تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

«رذاذ» نـجـاح

قيس قاسم

قصة عائد من العراق

يعود الممثل تومي لي جونز بطل العمل الدرامي المتميز «في وادي الاه» والذي لعب فيه دور أب يبحث عن ولده الجندي العائد من العراق لقضاء إجازة قصيرة في وطنه، ليختفي في ظروف غامضة، يعود جونز ليلعب دور محقق يبحث، هذه المرة، عن قاتل مجهول في ولاية لويزيانا، حيث المستنقعات المائية، والغموض الذي يشيعه سكونها. وربما لهذا السبب احتفظ المخرج برتراند تافيرنيه بالعنوان الغامض نفسه للرواية التي اقتبس قصة فيلمه منها «في الرذاذ الكهربائي».

قبل الدخول في تفاصيل شريط «في الرذاذ الكهربائي» ومشكلاته، علينا التأكيد وقبل كل شيء على أن مستواه جيد وفيه غرابة لجمعه بين الدراما والإثارة. مشكلته الأساسية؛ اتكاله الكامل على الممثل تومي لي جونز، والرهان على قدرته في الجمع بين أكثر من شخصية ونوع درامي. ومع صعوبة هذه المهمة كان على المخرج توفير عناصر تساعده فيها ومنها تقنية، مثل التصوير والمؤثرات الخارجية وأخرى دراماتالوغية مثل؛ سيناريو محبك ومدروس بعناية. وللأسف لم تتوافر كل هذه العناصر، فأثقل الحمل كاهل جونز وبانت عليه علامات التعب، الأمر الذي انسحب على الشريط كله، فخسرنا، بالتالي، فيلما كان بالإمكان أن يأتي في مستوى أفضل بكثير مما هو عليه.

كانت رغبة المخرج برتراند تافيرنيه في تقديم فيلم ذي مضامين جيدة واضحة، من خلال حرصه على خلق مناخات تأخذ الأحداث فيها معنى أبعد من معاني الإثارة والمغامرة. فبطله ليس مثل بقية المحققين الأميركيين خارقي الذكاء والقوة، بل هو رجل عادي يتعامل مع كل الناس، وأصدقاؤه جلهم من السود، بل كان ضعيفا بسبب إدمانه الكحولي الذي تخلص منه مؤخرا، ما دفعه بقوة الى التحقيق ليس في مقتل بائعة الهوى الشابة، فحسب، بل في عثور فريق التصوير السينمائي، الذي جاء يصور مشاهد في مستنقعات المنطقة، على بقايا جثة زنجي متفسخة. لقد شعر المحقق ديف روبيرشو ان عملية تصفية متعمدة جرت ضد السجين الأسود الذي ترك له المجال مفتوحا للهرب كي يتمكن قاتله من تبرير أسباب قتله، وبدلا من تركيزه على جريمة الشابة راح يبحث في سر موت الزنجي الذي مضى عليه أكثر من أربعين عاما.

مطلوب للقتلة

استنتاجات ديف الصحيحة حول الجريمة وضعت اسمه من دون أن يدري في قائمة أسماء الأشخاص المطلوبين. فالقتلة صار يزعجهم إلحاحه وتركيزه على الجريمة القديمة الى جانب بحثه اللجوج في ربط مقتل الشابة بمدير شرطة المنطقة الذي صار جزءا من مجموعة اقتصادية تتحكم بأمور الولاية. لقد انجر الشريط للخوض في الصراع العنيف بين المحقق والقتلة الذين صاروا يطاردونه في كل مكان، وصرنا نحن أمام فيلم إثارة عادي بدلا من فيلم يبحث في طبيعة العلاقة بين الزنوج والبيض ويحلل أسباب اختلالها أميركيا. المفارقة ان الفيلم في نهايته كشف لنا سر الجريمتين. فالأولى كانت أسبابها عنصرية، تعود الى الماضي حين هربت زوجة شقيق مدير الشرطة الحالي مع رجل أسود فكلف مدير الشرطة، انتقاما لأخيه، ضابطا من عنده لتصفية الرجل بعد سجنه. وأن الضابط نفسه تولى الآن تصفية بائعة الهوى بتكليف من رجل المافيا جولي، الملقب «الطفل الصغير» (الممثل جون غودمان) صاحب النفوذ القوي في البلدية والذي أراد التخلص منها. كان على مخرج الفيلم التركيز على الجانب الإشكالي في الموضوع بدلا من الإطالة في مشاهد التحقيقات ومغامرات المطاردة البوليسية. لقد أضاع الفيلم جزءا مهما من معناه حين ركز على الثانوي من القصة الغنية المحتوى. فالمشاهد كان في إمكانه تلمس وجود عناصر درامية مختلفة ومثيرة لو أخذت مجالا أوضح في الشريط. والمنطقة المختارة بوعي لتحفيز الجانب النفسي لدى المشاهد، لم تأخذ الكاميرا دورها في تصويرها جيدا. لم تكشف لنا وحشيتها ولا جمالياتها الداخلية فظهرت مسطحة ومكانا عاديا للحدث كبقية الأمكنة المصورة داخل الاستوديوهات. هذا إضافة الى الحضور الجسدي المفرط للممثل تومي لي جونز، الى درجة طغت على بقية الشخصيات التي ظل بعضها هامشيا مثل ضابطة الشرطة الفيدرالية. ومع كل هذا وكي لا نولد انطباعا مغايرا لما قلناه من أن مستواه جيد لا بد من الإشارة الى الحضور القوي لبطله. فجونز ليس بالشاب الوسيم ولا يتحلى بمواصفات الممثل الهوليوودي التقليدي. ما يتمتع به هو القدرة التعبيرية الى جانب وجوده الإنساني الطاغي. فالمحقق ديف روبيرشو، على امتداد الشريط، كان يحمل في داخله طاقة إنسانية؛ يتألم لآلام الآخرين ويتضامن معهم. ولعل علاقته الخيالية بجده العسكري المشارك في الحرب الأهلية الأميركية هي أفضل ما في الفيلم. لقد جمع مخرجه بين الشخصيتين بطريقة ملتبسة، بدت، وفي مرات كثيرة، كهلوسة، مع انها وكما اتضح في نهاية الشريط، كانت عنصرا مساعدا وواقعيا لمحقق كاد في لحظة يأس أن يستسلم ويترك البحث عن الحقيقة. لقد لعب العجوز، النائي بنفسه عن المدينة، دورا سريا وحاسما في محنته ومنع انهياره، فأعانه للوصول الى الحقيقة. يبقى، ان «في الرذاذ الكهربائي» فيلماً جامعاً فيه نواقص كثيرة وفيه أشياء جميلة أنقذته من السقوط وأبقته بين أفلام الموسم المميزة.

