حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الفيلسوف الضاحك.. نجيب الريحاني

بقلم: ماهر زهدي

الحلقة ( 4 )

آه من النسوان

بلغ نجيب إلياس الريحاني مبلغ الرجال، مع وصوله إلى عامه السابع عشر، خصوصاً بعدما أصبح المسؤول الأول والعائل الوحيد، تقريباً، لأسرته المكونة من أربعة أفراد، الأم والأشقاء الثلاثة، رغم عمل توفيق الكبير كاتباً في المحكمة، وإن كان دخله من عمله لا يكفي الإنفاق على الأسرة، لمدة أسبوع، فكان عمل نجيب المنقذ لهذه الأسرة التي لا عمل لأفرادها سوى الجلوس في البيت وانتظار ما يأتي به نجيب، الذي لم يكن له سوى عمله، والجلوس في مقهى «إسكندر فرح» في شارع عبدالعزيز.

أصبح الجلوس في مقهى “إسكندر فرح” جزءاً أساسياً من طقس نجيب الريحاني اليومي بعد أنتهاء عمله في البنك، الأمر الذي ساعد بشكل كبير في التهاب المشاعر بينه وبين الممثلة صالحة قاصين، خصوصاً أن المقارنة التي تعقدها الحبيبة دائماً في صالحه، مقارنة بصديقها علي يوسف.

فالحبيب الجديد أكثر وسامة من علي يوسف، وأكثر هنداماً، ملابسه نظيفة دوماً، له طربوش “نظيف ومنفوخ”، إضافة إلى أنه فنان يعمل بشكل دائم في فرقة الأستاذ عزيز عيد المسرحية، زد على ذلك أنه موظف محترم في البنك الزراعي، لديه راتب شهري مضمون، في حين أن منافسه “يا مولاي كما خلقتني”، أبعد ما يكون عن الوسامة، يعمل يوماً وبقية الأيام تراه زبوناً دائماً في المقهى “على الحساب”.

هذه العوالم كافة شدت أزر نجيب وزادت من جرأته، ما جعله يتفق مع صالحة على القيام بمغامرة غرامية للمرة الأولى في حياته:

* قولتي إيه يا ست الكل؟

ـ إزاي بس يا سي نجيب؟

* زي الناس… أنا يوم السبت بشتغل نص يوم، يعني الساعة واحدة بعد الضهر هنكون في محطة مصر.. ناخد الوابور على إسكندرية.. نقضي اليوم هناك، وكمان يوم الحد طول النهار… ونرجع تاني يوم في آخر وابور.

ـ أيوه بس… بس…

* أنت هتبسبسي… مفيش بس. قولي آه. خلينا نعيش يومين… وأهي فرصة نهرب من عنين سي علي اللي زاغرلي في الرايحة والجاية

ـ خلاص اللي تشوفه يا سي نجيب.

* أهو كده… أقوم أنا بقى علشان ألحق أحجز تذاكر الوابور… وكمان لأن سي علي جاي وعينيه بتطق شرار.

قبل موعد الانصراف من البنك صباح يوم السبت، فوجئ نجيب بصديقه علي يوسف يزوره في مكتبه، ما أصابه برعب واضطراب، خشية أن يكون قد كشف الملعوب وجاء لتصفية الحساب معه في محل عمله، غير أن علي فاجأه:

* يا سي نجيب أنا جايلك ووشي منك في الأرض.

ـ أنت بتقول إيه يا علي أفندي… المفروض إن أنا اللي وشي لازم يبقى في الأرض منك.

* ليه؟ أنت عامل حاجة غلط؟

ـ إيه؟ لا… أنا قصدي علشان لحد دلوقتي ما عزمتش عليك بفنجان قهوة.

* لا أبدا… ملوش لزوم… أنا جاي وليا طلب عندك وعشمي أنك ماتكسفنيش.

ـ عشمك في محله يا علي أفندي أؤمر.

* كنت يعني… يعني… عاوز منك سلفة قد اتنين جنيه لحد آخر الشهر… لأن أخوك علي اتورط في عزومة ومينفعش أطلع صغير قدام الناس.

