يواصل الفنان الأردني جميل براهمة حضوره في الدراما التلفزيونية للعام
الثاني على التوالي من خلال “الحسن والحسين” الذي أثار ردود فعل مضادة قبل
عرضه، و”عائلة أبو حرب” الجاري تصويره حالياً وذلك بعد غياب دام 8 سنوات
أرجعها إلى “مؤامرة مرسومة” ضده شارحاً لـ “الخليج” تفاصيلها وآثارها،
واعترف بتقديمه تنازلات من أجل العودة كما تحدث عن جديد أعماله في هذا
الحوار الخاص:
·
قلت سابقاً إن غيابك عن التمثيل
سببه “فعل فاعل” فماذا قصدت؟
- منذ مشاركتي في عمل “بقايا رماد” عام 2001 جلست
في المنزل 8 سنوات رغماً عني حتى عدت عام 2009 من خلال 5 مسلسلات دفعة
واحدة، وأثناء فترة الغياب أدركت أن “مؤامرة مرسومة” حيكت ضدي من أجل
إبعادي عن قصد لكنها انكشفت أخيراً وفضح أمر أصحابها .
·
ماذا تعني بـ “مؤامرة مرسومة”؟
ومن أطرافها؟
- بدأت التمثيل عام 1992 وبكل تواضع حصدت خلال
سنتين أدوار البطولة وكنت منطلقاً بتصاعد كبير، لكن فجأة أصبح اسمي مستثنى،
وكلما تحدث معي مخرج أو منتج لعرض دور يناسبني توقفت الإجراءات التالية
باستبعادي من دون مقدمات، وأنا بطبعي أخجل من طرح نفسي على أحد أو السؤال
عن سبب عدم إكمال الاتفاق، لكن تكرار الأمر جعلني أشك في بعض من حولي
وأدركت لاحقاً أن أشخاصاً أرادوا الانتقام مني نتيجة موضوع خاص، فوظفوا
ضعفاء النفوس ومنهم مجموعة من الزملاء في المجال للأسف من أجل تشويه سمعتي
وتلفيق شائعات هدفها إيذائي والإضرار بمهنيتي .
·
ما تأثير التوقف عليك؟
- أصبت ب “شلل فني” وعشت معاناة قاسية يصعب وصفها
انعكست آثارها المعنوية بعد سنتين من الغياب بالذات، حيث كنت أستند إلى
رصيد سابق يجعلني أتحمل الانقطاع في البداية، وأنا عموماً أتعامل مع
التمثيل وفق حالة عشق وهذا ضاعف ألمي العميق الذي لم ولن يدركه أحد غيري
مهما حاولت شرحه .
·
ما أسوأ ما سمعته عنك خلال تلك
الفترة؟
- قالوا إنني مدمن، ومتعب في تعاملي مع المنتجين،
ولا ألتزم بمواعيد التصوير وأمضي جل وقتي في السهرات الليلية، وروجوا غيرها
من الأقاويل المغلوطة التي تجنب القائمين على الأعمال التعاقد معي .
·
ألا تحمل هذه الشائعات جانباً من
الصحة؟
- تلك مجرد شائعات وافتراءات مغرضة سعت إلى ضربي
في مقتل والتزامي يشهد بإنجازي 47 عملاً في غضون تسع سنوات ماضية من دون
شكوى واحدة ضدي .
·
ما أبرز فرصة ضاعت عليك؟
- كل شيء في الحياة قابل للتعويض باستثناء سنوات
عمري التي ضاعت من شبابي، لكن هذا قدري ونصيبي وسؤال الناس الدائم عني
وتذكرهم أعمالي كان حافزي للتخفيف، أما الفرص الحقيقية التي فقدتها فكثيرة
ومنها دور البطولة في “نيران البوادي” وتجربة في مصر مع “صوت القاهرة”
وأخرى مع تلفزيون أبوظبي وغيرها في الأردن وخارجه، لاسيما مع انعكاس انعدام
الاحتكاك الميداني على عدم التواصل خليجياً وعربياً .
