ضمن محبة المشاهدين لمسلسل باب الحارة الذي قدم في خمسة
أجزاء ونال إعجابهم حين ظهرت بعض الأحياء الدمشقية القديمة حيث العادات
والتقاليد
الحميدة التي كان أهل مدينة دمشق يتمتعون بها. وفي أحد هذه الأحياء التي
ظهرت
بالمسلسل، في حي الميدان المعروف بدمشق، كانت جريدة 'القدس
العربي' وقراؤها على
موعد مع الفنان المحبوب حسن دكاك الذي قدم خلال مسيرته الفنية أكثر من
خمسين
مسرحية، كما شارك بالعديد من الأفلام السينمائية وحصل على عدة جوائز
تكريمية من
بلده سورية ومن الدول العربية.
في هذه الحارة العريقة نشأ الفنان حسن ولم
يغادرها رغم إغراءات الأحياء الحديثة. لكنه مازال يفضل أن يعيش في حارته
الأولى
ليظل مستمتعا برائحة الخبز من الفرن الذي عمل فيه، إضافة إلى الاعتزاز
بطيبة الناس
والجيران من حوله. في بيته، وبحضور زوجته اللطيفة السيدة سوسن، استقبلنا
الحقوقي
والفنان السينمائي والمسرحي والتلفزيوني حسن بعفويته الأصيلة
وطيبته الصافية، وكان
هذا اللقاء معه ليحدثنا عن مسيرته الفنية:
·
الأُستاذ حسن دكاك من الأحياء
الدمشقية القديمة، ودمشق هي من أقدم المدن عراقة وثقافة وأصالة، ما الذي
يعنيه لك
الحي الدمشقي القديم حتى الآن؟
* 'هذا
صحيح أنا من حي شعبي اسمه 'ميدان
السويقة'. وهذا الحي تكتنز فيه عواطف الألفة والمحبة والنخوة، فهو شيء في
داخلي،
أحن إليه حتى انني في نهاية المطاف قد اقتنيت منزلا فيه. وهذا الحي لا يبعد
أكثر من
عشرين مترا عن باب مصلى، وقد تربيت في هذا الحي وأخذت منه الكثير من القيم
والخصال:
الشهامة والصدق والتعامل العفوي بين الناس، فأنت عندما ترين السمان والخضري
والفران
والفرواتي وبياع الروس واللحام لم يكونوا يتنادون إلا بـ 'أهلا أبو فلان'،
لم تكن
توجد هناك غربة بالطرح والتعامل فيما بينهم، فالحي القديم
بالنسبة لي هو ذاكرة
حياة، هو منشأ لحسن دكاك ومنشأ لقضايا كثيرة كونت شخصية حسن دكاك من خلال
هذا الحي
الشعبي، وأنا من عائلة متوسطة الحال، كان والدي يعمل لحاما، وكنت في الصف
الثالث
الابتدائي، وكنا سبعة أخوة وأمي كانت مشبعة بالحنان أيضا، هذه
العائلة أعطتني صلابة
في تكوين شخصيتي بالكامل منذ المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية'.
·
هذا
الحي الذي كان يضم هذه الشخصيات، لا بد أن هناك تغيرات قد طرأت
عليه، برأيك ماهي
أهم الأسباب لهذه التغيرات التي تؤدي إلى افتقاد المجتمع لتلك الخصوصية
الدافئة
وهذه الروح الجماعية؟ وذاكرة الطفل بمن تحتفظ من أهم الشخصيات التي كانت
موجودة،
سواء بالخير أو بالشر؟
* 'أنا
أقول في البداية الحي الشعبي عندما يتغير يكون
ذلك بسبب ظروف الحياة والتطور، وخاصة نحن الآن في القرن الواحد
والعشرين، قرن
المعلوماتية والإنترنت والبناء الحديث. كان البناء فيما مضى من طين ولبن،
أما الآن
فقد طغت التحسينات العمرانية والشوارع الواسعة المعبدة. لكن هذا لا يفقد
الحي
الشعبي إلا أشخاصه القدامى الذين ربوا أبناءهم وأبناء أبنائهم،
وهذا الجيل منهم من
اتبع مسار الوالد أو مسار الجد أو اختلف عنهم. الحي القديم، بتطوره، فقد
الكثير من
المزايا. أولا، من الناحية العمرانية، الأبنية الحديثة جميلة ولكن الناحية
العمرانية القديمة كانت أجمل. الآن أصبح هناك هموم أكثر من
الفران أو
الخضري....الخ، أنت تعلمين الحي الشعبي كان نطاقه ضيقا، الآن أصبح أكبر.
هناك طبيب،
من قبل لم يكن هناك طبيب أو مدارس بأعداد كافية أو مستوصفات صحية، وكان
هناك مشفى
وحيد وهو مشفى المجتهد (مشفى دمشق). ببساطة أقول: التطور كان
جميلا، لكن الحياة
الاجتماعية قديما كانت أجمل. كان الإنسان يشعر بجاره وبالفقير وبالإحسان.
فمثلا،
بشهر رمضان كانت الناس جميعا تتآلف مع بعضها البعض بقول (لا إله إلا اللّه
محمد
رسول اللّه)، فعندما يحين وقت الإفطار ترين هذا الطبق قادما من
جارنا أبو فلان وذاك
الطبق من أبو فلان و..الخ. ترى، ما الذي يجعلهم يرسلون لبعضهم البعض هذا
الطعام؟ هم
يفعلون ذلك من أجل التواصل والأُلفة، وإن كان هناك أحد فقير كي لا يشعروه
بأنه لا
يستطيع شراء الطعام، فكانوا يحضرون له الطعام بمحبة وليس بمنية، ولا يرسل
له النقود
وإنما يرسل زوجته ويطلب منها أن تصاحب زوجته وتذهب معها إلى السوق وتشتري
لهم
ولأولادهم كي لا يجرحه بقوله: 'خذ هذه فطرة رمضان، فأنت فقير
ونحن نتحنن عليك'! لم
تكن هذه الصورة موجودة، بل كان الحي بأكمله يكتسي للعيد من أموال الأجواد
الذين ليس
لهم منية على الآخرين، فهؤلاء كانوا يظهرون كغيرهم ولا يتبجحون بغناهم أمام
الآخرين. أما الآن، فأصبحت هذه الفوارق موجودة، فالفقير يجب أن
يطلب كي يعطوه. هناك
الفقير لا يطلب، نفسه عزيزة ومازال حتى الآن بعض الأشخاص من ذوي النفس
العزيزة. ومن
الشخصيات التي مازالت في ذاكرتي، الفران أبو بشير الذي لعبت دوره في مسلسل
باب
الحارة، فقد كان لدينا فران اسمه أبو تحسين مشهور بالصدق
وبالخبز الشهي والشهامة،
وأنا قد جسدت هذه الشخصية وانتقيتها بإرادتي لأني عشت هذه الشخصية بشكل
كامل، وقد
أُعجب بها المخرج وكانت موجودة في النص، ولكني لبستها تماما. وأنت لا
تستطيعين أن
تلبسي شخصية إن لم تكن لديك خلفيات، وقد لعبت شخصيته تماما.
