حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الفيلسوف الضاحك.. نجيب الريحاني

بقلم: ماهر زهدي

الحلقة ( 12 )

الدلوعة

نظر نجيب الريحاني في جيوبه فلم يجد سوى خمسين قرش صاغ، هي كل مدخراته من مشاركته في الروايات التي قدمها على مسرح «الشانزلزيه»، وخطر في باله أن يعطيها للعسكري الذي يمسك به وبعلي يوسف في الخفاء، من دون أن يراه أحد، فربما ذلل هروبهما.

أخرج الريحاني الخمسين قرشاً من جيبه، وراح يحركها ويقلبها في يده من أسفل إلى أعلى، يميناً ويساراً، في عملية جس نبض العسكري، فوجد على شفتيه ابتسامة عريضة تنم عن رضا وقبول إذا ما ناولها له، ومن المؤكد أن ذلك سيعقبه عفو عنهما بطريقة أو بأخرى.
ناول الريحاني الخمسين قرشاً، وأخذها العسكري في رضا، وتراخت حماسته وبدأ يشاور عقله في تذليل هروبهما. لكن حدث ما لم يتوقعه نجيب، فما أن لمح علي يوسف ذلك حتى صرخ صرخة عالية في وجه نجيب الريحاني:
= يا دي المصيبة. إيه اللي أنت عملته ده؟ أنت عبيط يا نجيب! ليه تدي العسكري فلوس؟ دلوقت تشوف راح يجرى لنا إيه؟
* يا سيدي وطي صوتك. أنت عاوز تقول يا اللي ماشفتش شوف؟
= اللي عملته دا اسمه رشوة. هنتحاسب عليها!
ما إن سمع العسكري هذا التحدي له في أثناء تأدية وظيفته، حتى غلا الدم في عروقه، وأخذته النخوة والعزة:
- بقى عاوز ترشيني يا متهم؟ دا أنت وقعتك سوده!
* رشوة إيه بس ياشاويش. عاجبك كده ياسي علي. أهي ختمت. بدل تهمة واحدة بقوا اتنين.
- قدامي يا متشرد منك له على القراقون. أنتو لازم تباتو الليلة في «الحاصل»، السجن، بتديني رشوة؟!

ما قاساه نجيب الريحاني في هذه الليلة لا يمكن أن ينساه، ولن ينسى حسرته على «البذلة الكتان» البيضاء، التي أصبحت بلون الإسفلت الذي نام فوقه بلا فرش ولا غطاء، بين اللصوص والمتشردين.
بعد ساعات قليلة كان خبر القبض على نجيب الريحاني وعلي يوسف قد وصل إلى أعضاء الفرقة، وتحرك عزيز عيد على الفور وذهب إلى «شيخ الحارة» ليضمن عضوي الفرقة، غير أن «شيخ الحارة» أجل ذلك للصباح، ومع أول ضوء للنهار دخل العسكري لينادي على نجيب الريحاني وعلي يوسف وقد حمل لهما «زيارة»، أتت بها عضوتا الفرقة سرينا إبراهيم ونظلة مزراحي، حيث حملتا إليهما الفطور والسجائر.
ولم يكد ينتهي علي يوسف والريحاني من فطورهما، حتى أتى عزيز عيد بصحبة «شيخ الحارة» الذي أخرجهما بضمانته الشخصية على اعتبار إنهما فنانان وأثناء طريقهما إلى المسرح تم القبض عليهما.
عاد نجيب إلى الفرقة، لكن يبدو أن تجربة السجن، التي لم تزد على ليلة، قد تركت عظيم الأثر في نفس الريحاني، حيث أمضى الليلة في التعرف إلى المجرمين واللصوص والمتشردين، ومعرفة الأسباب التي أتت بهم إلى هنا، مع حرصه على أن يسمع كل فرد منهم على حدة، في حين جلس علي يوسف بعيداً وهو في دهشة من أمر نجيب وما يفعله، غير أنه لم يكن يعرف أن نجيب يستعين بمخزون جديد لتجربته الإنسانية والتعرف إلى نماذج بشرية جديدة، تكون له معيناً في رحلته الفنية.
مع عروض الروايات الجديدة، بدأ نجيب يشعر بأن قدميه قد ثبتتا تماماً، وأنه أصبح شيئاً مذكوراً في عالم التمثيل والوقوف على خشبة المسرح، بل إنه أصبح يجيد تنفيذ ما يجول في مخيلته من أفكار فنية، ينفذ بعضها بشكل فوري فوق خشبة المسرح أثناء العرض. فمن خلال دراسته الأدوار التي تسند إليه جيداً، ومن خلال كثرة العمل والشخصيات التي يؤديها، أصبح يعرف كيف يرضي الجمهور، وكيف يتعمق داخل الشخصية التي يجسدها، وما الجمل الحوارية التي قد يضحك لها الجمهور دون غيرها.

