تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

ممثلون في أدوار نسائية لاستجداء الجمهور.. والحكومة تتفوق في الكوميديا!

الطاهر الطويل

اللافت للانتباه في الأعمال الهزلية المغربية التي تقدم على الشاشة الفضية خلال أيام رمضان المبارك، أن الكثير من الممثلين المغاربة يتقمصون أدوارا نسائية، بحركاتهم وألبستهم وطريقة كلامهم. وجدنا ذلك مع عبد الخالق فهيد في سلسلة 'دابا تزيان'، ووجدناه مع عبد الجبار الوزير وعبد الصمد مفتاح الخير في سلسلة 'دار الورثة'، وأيضا مع عبد الله فركوس في سلسلة 'فركوس وفركوسة'...

ما الذي دعا هؤلاء الممثلين وغيرهم إلى الظهور في مظهر نساء؟ هل لقلّـة الممثلات المغربيات؟ أم لصعوبة تلك الأدوار التي لا يمكن أن يؤديها سوى الممثلين الذكور؟

لا هذا ولا ذاك؛ كل ما في الأمر أن أصحاب تلك الأعمال الكوميدية يبحثون عن أية وسيلة لإضحاك الجمهور، ولو تطلب الأمر تقليد النساء؛ غير أنهم في مسعاهم هذا قلما يصيبون الهدف، بل يسقطون في التسطيحية والابتذال.

وعودة إلى تاريخ قريب: إلى حدود منتصف القرن العشرين، كان العديد من الممثلين المغاربة يضطرون إلى أداء أدوار نسائية، حيث كان الميدان الدرامي مقتصرا في الغالب على الذكور، إذ كان خروج الفتاة أو المرأة لممارسة العمل الفني من المحرمات، بحكم الذهنية التي كانت سائدة آنئذ... إلى أن صرنا نشاهد حالياً الممثلات المغربيات لا يؤدين فقط أدوارهن بجدارة واقتدار، وإنما أيضا ينافسن زملاءهن في تقمص شخصيات 'ذكورية'، وأبرز مثاليْن على ذلك: الفنانة ثريا جبران في مسرحية 'بوغابة' والفنانة حنان الفاضلي في العديد من أدوارها المسرحية والتلفزيونية وفقرات الإعلان.

هل حنّ بعض الممثلين المغاربة إلى فترة المطرب والممثل الراحل بوشعيب البيضاوي الذي اشتهر بتقمص أدوار نسائية؟ الواقع أن هذا الفنان كان يفعل ذلك لغاية إبداعية وأيضا اجتماعية، في حين أن من أعيتهم السبل للإضحاك، يتلمسها في ارتداء أثواب نسائية والشروع في القيام بحركات غنج ودلال أو محاكاة المرأة البدوية، والنتيجة: نمطية في الأداء، يتحول معها الهزل إلى مهزلة.

باعتقادنا، إن المشكلة ليست في الممثل بحد ذاته، فالممثل آلة وآلته هي جسده (كما يرى نقاد المسرح)، وبالتالي يمكن تطويع هذه الآلة كما يُراد لها؛ لكن ذلك رهين بنص قوي وإخراج جيد. والحال أن معظم ما يقدم على التلفزيون المغربي خلال رمضان يفتقر إلى أساس الدراما: التأليف المتماسك في بنيته الدرامية ولغته وحواراته وأبعاده. إذ تُسند مهمة الكتابة لكتاب مبتدئين ولهواة لم تنضج لديهم بعد الموهبة، فتكون النتيجة صادمة للمتلقين.

ومن ثم، يتعين العودة إلى أصل الأمور ومبتدئها، بإسناد مهمة تأليف الأعمال الدرامية إلى كتاب مقتدرين، وما أكثرهم في الساحة الفنية المغربية، من أمثال: عبد الكريم برشيد والمسكيني الصغير وسعد الله عبد المجيد ويوسف فاضل والزبير بن بوشتى وغيرهم. كما يمكن تحويل بعض الكتابات الساخرة إلى نصوص كوميدية، كما هو الشأن بالنسبة لكتابات عبد الرفيع الجواهري ومصطفى المسناوي... أما التركيز على البعد التجاري فحسب وتغييب البعد الإبداعي فإنه يؤدي بصاحبه إلى منزلق الرداءة والإسفاف والضحالة.