فعندما كانت تحدث مشكلة
في الحارة وبمجرد أن يتكلم أبو تحسين، كان الجميع يستمعون له. النماذج
كثيرة من هذا
الحي الشعبي، فعندما يأتيني دور أُستاذ مدرسة أُحوله للحي الشعبي، وعندما
يأتيني
دور بيك أحوله للدور الشعبي. ولذلك يقولون: 'حسن دكاك عفوي في
تمثيله، عفوي في طرحه
للقضايا، عفوي حتى بالكوميديا في حالة الابتسامة الرقيقة. هذا كله قادم
وينبع من
مخزون كبير من الحي الشعبي بشكل كامل'.
·
طبعا، هذا الحي الشعبي والأم
الحنون
التي ربت سبعة أبناء وفقدان الأب، كيف تنظر لهذه الأم أو لهذه المرأة
السيدة، وهل
فقدان الأب في الطفولة يشكل هاجسا يتردد بين الحين والآخر؟ أم
أنه يمضي ويصبح مجرد
ذكرى غالية كأي شيء في الحياة؟
* 'عندما
فقدنا الأب كان ذلك في آذار/مارس سنة
68
كنت في الصف الخامس الابتدائي، توفي الوالد ولكن له ذكرى في مخيلتي،
كان والدي
يعارض فكرة أن أغوى الفن وأعمل فنانا في المستقبل. كان يشجع من حيث الإدراك
العام،
ولكنه يعارض بسبب العادات والتقاليد، فقد كان من العيب أن يصبح الشخص
'مشخصاتيا!'
لكن هذا أعطاني حافزا وزادني إصرارا أن
أغدو ممثلا. ذكراه في مخيلتي كانت قوية جدا
حيث أني تعلمت الكثير من القضايا من خلالها حتى الآن، فقد كان
يؤمن دوما أن الذي في
جيبك ليس لك وحدك، اعطف على الناس تعامل مع الناس بشكل حسن ودعهم يحبونك
وتصرف بشكل
صحيح. هذه العادات والتقاليد التي تعلمتها من أبي هي إرث استطعت الحصول
عليه منه
وأنا في سن الصغر، وشاءت الأقدار أن يتوفى، وبعد ذلك بعام واحد توفيت
والدتي في سنة
69
فلم يكن هناك فارق زمني كبير بين الأم والأب، كانت والدتي حنونة وكان
لها علاقة
جيدة مع نساء الحي الشعبي كانت تجتمع معهن ويعطين المدلول العفوي: هذه
المرأة بحاجة
لكذا وتلك بحاجة لذاك. بمعنى آخر، كانت والدتي كالمختارة، الحياة بهذا
الشكل. عندما
توفيت كنت ناجحا على الصف السادس، وأصبحنا دون أب أو أم، وكانت
قضية كبيرة على
الطفل أن يفقد والديه وهو في سن الطفولة. لكن اللّه عز وجل يعطي أكثر مما
يأخذ،
فلدينا أخواتنا البنات أخذن دور الوالدة وقمن برعايتنا والحفاوة بنا. أنا
واخوتي
كنا متفاوتين في العمر، وأخواتنا حافظن على أموالنا وقمن
بتزويجي وكان عمري عشرين
عاما. إنهن رمز الطيبة والحنان وهن اللواتي قمن بدفعي كي أنجح في الكفاءة
وفي
البكلوريا وهن اللواتي جعلنني أتزوج وأغدو أبو أنس، فقد كن ملاحقات لي
ولاخوتي بكل
معنى الكلمة كي يوصلننا للنجاح، وفعلا وصلنا. فأخواتي قمن بدور
الأم الحنون الواعية
المرشدة، فالأم التي تعبت ومن بدأت تعطي المدلول الحقيقي هي الأم الحقيقية.
والدتي
كانت صاحبة طريقة أي لها مفهومها الخاص بالدين وفي التعامل الاجتماعي، وأنا
كنت
الطفل المدلل لقد كنت أبكي في عيد الأم لأنه ليس لي أم، وأفرح
للناس الذين لهم أم،
الأم مدرسة والأم هي العطاء وهي الأساس بحياة الطفل وبحياة العائلة، ولولا
وجود
الأم لما وجد الأولاد لهذا يجب أن نقدم لها الحب والحنان وكل شيء'.
·
بمناسبة
الحديث عن الأم، الأم هي المعلمة والأخت والحبيبة والبنت، كيف
ترى دور هذه الأم
حاليا في مجتمعاتنا التي بدأت تقلد وتفتقد الكثير؟ هل يعود تراجع المجتمعات
برأيك
إلى تراجع عطاء المرأة؟
* 'المرأة
في المجتمع الحديث أولا اختلفت كليا عن المرأة
في المجتمع القديم. المرأة في المجتمع القديم كان همها
أولادها، منزلها، سمعتها،
حالة الشرف والأخلاق، وهذا ليس مفقودا في الوقت الحاضر، ولكن المرأة أصبحت
عاملة،
أصبحت موظفة ووزيرة، هذا لم يكن موجودا بالمجتمعات القديمة. وهنا من الممكن
أن يكون
قد أصبحت العلاقة مختلفة مع الأولاد والزوج بأنها هي جسر فعال
في الحياة
الاجتماعية. لقد فقدت الكثير من أنوثة منزلها وفقدت الكثير من تربية
أطفالها، الآن
أصبحت المرأة تذهب للعمل. ولهذا تقوم بإحضار خادمة كي تطبخ وتنظف وتعتني
بالمنزل.
