لكل من أجناس التعبير حقيقته. وقطعا فإن حقيقة السينما ليست هي نفسها حقيقة
المسرح أو الرواية أو الشعر. نحن لسنا في صدد الحديث عن فروقات، ولكن ما
يمكن أن يقدمه السينمائي يختلف عما يمكن أن يقدمه أي من المسرحي أو الروائي
أو الشاعر. وعلى هذا الأساس، فإنه لايمكننا الحديث عن زواج بين السينما
والمسرح مثلا، ولا بينها وبين الرواية أو بينها وبين الشعر، في الوقت الذي
لايمكننا الحديث فيه كذلك عن طلاق كامل أو عن تعارض بينها من أي نوع كان.
وأن يصنع السينمائي فلما فإن ذلك يعني قيامه بالحفر حتى في الأعماق
البعيدة، للكتابة بالصور في هذه المرة وليس بالكلمات كما يفعل الروائي أو
الشاعر، وذلك على وفق القاعدة التي تقول بأن ما للعين يجب أن لايحكم
بالاعدام على ما للأذن، التي من شأنها كقاعدة إذا ما أحكم السينمائي العمل
بها، تقديم فيلم ناجح يحقق السينمائي فيه معا غايتي الداخل – الأذن،
والخارج- العين..
ولا تعني عملية الخلق في السينما القيام باختراع أشخاص أو أشياء لا وجود
لها في الواقع، ذلك لأن السينمائي في مثل هذه الحالة، يكون قد حكم على
جهده بالموت، ومثله على الواقع بالبقاء على ما هو عليه بدون تغيير نحو
الأفضل. وهي نتيجة تبتعد بالسينما عن مسارها الطبيعي الذي عليه السير فيه،
لتكون أداة تعبير ناجحة، أو جنسا إبداعيا راقيا، وإن كان من الضروري
التنبيه هنا إلى صواب ما يذهب إليه الناقد السينمائي فيزيليه بقوله “وفي
الحدود التي تكون فيها السينما شاهدا على الواقع، وانعكاسا له، مع رفضها ان
تكون عبدا له، فإنها تقتحم الواقع، وتفسره، وتعطيه إيقاعا، وتفرض عليه
معنى، وتعيد إنتاجه لكي تتجاوزه، وتكون أداة شعر، وتكون الأداة الأكثر
اكتمالا التي يقدمها الانسان”.
ما نتحدث عنه يرتبط بطبقات الخلق الفني، وليس بطبقة واحدة يتحدد هذا الخلق
بها . أما لماذا، فذلك لأن السينما من بين مختلف أنواع التعبير الفنية،
تمتاز بشموليتها، ولأنها كما يقول جانيتي الناقد الشهير، يمكن أن تجمع
الصراع البصري البحت للرسم، والصراعات الحركية للرقص، والصراعات الصوتية
للموسيقى، والصراعات الكلامية للغة، وصراعات الفعل والشخصية في الدراما
والقصة الخيالية.
ثمة في السينما صورتان: واحدة لفظية، والثانية مرئية/ الصوت والصورة. ولما
كانت النصوص عميقة الجدل من مختلف الأجناس والأنواع، هي الأفضل دوما، فإن
الظاهر من السينما لايكفي وحده للقول بأنها سينما ناجحة. أو بتعبير آخر،
فإن سينما بلاقدرة على مواصلة الهجوم على المتفرج حتى بعد انتهاء عرض
الفلم، لابدّ أن تكون قد اختارت الرسو في ميناء راكدة مياهه وقذرة. أي أنها
سينما خاوية، لا جمال فيها , وهي بالتالي سينما باطنها كظاهرها، وتخلو من
الطبقات التي تعدّ مقياسا لأي من احكام القيمة التي يمكن أن تصدر بحقها.
إذا استطاع المخرج كما يرى آرثر ميلر أن ينظم تجربته الخاصة، وكانت هذه
التجربة متماسكة وعلى هيئة قطعة واحدة متراصة، فإنه سيقدم فلما شاعريا.
ومما يعتقده ميلر أيضا، فإن الفيلم أقرب ابتكار ميكانيكي أو جمالي صنعه
الانسان إلى تركيب الحلم. فهل يصبح في مقدورنا القول بأن الحلم والشاعرية
يكونان معا أفضل الطبقات التي على المخرج السينمائي الوصول إليها ليصنع
فيلما ناجحا؟
عندما تحدث الشاعر آزرا باوند عن الصورة الشعرية قال عنها بأنها مركب عاطفي
وفكري يتم التقاطه في لحظة محددة من الزمن.. وهي صورة يغلب تقديمها بسرعة
فائقة، للتعبير من خلالها عن أشياء محددة، أي إنها طريقة غنائية في التعبير
عن الأشياء.
