حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

حصاد التلفزيون 2010

على وقع الضجّة التي أثارتها وثائق «ويكيليكس»، اختتمت الصحافة العالمية والعربية عاماً مليئاً بالأحداث. وبين الرقابة السياسية والاقتصادية والدينية، بدت مختلف وسائل الإعلام محاصرة من المحيط إلى الخليج... حتى فرنسا. وبينما انهمكت أغلب الدول في تعديل قوانينها، وخصوصاً تلك المتعلقة بالإنترنت، تبيّن أن النتيجة كارثية تهدف إلى تضييق الخناق على هامش الحرية المتبقي على الشبكة العنكبوتية

 

عام أسود لحريّة التعبير في العالم العربي

محمد خير

عند الحديث عن المشهد الإعلامي العربي في عام 2010، لا بدّ من الانطلاق من النهاية، أي من وثائق «ويكيليكس» التي شغلت العالم. وبدا واضحاً أن هذه التسريبات لم تُحرج الزعماء العرب فقط، بل شملت أيضاً إعلامنا. وفي وقت تنافست فيه الصحف العالمية على نشر الوثائق، وجدت الجرائد العربية نفسها في مأزق يتعلق بحرية النشر والتعبير. وبينما تفاوتت ردود فعل الحكومات على الفضائح المنشورة، كانت وسائل الإعلام العربية شبه موحّدة في تعاطيها مع الأمر. ربّما لأنها تدرك أن نشر هذه الأسرار في مختلف أنحاء العالم لا يعني إمكان نشرها على صفحاتها.

طبعاً حال الميديا العربية غير مرهونة بـ«ويكيليكس»، بل يظهر الوضع المأساوي بوضوح في مختلف البيانات المحلية والدولية. نظرة إلى تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» لعام 2010 توضح كل شيء: الدول العربية التي تمثّل 10 في المئة فقط من دول العالم، احتلت ثلث قائمة «أسوأ دول لحرية الصحافة وأوضاع الصحافيين». وتضمّنت المراكز العشرة الأخيرة ثلاث دول عربية هي السودان، وسوريا، واليمن. أما لبنان، وهو الأفضل ترتيباً في العالم العربي، فقد جاء في المركز 78، متراجعاً عن موقعه في عام 2009...

النسب والأرقام السابقة يمكن بسهولة تحويلها إلى لحم ودم من خلال الاطلاع على تقارير المنظمات الحقوقية، وتعداد ما ترصده من اعتقال صحافيين ومدوّنين بل اختفاء بعضهم تماماً. وهي اعتقالات منهجية أو عشوائية تستهدف بثّ الرعب وفرض الرقابة الذاتية داخل كل صحافي عربي. كل ذلك تحت اتهامات تراوح بين «إضعاف الشعور القومي» وصولاً إلى «الانضمام إلى عصابة إجرامية والإخلال بالنظام العام». وليس غريباً في ظل ذلك أن يلاحظ تقرير أصدرته شركة «سبوت أون» أن عدد مشتركي «فايسبوك» في العالم العربي قد تجاوز للمرة الأولى ـــــ هذا العام ـــــ عدد المشتركين العرب في الصحف بلغاتها العربية والإنكليزية والفرنسية.

باختصار، لا يمكن القول إنّ 2010 شهد أي تغيّر إيجابي في نهج السلطات العربية تجاه حرية الصحافة. على العكس، ازدهرت «صناعة» التضييق على الصحافيين من سوريا إلى تونس، ومن العراق إلى فلسطين، مروراً بأغلب دول الخليج. هكذا مثلاً استقال (أو أُقيل) جمال خاشقجي للمرة الثانية من رئاسة تحرير صحيفة «الوطن» السعودية، بعد نشره مقالة انتقد فيها الفكر السلفي. وفي الإطار نفسه، قدّم عبد الرحمن الراشد أيضاً استقالته من العربية بسبب برنامج عرضته القناة انتقد الفكر الوهّابي. ولكن سرعان ما عاد «الرجل الأقوى في «العربية» عن هذا القرار. أما نهاية 2010 في السعودية، فكانت مع منع عبد الله المغلوث من الكتابة بعد مقالة انتقد فيها بقاء المسؤولين المزمن على كراسيهم. كذلك حُجب موقع «إيلاف» فجأة من دون معرفة الأسباب، وفُصل نهائياً في دعوى حقوق الملكية الفكرية للمسلسل الرمضاني الأشهر «طاش». ومن السعودية إلى قطر، قدّمت أربع مذيعات استقالاتهن من المحطة من دون أن تتوضّح الأسباب النهائية لذلك، وإن كانت الإعلاميات الأربع قد تحدّثن عن مشاكل عمرها سنوات بينهن وبين الإدارة.

