تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

فجر العالم.. الحب فلك النجاة في زمن الحرب

* رانيه عقلة حداد

"فجر العالم" أول عمل روائي طويل للمخرج عباس فاضل ، الذي صوّر أحداثه في مصر بعيدا عن بيئة الأحداث الطبيعية في الاهوار جنوب العراق لصعوبة التصوير هناك تحت الاحتلال ، فأقام جزيرة وهمية في منطقة قريبة من بور سعيد لتحاكي اهوار العراق ، واستعان بطاقم ممثلين عرب ودربهم على اللهجة العراقية الأمر الذي شكل حاجزا بين الفيلم والمتلقي العراقي الذي لم يرَ فيه انعكاسا لا لنفسه ولا لهجته ولا لبيئته ، مع الأخطاء الكثيرة في اللهجة من قبل الممثلين العرب وكذلك مع عدم الالتزام في دقة تفاصيل المكان وبعض التقاليد المرعية هناك ، الأمر الذي لم ينكره المخرج إنما عزاه للظروف الإنتاجية ، التي لم تمكنه أيضا من تنفيذ عملية تفجير اللغم في قدم مستور بشكل احترافي ومقنع. لكن حال الفيلم كحال عدد كبير من الأفلام ذات الإنتاج المشترك مع دول أجنبية ، حيث رسالة الفيلم تهتم بمتلق غير عربي وموجهة بالدرجة الأولى نحوه ، لتأكيد القمع الذي وقع على العراقيين في عهد صدام حسين ، وأن قرار الحرب التي خاضها الرئيس لم تكن برغبة الشعب ، وهذا ما يترجمه فرار الكثير من شباب الاهوار - في الفيلم - إلى إيران كي لا يشاركوا في الحرب. أما مستور فقد امتثل مرغما للأوامر ، وفي نهاية الفيلم تتم إبادة اغلب سكان تلك الاهوار ، فلم يبقَ إلا طفل يتيم ، وأم مستور ، وأرملته زهرة ، ورياض - الرفيق الذي تعرف عليه مستور أثناء الحرب - وأودعه وصيته قبل أن يموت بأن يهتم بزوجته زهرة وأن يتزوجها كي يحميها. عدة أمور لم تكن مقنعة في مشهد مشاركة مستور في الحرب وموته ، منها: مستوى أداء الممثلين ، وحجم الإصابة التي تعرض لها مستور ، التي لم تكن على درجة من الخطورة بما يكفي كي تفضي إلى موته. لكن المخرج أرادها كذلك ، كما أراد ترك مسافة زمنية بما يكفي تماما كي يخبر رفيقه رياض بوصيته ثم يموت.

يذهب رياض إلى الاهوار ليبلغ أهل مستور بوفاته ، وعندما يرى زهرة لأول مرة تلمس قلبه بالحب ، فيبذل جهده كي يجد مكانا له في قلبها ، لكن زهرة لا تستطيع تجاوز فقدها لمستور ، وبالتالي القبول برياض في حياتها ، إنما تمضي في حزنها ، ويمضي رياض - ابن مدينة بغداد - في سعيه لتحويل مشاعرها ، فيبقى فترة من الزمن في تلك الاهوار ، ويتعرف أكثر على ناسها وحياتهم ، لكن ، رغم ذلك ، لا يبدو أن شيئا سوف يتغير في خيار زهرة ، إلى أن تأتي تلك اللحظة ، حين يضغط احد رجال الاهوار على زهرة كي تتزوج منه رغم ارتباطه بامرأة أخرى. إذن هذا هو الحدث الذي يختاره المخرج كي يجعل زهرة توافق على رياض وتبدأ مشاعرها بالاتجاه نحوه.. لكن بالنسبة لنا كمشاهدين لا يشكل هذا الحدث دافعا كافيا أو مقنعا كي نفهم ونتقبل هذا التحول الكبير في شخصية وقرار زهرة ، وهي التي تجمعها ذاكره طويلة مع مستور ليس من السهل إسقاطها هكذا ، ولم يكن هناك في الأصل ما يمنعها من رفض الجميع والبقاء بمفردها ، سوى أن المخرج أراد هذا.

