لاشك أن الفنانة والنجمة الكبيرة نيللي هي واحدة من أهم نجمات فن
الاستعراض في حركة وتاريخ الفن المصري كله، وهي على رأس القائمة المحدودة
جداً التي قدمت هذا الفن وتضم «نعيمة عاكف وسعاد حسني وشريهان ولبلبة»
فهؤلاء هن دون غيرهن من قدمن الاستعراض بشكله الفني الحقيقي «تمثيل وغناء
ورقص» و«رشاقة وبهجة وحضور وكاريزما» لذلك ليس كل راقصة قدمت بعض
التابلوهات أو مطربة رقصت تسمى فنانة استعراضية.
وإذا كان عدد كبير من نقاد ومؤرخي الفن المصري يصفون نيللي بأنها
«ملكة الاستعراض» وسيدته الأولى في تاريخ الفن المصري فهذه حقيقة نظراً لكل
هذا النجاح الساحق وأيضاً للاستمرارية، حيث ظلت على مدى أكثر من 10 سنوات
تقدمه بشكل متواصل وليس على فترات متباعدة، لكن هؤلاء النقاد والمؤرخين -
بالطبع - يظلمونها كثيراً عندما يتحدثون عنها على أنها نجمة استعراضية أو
«ملكة الاستعراض» ويكتفون بذلك، وهذا الظلم حقيقي لأن نيللي هي أيضاً واحدة
من أهم نجمات السينما المصرية في النصف قرن الأخير وربما لأبعد من ذلك فهي
صاحبة تاريخ سينمائي حافل قدمت خلاله ما يزيد على «70 فيلماً».
ولدت «نيللي أرتين كالغيان» - وهذا اسمها كاملاً - في 13 يناير 1949
بحي «الظاهر» بوسط القاهرة لأسرة مصرية ذات أصول أرمينية وكانت أسرتها تنعم
بحياة رخاء وتعيش في يسر ورفاهية فالأب يعمل تاجر جلود معروف وصاحب ميول
فنية واضحة، حيث يعشق الموسيقى والأم ربة منزل تميزت بجمال الصوت وحب
الموسيقى والغناء، وسط هذه الأسرة الميسورة الحال المحبة للفن ولدت نيللي
ومعها أشقائها الأربعة ولدان توفيا سريعاً وبنتان غيرها «ميرفت وفيروز»
ونيللي هي الشقيقة الصغرى لهن.
ولهذه الميول الفنية الموجودة بالأسرة ألحق الأب بناته بمدرسة لفن
الباليه وكانت هذه المدارس الفنية منتشرة في مصر في الأربعينيات
والخمسينيات- وكانت «فيروز» في مدرسة باليه فرنسية بينما كانت شقيقتها
الصغرى نيللي في مدرسة إيطالية، وبدأت «فيروز» الأخت الكبرى مشوارها في
السينما مع أنور وجدي ثم توالت أفلامها لتصبح أشهر طفلة في تاريخ السينما
المصرية وتصبح أصغر بطلة يكتب اسمها على الأفيش إلى جوار بطل الفيلم يسبقه
لقب «الطفلة المعجزة» وتنجح أفلامها بسبب موهبتها الخارقة في الرقص والغناء
والتمثيل، ورغم أن فيروز لم تكمل المشوار واعتزلت مبكراً عندما بلغت مرحلة
الصبا واختفت تماماً وكذلك الشقيقة الثانية «ميرفت» التي لم تظهر مواهب
كبيرة إلا أن نيللي الشقيقة الصغرى بدأت وأكملت المشوار، ومن هنا فهي تشكل
مع «فاتن حمامة وبوسي ولبلبة» النجمات الاستثناء في تاريخ السينما لأنهن
بدأن مشوار السينما في طفولتهن وفي سن مبكرة للغاية ثم أكملن المشوار حتى
أصبحن من أهم نجمات السينما ولم يعتزلن ويختفين مبكراً مثل غيرهن.
