حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

حصاد الميديا 2011

... وفي عام 2011، جاءنا «الربيع» فقلب المشهد الإعلامي العربي رأساً على عقب. وإذا كانت الفضائيات قد أدت دوراً مصيرياً في دعم بعض الثورات وإخماد غيرها، فشلت القنوات المحلية في التخلّص من إرث الأنظمة المخلوعة، وخصوصاً «التلفزيون المصري». أما الإعلام الغربي، فقد وقع مجدداً في أخطاء مهنية وأخلاقية عكست جهله الكبير بالمنطقة، فيما حافظ المشهد اللبناني على انقسامه الثابت منذ سنوات!

عام التحولات في المشهد الإعلامي العربي

محمد خير

2011 كانت سنة القنوات الإخبارية العربية بقدر ما كانت سنة الشعوب العربية. هكذا خاضت الأنظمة حروبها ضد الشعوب والتلفزيونات. وإن كانت الحرب ضد الشعوب واضحة، فالتضييق على الفضائيات جرى بالتشويش، واقتحام المكاتب، ومطاردة المراسلين... وحتى الساعة لا الشعوب انتصرت بعد، ولا الفضائيات اجتازت جميع الاختبارات. إذاً كانت 2011 سنة عودة الجمهور من فضائيات المنوّعات إلى الأخبار بعد غياب 5 سنوات، أي منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006. وبدا أن السنة تدور بين فعلَين متناقضَين: إدمان الأخبار، والتشكيك فيها.

البداية من تونس. هناك لم يكن الغياب الإعلامي وحده مسؤولاً عن تأخر انتشار خبر الثورة. اليأس من الوضع العربي أخّر الاهتمام بالحراك الشعبي. بثت فضائيات معدودة لقطات قليلة نقلاً عن ناشطين، ولم تبذل جهداً لنقل ما يجري داخل تونس. وفجأةً وفي أيام متتالية، شاهدنا الاعتذارات الرئاسية المتلاحقة. ثم طار الرئيس واستمعنا إلى مذيعة «الجزيرة» تبشّرنا بالخبر: «غاااادر البلاد» قالتها كأنما لتؤكدها أو لتصدقها. وبدا أن المستحيل بات ممكناً، فتسابقت القنوات لنقل «المجرم هرب»، و«لقد هرمنا». وبدأ المُشاهد العربي يتعرّف إلى تونس والحرية معاً.

وفجأة، بدأت المحطات تتساءل عن مصر. وسرعان ما احتلّت «ثورة النيل» الشاشات. كانت تلك الثورة النموذجية من الشعب المقهور ضد الدكتاتور. لم يكن ثمة «ناتو» ولا «ممانعة» ولا احتراب أهلي. كانت تونس الاختبار الأول في المعمل. أما مصر، فهي التأكيد والبرهان. ربما لهذا سرعان ما انتصرت الثورة، وإن اتضح لاحقاً أنها اجتازت مرحلتها الأولى فقط. مع ذلك، كانت فضائيات التعاون الخليجي قلقة ومضطربة عدا «الجزيرة»، التي قدمت دعماً هائلاً للاحتجاجات الشعبية باستثناء حالة البحرين. أما «العربية» وأخواتها، فلم ترَ في مصر سوى فرعونها، وظلت تسمّي الثورة «الأزمة». وعندما ذهب مبارك، أطلقت على الحدث عنوان «مصر ما بعد مبارك»، كأنها ترفض لفظ اسم مصر بلا فرعون.

وما لبثت «العربية» أن أطلقت العنان لـ«مشاعرها» عندما انتفض الليبيون، فسمّتها «ثورة» حتى قبل أن تترسخ. وتنافست مع «الجزيرة» في دعم التحرّك الشعبي ضدّ القذافي. إذاً اتفقت الفضائيتان على دعم الثورة الليبية تماماً كما اتفقتا على العكس في البحرين. هناك بدت التغطية شبه غائبة ولا شيء على الأرض أكثر من حركات طائفية ثم ظلام دامس!

تضامناً مع سامر علاوي

وبين هذا وذاك، جاء تناول القناتين للثورة اليمنية متفاوتاً: تغطية «الجزيرة» واسعة، فيما تحرّكت «العربية» بهدوء كمن يتحرك في ساحته الخلفية، لأن الخبر الحقيقي كان يدور في قصور الرياض. لم تنقسم الفضائيات حقاً إلا في بدايات التحركات السورية. وبينما اعترفت «العربية» فوراً بالثورة، تباطأت «الجزيرة» حتى جاء فيديو قرية البيضا، فلحقت بـ«العربية» حتى تخطتها. وبلغ التصعيد ذروته ثم استقر مع معادلة الصراع السوري القائم منذ أشهر بلا حسم، فإذا بالثورة تتحول إلى أرقام قتلى تتزايد مع نهاية الأسبوع، وصور مدرعات تتحرك على الطرق السريعة. ماذا بعد؟ التلفزيونات الرسمية؟ لا اختلاف بينها سوى في درجة الكذب وإن كانت كل كذبة تشبه نظامها: مسخرة في تلفزيون القذافي، «عصابات إرهابية ومندسون» في تلفزيون الشام، وأكاذيب تفيض عن حاجة الثمانين مليون مواطن في «ماسبيرو». أما في البحرين واليمن، فالشعوب تحب رئيسها وملكها.

لكن بين الفضائيات العربية وتلك الرسمية، برز نجم جديد على المشهد الإعلامي: إنها مواقع التواصل الاجتماعي التي قلبت الصورة والمعادلة. هكذا مع التضييق على المحطات، لجأ الثوار إلى تويتر وفايسبوك ويوتيوب لنقل المشهد على الأرض. واستعانت الفضائيات العربية بهذه الأشرطة لتعويض النقص في الصور المباشرة، بعدما منعتها الأنظمة من ممارسة عملها.