لم يكن اختيار منطقة الاهوار من قبل المخرج عبثا ، فللمكان أهمية تنبع من خصوصيته التي تم توظيفها على نحو يخدم فكرة الفيلم بشكل جيد ، فالاهوار جزر صغيرة متباعدة محاطة بالمياه ، لا يمكن الانتقال منها وإليها إلا بواسطة القوارب ، وهي بدورها تعطي للمشاهد إحساسا بأن المكان قصي ومعزول عن العالم وعن مظاهر الحياة المدنية والرغدة. كما أن الاهوار محاصرة بالمياه من كل جانب تماما كما يحاصر الموت الإنسان وينقض عليه وهذا ما تفعله الحروب...

في نهاية الفيلم لا ينجو إلا أربعة أشخاص فقط من الإبادة الجماعية التي نفذتها قوات صدام حسين في أهالي الاهوار بسبب تمردهم ، وعلى هؤلاء عبء البدء من جديد ، فتبدو هنا الجزيرة كما لو أنها فُلك نوح الذي صمد أمام الطوفان ، ومن نجا سيكون نواة تؤسس لحياة ، أو لفجر جديد للعالم عماده الحب.

اما الشريط الصوتي في الفيلم فيغلب عليه الصمت والهدوء الذي يلف المكان ، فلا يكسر الصمت إلا صوت الحوار وصوت التجديف أو محركات القوارب التي تفرض قسوة ما على الجو العام من حين إلى آخر ، وتخلق إحساسا بأن ثمة هدوء وبراءة يتم انتهاكها والتعدي عليها ، وهو بذلك يخدم تماما فكرة الفيلم ، لكن توظيف أغان فلسطينية في الفيلم كان فكرة غير موفقة ، فتلك الأغاني وان كان مضمونها مناسبا للفكرة ، إلا أنها بعيدة تماما عن هوية المكان وشخصياته فبدت كعنصر يساهم في خلق نوع من التغريب الذي لا يتفق وأسلوب العمل ككل. من ناحية أخرى كان الحوار المكثف والبعيد عن النبرة البكائية احد العناصر الجيدة والموفقة في الفيلم ، لو أن المخرج لم يوجه ممثليه على نحو تبدو معه انفعالاتهم مبالغا في هدوئها الى الحد الذي لا يمكن للمتلقي أن يصدقها ، وإنما تخلق حاجزا بينه وبين أدائها. فالحزن والهدوء يبدو هنا مزاجا عاما يسود ويحكم أداء وانفعالات جميع الشخصيات ، دون أن يظهر أي تمايز بينها حتى في حزنها ، كما لو أن مستوى واحدا للصوت قد تم ضبطه ومراقبة عدم تجاوزه ، وملامح تعبير محددة مرسومة مسبقا للجميع. هذا الأسلوب في توجيه الممثلين عنصر آخر يفضي أيضا إلى التغريب ، وهو في تقديري لا يتفق مع الأسلوب العام للفيلم ، الذي لا يتجه إلى خلق مسافة بين المتلقي وما يشاهده بهدف تحريض عقله على التفكير بما يراه ، وإنما يتجه نحو التأثير على عاطفة ومزاج المتلقي من خلال المزاج الحزين ، والإيقاع البطيء ، والهدوء الذي يسود الفيلم ، فيخرج المتلقي وهو تحت تأثير هذا المزاج والإيقاع.

"فجر العالم" في طريقة تناوله ومعالجته لموضوع الحرب ، يشبه الى حد بعيد أفلاما أجنبية مناهضة للحرب - خصوصا تلك التي تناولت الحرب العالمية الثانية - حيث الاتكاء على المقابلة بين الحياة والموت ، ووضعهما في تواز كندين: لا تُدرَك قيمة الأول إلا بحضور الثاني. فليس أعمق تأثيرا من قصة حب حميمة تنمو بين رجل وامرأة في زمن الحرب ، ومن ثم ، بعد أن نشاركهما كمتلقين لحظات الحب والدفء ، يذهب احدهما ضحية للحرب ، لنختبر بعدها قسوة الموت ، وبشاعة الحرب ، وفداحة الخسائر التي من الممكن أن يتكبدها المرء بسببها. هذا التقابل يجعلنا ندرك قيمة الحياة ، فنغدو أكثر تمسكا بها وبالحب الذي يمنحها ألقا خاصا.

رغم أن "فجر العالم" لا يقدم كفيلم ما هو جديد على مستوى المضمون والمعالجة ، إلا أنه يتميز بإدارة تصويره ، وبإضاءة ، وتكوينات كادر جيدة ومدروسة ومعبرة.

ناقدة سينمائية أردنية

raniahaddadus@yahoo.com

الدستور الأردنية في

07/08/2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)