رغم أنها من أكثر فنانات جيلها غزارة في أفلامها السينمائية، حيث قدمت
طوال هذا المشوار السينمائي ما يقرب من «120» فيلما إلا أن نسبة كبيرة من
هذه الأفلام تميزت بالجودة الشديدة والمستوى الفني الراقي، وهو ما جعل
الكثير من أفلامها يعد من علامات السينما المصرية، وبعضها من كلاسيكياتها
الشهيرة وضمن قائمتها الذهبية. اسمها كاملاً «ميرفت محمد مصطفى أمين» من
مواليد 24 نوفمبر 1946 بمحافظة المنيا بصعيد مصر لأسرة ثرية الأب مصري
والأم إنكليزية، ولم تمكث في الصعيد كثيراً فسرعان ما انتقلت مع أسرتها وهي
في طفولتها المبكرة إلى القاهرة وبدأت مشوارها الدراسي حتى حصلت على ليسانس
الآداب الإنكليزي من جامعة «عين شمس» بالقاهرة، أما موهبتها الفنية فقد
ظهرت على مراحل متعددة مع توالي مراحلها الدراسية، لكنها أدركت في سن مبكرة
رغبتها الشديدة في أن تخوض مجال الفن والتمثيل بالتحديد وهذا يرجع لتأثرها
الكبير بالعدد الهائل من الأفلام السينمائية المصرية والأجنبية التي
شاهدتها وجعلتها مشدودة أكثر إلى عالم السينما الساحر، لكن كان احتراف
التمثيل أو دراسته يلقى معارضة من الأسرة التي طلبت منها أن تواصل دراستها
العادية وتتعامل مع الفن كنوع من الهواية، لكن الهواية أخذت شكلاً مختلفاً
عندما وصلت إلى المرحلة الجامعية فكانت من أبرز أعضاء فريق التمثيل
بالجامعة، وشاركت في العديد من المسرحيات على مسرح الجامعة وكان معظمها
روايات مترجمة من الأدب الإنكليزي لكن تظل أشهر هذه المسرحيات "يا طالع
الشجرة" لتوفيق الحكيم، لأنها لفتت أنظار بعض نجوم المسرح المصري الذين
كانوا يتابعون حركة وعروض مسرحة الجامعة في ذلك الوقت وهو ما جعلها مرشحة
للاحتراف من خلال إعجاب هؤلاء الفنانين بموهبتها وحضورها وبالطبع كل هذا
الجمال الأرستقراطي والرقة الحالمة، فأسند إليها «عبدالمنعم مدبولي» دوراً
كبيرا - يعد بطولة - في مسرحية «مطار الحب» الذي قام ببطولتها إلى جوار
يوسف شعبان، وكانت هذه المسرحية هي بداية احترافها الفن وبداية مشوارها
الفني وذلك بعد تخرجها من الجامعة.
أما البداية في السينما فكانت من خلال الفنان أحمد مظهر الذي أعجب
بموهبتها وجمالها وهذا الحضور وهذه التلقائية فرشحها لتشاركه بطولة فيلم
«حب المراهقات» وكان ذلك عام 1967، لكن الفيلم لم يعرض إلا في عام 1970 وفي
عام 1968 كان فيلمها الثاني مع المخرج صلاح أبوسيف في فيلم «القضية 68» مع
محمود ياسين وكان الفيلم ذا طابع سياسي اجتماعي ولفتت ميرفت أنظار صناع
السينما إليها من خلال هذا الفيلم، الذي كان أول أفلامها الذي يعرض في دور
العرض ويشاهده الجمهور.
وفي العام التالي 1969 تأتي الانطلاقة الهائلة لها في السينما فبعد أن
أثبتت موهبتها وحضورها على الشاشة في فيلم صلاح أبوسيف صارت كأنها وجه جميل
رقيق لجسد ممتلئ بالأنوثة والفتنة وهو ما يؤهلها لأن تكون ليست فقط ممثلة
بل نجمة فاختارها المخرج حسين كمال لتشارك عبدالحليم حافظ بطولة فيلمه
الشهير «أبي فوق الشجرة» ومعهما نادية لطفي وعماد حمدي، وكانت فرصة العمر
لميرفت أمين في هذا الفيلم الذي حقق نجاحاً جماهيرياً ساحقاً وظل في دور
العرض بنجاح هائل لما يقرب من عام كامل وبدأ جمهور السينما يتساءل عن هذه
الحسناء الجميلة التي كان يغني لها عبد الحليم بكل جماهيريته ونجوميته على
شاشة السينما بعد أن وقع في غرامها، واستفادت ميرفت من جماهيرية العندليب
الكاسحة ومع النجاح الساحق لهذا الفيلم أصبح الوجه الجديد نجمة انهمرت
عليها سيناريوهات الأفلام وخلال عامين وحتى عام 1974 قدمت ميرفت أمين عددا
كبيرا من الأفلام تجاوز الـ 20 فيلما.