الأرض تهتز: أزمة وعنصرية وفساد

ليال حداد

لم تهبّ رياح التغيير العربية على الإعلام اللبناني في عام 2011. بقي المشهد العام ثابتاً على انقساماته السياسية والطائفية والفئوية. إلا أن تغييراً من نوع آخر شهدته أروقة القنوات والصحف المحلية، فسجّل العام حركة انتقال لافتة للإعلاميين من مؤسسة إلى أخرى: مدير مكتب بيروت في «الجزيرة» غسان بن جدو يقدّم استقالته من المحطة ويؤسّس مع نايف كريّم قناة «الميادين». ثمّ زاهي وهبي يعلن مغادرته قناة «المستقبل»، متّجهاً أيضاً إلى «الميادين»، التي جذبت كذلك لينا زهر الدين. أما ديما صادق، فانتقلت من نشرة أخبار الـ otv إلى lbc، بينما افتقد المشاهدون إطلالة دوللي غانم في النشرة المسائية، بعد إعلانها الاكتفاء بتقديم برنامج «نهاركم سعيد»، فيما وقّعت رابعة الزيات عقداً مع قناة «الجديد» لتقديم «والتقينا عند رابعة» الذي أوقفه القضاء، ليطلّ باسم جديد هو «وبعدنا مع رابعة»، لكن انضمام رابعة إلى المحطة قابلته في الجهة الأخرى مجموعة من الاستقالات لكل من أوغاريت دندش، وسلمى الحاج، ومالك الشريف، وأخيراً ماريو عبود الذي غادر القناة قبل أيام.

على جبهة الصحف المكتوبة، بدت الصورة أقلّ تحرّكاً رغم بعض التغييرات. ولعلّ أبرزها كانت مغادرة الزميل خالد صاغية صحيفة «الأخبار».

أما «النهار»، فاعتمدت على تصميم أكثر عصرية للجريدة، فيما أصيب مراسل «السفير» محمد بلوط خلال تغطيته للثورة الليبية. وعند الحديث عن الأحداث التي شهدها عالم الصحافة المكتوبة في لبنان، لا بدّ من التوقّف عند قرار وريثَي ملحم كرم، كرمة وكرم إقفال «دار ألف ليلة وليلة» وصرف مئات الموظفين من دون دفع التعويضات المالية اللازمة. وحتى الساعة، لا تزال القضايا القانونية عالقة في القضاء بين ثائر كرم، وشقيقَيه.

ومن الصحف إلى التلفزيونات، عاد الحديث هذا العام عن دمج قناتَي «أخبار المستقبل» و«المستقبل» بسبب الأزمة المالية التي يعانيها تيار سعد الحريري. قبل أيام قليلة، صدر قرار بتأجيل عملية الدمج حتى نيسان (أبريل) المقبل، مما سيؤدي تلقائياً إلى صرف مئات العاملين في التلفزيون. وإن كانت عملية الاستغناء عن خدمات الموظفين في «المستقبل» قد تأجّلت، فإن lbc اتخذت خطوات سريعة في صرف أكثر من ستين موظفاً، إلى جانب إيقاف نشرة الأخبار على «الفضائية اللبنانية».

لكن مشاكل القنوات المحلية لم تقتصر على الأزمة المالية. شهد هذا العام تراجعاً كبيراً على صعيد المضمون الإعلامي.

شاهدنا ارتفاع منسوب العنصرية ضدّ الأجانب، وخصوصاً الفقراء. هكذا عرضت mtv تحقيقاً عن العمال الآسيويين والأفارقة في برج حمود، واستخدمت فيه مراسلتها كل عبارات التحقير والازدراء بحق هؤلاء. وحالما خمدت هذه القضية، أعادت عملية القتل الوحشية للشابة ميريام الأشقر، الخطاب العنصري إلى الواجهة. هنا ستُطلق كل الاتهامات والشتائم ضدّ العمال السوريين مباشرة على الهواء، ومن دون أيّ رادع أخلاقي أو مهني.

وسط كل هذه السقطات الإعلامية الكبيرة، كانت otv تتخبّط في مشاكلها الداخلية: عيّنت جوني منيّر مديراً للأخبار بعد جان عزيز، ليعود ويقدّم استقالته بسبب خلافات مع الإدارة.

وشهد العام نفسه استقالة المراسلتَين نسرين ناصر الدين، وإقالة شيرين ناصر، اللتين توجّهتا إلى قناة «آسيا» التي يديرها انتفاض قنبر، ويموّلها السياسي العراقي أحمد الجلبي. ومن المتوقّع أن تبدأ بثّها قريباً من بيروت.

الثورة تعثّرت على أبواب «ماسبيرو»

محمد خير

لعلّ الدليل على صعوبة الأزمة التي تواجهها الثورة المصرية أنّ 2011 انتهى ولا يزال «التلفزيون المصري» يتكلم اللغة نفسها التي كان يستعملها بداية العام، محذِّراً من «البلطجية»، و«المؤامرات»... لسخرية القدر، فإن «ماسبيرو» يودّع العام محذِّراً من دعوات التظاهر في 25 كانون الثاني (يناير) 2012، تماماً كما كانت الحال قبل عام. أما الحجة هذه المرة، فهي أن التجمّع الشعبي في 25 يناير هو «مؤامرة تحدّد موعدها في الذكرى الأولى لثورة يناير».