ـ يا محمدي… أنت عاوز مستوظف في بنك مصر… مش البنك الزراعي…

* أنا قولت كده برضه… الصداقة اللي بينا لسه جديدة… ومش من السهل يا واد أنه يسلفك كده بسهولة.

ـ لا مش المسألة يا سيدي. بس اتنين جنيه يبقوا نص المهيه… والشهر لسه بدري عليه. على كل… أنا ميرضينيش تطلع صغير قدام أصحابك ولازم توفي بوعدك… بس هما اتنين جنيه اللي معايا نقسمهم سوا… أنت جنيه وأنا جنيه.

* زي بعضه مفيش مانع.

ـ أيوه يا سيدي… وأمرك لله.

على رغم من أن قرض علي يوسف سيحدث عجزاً في ميزانية نجيب، إلا أنه أعطى الجنيه لعلي يوسف عن طيب خاطر، لسبب وحيد فقط، وهو أنه سيضمن أن علي سيكون مشغولاً بالوليمة التي سيقيمها لأصدقائه.

بحث عن التراجيديا

على رغم كثرة المحاولات والتجارب المسرحية التي كان يشارك فيها نجيب مع عزيز عيد، إلا أنها لم تكن ترضيه كعاشق للفن، خصوصاً أن ما كان يقدمه عزيز عيد من مسرحيات تنتمي إلى نوع “الفودفيل” تمت ترجمتها حرفياً عن روايات فرنسية، وهو ما لم يرض عنه نجيب، غير أنه لم يجد طريقاً آخر يسلكه، فضلاً عن عدم انتظام عمل الفرقة لعدم تفرغ كل منهما للمسرح، حتى قرر عزيز عيد أن يتفرغ تماماً للفن:

* اسمع يا نجيب فيه موضوع كنت عاوز أخد رأيك فيه.

ـ خير يا عزيز؟

* أنا نويت أتفرغ للفن… الفن يا نجيب ما بيحبش شريك معاه.

ـ طب ما أنت متفرغ له أصلاً… أنت بتروح البنك يوم آه وعشرة لا… عاوز تفرغ أكتر من كده إيه.

* مش القصد يا أخي. مسألة أني حريص على الوظيفة دي عاملة زي الطوق في رقبتي… وحكاية أني لازم أصحى كل يوم بدري علشان أبقى في البنك الساعة سبعة ونص دي مصيبة.

ـ أيوه بس اللي أعرفه أن مرتبك ما شاء الله وصل أكتر من أتناشر جنيه… ودا مبلغ عال مش بطال… يغنيك عن سؤال اللئيم. وأنت سيد العارفين المرسح ما بيأكلش عيش.

* دا لأننا عين في الجنة وعين النار… لازم نركز ونخلي عينا في ناحية واحدة بس.

ـ ويا ترى هتخلي عينك في الجنة ولا النار؟

* في الجنة طبعاً.

ـ يعني اخترت الوظيفة.

* إذا كأنت الوظيفة هي الجنة… فأهلا وسهلا بالنار!

ـ أيوه بس هتعمل إيه بعد كده؟

* شوف يا سيدي أنا ليا واحد صديق مجنون زينا كده بالفن… أبوه مات من أسبوعين… أخينا ده ورث قرشين مش بطالين عن المرحوم… جه أمبارح فاتحني في حكاية كده حسبتها لقيتها فرصة… نكون جوقة مرسحية ونبقى أحرار منشتغلش عند حد.

ـ مين صديقك ده أنا أعرفه؟

* ما أظنش… اسمه سليمان حداد… زمانه جاي دلوقت خليك لما تسلم عليه.

ـ حداد… طب حاسب يا عم عزيز تنكوي بناره.

* بقولك إيه… ما تقايس أنت كمان يا نجيب وتعملها معايا.

ـ أعمل إيه؟

* تستقيل أنت كمان من البنك.

ـ مينفعش.

* ليه بس؟

ـ أنت راجل بطولك… لكن أنا فيه كوم لحم في رقبتي… أمي وأخواتي!

ودع عزيز عيد الوظيفة إلى الأبد، فتقدم باستقالته من البنك الزراعي في العام 1908، وقرر بعدها مباشرة تكوين أول فرقة مسرحية بشكل احترافي، مع صديقه الممثل سليمان حداد، حيث قاما باستئجار “تياترو إسكندر فرح” في شارع عبد العزيز بجوار مقهى إسكندر فرح، ليكون مقرا للفرقة الجديدة.

