تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

الأزمة الاقتصادية تنتقل إلى السينما وهوليوود تتراجع عائداتها

انحسرت سينما النجوم والسينما المستقلة فقدت جمهورها

نديم جرجورة

لا تزال صناعة السينما الأميركية، في هوليوود وخارجها، تعاني أزمات ومآزق متفرّقة. تارة أولى، هناك إضراب كتّاب السيناريوهات الساعين إلى تحسين شروط عملهم. وتارة ثانية، هناك المخرجون والممثلون والتقنيون، الذين وجدوا أنفسهم خارج دائرة «الأرباح الإضافية»، المتأتية من بثّ أفلامهم في وسائط اتصال وتواصل مع المشاهدين جديدة، غير صالات العرض التجاري أو شاشات التلفزة أو أشرطة «دي في دي». بعد أشهر طويلة من المفاوضات الصعبة، اتفق «المتنازعون» في ما بينهم (كتّاب السيناريوهات والممثلون والتقنيون من جهة، والمنتجون من جهة ثانية)، وعادت حركة الإنتاج والعمل إلى وتيرتها السابقة، قبل أن تندلع أزمة أخرى، أصعب وأخطر.

صعوبات

تواجه تلك الصناعة، إذاً، أزمة جديدة، ناتجة من تدهور أحوال السوق المالية، أو ما يُعرف بالأزمة المالية العالمية، التي ضربت الولايات المتحدة الأميركية منذ أشهر عدّة. غير أن انعقاد الدورة الخامسة والثلاثين لمهرجان «دوفيل» للسينما الأميركية، المُقامة في المدينة الفرنسية «دوفيل» بين الرابع والثالث عشر من أيلول الجاري، أتاح الفرصة لتسليط الضوء على الأزمة السينمائية، خصوصاً أن أكثر المتضرّرين بها هم أولئك العاملون في «السينما الأميركية المستقلّة». وهذا ما دفع البعض إلى القول إن الأزمة المالية العالمية «لم توفّر السينما الأميركية»، وإن «النجوم مُعاقبون» وإن «الأفلام المستقلّة تعاني صعوبات شتّى». من جهته، أشار دوني روسّانو، في تحقيقه المنشور في المجلة الفرنسية الأسبوعية «إكسبرس» (27 آب الفائت) إلى أن هناك «عاصفة في هوليوود»، متوقّفاً عند معلومات نشرها استديو «باراماونت»، متمثّلة بالنجاح التجاري الكبير لـ«ستار ترك» (2009) لجي. جي. أبرامز و«المحوِّلون 2: انتقام الساقط» (2009) لمايكل باي: «بالنسبة إلى الفصل الثاني من العام الجاري، حقّق الاستديو إيرادات تُعتبر الأعلى لغاية اليوم: مليار دولار أميركي». لا شكّ في أن الرقم المذكور يثير الدهشة، ما دفع الصحيفة الأميركية اليومية المختصّة بصناعة السينما «فارايتي» إلى نشر معلومات في عددها الصادر في 28 تموز الفائت، أفادت بأن إيرادات «فياكوم»، الشركة الأم لـ«باراماونت»، في الفترة نفسها، توصف بأنها أقلّ لمعاناً: «تراجعت الأرباح بنسبة 32 بالمئة، ووقعت خسارة قُدِّرت بخمسة وعشرين مليون دولار أميركي. هذا فقط بالنسبة إلى الاستديو وحده«. علماً بأن «لغة الأرقام» تعكس حالة تناقض فظيع في صناعة السينما في الولايات المتحدّة الأميركية: لم توفّر الأزمة هوليوود؛ لكن، ولأن الفن السابع «يجعل ملايين المشاهدين يحلمون»، تستطيع الاستديوهات أن تصمد وتحيا. أما بالنسبة إلى المنتجين المستقلّين، «أي أولئك الموجودين خارج نظام الشركات الكبرى الرئيسة»، فهذه قصة أخرى.

