محدش واخد منها حاجة
في الموعد المحدد اندست السيدة لطيفة بين المتفرجين… ولم تنقطع دموعها
التي اختلطت بالضحكات طوال العرض. لم يكن العرض يجلب البكاء، لكن فرحتها
بإعجاب وتصفيق الجمهور لنجيب كلما غدا أو راح فوق خشبة المسرح أبكتها، وما
إن انتهى المشهد الأخير حتى وقفت وسط الصالة تصفق بحرارة قبل أن يبدأ
الجمهور بتحية الفرقة. نظر الريحاني إلى من يسبق الجميع بإعجابه فإذ به
يجدها أمه.
لم يصدق نجيب الريحاني عينيه، راح يحدق في والدته ووجدها تقترب من
نهاية الصالة إلى خشبة المسرح فسبقها ونزل إلى الصالة، قبَّل يدها ورأسها
بينما هي تصفق له ونظرت إلى الجمهور:
= دا ابني… أنا أم نجيب
الريحاني.
* إذا كنتم حبيتوني ونجحت قدامكم… فدا بفضل ربنا وفضل الست دي… أمي.
التفت إليها.. تعانقا وانهمرت دموعهما.
فرحة غامرة اجتاحت كل خلجة في جسد الريحاني، فقد شعر بأنه اليوم…
واليوم فحسب أصبح فناناً كبيراً، فإذا كان قد وصل إلى عقل وقلب السيدة
لطيفة ذات الأصول الصعيدية، والتي تتخذ من العادات والتقاليد والأعراف
دستوراً لها تسير عليه، فمن الأولى أن يكون قد وصل إلى كل مصري.
بيت الوطنية
وإذا كانت زيارة السيدة لطيفة تركت فرحة كبيرة في قلب نجيب واعتبرها
استفتاء شعبياً على نجوميته، فإن زيارة أخرى اعتبرها بمثابة اعتراف رسمي من
زعماء الوطن عندما فوجئ في 12 يناير 1919 بمن يدخل إلى الصالة بعد الجمهور
وبدء العرض ليجلس في الصف الأول، فنظر ليرى من جاء متأخراً بعد بداية العرض
فإذا به يجده الزعيم الوطني سعد زغلول، وللمرة الأولى شعر الريحاني بارتباك
فوق خشبة المسرح، فأوقف العرض واتجه إلى الجمهور في الصالة وقال: يسعدني
ويسعد أفراد فرقة تياترو الإجيبسيانة أن يشرفه حضور سعد باشا زغلول.
ضجت الصالة بالتصفيق وأضيئت الأنوار… فقام سعد باشا وقدم التحية إلى
نجيب ثم استدار وراح يحيي جمهور الحضور ومعهم الريحاني يرددون: سعد سعد
يحيا سعد… سعد سعد يحيا سعد… عاشت مصر حرة مستقلة… عاشت مصر حرة مستقلة.
غيرة وحقد
بلغ إقبال الطبقة الراقية على مسرح «الإجيبسيانة» أشده، حتى إن
الكثيرين كانوا يحجزون مقاعدهم قبل موعد التمثيل بأيام، سواء من الجمهور
المثقف أو من عامة الشعب، فأراد الريحاني أن يستغل هذا الإقبال بطريقة
صالحة ويوجهه التوجيه النافع، فراح ينقب عن العيوب الشعبية ويبحث عن العلل
الاجتماعية التي تنتاب البلاد، ثم يضمن ألحان الروايات بما يجب من علاج
ناجع لمثل هذه الأدوار، كذلك راعى غالباً أن تكون أداة لإيقاظ شعور
الجمهور، وتعويده على حب الوطن وإعلاء شأنه والحفاظ على كرامته، والتغني
بمجده الخالد وعزه.
كان من آثار هذا الإقبال أن تضاعف الخصوم والحساد واختلفت أسلحة كل
منهم في حرب الريحاني، فمنهم من كان يطعن من الخلف بخسة ومنهم من كان
ينازله جهارًا على صفحات الصحف اليومية، ولم يكن القارئ يفرد بين يديه إحدى
الصحف إلا وجد فيها نهرًا أو نهرين يصبّ فيهما أحد النقاد جام سخطه وغضبه
على «كشكش» وصاحبه نجيب الريحاني!
