حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

                          دراما رمضان التلفزيونية لعام 2012

الأساتذة.. أهم صناع السينما في العالم

رشيد بوشارب.. الجزائري المشاكس

بقلم: عبدالستار ناجي

الحلقة ( 16 )

تمثل تجارب المخرج الجزائري الفرنسي رشيد بوشارب، محطات تحمل الكثير من الأسئلة، نظراً لروح المشاكسة التي يتمتع بها هذا المخرج النحيل، الذي لا يتجاوز وزنه الستين كيلوغراماً، أكثر من نصفها هي عشق السينما والانتماء الى الفكر السينمائي (النزق) الذي يذهب الى السينما ليفجر القضايا ويثير الجدل، عبر نفس إبداعي مشاكس، يدهشنا بإصراره على تحويل السينما الى خطاب وبيان سياسي شديد اللهجة.

وفي هذه المحطة من سلسلة «الأساتذة» نتوقف أمام المخرج رشيد بوشارب الذي يمثل نهجاً جديرا بالدراسة والتحليل، بالذات فيما يخص التعرض لموضوعات الهجرة، والعلاقات الفرنسية - الجزائرية، بالذات في فيلمي «البلديون» و«الخارجون عن القانون».

مخرج يجيد حرفته، يتعامل مع الموضوع (الجزائري والأفريقي) بكثير من الاحتراف والعمق.

مشيرين الى أن فيلم «البلديون» هو فيلم حربي من الطراز الأول، على خلفية العلاقات العربية - الافريقية - الفرنسية، وتوثيق الدور الذي قام به العرب والأفارقة في حرب تحرير فرنسا، ابان الحرب العالمية الثانية، ضد الاحتلال والغزو الالماني النازي. وهو في فيلم «خارج القانون» أو «الخارجون عن القانون» يذهب الى عوالم العصابات، ليمرر من خلاله دور النضال الجزائري المسلح ضد الاحتلال الفرنسي رغم اقامتهم في فرنسا.

معادلات سينمائية تحكمها توضيح وجهات النظر، ففي الوقت الذي تجاهل به الاعلام العالمي والفرنسي دور العرب والبربر والأفارقة في الوقوف الى جانب الجنود الفرنسيين ابان الحرب العالمية الثانية، يأتي هذا الفيلم ليقدم وثيقة مهمة على ريادة العرب والأفارقة في تحرير الالزاس والعديد من مناطق الشمال الفرنسي.

وفي فيلمه «خارج القانون» يذهب الى معادلة اخرى تخلق كثيرا من المواجهة بين ما هو مقاومة وما هو ارهاب وتطرف، بل ان الفيلم يدين قيام البوليس الفرنسي بتشكيل وحدات ارهابية لمواجهة تحرك عناصر جبهة التحرير الوطنية الجزائرية والذين عملوا من داخل العمق الفرنسي لدعم الثوار في الأرض الجزائرية بالمال والسلاح.

على الصعيد الشخصي، رصد المخرج رشيد بوشارب منذ فترة طويلة كان خلالها ولايزال ذلك المخرج المشاكس، حتى وهو يعبر المنش الى العاصمة البريطانية ليقدم فيلم «نهر لندن» فإنه يظل يشتغل على النهج ذاته.

في فيلمه «البلديون» الذي جمع عددا بارزا من نجوم السينما الجزائرية والمغربية والفرنسية ومنهم جمال دبوز وسامي ناصري ورشدي زم وسامي عجيبة وبرنارد بلانسان وماثيو سيمونيه وعدد آخر من الأسماء يذهب بنا الى عوالم الحرب الثانية. وعبر نقطة محورية وأساسية هي التضحيات التي قام بها الجنود القادمون من شمال افريقيا لتحرير فرنسا من الاحتلال. زاوية ظلت مغيبة، لأن الكثير من صناع الاعلام في فرنسا كانوا يروجون على أن تلك التضحيات، هي جزء من الانتماء الى الفرانكوفونية وفرنسا العظمى.

وحينما يأتي الفيلم ليوثق، وليقول تلك الشهادات والتضحيات المسجلة والمحفورة في ذاكرة ووجدان الجيل الأول من المهرجان. تأتي ردات الفعل حتى من كثير من النقاد الفرنسيين المحسوبين على اليسار.

ونشير الى أنه واثر ذلك الفيلم صدرت الكثير من التشريعات والقوانين، لعل أبرزها اصدار الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك قراره برفع قيمة التعويضات الشهرية التي يتقاضاها المحاربون العرب والأفارقة القدماء كي تتساوى مع غيرهم من الفرنسيين.