·
وكيف كشفت ما تراه “شائعات
وافتراءات مغرضة”؟
- كانت البداية من خلال “مخاوي الذيب” العام
الفائت، حيث اتضحت خيوط المؤامرة جلياً عقب إصرار جهة إنجاز المسلسل على
مشاركتي ولم تبال بما راح يطلقه البعض عني ثم توالت أعمال أخرى أثناء
الموسم نفسه وهي “قبائل الشرق” و”عطر النار” و”راعية الوضحا” و”نصف القمر”
وشعرت باستعادتي حركتي مجدداً بقوة وحماسة .
·
أليست سلبية مشاركتك في 5
مسلسلات دفعة واحدة خلال عام؟
- كنت متعطشا جداً للتمثيل وهناك تنويع في إطلالتي
بين البدوي والمعاصر والتاريخي، لكن لن أنكر تقديمي جزءاً من التنازلات
وربما استغل بعضهم شغفي الشديد حينها في تقليص شروطي .
·
أي نوع من التنازلات؟ وفي كم من
الأعمال قدمتها؟
- دفعت ضريبة عودتي للتمثيل بالتغاضي أحيانا عن
حجم ونوعية الدور أو تخفيض المقابل المادي وحدث ذلك في ثلاثة أعمال أتحفظ
على ذكرها .
·
هل موافقتك على “عائلة أبو حرب”
من باب الحضور أيضاً؟
- هذا المسلسل أحدث أعمالي وأعجبني موضوعه عموماً
ودوري ضمنه، فضلاً عن جدوى الحضور . والمنتج عصام حجاوي كان إيجابياً في
تعامله منذ البداية، واللافت هو أن العمل ضم نجوماً محليين وسوريين ومن
المزمع إنهاء جميع مراحل التصوير قبل نهاية هذا العام، حيث نستعرض تفاصيل
اجتماعية معاصرة بقالب كوميدي وفق سياق نفتقده في الدراما الأردنية وأجسد
شخصية ميكانيكي سيارات يتعلق بشابة تعتزم الطلاق من زوجها وأتحول حسب
الأحداث إلى شاعر غنائي وادخل في صفقات البورصة وأصطدم بعوائق حياتية عديدة
.
·
لماذا قبلت “الحسن والحسين” رغم
إثارته جدلاً واسعاً قبل بدء تصويره؟
- التحقت بالعمل قبل إتمامه بنحو شهر ونصف الشهر
فقط، وذلك خلال فترة التصوير الأخيرة في الأردن بعدما اعتذر زميل لبناني
عقب التزامه في المغرب بمشهدين ضمن دور عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه، ووجدت الشخصية محفزة على أدائها استناداً إلى اتزان صاحبها ورفضه
القتال بين المسلمين وسعيه إلى وأد الفتن، أما إثارة العمل للجدل فمن شأنه
تحقيق نسبة مشاهدة مرتفعة لكنه لم يعرض في شهر رمضان الماضي .
·
هل ندمت إزاء ذلك؟
- لا لكن مضمونه الجريء ربما يعطل وصوله إلى
الشاشة الصغيرة رغم تسليطه الضوء على وقائع تاريخية لا تقبل التحريف وحصوله
على موافقات دينية رسمية معتمدة وتجاوزه التطرق إلى خلافات مسيئة .
·
ما صحة اعتذارك عن “سقوط
الخلافة”؟
- كنت من أوائل الممثلين الذين تواصل معهم المخرج
محمد عزيزية من أجل المشاركة وأبديت تجاوباً مبدئياً، لكن حين وصلني النص
أحسست بعدم جدوى ذهابي إلى مصر وسوريا لأداء دور أحد الإقطاعيين العابرين
ولم أجد ما يمكن تقديمه فاعتذرت .
·
كيف تنظر إلى طموحاتك في المرحلة
المقبلة؟
- أنظر إليها بترقب ونشاط وتطلع بلا حدود وأنا
درست الفن أكاديمياً وأعتبر نفسي أبدأ من جديد دائماً وأبحث عن فرص ومكانة
أفضل معتمداً على اجتهادي وموهبتي، وليس العلاقات الشخصية كما يفعل كثيرون
.