هل رُفع الحصار عن 'بزيز'!؟

وفي سياق الفكاهة التي أُغرِق فيها الجمهور خلال رمضان، اختارت القناة التلفزيونية الأولى أن تقدم فقرة أطلقت عليها 'ضحك لوالا' (الضحك عند الأوّلين)، وتتضمن مشاهد كوميدية لفنانين مشهورين، أغلبها قدمت منذ أكثر من عقد من الزمن (وإن كان بعضها قريب العهد بالمشاهد). ضمن هذه الفقرة، حدثت خلال الأيام الأولى من رمضان المفاجأة التي أذهلت الكثيرين، حيث قدمت فقرة كوميدية للثنائي الشهير 'بزيز' و'باز' (قبل أن يفترقا). و'بزيز' هو اللقب الذي اشتهر به الفنان المقتدر أحمد السنوسي التي تضرب عليه السلطات حصارا مطبقا، وتحول بينه وبين التواصل مع جمهوره عبر وسائل الإعلام العمومية وكذا في قاعات العرض، بسبب جرأته الإبداعية والفكرية ومواقفه التي لا ترضي أهل الحل والعقد.

أن يظهر وجه أحمد السنوسي من خلال الشاشة الصغيرة، فإن ذلك يوحي بأنه لم يعد ممنوعا من التلفزيون؛ بينما الواقع أن تلك الصورة مستوردة من الزمن الماضي ومن سنين خلت. فالفنان المذكور، إذن، مرغوب فيه كذاكرة فقط، أو على الأصح كماركة تجارية (مادامت صورته تتصدر دليل برامج رمضان، وما دامت فقرة 'ضحك لوالا' تقدم في ذروة المشاهدة التلفزيونية التي تستقطب المُعلِنين)؛ ولكنه مرفوض كمعطى حاضر وكشخصية فنية تطوّرت، وطوّرت أساليب اشتغالها الفني، وكذا نظرتها للقضايا السياسية والاجتماعية والفنية ولمعترك الحياة في البيئة المغربية. غير أن ظهور السنوسي (مع زميله الحسين بنياز في عمل مشترك قديم) قد يُفهم منه أنه ينتمي إلى الماضي، وأنه لم يعد قادرا على الإبداع، خاصة وأن عنوان فقرة 'ضحك لوالا' يتقاطع مع المَثل المغربي الدارج 'لوالا.. ما خلاّو لتوالا ما يقولوا' (أي لم يترك الأولون للتالين ما يقولونه، أو بعبارة أخرى 'ليس في الإمكان أفضل مما كان').

من حق السنوسي أن يحتج على محاولة إقباره ثانيةً، ومن واجبنا أن نتضامن مع حقه في التعبير وفي ممارسة إبداعه بكامل الحرية المسؤولة التي يؤمن بها الفنان المغربي.

الضحك على الذقون!

الضحك الحقيقي الذي يمارس على الواقع هو الصادر عن الكثير من المسؤولين المغاربة، حينما يتعاملون مع الشعب كما لو أنه غبي وقاصر (بئس ما يتصورون!)، فمقابل الزيادة الصارخة في أثمان المواد الاستهلاكية التي ابتُـلي بها المواطن المسكين المغلوب على أمره خلال رمضان الكريم، لا تفتأ الحكومة تردد من خلال التلفزيون أنها حريصة على تأمين السوق واستقرار الأثمان والضرب على أيدي الغشاشين والمحتكرين والمغالين في أثمان الخضر والفواكه واللحوم... بينما الواقع اليومي للناس يكذب مضمون هذه الأسطوانة المشروخة.

ربما هذا سبب وجيه ـ من بين أسباب أخرى ـ أن معظم الأعمال الكوميدية الحالية لم يعد يضحك جمهور المشاهدين. فالكوميديا الحقيقية هي التي تشخصها الحكومة على نغمات 'قولوا العام زين'!

كاتب صحافي من المغرب

tahartouil@hotmail.com

القدس العربي في

11/09/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)