رحلة عسكرية، تبدأ من الأراضي الجزائرية والمغربية والسنغالية، وتنتهي الى عدد من المعارك، على الحدود الايطالية - الفرنسية، كمرحلة اولى ثم شمال فرنسا حيث الالزاس وباكورة الفتح والتحرير، على يد صفوة من الرجالات ضحت بحياتها، من الكوادر ذات الاصول العربية والافريقية، في رحلة خصبة بالعلاقات الانسانية والتضحيات الكبيرة من أجل استقلال الاراضي الفرنسية، في أداء رفيع المستوى لعدد من النجوم، مما دعى لجنة التحكيم الدولية كمهرجان كان السينمائي الدولي، الى منح عناصر التمثيل في الفيلم جائزة أفضل تمثيل رجالي مشتركة لنجوم العمل، وهذا بحد ذاته يمثل انجازا رفيع المستوى، كما منح الفيلم دفعة قوية للترشيح لاوسكار افضل فيلم أجنبي.

وهذا ما يتكرر لاحقا مع المخرج رشيد بوشارب في فيلم «خارج القانون» الذي يعود به بوشارب للتعاون مع جمال دبوز وشدى زم وسامي بوعجيلة وايضا برنارد بلانسان، نذهب الى موضوع في غاية الأهمية، فما يوصف من جهة نضال وكفاح، يوصف من الجهة المقابلة ارهابا وتطرفا، كل ذلك في سباق افلام العصابات (الغاغنستر) شيء ما يستدعي تلك الاعمال السينمائية الكبيرة، التي قدمت عوالم العصابات، كأفلام كابولا وبريان دي بالماو وايضا ليوني، ولكن في اطار سياسي. والمواجهات بين العناصر التي تساعد وتدعم جبهة التحرير الوطني الجزائري، وبين خلايا شكلتها وزارة الداخلية الفرنسية سميت باسم - اليد الحمراء - لاصطياد وتصفية تلك العناصر التي تقدم الاسناد المادي والمعنوي لعناصر الجبهة.

بل وانتقال المواجهات من الجزائر، الى الاراضي الفرنسية، بعد قيام عناصر الثوار بنقل المعركة الى الاراضي الفرنسية، عبر حكاية درامية مصنوعة باتقان، تتناول علاقات المهاجرين من الجيل الأول، وانتماءات كل منهم، والرغبة في خلق تفاسير لتلك العلاقة مع الارض والوطن.

وهنا تتداخل وجهات النظر، بالذات، في تلك المشهديات التي ترينا الوجه الآخر، لممارسات الجيش والداخلية الفرنسية، الى تدخل في اطار التفجيرات والاغتيالات ومن قبلها التهجير من الاراضي.

اما فيلمه الثالث، والذي يبدو بعيدا، بعض الشيء عن ركب وسياق عمليه الأول والثاني، تأتي تجربته مع فيلم «نهر لندن» والذي يحاول ان يتمسك بتلك العلاقة العربية - الأفريقية - الاوروبية، معه في فيلم «يراندا بليثين» وسوتجوى كويات.

حيث عمل المخرج على توضيح الصورة، ومحاولة تقديم نسق سينمائي، يوضح... ويفسر... ويؤكد باننا عرب... وأفارقة... ومسلمون... طيبون... وان هنالك عقبات كثيرة تحيط بنا.

فمن حكاية أعمال الارهاب والتطرف التي اجتاحت العاصمة البريطانية منذ أربعة اعوام، نرصد معاناة وألم كثير من الشخصيات البريئة.

ونرصد حكاية قلق لامرأة بريطانية على ابنتها، تلتقي مع رجل أفريقي قلق على ابنه... حوار ثقافي عميق... وحوار انساني أكثر عمقا.

حوار بين امرأة بريطانية بيضاء، ورجل أفريقي اسود مسلم...

سينما من نوع آخر، ورغم بساطة الفيلم، الا ان قيمته الفكرية والابداعية، تتجاوز الكثير من أعمال رشيد بوشارب، الذي يظل يشتغل على ذات القيمة الفكرية التي يذهب اليها، والتي تعتمد المشاركة وتقديم مضامين توضح... وتفسر... وتشتغل على معادلة المساواة... بين الأقطاب.

بينما رشيد بوشارب مشاكسه... ثرية... عميقة... مثيرة للجدل... والحوار... والقريحة للكتابة والتحليل.

النهار الكويتية في

07/08/2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2012)