عندما تزور دمشق تشعر بألق الحضارة وعبق
التاريخ في هذه المدينة وأحيائها القديمة خاصة. ليس المكان
وحده يعطيك هذا الإحساس
الجميل والرائع، بل ترى هناك العديد من أهالي دمشق المتميزين بصناعاتهم
التقليدية
وآثار مبدعيهم ممن حملوا الكثير من تراث وتاريخ وعادات هذه المدينة
ليقدموها للعالم
بأجمل صورها، سواء عن طريق الأدب أو المسرح أو الغناء الشعبي
والمونولوج وصولا إلى
الإذاعة ومسلسلات التلفزيون.
اليوم جريدة 'القدس العربي' وقراؤها الأعزاء على
موعد مع علم رائد من أعلام المسرح والدراما والفنون الشعبية في سورية الذي
قدم
الكثير من إبداعاته المتنوعة حتى نال بحق لقب 'فنان الشعب'،
ومن يكرمه الشعب ويخصه
بهذا اللقب فلا شك أنه قدم أشياء هامة ومفيدة. ومع التكريم الشعبي والنقابي
له،
أيضا كرمه السيد الرئيس بشار الأسد، إنه الفنان القدير الذي رافق نهضة
الحركة
الفنية في مسارح دمشق ونواديها الفنية وأدى الأغاني الشعبية
التي أحبها الناس وظهر
بالزي الدمشقي التقليدي الأصيل، ضيفنا اليوم الفنان رفيق السبيعي الذي تذكر
أغانيه
النقدية المرحة أجيال من الكبار والصغار ومنها: 'شرم برم كعب الفنجان'، 'يا
ولد
لفلك شال واتعلم شغل الرجال' وغيرها الكثير. الأستاذ رفيق
السبيعي، رغم وقته الضيق
وأعباء السنين، بادر إلى استقبالنا مشكورا ولم يتأخر في قبول الحوار
والترحيب به مع 'القدس العربي'، فلنتابع معه شيئا من
الذكريات ونسترجع ملامح من مسيرته الفنية
الطويلة والغنية.
·
المسيرة الفنية الطويلة التي
مشيت فيها وقد تركت آثارا
طيبة وغنية سجلت في تاريخ الفن سواء في سورية أو في الدول العربية، حبذا لو
تحدثنا
عن بعض المحطات التي مررت بها؟
بسم الله الرحمن الرحيم: المسيرة تجاوزت الستين
سنة، البدايات صارت بعيدة، لما بدأت الاحتراف الفني كنت بعمر
21 سنة، أواخر
الأربعينات وبداية الخمسينات وكانت مسيرة شاقة، شاقة بالمعنى الصحيح لأننا
عانينا
الكثير ولم يكن هناك تقدير للفن، الدولة لم تكن مهتمة بمثل هذه الأشياء،
كانت تعتبر
أن الحياة فيها أشياء أهم كثيرا من الفن، لذلك لاقينا صعوبات، لا داعي
لذكرها اليوم
لأنها ذكرت كثيرا، لكني أعتبر أن هذه المسيرة الصعبة صقلت تجربة رفيق
السبيعي،
وهذبت من شخصيته، وجعلت منه فنانا يحاول أن يدخل عمق المواضيع
التي يمشي في
مسيرتها. طبعا لاقينا الأمرين، وكنا مطاردين من الدولة ومن الجمهور الذي
كان يعتبر
بأن الفن نوع من التسلية وأن هذه أشياء من الكماليات، هذا جعلنا نتعثر
كثيرا
باعتبار أنه لا يوجد دعم من أي جهة. لكن الحمد لله، مع السنين
ومع الأيام تغيرت
النظرة وأصبح للفن قيمة في بلدنا، هذا ما يعوضني ويجعلني أشعر بأننا سوف
نصل إلى
مستوى أرقى مما نرى في التقدم الحاصل بالوضع الحالي وأن الدول أصبحت ترعى
الفن
وتعطيه الأهمية وبما يمكن أن يفيد المجتمع، وهذا ما كنا نطمح
له وعشت عليه. الحمد
لله أن كفاحنا وصل إلى نتيجة مشرفة، هذا الكفاح الذي قمنا به نعتبره فخرا
لنا.
