حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الفيلسوف الضاحك.. نجيب الريحاني

بقلم: ماهر زهدي

الحلقة ( 25 )

مين يعاند الست

بسبب ما حدث في التعاقد الأول، تشدد الريحاني هذه المرة في الاتفاق مع مصطفي حفني لاستئجار مسرح «برنتانيا»، ووضع في التعاقد بنداً ينص على غرامة مئتي جنيه، يدفعها الطرف الذي يقف دون تنفيذ أي شرط من شروط التعاقد. وعلى الرغم من هذا الشرط، لم تمض على الاتفاق أيام، وقبل تجهيز رواية جديدة يبدأ بها الريحاني، جاءه مصطفى حفني يطلب فسخ التعاقد لعدم قدرته على مواجهة «الست» منيرة المهدية التي أصرت على العمل في تياترو «برنتانيا»، وأمام توسلاته ورجائه، قبل الريحاني فسخ التعاقد بعدما استرد «العربون» ومعه الشرط الجزائي.

بعدما فسخ مصطفى حفني عقده معه، راح الريحاني يفكر للمرة الأولى في أن يملك مسرحاً خاصاً به، يحمل اسمه بعد سنوات طويلة من العمل لدى الغير.

وجد الريحاني في ملتقى شارعي «عماد الدين» و{قنطرة الدكة» مقهى اسمه «راديوم» وإلى جانبه صالة تحمل الاسم نفسه، وكانت ملاصقة لتياترو رمسيس الذي يملكه يوسف وهبي، فاشترى الصالة الملاصقة للمقهى وأنشأ مكانها «مسرح الريحاني»، الذي شرع في تأسيسه في أغسطس 1926. وبينما هو في بداية مرحلة التأسيس، هبط عليه الصديق القديم علي يوسف:

* لا يا نجيب الزيارة لها سببين مش سبب واحد. أولاً إني أبارك لك على المسرح وأنك بقيت حر نفسك. مش شغال تحت رحمة حد.

* طب يا سي علي الله يبارك… والسبب التاني؟

= السبب التاني الأهم. بيني وبينك سمعت أن الجماعة مولعين وعلى آخرهم وعايزين يفكوا بأي شكل!

* بتهمس ليه هو فيه حد سامعنا… وبعدين جماعة مين؟

= يا أخي جيرانك اللي جنبك… فرقة رمسيس. كل الفرقة مولعة من يوسف وهبي وقرروا يسيبوه وعايزين يعملوا فرقة مع نفسهم.

* أيوه يعني عايزني أروح أصالحهم على يوسف وهبي ولا أعمل إيه؟

= لا يا سيدنا. اللي عايز أقوله ما تتفق انت معاهم وتعملهم الفرقة ويشتغلوا هنا بدل ما يروحوا بعيد.

* أنت مش واحد بالك يا علي ولا إيه… فرقة الريحاني بتقدم كوميديا ودول ناس بتوع غم ونكد… بتوع دراما.

= وماله؟ أهي فرصة تحقق حلمك القديم. وبصراحة أنا شايف إنك في الدراما مفيش أخوك.

بعد تردد وتفكير اقتنع نجيب باقتراح علي يوسف، خصوصاً بعدما استأجرت بديعة مسرحاً جديداً خاصاً بها، فشرع فوراً في التنفيذ، لا سيما أنه بعد الخلاف معها هبطت عزيمته وأصبح اعتماده على نفسه فحسب، ولا بد من عون قوي يستند إليه في ملاقاة الجمهور، وأعضاء فرقة رمسيس كلهم أسماء كبيرة ولامعة.

كوَّن الريحاني فرقته الجديدة من روز اليوسف، عزيزة أمير، زينب صدقي، سرينا إبراهيم، ماري منصور، حسين رياض، منسى فهمي، حسن فايق، أحمد علام، سامي وجبران نعوم، ومحمود التوني وغيرهم.

لم يكتف الريحاني بتأسيس المسرح وتكوين فرقة جديدة، بل فكر في أن يعمل بشكل مؤسسي، فأنشأ قسماً جديداً في المسرح أطلق عليه «قلم الترجمة»، وضع على رأسه جورج مطران شقيق الشاعر خليل مطران، وبدأ القسم عمله فوراً قبل أن ينتهي تأسيس المسرح، أو عمل الفرقة، فترجم «قلم الترجمة» 12 رواية، من روائع الأدب الفرنسي والإنكليزي والروسي والألماني.