لم يعر نجيب هذه الحملة أي التفات، خصوصاً أن ذلك لم يؤثر من ناحية
الإقبال الجماهيري على مسرحه، بل إن التأثير حدث عكسيًا، لأن تهافت الجمهور
زاد على حضور رواياته، ما جعل الكاتب الصحافي حامد الصعيدي يرى ألا جدوى من
الاستمرار في مهاجمة «كشكش» والريحاني:
= يعني هنكتب إيه أكتر من اللي انكتب. واحد نقعد المدة دي كلها نهاجمه
فيطلع لنا برواية يقولنا فيها كلمة واحدة… «ولو»، والجمهور زي ما يكون
بيعمل بالعند.. كل ما نهاجمه الإقبال يزيد!!
عندما فشل الحاقدون في الحصول على نتيجة من مهاجمة الصحافة له، فكر
هؤلاء أن يتخذوا من البلطجية أداة لمحاربته بغرض إثارة القلاقل وافتعال
مشاجرات عنيفة داخل التياترو، لدرجة أن أحدهم في إحدى هذه المشاجرات وجه
مسدسه صوب الريحاني، فطاشت الرصاصة ولكن الله سلم.
فكر الريحاني كثيرًا في هذه الحوادث فرأى ألا سبيل إلا محاربة الداء
بالداء، فبحث عن رئيس هؤلاء البلطجية وعلم أنه يوسف شهدي فجاء به، وعرض
عليه العمل لديه في وظيفة حفظ النظام والأمن في المسرح براتب شهري يتقاضاه،
فوافق فوراً وأفلحت الخطة، وتم وقف المشاغبات نهائيًا.
عاد الريحاني إلى التفرغ لعمله، فاستغرق عرض رواية «ولو» على الجمهور
ثلاثة أشهر متوالية، ولم ينقص الإيراد اليومي فيها عن الثمانين جنيهاً،
وكثيراً ما كان يزيد على ذلك، ما شجعه على العناية بالرواية التالية التي
اختار لها اسم «اش» من تلحين الشيخ سيد درويش وأزجال بديع خيري، اللذين
أصبحا صديقين حميمين لنجيب.
الثورة والفن
بينما كان الثلاثي الريحاني ودرويش وخيري يعمل على إعداد الرواية مع
حسين شفيق المصري، سمعوا بائع الصحف يجري في الشارع وهو يصرخ: القبض على
سعد زغلول… القبض على سعد زغلول.
ففي السادس من مارس 1919، استدعى الجنرال واطسون قومندان عام الإنكليز
في مصر زعماء القوى الوطنية إلى مقره وحذرهم من أن نشاطهم ضد الحماية
يعرضهم لقانون الأحكام العرفية، وحذرهم من التصدي لتشكيل وزارة جديدة بعد
استقالة وزارة رشدي باشا، غير أن الزعماء المصريين لم يعيروا لكلام واطسون
اهتماماً، فألقي القبض على سعد زغلول وإسماعيل صدقي ومحمد محمود وحمد
الباسل في 8 مارس 1919، وخرجت الصحف المصرية في التاسع من مارس 1919 لتنقل
الخبر للمصريين.
خرجت تظاهرات سلمية يقودها الطلبة تطوف في شوارع القاهرة تهتف
بالاستقلال وسقوط الحماية البريطانية على مصر، فبدأت مرحلة الاضطرابات التي
تحولت إلى ثورة شعبية عارمة تصدت لها السلطة العسكرية البريطانية بعنف،
وبدأت إضرابات العمال والموظفين والمحامين ما أدى إلى توقف الحياة في مصر
بالكامل، لتمتد الثورة من القاهرة إلى المدن والأرياف.
شعر الشعب المصري، وفي مقدمه سعد زغلول، بأن عام 1919 لا بد من أن
يكون فاصلاً في تاريخ مصر، خصوصاً مع زيادة غرور الإنكليز بعد انتهاء الحرب
العالمية الأولى وتصرفهم على أنهم أسياد المصريين ويقررون مصيرهم، فضلاً عن
إعلانهم «الحماية» على مصر في ديسمبر 1914، وخلع الخديو عباس حلمي الثاني،
وفرضوا الأحكام العرفية وعطلوا الجمعية التشريعية، وطغت المصالح البريطانية
على مصلحة الاقتصاد القومي المصري بحماية ورعاية المحتلين، ما جعل الشعب
يعاني الاستعباد الاقتصادي إلى جانب الاستعباد السياسي. كذلك زاد الأمر
تعقيداً بعد أنتهاء الحرب العالمية، ونقض إنكلترا الوعود والمواثيق كافة
بأن تنال مصر استقلالها بمجرد انتهاء الحرب.