على أي حال، بما أن أي تغيير حقيقي لم يلحق بالعقلية التي تدير التلفزيون الرسمي، ليس متوقعاً أن يتعلّم القائمون عليه الدرس، لكن الكذب لا يمنع القدر، و«المواطنون الشرفاء» الذين يصدّقون التلفزيون الحكومي لا يمكن احتسابهم في المعادلة السياسية، فيما الثوار لا يشاهدون آلة الكذب المسمّاة «ماسبيرو». المبنى العريق الذي تأسس عام 1960، بلغ ذروة «إبداعه» في 2011، حتى إن ناشطين تبادلوا صورة له بعد تحويرها، ليظهر على شكل أفعى يمتد لسانها المشقوق في سماء القاهرة. جاء ذلك بعد أحداث 9 تشرين الأول (أكتوبر) التي سُمِّيت، للمفارقة، «أحداث ماسبيرو»، بما أن عشرات المتظاهرين الأقباط لقوا مصرعهم، تحت مبنى التلفزيون. مع ذلك، لم تنقل القنوات الرسمية ما جرى، بل أسهمت في التحريض الطائفي. أثبت «ماسبيرو» أن العقلية الحاكمة في مصر تمتلك خبرة الأنظمة القديمة، فأول ما سعت إلى حمايته إبان الثورة المصرية، كان مبنى التلفزيون.

ينتهي العام في مصر إذاً بوزير إعلام جديد هو أحمد أنيس، بعدما بدأ بوزير آخر هو أنس الفقي، الذي يقبع حالياً في السجن. والحق يُقال فإنه لا فرق حقيقياً بين «ماسبيرو» تحت قيادة الفقي وأنيس، اللهم إلا في استقبال بعض المعارضين الحقيقيين. وباستثناء ذلك، فإن رسالة التلفزيون الرسمي واحدة: التحريض ضد الثوار، مع تبنّي رواية السلطة الحاكمة اليوم.

وإن كان دور التلفزيون الرسمي مفهوماً، فإنّ دوراً أكثر خبثاً تمارسه قنوات خاصة افتتحت أخيراً. إنها مجموعة «سي. بي. سي.» التي دار جدل حول مصدر تمويلها، وخصوصاً أنها ضمّت أكبر عدد من «إعلاميي الفلول»، الذين غادروا «التلفزيون المصري». ونجح هؤلاء في تقديم إداءٍ متميّز شكلاً، وخبيث مضموناً، إذ يضعون ميدانَي «التحرير» (معارض للمجلس العسكري) و«العباسية» (مؤيّد) على قدمَي المساواة. في المقابل، انحازت قنوات «أون تي في» و«التحرير» و(نصف) «دريم»، إلى الثورة. أما «الإخوان المسلمون»، فامتلكوا للمرة الأولى محطة هي «مصر 25». وسط ذلك، بقيت قناة «25 يناير» التي تحاول تقديم إعلام حيوي.

إذاً في وقت يهدف فيه «ماسبيرو» إلى تخويف جمهور المنازل من الثورة، ويستهدف الإسلاميون أصوات ذلك الجمهور، تحاول القنوات الثورية توعيته وكشف أكاذيب السلطة. أما شباب الثورة، فلا وقت لديهم لمتابعة ذلك، بل يجلسون في الميدان غالباً، ويستعملون إعلامهم الجديد والتكنولوجيا الحديثة التي تنتمي إلى مستقبل لا يزال غامضاً.

ماذا رأى الغرب؟

صباح أيوب

٢٠١١ كان عام التحدي بالنسبة إلى الإعلام الغربي. في ظل الأزمة المالية التي لا يزال يعانيها، برزت أحداث كبرى دفعت كل المؤسسات الإعلامية إلى مواكبتها. وإن كانت الصحف والقنوات قد نجحت في تحدّي الوقت والتقنيات، إلا أنها فشلت على جبهة

المهنية. البداية مع نجاح الإعلام الغربي في المواكبة السريعة للأحداث: من تغطية الثورات العربية وصولاً إلى زلزال اليابان وزفاف الأمير ويليام مروراً بفضيحة روبرت مردوخ. هكذا لجأت الصحف إلى مواقعها الإلكترونية لتواكب التطورات لحظة بلحظة. أما القنوات التلفزيونية، فقسمت شاشاتها بين مراسلي المحطة الميدانيين، وضيوف الاستديو، وشبّاك مواقع التواصل الاجتماعي، والنقل الحي، إضافة الى بث الأشرطة المنشورة على يوتيوب.

لكن هذا النجاح التقني قابله فشل كبير، وكانت الثورات العربية أكبر ملعب لارتكاب الأخطاء. هكذا، فشل الإعلام الغربي في الافادة من تقنياته الحديثة لنقل الصورة كاملة من ليبيا، والبحرين، والسعودية، وسوريا. وتعمّد في بعض الأحيان عدم تأدية واجبه كاملاً لخدمة مصالح سياسية. وإضافة إلى الأخطاء الناتجة عن جهل في جغرافيا المنطقة العربية وتاريخها ومكونات مجتمعاتها ودياناتها، تسابقت المؤسسات الإعلامية الى نشر الأخبار على حساب التدقيق واحترام الأخلاق المهنية.

ومنذ بدء قصف حلف «الناتو» حتى إعلان وقف العمليات العسكرية في ليبيا، أبرزت المقالات صورة واحدة فقط: الثوار يقاتلون من أجل حريتهم. لا شيء عن فداحة عمليات الناتو ولا الأخطاء التي طاولت المدنيين، وغياب شبه كامل لأي تحقيق عن تعذيب الثوار لبعض المواطنين. ثم جاءت ذروة تخطي الحدود الأخلاقية بنشر صور معمر القذافي مقتولاً.