·
بعد البدايات جاء العمل على
المسرح الشعبي مع رواد أضافوا للفن قيمة كبيرة مثل
تيسير السعدي ونهاد ودريد، السؤال كيف تنظر للتنوع في أدوار
الشخصيات لكل منكم؟ وهل
يوجد تواصل بينكم لحد الآن؟ وهل تعتبر أن دريد وفي لمن رافقوه في مراحل
ظهوره في
البدايات؟
'أنا - وأعوذ بالله من كلمة أنا- بدأت مسيرتي قبل أن يظهر
التلفزيون، وقبل أن يكون للإذاعة ذلك الصدى الكبير، بدأت مسيرتي وكانت
الإذاعة هي
الوسيلة الوحيدة، إضافة إلى المسرح. لما دخل التلفزيون على
البلد أخذت الإدارة
تستقطب الفنانين الذين ترى عندهم مواهب، وأنا اندمجت معهم لكن مسيرتي جاءت
قبل ذلك.
هم دخلوا ولم يروا العذاب والتعب اللذين
عشناهما في فترة غير معترف بها ولا
بفنانيها. أما الأستاذ دريد فقد دخل عن طريق الجامعة والمنتديات والتجمعات
الفنية
التي يقدم فيها أشياء فنية بالمناسبات، الأستاذ نهاد قلعي كان يعمل بشركة
ترانزيت
ولم تكن له علاقة بالفن، هوايتهم هي التي دفعتهم الى أن
يستمروا. وجود الدكتور صباح
قباني الذي أسس التلفزيون في ذلك الوقت، هو الذي كان، بفكره واهتمامه،
منصبا على
الناس الذين كان يتابعهم ويشوف نشاطاتهم، الدكتور صباح قباني هو الذي جمعنا
نحن
الثلاثة مع بعض، وصرنا نعمل ونقدم أعمالا فنية للكوميديا
بالذات حتى التلفزيون
يستقطب المشاهدين، كما تعرفين في بلادنا الكوميديا هي الطريق الأسهل للوصول
لعقول
وقلوب المشاهدين. شاركنا في عدة أعمال وكل واحد كان له عمله، أنا شخصيا لم
يكن همي
أني أعمل (كركتر) أو شخصية معينة أمشي فيها، كان همي الأول أن
أكون ممثلا، وهذا ما
دفعني إلى الانتساب للمسرح القومي عندما تم تأسيسه وشاركت بأعمال مسرحية من
الأدب
العالمي. الحمد لله، كان على ما أعتقد لها أثر جيد وساعدت في تكوين المسرح
القومي
بمجموعة من الشباب الطامحين الذين استطاعوا أن يثبتوا وجودهم
بتلك الفترة على
المسرح.
·
هل توجد علاقات بينك وبين الفنان
دريد أو العلاقات كما نحن نعيشها مثل
(الموضة)
التي نتبعها؟
طبعا العلاقة فقط علاقة عمل، نلتقي فقط إن وجد عمل
بيننا، العلاقة بيننا مثلها مثل أي فنان آخر، أحترمهم لأنهم ساهموا بالنهضة
والمسيرة الفنية، أحترم هذا النضال منذ أن انضموا لنا وقت كنا
بحاجة لتطوير هذا
الفن الراقي.
