حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الفيلسوف الضاحك.. نجيب الريحاني

بقلم: ماهر زهدي

الحلقة ( 29 )

الدنيا لما تضحك

على الرغم من انشغال نجيب بتصوير فيلم «سي عمر» فإنه لم ينشغل عن المسرح، فاستطاع أن يعد مع بديع خيري مسرحية جديدة يفتتح بها الموسم المسرحي لعام 1940، فكتبا رواية «ماحدش واخد منها حاجة» التي شجعه نجاحها على مواصلة العمل بالمسرح ونسيان تحذير الأطباء، وما إن سمع تصفيق الجمهور حتى دبّ فيه نشاط مفاجئ.

واصل نجيب الريحاني مع بديع كتابة عدد آخر من المسرحيات أكمل بها عام 1940، فكتبا «حكاية كل يوم، مدرسة الدجالين» وبعدهما اقتبسا رواية فرنسية بعنوان «عشرون يوما في الظل» وقدماها باسم «ثلاثين يوم في السجن» التي حققت دويا لم يتوقعه نجيب، ما سبب له سعادة كبيرة، خاصة أنه تزامن مع النجاح الكبير الذي حققه فيلم «سي عمر» عند عرضه في السادس من يناير عام 1941، بسينما أستوديو مصر… غير أن مصدر سعادته الأساسي هو وصول خطاب من لوسي تطمئنه فيه عليها وعلى ابنتهما جينا، فرد عليها بخطاب يطلب منها أن تحضر وجينا إلى القاهرة، ما أن تسمح الظروف بذلك.

انفرجت أسارير نجيب، وراح يقبل على الدنيا وعلى المسرح بسعادة بالغة، وأعاد العديد من الأعمال الناجحة التي سبق أن قدمها، ولم تأخذ وقتها من العرض، خصوصاً «الدلوعة، وثلاثين يوم في السجن» ولم يفاجأ هو وبديع خيري بنجاح المسرحيتين عند إعادة عرضهما، ما جعله يشعر بأن جمهوره ينتظر منه أي شيء يقدمه، فزاد حرصه وتدقيقه فيما يقدمه ليكون عند ظن جمهوره به، أما ما زاد من إحساسه بالمسؤولية تجاه فنه وجمهوره، فكان ذلك الاتصال الذي جاءه من صديقه الفنان سليمان بك نجيب، مدير دار الأوبرا الملكية:

= اسمع يا سي نجيب… من غير مقدمات هادخل في الموضوع على طول، شوف يا سيدي باعتبارك الكوميديان الأول وأستاذ الدراما.. مجلس إدارة الأوبرا الملكية اختار نجيب الريحاني وفرقته ليقدموا حفل الموسم الأول للأوبرا الملكية

* كدهه مرة واحدة؟

= أيوه يا سيدي مرة واحدة.. سبحان الله في طبعك يا أخي.. أمال عايزها كام حتة؟

* مش القصد. أنا بس عازو أقول… سبحانه مغير الأحوال.

= وأهي الأحوال اتغيرت. ابدأ جهز الرواية اللي هتقدمها مفيش وقت.. شوف هتقدم لنا إيه؟

* هاقدم إيه يعني… هاقدم اللي كان في نفسي أقدمه. ربنا يحنن علينا بحاجة كويسة.

بدأ الريحاني تحضير الرواية التي سيقدمها على خشبة مسرح الأوبرا الملكية، فقام وبديع خيري باقتباس فكرة الفيلم الأميركي «عشيقها الجبان» غير أنهما حولا موضوع الفيلم من العشق والخيانة، لينصب على المشاكل الاجتماعية المصرية، فناقشا موضوع الخلاف بين الأسرة على مشاكل الميراث، واختار لها الريحاني العنوان الذي كان يتمناه ويعبر عن أمنيته «ياما كان في نفسي».

رجل المسرح                                                

نجحت المسرحية نجاحاً لم يتوقعه أحد، ونالت إعجاب الفئات والطبقات كافة، وفوجئ الريحاني بالكاتب عباس محمود العقاد يكتب مقالاً عنه بعنوان «رجل خلق للمسرح»، وبعد تحليله النقدي للمسرحية كتب عن الريحاني يقول:

«إنك تحاول أن تتخيل الريحاني في عمل آخر غير عمله المسرحي فلا تفلح، هو على المسرح كالسمكة في الماء… دخوله إليه وحركته عليه وكلامه وسكوته وإيماؤه وقيامه وتصوره، طبيعة من صميم الطبيعة تنسيك كل تكلف يحتاج إليه الفنان حتى ينتقل من العالم الخارجي إلى عالم الفن والرواية».