وخلال ثورة البحرين، لم نرَ إلا عدداً قليلاً من المراسلين الغربيين المهتمين بالأحداث، لكن التغطية خفتت مع تقدم دبابات درع الجزيرة التي سحقت الثورة وأهلها. أما في السعودية، فقد شُغل الصحافيون الغربيون بخبر وفاة ولي العهد أكثر من انشغالهم بالتحركات الدامية في بعض أنحاء المملكة.

وفي سوريا، كان الإعلام ممنوعاً من الدخول إلى الأماكن الساخنة... تماماً كما في السعودية. مع ذلك، أصرّت أغلب وسائل الإعلام على استقاء معظم أخبارها السورية من مصادر المعارضة في الخارج، ونقلت عنها «وقائع» كوّنت على أساسها التحليلات.

النيو ميديا طريقاً إلى فلسطين

رشا حلوة

في 2011 بدا المشهد الإعلامي الفلسطيني راكداً بعيداً عن أي تطوّر. حافظت الوسائل الإعلامية التقليدية على انقسامها، بين مؤسسات حزبية وأخرى تجارية يرتبط وجودها بالإعلانات، من دون أن تهتمّ بمضمون المادة التي تقدّمها إلى الجمهور. وكانت تعتمد بنحو رئيس على صيغة التصريحات المباشرة من دون أي مهنية في التعامل مع الخبر. إذاً، مع بداية العام، انطلقت الثورات وهبّت رياح الديموقراطية على العالم العربي، فبرز الإعلام الجديد وانتشر بين الفلسطينيين، خصوصاً الصحافيين.

مثلاً، في وقت تكتّم فيه الإعلام على حركات التضامن مع الثوارت في الأراضي الفلسطينية، نقلت مواقع التواصل الاجتماعي تفاصيل هذه التحركات، مسلّطةً الضوء على قمع الأجهزة الأمنية الفلسطينية للمعتصمين. ولولا هذا التوثيق الإلكتروني، لما علم أحد بخبر اعتقال أحد الشبان في دوار المنارة في رام الله أثناء لقاء تضامني مع الشعب المصري. وإلى جانب مواقع التواصل، انتشرت المدوّنات بين الشباب الفلسطيني، فقرأنا مقالات الرأي، وتعرّفنا إلى مهنة «المواطن الصحافي» المؤمن بأنه قادر على إيصال ما يحصل على أرض الواقع إلى العالم.

وسعى هؤلاء الناشطون على الإنترنت إلى فضح الأخطاء التي يرتكبها عدد من وسائل الإعلام. مثلاً في تشرين الثاني (نوفبمر) الماضي، نظّمت مجموعة من الشباب الفلسطيني حركة احتجاجية بعنوان «ركاب الحريّة» بهدف فضح سياسة الفصل العنصري الإسرائيلية. هذا النشاط الذي حاز اهتماماً إعلامياً عربياً وعالمياً لم يحظَ بالمثل فلسطينياً. أكثر من ذلك، قدّم أحد المواقع الإلكترونية تغطية مليئة بالأخطاء. وفي ظلّ هذا الواقع، لا بدّ من الإشارة إلى بعض التجارب التي حاولت إيجاد طريقها إلى الجمهور، إن كان على صعيد المجلات الشبابية أو الإذاعات أو حتى المواقع.

لكن هذا الحراك الإلكتروني لم يغيّر الكثير على أرض الواقع. استمرّ التضييق على الصحافيين من قبل جهات مختلفة، وقد اعتقل الاحتلال الإسرائيلي مدير مكتب «الجزيرة» في كابول، سامر علاوي، عند مغادرته الضفة الغربية، بعد زيارته لعائلته قبل أن تطلق سراحه في أيلول (سبتمبر). وكانت للفضائية القطرية حصة إضافية من الهجوم، لكن هذه المرة من قبل السلطة الفلسطينية ومناصريها، بعدما نشرت مجموعة من الوثائق التي تكشف التعاون بين مسؤولين في السلطة وإسرائيليين. هكذا خرجت تظاهرات مندّدة بالقناة، ومؤكدة على ارتباطها بأجهزة استخبارات غربية. ولا يمكن المرور على المشهد الفلسطيني من دون التوقّف عند أجواء الوحدة الوطنية التي طغت على التغطية الإعلامية الفلسطينية لصفقة تبادل الأسرى مقابل شاليط.

«هبة» 24 آذار تدغدغ المملكة

أحمد الزعتري

يتذكّر الأردنيون حالياً ما يعرف بـ«هبّة نيسان» (1989) التي أطاحت حكومة زيد الرفاعي، وأجبرت النظام على إجراء إصلاحات. اليوم بعد 22 عاماً على «الهبة»، اتّضح أن الحراك الشعبي الذي بدأ أوائل 2011 نجح أيضاً في تعديل بوصلة النظام، إذ أطاح وزارتين، وأجبر البرلمان على إقرار تعديلات دستوريّة... دور الإعلام في هذا الحراك كان على شكل ردّات فعل، باستثناء حالات قليلة قادتها جريدة «العرب اليوم». وبعد أكثر من 4 آلاف اعتصام شهدها العام، كان على الإعلام الرسمي أن يترنّح في البداية بين التخوين، وتغطية التظاهرات كأنها تجري في...