وجد الريحاني أن روحاً جديدة بدأت تسري في عروق المصريين، مناقشات
وتظاهرات… جدد المصريون حيويتهم وأفرزت الثورة شعوراً قوياً «بالمصرية»،
وللمرة الأولى في تاريخ مصر خرجت السيدات إلى الشوارع تهتف ضد الاحتلال،
ووقف المصريون كلهم: مسلمون ومسيحيون، يدا واحدة ضد المستعمرين الإنكليز
فكان شيوخ المسلمين يخطبون في الكنائس والقساوسة يخطبون في المساجد، أضف
إلى ذلك أن من هذه النبتة الثورية خرجت حركة نهضة مدنية قامت على أكتاف
مثقفين وفنانين مصريين. انتهز الريحاني الفرصة وضرب على ذلك الوتر وضمن
رواية «اش» زجلاً كتبه بديع خيري، ولحنه الشيخ سيد درويش، ألقته طائفة من
«سياس الخيل» جاء في نهايته:
إن كنت صحيح بدك تخدم مصر أم الدنيا… وتتقدم
لا تقولي نصراني ولا مسلم الدين لله… يا شيخ اتعلم
اللي أوطانهم تجمعهم… عمر الأديان ما تفرقهم
لم تقف قريحة بديع خيري عند هذا النشيد، بل فاجأ الريحاني في اليوم
التالي بنشيد آخر، ما إن قرأه حتى دمعت عيناه. نظر إليه سيد درويش وطلب
قراءته، فعندما انتهى أمسك الشيخ سيد بالعود وراح يضرب عليه وخرج اللحن وهم
جالسون.
أصر الريحاني أن يضمن اللحن في أحداث الرواية تلك الليلة وفاجأ
الجمهور به، ورد الجمهور المفاجأة للريحاني وراح يردد النشيد خلف الفرقة
قياماً:
قوم يا مصري مصر دايما بتناديك
خد بنصري نصري دين واجب عليك
رد سعدي قبل ما يضيع بين أيديك
أوع مجدي يروح هدر أدام عينيك
شوف جدودك في قبورهم ليل نهار
من جمودك كل عضمة بتستجار
صون آثارك زي ما صانوا الآثار
خلفو لك عزة ما تخلفش عار
حُب أرضك اتخلق في دمنا
واللي ف ارضك ينكره مش مننا
تحت رايتك كل مُرّ يكون زلال
إحنا نفنى قبل ما يفنى الهلال.
قوم يا مصري مصر دايما بتناديك
خد بنصري نصري دين واجب عليك
ظل الجمهور يردد النشيد خلف الفرقة، وبعد إسدال الستار وفي الشارع،
وتحول جمهور مسرح كشكش بك إلى تظاهرة شعبية رددت ألحان سيد درويش وأزجال
بديع خيري، ما أثار انتباه الوسط الفني كله وأصبح حديث الشارع المصري،
لدرجة أن الريحاني وهو في طريقه صباح اليوم التالي سمع مجموعة من الطلبة
تردد النشيد في طريقها إلى إحدى التظاهرات.
ما إن وصل نجيب إلى المسرح حتى وجد خيري ودرويش في انتظاره، فقد خرجا
معاً بعد انتهاء العرض وسهرا معاً طيلة الليل ولم يأتيا إلى المسرح إلا
ومعهما نشيد جديد كتبه بديع ولحنه الشيخ سيد، وفاجأ به الريحاني:
* إيه الحكاية يا عم بديع أنت والشيخ سيد؟ هو الوحي بينزل بالجملة ولا
إيه؟
= الثورة يا نجيب… الثورة… لازم كلنا يكون لنا دور.
- وسيدي المرسي آني ما مصدق اللي بيحصل. اللي بيحصل في شوارع مصر كلها
ينطق الحجر… وإحنا مش حجر إحنا فنانين ولازم نشارك الشعب.
* ولازم فرقة الريحاني تكون في المقدمة. اللي حصل إمبارح ما خلنيش
أنام طول الليل. إن الرواية تتحول مظاهرة تخرج من تياترو نجيب الريحاني دي
حاجة كبيرة ومسؤولية لازم نكون ادها.
