تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

'هدوء نسبي'

المصيدة التي ابتلعت بغداد وما الفرق بين اليابانيين والعرب؟

لينا أبو بكر

لا بد أننا نتفق على كون الفن عنصرا تأمليا، لا يتعامل مع الواقع من منطلق توثيقي، ولا تصويري بقدر ما يستند إلى التعبير عنه بأدوات التأمل والمخيلة ومصداقية التأثر لضمان فعالية التأثير، والدراما التلفزيونية فن معاصر له من مقومات الفن ما لغيره من الفنون، لذلك وبكل بساطة لا تستطيع محاكمته على أنه خارج سياق تلك المقومات، والا عليك ان تجد له مسمى آخر، غير أن تطلق عليه فنا أو دراما!

يعني سقوط بغداد هو حدث واقعي مما لا شك فيه، وما استعادته فنيا 'دراميا' إلا نوع من اللعب مع الزمن 'شرط ان يكون اللعب إبداعيا لا عبثيا' وإلا فقد شرط الاستعادة.

كتبت الاسبوع الفائت عن مسلسل 'هدوء نسبي' الذي تبثه 'المصرية' و'الحكايات' وربما فضائيات اخرى ايضا، متأملة خيرا بشوقي الماجري، وبمدى ما يتمتع به هذا المخرج التونسي من حرفية بالتعامل مع الصورة، والإحساس والذاكرة.

إلا أن الصدمة جاءت من النص الذي كتبه الكاتب السوري 'خالد خليفة'، لأنه جاء فارغا من الشحنة العاطفية اللازمة للنهوض بالأحداث والصعود بالزمن الفني والتوترات الدرامية التي تخلق طقسا ثريا لا يشوبه الانقطاع او البتر العاطفي الناتج عن كتابة ينقصها الترابط بين الأفكار والأحاسيس، ينقصها العمق والمعرفة، بحيث أتت أشبه ما تكون بالكليشيهات الحوارية التي لا ترسخ في الذاكرة لأنها لا تضيف الى الواقع اي بعد ابداعي يذكر- حتى الآن على الاقل.

حقيقة لا يوجد هنالك حوار حقيقي تستطيع ان تعتمد عليه لتتابع الأحداث، بل إنه لن يفوتك شيء لو استغنيت عن الحوار فأخفضت الصوت تماما واكتفيت بمتابعة الصورة لتدرك ما هي مجريات الحدث الدرامي، فالحدث يتطور بفعل ما يبذله الماجري لتعويض ذلك الفشل الذريع في صلب النص الدرامي الذي يفترض به ان يكون البطل الرئيسي، وهنا أستذكر ما قاله لي مرة المخرج السوري 'أنور قوادري' خلال أحد الحوارات حول اهمية النص بالنسبة للعمل الدرامي، كونه يحتل نسبة '70 من الاهمية، لندرك مدى الجاذبية التي تمتع بها مسلسل 'أسمهان' وقد اقتسم نص نبيل المالح البطولة مناصفة مع المخرج والطاقم والواقع الذي استندت اليه الحكاية الدرامية.

أما إن كنا نتابع يوميات صحافيين في الحرب على العراق، فإن هذه اليوميات لم تكن لتليق لا بما عاناه الصحافيون ولا بما عايشوه لأنها لم تعبر عن مشاعرهم وآمالهم ومخاوفهم وعشقهم الهارب من النار بما يكفي، إذ ينقصها التوازن الفني، الذي يحتاجه المشاهد كي يقتنع بهذا المخزون العاطفي ويتفاعل معه، وهو ما لم يتم، أبدا، بل إن الأحداث التي مهدت لكثير من القصص جاءت باهتة في مضمونها الحواري، وكأنها افتعالات درامية 'عالماشي' لا يرقى فيها مستوى الحوار الى الهدف المنشود منها او الى مستوى الواقع المستوحاة هي منه!

يقول خليفة في احد اللقاءات معه وراء الكواليس على قناة 'الحكايات': 'انه لا يدعي معرفة كل شيء' وليس المطلوب منه طبعا ان يكون علامة، ولا مرجع زمانه وعصره، بل إن كل ما سيحتاجه هو القليل القليل الذي يعينه على تحويل المعرفة الى صياغة فنية محكمة، في ذات الوقت الذي سيحتاج به الى مخيلة إبداعية حقيقية تخرج به من إطار العبث أو 'الشلفقة'.