مؤسسة الريحاني                                           

استمر تأسيس المسرح ثلاثة أشهر كاملة، حتى أصبح جاهزاً في نوفمبر من العام نفسه، دفع خلالها نجيب أجور الممثلين بالكامل، إضافة إلى ما أنفقه من مصاريف البناء والتأثيث والمناظر والستائر والملابس، ما أوقعه في ضائقة مالية.

أنتهى «قلم الترجمة» من ترجمة ست روايات، كانت في مقدمها «النسر الصغير» التي ترجمها جورج مطران، وبدأ الريحاني التدريبات للمرة الأولى على الروايات الست في وقت واحد!

فجأة شعر بأن مؤامرة تحاك ضده في الخفاء، إذ لاحظ تسلل الممثلين واحداً إثر الآخر من الفرقة، وعادوا إلى فرقة رمسيس من دون إنذار سابق، ومن دون أن يتركوا له مهلة البحث عن غيرهم، بعدما أسند إليهم أهم الأدوار في الروايات الست التي أعدت للعرض على الجمهور!

لم يستسلم نجيب للمؤامرة، وجاهد بكل ما لديه من قوة، وما وصل إلى يديه من مال، فجمع ما تبقى من الفرقة، وضم إليهم بعض الجدد وبدأ عهداً جديداً من التراجيديات، فقدم «المتمردة» وأعقبها برواية «مونا فأنا» ثم «اللصوص» و»الجنة»، وهنا خارت عزيمته وانهارت قواه، ولم يعد يحتمل آثار الأسلحة الدنيئة التي حورب بها، إذ بلغ ما اقترضه بتحوله إلى الدراما أربعة آلاف ومئة جنيه، ووصل عدد الدائنين إلى ثمانية وعشرين، فأصبح هدفاً لسخرية الجميع، وشماتة المقربين، وتهكم صاحبة الجلالة «الصحافة».

منذ اليوم الأول من يناير إلى اليوم الأخير من ديسمبر سنة 1927، لم يكن نجيب يصل إلى شباك التذاكر، حتى يطالعه العامل بورقة حمراء لدفع استحقاقات البنك، أو إعلان لحضور جلسة، أو حجز أو بيع!

وجد الدائنون الثمانية والعشرون الحل، وهو إقامة ما يشبه صندوق للدين، وانتخبوا من بينهم السيدة كاميليا لتكون بمثابة متصرفة أو قيمة على الريحاني، تحصل على الإيراد لتضعه في صندوق حساب الدائنين، ثم تعطي له مصروفاً يومياً، قدرته بسبعين قرشا فقط.

سدت السبل في وجه نجيب من كل ناحية، فلا وجد إنصافا من الناس، ولا عرفاناً بالجميل ممن كانوا حوله، وفيما هو على هذه الحالة دخل عليه أحد الدائنين:

= لا مش القصد ما أنا عارف اللي فيها… لكن بالشكل دا إن شاء الله الورثة هيفضلوا طول عمرهم يسددوا هم كمان في الدين.

* آدي الله وآدي حكمته… هنعمل إيه يا خواجة؟

= أنا عندي فكرة. انت تقوم تحط دقنك وتلبس جبتك وقفطانك يا سي كشكش وأنت تلاقي الفلوس نزلت عليك زي المطر تاني.

* تقصد إني أرجع تاني لكشكش؟

= وأنت خسران إيه؟

دارت نصيحة الخواجة في رأس الريحاني، فربما لم تكن حباً فيه ولا في كشكش، ولكن لأجل الحصول على الدين، ومع ذلك لا مانع من التفكير فيها، خصوصاً فشل التجارب التراجيدية، ويكفي الجمهور ما هو فيه من «نكد» يسببه الاحتلال الإنكليزي ليل نهار!

«كشكش» المنقذ

فكر الريحاني في استدعاء «كشكش»، كما فكر في استدعاء صديقه الحميم بديع خيري الذي لم يتردد لحظة في تلبية النداء، وأنهى ارتباطاته مع علي الكسار فوراً، ليضع يده في يد نجيب مجدداً، غير أنهما قبل البدء في كتابة أي روايات جديدة، راحا يدرسان نفسية الجمهور، والوقوف على النواحي التي تنال إعجابه وتبلغ موضع الرضا منه.