·
قدمت على المسرح أهم النصوص من
الأدب العالمي، هذا الأدب وهذه
النصوص بماذا زودتك، وبما أغنت وأضافت لشخصيتك؟
'أضافت الكثير من الثقافة
واختصرت كثيرا من المسافات، كانت قراءتي للمسرح العالمي
والكتاب العالميين أمثال
موليير، دستويفسكي، شيكسبير وغيرهم.. كانت بالنسبة لي مدرسة للدراما تابعت
فيها كل
النشاطات، القديم منها والجديد، تابعت كتابا قرأت لهم مثل أرثر ميلر وغيره
من الجيل
الذي جاء بعده، اختصرت مسافات طويلة من الدراسة نتيجة قراءة
المسرحيات والعمل ببعض
منها كممثل، مثل (الأشباح) لأبسن، لعبت فيها دور الكاهن، إلى موليير. تصوري
اشتغلت
أستاذ الرقص، وإلى دوستويفسكي لعبت شخصية بعيدة جدا عني الولد غير الشرعي
الذي يقتل
أباه، شخصية شاذة جدا. عدة مسرحيات ساهمت فيها، وهي اختصرت قراءات كثيرة
لأنني
مارستها عمليا، كما أن وجود أساتذة في ذلك الوقت ساعدونا كثيرا
في تنوير طريقنا
الفني وقد قطعنا فيه مسافات طويلة، نختصرها من الدراسات كنا نمارس العملي
قبل
النظري.
·
بما أنك عاصرت وعملت في بعض
النصوص العالمية، لماذا لم تستطع الثقافة
العربية أو الإبداع العربي أن يصل من حيث القيمة الفنية
والأدبية إلى ذلك المستوى
العالمي، ما هي الأسباب؟
'من زمن بعيد وهذه القضية تؤرق الأدباء والشعراء
والمهتمين بالثقافة والإبداع، لكن بالفترات الأخيرة بدأت
الثقافة العربية تأخذ
مكانتها عالميا، وليس أدل على ذلك من أن يأخذ نجيب محفوظ مكانته كأديب في
العالم،
لكن نحن نظل مقصرين بنشر ثقافتنا باللغات الأخرى، وزارات الثقافة في الوطن
العربي
مقصرة في ذلك، المفروض الأدب الذي تراه يصل إلى المستوى
المطلوب المفروض هي التي
تكون الداعم الأساسي لثقافتنا، من خلال الترجمة، والتواصل مع العالم حتى
يعرف
العالم عن أدبائنا ومثقفينا، نحن دولنا مقصرة بهذا الأمر.
·
أن تلقب بفنان
الشعب، ماذا يعني للأستاذ رفيق أن يقترن اسمه باسم الشعب؟
هذا السؤال صعب لأن
فنان الشعب جاءت من الجمهور نفسه الذي كان يتلقى أعمالنا بإعجاب وتقدير.
السيد
الرئيس حافظ الأسد - الله يرحمه - وفي إحدى المقابلات، قال لي: ها أنت
أصبحت فنان
الشعب، وهذا الشيء ليس من عندي الشعب لقبك هذا اللقب وأنا
أكرسه. يومها شعرت بأن كل
الجهود التي بذلتها، وكل التعب اللي تعبته بمسيرتي، أعطتني النتيجة المرجوة
وانطبق
علي الآية الكريمة التي تقول: 'وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. وأن سعيه سوف
يرى'. هذا
ما حصل معي وقتها حسيت بالفخر والقيمة الكبيرة اللذين أعطياني
إياهما هذا اللقب
وأصبحت - والحمد لله - راضيا عن مسيرتي، وأنا كنت مؤمنا فيها من البداية،
رغم كل
المعاكسات التي مرت بحياتي، ورغم كل ابتعاد الناس والمجتمع عن شيء اسمه فن،
لأنهم
كانوا يعتبرون أن الفن عار على العائلة التي ينتمي لها الفنان. وهذا الشيء
عملته
بحياتي، وبسببه طردت من بيت أهلي، مع ذلك بقيت مستمرأ. لكن -
الحمد لله - طالما أنا
على حق وهذا ما تبين لي بعد أن أخذت هذا اللقب، طالما أنا على حق فقد أخذت
حقي بهذا
اللقب.