هنالك أرشيف جاهز لدى المشاهد العربي عما حدث في العراق ولا أقصد هنا أرشيف الذاكرة العربية، بل الذاكرة الالكترونية، ويستطيع هذا المشاهد أن يعود إليها في أي وقت دون ان يتقيد بموعد معين ودون ان يحتاج الى فائض درامي فارغ يملأ به قائمته الرمضانية المصابة أصلا بالتخمة حتى يأتي خليفة ويضغط على زناد الذاكرة فيطلق رصاصا فارغا كهذا؟

يتحدث خليفة ما وراء الكواليس عن رؤية الماجري للعمل بحيث كانت له وقفة مع النص بشكل او بآخر، مما يدل فعلا على تدخل المخرج، وما من مخرج يضطر الى ذلك الا وهو على يقين بان النص يحتاج معونات ابداعية يشد له ظهره بها ويسند حيله فيها!

ثم ان كان هنالك اكثر من 300 شهيد صحافي في الحرب، كما يذكر الكاتب، فهل هذا حقهم عليه؟
الماجري يرى في العمل نوعا من استعادة ذلك الاحساس الذي عشنا معه في سقوط بغداد، وربما كانت النوايا الفنية لدى الماجري هي المبدع الأول، وهو صاحب الاجتياح، العمل الذي استحق ان يعتبر بصمة إبداعية مميزة تنفض الغبار عن ذاكرة الألم الفلسطيني، وتنعش إحساسه بالوجع الأم، كي تتجدد طاقة الحق لديه.

شتان ما بين الاجتياح وبين مسلسل اقرب الى اللقطات الارشيفية المعادة، التي لم يستطع النص الدرامي ان يستعيدها 'تأمليا' بل واخفق في التفوق عليها، لأن المفترض به أنه أكثر اختمارا بعد مرور الحدث، فالزمن دائما يسير لصالح الفن، لا لصالح الواقع، كثيرا ما يخذلنا التاريخ، وهنا يتجلى دور الفن، ليس بـ'الطبطبة'، إنما ببلورة الكيان الواقعي الى منظومة مخيلات واقعية فيها من الخصب ما يستند الى المعرفة بالحدث، لا لكي يوثقها بل ليحسها كما يرى الماجري تماما، لذا فإن عامل الإحساس من اختصاص الفن الحقيقي، لا الواجب الفني! من المستحيل للفن ان يكون واجبا قوميا مستعارا وهو يتكئ على القضية دون أن يغوص الى أعماقها بإحساس إبداعي ملفت.

في المقابل انظر الى سحابة صيف، لمروان بركات، الذي يصور لك آثار الحرب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، بشكل عميق جدا وبسيط الى ابعد الحدود، فالبساطة عند النشاشيبي عنوان الرقي، والبساطة غير الفراغ والسذاجة للعارفين، ماذا يعني ان يُنتج عمل فني يفترض به ان يدخل الى اعماق الحدث، فيعجز عن ذلك؟ بينما يأتي عمل اخر خارج قلب الحدث كمكان وينقلك الى المأساة ببراعة يشهد لها؟

·         الا يعتبر النص القادم من داخل المكان كتصور درامي في هدوء نسبي دخيلا على المكان؟ خارج المكان؟ غريبا؟ مستهجنا؟

كيف يظل العمل خارج نطاق الاحساس رغم انه ابن المكان الذي اصبح محور الاحساس على المستوى الواقعي؟ ان عين شوقي الماجري كانت هي التي تحاول رصد الاحاسيس من خلال بناء هيكل صوري وانفعال بديل لم يتحه النص الفقير انفعاليا للابطال ابدا..

·         كيف سقطت بغداد في هدوء نسبي، الله أعلم!

لم يشغل خليفة باله ابدا بخلق طقس درامي يمهد او يوضح او يكشف الستار عن مقتضيات السقوط كحدث درامي، كل ما فعله هو اعطاء النتيجة الواقعية المعروفة سلفا والاكتفاء بذلك، وهذا ما يكشف لنا مدى افتقار الكاتب لمتطلبات الكتابة الابداعية، والذي عنيته تحديدا عندما تحدثت في البداية عن الفرق بين النص الابداعي والنص الواقعي الاقرب الى نشرات الاخبار، لا يحتاج المشاهد الى جرعة زائدة من النشرات الاخبارية الجامدة، حتى وان كان ابطال النص الدرامي صحافيين واعلاميين.