تشيلي. بينما خاضت المواقع الإلكترونيّة معارك عدّة ضدّ الإرث الرقابي لرئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي، لكنّ الانقسام الحقيقي على الساحة الإعلامية ظهر فعليّاً بعد اعتصام «حركة 24 آذار» عند دوّار الداخلية في عمّان. كذلك شهد العام استقالة وزير الدولة لشؤون الإعلام طاهر العدوان، احتجاجاً على تعديل قانون المطبوعات، فيما اعتذر خلفه عبد الله أبو رمّان من الصحافيين الذين تعرّضوا للضرب أثناء تغطيتهم للاعتصامات في ساحة النخيل في وسط البلد. وشهدت هذه الموقعة أيضاً واحداً من أول الاختبارات الفعليّة لنقيب الصحافيين طارق المومني، الذي نجح نسبيّاً في إعادة الثقة بين الصحافة ونقابتهم. وتطول لائحة الانتهاكات الإعلامية لتشمل الاعتداء المباشر على مكاتب «وكالة الصحافة الفرنسيّة»، وتهديد النائب محمد الخرابشة لموقع «خبرني»، وإحالة جريدة «الدستور» للصحافية مهى الشرف على لجنة التأديب... كذلك أوقفت جريدة «الرأي» اعتصامها العمّاليّ الذي انتهى باستقالة رئيس مجلس الإدارة فهد الفانك، ورئيس التحرير عبد الوهاب زغيلات. وقبل نهاية العام، كان على الإعلام التصدّي للمادة 23 من قانون الفساد. كذلك تلقّى الشارع صدمة عند استقالة كل من رئيس مجلس إدارة «العرب اليوم» طاهر العدوان، ورئيس التحرير فهد الخيطان، ومسؤول الدائرة الاقتصادية سلامة الدرعاوي، احتجاجاً على سياسة المالك الجديد. ثمّ أعلنت جريدة «الغد» استقالة رئيس تحريرها مصطفى صالح، وانضمام فهد الخيطان إليها ككاتب عمود. أما «التلفزيون الأردني»، فواصل سباته العميق.

الأخبار اللبنانية في

29/12/2011

 

حصاد الميديا 2011 (2)

طفرة إعلامية في تونس، ورقابة حديدية في سوريا، ونشاط إلكتروني في فلسطين... أما في المغرب والجزائر، فبقيت نسائم الحرية حبيسة القوانين المتحجّرة والسيطرة الحكومية، حيث فشلت حتى الساعة في تحرير القطاع الإعلامي. كل هذه التطورات بدت عصيّة على دخول دول الخليج، التي واصلت قمع الإعلاميين بنجاح كبير، وخصوصاً في السعودية والعراق، فيما لا يزال اليمن يكتشف مرحلة الحرية.

الإعلاميون صامدون خلف الجدار الحديدي

وسام كنعان

لم تشهد الساحة الإعلامية في سوريا أيّ تغيير فعلي عام 2011، إلا مع انطلاق الاحتجاجات الشعبية في شهر آذار (مارس) الماضي. وتماماً كما انقسم الشارع بين مؤيّد للنظام، ومعارض له، اصطفّت وسائل الإعلام على الجبهتين. على ضفة الموالاة، بذل «التلفزيون السوري» جهوداً لتلميع صورة النظام والتقليل من أهمية التظاهرات، فيما بالغ تلفزيون «الدنيا» في تأييده للسلطة، حتى بات بعض مذيعيه يشبهون المسؤولين الرسميين في خطاباتهم. أما قناة «المشرق»، فذهبت إلى الضفة الأخرى لتدعم المحتجين، وتشنّ حملة مضادة على النظام.

كذلك فعل موقع «كلنا شركاء»، الذي ارتدى حلّة المعارضة الشرسة، خالعاً رداء «الاعتدال» الذي اشتهر به طويلاً. هكذا انقلبت الصورة الإعلامية في سوريا، وتعرّض قسم كبير من الصحافيين للخطر والمساءلة والتوقيف.

ورغم تفاؤل السوريين برفع الحظر عن مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك، وتويتر، ويوتيوب)، بدا أن هذه الخطوة ما هي إلا سلوك شكلي. واجه الناشطون الإلكترونيون صعوبة كبيرة في الدخول إلى صفحاتهم، إضافة إلى تعطيل عمل الشبكة العنكبوتية بين الفترة والأخرى. ومع اندلاع الاحتجاجات، توسعت دائرة المنع التي اعتادتها السلطات السورية، لتشمل هذه المرة معظم الصحف العربية، بما فيها تلك التي اعترفت بوجود عصابات مسلحة وطالبت بوقف «المؤامرة» التي تحاك ضدّ سوريا... وجاء ذلك بالتزامن مع صدور قانون إعلام جديد وصفه المراقبون بـ«العصري والمتطور»، كما شهد العام إنشاء مجلس وطني للإعلام يتولى قيادة العملية الإعلامية في سوريا. إلا أن تلك الخطوات ذهبت أدراج الريح، فاستمرّت الرقابة، وكان أبرز ضحاياها جريدة «بلدنا» السورية الخاصة، التي سحبت من الأسواق بسبب مقالة رأي هاجمت «حزب البعث» الحاكم.

وفي وقت لم نشاهد فيه ولادة أي إذاعة جديدة، فإن معظم الراديوهات الخاصة تجاوزت التراخيص الفنية والتجارية الممنوحة لها، وبدأت تذيع نشرات الأخبار. بينما تحولت إذاعة «شام أف. أم.» إلى محطة إخبارية مستفيدة من بثها الفضائي. وقد سجّلت سابقة باستضافة محللين وخبراء سياسيين، ونجحت في مواكبة الأحداث على الأرض، وبثّ الأخبار العاجلة معتمدةً على شبكة مراسليها في المحافظات السورية، إضافة إلى استضافتها شخصيات من المعارضة الداخلية.

على مستوى الفضائيات، تراجع على نحو ملحوظ حضور قناة «سوريا دراما»، فيما بدأت «التربوية السورية» بثها على مدار الساعة. أما «الإخبارية السورية»، فاعتصمت ببثها التجريبي متخبطةً في عجز واضح عن مجاراة الأحداث. كذلك، باشرت فضائية «نور الهدى» الرسمية بثّها كأول محطة دينية، إلى جانب تسجيل تلفزيون «الدنيا» ظهور أول مذيعة محجبة في تاريخ سوريا، وهي ريم شرقاوي. إضافة إلى كل ما سبق أن تردد عن أن وزارة الإعلام منحت ثمانية تراخيص لفضائيات يفترض أنها ستزاول عملها مطلع العام الجديد، كما قُدّم حوالى ثلاثة عشر طلباً لإنشاء أحزاب «مستقلّة»، وبالتالي إنشاء وسائل إعلامية ناطقة باسم هذه الأحزاب.