اجتهد عزيز عيد في تكوين الجوق المسرحي، وجمع له عدداً كبيراً من الممثلين الهواة كان في مقدمهم نجيب إلياس ريحاني، واعتمد في البداية على رواية “ليلة الزفاف” ترجمها له الأديب إلياس فياض، ثم تولى بنفسه ترجمة عدد من الروايات المسرحية من الفرنسية إلى العربية، وأخرجها للفرقة، وشارك فيها نجيب بأدوار تتراوح بين الصغيرة والثانوية، حيث كانت البطولة دائماً للشريك الثاني في الفرقة الممثل سليمان حداد، فقدمت الفرقة روايات “ضربة مقرعة، الابن الخارق للطبيعة، عندك حاجة تبلغ عنها”.

توالت الروايات في فرقة عزيز عيد، وزاد انشغال نجيب بها، على رغم صغر أدواره، وعدم اقتناعه بنوعية ما يتم تقديمه من روايات تعتمد على الكوميديا، فلم يكن نجيب يميل إلى الكوميديا، بل يرى ان “الميلودراما” هي الفن الحقيقي، وأنه كلما استطاع الفنان أن يبالغ في إبكاء المشاهدين، كان بارعاً ومتمكناً من فنه، لكن هذا هو المتاح أمامه في الوقت الراهن، في حين كان عزيز عيد مشغولاً بترقية الكوميديا، ويرى أن الجمهور لابد أن يتعود على نوع أرقى من الكوميديا بعيدا عن كوميديا “الفصل المضحك”، وأن الجمهور المصري بحاجة لمشاهدة “كوميديا الفارس” الفرنسية ليتعرف إلى موضوعات الحياة المعاصرة وقواعد البناء الكوميدي الحقيقي.

اندمج نجيب في فرقة عزيز عيد وعروضها حتى انقلب حاله رأساً على عقب، فقد كان يمضي يومه بين البروفات على الرواية التي تقدمها الفرقة، وبين الاستعداد لرواية جديدة، ثم العرض في المساء حتى ساعة متأخرة، يخرج بعدها لاستكمال بقية الليل في المقهى المجاور للتياترو، ولا يدخل بيته إلا قبيل الفجر على أطراف قدميه بعد أن يكون قد خلع حذاءه قبل دخوله البيت، خشية أن تشعر به والدته التي كأنت تعارض بشدة انشغال عائل الأسرة الوحيد بالتمثيل، أو بالتشخيص على حد قولها:

* أنا أمور المشخصاتيه دي متعجبنيش يا نجيب… حالك اتبدل وكيانك اتلخبط.

ـ أمور إيه بس يا أمي! أنت شيفاني بمشي ع الحيط ما أنا أهو زي ما أنا.

* ماهو ده اللي كان ناقص. شغل الأراجوزات كمان… والسهر لوش الفجر كل ليلة.

ـ أراجوزات!!

* أيوه… يظهر أنت مش عارف أنت مين وابن مين؟

ـ ابن المعلم إلياس ريحاني… شوفتي إزاي أنا عارف أنا ابن مين.

* أيوه ما هو إحنا كنا بنصرف عليك ونعلمك في مدارس ونوظفك علشان تشتغل مشخصاتي.

ـ دي هواية يا أمي… وبعدين أنا ما بضرش حد بيها.

* لا بتضر نفسك وتضرني وتضر أخواتك… وتضر اسم عيلة ريحاني وعيلة بُحلق.

لم يفت كلام السيدة لطيفة في عضد ابنها نجيب، وإن كان قد تظاهر أمامها بالالتزام بما طلبته منه، غير أنه لم يستطع أن يقاوم عشقه الجارف للفن الذي بات يجري في عروقه.

أهمل نجيب عمله في البنك حتى بلغ حدًا لا يحتمله أحد، فكم من ساعات بل أيام كان يتغيب فيها عن العمل، وكم من ممثلة كأنت تقتحم عليه مكتبه في البنك خصوصا صالحة قاصين:

= صباح الخير يا نجيب أفندي… قهوتك.