في التحقيق الفرنسي المذكور أعلاه، جاء أنه «على الرغم من التنبؤات الكارثية التي ظهرت في العام 2008، أي في ذروة الإعصار المالي، استمرّ الجمهور في الذهاب إلى الصالات. إنه الدرس الأكبر للأزمة. ذلك أن التردّد إلى الصالات يبقى أمراً مهماً». وذكر دوني روسّانو أنه من «ولفورين» (2009) لغافن هوود إلى «هاري بوتر والأمير الهجين» (2009) لديفيد ياتس، «قدّمت الإنتاجات الضخمة إيرادات جيّدة دائماً». يحيل هذا القول إلى ما حصل أثناء الركود الاقتصادي في الثلاثينيات، وإلى إجراء مقارنة سريعة بين مشاهدي تلك الفترة ومشاهدي العام الجاري، إذ إنهم متشابهون في مسألة جوهرية: «إنهم محتاجون إلى الذهاب إلى الصالة، للتفلّت من عالم عدواني، وللاستسلام لمناخ مغاير تماماً عن الواقع المزري»، كما علّق البعض: «من هنا، جاء نجاح أفلام التسلية». غير أن لظاهرة الإنتاجات الضخمة جانباً آخر، خصوصاً في ظلّ الأزمة المالية والانهيار الاقتصادي هذين: «منذ وقت طويل، قلّصت الميزانيات الاستثنائية للإنتاجات الضخمة هامش الأرباح للاستديوهات». فهل يؤدّي الإنتاج الضخم لـ«أفاتار» (في الفلسفة الهندوسية، تعني هذه الكلمة الأجنبية «تجسّد الآلهة»، أو «تجسّد فكرة أو فلسفة في شخص معين»)، الفيلم الجديد لجيمس كاميرون، البالغ 240 مليون دولار أميركي، إلى إيرادات تفوق هذا الرقم، وتؤمّن أرباحاً للشركات المُنتجة؟ فمع الركود الحالي، اشتدّت الأزمات. والشركات مالكة الاستديوهات، كـ«سوني» و«فياكوم» و«تايم وارنر»، تعاني كلّها صعوبات جمّة، وعليها أن تصنع تغييراً في عادات المشاهدين. كما أن إيرادات سوق الـ«دي في دي»، المصدر الأول للعائدات بالنسبة إلى هوليوود، تراجعت بنسبة ثمانية عشر بالمئة في الأشهر الستة الأخيرة هذه: «عندما لا تُباع أشرطة «دي في دي»، فإن إخفاقات شبّاك التذاكر والميزانيات الغريبة (المخالفة للمألوف) يُصبح تخفيفها أصعب». الأمثلة متنوّعة: «أرض الضياع» (2007) لبراد سيلبيرلينغ (تمثيل ويل فيريل)، الذي بلغت ميزانيته مئة مليون دولار أميركي، و«العازف المنفرد» (2008) لجو رايت (تمثيل جايمي فوكس)، «هما إخفاقان واضحان». هناك «الحرّاس» (2009) لزاك سنايدر و«عدو الشعب» (2009) لمايكل مان، اللذان لديهما نسبة إيرادات سلبية كثيرا. أما أشرطة الـ«دي في دي» الخاصّة بالفيلم الأخير لجيمس بوند، «كَمّ من العزاء « (2008) لمارك فورستر، و«مليونير منازل الصفيح» (2009) لداني بويل، و«أنديانا جونز ومملكة جمجمة الكريستال» (2008) لستيفن سبيلبيرغ، فـ«كانت مبيعاتها سيئة».

النجوم مُعاقبون

ظاهرة أخرى مرتبطة بالأزمة، تُربك هوليوود: السينما المرتبطة بـ«نظام النجم»، لا تشتغل حالياً كما يجب. فيلم مثل «حالة مناورة» (2009) لكيفن ماك دونالد (تمثيل راسل كرو وبن أفلك) تلقّى صفعة موجعة، ونجوم كبار عديدون عرفوا فشلاً قاسياً، أمثال جوليا روبرتس وجون ترافولتا وجاك بلاك وغيرهم: «نشهد تحوّلاً في نظام النجم»، كما قال مارك شموغر رئيس «يونيفرسال»، الذي يلخّص تطوّر سلوك المُشاهد بقوله إن هذا الأخير «يُفضّل غالباً الفيلم نفسه على من يُذكر اسمه على الملصق». في المستوى الاقتصادي البحت، هناك عوامل عدّة تضيف عتمة على المشهد: المموّلون الخارجيون لم يعد لديهم المال لمساعدة الاستديوهات؛ وعمليات التصوير «هربت» من لوس أنجلوس وكاليفورنيا للاستفادة من الإعفاءات الضريبية والمالية الممنوحة من ولايات أخرى، كلويزيانا وميشيغن تحديداً، ما أدّى إلى فقدان وظائف عديدة في لوس أنجلوس. ثم إن ضعف قيمة الدولار إزاء العملات الأجنبية «يغرز المسمار أكثر» في جسد صناعة السينما، ويزيد الأزمة حدّة: ارتفعت كلفة إنتاج الجزء الأخير من «هاري بوتر»، المصوّر في لندن، خمسة عشر مليون دولار أميركي، أضيفت الى الميزانية، مع أنه كان يُمكن تفاديها لو تمّ تصويره في الولايات المتحدّة. وعندما تُحوِّل إيرادات الأسواق الأجنبية (65 بالمئة من مجموع العائدات في شباك التذاكر) إلى الدولار الأميركي، فإن «الصناعة تربح أقلّ بكثير من ذي قبل».