ومن أهم الأفلام التي قدمتها خلال هذه الفترة: «للمتزوجين فقط» 1969
من إخراج إسماعيل القاضي، «ثلاث نساء» 1969، «حب المراهقات» 1970 والفيلمان
من إخراج محمود ذوالفقار والفيلم الأخير كان أول فيلم تقف خلاله أمام
كاميرات السينما لكنه عرض في هذا التوقيت كما أشرنا من قبل ومن أهم أفلامها
أيضاً خلال هذه المرحلة «أنف وثلاث عيون» مع المخرج حسين كمال 1972،
«الغفران» 1971 من إخراج عبدالرحمن شريف، «هاربات من الحب» 1970، «ثرثرة
فوق النيل» 1971 لحسين كمال، «البحث عن فضيحة» و«شلة المراهقين» والفيلمان
عام 1973 ومن إخراج نيازي مصطفى، «السكرية» 1973 مع المخرج حسن الإمام.
وقد تنوعت الأدوار والشخصيات التي جسدتها ميرفت في هذا العدد الكبير
من الأفلام لكنها دارت معظمها في إطار الفتاة الجميلة، لكن بتنويعات مختلفة
فهي تارة تلميذة أو فتاة رومانسية وأحياناً متحررة جريئة وأخرى مظلومة
مضطهدة، وفي مرات قليلة ثورية حماسية، لكن النقلة الفنية المهمة جاءت في
عام 1974 فمنذ هذا العام وطوال حقبة السبعينيات قدمت ميرفت عدداً من
الأدوار والشخصيات مختلفة تماماً وقد بدا النضج واضحاً في أدائها
واختياراتها الفنية، بعد أن شعرت أنها وصلت إلى المرحلة التي يجب عليها أن
تختار أدوارها بعناية وأيضاً أفلامها حتى تصنع لنفسها تاريخاً سينمائياً
وفنياً.
وبدأت ميرفت هذه المرحلة الفنية الجديدة من مشوارها بواحد من أهم
أفلامها وأفلام السينما المصرية وهو «الإخوة الأعداء» 1974 مع المخرج حسام
الدين مصطفى والنجوم نور الشريف، حسين فهمي، نادية لطفي، سمير صبري، يحيى
شاهين، محيي إسماعيل، والفيلم مأخوذ عن رواية الكاتب الروسي الشهير
«ديستوفيسكي»، «الإخوة كارمازوف»، وحقق الفيلم نجاحاً جماهيرياً وفنياً
هائلاً وأثبتت ميرفت قدرتها على تقديم الأدوار الجادة القوية ذات المضمون
والأبعاد المختلفة، فتوالت بعد هذا الفيلم عدد كبير من أفلامها الجيدة خلال
تلك المرحلة من مشوارها السينمائي، ومنها: «الحفيد» 1974 مع المخرج عاطف
سالم، «عجايب يا زمن» 1974 مع المخرج حسن الإمام، «أبناء الصمت» 1974 مع
المخرج محمد راضي وهذا الفيلم يعد من أهم الأفلام المصرية التي تناولت حرب
أكتوبر 73 وهو من كلاسيكيات السينما المصرية، «لا تتركني وحدي» 1975 مع حسن
الإمام، «النداهة» 1975 مع حسين كمال، وهنا نتوقف قليلاً لنشير أولاً إلى
هذا الكم الكبير من الأفلام الجيدة التي قدمتها هذه النجمة الجميلة خلال
هذه المرحلة، ونشير أيضاً إلى أن ميرفت أمين ونجلاء فتحي خلال حقبة
السبعينيات كانتا فرس الرهان في السينما المصرية، حيث كانتا عنوان
الرومانسية على الشاشة وكانت معظم هذه النوعية من الأفلام إما تذهب لميرفت
أو لنجلاء ودائماً البطل أمامهما إما نور الشريف أو حسين فهمي أو محمود
ياسين وكان الثلاثة هم فرسان السينما الأوائل خلال هذه الحقبة وإذا كانت
نجلاء قد كونت ثنائياً سينمائياً رائعاً مع محمود ياسين وقدما معاً أهم
الأفلام الرومانسية فيمكن أن نقول إن الشيء نفسه ينطبق على ميرفت أمين
وحسين فهمي، حيث إن الرومانسية كانت هي الإطار الأكبر لأفلامهما معاً على
المستوى الإنساني قد جمعهما الحب وجمعتهما العاطفة الجياشة فتوجا علاقتهما
بالزواج واستمرار زواجهما من عام 1974 وحتى عام 1986 وأنجبا ابنتهما «منة
الله» التي تزوجت خلال السنوات القليلة الماضية من الفنان الشاب «شريف
رمزي» ابن المنتج والموزع المعروف محمد حسن رمزي، وبالطبع كانت لهذه
العلاقة الإنسانية بين ميرفت وحسين أثر في أدوارهما الرومانسية على الشاشة
وكان أثراً إيجابياً.