إذاً، يبدو المشهد في كل الدول العربية واحداً لناحية القمع، إلا أن للعراق حصّته الخاصة: بين الاحتلال الأميركي، والمجموعات الإرهابية، وممارسات الحكومة القمعية، لم يبق للصحافي العراقي أي متنفّس. وكما هي الحال منذ الغزو الأميركي لبلاد الرافدَين، قُتل في 2010 عدد من الإعلامين قد يكون أبرزهم سردشت عثمان الذي وُجدت جثّته في الموصل، إلى جانب مازن البغدادي، وطاهر جواد، ورياض السراي... واحتجاجاً على غياب أي شكل من أشكال الحماية، بدأ الإعلاميون العراقيون بتنفيذ تحركات في مختلف المناطق من خلال مسيرات احتجاجية، وحملات تضامن على الإنترنت.

 

أزمات ماليّة ومهنيّة وأخلاقيّة

ليال حداد

قد لا تكون 2010 من أفضل السنوات على الإعلام اللبناني: أزمات ماليّة، ودعاوى قضائية، ورقابة دينيّة واجتماعيّة وسياسيّة حاصرت وسائل الإعلام المحليّة. ولعلّ الحدث الأبرز الذي شغل الرأي العام اللبناني صدور القرار الظني في دعوى «القوات اللبنانية» على رئيس مجلس إدارة lbc بيار الضاهر. اتهم القرار الضاهر بـ «إساءة الأمانة والاحتيال وتهريب أموال المدعية (القوات)». ولم يسلم الموظفون من هذه الخلافات، فحصلت استقالات جماعية، وكان أبرزها استقالة شذا عمر مباشرة على الهواء. وحالما هدأت موجة lbc، اندلعت مواجهة مشابهة بين «حزب الكتائب»، و«الشركة العصرية للإعلام» (آل الخازن). هذه المرة، تحوّلت الإذاعة إلى إذاعتين، وانتقل ورثة سيمون الخازن ومعهم الإعلامية وردة الزامل إلى مبنى جديد في ضبيه، ليستعيد الكتائبيون مبناهم في الأشرفية. وحتى الساعة، لا يزال الصراع قائماً حول أحقية استخدام اسم الإذاعة.

ومن «صوت لبنان» إلى إذاعة «الشرق»، حيث أطلّت الأزمة المالية برأسها، بعد صدور قرار بإعادة هيكلة المؤسسة، وصرف أكثر من 38 موظفاً من أصل 70.

ولم تكن «الشرق» وحدها من تأثّر بالأزمة، بل بدت كل مؤسسات «تيار المستقبل» الإعلامية على شفير الإفلاس، خصوصاً «أخبار المستقبل»، ما دفع عدداً من العاملين في المحطة إلى إنشاء مجموعة على «فايسبوك» للمطالبة بمستحقاتهم. وتعدّدت الخطط المطروحة للخروج من هذا النفق، وكان أبرزها دمج «أخبار المستقبل» بقناة «المستقبل»، خصوصاً بعدما انتهى الدور السياسي للمحطة الأولى إثر التقارب المستقبلي ـ السوري. وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى سعي صحيفة «الحياة» إلى تخفيف أعبائها عبر صرف أسماء بارزة من صحافييها في بيروت بحجّة بلوغهم سنّ التقاعد.

لكن الأزمات لم تكن فقط مالية أو قضائية، بل إن الرقابة الدينية والاجتماعية والاقتصادية ضربت من جديد، مستهدفة برامج الترفيه. هكذا طالب رجل دين بوقف برنامج «لول» على otv، بحجة أنه «يروّج للفسق والفساد». ولم يسلم «أوفريرا» الكوميدي الذي تعرضه المحطة نفسها من المشاكل، بعدما رفع رئيس مجلس إدارة «سيوسييتيه جنرال» أنطون الصحناوي دعوى على المحطة بسبب أحد الاسكتشات التي تناولته تلميحاً. وكادت الدعوى أن تقفل الشاشة البرتقالية بسبب التعويض المالي الكبير الذي طلبه الصحناوي.