البحث عن منقذ

زادت خبرة نجيب وخبرة أكثر أعضاء الفرقة، غير أن ذلك لم يكن باعثاً على زيادة إيراد الفرقة، حتى أصبح حالها من الوجهة المادية لا يسر أحداً، وجلس الجميع مجدداً للتفكير في كيفية الخروج من هذه الحالة، والطريق إلى الإصلاح، وهو ما كان يفكر فيه نجيب ويهتم به:
* يا أخوانا لازم تعرفوا إن الجمهور بيمل بسرعة. وبعدين الحالة اللي عليها البلد لا تسر عدو ولا حبيب. الحرب من ناحية والأسعار اللي بقت نار من ناحية تانية. كل ده خلى الجمهور يبعد عننا.
- تتصور يا سي نجيب أفندي إن العشر بيضات بقو باتنين مليم.
* أنت بتاكل عشر بيضات في الطقة يا عبد اللطيف؟
- يوووه يا نجيب أفندي. هما العشر بيضات يعملوا إيه مع النفر مننا؟
* يا أخي أنت خرجتنا من الكلام المفيد للبيض والجبنة الرومي بتوعك. القصد… أنا بدي أقول يا أخوانا إننا لازم نفكر في طريقة جديدة نجذب بيها الجمهور لنا من تاني.
= عندك حق يا نجيب بس هنعمل إيه أكتر من كده؟ دا أحنا بنغير رواية كل أسبوع؟
* يا أستاذ عزيز بنغير رواية كل أسبوع. بس الجمهور مش حاسس إن فيه شيء بيتغير. لازم يكون فيه شكل جديد يحس معاه الجمهور بتغيير.
# أنا عندي فكرة.
* قول يا علي يا يوسف. أنا مفيش حاجة بتخوفني غير أفكارك دي!
# اسمعوا بس… الست منيرة المهدية دلوقتي أشهر من نار على علم. واحدة من الصييته الكبار في البلد… ومن غير حسد التياترو بتاعها كل يوم مافهوش كرسي فاضي.
= تقصد إيه يا علي… مش فاهم؟
# أقصد إننا لو قدرنا نجيب الست منيرة هنا معانا تبقى ضربة معلم.
* يعني تيجي تغني هنا في «الشانزلزيه» وأحنا نبقى الكورس بتاعها يا سي علي يا يوسف؟
# لا يا أخي. أنا عاوز أقول إن الست منيرة صييته كبيرة دلوقت وأغانيها على كل لسان… يجرى إيه لو خليناها تشخص معانا… وبدل ما تبقى مغنية بس تمثل وتغني في جوق «الكوميدي العربي»؟
* معقولة اللي أنا سامعه ده… الفكرة الجهنمية دي تطلع منك أنت يا أبو يوسف؟
# أنتو شوفتوا حاجة… دا لسه يا ما في الجراب يا حاوي.

باعتبار أن هذا هو اقتراح علي يوسف، كلفته الفرقة بالاتفاق مع السيدة منيرة المهدية، على أن يكون معه الريحاني للاتفاق على النواحي الفنية والمالية. وبعد تفكير ومشورة أهل الثقة ممن يعملون معها، راحت تضع شروطاً لا يمكن التنازل عنها، لتضمن بقاء ارتفاع أسهمها، وعدم نقصان دخلها عما تحققه في مسرحها:
- أولكشي (أول كل شيء)… اسمي يتكتب بالنور لوحدي على التياترو.
= بسيطة…
* ومن غير ما تقولي يا سلطانة هنعمل كده.
- أنت قلتلي اسمك إيه يا جدع أنت يالي لسانك بينقط شهد؟
* نجيب الريحاني يا سلطانة.
- آه والنبي نسيت… دا أنا سامعة باسمك بيقولوا إنك مشخصاتي عفريت.
* دا بس من لطفك يا سلطانة.
- آه نرجع للشروط… تاني هام أعرف الأول الرواية اللي هعملها وأوافق عليها.
= برضه بسيطة.
- نيجي بقى للفلوس… من غير شرط ولا كلام أنا والتخت بتاعي لنا نص الإيراد.