«الحالة إذاً صعبة»، كما أجمع عاملون في صناعة السينما الهوليوودية، أضافوا أن «هوليوود تحاول التأقلم معها، وإن بصعوبة». فالاستديوهات كلّها جعلت مئات المستخدَمين عاطلين من العمل، ما أدّى إلى تراجع عدد الأفلام المُنتجة وتقلّص الميزانيات: «هذا كلّه إذا لم يتمّ إلغاء المشاريع صراحة»، إذ قرّرت «سوني»، مثلاً، أنه من غير المجدي صرف 57 مليون دولار على فيلم عن البايزبول (مال الكرة)، على الرغم من مشاركة براد بيت في التمثيل وستيفن سودربيرغ في الإخراج. في مقابل هذا الركود، وضعت الاستديوهات خططاً جديدة للتسويق: باتت شبكة «إنترنت» لا غنى عنها للتواصل بين الأفلام والمشاهدين، سامحةً بالتالي خفض التكاليف الباهظة للترويج للأفلام عشية إطلاق عروضها التجارية (155 مليون دولار أميركي لإطلاق «هاري بوتر»). في النهاية، تذهب الاستراتيجيات الفنية كلّها في الاتجاه نفسه: تفضيل الإنتاجات الضخمة، كـ«ستار ترك» و«المحوِّلون 2»، والكوميديات الأقل كلفة، كـ«رحلة سيئة جداً» (2009) لتود فيليبس، الذي حقّق نجاحاً كبيراً ومفاجئاً في الولايات المتحدّة الأميركية وفرنسا معاً.

في مقابل الشركات الضخمة هذه، «المهتزّة لكن الصلبة»، تعرّضت «السينما المستقلّة» لضربات موجعة، لأنها غير مستقلّة بالكامل عن التمويل الخارج على النظام الإنتاجي المعمول به في هوليوود. الإثبات: نَقَضَ شراة دوليون عديدون تعهّداتهم الذين قدّموها سابقاً لعاملين في صناعة هذه السينما، ما أدّى إلى تخلّص الاستديوهات من الشركات المستقلّة، التي دعمتها سابقاً. فقد أغلقت «وارنر المستقلّة» و«بيكتشرهاوس» و«باراماونت فانتاج» أبوابها أمام الشركات المستقلّة، في حين أن «نيولاين» تمّ ابتلاعها من قِبَل «وارنر إخوان». وحدهما «فوكس سيرشلايت» (مليونير منازل الصفيح) و«لايونزغايت« (سلسلة أفلام الرعب «منشار» SAW) نجحتا في التملّص من المشكلة.