عاش نجيب نشوة الانتصار بوقوفه ونجاحه على خشبة دار الأوبرا الملكية التي حرم يوماً من دخولها لأنه يقدم روايات «هزلية من الكوميديا» على حد وصفه آنذاك، وزاد من نشوته أنه انتقل ليسكن في أكبر وأفخم بناية حديثة في وسط القاهرة «عمارة الإيموبليا» سكن الوجهاء والأثرياء.

وبينما هو على هذه الحال من النشوة والانتصار والنجاح، فوجئ بوصول لوسي وابنته جينا إلى القاهرة، فاكتملت سعادته واستأجر لهما شقة جديدة في حي «الدقي» في الجيزة بعيداً عن أنظار وجواسيس بديعة مصابني التي كانت لا تزال تطارده عن طريق أعينها الكثيرة، داخل المسرح وخارجه.

لم يشعر نجيب بسعادة كالتي شعر بها عندما نطقت جينا ونادته «بابا» بعدما تخطى عمرها أربع سنوات، ففكر في استقرارهما في مصر بشكل نهائي، وتقدم فعلاً إلى إحدى المدارس القريبة منهما في حي الدقي، على أن يتم التحاقها بها من العام المقبل، لكن الخطاب الذي وصل إلى لوسي من والدتها قلب الموازين، إذ أخبرتها أن أباها مريض للغاية في ألمانيا ويطلب رؤيتها، فاضطرت لوسي إلى السفر بسرعة إلى فرنسا وبصحبتها جينا ومنها إلى ألمانيا لزيارة والدها، وسط مخاوف نجيب، ووعد من لوسي بعودة سريعة بعد الاطمئنان على والدها، غير أن انتظار نجيب لهما طال ولم يعودا مع زيادة وطأة الحرب مجدداً، وإعلان هتلر حالة الطوارئ وإغلاق الحدود الألمانية لتصبح ألمانيا بلداً مغلقاً لا يمكن الخروج منه أو الدخول إليه، وانقطعت الخطابات بين لوسي والريحاني.

لم يكن أمام نجيب سوى العودة لعمله، خصوصاً أن الموسم الجديد كان على الأبواب وراح يفكر مع بديع في تقديم رواية جديدة، ولم يجدا ما يقدماه، فقرر الريحاني افتتاح الموسم بمسرحية من «ريبرتوار» لأن حالته النفسية لم تكن تسمح بالتفكير، أمهله بديع فرصة للتفكير قبل أن يتخذ القرار:

= يا سيدي ما تاخدش قرار. أهو الموسم لسه عليه بدري… ويمكن ربنا يفرجها في لحظة.

* أنا حاسس إني مش قادر أفكر…

= المشكلة أن الواحد من كتر ما عملنا كل حاجة… متهيألي مش ناقصة حاجة ما عملنهاش.

* شوف يا بديع. طول ما فيه ناس وفيه حياة فيه مشاكل وفيه جديد. إحنا مش بنجيب من جوانا. إحنا بناخد من بره وندخله جوانا يتفرم ويتهرس ونضيف عليه خبرتنا وبعدين نطلعه للناس تاني.

= أنا هاروح فين منك. كفاية شهادة كبار الأدباء لك طه حسين والعقاد والمازني وغيرهم.. ما كدبوش لما قالوا عليك «الفيلسوف الضاحك».

* سيبك من الكلام دا… أنا عرفت أن علي يوسف تعبان قوي ونقلوه مستشفي اليوناني. إيه رأيك نخطف رجلنا نروح نزوره.

نزل نجيب وبديع من المستشفي بعد زيارة علي يوسف، واقترح نجيب أن يمشيا حتى عماد الدين، خصوصاً أن الجو صحو وبه لسعة برودة خفيفة، وبينما هما يمشيان أمسك نجيب بديع من ذراعه واستدار به لينظر ما رآه… أحد المحلات التجارية الصغيرة علق لافتة أثارت انتباه نجيب كُتب عليها «هذا المحل ملك لمسلم وقبطي»، ضحك نجيب طويلا ثم نظر إلى بديع وقال:

* طب ما كانوا يجيبوا واحد يهودي معاهم بالمرة.

= أيوه… علشان تكمل.

توقف نجيب طويلا أمام اسم المحل، وكيف أن المعاملات المالية فقط استطاعت أن تذيب الفوارق الدينية بين المصريين؟ وفجأة صرخ في وجه بديع على طريقة «أينشتين»:

وجدتها.