الخليج الإماراتية في
10/10/2010
تدرج في عمله حتى تخصص في الأدوار
الصعبة
خالد القيش: الدراما السورية شارفت على
السقوط
دمشق - علاء محمد
لم يعد الزمن الفاصل، بعيداً، بين الممثل السوري الشاب خالد القيش
ونجوم الصف الأول، فهو مع نهاية كل عام تراه يقترب أكثر فأكثر من لعب
الأدوار التي توصل صاحبها إلى درجة ما يسمى بالنجومية في الدراما، خالد
الذي صعد درجة درجة إلى أن وصل اليوم إلى أداء الأدوار الصعبة، يملك لساناً
حاداً في النقد، وإصبعاً دائم التأشير إلى مكامن الخلل في الدراما السورية
التي يرى أنها وصلت إلى شفير الهاوية وشارفت على السقوط . حوار ساخن مع
خالد القيش عبر السطور الآتية:
·
ما المسلسلات التي تشارك فيها في
العام الحالي؟
- أشارك في أعمال كثيرة، لكن بين عمل وآخر كان
هناك فروق، فمراهنتي لهذا العام كانت على عملين هما “أبو خليل القباني” من
إنتاج شركة “أوربت” وإخراج إيناس حقي في مشاركتي الثالثة معها، ومسلسل
“ذاكرة الجسد” مع المخرج نجدت أنزور والمأخوذ من رواية الأديبة الجزائرية
الشهيرة أحلام مستغانمي .
ولي مشاركة أخرى مع أنزور في مسلسل “ما ملكت أيمانكم”، إضافة إلى
مجموعة من المشاركات كضيف في مسلسلات “القعقاع” و”أهل الراية” و”ساعة
الصفر” و”بقعة ضوء” و”رايات الحق” و”صبايا”، وكانت لي مشاركة في فيلم قصير
من إنتاج القطاع الخاص للمخرج فيصل بني المرجة الذي وقفت معه في هذه
التجربة بهدف أن تكون لدينا سينما خاصة في سوريا .
·
الملاحظ لخطك البياني يرى
تصاعداً من عام إلى آخر، حيث بدأت منذ عامين تقريباً تتلمس طريق النجومية،
لكن متى يصل ممثل مثلك إلى الصف الأول؟
- لأكنْ صريحاً، الأمر لا يتوقف على موهبة الممثل
أو اجتهاده، بل هناك المحسوبيات التي تلعب الدور الأكبر في إيصال أي ممثل
إلى الصف الأول وجعله نجماً حتى لو لم يقدم المطلوب منه، وهذا يجب ألا
ينكر، فمقولة “لكل مجتهد نصيب” غير دقيقة في الوسط الفني، فالمنتجون وأهل
التسويق وعلاقة الفنان بالمنتج وبالقناة التي تشتري العمل، وعلاقته
بالموضوع المطروح في المسلسل كلها معايير، للأسف، تتحكم بفرض النجم وصنعه،
فترى ممثلاً يلعب بطولة مطلقة في خمسة أعمال في العام الواحد ويظهر عبر 300
مشهد في كل منها وتعرض في يوم واحد، فماذا ترك هذا الممثل لنفسه مستقبلاً؟
نجوم عالميون يظهرون في فيلم واحد في العام وفي 30 - 40 مشهداً ويستمرون
نجوماً، فهل نحن أفضل منهم؟ خطي ليس في تصاعد وإنما
يسير وفق المنطق، وأتمنى لو أصل إلى عام أشارك فيه بعمل واحد فقط
عندها سأقول لك إن كنت أصبحت من نجوم الصف الأول أم لا .