= وإحنا أدها يا نجيب. بعد ما الإنكليز فشلوا في أنهم يزرعوا فتنه بين
المسلمين والمسيحيين. دلوقت عاوزين يفصلوا بين مصر والسودان. ودا مش هيحصل
ابدا.
* طب يلا يا شيخ سيد أمسك عودك وسمعنا.
أمسك الشيخ سيد درويش بعوده وراح ينشد ما كتبه بديع خيري:
سرجوا الصندوج يا مهمد… لكن مفتاهه معايا
بهر النيل راسه في ناهية رجليه في الناهية التاني
فوجاني يروهوا في داهية… إذا كان سيبوا التهتاني
يا مصيبة وجاني من بدري… زي الساروخ في وداني
مافيش هاجة اسمه مصري… ولا هاجة اسمه سوداني
اتنين جيران بلا دنجي… والهيطة جنب الهيط
الناس دي بلادي كلانجي… عاوزين خلينا شنيط
واجب وطني
ظلت فرقة الريحاني تؤدي واجبها الوطني في إلهاب حماسة الجماهير مساء،
ويردد أناشيدها الشعب في التظاهرات صباحاً. ولم يقف الدور عند هذا الحد، بل
ذهب لمقابلة فتح الله بركات (أحد قيادات الوفد) وتبرع بثلاثمئة جنيه لخزانة
الوفد، الأمر الذي جعل الحقد ينصب عليه من بعض الحسودين منه. كذلك تنبهت
سلطات الاحتلال إلى الدور الذي يقوم به مسرح نجيب الريحاني وسيد درويش
وبديع خيري، وغيرهم من بقية الفرق المسرحية فأمرت بإغلاق المسارح، والإبقاء
فحسب على «الكباريهات» أو الملاهي الليلية!
أغلقت كل المسارح أبوابها، غير أن نجيب أصر أن يذهب كل صباح يلتقي
أعضاء الفرقة، يجتمع بهم لترتيب أمورهم والنظر في شؤونهم، ولم تكن هذه
الشؤون غير تظاهرات يقومون بها هنا أو هناك، ولم يكن وراء ذلك سوى شعور
جارف بالوطنية لدى نجيب الريحاني وفرقته، بل لدى كل المصريين.
انتهز نجيب فرصة إغلاق المسرح بأمر السلطات، وراح يعوض لوسي الفترة
التي انشغل فيها عنها بسبب الرواية الجديدة «أش» ثم الأحداث السياسية التي
طرأت أخيراً:
= ماكنتش اعرف إنك زعيم وطني كبير أوي كده؟
* لو تقصدي موضوع المظاهرات والمشاركة في الثورة. يبقى لازم تعرفي أن
مصر فيها عشرة مليون زعيم وطني… يعني الشعب المصري كله.
= للدرجة دي أنت بتحب مصر؟
* مصر يا لوسي مش بلد عايشين فيها. لكن بلد عايشة جوانا.
= يظهر إن الحالة اللي بتمر بيها البلد خلتك فيلسوف؟
* ولا فيلسوف ولا حاجة. أنت بس اللي يقعد قدامك لازم يقول كلام حلو…
لأنه مش ممكن يشوف الجمال دا كله ويقول كلام زي الدبش.
= يعني إيه دبش؟
* الحجارة الصغيرة اللي في الشارع. سيبك من الكلام دا أنا شايف أنك
وزينب صدقي بقيتوا أصحاب أوي لدرجة أنها خدتك مني.
= مفيش حد ممكن ياخدني منك… لكن أنت ممكن اللي ياخدوك مني كتير.
* إيه الكلام دا؟ أنا ليك وحدك. غايته بس إن الواحد لازم يجامل دي
ويضحك لدي. علشان نفتح نفسهم للشغل.
= بس أنا ملاحظة أن البنت دي مش بتنزل عينيها من عليك.
* تقصدي مين؟
= سرينا؟
* يا سلام عليك يا لوسي… أنا أبص لسرينا؟
لم يكمل نجيب ولوسي كلامهما حتى سمعا طرقاً قوياً على الباب، وما إن
فتح الباب حتى وجد أمامه المؤلف مصطفى أمين:
* مصطفى… أهلا تعالى أدخل.