سوف نضع جانبا محاولة الشاعر بلند الحيدري استثمار لغة السينما في قصيدته
الجميلة (حلم بأربع لقطات). ولكن من المعقول القول بمناسبة هذا أن الشعر
يحلم دوما، حاله في هذا كمثل حال السينما التي لا يكف السينمائي فيها عن
مواصلة الحلم. نحن هنا لانقدم مقاربة بين هاتين الأداتين من التعبير الفني،
ولكننا نذهب إلى واحدة من أهم طبقات الابداع التي يمكن للفيلم أن يصل إليها
لكي يكون خلاقا وذا طاقة جذبية هائلة. ونقصد تلك الطبقة التي قوامها الحلم
والشاعرية في السينما.
وتدفعنا ثنائية الحلم والشاعرية للتقريب بين الفيلم والقصيدة. ولكن ليس
المقصود هنا الحديث عن محتوى من أي نوع كان، وإنما عن شكل فني ومعمار غايته
التعبير وإيصال رسالة من نوع ما.
لقد كان عالم النفس الشهير كانط قد انطلق من موقف الشك في قدرة الحواس على
تحقيق المعرفة اليقينية بالكون، أو بما حول الانسان، ليؤكد أهمية العقل في
الوصول إلى ذلك. أيضا فإننا نميل إلى ضرورة استخدام العقل في اكتشاف
الطبقات التي نقصدها في الفيلم أيا كان الأسلوب الذي يستخدمه السينمائي.
والفيلم الذي يتم التوصل إلى فهمه عبر الحواس وحدها ليس جديرا بالاحترام .
وحده الفيلم الذي يمكن أن يشغل الذهن ويثير العقل، يمكنه ان يكون جديرا
بذلك. بيد أن هذا لايعني وجوب أن يتكون الفيلم من مجموعة من الطلاسم،
فالأحلام دوما تأتي وتذهب بسلاسة وبيسر.
الكثيرون كانوا ومايزالون يعتقدون بأن الفيلم الصامت هو أكثر الأفلام نقاء
وأفضلها. أما لماذا، فذلك لأنهم يفسرون الأمر على اعتبار أنه يقلد الطريقة
التي نحلم بها، اي باستخدامه الأبيض والأسود، لوني الأحلام عادة التي نراها
في نومنا.
وسوف ينتبه المتفرج إلى ما تسمى بالمقاطع الافتتاحية في الأفلام التي
يشاهدها. عدد قليل من الأفلام يخلو من مثل هذه المقاطع، التي تقوم الكاميرا
فيها بتأسيس مزاج من نوع ما عند المتفرجين. وإذا ما حاولنا تقييم مثل هذه
المقاطع، فإنه يمكننا القول بأنها تؤسس لنوع من البنيان الشعري كذلك، وهو
البينان الذي سوف يعقبه البنيان الدرامي. وهذا هو قوام الفيلم الناجح إذن،
ولا نجاح لفيلم بدون هكذا بنيان شعري.
نحن في هذه المقالة نتحدث عن سينما تقول، وذلك بالمعنى الذي يكون فيه هذا
القول جديدا، وليس مجرد إعادة لقول سبقه في الظهور.
سينما تفعل لا أن تعيد الفعل، وتخلق لا أن تنقل. وسواء كان الفيلم واقعيا
أو انطباعيا، فإن الأهم أن تكون له طبقات من التعبير، إذ بغير ذلك فإن لذة
استقباله من قبل المتفرج، سوف تكون واهنة، وهي في أفضل الأحوال لن تكون
كمثل تلك اللذة التي يسببها الفيلم الشاعري الذي يمتاز بتعدد طبقاته
وتنوعها.
لقد كانت الأمريكية مايا ديرن على حق حينما قالت بأن التمييز بين السينما
الشاعرية والأفلام التجارية، إنما يمكن أن يتم من خلال النظرة إلى البناء
في كلا النوعين، وهو نفسه ما نقصده في هذه المقالة.
الإتحاد العراقية في
02/08/2009
السينما والناس"
دمشق
/ الاتحاد ـ ابراهيم حاج عبدي
رغم عنوانه التقليدي “السينما والناس”، لكن هذا
البرنامج، الذي يقدم أسبوعيا على فضائية “الحرية”، والمتخصص في الفن
السابع، يعد واحدا من أبرز البرامج السينمائية التي تتبدى كعلامة مضيئة وسط
كثافة البرامج السينمائية التي تقدم على هذه الفضائية أو تلك، والتي غالبا
ما تلامس قشور السينما دون الخوض في جوهر هذا الفن.