·
تتكلم عن محسوبيات تحكم وصول
النجم، ما الآلية التي تنتهجها هذه المحسوبيات؟
- الكل ينتظر بزوغ نجم ممثل ما، فما أن يحصل هذا
حتى ترى الفلك كله وقد أصبح يدور حوله، فترى المخرجين والمنتجين والمحطات
العارضة للأعمال وقد اشترطوا وجود هذا الممثل في العمل ليتم دفع المال، فإن
حصل ذلك بيع العمل، وإذا كان غير ذلك، فإنه سيهمل مهما كانت قيمته الفنية
والفكرية، أنا لست ضد صناعة النجم لكنني ضد تنجيم شخص لخمس مرات في اليوم
الواحد على حساب آخرين، وضد فرض مواصفات النجم عن طريق المال بالابتزاز،
لأن خضوع الدراما لسلطة المال الخارجي تؤدي إلى انخفاض ثمن العمل الدرامي
السوري، وبالنتيجة سيؤدي هذا إلى انخفاض أجر الممثل السوري لأن من رهن نفسه
لا تحق له المطالبة بالأجر الذي يريده .
·
المحسوبيات ضاغطة والنجم يفرض
والمال يأتي من الخارج فيخفض الأجر، أين الدراما السورية الآن إذاً؟
- نحن الآن على شفير الهاوية وبدأنا السقوط إلى
الأسفل وزاد على ذلك تكرار كل شيء في الدراما السورية، تكرار الأفكار
أولاً، فإذا نجح عمل فنتازيا تجد عشرة أعمال في العام التالي أتت
بالفنتازيا التي كانت نائمة قبل نجاح العمل السابق، وفي الكوميديا نام
المنتجون والمخرجون معاً، وعندما استفاق أحدهم استفاق الجميع، للأسف، نحن
نكرر أنفسنا، ومرد ذلك إلى الكسل والتقاعس في البحث عن الجديد والمفيد،
ويؤسف أكثر أننا نمتلك كل مقومات النجاح فلماذا لا ننطلق ذاتياً ولماذا
نبقى مرتهنين؟
·
كيف يمكن إقناع المخرجين بالتوجه
إلى أصحاب الأفكار المجددة والابتعاد عن التكرار؟
- يقال إن الأعمال الرائعة في الدراما السورية هي
التي كتبها أدباء كبار في روايات تحولت إلى مسلسلات، وهنا لا أطرح فكرة
الاعتماد فقط على الروايات الأدبية، فهناك كتاب سيناريو متخصصون كتبوا بشكل
رائع أعمالاً باتت في ذاكرة الناس مثل “رجال تحت الطربوش” و”غزلان في غابة
الذئاب” لفؤاد حميرة، لكن عندما تستعصي الفكرة الجديدة ولا تولد عند الكاتب
اليوم، فلا بأس بالاقتباس من الأفلام الأجنبية شرط الصياغة بأسلوب يلائم
العصر الحالي في مجتمعنا، لا أن نأتي بفكرة مكسيكية ونقدمها كما هي على
أنها جرت في دمشق! في هذا الإطار، ومن أجل الحلول، لا بأس باعتماد ورش
للكتابة للتلفزيون، بحيث يكتب المسلسل الواحد أربعة مؤلفين، طالما أن كل
مسلسل يقع في أربعة محاور، فلكل محور مؤلف خاص كما يحصل في هوليوود، وبذلك
لا تكون أفكار مسلسل بكامله مطروحة من قبل كاتب واحد ووجهة نظره وحده، بل
إن التعددية في الكتابة تؤدي حتماً إلى الراحة لدى الكاتب في الطرح وهذا
يصب في مصلحة الدراما .
·
ماذا تقول في المخرجين القدمى
والجدد؟
- لا يوجد قديم وجديد بل يوجد مخرج، والمخرج اثنان
في هذا الزمن، واحد متفهم ومريح ويفتح الحوار مع الممثل قبل التصوير وفي
أثنائه ويحرص على نجاحه في عمله فيقدم الكثير للممثل، وبالتالي يعامله
الممثل بالمثل ويقدم الأكثر من باب أن الهم واحد والهدف واحد، والعنوان أن
العمل جماعي في النهاية، وفي التعامل هناك مخرج سواء أكان كبيراً أم صغيراً
لا يمكن العمل معه لأنه يعمل بعقلية قديمة سلطوية كأنه وحده في الميدان،
ونجاح أولئك نادر، وإن حصل فبسبب فريق العمل الذي معه من مساعدين وممثلين
وفنيين وغيرهم .