بعد الدراسة والتقصي، أعدَّ نجيب وبديع رواية استعراضية خفيفة أطلقا عليها اسم «جنان في جنان» أسند نجيب رسوم مناظرها إلى الرسام المشهور لومباردي، ثم بدأ يفكر في تكوين أعضاء جدد للفرقة، ونظراً إلى تدهور أوضاع المالية قرر أن يشارك السيدة مرسيل لانجلو صاحبة كازينو «دي باري»، التي فوضت مسيو أصلان عفيف، وكيلاً عنها للجلوس في مسرح الريحاني.

خلال تكوينه الفرقة، تنبه نجيب إلى الممثل محمد كمال المصري، الذي فشل في تقديم روايات لشخصية ابتكرها باسم «شرفنطح» على غرار «كشكش»، فضمه الريحاني إلى فرقته، وضم معه شاباً ترك تجارة والده في الذهب لأجل التمثيل، اسمه عبد الفتاح القصري، ومعهما حسين إبراهيم ومحمود التوني وجبران نعوم والفريد حداد، ومعهم المنولوجست سيد سليمان، واختار لإدارة المسرح الإداري الحازم محمد شكري. أما الممثلات فقد تخيرهن جميعاً من الأجنبيات، إذ تقدمت إلى الريحاني فتاة يونانية تدعى «كيكي» خفيفة الروح تتكلم العربية بطلاقة وبلهجة رائعة، فضمها إلى الفرقة وأسند إليها دوراً في الرواية أدته كما يجب.

نجحت «جنان في جنان» بشكل كبير مع الجمهور استعاد من خلالها ذكرياته مع «كشكش بك»، فقدما، نجيب وبديع، بعدها روايتي «مملكة الحب» و{الحظوظ».

بسبب الظروف المادية الصعبة وتراكم الديون، لم يمانع نجيب في الدخول في صفقات أو شراكات من شأنها إصلاح الأحوال المادية المتدنية، ما جعله يوافق فوراً على عرض الشيخ عبد الرحيم بدوي الصعيدي، صاحب مطبعة «الرغائب»:

* أنت بتتكلم جد يا عم عبد الرحيم ولا بتهزر زي عوايدك؟ أصل الحكاية مش ناقصة.

= والله بتكلم جد الجد… الشغل ما فهوش هزار يا نجيب أفندي.

* يعني أنت عايز تأجر الفرقة فعلاً.

= أيوه ناخدوها إيجار لمدة شهر. بس بشرط هنلف التلاتاشر مديرية. يعني هنجيبها من شمالها لجنوبها، ومن شرقها لغربها.

* يا سيدي حتى لو عايز توديها يافا في فلسطين أنا ماعنديش مانع… طالما هتدفع المعلوم.

= خلاص. قوللي طلباتك.

* أنا ما ليش طلبات. عليك وعلى المسيو عفيف… المسؤول الإداري. اتفقوا سوا وأنا موافق على اللي تتفقوا عليه.

وقع الشيخ عبد الرحيم عقداً مع أصلان عفيف، يقضي بأن يكون إيجار الليلة 35 جنيهاً، على أن يتحمل الشيخ عبد الرحيم أيضاً أجر الفنادق ومصاريف السفر بالقطارات والسيارات والعربات وشحن الملابس والمناظر، وهو ما يعني «خراب بيت الشيخ»، لكنه ارتضى ذلك ووقع العقد!

قامت الفرقة بالرحلة وانتهى بها المطاف في الإسكندرية بعد تمضية الشهر في المدن والأرياف، وجاء الشيخ يلطم خديه:

= كده يا ريحاني تخربوا بيتي الخراب المستعجل ده؟

* وأنا مالي بس يا عم الشيخ عبد الرحيم؟ مين اللي قالك تتفق الاتفاق المقطرن ده، عليك وع الخواجة أصلان يمكن يرق قلبه لحالك!

رفض الخواجة أي توسلات للشيخ، وهو ما أثار الريحاني، فقرر ترك الفرقة لأصلان ومدام مارسيل، وانتقى خمسة ممن وثق بهم من الممثلين، واتفق مع إدارة «كازينو سان إستفانو» في محطة رمل الإسكندرية، على أن يعرض روايات قصيرة في كل مساء على المصيفين والرواد.