الكوميدي العربي

بدأت عروض الفرقة ونجحت منيرة المهدية، ونجحت «الكوميدي العربي» بقوة، وأقبل الجمهور على مسرح «الشانزلزيه» إقبالاً لم ينتظره أعضاء الفرقة، وارتفع الإيراد اليومي ارتفاعاً غير منتظر. كان نصفه بالتمام والكمال يذهب إلى منيرة المهدية والتخت الخاص بها، والنصف الثاني يذهب إلى فرقة «الكوميدي العربي» ومع ذلك فقد ارتفع نصيب كل منهم بشكل ملحوظ، لدرجة أن نصيب كل فرد بعد إيجار المسرح والكهرباء يترواح بين ثلاثين وأربعين قرشاً يومياً.
استطاع المحيطون بالسيدة منيرة المهدية إقناعها بأنها صاحبة هذا النجاح وحدها، ولولاها ما تكالب الجمهور كل ليلة بهذا الشكل على المسرح، لأنها هي المقصودة دون غيرها بالمجيء، وعليه قررت منيرة مراجعة اتفاقها مع الفرقة:
= الكلام ده ما ينفعش… لازم يبقى فيه اتفاق جديد.
* اتفاق إيه يا سلطانة. ما الأمور ماشية عال والحمد لله.
= ماهو علشان كده… لازم تعرفوا أن الناس بتيجي علشان السلطانة منيرة المهدية.. مش لحد تاني.
* وأحنا نبصم بالعشرة بكدا ومحدش يقدر يتكلم.
= يبقى من الظلم لما الجمهور كله يكون بتاع منيرة… وأنتو تأخدوا نص الإيراد.
* تقصدي إيه يا سلطانة… مش فاهم؟
= أقصد أن العدل يقول إن أنا التلات أرباع وأنتم الربع.
* بس ده يبقى ظلم يا سلطانة!
= خلاص… طالما أنا ظالمة يبقى كل واحد من طريق.
* مش كده يا سلطانة… أنا مقصدش.
= ولا تقصد. هي خلصت لحد كده… إما التلات أرباع… وإما كل حي يروح لحاله.

صممت منيرة المهدية على فض الارتباط، وما كادت «تنفض» يدها من الفرقة، حتى اختفى معها الخير الذي عم الفرقة ردحا من الزمن، وعاد المسرح خاوياً من الجمهور، وعلى رغم ذلك ظلت الفرقة تقدم عروضها وظل أفراد الفرقة يكابدون الجوع والفقر، إلى أن جاء حسن فايق باقتراح جديد للخروج بالفرقة من أزمتها.