·
وماذا عن الجرأة في الدراما
السورية، لماذا عندنا فقط تعني تجاوز الخطوط الحمر؟
- للأسف هذا صحيح فلدينا في سوريا لا يقال عن عمل
إنه جرئ إلا إذا تجاوز الخطوط الحمر في الطرح، وهذه مشكلة في تناول معنى
الجرأة، لكنني أنتهز الفرصة هنا لأميز بين الجرأة والوقاحة، فالجرأة هي
ملامسة الجرح ووضع اليد عليه ومناقشته وطرح الحلول له، وللأسف هذا لا يقال
عنه جريء، لكن عندما يقوم عمل بطروحات وقحة يدخل إلى قلب الجرح ويتغلغل فيه
ويسيّل دماءه الجافة ويمس المشاعر ويجرح كرامات الناس، يقال عنه جريء، هذا
له علاقة بالعقلية وبآلية التعاطي مع المعاني والتعريفات وأتمنى أن نتخلص
منها بأقرب وقت .
الخليج الإماراتية في
10/10/2010
الدراما العراقية وغياب البطل النوعي
مهند يعقوب
إجراء مقارنة بين الدراما العالمية (سينما / تلفزيون) من جهة،
وبين الدراما العربية، وخاصة العراقية منها من جهة أخرى، هو إجحاف بحق
الاثنين
معاً، سواء على مستوى الموضوع او التمثيل او الاخراج او على
المستوى التقني والفني.
وهي بالضرورة أي المقارنة حديث من العالي الى الداني، لكن لا يمنع ان يتوفر
عنصر
الطموح لدى صانعي الدراما وفق الميلاد القديم بالتنافس مع المساوي لهم في
المحيط
وكذلك المباين لهم في الخارج. وبالتالي فالحديث عن صناعة الدراما عالمياً
وفرقه عن
صناعتها محلياً هو حديث في التقدم والتأخر على كافة المستويات
وأهمها الفنون
والآداب، وهو كذلك حديث بالمغذيات الثقافية والفكرية والفلسفية واختلافها،
وما له
من انعكاس على طبيعة الأعمال الفنية المُقدمة. فالمغذيات هي المسؤولة عن
تحديد
مستوى الاخفاقات والنجاحات في أي عمل كان.
في تاريخ الدراما العراقية يكاد يحضر
كل ما يساوي طريقة تفكير المجتمع نفسه من الناحية الاجتماعية
والسياسية والثقافية،
ويغيب في هذه المحاكاة الواقعية الهزيلة عنصر البطل النوعي والرؤية
النوعية. ونعني
بالبطل النوعي تلك الشخصية التي تفكر وتطرح قضايا المجتمع بوعي مختلف
وطريقة تفكير
مختلفة وبلغة مختلفة ايضاً. بمعنى آخر نقل المفكر او الفنان الحقيقي كمُنتج
ورؤية
وخطاب الى فضاء السرد والصورة والحركة في السينما والتلفزيون
كبطل وممثلين
وأحداث.
انعدام هذا العنصر يعني بدوره انعدام الخطاب الثقافي الرسمي عن مجمل
التجربة الدرامية في العراق، فيصبح لدينا في النهاية والحال كذلك تجربة
تغذي نفسها
من نفس مسائل الهشاشة الثقافية التي عليها المجتمع، ومن نفس الادوات في
طريقة العيش
والتعبير لديه. وبذلك يتحول الخطاب الثقافي الناضج، والخطاب المعرفي الذي
تنتجه
المؤسسات العلمية والتربوية الى خطاب يقيم في الهامش او يتم
انتزاعه بعد نهاية
الدوام الرسمي بالنسبة لتلك المؤسسات
.
