تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

اليهود فى مسلسلات رمضان صهاينة إلا قليلاً

كتب عصام زكريا

من يشاهد مسلسلات رمضان هذا العام قد يخطر بباله أن المصريين تحت الاحتلال الإسرائيلى مثل الفلسطينيين، أو أن الحرب بين الطرفين ستقوم فى أى لحظة، أو أن هناك جهة عليا أصدرت تعليماتها بأن تتناول الدراما موضوع الصراع العربى الإسرائيلى.. لأنه من الصعب أن تكون الصدفة هى العامل الوحيد وراء هذا السيل من الشخصيات اليهودية فى المسلسلات.

من "قلبى دليلى" الذى يدور فى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى، والذى يضم أكثر من عشرين شخصية يهودية إلى البوابة الثانية الذى يدور الآن ويدور جزء كبير منه داخل الأراضى المحتلة والسجون الإسرائيلية، مرورا بـ"حرب الجواسيس" الذى يدور فى نهاية الستينيات ويتقاسم بطولته رجال ونساء المخابرات المصرية والإسرائيلية، إلى "متخافوش" الذى يوحى - حتى الآن- بأن بطله الإعلامى الكبير الذى يهاجم إسرائيل هو من أصل يهودى وجده اسمه كوهين.. وكأن المصريين جميعا ليسوا من أصول غير مسلمة.. ولكن هذا عبث سوف نناقشه لاحقا.

لا يكاد يخلو مسلسل من المسلسلات التى تابعتها من وجود شخصية يهودية على الأقل، حتى لو كان عن حياة إسماعيل يس أو أدهم الشرقاوى.. معظمها ينتمى إلى النمط الشائع (الكليشيه) لشخصية اليهودى أو الإسرائيلى، ولكن بعضها جديد على الدراما المصرية تماما مثل شخصيات مسلسل "قلبى دليلى" أو الشخصية التى لعبتها الممثلة كوثر إبراهيم فى مسلسل "متخافوش" فى دور إمرأة يهودية مصرية رفضت الهجرة تحت كل الظروف وأصرت على الحياة فى مصر.  

حتى لو كان وجود الشخصيات اليهودية يقتصر على هذه المسلسلات، فهو كثير وغير معتاد، بل ومثير للارتياب بالنسبة لى، لأننى لا أصدق أن الصدفة وحدها وراء هذا التزامن.. ويبدو أن نظرية المؤامرة الكبرى التى تروجها معظم هذه الأعمال قد أثرت على وجعلتنى أتصور أن هناك يداً خفية وراء هذه المسلسلات.. قد تكون مصرية.. وربما تكون يهودية!!

على أية حال، وبما أننى لا أحب نظريات المؤامرة حتى لو كانت صحيحة، ولست أعارض تقديم هذه الشخصيات أو غيرها من ناحية المبدأ، فسأتوقف هنا عند أسباب الظهور المكثف لليهود فى المسلسلات، تاركا بحثها للقارئ، وسأكتفى بعرض هذه الشخصيات وتحليلها.

على رأس هذه الأعمال يأتى مسلسل "قلبى دليلى" الذى يتناول حياة الفنانة اليهودية الأصل ليلى مراد، وكان من الطبيعى أن يصور العمل أفراد أسرتها أيضا، خاصة أن معظمهم عمل بالفن مثل الأب زكى مراد والابن منير مراد والأخت سميحة مراد، بجانب ليلى بالطبع.. لكن مؤلف المسلسل مجدى صابر انتهز الفرصة ليقدم بانوراما للمجتمع المصرى فى ذلك الوقت بما فيها الوجود المكثف لليهود كما وكيفا خاصة فى الحياة الفنية والاقتصادية والسياسية.

يبدأ المسلسل بتقديم عائلة ليلى مراد، ثم ينتقل مع الأب المغنى والملحن إلى الحياة الفنية والثقافية، حيث نلتقى بالملحن اليهودى داود حسنى جنبا إلى جنب مع سيد درويش ونجيب الريحانى وروز اليوسف وغيرهم، وهم يمثلون طوائف المجتمع المصرى الذى يسوده التنوع والتسامح والوطنية.