·
بدأت في وقت كان المجتمع يرفض
الفن، هل سبب لك عملك الفني هذا أيضا
متاعب ضمن عائلتك وفي بيتك؟
لا شك أنه شكل لي متاعب كثيرة، لكن باعتبار أنني
تزوجت امرأة تحبني، الحب هذا جعل كل المشاكل تذوب ولم تعد تظهر. زوجتي كان
همها
الوحيد أن أنجح، وهذا النجاح كان ينعكس على العائلة كلها، لذلك
كانت زوجتي تشجعني
وتتحمل الكثير من غياب وسفر وبعد عنها، لكنها كانت تؤمن بأني ماشي في
الطريق الصحيح
وهي لازم تكون معي. وليس هناك أعظم من أن توجد امرأة تحبك وتساعدك في مسيرة
حياتك.
مرة في إحدى المقابلات التلفزيونية سألوني من هي أجمل امرأة؟ قلت: المرأة
التي تحبك
هي أجمل امرأة في العالم.
·
من هذا الجواب: كيف ترى وضع
المرأة اليوم ضمن
العولمة المنتشرة في مجتمعاتنا، وعطاء المرأة اليوم؟
المرأة عنصر هام في
المجتمع كما أن الرجل له مهمة، كذلك المرأة لها مهمة وخاصة في تربية
الأجيال، كما
أن دخولها معترك الحياة الاجتماعية أخذ يعطي بعدا ثقافيا تنتمي له، أنا مع
المرأة
دائما في إبراز عطائها، لأن كل إنسان عنده قدرة على العطاء
مهما كان، حتى المعاقون
عندهم قدرات على العطاء. المرأة نصف المجتمع لا يمكن أن ننكر ذلك، أما
التزمت عند
بعض الناس فهو الذي جعل المرأة في فترة سابقة تتأخر عن الركب. أما الآن،
نحن في بلد
يعتبر أن المرأة عنصر مساو للرجل، تشارك في بناء الحياة
والمستقبل. هناك وزارات
ومديريات مسؤولة عنها المرأة، وهي تقاسم الرجل في مناحي الحياة كلها وتساهم
في بناء
هذا المجتمع، علينا أن نوعي مجتمعنا عن أقوال المتزمتين الذين يرون أن
المرأة
مكانها في البيت، المرأة لها نصيب هام في توعية المجتمع.
·
بالنسبة للمسرح، وأنت
من عاصر تلك الفترة المبكرة، لماذا تراجع المسرح العربي بسورية بشكل خاص؟
وفي
العالم العربي أيضا؟ ما هي الأسباب؟ وكيف يمكن إعادة الاهتمام
بالمسرح؟
في
البلدان الغربية يعلمون أولادهم المسرح منذ الصغر، ووجود الأطفال في المسرح
يعتبر
في الدول الراقية طقسا يوميا هاما لازما ويجب أن يحصل من جملة الطقوس
اليومية، لذلك
يتربى الجيل على حضوره، على الأقل في الأسبوع مسرحية. نحن،
للأسف، نفتقر لهذا
الطقس. ولما حضر التلفزيون استغنى الناس فيه عن المسرح. لم نعود أجيالنا
على قيمة
المسرح الذي يجب أن نتابعه ونتعود عليه كطقس. المفروض أن الطفل من عمر مبكر
عليه أن
يحضر مسرحا خاصا بعمره، وبعد فترة من العمر يحضر مسرحيات تتناسب مع كل