جلس نجيب وبديع وبدآ يكتبان معا رواية جديدة استوحى الريحاني فكرتها من اسم المحل، واقتبسا بناؤها من مسرحية «المقهى الصغير» للكاتب العالمي «تريستان برنار» وأطلقا عليها اسم «حسن ومرقص وكوهين».

نجحت مسرحية «حسن ومرقص وكوهين» وحققت شعبية ضخمة، واحتفلت بها دار الأوبرا الملكية أيما احتفالا، لدرجة أن عرض المسرحية استمر على خشبة الأوبرا طيلة شهر مارس 1943، لتنتقل بعدها لتعرض خلال أبريل على مسرح «ريتس» بشارع عماد الدين، وبسبب الإقبال الكبير من الجماهير، قرر نجيب أن يطوف بها الأقاليم، فعرضت في طنطا والمنصورة ورأس البر، وغيرها من المدن المصرية، لتكون المحطة الأخيرة في سبتمبر بالإسكندرية.

عاد نجيب بفرقته إلى القاهرة، ولم يكن لديه جديد يقدمه، فقرر إعادة مسرحيات من «الريبرتوار» فراح يعرض مسرحية جديدة كل ثلاثة أسابيع، وبإقبال كبير من الجماهير على رغم أنها مسرحيات معادة وليست جديدة، ليستمر حتى فبراير 1944، غير أن جسد نجيب لم يحتمل هذا الإرهاق كله والعمل المتواصل، فسقط مريضا من جديد، وهنا كان لابد من التوقف تماما بناء على أوامر الأطباء، ويضطر لأول مرة لأن يغلق مسرحه لما يزيد على شهر، حتى نهاية مارس من العام نفسه.

استرد نجيب عافيته، غير أنه لم يعد لمسرحه، بل طلبت منه إدارة دار الأوبرا الملكية أن يفتتح الموسم الصيفي بها مع بداية أبريل، ولكنه لم تكن لديه أعمال جديدة يقدمها، ورغم ذلك أصرت إدارة الأوبرا على أن يبدأ بها الموسم، فوافق وراح يقدم أعمالا من «الريبرتوار» من مسرحياته الأخيرة، ونجحت نجاحا كبيرا ليستمر حتى الحادي عشر من مايو، عندما أتت له الفنانة دولت أبيض، زوجة الفنان جورج أبيض تعرض عليه عرضاً جديداً:

* مش فاهم.. يعني نشتغل سوا؟

= طبعا دي حاجة تشرفني. بس أنا عايزة أقولك إنك أنت وفرقتك تيجو تشتغلوا في المسرح إللي عملته في الجيزة.

* أيوه بس أنت عارفه أننا في عز الموسم الصيفي والناس دلوقت هاتهرب على رأس البر وبلطيم والإسكندرية!

= ما هو مسرح صيفي مكشوف يعني ممكن يجذب الناس.

* طب ليه اختارتيني أنا تحديداً… ما أنت والأستاذ جورج ماشاء الله مدرسة كبيرة في الدراما.

= نجيب. دلوقت ماحدش يقدر ينكر دورك ولا جهودك في المسرح المصري… وبصراحة كدا كونك إنك تشتغل على المسرح دا وهو بيبدأ هيعمله جمهور ويخلي الناس تعرفه.

* سبحان مغير الأحوال!

= تقصد إيه… مش فاهمة؟

* أبداً. افتكرت جملة كدا قالها لي صديقنا سليمان بيه نجيب مدير الأوبرا!

انتهز نجيب فرصة عمله طيلة الموسم الصيفي لعام 1944 على مسرح دولت أبيض، وراح يعيد «ريبرتوار» كل أعمال المسرحية في السنوات الأخيرة، لدرجة أنه كان يقدم كل مسرحية لمدة ثلاثة أيام فقط، ورغم أنها مسرحيات معادة وليست جديدة، إلا أنها شهدت إقبالا غير عادي من الجمهور، لدرجة أن دولت أبيض لم تصدق ما تراه، وتأكدت من صدق حدسها وحسن اختيارها، بعدما راحت تعلق كل ليلة لافتة «كامل العدد» على شباك التذاكر.