* صباح الخير يا عبده… آي والله القهوة جت في وقتها بالظبط أصل أنا دماغي هتنفجر.

= صباح الخير يا نجيب أفندي.

* صباح النور يا عبده… خلاص سيب القهوة عندك واتوكل على الله شوف شغلك.

= صباح الخير يا نجيـ………..

* صباح الزفت يا سيدي… صباح القطران على دماغك… إيه فيه إيه؟ نازل صباحات من غير مناسبة.. وبعدين إيه حكاية عينك اللي عمال تغمز بيها؟ شايف سحنه غزلاني قدامك بتتغزل فيها؟

= ما تفهم بقى يا نجيب أفندي… أنا بغمز لك بعيني علشان الجماعة بره.

* جماعة… جماعة مين يا جدع أنت.

= الجو…

* جو إيه وطقس إيه يا جدع أنت ما تتكلم عدل.

= يا نجيب أفندي الهانم اللي بتيجي كل يوم والتاني مستنياك في الاستراحة بره.

* طب مش تقول كده من الصبح يا عبده أفندي…. يا عبده بيه… هات لي قهوتي في الاستراحة… وهات لها هي “كازوزة”.

أمام هذه الزيارات المتكررة للفنانة صالحة قاصين، وغيرها من فنانات أخريات من الفرقة، فضلاً عن تكرار أيام الغياب والتأخير من دون إذن وحالات صارخة من الإهمال في عمله، وضع نجيب إدارة البنك الزراعي أمام حل وحيد لم يترك لها غيره، بعد إنذارات عدة لم يهتم بها، وهو توجيه خطاب بالفصل له، والاستغناء عن عمله في البنك في سبتمبر 1909.

لم يكن الخبر مفاجأة لنجيب فقد كان يتوقعه بسبب إهماله الشديد لعمله، غير أن الخبر وقع على والدته كالصاعقة، ليس لأن الأسرة ستفقد أهم مصدر لدخلها، لكن لضياع مستقبل ابنها، وليس أي ابن، بل من كان يتوقع له الجميع النبوغ والنجاح، غير أنها لم تكن لتستسلم لهذه الكارثة التي حلت بهم، وراحت تبحث بنفسها عن وظيفة له لدى أقاربها ومعارف الأسرة من الأفندية والبكوات الذين يعملون في مناصب مهمة في البنوك والشركات.

في مقابل ذلك، لم يكن أمام نجيب، بعد فصله، سوى مقهى إسكندر فرح بجوار “تياترو إسكندر فرح”، والأهم أنه أمام منزل “الحبيبة” صالحة قاصين، خصوصاً في غيبة “صديق الطرفين” علي أفندي يوسف، فلم يفت الدرس الذي لقنه علي يوسف في عضد نجيب وصالحة قاصين، وكانا يتحينان الفرصة لاختلاس نظرة أو ابتسامة أو حتى موعد غرام.

في اللقاء الأخير الذي زارت فيه صالحة نجيب في البنك، قبل فصله منه، اتفقت معه على أنها إذا وضعت نورا في النافذة، كان معنى ذلك أن علي يوسف مشغول في عمل ما، وليس موجوداً عندها في البيت حيث كان يزورها يومياً، وتكون تلك هي الإشارة بينهما، بالتالي يمكن أن تستقبل نجيب في البيت في وجود خالتها، التي كأنت ترحب بوجود علي يوسف على أمل بأن يتمم الزواج من ابنة شقيقتها.

في إحدى الليالي تراءى لنجيب أن نوراً يشع من النافذة، فعرف أن الطريق خال وربما كانت الحبيبة بمفردها من دون خالتها، فاتجه على الفور إلى باب منزلها، وما إن وقف على الباب حتى خلع حذاءه وتأبطه وراح يصعد درجات السلم بلا حذاء كي لا يحدث حركة، وطرق الباب طرقاً خفيفاً وهو ينظر إلى الأعلى والأسفل ويميناً ويساراً، وإذ بالفاتح علي يوسف نفسه وخلفه خالتها.