..والسينما المستقلّة

بحسب داون هودسون، العامل في «فيلم أندباندنت» (هيئة تُعنى بمساعدة السينمائيين)، «باتت العقود كلّها، التي توقَّع عادة بين المنتجين وممولي «وول ستريت» المعنيين بالاستثمار في المجال السينمائي، مستحيلة». حتى الميزانيات المتراوحة بين مليون وخمسة ملايين دولار أميركي «بات الحصول على استثمارات لها صعباً«. والمشكلة الثانية التي تُعانيها السينما المستقلّة، كامنةٌ في أن غالبية أفلامها تُشكِّل جانباً مهمّاً من السينما الاجتماعية والقصص المستلّة من الواقع المظلم غالباً للبلد. هنا، الأمر سهل: لم يعد الجمهور يرغب فيها. وفجأة، لم يعد الموزّعون يريدونها، هم أيضاً: «إنهم (المشاهدون/ الموزّعون) يطلبون كوميديات أو أفلام تسلية أقلّ كلفة، مثل “TAKEN” (2008) لبيار موريل»، كما قال بارنابي تومبسون، مدير «استديوهات إيلينغ»، الذي أضاف أن «المواضيع الدرامية باتت سلعة نادرة الآن». شبّاك التذاكر، السيّد الأول على الأرض السينمائية، يعطيه حقّاً في قوله هذا: إزاء النجاح الجيّد لكوميديا «500 يوم معاً» (2009) لمارك ويب (تبدأ عروضه التجارية الفرنسية في الثلاثين من أيلول الجاري)، هناك أفلام صغيرة عدّة لم تتجاوز إيراداتها مليون دولار أميركي؛ وهذا رقم مثير للسخرية في الولايات المتحدّة: «إنه عصر جديد يُفتَتح»، كما قال ستيفن بيير (ناشط في «مهرجان ساندانس»)، مضيفاً أن «الجمهور الهاوي أفلاماً مستقلّة بات يذهب إلى المهرجانات، ويستأجر أشرطة «دي في دي»، أو يبحث عنها في شبكة «إنترنت». لكنه لم يعد يُشاهدها في صالة سينمائية بالطريقة المتفق عليها».

إن السينما المستقلّة في اندحار تام، والمنتجون لا يملكون خياراً آخر غير البحث عن بدائل جديدة. سينمائيون عديدون يصوّرون مشاريعهم بوسائل متواضعة وميزانيات صغيرة جداً. بعضهم يسعى إلى العثور على المال بطرق أخرى: هكذا فعلت سيبيل تمتشين عندما راسلت نساء أعمال شهيرات لمساعدتها على تمويل «أودري»، الذي يسرد حكاية امرأة «مقيمة» في عالم الأعمال. وهي نجحت في جمع 300 ألف دولار أميركي، أي نصف المبلغ المحتاجة إليه: «يُمكننا الشكّ في أن مبادرات شخصية كهذا تُنقذ السينما المستقلّة»، كما علّق روسّانو.

اليوم، يُطرح في هوليوود سؤال واحد فقط، لكنه مهمّ للغاية، ومتعلّق بالتحوّلات الآنية: هل ستصبح الصالات السينمائية أمكنة لعرض الأفلام ذات الإنتاجات الضخمة، والشاشة الصغيرة أو شبكة «إنترنت» للأفلام المستقلّة ذات القدرة التجارية الأدنى؟ منذ نجاح «سوبرانو»، بات التلفزيون «أرض الأحلام» الجديدة للسينمائيين. هنا، يُمكن أن يكون التلفزيون «طوق نجاتهم»، وما على المهتمّ إلاّ الانتباه إلى هذه المقارنة: في مقابل عجز «الطريق الثورية» (2009) لسام مانديس، مع الثنائي ليوناردو دي كابريو وكايت وينسلت، عن العثور على جمهوره، عرف مسلسل تلفزيوني بعنوان «رجال مجانين» (تناول المواضيع نفسها) نجاحاً جماهيرياً كبيراً. ألا يُشكّل هذا الأمر «موضوعاً جيّداً للتفكير»؟

إعداد: نديم جرجوره

السفير اللبنانية في

05/09/2009

 

 بلا «وجع رأس»

نديم جرجورة

لا ترغب المحطّات التلفزيونية العربية، الفضائية والأرضية، في إنتاج برامج خاصّة بالتسلية تمتلك شروطاً ثقافية سليمة. ترى أن التردّي والسطحية أسهل إعداداً، ما يعني انهما أربح مادياً/ إعلانياً. تجاهد من أجل لا شيء، وتأبى البحث عن الإفادة. لا وقت لديها للتثقيف، ولا مال تنفقه على الجدّي. تذهب إلى المسلسلات الدرامية (غالبيتها محتاجة إلى تأهيل إبداعي جذري، في المضمون والشكل والمعالجة وتنفيذ التقنيات المتفرّقة) وبرامج «توك شو» سياسي أو فني (تشبه الواقع المزري الذي تُقيم فيه شعوب ومجتمعات)، وإن كلّفها الأمر كثيراً؛ لكنها لا تجد في الثقافة الجادّة مصدر غنى مادي لها، هذا إن لم تنظر إليها شزراً، لأنها مكلفة وإيراداتها خاسرة بمقاييس العمل التلفزيوني العربي. لا مبالغة في هذا، علماً بأن هناك أعمالاً تلفزيونية قليلة تحتوي على مضامين مهمّة، وترتكز على اشتغال حرفي جيّد. غير أن خطورة المسألة كامنةٌ في غلبة التردّي والتسطيح على البرمجة.