مرحلة من
عمره وتفكيره حتى يتعود على المسرح كما يتعود على مشاهدة لعبة
كرة القدم. لذلك، أنا
خائف على المسرح في السنين الأخيرة بعد أن طغى التلفزيون على هذا الشيء
وجعل الناس
لا يفكرون بأن يحضروا مسرحية، هذا مضر بثقافة الأجيال ونحن نتمنى على
الدولة أن
تعرض مسرحيات وتعمل مسارح جوالة في المدن والقرى لتعود الناس
على مشاهدة المسرح،
كما أن المدارس عليها واجب بأن يقدم المسرح المدرسي أعمالا مسرحية للطلاب،
لكن
وزارة التربية لا تهتم بذلك. أعتقد أنه يجب أن يكون للمسرح مادة أساسية
تدرس مثل
الجغرافيا والتاريخ والعلوم وغيرها. كان عمري سبع سنوات عندما
دخلت مدرسة دينية
كانت بجانب الجامع الأموي، تصوري أن عند الشيخ الذي كان عنده مدرسة تدرس
القرآن
والصلاة والأذان والخط، كنا نعمل مسرحيات بذلك الوقت سنة 47. أتذكر أنهم
كانوا
يأتون لنا بأكياس من الورق نعمل منها ملابس زاهية نطلع فيها
ونعرض قصصا تاريخية عن
الأبطال التاريخيين. لماذا لم يستمر هذا في المدارس الرسمية؟ لماذا لا توجد
حصة في
الأسبوع، مرة أو مرتين على الأقل، أن يدرس خفايا المسرح؟ لأن الطفل عندما
يتربى على
المسرح، عندها يزداد وعيه ويعرف ما هي قيمة المسرح.
·
لغتك الجميلة والسليمة عند
الإلقاء، هل قراءة القرآن الكريم بطفولتك مكنتك من هذه اللغة؟
أعتقد أن سؤالك
جاء استيحاء من الجواب أنني تعلمت القرآن في مدرسة دينية. نعم، هذه ثبتت
عندي اللفظ
السليم، لأننا كنا نقرأ القرآن مجودا، بمعنى الكلمة، النطق لازم يكون سليما
مئة
بالمئة، الحفظ كان على الغيب، كانت المدارس تدرس الإلقاء بشكل
تلقائي، كما تدرس
الخط. عندما أكتب عريضة أو طلبا، يقال لي ما شاء الله خطك جميل. كنا ندرس
الخط،
اليوم 99 ' خطهم رديء. أنا تعلمت الخط بهذه المدرسة التي حدثتك عنها، كان
اسمها
'المدرسة
الأمينية'. كان يعطينا الشيخ دروسا خاصة بالخط، دروسا خاصة بتوزيع الإرث،
دروسا خاصة بالصلاة والقرآن. كل شيء كنا ندرسه كما يقال: ما تزرعه وأنت
صغير تحصده
وأنت كبير، أنا حصدته نتيجة أنه كان عمري سبع سنوات. المدرسة الدينية رسخت
عندي
قواعد الإلقاء. عندما دخلت على المسرح القومي وفحص الأستاذ كل
واحد، وعندما قرأت
قال لي أنت من بين الطلاب قرأت بشكل سليم، ما هو السبب؟ ثم قال: إعرب لي
هذه
الجملة، قلت له لا أتذكر أن أعربها، قال: لكن عما تنطقها صح، قلت له لأني
تعلمت في
مدرسة علمتنا الإلقاء'.