المرأة في القديم كانت تقوم بتنظيف منزلها
وتحضير الطعام، كان همها إسعاد عائلتها.
الآن، هناك سعادة ورخاء بالأموال، بالعقليات المتفتحة الناضجة. المرأة
أصبحت مسؤولة
في مؤسسة وأصبحت تركب التكسي كالرجل وتقود سيارة، هذا الموضوع ليس إقلالا
بالمرأة
ومكانتها بالنسبة للرجل، فهي نصف المجتمع، لكن فقدت الكثير من
حنية منزلها فهي تحضر
للمنزل كزوجها، الساعة الثانية يريدون تناول الطعام، فإما أن يحضروا طعاما
جاهزا أو
يتناولوا أي شيء. في القديم كانت المرأة رمزا للحنان، وكانت هي البيت
والعطاء
والعيد. أنا أقول: صحيح أن الحياة أصبحت منوطة بالحضارة
والإنترنت والعمل والجهد،
ولكن فقدنا الكثير من النواحي الإنسانية والاجتماعية الجميلة التي كانت
تتمتع بها
المرأة. أنا لست مع المرأة التي تكون حبيسة البيت، بالعكس أنا مع تقدمها
ولكن لا
تترك بيتها وأن يربي الغير أطفالها، وبالتالي يصبح الطفل
غريباً عنها ولا يوجد رابط
بينهما ويقل الاحترام للأم. أما في القديم، حتى وإن كانت الأم على خطأ، فإن
الولد
يكون مطيعاً ومحترماً لوالدته حتى لو فرضت عليه شروطا قاسية'.
·
أًستاذ حسن
دراسة الحقوق وهي القانون والميزان، ماذا أضافت للتوازن الذي
يظهر في الأدوار
الدرامية التي تؤديها؟
* 'أنا
دخلت الحقوق رغبة بدراسة الجريمة لمعرفة ما سبب
حدوث الجريمة، أنا لم أدرس الحقوق لأنه يحق لي أن أدخل الحقوق،
فقد حق لي الكثير من
الفروع لكن بالأساس أنا دخلت الحقوق لأني أُحب البحث بشكل كامل، وكلية
الحقوق أضافت
لشخصيتي الاتزان والوعي والعلم ومعرفة المناقشة بهدوء في حال حدوث أمر
طارئ، وأن
أقوم بتحليله لسبب مباشر وغير مباشر. الحقوق أعطتني التروي
والتفكير بشكل أعمق في
الأمور، وإن كنت فناناً فأنا أحلل حتى الأدوار من الناحية القانونية،
وعندما أصل
لمرحلة هذا الإنسان العفوي الذي يلعب دور أبو بشير الفران أو أي دور، طبعا
لا أقول
ما هي درجة قانونيته، ولكن أقول ما هو مساره في الحياة: هل هو قانوني أم
لا؟ هل هو
شرير يأخذ منحى الشر أم هو خير؟ هناك الكثير من الأدوار تأتيني
تكون شخصيتي قاسية،
ولكن من الداخل أتمتع بالقلب الأبيض الطيب، هذا هو القانون حتى في مسارك
الاجتماعي.
فعندما أرغب بالذهاب لصديق، أفكر هل هذا
المشوار سيحقق الفائدة لي ولصديقي أم أنه
لن يحمل في طياته سوى الحديث الفارغ؟ يجب أن يكون لدينا تحليل
منطقي كي نستطيع أن
نقود ونبني هذه المرحلة، فإذا قادتها وعاشتها كل أُسرة بالشكل الصحيح نصل
لمجتمع
مثالي، كما قال أرسطو. وقد أعطتني الحقوق القدرة على التعامل مع الناس
وساعدتني في
كيفية إيجاد طريقي، لقد علمتني الحقوق وهذا أمر تابع للتربية
المنزلية التي يصقلها
العلم'.
·
من يضع القانون للجريمة، إن كنت
قاضياً هل تعاقب المجرم أم تلجأ لطرق
أُخرى تعيده من خلالها للمجتمع سليماً معافى من نزعته للإجرام؟
* 'القاضي
هو
الحد الفصل بين الجريمة وبين الحكم، فإذا كان القاضي يطبق القانون بقسوته
وبورقياته
كمواد، فأنا أعتبره ليس بقاض. يجب أن يتمتع القاضي أولا
بالرحمة، يجب أن يفهم ماهية
أسباب هذه الجريمة، ويجب أن يحللها. ليس المجرم مجرما ولم يخلق مجرما
بطبيعته. هناك
أسباب قد دفعته لارتكاب هذه الجريمة وعلى القاضي أن يتفهم هذه الأسباب، إن
المادة
535
مادة متحجرة في القانون وهي تنص على أن من ارتكب الجريمة قاصدا عمدا
يحكم عليه
بالإعدام. ولكن هذه المادة لها فروع، دواعي الجريمة، أسبابها، هل هو مغرر
فيه؟ هل
هو أوغيره؟ وهناك عقوبات خفيفة وثقيلة، فإن درس هذه الجريمة بتمعن وتحل
بالرأفة
لإعادة هذا الإنسان إلى صوابه وأصبح عضوا فاعلا في المجتمع،
فهذا أفضل من الإعدام.
عندها يكون القاضي بحكمته قد حقق الكثير من الفائدة للمجتمع. وإن كان قد
ثبت على
المجرم جرمه وكانت الأدلة ضده، فهذا شيء آخر يجب أن يعاقب عليه. وعلى
القاضي أن
يكون رحيما متفهما وصبورا، ولكن ليس مكسورا أو لينا، أي (لا
تكن قاسياً فتكسر ولا
لينا فتعصر)'.