البرنامج يعتمد على اختيار فيلم سينمائي وعرضه كاملا، بعد قراءة نقدية
مبسطة يمهد بها لعرض الفيلم، مقدم البرنامج الشاعر والمخرج العراقي برهان
شاوي، في محاولة لتقريب النقد السينمائي من أذهان الجمهور غير المختص،
والتعريف بمخرج الفيلم وأبطاله وظروف إنتاجه. لكن أهمية البرنامج لا تأتي
من هذه التفاصيل الجانبية، وإنما تنبع من قيمة الفيلم المختار، بل ومن
خصوصية هذا الاختيار، فغالبية الشاشات الفضائية العربية مغرمة بعرض
“الأفلام الهوليوودية”، ورغم ان هذه الأفلام تضم عناوين سينمائية ضخمة
ولافتة لكن المفارقة تكمن في أن تلك الفضائيات لاتختار سوى أفلام ذات قيمة
سينمائية ضئيلة تتمثل في أفلام الآكشن، والميلودراما الرخيصة، وبعض أفلام
الرعب.
“السينما والناس” يغرد خارج السرب، إذ يذهب إلى سينما الهوامش والأطراف إذا
جاز التعبير، فقد عرض، مثلا، بعض أجمل ما قدمته السينما الإيرانية على يد
مخرجين كبار من أمثال مجيد مجيدي، ومحسن مخملباف، وسميرة مخملباف، وعباس
كياروستامي وسواهم، وإذا ذهب مقدم البرنامج أبعد في اتجاه الشرق، أي نحو
“السينما البوليوودية”، فإنه، وعلى عكس غالبية الفضائيات، لايختار تلك
الأفلام العاطفية المليئة بالرقصات والأغاني، والمصادفات العجيبة، والحركات
البهلوانية... وإنما يختار أفلاما هندية ذات مذاق خاص مثل فيلم “بلاك” الذي
لعب بطولته أحد ابرز نجوم السينما الهندية وهو أميتاب باتشان. وبما أن
الرابط الذي يجمع بين هذه الخيارات هو البحث عن أفلام عابقة بجماليات
السينما، ومشغولة بأسلوب خاص، فإن مقدم البرنامج، الذي درس السينما في
موسكو، وأخرج عدة أفلام تسجيلية، يعود، أحيانا، إلى كلاسيكيات السينما
العالمية والى أسماء بارزة أسهمت بقدر كبير في إعلاء شأن الفن السابع من
أمثال أكيرا كوروساوا، وفيلليني، وبازوليني، وبيرتولوتشي، وكازان، ويلماز
غوني... وغيرهم.
يتأرجح البرنامج بين القديم والحديث، ويقتفي جغرافية الكرة الأرضية شرقا
وغربا، ولايخضع لأي معيار سوى “سحر السينما” في سعي إلى العثور على أفلام
شكلت محطات هامة في تاريخ السينما، والملاحظة الجديرة بالانتباه، والتي
تنفرد بها هذه الفضائية، تتمثل في أن الفيلم يعرض بشكل مستمر ودون انقطاع،
بمعنى أن الإعلان التجاري أو الترويجي لايقطع الشريط مطلقا، تماما كما هو
الحال في العرض السينمائي، وهذه الملاحظة الأخيرة لوحدها كافية لتوضيح قيمة
هذا البرنامج، ومدى احترام القائمين عليه للسينما.
الإتحاد العراقية في
02/08/2009
السينما.. كاميرا وقلم
شهاب
احمد عويد
السينما هي لغة الصورة لها مفرداتها وقواعدها وهي
قصة تروى بالصورة، وهي لغة عالمية يستطيع ان يفهمها كل البشر، اي انها لغة
التفاهم بين الشعوب كما انها تخاطب اهم حاستين عند الانسان هما السمع
والبصر.
والكاميرا مثل القلم فهي في يد السينمائي المخرج المبدع كالقلم في يد
الشاعر المبدع، وقد ظهر تعبير الكاميرا القلم على يد الناقد السينمائي
الفرنسي الكساندر استروك عام 1948 .
ان صانع الفيلم السينمائي كان في بداية ظهور السينما يرمي الى تسلية ومتعة
المتفرجين الا انها وبمرور الزمن اصبحت احد وسائل الثقافة والمعرفة والزاد
الروحي.