إذاً انقسم الإعلام السوري، وانقسم معه الإعلاميون، حتى دفع بعضهم ثمن مواقفه. ولعلّ أبرز هؤلاء كان رئيسة تحرير جريدة «تشرين» سميرة المسالمة، التي أطلّت عبر شاشة «الجزيرة» محملةً رجال الأمن مسؤولية تطوّر الأحداث في منطقة درعا. وهو ما أدّى إلى إقالتها من منصبها. أما مذيعة قناة «العربية»، السورية زينة يازجي، فقدّمت استقالتها من المحطة احتجاجاً على «تغطيتها المنحازة» للأحداث في بلادها، بينما علّقت قناة mbc التعاون مع الإعلامي اللبناني جورج قرداحي، بعد مواقفه الداعمة للنظام السوري.

السعودية أجهضت ربيع الجزيرة

حسام السراي, مريم عبد الله

على وقع الاحتجاجات الشعبية، بدأ عام 2011 في اليمن، فبرز على الساحة عدد من الإعلاميين الذين تعرّضوا للاعتقال، والضرب، والتهديد المباشر وغير المباشر من قبل نظام الرئيس علي عبد الله صالح. ومنذ انطلاق الشرارة الأولى للثورة، تعرّضت المطبوعات المستقلة للتضييق والمصادرة والحرق، وصولاً إلى طرد صحافيين من عملهم، ومصادرة مرتباتهم، وقصف منازلهم بـ... المدفعية الثقيلة! رغم كل هذا القمع، تمكّنت الصحافية والناشطة توكّل كرمان من تسجيل انتصار كبير للثورة في بلادها، بعد حصولها على «جائزة نوبل للسلام»، لكن هذه الخطوة دفعت الإعلام الرسمي إلى محاولة تجييش الرأي العام ضدّها، فاتهمها تارة بالعمالة للاستخبارات الأجنبية، وشكّك طوراً في يمنيّتها، مؤكداً أنها إيرانية الأصل. لكن عمليات القمع والتخوين لم تكن حكراً على النظام في اليمن. شهد العراق أحد أسوأ أعوامه منذ الاجتياح الأميركي. وجاءت التطورات السياسية في المنطقة لتنعكس على نحو مباشر على الساحة الإعلامية.

هكذا أصدرت بعض الصحف ملاحق خاصة دعماً لهذه التحركات، فيما نظّم الصحافيون بدورهم مجموعة من التظاهرات المطلبية والسياسية. وتعرّض أربعة صحافيين للاعتقال والضرب بعد مشاركتهم في تظاهرة 25 شباط (فبراير). كذلك اعتدت أجهزة الأمن على مقّر «مرصد الحريّات الصحافيّة» وقناة «الديار»، إلى جانب إضرام النار في مقر فضائيّة «ناليا» من قبل مجهولين. وكما كل عام، طاولت لائحة الصحافيين المعتقلين والمعتدى عليهم، لكنّ الأبرز كان اغتيال المسرحيّ والإعلاميّ هادي المهدي، والصحافيّ هلال بنون عبد الله الأحمدي، كما أودى هجوم انتحاري بحياة الإعلاميين صباح البازي، ومعمر خضيّر عبد الواحد. وقد شهد العام إنشاء عدد من وسائل الإعلام، بينها صحيفتَا «المستقبل العراقيّ»، و«الناس» ووكالة «الفرات نيوز»، وقناة «آسيا». أما نقابة الصحافيين العراقيين، فشهدت حدثين بارزين، الأول هو إجراء الانتخابات التي أدت إلى فوز مؤيد اللامي بمنصب النقيب للمرة الثانية. أما الحدث الآخر، فهو احتضان النقابة لـ«مؤتمر الاتحاد العام للصحافيّين العرب»، لكن يبدو أن الخلافات داخل النقابة دفعت بعض الصحافيّين إلى تأسيس كيان جديد هو «النقابة الوطنيّة للصحافيّين والإعلاميّين في العراق». تبقى الإشارة ضرورية إلى الجدل الذي دار في الوسط الإعلامي على خلفية قانون حقوق الصحافيّين، الذي أقرّه مجلس النواب قبل أشهر.

وكما في العراق كذلك في السعودية، بدا التضييق على وسائل الإعلام كبيراً. ورغم صدور تعديلات على قانون المطبوعات والنشر في المملكة، فإن عقوبات جديدة وغرامات ضخمة بقيت تُفرض على الصحافيين، كما أن التعديلات حرّمت انتقاد مفتي المملكة وكبار العلماء ومسؤولي الدولة. وتوصلت عمليات التضييق على الصحافيين التي طاولت هذه المرة مدونين وأكاديميين وحقوقيين، إضافة إلى حظر أكثر من ربع مليون موقع على الإنترنت.

ورغم إطلاق خمس إذاعات خاصة، وصدور صحيفة «الشرق»، بقي الخطاب الإعلامي غارقاً في تقليدية مرعبة، مما دفع بالجمهور إلى اللجوء إلى وسائل الإعلام الحديث.

وفي ظل كل هذه الرقابة القمع، لا بدّ من التوقّف عند حدث بارز شهدته قناة «الجزيرة» في قطر بعد استقالة (أو إقالة) مديرها العام وضاح خنفر.