·
سنعود للدراما، وأنت لك مشاركات
متعددة في الإعداد ومتنوعة، إن
كان في المسلسلات الشعبية أو التاريخية وغيرها، لكن بالنسبة لباب الحارة
الجزء
الخامس والذي عرض في رمضان ويقولون أن هناك جزءا سادسا، برأيك هل أصبحت هذه
الأجزاء
نوعا من الكسب المادي؟ وهل فعلا قدم باب الحارة الرؤية الحقيقية لدمشق
القديمة؟
* 'هذا
هو الجزء الخامس والأخير في باب الحارة، وقد أوعز لنا المخرج بأن هذا
آخر جزء بباب الحارة. باب الحارة بأجزائه الأولى كان مشوقاً
والناس أحبوه، لما
تكلمنا عنه من المحبة والألفة والشهامة ومن البيوت المتراصة مع بعضها ومن
الأشخاص
الموجودين في ذاك الوقت. لكن في أجزائه الأخيرة أصبح متواترا: هل هو لكسب
الإنتاج
التجاري من خلال المنتج الذي أحبته الناس؟ وأيضاً المشاكل التي
حدثت به من خلال أبو
عصام وأبو شهاب والقضايا التي أعدها سخيفة، هذا أيضاً أثر على باب الحارة
وأصبح
الناظر لباب الحارة ليس كمشاهد وإنما كناقد. هناك أشخاص قالت إنه قد حدث
شطحات
كثيرة وهذا حقهم. من أين سيحضرون قصصا وقضايا؟ من أين سيركبون
قصة اجتماعية كي
يتابعوا هذه الأجزاء؟ وأنا ضد هذه الأجزاء، فهو شيء خاطئ إلا في حالة تصوير
جميع
الأجزاء مع بعضها البعض. أنا أقول دوما: العمل يجب أن يأخذ حدوده الطبيعية
وأن
ينتهي ضمن حدوده الطبيعية كي لا يفسر بشكل خاطئ. جميع
المسلسلات تنتج بهدف الربح،
وكل من يقول إنه يريد تقديم الفن لأجل الفن، هذا كلام غير صحيح. إن كثرة
الأجزاء
تربك الممثل والمنتج والمؤلف، وأنصح أن يكون هناك مسلسل وحيد بشكل كامل وإن
كان
هناك أجزاء فلتصور مع بعضها البعض'.
·
في رمضان هذا العام شهدت الشاشات
ضخا
تلفزيونيا غير طبيعي وغير مقبول بالنسبة للدراما، بينما يجب أن يكون هذا
الشهر شهر
عبادة وتأمل وراحة للإنسان، هل برأيك الدراما أصبحت بدون حسابات حتى تطرح
بهذا
الشكل الفوضوي؟ هل السبب هو المادة فقط وأين الموضوع والمغزى؟
وأنت كمشاهد، هل
تستطيع أن ترى هذه الأعداد من المسلسلات وكيف تختار؟ وبماذا تنصح؟
* 'هي
الطامة
الكبرى أن جميع المحطات التلفزيونية أصبح شهر رمضان الكريم عندها سوقا
تجاريا لعرض
أعمالها، وأنا لست مع هذا الطرح. المسلسل يجب أن يعرض في كل
زمان ومكان، فأنا عندما
أنتج سبعة وأربعين مسلسلا سورياً وعشرين خليجيا وخمسين مصريا، وكله سيعرض
في رمضان
ستقل قيمة المشاهدة، وبهذا الشيء فإنهم يقللون من ذوق المشاهد ويتوهونه.
أنا أقول:
شهر زمضان هو شهر عبادة وشهر ترفيه وراحة وإتقان للشيء الذي نعمله، أما أن
يزج
الشخص نفسه أمام التلفاز فأنا لم أشاهد شيئا، أنا كفنان لم أتابع سوى أجزاء
بسيطة
من كل مسلسل فقط عندما أكون متواجدا، أما أن أتابعه بشكل صحيح
وبنظرة فنية كفنان،
فأنا لم أتابع'.
·
كانت لديك محاولة في الإنتاج،
وهل فكرت بالإخراج؟ وما هي
مشاريعك الجديدة للعام الحالي؟
* 'أنا
طبعاً لدي شركة إنتاج وهي شركة أنس
للإنتاج الفني، وقد عملت باكورة أعمال حكاية وكليب وكان موفقا. وأنا مخرج
مسرحي
ولست مخرجاً تلفزيونيا، ولي عدة أعمال في المسرح، والآن تعرض لي مسرحية
'على عينك
ياتاجر' في مسرح الخيام. في التلفزيون، أنا أبقى ممثلا، ولا
أريد أن أتعدى على مهنة
غير مهنتي. فأنا عندما أكون ممثلا والناس تحبني بهذا الشكل، فلا أريد أن
أشتتهم
بعدة قضايا'.
·
تعلم أن المسرح في سورية وبدايته
كانت من مصر، كانت المسرحية
تترك أثرا طويل الأمد حتى يتم عرض مسرحية جديدة أفضل. هناك إخراج مسرحي
وكتاب
مسرحيون، ولكن ترى العمل المسرحي في حالة استحياء، وتمضي المسرحية ولا أحد
يدري ما
الذي قدم، ويشاهدها أحيانا فقط
أصحاب العمل. هناك أسباب كثيرة لتراجع المسرح، لكن
هل التلفزيون والدراما فيه هما من الأسباب الرئيسية لتراجع المسرح أم هو
العمل نفسه
أم نقص الدعاية؟ ما هي الأسباب الأساسية لتراجع المسرح؟ وهل من
الممكن أن يستعيد
المسرح شيئاً من بريقه السابق؟
* 'إن
التلفزيون والدراما هما سببان أساسيان في
تراجع المسرح، وأيضا عدم اهتمام الفنان بالمسرح كما التلفاز، وأيضاً
الدعاية
الضعيفة. المسرح خلق لتغذية الفكر بشكل عميق. الدراما بشكل عام، ونقصد بها
التلفزيون، السهل الممتنع، فأنا لدي دور في مسلسل ما أقوم به
وأتقاضى أجري وأذهب.
