تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

نصرالله وماهر والعماري... للعرب حضورهم أيضاً في الدورة الـ 66 لمهرجان البندقية السينمائي

الـ"موسترا" لا تتلون بألوان السياسة وفيلمان فرنسيان يعجزان عن إحداث كآبة

جاياسوندارا يصنع انشودة للطبيعة وتود سولوندز يسافر الى زمن الحياة والحرب

البندقية ـــ من هوفيك حبشيان

ما من مهرجان في العالم يستطيع أن يزيح السياسة من حساباته، سواء أكان ذلك عبر برمجته أم خياراته وتوجه ضيوفه. فالسياسة جزء أساسي من هذه التظاهرات السينمائية، لأنها جزء أساسي من العالم، وجزء أساسي من حياة سكانه. بل جزء أساسي من فعل التصوير. الأمر بهذه البساطة ولا يحتاج الى تفكير أكثر عمقاً. الـ"موسترا" في هذا المجال لا تختلف عن سواها. هي واجهة لما يدور في القرية الكونية، من أميركا اللاتينية الى اليابان، ومن أوستراليا الى تورونتو. لكن شتان بين أن يكون المهرجان مسيَّساً وأن يتضمن أفلاماً سياسية. فوز "فهرنهايت" مايكل مور بـ"السعفة الذهب"، قبل بضعة أعوام، هل جعل من كانّ مهرجاناً معادياً لجورج دبليو بوش؟ هناك خلط فظيع بين السياسة والتسييس في عقل بعض متابعي المهرجانات: في الدورة الحالية مثلاً، ثمة الكثير من الأفلام السياسية لكن الـ"موسترا" لا تتلون بألوان ايٍّ منها. يأتي أوليفر ستون حاملاً تحت أبطه فيلماً عن هوغو تشافيز في حضوره، فيرحَّب بهما ويقفل من أجلهما الطرق، ثم يأتي مايكل مور بفيلم ضد الرأسمالية المتوحشة، فتلقى السجادة الحمراء تحت رجليه. ثالث يفضح برلوسكوني في وثائقي. رابع يصوّر "انجازات" اسرائيل في لبنان. خامس يشتم "السيستيم" في بلاده، سادس يتملقه. مهرجان البندقية سلة هائلة نجد فيه المديح والسباب، العملاق والقزم، والسخيف والعبقري. فالدنيا قائمة أساساً على هذا المزيج العشوائي. البعض يرى ان هذا سلوك عاهرات، وعلى الادارة أن تقول كلمتها من خلال اختيار خطّ واضح يتمثل، على الاقل، في تشكيلتها الرسمية. أما المنطق فيسأل: كيف لمهرجان مفترض أن يلعب دور الأب والعراب، أن يُحدث فتنة بين أولاده، عبر تحييد واحد وتبني آخر، واختيارهم تبعاً لاقتناعاتهم السياسية. نحن قبالة نظام مهرجاني يحاول ان يكون ديموقراطياً. ينجح مرةً من عشر، لأن الكمال غير موجود. ككل حكم، لديه ثغره، والثغر هنا تتمثل في المصالح، وهي المقلب الآخر من السياسة والتسييس. أن نعرف ما هي الأفلام التي كان للمصالح دور في وصولها الى المسابقة فهذه في ذاتها معجزة! أمام هذا الواقع، لا يبقى على الناقد الاّ أن يمارس مهنته بمعزل عن الخلفيات التي قد توصل فيلماً الى منصة مهيبة مثل البندقية، او تبقيه خارجها. الولوج في الحيثيات الادارية معركة خاسرة. فالمصالح أساس الملك، وستبقى. اسئلة كثيرة أمامنا على الشاشة، وليس في ردهات المكاتب وأروقتها. الأغرب أن المصالح في بعض الأحيان لا تعود بالضرر على السينما، بل تحميها من أضرار أشد خطورة!

•••

ماذا يفعل هذا الفيلم في البندقية؟ سؤال يتكرر طوال الأيام الـ11 للمهرجان. لدينا موعد شبه يومي مع "يستحق، لا يستحق". ننسى أحياناً أن كل تظاهرة في حاجة الى ما يغذّيها من إنتاجات سينمائية. نحو من 75 فيلماً في التشكيلة الرسمية للـ"موسترا"! هل يمكن ماكينة تستهلك شرائط أن تنام على هاجس انتظار التحفة الكبيرة؟ مستلزمات تكملة العدد، نجدها في كل المهرجانات. لكن هناك اشكالية أخرى دخلت جوهر اللقاءات السينمائية المتجددة دورياً، وهي الاذعان شبه النمطي للأسماء الكبيرة. لكن اذا كان مهرجان كانّ يسمح لنفسه، بسبب عراقته وبرستيجه، ان يرفض فيلماً لكوبولا في المسابقة بعدما منحه "سعفتين"، فهذا الشيء لا يحصل في مكان آخر. هذا كله للقول إن باتريس شيرو وجاك ريفيت لا يجلبان الى البندقية هذه السنة الاّ تاريخهما المجيد. فآلية فيلميهما تدور في فراغ. الأول يأتينا بـ"اضطهاد" فيما يقدمّ الثاني "36 منظرا من بيك سان لو" (كلاهما في المسابقة).