·
نجد أكثر الشعراء كانوا قد
تعلموا قراءة القرآن، لمن
من الشعراء قرأت وتحب أن تقرأ؟ وهل كتبت الشعر؟
لا لم أكتبه، فقط تطاولت مرة
ولم تزل موجودة عندي، لكني أكتب أغاني. وأول مرة تجرأت وكتبت
باللغة العربية
الفصحى، القصيدة تقول: علمتني كيف الهوى والصبر/ ما علمتني وتركتني أشكو
الهوى/
بالهجر قد أضنيتني/ يا ليت ما علمتني كيف
الهوى/ يا ليت ما علمتني. ما تجرأت أن
أكتب الشعر، لكني أكتب أغاني ناقدة بالعامية، أرى وصولها
وفائدتها تعم بسرعة أكبر
لما أقدمها للشعب. نلاحظ هذا الشيء بشعر نزار قباني، لأنه يحاول فيه أن
يسهل وصول
اللغة العربية لأي مستوى من المستويات، يمكن يعيب عليه الشعراء هذا الشيء
لكن أنا
أؤيده. مرة كنا في تشيكوسلوفاكيا في بعثة رسمية، وكان معنا
مترجم يعرف العربية
جيدا. سألته هل تقرأ الشعر ولمن تقرأ؟ قال: أقرأ للشاعر نزار قباني. قلت
له: لماذا
لنزار قباني؟ قال: لأني إن أردت قراءة قصيدة من الشعر القديم تأخذ مني ستة
شهور،
لأنك تحتاج إلى قاموس لتعرف معنى الكلام، الذي كان الشعراء
يتغاوون بالتلاعب
بالكلام، بلغة الشعر. أنا رأيي يجب أن تكون اللغة العربية خفيفة مثل لغة
نزار قباني
في الشعر، لننشر هذه اللغة ونسهلها على المتلقي.
·
أستاذ رفيق، أنت مرافق بهذه
المسيرة من بداية مرحلة التأسيس إلى الحداثة اليوم، وما نراه على الفضائيات
من خطاب
إعلامي يطغى على الثقافة، برأيك ما هي العلاقة التي يجب أن
تكون مبنية بين الإعلام
والثقافة لصالح المجتمع؟
إن لم نتفق نحن العرب مع بعضنا، وهذا للأسف غير موجود
إطلاقا، وإذا استمر اختلافنا في الآراء فلن تقوم لنا قائمة. هذه الأقمار
الصناعية
الموجودة قربت البعيد وأصبح كل واحد يدلي برأيه، تسمعين الآراء مختلفة
ومتباينة،
وهناك محطات لا يمكن أن تقول الحقيقة أبدا، توجد بعض المحطات
عندها حيز مقبول من
الحرية، لكن للأسف الشديد الدول العربية كلها عنوانها هو ما نشاهده الآن في
لبنان،
كم مر على لبنان وهو يتخبط؟ كم مر على اللبنانيين وهم يتخبطون بمسيرتهم؟
لأن
السياسة بالأصل قائمة على المصالح، مصالح الدول الكبرى هي التي
تجعل بعض الدول
العربية تخضع لمصالح الغرب ولا نستطيع نحن أن نحرك ساكنا تجاه القضية
الكبرى،
فلسطين. لأكثر من ستين سنة وأنا أشاهد بعيني الصراع العربي الإسرائيلي، ولم
نستطع
في كل هذه السنين أن نحقق خطوة إلى الأمام للأسف الشديد، نحن
شعوب طيبة بالأصل من
الداخل، لكن ما يملى عليها هو ما يدخل إلى عقلها، وما يملى عليها ليس هو
الحقيقة،
بالعكس. لذلك عما تذوب إرادة الشعوب، وأكبر دليل هو ما يحصل في لبنان، وما
يحصل في
لبنان هو عنوان للدول العربية جمعاء. وبالتالي التلفزيون الذي
غزا العالم بحيث أصبح
قرية صغيرة، بعض المحطات وللأسف منها محطات عربية تدس السموم! هناك بعض
المحطات
العربية تقدم أشياء تجعلنا نشعر بالصغر وكأننا نحن ليس لنا أي قيمة، لو كان
لنا
قيمة حقيقية فعلا كنا نتحد تجاه القضية الكبرى والتي هي الأساس
في تطلعاتنا
وتفكيرنا بأن نكون وحدة متماسكة، لكن كل فريق يمشي بواد حسب مصالح حكامه
وتاركين
الشعوب، يضحكون عليها بل يعاملونها كما القطيع، ويوجهونها كيف يجب أن تمشي.
