حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الأساتذة.. أهم صناع السينما في العالم

بدرو المودفار.. الماتادور الإسباني

بقلم: عبدالستار ناجي

الحلقة ( 8 )

ذات يوم في عام 1999 وفي تيراس فندق الكارلتون في مدينة كان الفرنسية، واثر عرض فيلمه «كل شيء عن عمي» التقيت المخرج الاسباني بدرو المودفار الذي بادرني بان اسمه واصوله عربية حين نطقها بالشكل التالي «بدر المظفر».

هكذا يفتخر هذا المبدع السينمائي باصوله العربية وباسمه وايضا لقبه، الذي يعود لاحدى الاسر التي هاجرت من شمال افريقيا للاستقرار في الاندلس، وحينما يذكر اسم المودفار، فاننا حتما نتوقف مع احد اهم صناع السينما في اسبانيا، واكثرهم نجاحا وشهرة وانتشارا، وايضا غزارة في الانتاج.

كما تمتاز نتاجات هذا الماتادور الاسباني باللغة السينمائية التي تذهب الى التجديد وتجاوز كل الاطر التقليدية ولكن عبر صياغات درامية تحمل البساطة المتناهية في صياغة الاحداث والتنامي الدرامي وكأنه يريد عبر ذلك ان يمرر الشكل السينمائي الذي يريده.. والعارف والمتابع لنتاجات بدرو المودفار، يعلم جيدا بانه يسخر كل شيء من اجل تمرير وترسيخ وتأكيد الشكل الذي يريده والذي يمثله ويمثل نهجه السينمائي.

بدرو المودفار من مواليد 25 سبتمبر 1949 وهو بلا ادنى شك اهم مخرج من ابناء جيله، يمتلك المقدرة على التجديد والابتكار ونتاجاته باتت تمثل التيار السينمائي الجديد في السينما الاسبانية والاوروبية على حد سواء، وهو لا يتردد في ترسيخ ذلك النهج من خلال استخدامه الحرفي لجميع مفردات الفنون المتطورة والمتجددة ومنها الاغاني الشعبية الاسبانية والفن التشكيلي والموسيقى والازياء، كل ذلك يظل مقرونا بلغة لونية شديدة النصعان والوضوح والتوهج معتمدا على الوان اسبانيا خاصة الاصفر والاحمر.

في اعماله كثير من البحوح والتفاصيل الدقيقة عن حياة الاسرة والمجتمع الاسباني، كما انه يميل الى تقديم قضايا المرأة بمزاج عال المستوى مستدعيا حكايات والدته وخالاته وعماته وصديقات اسرته، وفي كل مرة يعود بها المودفار تكون المرأة هي المحور الاساسي في بلورة معطيات فيلمه ومضامينه والقيم التي يذهب اليها.

ولد بدرو في مدينة صغيرة هي سيدادريال في ريف لاماتشا حيث اجواء حكايات دون كيخوتيه الذي راح يحارب الطواحين من اسرة متوسطة له اخ وشقيقتان مع شقيقة اغوستين اسس شركة الانتاج التي راحت تحقق له اغلب اعماله وهي «الديسو سي. اي».

والده كان يعمل في تجارة النبيذ ووالدته تعمل كمدرسة في الاوقات الاضافية.

في الثامنة من عمره ارسل الى مدرسة دينية خاصة هي كاسيراس على امل ان يصبح قديسا ذات يوم وبعد فترة انتقلت اسرته حيث افتتح والده محطة للبنزين وراحت والدته تعمل في بيع النبيذ الخاص الذي كانت تصنعه ويبيعه والده.

ويعلق المودفار حول هذا الجانب بقوله: السينما هي التي علمتني كنت اذهب مسافات طويلة كي ارى السينما لان المدينة التي كنا نعيش بها ليس بها سينما او مسرح.

ومن خلال علاقته بالسينما الاسبانية والعالمية ظهرت ملامح تأثره الصريحة بعدد من المبدعين، امثال الاسباني لويس بوتويل والالماني رينر وارنر هيرتزوح والبريطاني الفريد هيتشكوك والسويدي انغمار بيرغمان والايطالي فيدريكو فيللين وغيرهم.

وحينما وجد انه لا ينتمي الى الدراسة الدينية المخصصة، قرر العزم ان ينتقل الى مدريد رغما عن اسرته ورغبات والديه.

في عام 1967 قرر ان يدرس الاخراج ولكن تلك الطموحات تعطلت لانه في ذلك العام قرر دكتاتور اسبانيا فرانكو اغلاق المدرسة الوطنية للسينما وعندها راح المودفار يبحث عن عمل فكان ان عمل في الاسواق بائعا، بالاضافة الى عمل في شركة الهاتف وقد ظل هناك لاكثر من 12 عاما كموظف اضافي، ولكن عينه وفكره كان مشغولا بالسينما وعوالمها.

حينما بلغ السابعة عشرة من عمره، التحق باحدى الفرق المسرحية «لوكولورادوز» حيث قدم اول اعماله وهناك التقى نجمته المفضلة لاحقا كارمن مورا، التي تعتبر اليوم احدى اهم ممثلات اسبانيا واوروبا، وفي ذات الفترة راح يكتب في صحف اسبانية عدة بعض الحكايات الكوميدية الساخرة وهذا ما طور قدراته على الكتابة لاحقا للسيناريوهات التي راح يكتبها وايضا تواجده في حركة ثورية ضد فرانكو ونظامه.