وفي الثمانينيات واصلت ميرفت مشوارها السينمائي الناجح بمزيد من
الأفلام الجادة والرائعة وبدت وكأنها اختزنت كل خبرتها لهذه المرحلة فنجدها
تتعاون مع عدد من أهم مخرجي وصناع سينما هذه المرحلة وخصوصا مؤسسي تيار
الواقعية الجديدة في السينما المصرية والذي ظهر مع نهاية السبعينيات وتبلور
وسيطر أكثر خلال الثمانينيات، لذلك شاهدنا أفلاماً رائعة لها مع عاطف الطيب
ومحمد خان ومحمد أبو سيف وهاني لاشين، ومن أهم أفلامها خلال تلك الحقبة:
«الحب وحده لا يكفي» 1981 مع المخرج علي عبد الخالق، «سواق الأتوبيس» 1983
مع المخرج عاطف الطيب وهو واحد من أهم أفلامها ليس في الثمانينيات فقط بل
في مشوارها السينمائي كله فهو واحد من كلاسيكيات السينما المصرية، «للفقيد
الرحمة» 1982 مع المخرج عمر عبدالعزيز، «واحدة بواحدة» 1984 وهو كوميديا
اجتماعية راقية مع المخرج نادر جلال، «المنتقمون» 1984 مع المخرج ياسين
إسماعيل ياسين، «الأبرياء» 1985 مع المخرج محمد راضي، «تزوير في أوراق
رسمية» 1984 مع المخرج يحيى العلمي، وقد أدهشت جمهور ونقاد السينما في هذا
الفيلم عندما قامت بدور الأم لهشام سليم وإيمان البحر درويش، «بصمات فوق
الماء» 1985 مع المخرج ياسين إسماعيل ياسين، «الأوباش» 1985 مع المخرج أحمد
فؤاد، «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» 1985 مع المخرج سعيد مرزوق، «البنديرة» 1986
مع المخرج عمر عبدالعزيز، «إبليس في المدينة» 1988 من إخراج سمير سيف،
«حافية على جسر الذهب» 1988 لعاطف سالم، «عودة مواطن» 1986 مع المخرج محمد
خان وهو أيضاً من أهم الأفلام خلال مشوارها السينمائي، «أيام الرعب» 1988
مع المخرج سعيد مرزوق، «الدنيا جرى فيها إيه» 1988 مع المخرج أحمد السبعاوي،
«ليلة في شهر 7» 1988 وهو من أفلام الكوميديا الاجتماعية الراقية مع المخرج
عمر عبدالعزيز. وفي نفس العام 1988 تعود لتقدم مع المخرج محمد خان والنجم
أحمد زكي واحداً من أهم الأفلام في تاريخ السينما المصرية ومن أهم
كلاسيكياتها وهو «زوجة رجل مهم» وفيلم آخر جيد خلال نفس العام وهو «مخالب
امرأة» مع المخرج عادل الأعصر، «ولاد الايه» 1989 مع المخرج شريف يحيي،
وتختتم ميرفت أمين هذه الحقبة باثنين من أهم أفلامها، الأول هو دراما
اجتماعيه في إطار رومانسي ناعم مع دفقات كوميدية رائعة، وكان ذلك مع المخرج
عاطف الطيب فيلم «الدنيا على جناح يمامة» 1989 الذي شاركها بطولته محمود
عبدالعزيز ويوسف شعبان، أما الفيلم الثاني فهو يعد تحفة سينمائية رائعة وهو
من كلاسيكيات السينما وهو فيلم «الأراجوز» 1989 مع المخرج هاني لاشين وإذا
كانت ميرفت قد اعتادت أن تفاجأ جمهور ونقاد السينما بأدوار وشخصيات غير
متوقعة تقدمها وتنجح فيها بمقدرة عالية، إلا أنها في «الأراجوز» أصابت
جمهورها ومعهم نقاد وصناع السينما المصرية بالدهشة والذهول عندما تخلت
تماماً عن رقة جمالها وأناقتها وأرستقراطيتها وجسدت شخصية فلاحة فقيرة رقة