هذا
الشيء يجعل الإنسان يصير عنده شيء من القنوط، كما أنهم يحاولون
أن يجعلوا الشعب
يائسا تجاه قضية فلسطين، والبعض أصبح يصرح: حلوها بأي شكل كان! أنا غير
متفائل
أبدا، عندما كنا
صغارا حفظنا بيت شعر يقول: كونوا جميعا يبنيَّ إذا اعترى.. خطب ولا
تتفرقوا أفرادا/ تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا.. وإذا افترقن
تكسرت احادا. ونحن
اليوم نتكسر واحدا بعد آخر! ما فائدة العلم إذا أخذناه ولم نعمل به؟.
·
كيف تجد
دور الإعلام العربي وما يطرحه تجاه قضايانا، وخاصة قضية
فلسطين؟
إنني أرى كل
واحد منهم يطرح ويغني على ليلاه، وكل حاكم أيضا متشبث بمقعده، مهما كانت
النتيجة
وسواء شعبه عانى وجاع لا يهمه غير كرسيه، وكل من حوله يشتغل لحمايته، هذا
شيء مؤسف
وشيء مذل أمام العالم. هذا العالم الذي كان يخاف من ذكر كلمة
العرب الذين فتحوا
اسبانيا ووصلوا إلى الصين بالكلمة الطيبة وليس بالحرب، والدولة العربية
الإسلامية
صارت بأعز مراتبها، كيف سترجع فلسطين ونحن مختلفون؟ أبناء فلسطين مختلفون
مع بعضهم،
كيف نتحد نحن إذا كان الفلسطينيون لم يتحدوا؟ نحن في وضع لا
نحسد عليه. مع هذا،
نلقي كل أخطائنا على العدو ولا ننظر للحقيقة المرة التي نعيش فيها، صار لي
ستين سنة
وأنا أسمع نداء فلسطين جينالك، لكن لا نسير خطوة واحدة، بل العكس هو الذي
يحصل.
·
لنخرج مما ينغص علينا جميعا،
ونسأل عن وقتك كيف تقضية؟ وما هو الجديد
لديك؟ كيف تتعامل مع الشباب عندك وهم جميعا من الوسط الفني؟ هل
يجري حوار في
الأعمال التي تقدم لكل منكم؟
أنا بهذا العمر أقضي أكثر وقتي في القراءة لأن
تقدم السن حدد لي أدوارا معينة في العمل تليق بشخصيتي وسني،
وعندي برنامج في
الإذاعة مستمر اسمه 'حكواتي الفن' يقدم بإذاعة دمشق، هذا البرنامج عمره
حوالي عشرين
سنة أكتب حلقاته. أولادي كما تحدثنا قبل قليل وقلنا بأن العرق دساس.
العائلة، هل
يمكن أن يكون منها فنانون؟ طبعا يمكن، أولادي كأنهم تعشقوا
الفن من متابعتهم، بشار
سافر الى أمريكا درس الفنون السينمائية والمسرحية في 'جامعة ميامي' رجع إلى
هنا
ليعمل في بلده، إضافة إلى سيف في التمثيل وهو مخرج مسلسلات تلفزيونية
ويحاول أن
يقدم أشياء ترتقي بمستوى الدراما التلفزيونية، عنده هدف وأنا
أشجعه عليه، إضافة إلى
ابني عامر هو مثلي عنده حب التمثيل.
·
هل يحصل حوار بينك وبين سيف حول
أعمال
يقدمها ويكون الرأي بين رؤيتك القديمة ورؤيته الحديثة؟
بالتأكيد يدور بيننا
حوار عندما يكون لديه عمل يعطيني إياه أقرأه وأعطيه رأيي، وإن كنت أحيانا
غفلان عن
بعض الأشياء بالعمل يرشدني إليها، كما أني أعطيه بعض النصائح إن رأيت ما
يستحق ذلك،
أنا ربيت أولادي على الحرية ولم أختر لأحد منهم الطريق الذي يتجه له، بشار
اختار ما
يريد وسافر كمل دراسته، وكذلك سيف، حتى بناتي لم أفرض عليهن أي شيء.