وتفجرت طاقاته، كتابة عمل روائي تحقيق اغاني شعبية تكوين فرقة غنائية، الكتابة للصحف والمجلات ومنها «البايس» و«لالونا».

وتوسعت شهرته ولكنه ظل ينتظر نداء السينما التي لطالما عشقها. حيث قام بشراء ماكينة تصوير (سوبر 8) وحقق عمله الاولي حينما كان عمره 22 عاما ومنذ ذلك اليوم لم تفارقه الكاميرا وراح يصنع الافلام القصيرة التي شكلت محاور اساسية حول مدينة مدريد وطبيعة العلاقات الاجتماعية والشبابية التي تحكمها، وحينما عرضت تلك الافلام لفتت الانتباه اليه بوصفه مخرجا جريئا، يذهب الى قضايا المجتمع وخاصة موضوع «الجنس».

في عام 1978 قدم اول عمل سينمائي روائي له بعنوان «افعلها معي - تيم» وهو اول عمل احترافي وقامت ببطولته نجمته كارمن مورا.

وجاءت الشهرة مقرونة بتصريحاته الشهيرة والصريحة حول شذوذه وعلاقاته المثلية.

في عام 1980 قدم فيلم «بيبي، لوتشي، وبقية الفتيات» وبميزانية صغيرة جدا، وبفريق عمل كان يعمل في نهاية الاسبوع فقط، ويتكرر النجاح ولكن بعد ان مر التصوير والعمل بكثير من الصعوبات.

وتمضي المسيرة وفي كل مرة هناك محور اساسي هو العلاقات الانسانية وفي احيان كثيرة العلاقات الجنسية وتأثيرها على سلوكيات الافراد في عام 1986 قدم فيلم «الماتادور» عبر حكاية متداخلة تشرح جوانب من حياته وعلاقاته.

في تلك المرحلة، وفي ذات العام اسس شركة الانتاج التي قدمت بقية اعماله بالاشتراك مع شقيقه اغوستين.

وتأتي القفزة الحقيقية مع عام 1988 من خلال فيلمه «نساء على الحافة» حيث حكايات مجموعة من النساء الاسبانيات وتشابك العلاقات حولهن والبحث عن الخلاص والمستقبل.

وتأتي لحظة تحول جديدة، فبعد مجموعة اعمال كانت خلالها كارمن مورا هي النجمة المفضلة ولكن مع عام 1990 تحل مكانها النجمة الاسبانية فيكتوريا ايريل من خلال فيلم «ارفعني الى اعلى وانزلي الى اسفل» ومعها قدم اعمال عدة.

ومع فيلم «كل شيء عن امي» يقدم جميع التفاصيل الخاصة بوالدته ووصف الفيلم بانه مفاجأة في التحليل الاجتماعي المقرون بالشفافية العالية.

الموضوع الاجتماعي يظل يشغل المودفار فهو يقرنه في كل مرة بكم من القضايا، وفي عام 2004 يحلل ويعري التعليم من خلال فيلم «التعليم السيئ» ودائما الجنس يظل حاضرا في طبيعة العلاقات التي تحكم الشخصيات التي يقدمها.

وتمضي رحلة النتاجات والاعمال والنجاحات ليقدم «السارق» 2006 و«القلوب المحطمة» 2009 و«الجلد الذي نعيش به» 2011.

في رصيد بدرو المودفار كم غير قليل من الجوائز من بينها الترشيح لاوسكار افضل فيلم اجنبي عن فيلم «نساء على الحافة» وجائزة سيزار افضل فيلم اجنبي عن «الكعوب العالية» ثم اوسكار افضل فيلم اجنبي عن «لايف فلاشي» عن ذات الفيلم فاز بجائزة افضل اخراج في مهرجان كان عام 1997 كما فاز بجائزة افضل سيناريو في مهرجان كان عام 2004 عن فيلم «التعليم السيئ» ويعتبر المودفار احد النجوم البارزين في مهرجان كان السينمائي وان ظل يطمح بالفوز بالسعفة الذهبية.

تعامل المودفار مع عدد من النجمات الاسبانيات، فبعد ان كانت كارمن مورا نجمته في المرحلة الاولى كانت فيكتوريا ايريل نجمة المرحلة المتوسطة اما المرحلة الجديدة فقد اقترنت بالنجمة بينلوبي كروز ومعه قدمت افلامه الاخيرة بل هي من سلمته الاوسكار في آخر تجاربه بالفوز، ومن ابرز ما قدمته معه «القلوب المحطة» او «العواطف المحطمة».

ونعود الى بيت القصيد، بدرو المودفار، من تلك النوعية من المخرجين الذين حينما يقدمون نتاجاتهم السينمائية فانه يذهب الى الذات الانسانية ويقدمها بكثير من الشفافية والعمق ضمن صيغ سينمائية تمتلك الحداثة والتجديد واللغة السينمائية المشرقة بالالوان والشخصيات والالم.

النهار الكويتية في

29/07/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)