تتكاثر برامج التسلية في شهر رمضان، لأن الصائمين يسهرون الليل منتظرين موعد السحور، ما يعني أنهم محتاجون إلى كل ما يُسلّي، مفضّلين الابتعاد عن «وجع الرأس»، أو هكذا يُخيّل لمدراء المحطّات التلفزيونية وبرامجها اليومية. و«وجع الرأس» هذا ناتجٌ من مسلسل جدّي ومليء بحكايات وحبكات مشوِّقة (بالمعنى الإبداعي للكلمة)، أو من «ألعاب» و«تسالي» قد تُقدّم ربحاً مالياً ما. لا مشكلة إزاء برامج التسلية، لأن الفنون البصرية عامة قابلةٌ لهذا النوع العادي والسهل من الأعمال. غير أن المأزق الخطر كامنٌ في الغياب الكامل للتتمة المطلوبة للتسلية، أي للمقابل الثقافي. بمعنى آخر، لا ضرر تلفزيونياً في إشباع غريزة المتلقّي؛ لكن، لا ضرر أيضاً في أن توازن إدارات المحطّات التلفزيونية بين التسلية البحتة (المسطّحة غالباً) والتسلية المفيدة، مع أن هناك من يُطالب بتغليب الثانية على الأولى. فالمحطات التلفزيونية الغربية مثلاً تبثّ هذا الصنف من البرامج العادية، لكنها منتبهة في الوقت نفسه إلى أهمية إتاحة مجال واسع أمام شريحة أخرى من المتفرّجين، ترغب في برامج منتمية إلى المعادلة الطبيعية بين التسلية والإفادة، أي إلى برامج ثقافية بحتة، أو إلى برامج للتسلية تُدخل أسئلة جدّية في مسابقاتها «التسلوية» الطويلة.

لا تقتصر أزمة برامج التسلية العربية على المضمون المسطّح. هناك ملاحظات عدّة تُساق في هذا المجال، بدءاً من الأسلوب المعتمد في تقديمها، والمذيعين/ المذيعات المختارين لإدارتها، ومدى إدراكهم فحوى الأسئلة المطروحة، وكيفية نطق الأسماء العامة والخاصّة (ناهيك عن نطق الجمل بالعربية الفصحى، وهو غالباً ما يكون سيئاً أو خاطئاً، لغةً وقواعد)، والعلاقة القائمة بين المذيع/ المذيعة والمُشاهد، بالإضافة إلى سلوك مشاهدين ينتشون عند سماعهم أصواتهم مبثوثة على الشاشة الصغيرة، فيتصرّفون بالطرق كلّها المغايرة لأبسط قواعد الإطلالة التلفزيونية. وهم، بهذا، لا يختلفون أبداً عن سياسيين منصرفين إلى الشاشات الصغيرة لتنفيس احتقان ما لديهم، أو لتسطيح مسائل عامّة. ذلك أن بعض مقدّمي هذه البرامج يميل إلى غنج أنثوي فاقع لا علاقة له بجمالية الإغراء السوي، أو إلى محاولة ذكورية باهتة وفاشلة لإثارة مناخ ضاحك يتناقض والمنطق الكوميدي السليم؛ ولا يتردّد بعضٌ آخر عن تحديد الإجابات الصحيحة علناً على الهواء مباشرة، أو عن استخدام «ميوعة» لفظية وحركية لحثّ المُشاهدين على الاتصال.

لا شمولية في هذا الرأي، بل محاولة خفرة لتبيان معالم درك آخر بَلَغته محطّات تلفزيونية عربية كثيرة، مقيمة أصلاً في انحطاط مجتمعي وأخلاقي وإنساني عربي خطر.