وعند الحديث عن المشهد الإعلامي الخليجي، تبرز قضية صحيفة «الوسط» البحرينية التي حاولت السلطات تدجينها مع إنطلاق الانتفاضة. وقد قتل مؤسس الصحيفة عبد الكريم فخراوي (49 عاماً) في نيسان (أبريل) الماضي تحت التعذيب. وفي البحرين أيضاً، ورغم عمليات القتل والتعذيب التي يتعرّض لها المواطنون، أعلن الوليد بن طلال أمس عن نقل شركة «روتانا» وقناته الإخبارية الجديدة الى المنامة في خطوة إضافية تهدف إلى دعم السعودية لحكومة البحرين إقتصادياً وسياسياً.

سراديب بن علي تعانق الضوء

سفيان الشورابي

بعدما عاش الإعلام التونسي خلال عهد زين العابدين بن علي في سراديب الظلام، منحت الثورة الصحافيين فسحة من الحرية حلموا بها لسنوات طويلة. ومع انهيار السلطة السابقة، فُتح باب الإعلام على مصراعيه. والحصيلة الأولية لهذه الحرية كانت ظهور 88 مطبوعة ورقية، و15 إذاعة خاصة، و5 قنوات تلفزيونية. ومع مصادقة «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة» على قانون الصحافة والطباعة والنشر، سقطت كل القيود التشريعية التي كانت تكبّل العمل الإعلامي، وأصبح التونسيون يعيشون في ظل التعددية التي تاقوا إليها طويلاً.

غير أن اتساع هامش الحريات لم يؤدِّ إلى تحسين نوعية البرامج والمقالات، بل على العكس. ولعل السبب الرئيسي لهذا التراجع في جودة المادة الإعلامية، كان السياسة الممنهجة التي اتبعها النظام السابق لضرب «كلية الصحافة وعلوم الأخبار». هكذا وجدت الساحة الإعلامية التونسية نفسها أمام معضلة غياب الاحتراف والمهنية لدى قطاع واسع من الصحافيين، الذين عجزوا عن مجاراة الواقع الجديد. هذا التحدّي الجديد انتبهت إليه الجهات المسؤولة، فبدأت سلسلة ورش تدريبية استفاد منها عشرات الصحافيين الشباب.

كذلك أنشئت «الهيئة الوطنية المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال» برئاسة الإعلامي كمال العبيدي، الذي استطاع في فترة قصيرة تنفيذ برنامج لإعادة هيكلة القطاع، كما عادت قيادة نقابة الصحافيين إلى أصحابها، فتألّف مكتب تنفيذي جديد.

لكن كل هذه الإصلاحات، لم تمنع ظهور عدد كبير من المشاكل الموروثة عن العهد البائد. هكذا حافظت المؤسسات الإعلامية على التركيبة نفسها التي كانت موجودة في السابق، وبقيت تشرف عليها مجموعة من المسؤولين الذين كانوا يخدمون السلطة المخلوعة، وفشلت جميع المحاولات لتطهير القطاع، كما ازداد الاحتقان مع إقفال بعض الصحف المقربة من النظام من دون تقديم تعويضات مالية للعاملين فيها. أما صحافيو جريدة «الصحافة» الحكومية، فدخلوا في اعتصام مفتوح في شهر أيار (مايو) احتجاجاً على القرار الإداري القاضي بوقف صدور اليومية واستبدالها بأخرى أسبوعية، قبل أن يجري التراجع عن هذه القرار، كما أضرب صحافيان عاملان في الموقع الإلكتروني لجريدة «الشروق» اليومية عن الطعام في تشرين الثاني (نوفمبر)، احتجاجاً على قرار إيقافهما عن العمل فجأة.

وإن كانت سطوة الرقابة قد تراجعت على نحو سريع، فإن أشكالاً أخرى من المضايقات ضدّ الإعلاميين برزت، حيث ظهر نوع جديد من الرقابة الاجتماعية. وتجلّت هذه الظاهرة في تعرّض عدد من المؤسسات الإعلامية لهجمات متفاوتة الحدة، كلما بثت مادة إعلامية مخالفة لـ«الذوق العام». وقد تعرّض عدد من الصحافيين للعنف اللفظي والجسدي من قبل مواطنين بسبب «عدم نقلهم الحقيقة كاملة». ودفع المدير العام لقناة «نسمة تي في» الفضائية نبيل القروي ثمن عرضه شريط التحريك «برسيبوليس» غالياً بعدما قامت مجموعة من السلفيين بمحاولة إحراق منزله في تشرين الأول (أكتوبر)، بتهمة «التعرّض للذات الإلهية». ومع سطوع نجم الإعلام التقليدي من جديد، خفت وهج الإعلام الإلكتروني، الذي أدّى دوراً رئيسياً في تحريك الثورة وانتصارها. وتعاني بعض الصحف الإلكترونية الشهيرة ضعفاً في المهنية والمضمون.

إذاً خطا الإعلام التونسي خطوات كبيرة إلى الأمام، كما عاد إلى الضوء عدد من الإعلاميين الذين حاربهم نظام بن علي بشراسة. ومن بين هؤلاء الصحافية والناشطة التونسية سهام بن سدرين (61 عاماً) التي فازت بجائزة «مؤسسة ابن رشد للفكر الحر»، في دورتها الثالثة عشرة، تقديراً لنضالها الإعلامي والحقوقي خلال العقود الماضية.

الحرية، حلم ليلة صيف!

محمد الخضيري

خلال آذار (مارس) الماضي، ومباشرة على القناة الثانية (دوزيم) طالب الحقوقي المغربي، عبد الحميد أمين، بإلغاء البروتوكول الملكي وطقس تقبيل يد الملك. فاجأ كلام أمين المشاهدين لأنه خرج على قناة حكومية، لكنه في الوقت نفسه كشف عن انفتاح بدأ يشهده الإعلام الرسمي.