الأزمة الوجودية من وجهة نظر شاب ثلاثيني يتنقل بنا بين صديقته ورجل يدخل حياته فجأة فيكسر روتينها ويضعه أمام مستجدات لم يكن على علم بها. هذا هو الخطّ الرئيسي الذي يقوم عليه فيلم شيرو، صاحب أفلام كبيرة مثل "الملكة مارغو". أشياء بسيطة يصورها هنا. زوايا سهلة وموسيقى عصرية. أحاسيس معظمها تبدأ صغيرة لكن تبلغ أحجاماً كبيرة أمام كاميرا شيرو. دانيال يعيش قهراً عاطفياً واجتماعياً، لكنه لا يعلم بوجوده. ولو علم لكان شفي ربما. الاضطهاد الذي يشير اليه العنوان هو اضطهاد دانيال لنفسه. هو ايضاً اضطهاد شيرو له، اذ لا يتركه وشأنه لحظة، مقتفياً خطاه من مكان الى آخر. لكن، لسوء الحظ، لا كيمياء بين الشخصيات والمخرج. على رغم اقحامه ما هو عميق، يمنح الفيلم احساساً بالتكرار والسحطية لشدة فردية شخصية دانيال وأنانيته. على كل حال، سبق لشيرو أن اتحفنا بأعمال أكثر أهمية من شريطه الحالي.

مثله، يسير ريفيت، وهو أحد جهابذة السينما الفرنسية في عزها، على خط الالتباس، لكن من دون مشاكسة أو "حركشة" في وكر للدبابير. كادرات تقليدية وتقطيع متأنٍّ يضعهما مخرج "الراهبة" في خدمة قصة، حواراتها ليست لذيذة البتة، لكنها تحمل علامة مصنعه. عبثاً، ننتظر لحظة الاقلاع الى فضاءات الخلق العظيم الذي يعدنا به الفرنسي البالغ الحادية والثمانين من العمر.

شيرو وريفيت، مخرجان يبقى فيلماهما في مكانهما، عاجزين عن احداث اي كآبة!

•••

الدورة 66 شهدت عودة تود سولوندز الى الواجهة بفيلمه "الحياة في زمن الحرب" (مسابقة). العائلة لا تزال تلهم المخرج الغريب الأطوار، والشعار المرفوع في أعلى الملصق الاعلاني هذه المرة: "انها قصة عن الغفران وحدوده". منذ فيلم تخرجه، "خوف، قلق واحباط"، اتجهت سياسة سولوندز السينمائية الى كشف المستور وقلب الطاولة على رؤوس من ظن ان السينما الاميركية في تسعينات القرن الماضي، اختصرها بضعة مخرجين عكسوا صورة شاملة عن القيم الاميركية. فالعمل الاول الذي اطل به، أسّس لسينما جديدة سعت الى تعرية الواقع الاميركي وولّدت ردود فعل عنيفة، مستخدماً الطرافة الفكرية السوداء والخواطر والجنس والالفاظ النابية والاسلوب النافر في محاكمة المجتمع، على نسق الاسلوب الذي اتبعه مخرجو العالم السفلي للسينما الاميركية من جون وايترز الى بول موريسي.  الا ان الاكتشاف الاكبر لسولوندز جرى في فيلمه الصادم "سعادة" (1998) الذي جاء تأملاً في مواضيع تمحورت عليها الافلام الهوليوودية على نحو خجول، مثل العنف البسيكولوجي أو الانحراف الجنسي نحو الاولاد، أعقبه "سرد قصة" الذي لم يكن أقل جرأة من أفلامه السابقة، وخصوصاً حيال العلاقة المرتبكة بين افراد العائلة الواحدة، علماً ان العائلة من ثوابت عمل سولوندز، وهي الجامع المشترك لقصص وحكايات يستمدها المخرج الاميركي من واقعه المعيش.

•••

لم يفاجئنا دخول فيموختي جاياسوندارا مسابقة البندقية بفيلمه الجديد "بين عالمين". بعد اربعة أعوام على نيله "الكاميرا الذهبية" في كانّ، كُتب للمخرج السري لانكي الموهوب أن ينطلق مجدداً، جنباً الى جنب، مع أهم الأسماء. قصة هذا الشاب الذي يبلغ الـ32 من العمر مع الفنّ السابع تعود الى سنوات الطفولة الأولى. فهو اخرج فيلمه الاول حين كان في السادسة عشرة، ولم يكن قد تدرب على العمل السينمائي. لكن التجربة كانت ضرورية ليختبر ذاته ويدرك انه قادر على صنع فيلم. ثم امضى بعض الوقت في بلاتوهات التصوير، لكنه لم يكن واثقاً من أنه قادر على المرور خلف الكاميرا. بعد ذلك، قرر الذهاب الى الهند لدراسة السينما، وعندما عاد الى بلده قرر خوض مجال الاعلانات، وانجز ما يقارب مئة دعاية. تعلّم الشق التطبيقي في السينما من خلال اخراج الدعايات، وعرف كيفية ايصال الفكرة الى المُشاهد في 30 ثانية. بعد 6 سنوات من العمل في المجال الاعلاني، اصبح لا يطيق المؤثرات الرقمية والالوان الزاهية والسعادة المفرطة التي كانت تعكسها هذه الإنتاجات المصورة، فقرر انجاز "الأرض المتروكة". اسلوبه في العمل اليوم هو نتيجة رغبته في فهم ما هي السينما الحقيقية ورفضه كل ما يعج به عالم الدعاية، من الوان وحركة ونزوع درامي.