لم يكن الإيراد مرضياً للريحاني، غير أنه يفي الغرض ويضمن دخلاً يومياً له وسط هذا التدهور المادي الذي يعانيه، غير أن المكسب الحقيقي الذي حققه كان الإعجاب الكبير من رواد الكازينو وفندق «سان إستفانو» أمثال حسين رشدي باشا وحلمي عيسى باشا، وغيرهما من أكابر النزلاء من الوزراء العاملين والسابقين الذين راقهم ما يشاهدونه من تمثيل الفرقة، ما جعلهم يطالبون مدير الفندق أن يكثر من عرض هذا النوع، فطار المدير فرحاً وهو ينقل هذه الرغبات إلى الريحاني، الأمر الذي فتح شهيته للعمل، غير أنه أراد أن يعزز موقفه ويعلي من ثمنه وشأنه:

* للأسف يا خواجة. عرضك دا متأخر… لأني كنت بفكر انزل القاهرة نهاية الأسبوع دا.

= لا لا مسيو ريحاني. أنت ينزل القاهرة يعمل إيه؟

* عندنا شغل يا خواجة. عندنا ارتباطات لنهاية الموسم.

= شوف مسيو ريحاني. أنا عوضت أنت والفرقة كل ارتباطات مقابل أنت يستنى.

* أيوه يا خواجة أنا مقدر العرض اللي انت بتعرضه عليّ لكن أنا بس خايف نلغي ارتباطاتنا في القاهرة. وبعد أسبوع ولا اتنين تقولنا شكراً خلاص مش عايز.

= لا لا مسيو ريحاني مفيش كلام دا. انت يستنى لنهاية الموسم.

* خلاص. اديني فرصة افكر النهارده يا خواجة.

= مسيو ريحاني مفيش وقت. فين حقيبة ملابس بتاع انت؟

* في فندق وندسور اللي نازل فيه.

= مفيش وندسور مسيو ريحاني… انت ضيف عزيز في جناح في فندق سان إستفانو من اليوم.

لم ينتظر مدير فندق سان إستفانو جواباً، بل تناول الهاتف واتصل بفندق وندسور، وطلب أن يرسلوا إليه متعلقات الريحاني ومعها فاتورة الحساب، ليحتل غرفته الجديدة في «سان إستفانو»، فندق العظماء والوارثين، حتى نهاية الصيف.

عاد نجيب إلى القاهرة بعد انقضاء الصيف، وبمجرد وصوله علم أن خلافاً حاداً وقع بين فاطمة رشدي وفرقة يوسف وهبي، على إثر مشادة بين الأولى وبين زينب صدقي، قررت فاطمة على إثرها ترك الفرقة، وتضامن معها زوجها المخرج عزيز عيد، وعقدا العزم على تكوين فرقة جديدة غرضها الأول منافسة فرقة «رمسيس» فوقع اختيارهما على مسرح الريحاني ليقدما عليه روايات فرقة «فاطمة رشدي» الجديدة، مقابل أربعة جنيهات في الليلة، لم يدفعا منها مليماً طيلة شهر ونصف الشهر، مدة بقائهما في المسرح.

خرجت فرقة فاطمة رشدي من مسرح الريحاني كما دخلته، لم تحقق شيئاً، خصوصاً على المستوى المادي، فلم يجد الريحاني بداً من إعادة تكوين فرقته مجدداً.

كوميديا أخلاقية

في نوفمبر عام 1927، جمع الريحاني فرقته ليقدم موسماً جديداً بعدما وضع بمعاونة بديع خيري، رواية الافتتاح باسم «علشان بوسه»، وأعقبها «ربرتوار» لرواية «جنان في جنان»، وبعدها «آه من النسوان» و{ابقى اغمزني» في محاولة حذره للتخلص شيئاً فشيئاً من «الريفيو» أو الأعمال الاستعراضية الغنائية، والتعمق في الكوميديا الأخلاقية، وكانت المفاجأة استقبال الجمهور لهذا النوع الجديد الذي يقدمه الريحاني باستحسان كبير، نجح عبره في استرداد جمهوره، ما شجعه على الاستمرار في تقديم هذا اللون من الكوميديا.

لم تغب تجربة الريحاني في «كازينو سان إستفانو» في صيف 1927 عن الأذهان، ما جعل صادق أبو هيف مدير «كازينو زيزينيا» في الإسكندرية يوجه الدعوة إليه في صيف 1928 والاتفاق معه على أن تقدم فرقته عروضها بالكازينو بضعة أسابيع، فوافق وانتقل فوراً، خصوصاً أن الاتفاق كان مغرياً.