نجاح فيروز الساحق شجع الأسرة بأن تكرر التجربة مع نيللي، خصوصاً أن
موهبتها ظهرت أيضاً مبكراً، في عام 1953 كانت فيروز نجمة سينمائية ملئ
السمع والبصر من خلال أفلامها التي قدمتها وقامت ببطولتها مثل: «ياسمين»،
«فيروز هانم»، «صورة الزفاف»، ويأتي الفيلم الرابع الذي حمل اسم «الحرمان»
الذي أخرجه عاطف سالم وقامت ببطولته فيروز أمام عماد حمدي وزوزو ماضي ليكون
الفيلم الأول التي تشارك فيه نيللي إلى جوار شقيقتها وكان عمر نيللي وقتها
4 سنوات وكان هذا الفيلم هو الرابع في مشوار فيروز والأول في مشوار نيللي،
وهنا لابد أن نشير إلى أن هذا الفيلم كان من إنتاج والدهما «أرتين كالغيان»
من أجل بناته وإيمانه بموهبتهن، ومع النجاح الذي حققه الفيلم فنياً
وجماهيرياً يكرر الأب التجربة بعد عامين فينتج فيلم «عصافير الجنة» عام
1955 وتشارك بناته الثلاثة «فيروز وميرفت ونيللي» في بطولة الفيلم إلى جوار
محمود ذو الفقار وعزيزة حلمي وأخرجه سيف الدين شوكت.
بعد هذا الفيلم توقف الأب عن مواصلة الإنتاج السينمائي وابتعدت فيروز
عن السينما بعد أن بلغت مرحلة الصبا واكتفت ميرفت بالتجربة في فيلم واحد أو
اثنين وظنت نيللي أنها هي الأخرى في سبيلها للتوقف فركزت في دراستها
ودروسها لكن لم تمض سوي ثلاث سنوات حتى يستدعيها المخرج هنري بركات لتشارك
في فيلم «حتى نلتقي» الذي قامت ببطولته فاتن حمامة وعماد حمدي وزهرة العلا
وعمر الحريري وكتب اسم نيللي على الأفيش مسبوقاً بلقب «الطفلة المعجزة»
وكان هذا عام 1958، في هذا العام شاركت نيللي في فيلمين آخرين هما: «رحمة
من السماء» مع المخرج عباس كامل والبطولة كانت لعماد حمدي وهند رستم ومحمود
المليجي، و«توبة» قصة وإخراج محمود ذو الفقار، وبطولة عماد حمدي أيضاً،
ومعه صباح ومحمود المليجي وعبد المنعم إبراهيم.
وبهذه الأفلام الثلاثة انتهت المرحلة الأولى من مشوار نيللي وابتعدت
لرغبة والدها الذي أراد أن تهتم أكثر بدروسها، لكن هذا الابتعاد لم يستمر
أكثر من ثلاثة أعوام، حيث اختارها المخرج نور الدمرداش لتشارك في مسلسل
«الرمال الناعمة» وكان ذلك عام 1961 وكان التلفزيون المصري في بداياته،
وبعد هذا المسلسل ابتعدت نيللي مرة أخرى عن التمثيل والفن بشكل كامل ولمدة
4 سنوات كاملة شعرت فيها نيللي أن مشوارها الفني والسينمائي قد توقف وأنها
لن تعود إليه وأشعرها هذا بحزن شديد لأن الموهبة التي في داخلها تلح عليها
وبشدة لكنها استسلمت للأمر واعتبرتها تجربة رائعة مرت بها وانقضت.
وفي عام 1965 كانت نيللي قد أصبحت مراهقة شابة عمرها 16 عاماً، في هذا
العام كانت العودة عندما رشحها المخرج محمود فريد للمشاركة في فيلم
«المشاغبون» الذي قام ببطولته رشدي أباظة مع نجوى فؤاد وثلاثي أضواء
المسرح، وبالطبع تجاوزت نيللي مرحلة الطفولة وظهرت لأول مرة كفتاة شابة في
عمر المراهقة، وتكررت التجربة في نفس العام من خلال فيلم حسن الإمام «هي
والرجال» ولعبت بطولته لبنى عبد العزيز وأحمد رمزي وصلاح قابيل، ورغم أن
أدوار نيللي لم تكن بطولة وكانت أدواراً ثانية إلا أنها اقتنعت بها وكانت
سعيدة للغاية، ومن هذا التاريخ وهذين الفيلمين بدأت نيللي مرحلتها الثانية
في مشوارها السينمائي الذي لم تنتظر فيه طويلاً حتى تقوم بأدوار البطولة
المطلقة فقد تحقق هذا في العام التالي مباشرة 1966، حيث قامت بأول بطولة
سينمائية لها كفتاة شابة في فيلمين هما: «المراهقة الصغيرة» من إخراج محمود