جديد جاياسوندارا، مشهدية عريضة وذاكرة شفهية تتناقلها الأجيال. شبح الحرب يخيم على كل وحدة تصويرية. العنف يطارد الفيلم حتى في لحظات السكينة. ورقة شجرة عند جاياسوندارا هي الفاعل والمفعول به. الطبيعة تَقتل وتُقتل. الفيلم انشودة للطبيعة يذكّر بـ"الخط الأحمر الرفيع" لتيرينس ماليك، وهو سينمائي يعز كثيراً على المخرج. هناك ما يكفي من الرعب في الفيلم، لكن علاماته وآثارها تمر في صمت مطبق. مقلّ كلاماً ومبهر تشكيلاً. نحن أمام فيلم لسينمائي ستزداد أهميته يوماً بعد يوم.    

•••

نحو من نصف دزينة من الأفلام العربية عرضت هذه السنة في البندقية. المستويات في طبيعة الحال متفاوتة. حتى لحظة كتابتنا هذه السطور (مساء الثلثاء)، لم نكن قد شاهدنا "المسافر" لأحمد ماهر، المخرج المصري الشاب الذي يقول عنه ماركو موللر إنه "قتل نفسه ليجد موهبة من عياره". كلام لا يفاجئ من يعرف العلاقة الوطيدة التي تربط مدير الـ"موسترا" بالعالم العربي.

بعد كل ما قيل سلباً وايجاباً في "احكي يا شهرزاد" ليسري نصرالله، كان لا بدّ من معاينة الفيلم لفصل مزاياه عن عيوبه. لكن مزاياه أكثر بكثير من عيوبه. هبة مذيعة في تلفزيون خاص، زوجها نائب رئيس تحرير في جريدة تملكها الدولة. مصالح الاثنين تتضارب. ساعتان وعشرون دقيقة وقت كاف للاستنتاج: السياسة عدو الحقيقة ولا سيما اذا أمسكها الفساد. على النساء في ظل هذا، أن يتكلمن كما شهرزاد في "الف ليلة وليلة" للتخلص من القهر وامتلاك الرجال لهن. انه فيلم عن البوح، ما يبرر السرد الطويل الذي يغرق فيه نصّ وحيد حامد. انه ايضاً فيلم عن وضع المرأة في بلاد مثل مصر. الصورة العامة لا ترفع الرأس، ونصرالله يراهن على هذا الجانب، ويأخذنا من سيئ الى أسوأ، حتى لحظة الوصول الى مأساة هبة، التي تتحول مادة لبرنامجها. هذا طبيعي، فعلى أحد أن يدفع الثمن. بين الحكاية الشعبية والميلودراما وفيلم المؤلف، يدعونا نصرالله الى فيلم فيه الكثير من الصدق.

الصدق، النسائي منه هذه المرة، هو ما تصبو اليه ايضاً التونسية رجاء العماري ("ساتان أحمر") لانجاز فيلمها "الدواحة" (آفاق). لكن سهمها طاش من الجنريك حتى الجنريك. يراكم الفيلم مشاهد روتينية، ستبررها حادثة مؤلمة وصادمة في الأخير. مشكلة الفيلم ان الحوادث فيه متوقعة ولا تحمل شكوكاً. أما مرزاق علواش، فصنع بموضوع مغاربي صرف (الحراقة، أو قوراب الموت) فيلماً اوروبياً، لغة وتقنيات ورؤية شاعرية (أقرأ المقابلة أدناه). كاملة أبو ذكري قدّمت أيضاً أمس فيلمها "واحد صفر" (آفاق) لكننا لم نشاهده.

•••

قبل يومين من ختام المهرجان، يبقى هناك عدد من الأفلام، في المسابقة وخارجها، لم نشاهدها بعد. ميكيلي بلاتشيدو، شيرين نشات (سمعنا اصداء طيبة عن فيلمها)، فاتح أكين، طوم فورد، جو دانتي، وآخرون... سنلتقي أعمالهم الأخيرة تباعاً على الشاشة. فيما الترجيحات بدأت تسير دربها المعتاد، فالرهانات مفتوحة على كل الاحتمالات. من يحمل في يده جائزة في حجم أسد؟ ليس أيّ أسد، بل الأسد الذهبي! هل يكرّم آنغ لي سينما تشبه سينماه ام نقيضها؟ هل يلتفت الى المجانين أم الى العقلاء؟ الى التقليديين أم الى الابتكاريين؟ الى الموجات الطارئة أم الى المدارس؟ هذا كلّه موجود وأكثر. عليه فقط أن يختار.    

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb)

النهار اللبنانية في

10/09/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)