.

وإذا كان من الطبيعي أن يطوِّر الإنسان نفسه ثقافياً، ليمارس دوره في المجتمع، فإن غياب دوره في ظل حكم سلطات دكتاتورية تقرر عنه، دفعه إلى الركض وراء قوت يومه، وترك كل ما يتعلق بالثقافة وما تجلبه من هم.

يقول كونديرا: موت الرواية لا يعني عدم صدور الروايات، والدليل على ذلك الكم الهائل من الروايات التي صدرت إبان الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، حيث صدرت مئات الألوف من الروايات التي لا تحمل شيئاً في طياتها.

الرواية تموت فقط، عندما لا يكون هنالك أسئلة تجيب عليها، وألغاز تقوم بكشفها..

الأمر كذلك بالنسبة للدراما السورية..فإنتاج العديد من المسلسلات سنوياً، لا يعني ان الدراما السورية على قيد الحياة..

الدراما السورية تعيش فقط، عندما تقدم لنا في كل عام إجابة لأسئلة نطـــــرحها على أنفسنا، وحلاً لألــغازٍ تشغلنا كثيراً، وهذا ما بدأت أفتقده فيها، ولهذا ينبغي علينا أن ندق ناقوس الخطر.

القدس العربي في

17/09/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)