استمر التلفزيون العراقي وخصوصاً المتصل
بالسلطة السياسية لفترات طويلة يستثمر بالواقع المحلي المتخلف
ويستعير وعيه ولغته
وكل ما يتصل به من تفاصيل، ومثله السينما باستثناء بعض الاعمال، وصار
الاثنان، أي
تخلف المجتمع ومؤسسات صناعة الدراما وكتّابها، في حالة تخادم مدروس بعناية
مرة
بقصدية سياسية، ومرة لجهل منتجي الخطاب الاعلامي والثقافي الهش
أنفسهم بضرورات
العمل على تأصيل وجهة النظر المغيبة او المنفصلة عن الحياة، التي ندعوها
الثقافة
النقدية والفنية العميقة. فصار لدينا مشاهد يحصل على ما يساويه في الحدث
والصورة
وطريقة التفكير، ووسائل الاعلام المرئية تعمل على استمالة مستهلكين اكثر
لسلعتها
الثقافية والفنية المزيفة.
حينما يكون وعي الشارع هو الواجهة في اي دولة، من
المؤكد ينطوي الامرعلى مفارقة ثقافية كبيرة. ففي العراق ليس فقط السياسي ذو
المواهب
المعدومة يتحكم ويستحوذ على المثقف ضمن جدلية السياسي والمثقف،
وانما ايضاً وعي
الشارع يتحكم ويستحوذ على المثقف نفسه، وفي كلا الحالتين لدينا مثقف مهدور
الصفة
والدور. اذاً فالشيء الجوهري الذي يَغيب عن صناعة الدراما التلفزيونية
والسينمائية
في العراق، ويعد أبرز إخفاقاتها هو رؤية البطل النوعي وطريقة تفكيره
الصادمة
والطاردة لمسائل الهشاشة الثقافية التي يحتضنها المجتمع منذ
قرون، كما لو كان يحتضن
بيضة لطائر منقرض.
إن غياب هذه الحقيقة عن الدراما السينمائية والتلفزيونية يعطي
فرصاً كاملة لحضور ما هو أقل منها على مستوى الرؤية، أي حضور الشخصية التي
تكون
مناسبات انعدام الرؤية والتفكير الجاد والرصين لديها كثيرة.
ولا يوجد أسهل بالنسبة
لمنتجي الدراما من الاتيان بشخصية الجنوبي المبالغ جداً في كاريكاتيريته
لتكون
علامة على حياة الاعمال واستمرارها وعلامة على الواقع، ولا نعرف حقيقةً لحد
هذه
اللحظة المناسبة الفنية والنقدية التي من أجلها يتم التعامل مع
الشخصية الجنوبية
كصناعة كارتونية ركيكة لهذا الحد؟ حيث نكون دائماً وبدون أدنى مناسبة داخلة
في
ضرورات النص الدرامي، أمام نموذج غير مسؤول عما يقوم به، سواء على نحو
يومياته
العادية او في سياق خوض التجارب المهمة. فترى الشخصية كما لو
انها شخصية (عبيطة)
نسبة (الخبل) لديها عالية، ولا يختلف الامر ان كانت هذه الشخصية في سياق
عمل كوميدي
او تراجيدي، ممّا يعكس صورة سلبية وهزيلة عن الشخصية الجنوبية بكل
محمولاتها
المتعلقة بالكاريزما والتي منها اللهجة. وهذا الامر يكاد يكون
ملمحا أساسيا في
الدراما العراقية. قد لا يحتوي على قصديّة سيئة لكنه يعكس بالضرورة انعدام
الحرفية
لدى المهتمين في هذا الشأن، لانه لا يمكن تصديق ان صورة الجنوبي لا تكتمل
الا على
هذا النحو الهزيل على مستويات متعددة، ونتناسى ان الجنوب
والجنوبي فيه من المقومات
كشخصيات ووعي، تجعله مركزية فنية وثقافية على مستوى المناخ الثقافي والفني
العراقي
عموماً. ولا نتحدث هنا لإثراء البعد المناطقي على مستوى الفكرة، لكن ينبغي
على أقل
تقدير ومن أجل إنجاح أي عمل درامي ان تكتمل العناصر الفنية
والدرامية على نحو تعكس
قصديّة واضحة في صياغة ونحت الشخصية، سواء كانت شخصية خارجة من الريف او من
المدينة، وسواء كانت شخصية جنوبية او من الوسط او من الشمال. وبالتالي
فالسؤال
الجوهري والمهم الذي ينبغي ان نطرحه من خلال هذا التضمين
الاخير هو، ما الذي يمنع
شخصية البطل في العمل الدرامي من ان يقوم بدور الفنان والمعرفي والناقد،
كنص وشخصية
وتفاصيل؟ لماذا لا يفكر الممثل العراقي في التلفزيون والسينما؟ لماذا لا
يحضر
الكتاب والصف المدرسي، ولا تحضر اللوحة والآلة الموسيقية في
تلك الاعمال؟ ولا نقصد
هنا حضور هذه التضمينات كصور وديكور، وإنما كرؤية وخطاب معرفي وفني ونقدي
خالص. كما
يحصل ذلك في السينما العالمية والعناوين التي تضمنت البعد الفلسفي والمعرفي
والشعري
الخالص في تلك التجارب كثيرة.