تناول علي يوسف الحذاء من أسفل إبط نجيب الذي تركه له في هدوء، وقبل أن ينطق علي أو خالتها بكلمة واحدة، أطلق نجيب ساقيه للريح، وظل يعدو في الشارع ببدلته الأنيقة حافي القدمين، من شارع عبد العزيز حتى بيته في باب الشعرية!

البقية في الحلقة المقبلة

 

الدرس الأول

في الموعد المحدد التقى الحبيبان (نجيب وصالحة) على رصيف محطة سكك حديد مصر، واستقلا القطار المتجه إلى الإسكندرية، وهما يرقصان فرحاً، ويمنيان نفسيهما بتمضية نهاية أسبوع سعيدة لم يرها أي منهما من قبل.

وصل القطار إلى محطة الإسكندرية، ونزل الحبيبان من القطار وأخذا طريقهما إلى خارج المحطة، وما إن خرجا حتى وجدا في وجهيهما علي يوسف يبتسم ابتسامة عريضة ويمد يده لنجيب يتسلم منه حبيبة القلب شاكراً له أنه أحضرها له إلى هنا، وعلى ما تكبده من مصاريف وأعباء السفر، فضلاً عن إنه أقرضه بعض المال الذي سيعينه على تمضية إجازة سعيدة مع المحبوبة!

ذهب علي يوسف وصالحة قاصين لينعما بيومين سعيدين بمنحة من نجيب، الذي ظل واقفاً مكانه أمام محطة القطار في دهشة من أمره، حتى دنت ساعة القطار العائد إلى القاهرة، فعاد يجرجر أذيال الخيبة والحسرة.

عاد نجيب من الإسكندرية، عازماً على ألا يستسلم لهزيمته أمام علي يوسف، وعاود الانتظار مجدداً على مقهى إسكندر فرح بشارع عبد العزيز، وهو المقهى نفسه دون غيره، الذي كان يجلس عليه ولا يفارقه علي أفندي يوسف، لسبب مهم ووجيه، وهو أن المقهى كان يقع في موقع استراتيجي مهم، فقابلته المنزل الذي تعيش فيه المحبوبة، التي يتنازع عليها الصديقان… وإن كانا قد صارا بعد هذا الحادث “غريمين”.

كان علي يوسف لا يفارق المقهى ليلاً ولا نهاراً، في تلك الأيام التي لم يكن لديه فيها عمل في المسرح، وهو ما جعل نجيب يبحث له، دون علمه، عن أعمال في بعض الفرق المسرحية، ويلتحق علي بواحدة من هذه الفرق لمدة ليلتين أو ثلاث ليال، يعود بعدها إلى الجلوس على المقهى، وإن كانت هذه المدة غير كافية بالنسبة إلى علي، إلا أنها كأنت كافية أن يقوم نجيب بعمل ما يشبه “غسيل المخ” لصاحبتيهما، حتى يجعلها تميل كل الميل تجاهه خلال فترة غياب علي، بل وبعد عودته بعدة أيام حتى يقوم باسترجاعها.

استطاع نجيب إلياس ريحاني أن يثبت أقدامه في وظيفته في البنك الزراعي خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة، حتى إن راتبه الشهري زاد بمعدل كبير، وبدلاً من حصوله على خمسة جنيهات، أصبح راتبه ثمانية جنيهات شهرياً، وهو ما أسعد والدته وأحدث انفراجة كبيرة على أشقائه مع ما يتقاضاه توفيق من عمله ككاتب في المحكمة، وإن كان لا يزال الاعتماد الأكبر على راتب نجيب.

لم يستطع الراتب الكبير والوظيفة المستقرة أن ينسيا نجيب حبه، بل عشقه لفن التمثيل، فكان حريصاً، ربما أكبر من حرصه على الوظيفة، أن يعمل في فرقة صديقه عزيز عيد في المسرحيات التي كان يقدمها من حين إلى آخر، بل ويبحث عن غيرها من فرق في الفترة التي يتوقف فيها عزيز عن العمل، فلم يكن لديه مانع أن ينفق على التمثيل والمسرح من راتبه الذي يتقاضاه من وظيفته، حتى أصبحت لديه حصيلة كبيرة من المسرحيات التي قدمها خلال هذه الفترة.

الجريدة الكويتية في

23/07/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)