دمج فني

اقترح حسن فايق أن يتم دمج فرقة «الكوميدي العربي» مع فرقة «إخوان عكاشة» الذين يعملون على مسرح «دار التمثيل العربي»، مشيراً إلى أنه قام بعملية جس النبض معهم، فوجد منهم ترحيباً كبيراً.
بعد مشاورات لم تستمر طويلاً وافق الجميع، وعلى رأسهم عزيز عيد، إنقاذا للفرقة من حالة الإفلاس، وتم الاتفاق ولكن على أن تظل كل فرقة قائمة بذاتها ومستقلة فنيا وماليا،حيث قضى الاتفاق على أن تقدم كل فرقة منهما ليلة عرض، تعقبها الأخرى بعرض مختلف، وفي نهاية الأسبوع يتم جمع الإيراد للفرقتين واقتسامه في ما بينهما.
انتقلت «الكوميدي العربي من «الشانزلزيه» إلى «دار التمثيل العربي» في شارع الباب البحري لحديقة الأزبكية، وجاءت الليلة الثانية لتقدم فرقة «الكوميدي العربي» عرضها، وكثيراً ما كانت الغيرة على مصلحة العمل تدعو روز اليوسف إلى الوقوف موقف العناد من عزيز عيد، وجاءت الصدفة في الليلة الأولى ليحدث ما أدى إلي إصرار الاثنين على عدم الظهور على خشبة المسرح مطلقاً، ووقف كل أعضاء الفرقة موقفاً لا يحسدون عليه، فلا بد من رفع الستار، وكل منهما في حجرته يقسم بأنه لن يصعد إلى خشبة المسرح.
تقمص نجيب الريحاني دور المخرج، دق دقات المسرح الثلاث، أعلن عن رفع الستار وبدأ العرض، وعندما حانت لحظة دخول عزيز عيد، وجد نجيب نفسه يقتحم غرفة عزيز عيد، ويحمله بين يديه بجسده النحيل، ويقذف به إلى خشبة المسرح، وأمام تصفيق الجمهور انتصبت قامة عزيز عيد وبدأ في تقديم دوره، وأمام هذا التصرف الذي أضحك روز اليوسف كثيراً، لم تجد بداً من أن تدخل طواعية إلى خشبة المسرح، خشية أن يفعل معها نجيب ما فعله مع عزيز عيد.
وبدأت عروض الفرقتين تتوالى، لكن يالها من خيبة أمل، فقد كانت نتيجة الاتفاق الجديد، «كالمستجير من الرمضاء بالنار»!
استمر الاتفاق عدة أشهر، إلى أن كان شهر مارس عام 1916، حيث بدأت المشاحنات بين أعضاء الفرقتين، وإحساس كل منهما بأنها هي المصدر الرئيسي للإيراد الأسبوعي فآثرت فرقة «الكوميدي العربي» السلامة، وعادت من حيث أتت، حيث انتقلت الفرقة إلى مسرح «برنتانيا» مرة أخرى، ومادام هناك قليل وهنا قليل، فليكن العيش بكرامة أفضل.

خلاف وانفصال

لم يصدق أحد ما حدث، فما أن انتقلت فرقة «الكوميدي العربي» إلى مسرح «برنتانيا» حتى عرف الجمهور طريقه مجدداً، بل وعرفت الفلوس طريقها إلى جيوبهم، وبدأ إيراد الفرقة يرتفع يوما بعد يوم، ولكن هذه المرة لم يكن بسبب السلطانة منيرة المهدية، ولا بطلة الفرقة الأولى روز اليوسف، ولا حتى نجمها الأول ومخرجها عزيز عيد، بل كان بسبب بزوغ نجم جديد انتبه له الجمهور للمرة الأولى، هو نجيب الريحاني. فقد أصبح له جمهور يبحث عن اسمه وينتظر طلته على خشبة المسرح، حتى إن جمهوره أصبح في تزايد كل يوم عن سابقه، وبالتالي فإن إيرادات الفرقة دخلت معه في علاقة طردية، كلما علا نجم نجيب الريحاني واستقبال الجمهور له، علا وزاد الإيراد، بينما ظل ما يتقاضاه كما هو، لم يزد مليماً. أكثر من ذلك، فعلى رغم رضاه بقليله من المليمات، لم يكن مسموحاً له بكتابة اسمه على إعلان الرواية على واجهة المسرح، ولا حتى في الذيل بأصغر خط، حتى شعر نجيب بغبن حقيقي أمام ما يحققه يومياً من نجاح ويشهد بذلك استقبال الجمهور له في الدخول في بداية الرواية، أو في التحية النهائية في الختام، فاستجمع شجاعته وفاتح عزيز عيد في الأمر:
= تعالى يا نجيب… أدخل.
* هو بس كان فيه حاجة كده كنت عاوز أكلمك فيها يا أستاذ عزيز.
= طب ما تقعد مالك كده عامل زي الدّيانة والعياذ بالله.
* لا أبداً… بس كنت متردد يعني.
= يا سيدي قول ما تترددش. أحنا فيه بينا الكلام ده.
* ماهو علشان كده أنا جيتلك… طبعاً أنت عارف أن أجري في الليلة ما بيزدش عن عشرة صاغ.
= آه… طالب زيادة. هيحصل إن شاء الله… بس الأمور تستقر شوية ونسدد ديوناً.
* ديون إيه يا أستاذ ماهو كله على يدي. وعلى كل حال مش هو ده الموضوع اللي كنت عاوز أكلمك فيه… أنا بس كنت بستسمحك يعني… تأمر بكتابة اسمي على إعلان الرواية على باب التياترو.
= كدهه.. مرة واحدة كده.
* دا بعد إذنك طبعاً.
= إذن إيه… فيه إيه يانجيب. أنت اتجننت؟!
* اتجننت علشان بطلب حقي يا أستاذ؟
= لا… ده مش حقك!!
* إزاي؟
= لأن الوحيد اللي له الحق هنا هو أنا!
* وأنا يا أستاذ؟
= أنت صدقت نفسك يا نجيب يا ريحاني… أنا صاحب الفرقة… وأنا المخرج، والبطل الأوحد، وإذا كان فيه جمهور بييجي، فهو بييجي علشان عزيز عيد مش علشان نجيب الريحاني ولا أي حد تاني. فووق يا نجيب!
* حد قلك إني شارب حاجة ولا واكل «تاتورة»… بس ده يبقى ظلم.
= ظلم إني جبتك من الصعيد وأنت قاعد هناك وكنت هتقضي بقية عمرك موظف وهتموت موظف؟
* يا سيدي كتر خيرك… بس أنا كنت ممثل من قبل ماتجبني. وأنا اللي بعدت بسبب الحالة اللي كان عليها التمثيل… ولما لقيت الدنيا اتغيرت رجعت بخطري من غير ماحد يأثر عليّ.
= أنا كنت عارف إن هييجي يوم وده يحصل. وقصر الكلام. أنا معنديش أرتست ينكتب اسمه على الإعلان… واللي مش عاجبه الباب يفوت جمل!
* وأنا عند قولك… بس خليك فاكر يا أستاذ إن أنت اللي اخترت!