محلياً نحن أمام أعمال أغلب شخصياتها لا تفكر ولا
تنتج رؤية تساهم في إثراء الواقع واستعادة الخطاب المغيب ثقافياً وفكرياً
الى مكانه
الصحيح. مثلما يتوفر لدينا واقع مترد على المستوى الاجتماعي والثقافي،
يتوفر كذلك
خطاب ورؤية أخرى متمثلة بالمُبعَد والهامشي في الادب والفن
والثقافة العراقية
النقدية الحقيقية. والأسباب التي أدت الى ان يتصاعد فيها الخطاب الركيك على
حساب
الخطاب النقدي الحقيقي تعود الى أزمة جوهرية في العقل العراقي الشعبي
والرسمي معاً،
انعكس سلباً على أداء هذا العقل ونتاجاته الفنية والثقافية،
ومن أهم هذه الأسباب هو
هجران الخطاب المعرفي والثقافي نفسه الذي اعتمد الاتصال والتأثر بالحركة
الفلسفية
والثقافية العالمية في عموم التجارب، وأبرزها الأدب والفن. ساعد العامل
السياسي
وعامل الحروب والازمات كذلك على اتساع واقع الهجران والفصل
هذا، فيما بقيت مسائل
الهشاشة الثقافية وانعدام الذوق النقدي هي المتأصلة والسائدة في المجتمع
والمؤسسات
الثقافية الرسمية.
وفقاً لما تقدم ليس أدلّ على اخفاقات الدراما العراقية غير
السعي الدائم لتكرار واسترجاع نفس المواضيع المحصورة في الجانب التاريخي
والجغرافي
السياسي للعراق والمنطقة، اما جانب
الموضوعات الخالصة كفلسفة الحب وفلسفة الموت
والدين والمعرفة والآداب والفنون عموماً، فلا تكاد تحضر الا في سياق
مغامراتي محصور
وضيق جداً يقتصر على بعض الاعمال السينمائية الجديدة، والحال كذلك فيما يخص
الدراما
التلفزيونية، فالأمر لا يختلف سوءاً من حيث اشتقاق ومعالجة
المواضيع فيها، خصوصاً
المتصلة بالواقع المعاش وطبيعة الشخصيات، حيث لم يتم وفي معظم الاعمال
معالجتها
كمادة خام معالجة نقدية وثقافية رصينة فنياً، كما هي الحال في صناعة
الشخصيات
والاحداث في الرواية والقصة العالميتين، وإنما بقيت هذه
الشخصيات والاحداث على
إخفاقاتها المساوية لإخفاقات وعي الشارع ذاته، بدون أية معالجة ومن ثم زجها
في
أعمال أطلق عليها في ما بعد أعمال درامية واقعية!. فالاختلاف بالنهاية بين
الاثنين،
أي وعي الشارع ووعي صانعي الدراما هو اختلاف فقط في الأدوات
والعناصر والتسمية
والاسلوب، بمعنى آخر الاختلاف بين وعي الكاتب ووعي الشارع هو اختلاف شكلي،
ولكن
تبقى الفكرة واحدة، الشارع بكل ذوقه الرديء يحكم عقل المؤسسة ويقيم فيها
.
شاعر
ومهتم بالنقد السينمائي ـ بلجيكا
القدس العربي في
10/10/2010 |