هبّت رياح التغيير العربية على المغرب، فبدأت «حركة 20 فبراير» بتنظيم تظاهرات مطالبة بإصلاحات سياسية، ما دفع السلطة إلى محاولة استيعاب ما يجري على الأرض. هكذا أطلّ ناشطون في الحركة على القنوات الرسمية.

لكنّ هذا الانفتاح كان مجرد سحابة صيف عابرة لاتقاء حرارة الشارع. تراجعت القنوات بعد أشهر عن خطها «المحايد»، وخصوصاً في حملة الترويج للتعديل الدستوري والانتخابات التشريعية (النيابية). وأُسكتت جميع الأصوات الداعية إلى مقاطعة الدستور والانتخابات.

لكن هذا الحضور السريع لشباب «20 فبراير» على الشاشة جعل النقاش داخل القنوات المغربية نقدياً وأكثر جرأة. كذلك كان له تأثير على الحركة النقابية داخل التلفزيون الرسمي، فأقيمت الإضرابات المطالبة بتحسين أوضاع الصحافيين المالية وتغيير الخط التحريري المتحجّر للإعلام الحكومي.

وبعيداً عن الإعلام المرئي، شهدت الشبكة العنكبوتية فورة للمواقع الإخبارية. ظهرت مواقع كثيرة كـ«لكم»، و«كود» و«دومان أونلاين». ويقف خلف هذه التجارب صحافيون عملوا سابقاً في مطبوعات ورقية مهمة اضطرت إلى الإقفال نتيجة الضغط المالي والإعلاني. وفرضت هذه المواقع نفسها بديلاً للصحافة الورقية لتصبح أول مصدر للأخبار في المغرب.

وشهد هذا العام أيضاً تقلّصاً للتنوع في الإعلام المكتوبة، ما عُدّ نتيجة طبيعية للتضييق على الصحافة في السنتَين الأخيرتَين. أما الحدث الأبرز، فكان اعتقال أحد أشهر كتّاب الأعمدة في المغرب ومؤسس يومية «المساء» رشيد نيني. مدير الجريدة الأكثر انتشاراً اعتقل في أيار (مايو) على خلفية عدد من المقالات انتقد فيها عمل أجهزة الاستخبارات، فحكم عليه بالسجن لمدة سنة. كذلك شهد العام تنقيح التعديل الدستوري الجديد المتعلّق بحرية الصحافة، ما أعاد إلى الواجهة الحديث عن إمكان إنشاء «المجلس الأعلى للصحافة».

وفي نتيجة مباشرة لفوز حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي في الانتخابات، ظهرت تغييرات جذرية في «القناة الثانية» التي اشتهرت بقربها من «حداثيي المملكة» وكانت تمنع ارتداء مذيعاتها للحجاب. لكن ليلة الانتخابات (25 تشرين الثاني/ نوفمبر) أطلّت على الهواء مراسلتان تضعان غطاء الرأس، في إشارة واضحة إلى أن «دوزيم» بدأت تنفتح على إسلاميي المملكة.

تمخّض الجبل عن... قانون الإعلام

سعيد خطيبي

انتهى عام 2011 بتصديق البرلمان الجزائري على قانون الإعلام الجديد الذي وضع مهنة الصحافة «تحت مراقبة» الدولة. وتضمّنت أبرز بنوده تضييقاً على حرية التعبير، وحرية كشف المعلومات. وحده وزير الإعلام ناصر مهل استبشر خيراً بالقانون ودافع عنه طويلاً. لكن ذلك لم يمنع مشاعر الخيبة والإحباط من الانتشار في قاعات تحرير أهم الصحف المستقلة.

ونصّت المادة الثانية من القانون على أن «الإعلام هو ممارسة حرّة، يشترط احترام الدستور وقوانين الجمهورية، وواجبات أمن الدولة والدفاع الوطني، وواجبات السياسة الخارجية للبلد (...)». كذلك جاءت المادة 89 لتمنع الصحافي من التعرّض لرموز الدولة. ولزيادة الطين بلة، ألّفت الحكومة هيئة ضبط تملك حق سحب التراخيص من الصحف إن أخلّت بأحد شروط المادة الثانية. وفيما تغاضى القانون الجديد عن فتح القطاع السمعي البصري، أُعلن العمل على سنّ قانون جديد لمراقبة النشر الإلكتروني، ما أثار مخاوف من إمكان المساس بحريات النشر على الشبكة. علماً بأنّ بعض المواقع الإخبارية ما زالت محجوبة في الجزائر.

وازداد المشهد سوءاً مع اندلاع الثورات العربية. كشفت الصحف عن ولائها المطلق للسلطة، فلم تجد يوميتا «الشروق» و«النهار» أي مانع أخلاقي أو مهني في إلصاق تهمة زرع الفتنة بالمتظاهرين السلميين الذين خرجوا إلى شوارع الجزائر في كانون الثاني (يناير) للمطالبة بحقوقهم. كذلك لم يستفق التلفزيون الرسمي من غفوته التي دفعت أغلب الجزائريين إلى العزوف عن متابعته. أما قناة «بور. تي في» التي أطلت على الجزائريين من باريس، فقد حاولت عبثاً ملء الفراغ. كذلك بدأت قناة «المغاربية تي في» بثها من لندن، رافعةً شعار «التغيير». وينتظر كثيرون العام الجديد، وخصوصاً أنّ عدداً من رجال الأعمال كشفوا عن نيتهم إنشاء قنوات معارضة، ستتخذ من الخليج مقرّاً لها.

الأخبار اللبنانية في

29/12/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2011)