تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

دراما مرئية

ميلودرامية وخفة ظل سمعة في مواجهة مغامرات الشرقاوي وقوة بلقيس

د.حسن عطية

تساءل البعض متعجبا عن سر اختفاء أو ندرة الاعمال الدرامية المسماة بالتاريخية والدينية عن الشاشة الرمضانية. منطلقا في تساؤله هذا من اقتناع رسخته الأيام بأن شهر رمضان وحده هو الشهر الذي علينا أن نتذكر فيه تاريخنا وشخصياتنا الدينية، وإلا لن يكون رمضان، ومؤسسا تساؤله علي مفهوم صاغته السنوات السابقة يري أن الدراما التاريخية هي التي تتعرض فقط لأزمنة قديمة تقف بالكاد عند حدود القرن الثامن عشر، أما القرنين التاسع عشر والعشرين فهما يخرجان وفق هذا المفهوم خارج اطار الدراما التاريخية، فاذا ما تعرضت الدراما مثلا لزمن الخديوي اسماعيل كما في (بوابة الحلواني) لمحفوظ عبدالرحمن أو بدايات القرن العشرين كما في (نسيم الروح) ليسري الجندي و(المصراوية) لأسامة أنور عكاشة، فهي ليست بالدراما التاريخية، حيث لا نري فيها جمالا وخيولا ورجالا يحملون السيوف ويطلقون اللحي.

والامر كذلك مع الدراما الدينية، فالمفهوم الثابت عنها لا يقتنع بدراما تعرض القيم الدينية السمحة، او تناقش الخطاب الديني المعاصر، بل هي منصبة علي فترة ظهور الاديان قديما، او التعرض لشخصيات دينية معاصرة، فيتم الفصل بشكل حاد بين مسلسلات تتعرض لشخصيات مثل الشيخ متولي الشعراوي والامام المراغي والشيخ عبدالحليم محمود باعتبارها مسلسلات دينية وأخري تتعرض لشخصيات مثل قاسم امين والملك فاروق وجمال عبدالناصر باعتبارها مسلسلات اجتماعية.

والدراما الجادة الجيدة عندما تتعرض لحياة شخصية ما، فهي لاتخرجها عن سياقها التاريخي، فهي ابنة زمنها، بل تسعي لتقديمها وفقا لقراءة صناع هذه الدراما للتاريخ الذي عاشته هذه الشخصية، دينية كانت أو سياسية او فكرية، ففي كل الحالات هي متأثرة ومؤثرة في هذا التاريخ الذي عاشته، واستدعاؤها للظهور علي الشاشة الجماهيرية اليوم، احد أهدافه الرئيسية هو تقديم النموذج المفتقد حاليا، لهذا يصب عادة هذا النموذج المصنوع من مادة تاريخية في قالب الانسان الطموح الصاعد من أدني المستويات لأعلاها، والذي يعاني كل يوم من »الصك علي القفا«، ومع هذا فهو محب للناس، عطوف عليها، متمسك بكرامته مهما حدث له.

هكذا نجد اسماعيل يس في (أبوضحكة جنان) وليلي مراد في (قلبي دليلي) وقبلهما »طه حسين« و»أم كلثوم« مما يخلق تعاطفا مبدئيا مع هذا النموذج من الشخصيات، يدفع المتلقي لتتبع وقائع المسلسل التي تتلاحق امامه علي الشاشة، وتكشف عن قوة الشخصية »الدرامية« التي يبحث عن مثلها في الواقع.

تعدد زوايا الرؤية

الشخصية المستدعاة من الماضي، بعيدا او قريبا، هي شخصية درامية مصنوعة بعمق الحاضر ومواجهة لجمهوره المعاصر، وليست هي بالضبط الشخصية التاريخية أو الدينية أو السياسية التي وجدت في الزمن الماضي، والأجواء التاريخية المحيطة بها علي الشاشة ليست بالقطع نفس الأجواء التي عاشتها هذه الشخصيات علي أرض الواقع، بل هي تصور خاص لصناع الدراما للسياق التاريخي الذي وجدت فيه، بل ان الاحداث الكبري مثل حادث ٤ فبراير أو تنظيم الضباط الاحرار وقيام ثورة يوليو وهزيمة ٧٦ وغيرها كلها تصاغ وفق رؤية صناع الدراما، وتحسب دائما لصالح شخصية المسلسل، ويتم رسم الشخصيات المعروفة وانطاقها بكلمات لم تقلها في الواقع، مما يضع المتلقي في حيرة بين ما يقوله »نجيب الريحاني« ويظهر به في (أبو ضحكة جنان) وما يقوله في قلبي دليلي.. ومن قبلهما ما يظهر به »عبدالحليم حافظ« و»سعاد حسني« بالتبادل في مسلسلي »سندريلا« و(حكاية شعب) وفي فيلم (حليم) فالشخصية الدرامية لها علاقة بالتاريخ، ولكنها ليست تاريخية، والعبرة بالكتابة الدرامية الراقية الحريصة علي عدم تحويل الشخصية الدرامية لنمط ثابت الملامح، والاخراج المتميز القادر علي استحضار الماضي والايهام بأجوائه علي الشاشة، والتمثيل البارع القادر علي تقديم ما
يسمي بروح الشخصية التاريخية، دون ان ينسي للحظة ان للشكل الخارجي دور في تصديق المتلقي لأدائه التمثيلي للشخصية التي يقدمها ، فعبقرية الراحل أحمد زكي في تجسيد شخصيتي ناصر والسادات كانت في استحضار الملامح الخارجية لينفذ إلي السمات الداخلية، ومشكلة صفاء سلطان في (قلبي دليلي) انها لاتشبه »ليلي مراد« بقدر ما تقترب شكلا وخفة ظل من الفنانة »شادية« واصرارها علي استخدام صوت مستعار، عوق طريقها للامساك بتلابيب الشخصية، التي نجح الكاتب مجدي صابر، في صياغة الاذان الفنسي المائل للبساطة والتسامح والخجل والتأمل والسباحة مع صوت الاذان منذ الصغر، وذلك بسبب الحياة الشاقة التي عاشتها، واضطرتها للعمل صبية في محل تفصيل، مما زاد من رغبتها في الانطواء علي نفسها، وكبت عواطفها الملتهبة باعماقها، وكلها سمات كانت بحاجة من المخرج »محمد زهير رجب«. اختيار الاصلح لهذه الدور، والاوفق في تجسيده علي الشاشة، والتفرقة بين رومانسية »ليلي مراد« التي اشتهرت بها وميلودرامية اداء صفاء سلطان المتجلية علي الشاشة، وهذا لا يعني اقلالا من موهبة الثانية ما يؤكد علي ان اختيار الممثل للدور المناسب له هو نصف نجاح العمل الفني.