كانت الجالية اليهودية كبيرة ومؤثرة فى مصر، خاصة مصر الحديثة منذ عهد محمد على، وخلال النصف الأول من القرن العشرين كان هناك تواجد اقتصادى وسياسى كبير لليهود، وخلال الحرب العالمية الاولى توافد إلى مصر عدد كبير من يهود الشرق هربا من الاضطهاد التركى، وهربا من الوضع الخطير فى بلاد أخرى مثل دول الاتحاد السوفيتى.. بعض هؤلاء كانوا نواة الحركة الصهيونية فى مصر التى استقطبت عددا من اليهود المصريين، ويلعب الممثل عبدالرحمن أبو زهرة دور يوسف قطاوى رجل الاقتصاد وصديق وشريك طلعت حرب فى مشروعاته الوطنية الذى يرفض ممارسات الحركة الصهيونية ويتصدى لها، وعندما يقترب الألمان من احتلال مصر فى الحرب العالمية الثانية يضطر إلى الهجرة، وهو ما حدث بالفعل مع كثير من يهود مصر وقتها، كما نجد فى فيلم "لعبة الست" مثلا الذى يلعب فيه سليمان نجيب دور صاحب المحل اليهودى الذى يهاجر إلى جنوب أفريقيا هربا من الألمان ويترك المحل للعامل الفقير نجيب الريحانى.. وعلى الطرف الثانى يقدم المسلسل بعض الشخصيات الصهيونية مثل الدور الذى يلعبه عبد العزيز مخيون كقيادى نشيط فى الحركة الصهيونية التى دبرت هجرة كثير من اليهود إلى فلسطين، وشخصية الحاخام الأكبر التى أداها نبيل الهجرسى، والذى يؤيد الحركة الصهيونية ويدعم نشاطها بكل قواه.

وبحكم موضوعه الذى يتناول حياة فنانة يهودية الأصل، يضطر مؤلف مسلسل "قلبى دليلى" إلى التمييز بين الدين والسياسة، وإلى التمييز بين اليهود المصريين الذين ارتضوا أن تكون مصر وطنا لهم، وبين من اختاروا أن يستغلوا كرم وسماحة مصر لتكون معبرا لهم إلى حلم أرض الميعاد بفلسطين.. ومع أن المسلسل لا يتعرض لكثير من التفاصيل والأحداث التى ساهمت فى خلق الكيان الصهيونى ودفع يهود العالم العربى إلى الهجرة إليه، وبعض هذه الأسباب يعود إلى ممارسات الحكومات العربية المتخلفة، إلا أن المسلسل يضع لبنة جيدة ولا بأس بها كبداية نحو إعادة قراءة التاريخ بعيون موضوعية مجردة من التأثيرات المدمرة التى تسبب، ولا يزال يتسبب فيها، الصراع العربى الإسرائيلى.

هذه التأثيرات التى دمرت عقول ونفسيات أجيال بكاملها يمكن أن نجدها فى مسلسل "متخافوش" الذى هو عبارة عن مجموعة من الهلاوس والهواجس المستمدة مما تفعله قناة "الجزيرة" ببرامجها الغوغائية.. مؤلف المسلسل أحمد عبد الرحمن مفتون، كما هو واضح، بمذيع قناة الجزيرة أحمد منصور، وحتى نور الشريف يقلده فى هيئته وطريقته ونظرته الممتلئة بالريبة والبارانويا، هذا الخليط العجيب من الشعور بالاضطهاد الممتزج بالشعور بالعظمة!

يلعب نور الشريف دور مذيع وصاحب قناة مستقلة اسمه مكرم يقدم برنامجا بعنوان "متخافوش" يفترض أنه يحث الشعب العربى على عدم الخوف ومواجهة أعدائه، ولكن منذ الحلقة الأولى، التى يتم فيها استضافة مفكر فلسطينى يقول كلاما معتدلا جدا عن الصراع العربى الإسرائيلى، يتضح أن صناع المسلسل خائفون وخاضعون تماما للرقابة العامة والذاتية، فالحلقات التى يقدمها نور الشريف فى برنامج "متخافوش" عادية جدا ولا تقول أى شىء جرىء، وحتى التليفزيون المصرى يقدم برامج أجرأ منها بكثير.. والأكثر من هذا أن المؤلف يعتقد أن ترديد هذا الكلام خطير ويمكن أن يتسبب فى قيام الموساد بقتل من يقوله، أما المشكلة الحقيقية فهى أنه لا يجرؤ على قول أى شىء جرىء فيما يتعلق بالوضع الداخلى لأى بلد عربى، ولكنه يسقط إحساسه بالخوف والقهر من خلال الهجوم على إسرائيل!

فى إحدى حلقات برنامجه "الجرىء" يستضيف نور الشريف سيدة عجوزا تجاوزت الثمانين تلعب دورها كوثر إبراهيم، يهودية مصرية أصرت على البقاء فى مصر ورفضت الهجرة إلى إسرائيل مع ابنها، ورغم أن الشخصية جديدة على الدراما المصرية إلا أن المبالغة الانفعالية التى يتسم بها المسلسل أوقعت أصحابه فى فخ خطير، ففى نهاية الحلقة يقوم مكرم بقراءة فقرة عن الفنانين اليهود الذين قامت الدولة بتكريمهم مثل ليلى مراد ومنير مراد ونجمة إبراهيم وليلى سالم، وهو يقرأ الفقرة من كتاب "اليهود والسينما فى مصر" لمؤلفه أحمد رأفت بهجت.. هذا الكتاب تحديدا ينضح بالعنصرية والمرض النفسى لكل ماهو يهودى، وهو يتهم كل الفنانين اليهود المصريين بلا استثناء بأن أغراضهم سيئة، بل ويهاجم الدولة المصرية الغافلة التى قامت بتكريمهم.. ولكن الأكثر من ذلك أن النظرة الأولى لأسماء هؤلاء تبين أنهم جميعا أشهروا إسلامهم وغيروا أسماءهم اليهودية وتزوجوا من مسلمين!