الملابس حافية ومتسخة القدمين مجعدة الشعر ممتقعة الوجه من حرارة الشمس
وقسوة الفقر، وحققت براعة هائلة واقتدارا كاملا وهي تجسد هذه الشخصية غير
المتوقعة أمام النجم العالمي عمر الشريف، وحقق الفيلم نجاحاً فنياً هائلاً
وطاف بالعديد من المهرجانات الدولية وحصل على العديد من الجوائز وحصلت هي
على جائزة أحسن ممثلة عن هذا الدور في أكثر من مهرجان سينمائي وكان هذا
الفيلم بالفعل هو خير ختام لأفلامها في حقبة الثمانينيات التي واصلت خلالها
تقديم عدد كبير من أهم وأنجح أفلامها. ونأتي إلى حقبة التسعينيات لنجد أن
ميرفت أمين قد بدأت في الابتعاد عن السينما بعد أن بدأت تظهر بها موجة
أفلام الشباب والكوميديا وهي موجة أفلام لا تناسبها على الإطلاق فابتعدت
كما ابتعد معظم نجوم وفناني السينما من جيلها بل ومن أجيال أخرى ممن
اعتادوا تقديم السينما الرائعة الجميلة الجادة ولا شيء غير ذلك، لم تقدم
ميرفت في هذه الحقبة سوى عدد قليل من الأفلام لكنها لم تتخل عن القيمة
والجودة - رغم هذه القلة ورغم ظروف السينما وقتها - ومن أهم هذه الأفلام:
«أحلام صغيرة» 1993 مع المخرج خالد الحجر، «ليه يا هرم» 1994 مع المخرج عمر
عبد العزيز، «القتل اللذيذ» 1998 مع المخرج أشرف فهمي، «أولى ثانوي» 1999
مع المخرج محمد أبوسيف، وفي الألفية الجديدة لم تقدم سوى فيلمين، الأول هو
الفيلم الشهير «أيام السادات» 2002 مع المخرج محمد خان والنجم أحمد زكي،
وهو الفيلم الذي حقق نجاحاً فنياً وجماهيرياً ساحقاً ونالت عنه ميرفت مع
فريق الفيلم وسام الفنون والعلوم من الطبقة الأولى، أما الفيلم الثاني فكان
آخر أفلامها وهو «مرجان أحمد مرجان» 2007 مع المخرج علي إدريس وهو كوميديا
اجتماعية شاركها بطولته عادل إمام وبسمة وشريف سلامة.
ولا يبقى في النهاية إلا أن نشير إلى أن هذه النجمة الجميلة ورغم كل
نجاحها ونجوميتها السينمائية، حافظت على أن تضيف لتاريخها الفني رصيد آخر
في الدراما التلفزيونية وخلال السنوات العشر الأخيرة التي ابتعدت فيها عن
السينما ركزت جهودها بشكل أكبر على الدراما، وخلال مسيرتها الدرامية قدمت
سجلاً رائعاً من المسلسلات الناجحة منها: "دعوة للحب، دموع صاحبة الجلالة،
الزوجة آخر من يعلم، الأبرياء، ثم تشرق الشمس، رياح الغدر، الرجل الآخر،
القلب يخطئ أحياناً، الانتقام، أيام الغياب، الخطايا، أهل الرحمة، بشرى
سارة، ملفات سرية، أحزان مريم، كلمة حق، طيارة ورق، قمر سبتمبر، يحيا
العدل».
ولعل ما نختم به هذا الاستعراض لمشوار هذه النجمة الجميلة هو ما يردده
النقاد عنها دائماً، حيث يقولون: «إنها تنتمي لجيل لا يعوض من أهم وأجمل
نجمات الفن - والسينما بالتحديد - ولعل من أهم ما يميز نجمات هذا الجيل
الرائع هو أن بريقهن لا ينطفئ ولا يغيب أبداً من على شاشة وذاكرة السينما
المصرية بعد أن سطرن بإبداعهن هذا البريق واللمعان الدائم».
الجريدة الكويتية في
03/08/2012 |