على جبهة التشريع، قدّمت جمعية «مهارات» مشروعاً لقانون الإعلام، يُتوقّع أن يناقش في مجلس النواب، فيما سبّب اقتراح قانون جديد للإنترنت قدّمه مشرّعون ونواب صدمة للّبنانيين بسبب المواد الرقابية الكبيرة التي نصّ عليها. وفي ظلّ هذه المشاكل، بقيت حال نقابة المحررين اللبنانيين على ما هي عليه، حتى بعد رحيل النقيب «الأبدي» ملحم كرم. حتى الساعة، لم ينتخب المجلس نقيباً جديداً، بسبب فشل التوافق على اسم واحد، وغياب نيّة بناء نقابة مهنيّة على أسس شفافة وديموقراطيّة وعصريّة ومتعالية عن العصبيات والنفعيّات.

وعند النظر إلى العام التلفزيوني المنصرم، لا بدّ من الإشارة إلى حلقة «كلام الناس» عن التسلّح التي أثارت جدلاً واسعاً في لبنان بسبب التحريض والتجييش اللذين تضمنتهما بمباركة مارسيل غانم. وقد خلقت mtv سابقة غريبة، إذ انهالت في مستهلّ نشرتها الاخبارية الرئيسية، على جريدة «الأخبار» تخويناً وتجريحاً، بسبب مقالة نقدية لبعض البرامج، نشرت في صفحاتها. أما الحدث الأبرز الذي يحمل أبعاداً خطيرة، فهو قرصنة موقع صحيفة «الأخبار» على أثر نشرها سلسلة وثائق حصرية من «ويكيليكس» تظهر الوجه الحقيقي لشخصيات لبنانية وقيادات عربيّة. 

 

إرهاب السلطة... ونهاية حلم اسمه «الدستور»

محمد خير

تبدو المفارقة الإعلامية كبيرة: رغم أن تقرير «مراسلون بلا حدود» أعلن أنّ مصر تقدمت 16 مركزاً في 2010، إلا أن العام شهد أكبر تضييق على وسائل الإعلام منذ سنوات. وهي مفارقة تتوقف عند المصادفة الزمنية؛ لأن كل تقرير سنوي يغطي العام الذي سبقه، أي في هذه الحال 2009. لذلك، فترتيب مصر في 2011 سيشهد تراجعاً، لكنّه لن يغيّر في واقع الأمر شيئاً. «المحروسة» كانت في المركز 143 عام 2009، وأصبحت في المرتبة 127 في 2010، والرقمان بائسان لا يعبّران عن عراقة مهنة تمارس في هذه الدولة منذ قرن ونصف قرن.

لا شك في أنّ ما جرى مع جريدة «الدستور» المستقلة كان في قلب الأحداث المؤسفة التي شهدتها الساحة الإعلامية. وكما هي عادة السلطة، حوصرت الصحيفة عبر تفريغها من مضمونها بطريقة جديدة. بعدما اشترى رئيس «حزب الوفد» السيد بدوي «الدستور» من مؤسسها عصام إسماعيل فهمي، أقالت الإدارة الجديدة رئيس تحرير «الدستور» وصانع تجربتها إبراهيم عيسى وعزلت الهيئة التحريرية. ثم باع السيد البدوي أسهمه لشريكه رضا ادوارد، نافضاً يديه من «الصفقة» التي قيل إن نتائجها ستظهر في الانتخابات البرلمانية مع نيل «الوفد» مقاعد إضافية في المجلس. وهو ما لم يحصل، لتكون السلطة الفائز الوحيد. إلا أن صحافيي «الدستور» نفّذوا اعتصاماً مفتوحاً في نقابة الصحافيين وأداروا موقعاً مسجّلاً باسم إبراهيم عيسى. الضغوط لم تكن على «الدستور» وحدها. تعرّضت صحف أخرى لمضايقات قبل الانتخابات البرلمانية، وأبرزها «الشروق» التي منعت عدداً من صحافييها «المشاكسين» من الكتابة، بينهم حمدي قنديل وعلاء الأسواني. وكان ذلك مجرد جزء من ترويع إعلامي استعر وشمل برامج أُلغيت (أبرزها «القاهرة اليوم» مع عمرو أديب) ومحطات فضائية أُوقفت. فضلاً عن إلغاء تصاريح البث المباشر للشركات الخاصة، واقتصارها على الوحدات المملوكة من «التلفزيون المصري» واستوديوات «مدينة الإنتاج الإعلامي».