ذو الفقار وشاركها البطولة أحمد مظهر وليلى فوزي وصلاح منصور وأحمد رمزي،
و«نورا» من تأليف وإخراج محمود ذو الفقار، وفي هذه المرحلة الثانية قدمت
نيللي ما يقرب من 15 فيلماً منذ قيامها بأدوار البطولة المطلقة وحتى نهاية
الستينيات وقد غلب على أدوارها طابع أفلام الشباب الذي كان سائداً في تلك
الفترة وغلب على شخصيتها دور الفتاة الشابة المراهقة، أو الفتاة المنطلقة
الشقية أو الرومانسية وأحياناً المغلوبة على أمرها والتي تواجه أنواع الظلم
والقهر الاجتماعي، وأحياناً لعبت دور وشخصية الفتاة المتحررة، في هذه
المرحلة تعاملت مع ما يقرب من 10 مخرجين ووقفت أمام عدد من أهم نجوم
السينما وقد تعلمت من هؤلاء الكثير مما أكسبها خبرة هائلة أفادتها في بقية
مشوارها الفني، ومن أفلامها في هذه المرحلة: «إجازة صيف» من إخراج سعد
عرفة، «بيت الطالبات» مع المخرج أحمد ضياء الدين وهو مأخوذ عن الرواية
الشهيرة التي تحمل نفس الاسم للأديبة فوزية مهران، والفيلمان عام 1967، وفي
عام 1968 قدمت عدد من أفلامها المهمة مثل: «الرجل الذي فقد ظله» مع المخرج
كمال الشيخ وهو من أهم أفلام السينما المصرية ومأخوذ عن رواية الكاتب
الكبير فتحي غانم الشهيرة والتي تحمل نفس الاسم، «مجرم تحت الاختبار» مع
المخرج عبد المنعم شكري، «أنا الدكتور» من إخراج عباس كامل، وثلاثة أفلام
أخرى مهمة عام 1969 هي: «زوجة بلا رجل» إخراج محمود ذو الفقار، «صباح الخير
يا زوجتي العزيزة» مع المخرج عبدالمنعم شكري، «دلع البنات» مع المخرج حسن
الصيفي.
ونأتي للمرحلة الثالثة من مشوارها الفني والتي تبدأ مع بداية
السبعينيات واستمرت حتى آخر أفلامها «قط الصحراء» عام 1995، وهذه هي «مرحلة
النضج»، حيث غيرت جلدها تماماً وقدمت أدواراً وشخصيات مختلفة ومتنوعة
وبعيدة - إلى حد كبير - عن الأدوار التي قدمتها من قبل، في هذه المرحلة
قدمت نيللي وحتى نهاية السبعينيات 36 فيلماً وهو يعتبر عدد كبير جداً من
الأفلام في 10 سنوات تعاملت فيها مع عدد كبير من المخرجين الكبار منهم 14
مخرج تعاملت معه لأول مرة، والغريب أن نيللي خلال هذه المرحلة كانت تقدم
بنجاح ساحق فوازيرها الرمضانية التلفزيونية التي ظلت تقدمها على مدى 13
عاماً متواصلة وعرفت باسم «فوازير نيللي» والتي قدمت خلالها الاستعراض
وسميت ولقبت بـ «ملكة الاستعراض».
ونواصل استعراض مسيرتها السينمائية في السبعينيات لنرى أفلاماً مثل:
«امرأة زوجي» 1970 من إخراج محمود ذو الفقار، «شباب في العاصفة» 1971 إخراج
عادل صادق، «عصابة الشيطان»، «كلمة شرف»، «شياطين البحر»، «ملوك الشر»
والأفلام الأربعة مع المخرج حسام الدين مصطفى عام 1972، «نساء الليل» 1973
إخراج حلمي رفلة، «مدينة الصمت» 1973 مع المخرج كمال عطية، «الشحات» 1973
مع المخرج حسام الدين مصطفى وهو واحد من الأفلام المهمة في تاريخ السينما
المصرية ومأخوذ عن رواية نجيب محفوظ «الشحاذ»، «قاع المدينة» 1974 من إخراج
حسام الدين مصطفى، «غابة من السيقان» 1974 لحسام الدين مصطفى، «شوال في
الحب» 1975 من إخراج هنري بركات، «امرأتان» من إخراج حسن رمزي وفي هذا
الفيلم قدمت نيللي دور الأم.
وفي عام 1977 تصل نيللي إلى أقصى درجات نضجها الفني والسينمائي عندما
تقدم عدداً من أهم شخصياتها وأدوارها وأفلامها السينمائية فنراها تقدم دور
المرأة القوية المتسلطة على زوجها من خلال فيلم «العذاب امرأة» مع المخرج
أحمد يحيى، و«عذراء ولكن» مع المخرج سيمون صالح.