= أدخل فين؟ مفيش وقت.
* مفيش وقت على إيه… أنت وراك إيه؟
= مش أنا اللي ورايا… أنت اللي وراك… أنت مش لازم تنام في بيتك
النهارده.
* بتقول إيه؟ وإيه الكلام دا؟
= بقولك لازم تشوف مكان حالا تتدارى فيه اليومين دول لأن فيه ناس
ناويين يقتولك!!
البقية في الحلقة المقبلة
زينب صدقي
رغم الإعجاب والتقدير الشعبيين اللذين أثلجا صدر الريحاني، إلا أن ما
أحزنه أن الدولة لم تبد إعجابها به بعد، ليس بفن التمثيل بل بفن الريحاني
تحديداً، لمس ذلك عندما تقدمت إحدى الجمعيات الخيرية إلى وزارة المعارف
(التربية والتعليم) ترجو السماح لها بإقامة حفلتها السنوية على خشبة مسرح
دار الأوبرا الملكية، على أن تكون فرقة الفنان نجيب الريحاني هي التي ستقوم
بالتمثيل، فجاء رد الوزارة: «لا مانع من التصريح باستخدام دار الأوبرا
الملكية… بشرط ألا يسمح لفرقة نجيب الريحاني بالوقوف عليها»!
جلس نجيب الريحاني حزيناً يفكر في هذا الموقف غير المفهوم من وزارة
المعارف من فنه شخصياً، على رغم الحضور اليومي الذي يشهده مسرحه لأبناء
الطبقات كافة، تحديداً أبناء الطبقة الراقية من الباشاوات والباكوات ورجال
الدولة والقضاة والمحامين، لدرجة أن عبد السلام ذهني، المستشار في المحكمة
المختلطة وصاحب المواقف الشهيرة في الدفاع عن اللغة العربية بين جدران هذه
المحكمة، له «بنوار» دائم في مسرحه، فلماذا تصر الدولة في موقفها الرسمي
على هذا الموقف غير المفهوم من فن الريحاني تحديدا؟!
وبينما الريحاني يتأمل نفسه في المرآة ويطرح هذه الأسئلة التي لم يجد
لها إجابات واضحة، إذا بمن يطرق باب حجرته لتدخل فتاة بارعة الجمال، صغيرة
السن تبدو عليها مظاهر الأرستقراطية ومعالم الأبهة، وراحت تنظر إليه من
أسفل إلى أعلى، وبادرته:
= أنت بقى اللي بيسموك كشكش؟
* أيوه يا ستي أنا كشكش… يلزم خدمة؟
= أمال فين دقنك يا بيه؟
* مش قبله أعرف مين اللي بيكلمني وأنت داخله عليّ كده من غير احم ولا
دستور؟
= طب دستور يا سي كشكش بيه. أنا اسمي زينب صدقي.
* أهلاً وسهلاً… تحت أمرك يا ست زينب أي خدمة؟
= في الحقيقة أنا مكسوفة أقولك… لأن دي أول مرة.
* لا ماتنكسفيش… خدي راحتك.
= من الآخر كده أنا عاوزه أشتغل ممثلة مع كشكش بيه.
* ياه. بس كده؟ من العين دي والعين دي. بس قوللي يا ست زينب… أنت
مثلتي قبل كده؟
= مش بقولك دي أول مرة.
* خلاص… ولا يهمك أنت اشتغلتي من النهارده… من دلوقتِ.
أصبحت زينب صدقي منذ تلك الليلة ممثلة في الفرقة، على رغم أنها
وباعترافها لا علاقة لها بالتمثيل قبل ذلك اليوم، ولم تخط هذه الخطوة
باعتبارها هاوية عاشقة للتمثيل بقدر ما كانت تريد التمرد على حياة الملل
الارستقراطية، فقصدت الريحاني للعمل كممثلة من باب قتل الوقت والتسلية. على
رغم ذلك، سرعان ما اندمجت مع جميع أعضاء الفرقة لخفة ظلها ودماثة خلقها،
فأحبها كل من أظلهم سقف المسرح من ممثلين وممثلات، مصريين وأجنبيات، وفي
المقدمة لوسيين فرناي التي سرعان ما وجدت فيها صديقة حقيقية، ولم تفترقا
منذ تلك اللحظة.
الجريدة الكويتية في
08/08/2012 |