في المقابل نجح الكاتب »أحمد الابياري« في صياغة خفيفة (لايت) عن الممثل الكوميدي والمنولوجست اسماعيل يس. صاغها علي الشاشة المخرج محمد عبدالعزيز بأسلوب اقرب لأسلوب (الست كوم) غير المستهدف لطرح اي عمق فكري لموضوعه، سوي إثارة التعاطف مع المونولوجست الفقير وتفجير الضحكات من هذا الهم المتراكم عليه في رحلة صعوده الفنية، وبذل أشرف عبدالباقي كل جهده في تنميط اداء الشخصية علي طول مشوارها علي الشاشة التليفزيونية وفقا لما رأه من أسلوب خاص لها في حركتها ونطقها للكلمات علي الشاشة السينمائية. متسقا في ذلك مع بناء المسلسل دراميا وتنفيذه اخراجيا من جهة ، وطبيعة شخصية »سمعة« وخفة ظل أفلامه دون تقعر.

رجب وصبا

في مقابل هاتين الشخصيتين المستمدتين من مادة تاريخية معروفة، ظهر مسلسلان يعتمدان علي شخصيتين ذي اصول تاريخية، غير ان ما نسج حولهما من حكايات وأساطير، اخرجهما من طبيعتهما الفردية الخاصة، وجعل منهما انماطا انسانية كلية، وهما »ادهم الشرقاوي« الذي اعاد صياغة اسطورته »محمد الغيطي« بصورة تعيده لأرض الواقع وسياقه التاريخي الذي عاشه أوائل القرن العشرين، وبالاضاءة الخافتة والايقاع المتمهل عمل المخرج السوري »باسل الخطيب« علي منحه ظلالا اسطورية، تجعله ابن ليل مغامر يسعي لتحقيق العدل في قريته، ويواجه فساد المحتل والسلطة وغطرسة السادة، وبذل »محمد رجب« جهدا متميزا في تجسيد هذه الشخصية التي دفعها تمسكها بكرامتها الي مواجهة الظلم متحولة الي خارج عن القانون السائد، فصار لصا وقاتلا عند البعض، ومغامرا ومجبرا علي امره عند البعض الاخر، مجسدا في النهاية النموذج الذي تصنعه المخيلة الشعبية لحظة احتياجها لبطل يدافع عن كرامتها ويعيد لها حقها المسلوب.

والشخصية الاخري هي »بلقيس« ملكة سبأ التي استدعاها من القرن العاشر قبل الميلاد، والقرون التالية صانعة اسطورتها، الكاتب الاردني »رشيد حصاونة« والمخرج باسل الخطيب، في الانتاج الاردني المتميز، لتجسدها علي الشاشة الممثلة الأردنية »صبا مبارك« التي شاهدناها العام الماضي في دور ابنة البلد القوية في مسلسل (نسيم الروح) ، وتجلت قوتها في المسلسل الحالي في قدرتها علي منح الشخصية التي تؤديها روحا اسطورية، رغم واقعية الأداء المتماشي مع بناء فني يقوم بتحضير التاريخ اي صياغته علي الشاشة بصورة حاضرة، ويناقش في ذات الوقت قضايا معاصرة تتعلق بالدور الذي يلعبه مضيق باب المندب في مدخل البحر الاحمر في حماية الوطن العربي، حيث كانت مملكة سبأ تهيمن علي اليمن والحبشة واريتريا، وتشكل البوابة الجنوبية الحامية لهذه المنطقة الواقعة بين القارتين الافريقية والاسيوية، وهي ذاتها البوابة المهددة اليوم بالانهيار بقراصنة الصومال ومؤامرات اسرائيل، مما يجعل المسلسل يغرس نفسه في تربة الحاضر، ويرسل رسائله المضمرة لجمهور اليوم، والمتجسدة في الدور الذي لعبته بلقيس. في نشر الاستقرار في المنطقة ، السعي للتقدم بها ونقلها نقلة حضارية كبري، بعيدا عن الصراعات الدينية والطائفية بل والاخوية التي مزقت المنطقة بالأمس، وتفتتها اليوم.

أخبار النجوم المصرية في

12/09/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)