ان السينما اليوم بعد التطور الهائل الذي حصل على مستوى تقنياتها ومعداتها
اصبحت في يد السينمائي وسيلة فنية جمالية ابداعية يستطيع من خلالها ان ينقل
الى الناس ما يشاء من اراء وافكار ومعتقدات بالكاميرا القلم، والسينما
كمصطلح لغوي مشتقة من كلمة كينما توغراف اليونانية وسينما توغراف الفرنسية،
فكينما اليونانية تعني الحركة وتوغراف تعني الالة اي الكاميرا وكلمة سينما
الفرنسية اختصار لكلمة سيناتوغراف التي اطلقها الاخوة لوميير الفرنسيين على
جهاز التصوير والعرض الذي اخترعاه عام 1894 م. ثم اصبحت اليوم الكلمة
الفرنسية المختصرة سينما هي السائدة في كل انحاء العالم. وقد اختلف مؤرخو
السينما حول المكتشف الفعلي للسينما وقد انحصرت اراؤهم ما بين المخترع
الامريكي توماس اديسون وما بين الفرنسيين الاخوة لوميير اذ تمكن الاخوة
لوميير في عام 1894 من عرض اول فيلم تسجيلي وهو عبارة عن نقل من الواقع
مباشرة دون نص مكتوب او تمثيل او ديكور فالسينما في بداية الامر ولدت
تسجيلية اي تصور الواقع وتعرضه كما هو بدون اي رتوش ثم بعد ذلك تطورت صناعة
السينما حتى توجت باول فيلم روائي في بداية القرن العشرين عام 1902 م
بعنوان رحلة الى القمر للفرنسي جورج ميليه وكانت الافلام صامتة بدون صوت
الى ان دخل الصوت الى عالم السينما، وانتج اول فيلم سينمائي ناطق عام 1927
وهو فيلم مغني الجاز.
اما السينما العربية فكانت بداياتها مع الفيلم المصري وداد عام 1936 وكان
من قصة الشاعر احمد رامي واعد السيناريو له المخرج احمد بدرخان.
اما في العراق فكان فيلم فتنة وحسن اول فيلم سينمائي عراقي خالص مائة
بالمئة انتاجا واخراجا وتمثيلا اي بدون اشتراك مع جهات اجنبية او عربية وهو
من اخراج المخرج العراقي حيدر العمر ومن تمثيل الفنان ياس علي الناصر وقد
عرض الفيلم في 22/6/1955 على سينما روكسي في بغداد وقد اعتبر هذا الفيلم
البداية الحقيقية لنشوء سينما عراقية واصبحت السينما العراقية تؤرخ بهذا
الفيلم حتى ان دائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة العراقية
تحتفل بعيد السينما العراقية من كل عام في 22/6 باعتبار هذا التاريخ هو
اليوم الذي عرض فيه فتنة وحسن.
وبما ان السينما هي من اهم وسائل الاتصال الجماهيري لذلك انتبهت لها دول
العالم المتحضر والمتقدم صناعيا واستغلتها بعد ان عرفت مفعولها السحري في
الترويج لاهدافها وافكارها ومعتقداتها واطروحاتها السياسية وانتفعت من
المردود المالي الضخم الذي تدره هذه الالة الكاميرا العجيبة فامريكا وفرنسا
وبريطانيا والمانيا والهند واليابان ومصر تنتج مئات الافلام سنويا وتقيم
المهرجانات السينمائية كمهرجان كان ولايبزك وقرطاج والقاهرة ودبي من اجل
الاعلام والدعاية وترويج هذه البضاعة الرابحة واصبحت الافلام تتنافس فيما
بينها للحصول على الجوائز الثمينة وهذا كله بسبب ان هذه الدول عرفت قيمة
وتأثير الفن السينمائي الحضاري الراقي.
بعد سقوط النظام السابق عام 2003 استمر الاحباط الذي كانت تعانيه السينما
العراقية واصيب السينمائيون بالكسل فلقد اهمل هذا النشاط الحيوي والمهم ولم
تقدم له الدولة الدعم المالي والمعنوي اللازم والمطلوب واصبح قسم من
السينمائيين في المهجر حيث وجد بعضهم ضالته في بلاد الغربة والقسم الاخر
منهم انزووا محصورين في باحة المسرح الوطني ينتظرون الفرج بعد ان نهبت
وسرقت وخربت بناية دائرة السينما والمسرح القديمة بعد سقوط الصنم وبقيت
مخربة ومهملة حتى الان مما اضطر بعض السينمائيين المبدعين الشباب الطموحين
الى انشاء تجمعات ومنتديات واتحادات ثقافية تعنى بالنشاط السينمائي ومناقشة
الواقع السينمائي المهمل وعمل بعض الافلام السينمائية التسجيلية القصيرة
وعلى حسابهم الخاص كما ان دور العرض السينمائي في بغداد والمحافظات قد غيبت
واهملت وتحولت الى اسواق ومخازن ومحلات بعد ان كانت عامرة بجمهورها
وافلامها.
ان الدولة لو ارادت ان تهتم بالنشاط السينمائي وتفعله فانها قادرة على ذلك
فهي الجهة الوحيدة التي تمتلك الاموال اللازمة لانتاج افلام سينمائية
روائية.
السينما تحتاج الى قرار سياسي جريء لذلك اوجه السؤال المحير الى السادة
المسؤولين اصحاب القرار واقول لهم ياسادتي متى تنتبهوا الى هــذه الازمة..
ازمة السينما في العراق؟
الإتحاد العراقية في
02/08/2009 |