النشرة الاخبارية في صلب العمل الدرامي تحتمل ابعادا اخرى تماما لم ينجح خليفة في ادراكها واكتفى بان يتحول نصه الى ببغاء صامتة، تكرر ما تلتقطه دون أن تتأمله، أين عقل النص إذن؟ ما هذا هو الجنون الابداعي حتى نغبطه عليه! نص خليفه هو النص المصيدة الذي اوقع في فخاخه بغداد بالدرجة الاولى ثم 'هدوء نسبي' بكل من فيه، مع استثناء قلة قليلة على رأسهم شوقي الماجري أول الناجين!

أما 'سحابة صيف' وان كنت تطرقت اليه المرة السابقة بشكل سريع فانني سأعرج عليه المرة القادمة بحول الله بالقدر الذي يستحقه!

اليابان والعرب

برنامج خواطر الذي تبثه فضائية الـ'ام بي سي' برنامج يرتحل بين الثقافات المختلفة، لا للاطلاع المجرد بل سعيا لتوظيف ذلك الاطلاع لمصلحة المجتمع طالما أنه يقارن بين الثقافات والانماط السلوكية السائدة في المجتمع العربي والياباني عبر عين الكاميرا.

·         هل تتطلب المقارنة شجاعة ما؟

تريد الحقيقة: نعم، مع اليابان تحديدا تحتاج الى بطولة غير اعتيادية، وانت تغالب القهر وتضبط اعصابك وصبرك وضعفك امام قوة من نوع خاص، قوة التغلب على الاقوى في ميدان الحياة والعمران لا في ميدان الحرب والدمار.

شعب نهض من الموت النووي 6 اب (اغسطس) 1945، ليرتب نجاته بشكل فائق الروعة والجمال.

هنا للنار ان تكون بردا وسلاما على هيروشيما، ليس لأنها من نسل ابراهيمي بل لأن الموت كان المادة الخام التي احتاجتها اليابان كي تصنع الحياة بكل هذه البراعة النادرة.

الكاميرا تذهب الى محطات البنزين والمدارس وحتى الى داخل سيارات الاجرة بين اليابان وبين وطننا العربي الكبير / لتلتقط لك الفرق الشاسع بين المجتمعين من حيث النظافة، درجة الأمان، الهيئة العامة للمكان أو العمال، ارتباط المرء بعمله، مقياس السعادة ومقدارها، التعاون بين أفراد المجتمع، وأكثر من ذلك أيضا، لك ان تتابع خواطر، لتدرك حجم الخجل الذي يمكن له أن يغمر أي مشاهد لا ينتمي للأمة اليابانية.

الجميل في البرنامج أنه يستمد مما يلتقطه قيمة أخلاقية، يناقشها، في إطارها الإنساني والديني، ويتعامل معها كنموذج، يستحق أن يتبع.

السلة الرمضانية

سعاد العبد الله وحياة الفهد، قطبا الدراما الكويتية منذ زمن طويل، تحضران كل عام بشخصية جديدة تنتمي الى المجتمع الخليجي، وتعبر عنه، وكلتاهما تمثلان ما تعانيه المرأة او ما تتسبب فيه كمعاناة، من خلال تمكن بارع في الأداء، وباع طويل في المراس الفني، كلتاهما تستحق التكريم، وكلتاهما رمز يجب الاحتفاء به.

·     الا يحتاج بعض الممثلين الرمضانيين الذين احترقت اوراقهم الى استراحة رمضانية واحدة على الأقل لإعادة ترتيب الأوراق، والتفكر جيدا بما يمكن ان يحقق لهم خبطة رمضانية مثل زمان؟

باسم تيم وسلافة معمار في زمن العار أداء تفوق على نفسه، وتجاوز الاعتيادية والتكرار، هنا تحديدا لك أن تعد البطولة الدرامية ذكاء في الاختيار وتحد لا يمكن ان يخذل جبروته.

يا نيشان مشكلة ملحم بركات ليست مع الفن مشكلة ملحم بركات مع الزمن الفني.

الى القارئ الكريم عدنان الذي سألني عن سبب تغيير التوقيع الاسبوع الفائت: السبب هو أن القضية الفلسطينية قضية عربية آن لها ان تخرج من قطريتها، وتجند أمتها لها.

شاعرة عربية - لندن

القدس العربي في

03/09/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)