أما عندما يأتيني عرض مسرحي، فيجب أن أقوم بالبروفات وهي صعبة وحركة، ويجب
أن يقام
له دعاية وتسويق للناس كي تحضر لرؤيته، حتى الناس تقول لك نرى حسن دكاك
الآن على
شاشة التلفاز دون أن أذهب للمسرح وأصرف النقود. كما أن
المؤلفين اتجهوا لتأليف
الدراما التلفزيونية دون المسرح حيث يقولون: 'المسرح ما بطعمي خبز'! هذه
المقولة
يجب أن نقف عندها مطولا، المسرح يطعم الخبز عندما نكون صادقين. ولكن عندما
أبتعد
عنه، والمؤلف يبتعد، والمخرج يقول أنا أحصل من الإخراج
التلفزيوني على كل حلقة مئة
وخمسين ألف ليرة أو أكثر، أما بالنسبة لكامل العمل المسرحي فلن أحصل إلا
على مبلغ
ضئيل، وربما يأتي حضور.. وربما لا. ومن هنا يكون التراجع المستمر للمسرح.
وأنا أعزو
هذا التقصير إلى الفنانين، ممثلين بنقابة الفنانين وبوزارة
الثقافة التي لديها
مديرية المسارح والموسيقى. فيما سبق كان موسم المسرح القومي وأنا عضو فيه،
كان
لدينا في هذا الموسم سبع أو ثماني مسرحيات، الآن مسرحيتان أو ثلاث، حتى
الدعاية
قليلة، وإن لم تسوق كي يعلم بها الجمهور؟ كيف سيحضرون؟ وكيف
سيعلمون أساسا بوجود
مسرحية؟ هذا تقصير وقد ساهم بتراجع المسرح، المسرح يجب أن يكون صادقا
بالتعامل،
والمسرح هام جدا ويجب أن لا نبتعد عنه حتى لو خسرنا، فهو في الأهمية يفوق
التلفاز
أهمية'.
·
أنت كفنان وحقوقي، بالنسبة
للإعلام العربي بشكل عام سواء المرئي أو
المكتوب، هل تتابع الإعلان وكيف ترى هذا الإعلان ونتائجه على المجتمع
السلبية
والإيجابية ؟
* 'الإعلان
حالة هامة جداً وخاصة بعصرنا الحالي، لكن الإعلان أصبح
تجارياً ويأخذ ما يناط به من الناحية السياسية. هو بمجمله
تجاري لحصد الأموال أكثر
وأكثر. الإعلان هام، ولكن لكل محطة سياستها ومموليها الذين يسيرونها بمسار
معين.
خذي مثلا، المحطة السورية الرئيسية لم تعلن
أن العيد يوم الجمعة، لكن قناة الدنيا
أعلنت عن ذلك أما القناة الرئيسية فقد أعلنت عنه بعد نشرة
الأخبار الثانية، وهذا
يعتبر سبقا صحافيا وكان يجب أن تعلن عنه المحطة الرئيسية أولا فهي المحطة
التي تفطر
الناس. إذن الإعلان أصبح تجاريا فقط، علينا التدقيق جيدا، فهو يسيء أكثر
مما
يفيد'.
·
سنقترب قليلاً من حياتك الخاصة،
علاقتك مع أولادك وأحفادك وزوجتك، هل
تتبع العقلية الحديثة في تعاملك معهم وأنت من الجيل السابق؟
* 'أنا
أحيا حياة
طبيعية يمتزج لدي العقل الحديث مع القديم، الحالة الشعبية مع الحالة
العلمية، أعطف
على أحفادي وأولادي، أرشدهم إلى الصح والخطأ ولا أميز ولدا عن
ولد. وعلاقتي مع
زوجتي متميزة جدا، أنا متزوج منذ سبع وثلاثين سنة لم يحدث خلاف يوما بيننا،
هذا
الأمر ليس لأني مستكينا بل لأنها تعلم حدودها وواجباتها، وأنا أعلم حدودي
وواجباتي.
أنا أحلل كل موقف يحدث ولا أعطي قراري فورا، بل أفكر بروية ثم أتخذ قراري.
·
كيف
هي علاقتك بزملائك في العمل، وخاصة مع جيل الشباب من حيث الأنا
التي تظهر لدى
الممثل من خلال مسلكه، حديثه، تعامله مع الآخرين أو من خلال وضع مديرة
لأعماله؟ هل
برأيك أصبح الممثل بحاجة لمديرة أعمال؟ وأصبح لا يستقبل اتصالاته الهاتفية
وكأنه
انفصل عن واقعه ومجتمعه؟ هل أصبحت الأدوار للحفظ فقط دون أن
نعيش مع هذا المجتمع؟
* 'علاقتي
مع زملائي هي علاقة زمالة مهنة، ومن أنخرط به كصداقة يكون يشبه
الصديق. أما هذه البهرجات والبريستيجات بالنسبة لي فلا تعنيني
لأني مدير أعمال
نفسي، وأنا الذي أحدد وأنا الذي أعمل أما هذه البريستيجات فهي للفخفخة، ليس
لأني
أقل منهم ولكن لأن عقليتي تختلف عن عقليتهم. كل فنان حر برأيه وأتعامل معهم
هكذا
ببساطة، حتى الذين يهتمون بالأنا كزميل مهنة، ولكن قد لا يكون صديق أنا
أحترمه وهو
يحترمني. أنا أقول دائما الفنان هو حريص على نفسه، كلما ارتفع مستوى الفنان
يجب أن
يتواضع أكثر وكلما زادت شهرة الفنان يجب أن يكون في متناول
اليد أكثر، فلولا حب
الناس ودعمهم لما صعد نجم هذا أو ذاك، وهذه المحبة لا تقدر بثمن. إن كلمة
الأنا
تقتل صاحبها، يجب أن يكون التواضع موجودا وذلك يتبع الحالة الأخلاقية التي
ربي
عليها الفنان. أقول لزملائي أنا سعيد بهم جميعا، سوريين وعربا،
ولكن لنتعامل مع
الجمهور معاملة جيدة'.