السفير اللبنانية في

04/09/2009

 

عالم جيمس كاميرون

نديم جرجورة

يصعب العثور على وصف حقيقي له. ليس لتقلّباته المتناقضة بين الأنماط والأشكال، بل لعجز المفردات عن إيفائه حقّه الإبداعي والإنساني. مشبعٌ هو بعنف مبطّن ترجم بعضاً منه في روائع سينمائية، مستمرة في تشكيل وعي ثقافي مزج الرؤية المستقبلية بالخيال العلمي، والمشاعر الإنسانية بعنف المجتمعات والأفراد. مقيمٌ هو في لجّة جحيم أرضي، نقل نبضه الحيوي إلى عمارات بصرية حفرت عميقاً في الذاكرة الجماعية، كي تصوغ معنى آخر للحبّ على إيقاع الموت والانكسار والتحدّي.

إنه السينمائي الكندي جيمس كاميرون: طوّع الخيال العلمي في خدمة هوسه السينمائي، لابتكار لغة حيّة تعكس الآنيّ وتفبرك مستقبلاً ما («الهاوية»؛ الجزء الثاني من «غرباء»؛ «الناهي» بجزأيه الأولين)؛ وجعل العنف مادة أساسية لكشف التهوّر الجماعي في صناعة الحياة (أكاذيب حقيقية)؛ واختار حادثة تاريخية شكّلت منعطفاً جوهرياً في سيرة القرن العشرين، لفضح النزاع الطبقي وتعنّت الفرد في تحدّي القدر وقوّة الحب في مقارعة الخراب (تايتانيك). لكنه غاب طويلاً بعد إعادة إغراقه الباخرة الأشهر في التاريخ البشري، متفرّغاً لتنظيم عودة تليق بكبار المبدعين: منذ العام 1995، أراد تحقيق «أفاتار» (في الفلسفة الهندوسية، تعني الكلمة الأجنبية «تجسّد الآلهة»، أو «تجسّد فكرة أو فلسفة في شخص معين»)، لكن عجز التكنولوجيا يومها عن تلبية حاجاته التقنية حال دون إنجازه. وها هو الآن يعمل ست عشرة ساعة يومياً، كي يُنهي التفاصيل كلّها قبل موعد إطلاق عروضه التجارية في أواخر العام الجاري. مع هذا، فإن أحداً لا يستطيع تقديم ملخّص عن مضمونه الدرامي، على الرغم من الانتشار الكثيف لمعلومات وصُوَر وملصقات وأشرطة دعائية على شبكة «إنترنت»، تبيّن لاحقاً أنها لا تمتّ للفيلم بأدنى صلة، ما دفعه لاحقاً إلى الاحتفاء به عالمياً، في يوم خاصّ أطلق عليه اسم «يوم أفاتار»، عُرضت فيه مقتطفات لم تتجاوز مدّتها عشرين دقيقة، من أصل ثلاث ساعات، يُتوقّع أن تكون مدّته النهائية. هنا أيضاً، وبحسب العنوان على الأقلّ، بالإضافة إلى تأكيد انهماكه في استغلال التطوّر التقني الكبير، يُمكن القول إن كاميرون مستمرّ في التلاعب بين الأنماط السينمائية والقضايا الإنسانية والأشكال الفنية، لبلوغ مرتبة ما من التعبير الثقافي/ الفني.

ولأنه يأبه كثيراً بالتفاصيل الدقيقة لأي مشروع سينمائي، بدا كأن السفينة العملاقة جعلته «يغرق» في غياب طويل، استعداداً لمغامرة جديدة مشبعة بالتجديد البصري والفني والتقني (فيلمه الجديد هذا مشغول بتقنية ثلاثية الأبعاد) والدرامي. ولأنه مهموم بقضايا إنسانية متنوّعة كالبيئة، لم يتردّد عن تمرير «رسائل» مبطّنة، إذ طرح في «الناهي» سؤال الاعتداء النووي، ووصف «تايتانيك» بأنه صراع بين اليقين البشري وقوى الطبيعة. ولعلّ انغماسه في «أفاتار» لن يلهيه عن الاستمرار في هذا السياق، إذ ردّد مراراً أن همومه الإنسانية الواردة في أفلام سابقة له «قد» تجد حيّزاً لها في جديده هذا.

السفير اللبنانية في

04/09/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)