وفي عقد الثمانينيات قدمت نيللي 9 أفلام و3 أفلام في التسعينيات قبل
أن تتوقف نهائياً عن السينما بعدما بدأت وسيطرت موجة أفلام الكوميديا
وأفلام الشباب على ساحة السينما المصرية فابتعدت كما ابتعد الكثيرون من
أبناء جيلها، وبدأت نيللي عقد الثمانينيات بفيلم «امرأة بلا قيد» المأخوذ
عن مسرحية «كارمن» الشهيرة وكتب له السيناريو الكاتب الكبير يوسف السباعي
وأخرجه هنري بركات عام 1980، وفي نفس العام قدمت نيلي ثلاثة أفلام أخرى هي:
«العاشقة» مع المخرج عاطف سالم، «شفاه لا تعرف الكذب» مع المخرج محمد
عبدالعزيز، «دندش» من إخراج يحيي العلمي، وتوالت أفلامها التي التزمت فيها
بالجدية والمستوى الجيد والتنوع في الأدوار خلال نفس الحقبة، مثل: «مع
تحياتي لأستاذى العزيز» 1981 من إخراج أحمد ياسين، «حادث النصف متر» 1983
مع المخرج أشرف فهمي، «الغول» 1983 من تأليف وحيد حامد وإخراج سمير سيف،
«النشالة» 1985 مع المخرج حلمي رفلة والنجم محمود ياسين وكان آخر أفلامها
السينمائية خلال الثمانينيات.
بعد هذا الفيلم اتجهت للأفلام التلفزيونية وقدمت 4 أفلام حرصت خلالها
على المستوى الفني الجيد الذي التزمت منذ بداية دخولها مرحلة النضج الفني
مطلع السبعينيات، وهذه الأفلام هي: «اثنين على الهوا» 1985 من تأليف وإخراج
يوسف فرانسيس، «أنا وأنت وساعات السفر» 1987 من إخراج محمد نبيه وتأليف
وحيد حامد، «آدم بدون غطاء» 1990 من إخراج محمد نبيه، «ميكانيكا» 1993 من
إخراج إسماعيل جمال، و«عادت للسينما في فيلم وحيد عام 1995 حمل اسم «قط
الصحراء» قام ببطولته أمامها وكتبه وأخرجه يوسف منصور.
ونأتي الآن إلى جانب في غاية الأهمية في المشوار الفني لهذه النجمة
الجميلة وهو «الاستعراض» وكيف أصبحت نيللي ملكته المتوجة، والحكاية تبدأ
عندما أراد المخرج التلفزيوني فهمي عبد الحميد أن يقدم شكل مختلف «لفوازير
رمضان» التي كان يقدمها التلفزيون كل عام وقد استمدها من الإذاعة، التي
كانت سباقة في تقديم هذا الفن، والتقت نيللي مع فهي ومعهما الكاتب والشاعر
والفنان الكبير صلاح جاهين وبحث الثلاثة عن فكرة يقدمونها تليق بنيللي
وإمكانياتها الاستعراضية التي لم تتح لها أن تقدمها في السينما إلا من خلال
مشاهد قليلة في بعض أفلامها، ووصل هذا الثلاثي للشكل الاستعراضي الذي يقوم
على «الغناء والرقص والتمثيل» في تقديم الفزورة، وكان عام 1977 هو العام
الأول التي تقدم نيللي فيه فوازير رمضان على شاشة التلفزيون وانتهزت هي
الفرصة وقدمت كل مواهبها الاستعراضية من تمثيل وغناء ورقص وتابلوهات غنائية
راقصة في إطار من الكاريكاتير وخفة الظل والكوميديا.
وحققت الفوازير نجاحاً مذهلاً وساحقاً وظلت نيللي تقدم فوازير رمضان
منذ عام 1977 وحتى عام 1993، حيث قدمتها لـ 13 مرة خلال تلك الفترة كانت
تغيب عنها لفترات قليلة ثم تعود، حتى مع رحيل فهمي عبدالحميد وصلاح جاهين
قدمتها مع شعراء ومخرجين آخرين، في هذه الفترة كانت الفوازير هي أهم برنامج
رمضاني في العالم العربي وقدمت نيللي إمكانياتها كفنانة استعراضية، وأصبحت
الفوازير ماركة مسجلة باسمها لدرجة أن البعض وصف نيللي وقتها بأنها أكثر من
صنع وقدم البهجة والفرجة والمتعة للجمهور وأصبحت الفوازير تعني نيللي.
الجريدة الكويتية في
01/08/2012 |