·
حصلت على التكريم وأنت عضو في
مجلس نقابة الفنانين، هل
التكريم أو المنصب بالنسبة للفنان هو كمالي أم أصبح ضرورة تساعد في الظهور
والنجومية؟
* 'دائماً
أي منصب يتبوأه الفنان يجب أن يكون هو خدمي، والتكريم
حافز كي لا يتراجع عن أداء الأدوار الجيدة. يجب أن يدرس الفنان
خطواته أكثر. من حيث
المنصب، أنا عندما تسلمت عضو مجلس نقابة الفنانين، انتخبت كي أخدم الذين
انتخبوني
كي أدافع عن حقوقهم ولا يجوز أن أتعالى عليهم. إنه تشريف وليس منصبا
للتفاخر به أو
لفرض القرارات، فإن كان هذا القرار يسيء لعشرين بالمئة من
الفنانين يجب الابتعاد
عنه، يجب أن يكون الحد الأدنى من الفنانين المستفيدين من قراري كمنصب
اعتباري
ثمانين أو خمسة وثمانين بالمئة، يجب على المسؤول أن يخدم زملاءه ويسعى
لتحسين
معيشتهم. أنا جئت في مرحلة انتخابات، وليس من الممكن أن أقول
لنقابي إنه ليس لي
علاقة. فإذاً، لماذا قاموا بانتخابي؟ المنصب هو ليس أن أجلس على الكرسي
وأقول أنا
مسؤول أنت لست مسؤولا. أنت منتخب لخدمة هؤلاء الناس، وإلا فلتبق بعيداً.
إذاً، يجب
على العضو النقابي الذي يتسلم هذا المنصب أن يفكر أن هذا
الكرسي هو تشريفي لخدمة
الآخرين وليس كرسي منصب'.
·
الوراثة في الفن كما هي في كل
شيء وأنت لديك أولاد،
هل فكرت يوماً أو فكر أحدهم بمزاولة الفن وما رأيك بهذه الظاهرة حيث أننا
غدونا نرى
أسماء العائلة كاملة على الشاشة؟
* 'أنا
مع هذه الظاهرة إن كان لديهم الموهبة،
أنا لا أقول لولدي إن الفن ليس جيدا. هناك ابني الصغير يحب الفنان ويرافقني
دوما في
عملي، وأنا أعطيه فرصة فإن أثبت جدارته.. لِمَ لا؟ ولكن أن أجبرهم على هذا
أو ذاك
فهذا خطأ، الموهبة والإحساس والتوعية الكافية في كيفية اختيار
المسار الصحيح في
الحياة للوصول للنجاح، إن كان بالفن أو في أي مهنة أُخرى'.
القدس العربي في
04/10/2010
الفنان كمال كاضمي:
أنا متطرف جدا ضد الأعمال المبتذلة وضد
أناس همّهم الربح
حاوره : هشام بن الشاوي
ما زلت أذكر ذلك اللقاء القصير والعابر، لكن بقي اسمه محفورا في
ذاكرتي منذ تلك اللحظة. أظن قبل حوالي تسع سنوات، كان الفنان
كمال كاضمي مع طاقم
مسلسل 'العين والمطفية' لشفيق السحيمي، حيث كان يصورون حلقاته في إحدى
القرى
المغربية، وإن لم تخني الذاكرة، فقد كان كاضمي يرتدي نفس الجلباب، الذي ظهر
به في
المسلسل.
على الرغم من الهجوم المتواصل من الصحف المغربية على الأعمال
الكوميدية، فقد حقق المسلسل التلفزيوني 'احديدان' نجاحا ساحقا،
بفضل هذه الشخصية
التي تعلق بها الكبار والصغار...علما بأن أكبر مأزق للكوميديا العربية، هو
سقوطها
في فخ التهريج والتلاعب بالألفاظ، وافتعال الحركات البهلوانية والبذيئة
أحيانا..
ولا أنكر أنني أتفادى مشاهدة ما يسمى بالسيت كومات التي تعرض على القناتين
الوطنيتين، مادام بعض فنانينا يصرون على إمطار المشاهد المغربي بتلك
التفاهات.
ويبدو أنني كنت لحوحا أكثر مما ينبغي.. بإصراري على أن يتم اللقاء عبر
البريد الالكتروني، متناسيا أنه قد يكون غير معتاد على لوح
المفاتيح مثل الكتّاب،
الذين اعتدت محاورتهم عبر الإيميل، فجاءت إجاباته مقتضبة.. ولعله كان محقا
في عدم
الرد على بعض الأسئلة، التي سبق أن رد عليها في حوارات سابقة.. أسئلة تكررت
في أكثر
من حوار.
سألت الفنان كمال كاضمي: من المؤلم أن نقرأ عن التعصب لدى الأشقاء
العرب للدراما المصرية أو نظيرتها السورية أو الخليجية، وكأننا
في حلبة سباق.. في
حين يتم التغاضي، حتى من طرف النقاد عن الغزو الثقافي والفكري للأعمال
المدبلجة...
ألا تحتاج هذه الدراما العربية إلى الوحدة
وبذل مجهودات أكبر لاستعادة جمهورها الذي
سرقته المسلسلات التركية؟ فرد بأن: 'الوحدة عند العرب أصبحت
شبه مستحيلة؛ إنها تشبه
السراب، وفي كل المجالات (فكريا وسياسيا واجتماعيا وفنيا). بالنسبة لي أرى
أن ننهض
بالدراما المغربية، لأننا نملك موروثا حكائيا شعبيا عريقا، فلم لا ننهض
بهذا الفن
ونصل به إلى مستوى الأشقاء العرب ونسعد به جمهورنا؟ هذا هو الأهم، يجب أن
نقترب من
قضايا وهموم هذا الشعب'.
وجوابا على إن كان يتفق مع من ينتقد دبلجة بعض الأعمال
باللهجة المغربية، لأنها تتعارض مع مبادئنا وقيمنا، لاسيما أن أموالا طائلة
يتم
تبذيرها من أجل جمهور محدود، قد لا يتجاوز المراهقين وربات البيوت وبعض
الأطفال، في
حين اللهجة السورية يفهمها كل العرب ردّ بحسم: 'أنا أعتبر نفسي متطرفا تجاه
هذه
الأعمال المبتذلة والرخيصة في مضمونها، فما بالك بدبلجتها، ومن
طرف أناس لا يهمهم
سوى الربح المادي، وإن كان على حساب الذوق والمبادئ'.
وبعد النجاح الجماهيري
الكاسح، أكد كاضمي أنه غير متردد أو قلق بشأن التجربة القادمة، لأنه يتعامل
بجد مع
كل شخصية، كيفما كانت نوعية السيناريو.
وتجدر الإشارة إلى أن جديده الفني هو:
مسرحية 'الريح القديمة الجديدة'، إعداد وإخراج: بوسرحان الزيتوني.