رعب... الى اليسار

من لا يعرف أن فيلم «البيت الأخير الى اليسار» هو إعادة إنتاج لفيلم قديم بالاسم اياه، عرض في العام 1972 وأخرجه ويس غرافين، يظن أن ثمة تغييراً أو محاولة للخروج عن مألوف أفلام الرعب الحديثة التي تكررت ثيماتها وصارت كلها متشابهة تقريبا. فالشريط يتميز مثل النسخة القديمة بأسلوب يعتمد اللعب على الجانب النفسي عند المشاهد، أكثر من تركيزه على العنف ومشاهد القتل والتعذيب، كما في أغلب الأفلام الجديدة. ومع هذا لم يخل من تأثيرات السائد، فجاء موزعا بين الماضي والحاضر، بين رؤيتين مختلفتين لنوع شائع في السينما.

يظهر جليا أسلوب التأثير النفسي خلال الأربعين دقيقة الأولى من الشريط. فكل حركة وإيماءه تولد لدى المشاهد شعورا بالخوف والترقب من احتمال حدوث شيء فظيع. ومع أن القصة تبدو عادية وتصور عائلة، من أب وأم (مونيكا بوتر والممثل توني جولدوين) وابنتهما الشابة، يذهبون في نهاية الأسبوع الى بيت استراحتهم وسط الغابة، فإن المخرج دنيس الياديس يمهد للدخول في أجواء الرعب بمشهد يظهر فيه رجلان يقومان بتوقيف سيارة شرطة وبدم بارد يقتلان رجال الشرطة وينقذان رفيقهما، الذي كان مخفورا فيها. بعد ساعات من وصول العائلة تطلب الابنة (الممثلة مارتا ماكلاساك) الأذن لزيارة صديقتها في المدينة القريبة. هناك في بيت شاب يعرف صديقتها التقوا وأمضوا وقتا بريئا. فجأة يصل المجرمون الى بيت الشاب، الذي يظهر أنه أبن أحد الرجال الخطرين، فيتفاجأون بوجود غرباء فيه. الخوف من اكتشاف جريمتهم يدفعهم الى التفكير في قتل الشابتين، والخوف على حياتيهما ينقل جو الرعب والترقب الى قلب المشاهد. أجواء الرعب يصورها لنا المخرج بأسلوب هتشكوكي متقن من دون إراقة قطرة دم. لكن الدم الغزير سيهدر ويملأ الشاشة حين يبدل فيه مخرج الفيلم أسلوبه الأول الى آخر يتطابق مع النوعية التقليدية السائدة الآن. أسلوب أكثر فيه من جرعات العنف والقتل البشع، والاغتصاب ليمتد الى الوالدين في استراحتهم واللذين بدورهما، وفي مسعى لإنقاذ ابنتهما، يشتركان في مسرحية البشاعة البشرية التي تنتهي بتفجير رأس المجرم الخطير داخل فرن كهربائي فيتطاير قطعا في الفضاء. النهاية لا تشبه البداية مطلقا، وتأتي كتنازل واضح لذائقة جمهور الشباب. لكن المخرج حاول على الأقل، وخلال أكثر من نصف ساعة، إضافة أسلوب مختلف عما اعتاد عليه عشاق أفلام الرعب الحديثة. أسلوب كان قبل عقود سائداً ورائجاً.

الأسبوعية العراقية في

30/08/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)