الأولاد جميعا
هم اختاروا، هذا رأيي الخاص.
·
كيف رأيت الدراما في هذه السنة؟
هل ما زالت بخير
أم يجب أن ننظر إلى الأخطاء ونراجع أنفسنا ونصلح؟
البضاعة الجيدة تطرد البضاعة
الرديئة، البضاعة التي شفناها في رمضان كانت جيدة وقليل منها
نصف جيد، وقليل جدا
سيئ، وهذا ما لازم يظهر أبدا. للأسف شفت بعض أعمال غير مناسبة، أكيد أن
المشرفين
عليها شعروا بذلك، لكن كانت هناك أعمال جيدة وطرحت مشاكل العصر وتحرر
المرأة، وفعلا
أنا جدا سعيد بما تقدمه الدراما في سورية.
·
كيف تنظر إلى التعاون في الدراما
بين سورية ومصر؟ وكذلك دخول الدراما التركية؟ في هذا التنوع، هل على
الدراما
السورية أن تخطو خطوات متأنية؟
أنا أحبذ بأن الأعمال تطحش وتدخل علينا حتى
نعرف إذا كان عندنا عيوب نتلافاها. عندما نجد أعمالا أخرى
تلاقي إقبالا وقتها ننظر
إلى الأسباب التي تجعلها تنجح، وهذا يشجع الشركات والكتاب ليقدموا الأفضل
لهذا
السبق الذي صار مثل سوق عكاظ، وكأننا في شبه مباريات. بعد انتهاء شهر رمضان
يبين
الغث ويبين السمين.
·
نظرتك للإنتاج السينمائي في
سورية بشكل خاص وفي الدول
العربية عامة؟
للأسف السينما تتراجع، والسورية بشكل خاص لأنه يوجد سبب مادي.
لما نضع تكاليف بفيلم معين، المفروض أن
يطالع الفيلم التكاليف من البلد المنتج.
نجاح السينما عندما تكون البلد كبيرة مثل أمريكا، رأس مالها تربحه، بينما
نحن لا
نقدر أن نحصل على رأس مال الفيلم حتى لو عرض بكل المدن السورية. هذا من
الأسباب
الرئيسية، إضافة إلى وزارة الثقافة التي أوجدت مؤسسة السينما
التي لا تقوم بواجبها
وتقدم المطلوب لهذا الفن الراقي.
·
الفنانة سلافة المعمار زوجة ابنك
سيف الدين،
هل هي بمنزلة ابنتك؟
قبل أن تأتي كنت أتحدث مع أولادي بهذا الموضوع، قلت لهم
إن سلافة كانت رائعة وهي تجيب على أسئلة زاهي وهبي في برنامجه على محطة
المستقبل
'خليك
في البيت'، كانت رائعة جدا. أنا يعجبني في سلافة زوجة ابني سيف ثقافتها
وفكرها وحبها للمناقشة التي تطلع منها بنتائج جيدة. عندما تكون عندنا
تستحثني على
أن أتحدث معها لتأخذ المطلوب اللي هي تريده فعلا. إن سلافة لها
مكانة خاصة عندي
وأنا سعيد بها.
·
سنختتم بالصحافة المقروءة، هل
تطلع على الصحافة العربية وما
تقدمه؟
اسمحي لي أن أقول لك إن صحافتنا كلها مثل بعضها، عندما أنظر بالجرائد
أجدها كأنها نسخة واحدة. الصحافة المقروءة إذا لم تكن تختلف بالآراء لا
تطلعين منها
بنتائج تفيدك. للأسف صحافتنا دائما تحكي باسم دولها، لا تحكي
باسم شعوبها. هذا واقع
لازم نواجهه بصراحة. أنا أشكر الأستاذ عبد الباري عطوان، مجرد عرفت أن هذا
الحديث
سيكون لـ'القدس العربي'، عرفت انه سينشر ويقرأ غير منقوص.
القدس العربي في
02/11/2010 |