القدس العربي في
04/10/2010
افلام رعب اسمها الكاميرا الخفية العربية
أحمد عمر
'أفلام
الرعب' بضاعة أمريكية هوليوودية خالصة.. وهي ثمار فنية
شوكية مرة نضجت على شجرة حياة الرخاء والدعة الأمريكية، التي
قامت في بلاد الهنود
الحمر وعلى أشلائهم. تذكر الإحصاءات أن الأمريكي يستهلك خمس الثروات
الأرضية، يعني
لو غزا الأمريكيون الكوكب لاحتاجوا إلى خمس كواكب أرضية حتى يعيشوا
بالمستوى
المطلوب.
لمَ أمد يدي اليمنى إلى إذني اليسرى قائلا هذه إذني.. الأمر لا يحتاج
إلى عبقرية مثل عبقريتي، فالرعب واقع أمريكي معاش ويومي فكيف
صارت أفلام الرعب
بضاعة محلية ووطنية لها اسم حركي ناعم ومقنع هو 'الكاميرا الخفية'!
قد يكون
لزياد سحتوت وزميله رضوان قنطار وأمثالهما من الشطار والعيارين في غزواتهم
وغاراتهم
على المواطنين ملثمين ومقنعين بلثام الكاميرا الخفية، معجبون، لكني لست
منهم.. لكم
دينكم ولي دين.
الأسماء الحركية لهذه الأفلام ناعمة لطيفة: كوميديا الكاميرا،
طيمشة ونيمشة، مقالب في اللاعب، خبوني بتحبوني.. لا تواخذنا..
سامحونا..
عفوا.
لم أتابع سوى بضع حلقات حتى أقف على أطلال الواقع العربي. فأنا من الذين
لم يبلغوا سن الرشد التي تتيح لهم مشاهدة أفلام الراشدين
المرعبة وحق الانتخاب، مع
أني أقف على أعتاب الخمسين، لا ابا لك يسأم.
كتب صحافيون عرب كثر ينددون بهمجية
الكاميرا العربية، وهناك طرفة شهيرة عن ستالين تقول ان مواطنيه الكولاك
(عفوا
رعاياه) العائشين في الكولوخوزات احتجوا على ضيق علبهم الإسمنتية التي
يقيمون فيها،
فعبس وبسر واستكبر، ووجد حلا لمشكلتهم بأن أمر أبقارهم أن تعيش معهم ثم
أوعز إلى
ماشيتهم بأن تنضم إليهم، وبعد ايام، يا سادة يا كرام، اصدر
أمرا بتحرير الأبقار من
الأسر مع هؤلاء البشر والعودة إلى رفاه الحظائر، ثم امر الماعز، فتهاطلت
بطاقات
الشكر من الفلاحين على ستالين، ومن الأبقار على ستالين، حمدا وثناء على
مكرمته
وعطاياه!
السؤال هو: لماذا يصاب المواطن العربي بالرعب إذا ترك بطل الكاميرا
الخفية حقيبة عنده وهرب؟ هل يخشى أن تكون فيها منشورات تطالب
بحقوق الإنسان؟
المنشورات تهمة لا تدانيها تهمة في البلاد العربية! في لوحة مشابهة لكاميرا
خفية
غربية يتعرض مواطن أوروبي متهم بالعبث بسيارة تولول زمرا، فيقترب منه
الشرطي متهما
لكنه يبقى رابط الجأش، يعلك علكته فعاجلا أو (عاجلا) ستظهر براءته أما إذا
تورط
العربي في حقيبة مشبوهة فالعدو الوطني من أمامه والعدو الوطني
من ورائه وليس له إلا
الصبر.
نماذج من أفلام الرعب العربية: بطل الكاميرا الخفية يقود مطلوبا مقيدا
بالكلبشات ويطلب من احد المواطنين أن يساعده لأنه محصور فيتطوع
المواطن ويوافق على
أن يقيد مع المطلوب بالسلسلة حتى يقضي الشرطي حاجته، لكن حاجة الشرطي
المسهول او
المصاب بالامساك تكلبشه فيتأخر.. وعندما يعود بعد أحقاب، يحرر المتهم ويترك
المتطوع
بالقيد!! هذا خيال إرهابي. لم يخطر للماركيز دوساد وللمرحوم
هيتشكوك، ولا لأمية بن
خلف الذي كان يعذب بلال الحبشي رضي الله عنه.
كتاب 'الفرج بعد الشدة' دوّنه
القاضي التنوخي للتفريج عن هموم المسلمين فذكر بآيات الله الكريمة: التي
تبشر
بالفرج بعد الشدة فقال عزّ من قائل: إن مع العسر يسراً. وقال أيضا، وهو
أصدق
القائلين، وهو الحق اليقين 'بسم اللّه الرحمن الرحيم، ألَمْ
نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ، ثم يذكر طائفة من المصاعب والآلام التي تعرض لها الأنبياء وصبروا
عليها
ثم فرج الله عليهم.. ثم الأولياء والصالحين والخلفاء..
المثال السابق (مثال
الشرطي) مثال ناعم مغسول سبع مرات احداها بالتراب ويمثل الحد الأدنى من
خشونة
الكاميرا العربية الخفية، انظروا الى مثال الحد الأعلى الذي
تورطت فيه ممثلة عربية
كنيتها معبرة عن سيكولوجيا الكاميرا المنقبة: 'صبري'.
تستقدم المفترسة صبري
ضحيتها الخادمة إلى شبكتها الكمين، اقصد إلى منزلها، وتكلفها بالتنظيف
وتوابعه وما
أن تصعد إلى غرفتها، حتى تبدأ أشباح عيد الهالوين بالتجول في المنزل وتكسر
الأواني
والصحون، فتسرع الخادمة المذعورة إلى سيدتها للاستنجاد بها
واطلاعها على الوقائع
الغريبة في شقة متحف الرعب لتجدها مطعونة بالسكين والدم من حولها، تصاب
البنت
بالهلع فتصرخ البنت فاقدة صوابها وتهبط الدرج نحو الهاتف، فيرد عليها وحوش
الكاميرا
الخفية متنكرين بأصوات الشرطة طالبين العنوان لكن ما أن تنهي الخادمة
مكالمتها
والدموع تنهمر من عينيها، وشعرها الغجري المجنون يسافر في كل
الدنيا ويداها
ترتجفان، وفرائصها ترتعد، من هول يوم القيامة، ولو لم تكن عذراء لوضعت
حملها، ثم ما
تلبث أن ترى الضحية حية ترزق أمامها فتتصلب من الخوف والحيرة وبعد قليل
تحضر الشرطة
فتنهار الخادمة وتجهش بالبكاء وهنا تنبري صبري لتبشرها بالفرج
بعد الشدة : كاميرا
خفية. وافرح يا قلبي ...