البقية في الحلقة المقبلة

 

شروط منيرة المهدية

لم يكن أمام نجيب وعلي يوسف إلا الموافقة بل والرضوخ لشروط منيرة المهدية كافة، حتى لو غالت فيها أكثر من ذلك. وفي أول لقاء لها مع مخرج الفرقة عزيز عيد، اتفق معها على أن تقدم كل ليلة فصلاً من رواية غنائية، ثم تبدأ بعدها الفرقة تقديم إحدى رواياتها المعتادة، وتم الاستقرار على أن تقدم فصلاً من إحدى روايات الشيخ سلامة حجازي الغنائية.
وقع الاختيار على الفصل الثالث من رواية «صلاح الدين الأيوبي» لأول ظهور للمطربة الكبيرة منيرة المهدية على خشبة مسرح «الشانزليزيه» مع فرقة «الكوميدي العربي»، لتغني القصيدة المشهورة من الرواية «إن كنت في الجيش أدعي صاحب العلم».
كانت منيرة في ذلك العهد تسكن في ضاحية مصر الجديدة وبما أن نجيب الريحاني من سكان هذه الضاحية، فقد اختارته إدارة الفرقة، وبموافقة منيرة المهدية، كي يراجع لها دورها في الرواية نهاراً، ويرافقها على خشبة المسرح ليلا، باعتبارها حديثة العهد بالتمثيل، ونجيب بما له من خبرة يساعدها في إلقاء الجمل وبداية الكلام ولحظات التوقف.
في اليوم الأول، دخل نجيب الريحاني منزل الست منيرة على استحياء، وتقدمت لا لتراجع معه الدور، لكن لتداعب حيواناً أليفاً كانت تقتنيه. وما إن شاهد نجيب الحيوان حتى ترك ساقيه للريح، وسط قهقهات منيرة المهدية، ذلك لأن الحيوان الذي كانت تقتنيه وتداعبه، ليس كلباً ولا قطة، ولا حتى أسداً، بل كانت تقتني «عرسة»!
لم يعد الريحاني إلى منزل منيرة المهدية، لأنه لم يكن يكره في حياته بقدر ما يكره «العرس والفئران» وهما من الفصيلة نفسها تقريباً، واكتفى بالجلوس معها ساعة يومياً في المسرح قبل رفع الستار، وهو ما جعله يتعلم فن الإخراج بشكل مباشر من المخرج عزيز عيد، وما يلقنه له ليطبقه مع منيرة المهدية، حتى أصبح له باع كمخرج، لدرجة أن عزيز عيد أعجب بكثير من الملاحظات التي كان يبديها نجيب الريحاني للسيدة منيرة المهدية، بل وصل الأمر أن يبدي الريحاني ملاحظاته لباقي زملائه بالفرقة، ما كان يثير حفيظة عزيز عيد أحياناً.

الجريدة الكويتية في

31/07/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)