عرض خاص

انتهى تعاقد نجيب الريحاني مع دولت أبيض في أكتوبر، فانتقل في نفس الشهر إلى مسرح «ريتس» ولم يكن لديه وبديع خيري الجديد الذي يقدمانه، فاضطر إلى الاستمرار في تقديم «الريبرتوار» حتى فبراير 1945، عندما كتب وبديع خيري مسرحية جديدة، كان قد بدأ فيها منذ الصيف حتى اكتملت بعد أن نالت منهما جهدا كبيرا ووضعا فيها كل خبرتهما وسنوات نضجهما الفني، وأطلقا عليها اسم «إلا خمسة» وقرر نجيب أن يمنح فيها دور البطولة للفنانة ماري منيب، بعد العمل في فرقته لمدة اثنتي عشرة سنة:

= دي ثقة أنا بشكرك عليها يا أستاذ.. بس أنا خايفة أوي.. إزاي ده؟

* زي الناس. انت يا ماري فنانة كويسة أوي وشغلك في السينما كمان هايل. وتستحقي أكتر من كدا.

= أيوه يا أستاذ بس دي أول مرة… وحاسة بمسؤولية كبيرة.

* يبقى هتنجحي… وأنا واثق من كدا ودي فرصتك تخرجي كل اللي جواكي… يلا ورينا.

بدأ عرض «إلا خمسة» في الرابع من مارس 1945، ولم يكن نجاحها عادياً، بل فاق التوقعات كافة، وأثبتت ماري منيب حسن تقدير نجيب لها، ونجحت بتفوق، لدرجة أن المسرحية ظلت تعرض للمرة الأولى أربعة أشهر متتالية من دون توقف، فلم تلفت أنظار الجمهور والنقاد فحسب، بل وصل صيتها إلى جلالة الملك فاروق الأول الذي فاجأ سيلمان بك نجيب بهذا الاتصال:

ـ حضرة نجيب بك

= يا أهلا يا عظمتك. تشريف جلالتك بالاتصال شرف لينا.

ـ إيه حضرة نجيب بك. سامع إن ريحاني عنده مسرحية الكل بيمدح فيها.

= أيوه يا عظمتك. نجيب الريحاني فنان هايل.. وعامل رواية عاجبة الناس أوي.

ـ مين قال نجيب بك؟

= محدش قال جلالتك. يكون شرف كبير لكل فنانين مصر إن الريحاني ييجي يعرض الرواية في السرايا وجلالتك تحكم عليها.

ـ لا نجيب بك. المسرحية تتعرض النهاردة في الأوبرا الملكية علشان يشوفها أفراد العائلة المالكة.

= حصل جلالة الملك… حصل.

في 16 يوليو 1945، عرض نجيب الريحاني مسرحية «إلا خمسة» بكامل أفراد فرقته، ماري منيب وميمي شكيب وسراج منير وستيفان روستي، لتخرج الصحف في الثامن عشر من يوليو، وقد تصدر الخبر بالصور، حيث نشرته صحيفة «الصباح»، وجريدة «الأهرام»، وغيرهما من الصحف التي وضعت نجيب الريحاني في مصاف كبار النجوم العالميين.

انتهت الحرب العالمية، وكان من نتائجها تقسيم ألمانيا بعد هزيمتها في الحرب، فسيطرت روسيا على الجزء الشرقي، بينما سيطرت أميركا وإنكلترا على الجزء الغربي منها، وقد نجحت لوسي في الهرب إلى الجزء الغربي من ألمانيا بمساعدة جنود إنكليز، واستقرت في ميونيخ حيث هدأت الأمور، ومنها انتقلت مع جينا إلى فرنسا، فأرسلت فوراً خطاباً إلى نجيب تزف له هذه البشرى.

وجد نجيب الظروف مواتية للسفر بعد نهاية الموسم المسرحي، فقرر القيام بإجازة للسفر إلى باريس لرؤية جينا ولوسي من ناحية، والراحة والاستجمام من ناحية أخرى.

للمرة الأولى أمضى نجيب شهرين كاملين مع جينا ولوسي، خصوصاً بعد الغياب الطويل عنهما، لم يفارق فيهما جينا لحظة واحدة لدرجة إنها لم تنم إلا فوق صدره، لكن كالعادة تنتهي الأيام السعيدة سريعاً، ولم يشعر نجيب إلا بانتهاء الرحلة ليعود إلى القاهرة مضطراً.

على رغم أن النجاح الذي حققه «سي عمر» أكبر من «سلامة في خير»، إذ كان أكثر نضجاً، إلا أن الريحاني لم يتحمس للسينما بالشكل الكافي، لذلك ابتعد عنها خمس سنوات كاملة، كان المنتجون يطاردونه ليل نهار، غير أنه كلما قرأ سيناريو اكتشف أنهم يكررون ما سبق وقدمه، ويحاولون استغلال نجاحات بعض مسرحياته وضمنها بعض هذه السيناريوهات، فيرفضها بشكل قاطع، إلى أن تقدم له مهندس مناظر فيلمه السابق ولي الدين سامح، وأفصح له عن نيته في أن يخرج فيلماً من بطولته، خصوصاً أن لديه رؤية لسينما مختلفة عن السائدة.