الغريب أن الأزمة الكبرى للمسلسل تأتى عندما يقوم شخص يهودى إسرائيلى اسمه "إسحاق شو"، يلعب دوره أشرف عبد الغفور، بتهديد مكرم بكشف أصوله اليهودية إذا لم يوقف حملته ضد إسرائيل، وهو ما يثير رعبه لعدة حلقات.

لماذا هذا الرعب، ولماذا تعتقد إسرائيل أن شيئا مثل هذا يمكن أن يخيف مكرم؟  

إذا كان مكرم نفسه يدافع عن الوطنية بغض النظر عن الديانة، ويستضيف يهودية مصرية وطنية ويدافع عن ليلى مراد والفنانين اليهود، بل ويعتقد أن شيئا مثل هذا يمكن أن يثير غضب إسرائيل، فلماذا لا ينطبق هذا عليه؟ ولماذا يتصور أن الديانة والعرق والجنس والقومية شىء ثابت ونقى وطاهر مثلما يفعل الألمان النازيون واليهود الصهاينة؟ ألا يعنى هذا أنه يكره اليهود كدين وعرق؟ ومن ناحية أخرى لو أعلن عن أصوله وافتخاره بمصريته ألا يفترض أن هذا يمكن أن يثير غضب إسرائيل أكثر؟

منتهى التخبط بين الأهواء الدينية والقومية والعرقية تنم عن حالة من تفتت الهوية، أو انشطارها بحسب تعبير مفكر إيرانى معروف، يعانى من أعراضها صناع المسلسل وأمثالهم.

الشخصية اليهودية التى يلعبها أشرف عبد الغفور نمطية بامتياز، وعندما نصفها بالنمطية ليس معنى ذلك أنها غير موجودة فى الواقع، ولكن المقصود أنها تعكس الصورة السائدة عن هذه الشخصية وتمنع العقل من تقبل وجود صور أخرى.. فمثلا نحن ننتقد شخصية الإرهابى العربى فى السينما الأمريكية ليس لأنه لا يوجد إرهابيون عرب، ولكن لأنها الصورة النمطية التى تقدم للعرب بشكل مستمر فتخلق مناخا من العنصرية حولهم.  

من المسلسلات الأخرى التى قدمت شخصية اليهودى النمطية "أدهم الشرقاوى" فى دور رجل مرابى، و"أبو ضحكة جنان" فى دور صاحب محل مجوهرات يعمل لديه الطفل إسماعيل يس، بخيل وشرير، وكذلك مسلسل "حرب الجواسيس" خاصة دور عميل موساد "إيزاك" صاحب اللحية الطويلة وانحناءة الظهر الذى يردد طوال الوقت "أيوه ياحبيبى".. والطريف أن النمطية فى هذه الشخصية امتدت أيضا إلى الاسم، فكلهم اسمهم "ايزاك"، وعندما تغير فى أحد المسلسلات أصبح "إسحاق"!!

هذه المشكلة تظهر بوضوح فى مسلسل "حرب الجواسيس" الذى يفترض أنه ينتمى إلى نوع فنى أبسط من المغامرات والتشويق وفنون التجسس، إلا أنه يقع فى التنميط الميلودرامى المعتاد بين الخير والشر لدرجة أن الشخصيات الإسرائيلية تصبح هى الأكثر حيوية وذكاء وقوة، بينما الشخصيات المصرية بلا استثناء، حتى رجال المخابرات، مجرد مراقبين سلبيين لما يفعله الإسرائيليون. ومقارنة سريعة بين الإسرائيلى أبو سليم، الذى يلعب دوره الممثل السورى باسم ياخور، وبين ضابط المخابرات الذى يلعبه هشام سليم، أو بين الهائمة المغلوبة على أمرها سامية فهمى، منة شلبى، وبين الجاسوسة المثيرة القاتلة الذى لعبته رانيا يوسف.

هذا الوجود كلى القدرة يمكن أن نجده أيضا فى "البوابة الثانية" الذى يرصد صنوف سرقة الأراضى والظلم والحصار وسجن الأبرياء التى تمارسها إسرائيل ضد العرب، ولكن إلى أين يؤدى هذا كله.. سوى إلى الشعور بالعجز المصحوب بالكراهية.. وبالتالى إلى مزيد من الأعمال التى تروج، بقصد أو دون قصد، للعنصرية واليأس والقوة المطلقة لإسرائيل.

صباح الخير المصرية في

08/09/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)