بعد انقضاء الأسبوع الأول في «زيزينيا»، وجهت إحدى العائلات السورية دعوة إلى الريحاني لحضور «وليمة عشاء» على شرفه، غير أنه لم يكن يدري أن هذه الدعوة تم التخطيط لها، فما إن ذهب حتى وجد أمامه بديعة مصابني، وعدداً من المقربين إليهما، وبجوارها جورج أبيض وزوجته دولت أبيض، فقامت الأخيرة بدور حمامة السلام في تقريب وجهتي النظر وإذابة الخلافات:

= يا نجيب أنت مش محتاج أقولك بديعة بتحبك أد إيه… ولا الكلام اللي كانت بتقوله عنك قبل ما تييجي.

* لا محتاج تقوليلي… لأن الكلام اللي بسمعه منها غير الكلام اللي بتقوله من ورايا!

- يا عم نجيب أنتو مالكمش غير بعض… وكفاية بعاد وجفا.

* آي والله دا كلام جميل… ينفع مطلع أغنية.

ـ شوفتوا بقى. أهو واحد كل حاجة هزار وتريقة وما فيش حاجة هماه وبيهمل في كل حاجة.

* هي كلمة «الإهمال» دي لسه في بقك… دي الكلمة لفت الدنيا كلها وبقت وصمة في كل حتة أروحها!

ـ ماهو أنت السبب.

= انت السبب هي السبب… إحنا ولاد النهارده. ننسى اللي فات ونبدأ صفحة جديدة.

أثمرت الجهود عن الصلح الذي يبغونه، أو على وجه الدقة، الذي كأنت تسعى إليه بديعة طمعاً في إعادة هالة الأضواء حولها بعدما انفض عنها بعض جمهورها!

عودة فنية

رجعت بديعة إلى الريحاني، ومن ثم عادت نجمة الفرقة الأولى، فأعد لها مع بديع رواية «ياسمينة» واهتما بموضوع الألحان الموسيقية والأغاني، فأسندها إلى الموسيقي الشاب زكريا أحمد، لتخرج الرواية وتتصدر إيرادات المسارح كافة، بعد الإعلأنات التي سبقتها تشير إلى عودة الثنائي «نجيب الريحاني وبديعة مصابني»، ما شجعهما على تقديم رواية ثانية بعدها بعنوان «أنا وأنت» ثم ثالثة «علشان سواد عيونها»، بعدها فكر نجيب في العودة إلى اللون الذي يعشقه هو وبديع خيري، «الكوميديا الأخلاقية» فراحا يرصدان تغيرات المجتمع وآفاته التي طرأت عليه ووضعاها في رواية جديدة أطلقا عليها «مصر في سنة 1929».

تراجع دور بديعة في الرواية الجديدة وقفز دور الريحاني، فدبَّ الفتور في قلبها مجدداً، وتجددت أسباب النزاع، وعاد الوسطاء ومحبو الوفاق يجهدون أنفسهم في إزالة ما اجتاح النفوس من موجات الاستياء، لكن محاولاتهم باءت بالفشل هذه المرة، واقتنع نجيب وبديعة باستحالة الاستمرار معا كزوجين، فاتفقا في ما بينهما على وضع حد لكل شيء، وتم ما يشبه «الطلاق المدني» على يد محام ليكون فراقاً مشروطاً… لا رجعة فيه!

خلال هذه الفترة استطاع نجيب أن يسدد ديونه كافة التي تخطت الأربعة آلاف جنيه، غير أن الثمن لم يكن مادياً فقط بخروجه من هذه المرحلة خالي الوفاض ـ لا معه ولا عليه ـ بل الأهم أن الثمن كان صحياً، فقد أثر تدهور حالته النفسية على تدهور حالته الصحية، فشعر بأنه في حاجة إلى مزيد من الرعاية والعناية، فلم يكن أمامه سوى أن طلب من كاميليا، الوصية على إيراداته لسداد ديونه، إقراضه مبلغ 30 جنيهاً لأجل السفر إلى الإسكندرية للاستجمام والراحة.

لم يدع نجيب لنفسه فرصة للراحة والاستجمام، وبمجرد وصوله إلى الإسكندرية تقدمت له فتاة تدعى هدى اكتشف أن لها صوتاً مميزاً، فاهتم بإظهارها وعهد بها إلى الملحن محمد القصبجي الذي ذاع صيته بعد تقديم ألحان للمطربة الجديدة الآنسة أم كلثوم، ووضع مع بديع خيري رواية «نجمة الصبح» أسند فيها دور البطولة النسائية إلى المطربة الجديدة هدى… لتنجح الرواية فقط… من دون المطربة!

(البقية الحلقة المقبلة)

الجريدة الكويتية في

13/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)