تردد نجيب في خوض التجربة، لكن كلام ولي الدين سامح أقنعه، غير أنه اشترط أن يشرف بنفسه على اختيار البطلة وكل الممثلين.

لعبة الست

انتهى نجيب وبديع من كتابة فيلم «لعبة الست» الذي استوحيا أحداثه من الظروف التي مرت بها مصر خلال الحرب العالمية الثانية، وهروب الكثيرين من اليهود الذين يعيشون في مصر بعد انتشار شائعة انتصار هتلر في الحرب ووصوله إلى حدود مصر عند منطقة العلمين، وتخلل ذلك قصة حب، وقصة صعود مواطن بسيط مطحون من أسفل الهرم الاجتماعي إلى قمته.

انتهت مرحلة الكتابة التي شارك فيها المخرج ولي الدين سامح بكتابة السيناريو، وجاء اختيار الفنانين الذين سيشاركون في الفيلم، فلم يخرجوا عن أبطال فرقة الريحاني: ماري منيب، عبد الفتاح القصري، حسن فايق، بشارة واكيم، وضم إليهم سليمان بك نجيب والمطرب عزيز عثمان، غير أن الريحاني وسامح اختلفا على بطلة الفيلم:

* راقية إبراهيم فنانة كويسة… بس ماتنفعش خالص في الدور دا.

= ما إحنا برضه عايزين بطلة نجمة قدام نجيب الريحاني.

* مش مهم نجمة… المهم تكون مناسبة للدور وأنا اخترتها خلاص

= مين هي؟

* تحية كاريوكا.

= الرقاصة. أيوه بس يعني دي ماشالتش أفلام قبل كدا.. وكل أدوارها يعني مش.

* البنت دي بتخر تمثيل… بس عايزة حد يديها دور تظهر فيه دا.. مضيها ع العقد ومش هتندم… وهتشوف.

في 25 فبراير 1946 عرض فيلم «لعبة الست» في سينما أستوديو مصر، وبدلاً من عرضه لمدة أسبوع كما كان مقدراً له من شركة أستوديو مصر، قررت الشركة مد عرضه ليضرب الرقم القياسي، ويستمر ثمانية أسابيع نظراً إلى الإقبال الجماهيري المتصل.

أغرى نجاح «لعبة الست» نجيب الريحاني، لا ليكرر التجربة ويقدم فيلماً سينمائياً جديداً، بل ليخوض تجربة الإنتاج السينمائي للمرة الأولى بعدما رأى بعينه الأموال التي تدفقت على شركة «أفلام الشرق الأوسط» منتجة فيلم «لعبة الست»، غير أن بديع خيري وطلعت حسن مدير فرقته عارضاه لعدم درايته بالإنتاج السينمائي الذي يختلف إلى حد كبير عن الإنتاج المسرحي الذي ينحصر في الديكور والملابس، وأجور الممثلين، وخوفاً عليه من الغرق في بحر الإنتاج السينمائي الذي لا حدود له، غير أن نجيب أصر على خوض التجربة.

كتب الريحاني بمشاركة بديع خيري فيلم «أحمر شفايف»، وكما قدم تحية كاريوكا في «لعبة الست» أرد أن يعيد اكتشاف راقصة جديدة، فأسند البطولة إلى الراقصة سامية جمال، وشاركهما البطولة كل من زوز شكيب، وعفاف شاكر، شقيقة المطربة شادية، وعبد العزيز خليل، وأول حب في حياته صالحة قاصين، وأسند توزيعه إلى شركة «نحاس فيلم». لكن أتت «الرياح بما لا تشتهي السفن»، ولم يقبل الجمهور على الفيلم لغلبة الطابع التراجيدي عليه، وهو ما لم يتعوده الجمهور من نجيب الريحاني في أفلامه ومسرحياته، وخسر خسارة فادحة لم يتوقعها، غير أنه كسب إشادة النقاد والصحافيين، وانهالت المقالات التي قفزت بنجيب الريحاني إلى عنان السماء، فنظر إلى كومة من الصحف والمجلات التي كتبت عنه وهز رأسه قائلاً: كسبنا صلاة النبي!!

(البقية في الحقلة المقبلة)

الجريدة الكويتية في

17/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)