انتهى فيلم عيد البربارة صبري من سلسلة أفلام هالوين
التي لم ينتجها العقاد الشهيد. ثم عفوا أنا أخلط، فالأمريكي يختار فيلم
الرعب
بإرادته، للاستمتاع بالتوتر والمغامرة ثم بعد ساعتين يخرج من الصالة حامدا
الرب على
انه فيلم، لكن الضحية هنا غير مخيّرة. إنها قربان للضحك. هل يحتاج الإضحاك
إلى
قرابين من هذا النوع؟ ام هو امتحان وابتلاء لقياس مقدرة الضحية
على الصبر.. أنا لا
أتحمل.. تكفيني الكاميرا الخفية التي تمارسها إسرائيل يوميا منذ عام 1948،
والكاميرا الخفية التي تمارسها فرق الكي جي بي جي العربية، ووزارات
الاقتصاد
العربية التي ترفع الأسعار من غير إنذار، ووزارات الثقافة التي
تطبع كتبا لا تصلح
للوقود والتدفئة، ووزارات الأوقاف التي لا تزال تفتي في الحيض والنفاس
وتسكت عن
أمور مهمة مثل : الجدار الفولاذي الذي بنته مصر على الحدود، والجدار
الحديدي التي
تبنيه البيروقراطية بين الناس والحق، ولم يكن ينقصنا إلا
التلفزيون بكاميرته
الخفية.
قبل فترة استوقفني رجلان في الشارع، كانا صارمين، جادين، احدهما طلب
بصرامة مدفع هويتي، ولعلمكم أنا أحس بالعار من ثلاثة أمور على
الأقل: خلع ثيابي
الداخلية. فتح فمي أمام طبيب الأسنان، وإظهار هويتي!! هل اشرح أم أن الأمر
لا
يستحق؟ العورة لا تحتاج إلى تبرير، أما الأسنان فهي كناية عن العمر الذي
أخفيه
بخيباته التي عضضت عليها بالنواجذ، والآهات التي تدحرجت مسفوحة
في الربع الخالي،
أما الهوية فهي العورة كل العورة!! فيها اسمي الذي يشكل في أي دولة أوروبية
قنبلة
إرهابية، أما عربيا فالموظف العربي يقطب ما أن يحدق في هويتي ثم يقلب النظر
بيني
وبين الصورة وكأنه قد رأى ديناصورا .. يتابع النظر ثم يقول
مستفسرا: هذه هويتك؟
فأهزّ رأسي معترفا بالجريمة.
وفي الهوية أسرار أخرى، لعلي أؤجلها إلى حديث طويل
آخر!!.
المهم، تبين إنهما زميلان من زملاء المرحلة الابتدائية، وارادا ان يمزحا
معي، ولما عرفت يا سادة يا كرام، صار الضياء في عيني كالظلام،
وحصل لي ما حصل لعادل
امام، في شاهد ما شفش حاجة عندما تطوع له واحد من الجمهور لشرح معنى: من
النوع
المألوف.
يا جماهير شعبنا!
لوحات الكاميرا الخفية العربية تقع بين
حدين، أنعمها خشن لا يتحملها إلا العصبة أولي القوة، أما أخشنها فهي من
النوع التي
تولت بطولته السيدة 'صبري.. عليك طال' والذي يمتلئ بالدم الرمزي والقتل
والعفاريت،
الكاميرا الخفية العربية هي نتاج بيئتها المكتظة بالعنف الرمزي المنتشر في
كل مكان:
البناء، الضجة، صعوبة القوت، المواصلات التلوث..
قولوا لي ما هي مواضيع كاميرتكم
الخفية اقل لكم من انتم !!
أيها الشعب الكريم..
يا جماهير شعبنا المناضل على
أبواب الأفران ومكابس جرار الغاز ومسلسل باب الحارة المسدود في وجهنا، وباب
الحرية
الذي لا يجرؤ احد على الاقتراب منه.
الكاميرا العربية مثل الاستعمار تجرح باليد
اليمنى ثم تداوي باليد اليسرى!
قضينا حيواتنا ونحن نتألم ونبكي ونمرض ونهان من
غير أن يقول لنا احد: بشراكم..إنها كاميرا خفية..كنا نمزح متى يخرج شاهنشاه
عربي
ليقول: اعتذر منكم .. أنا مستقيل .. كنت امزح .. كاميرا خفية.
أيها الشعب
العربي: اصبروا .. صبرا أيها الشعب المسكين فإن موعدكم الجنة.
احد ..
احد..
الطبعة الفلسطينية
يقال ان رجلا دخل ليجد زوجته في حضن عشيقها،
تمثل دور الأم المرضع ويمثل دور الطفل الرضيع، فأشهر مسدسه، فصرخ العشيق:
لا تطلق
النار .. كاميرا خفية.
يصرح المفاوض الفلسطيني الكريم قائلا واعدا منذرا انه لن
يفاوض حتى يتوقف الاستيطان، ثم يفاوض، مع استمرار الاستيطان. صرح أمس بانه
على
إسرائيل الاختيار اما الاستيطان او السلام ثم شرح قائلا انه لا يهدد
بالانسحاب،
فليس لديه ما يخسره (سوى المقدسات)، ينال المفوض 'مرحى' من
أمريكا على ضبط النفس
ولا تنال إسرائيل علقة على جشع النفس.
الكاميرا العربية هي ميزان لقياس ضبط
النفس.. كلما عملت إسرائيل مقلبا دمويا حقيقيا بكاميرات التوماهوك
والميركفاها
والهيتس، خرج المفاوض الضحية ليعتذر: عفوا.. تابعوا.. كاميرا خفية.
كاتب من كوكب
الأرض
القدس العربي في
04/10/2010 |