في ظل ما سبق، لم يكن غريباً أن يغطّي «فايسبوك» أحداث العنف أثناء الانتخابات. هكذا نشط المصريون على الموقع فنشروا مقاطع الفيديو التي تفضح العنف والتزوير والبلطجة، ما أعاد إلى الأذهان تهديداً عابراً بثه التلفزيون الرسمي قبل أشهر بضرورة فرض الرقابة على الموقع. لكن عجلة التكنولوجيا تصعِّب مهمة الرقابة، بالدرجة نفسها التي يسهل فيها تقييد الصحف الورقية. وتلك الأخيرة شهدت في 2010 زخماً من شقين: الأول تزايد وتيرة الإصدارات اليومية من الصحف. هكذا حصلت «اليوم السابع» و«الفجر» الإسبوعيتان على رخصة الإصدار اليومي. بينما يترقب الوسط الصحافي إصدار «الكرنك» صحيفة هشام قاسم الناشر السابق لجريدة «المصري اليوم».

أما الشق الثاني فهو المواقع الإلكترونية للصحف نفسها. أطلقت «اليوم السابع» تجربة الجريدة الـ«ديجيتال» الأولى من نوعها في مصر، ثم راديو إنترنت خاصاً بها، تمهيداً لإطلاق أول تلفزيون إخباري مصري على الشبكة العنكبوتية.

 

إنّه عام «ويكيليكس»

صباح أيوب

2010 كانت سنة الحراك الإعلامي بامتياز. بعد عامَين من التخبّط في تداعيات الأزمة المالية، حاولت المؤسسات الإعلامية هذه السنة إعادة ترتيب أمورها في ظل ضغط مالي مستمر. صفقات بيع وشراء، وعمليات دمج طاولت أبرز الصحف العالمية، إلى جانب بروز خريطة مالكين جدد. وقد ترافق هذا الحراك المالي مع أحداث عالمية فرضت نفسها على التغطيات الإعلامية: من زلزال هايتي إلى مواجهات بحر غزة، ووقف العمليات العسكرية في العراق...

وإذا كان «ملك» القمع، والتجاوزات الدستورية هو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، يبقى البطل هذا العام وللأعوام المقبلة محرك البحث «غوغل». إذ «بشّر» هذا الأخير بخطط للتحكّم بأدق تفاصيل الحياة اليومية لمستخدميه. أما الظاهرة الأبرز فتبقى، من دون منازع، موقع «ويكيليكس» الإلكتروني الذي شغل العالم فارضاً نفسه محطةً تاريخية في مسيرة الإعلام. البداية، مع أبرز المؤسسات التي طُرحت للبيع، وهي صحيفة «لوموند» الفرنسية التي انتقلت ملكيتها إلى الثلاثي بيار بيرجيه، وماثيو بيغاس وكزافييه نيال. لكن بعد شهر ونصف على تسلم الفريق الجديد إدارة المؤسسة، بدأت الاضطرابات تظهر للعلن: احتج مدير «لوموند» إيريك فوتورينو على إجراءات التقشّف التي اتخذتها الإدارة، وبعد أيام أقيل فوتورينو واستقال مدير آخر في مجلس المراقبة...

أميركياً، شهدت الساحة الإعلامية صراع جبابرة بين روبرت موردوخ، وأرثر سالزبرغر على صحيفة «نيويورك تايمز». أما بريطانياً، فقد اشترى الملياردير الروسي ألكسندر ليبيديف جريدة «ذي إندبندنت» لإنقاذها من أزمتها.

ضغوط أخرى مورست على المؤسسات الإعلامية، وهذه المرة في فرنسا، عبر تدخل رئاسي غير مسبوق في العمل الصحافي. عيّن نيكولا ساركوزي شبكة من مؤيديه في المؤسسات الإعلامية من خلال تسميتهم مباشرة بما هو مخالف للقانون. ثم أقال صحافيين ممن انتقدوه. واتُّهم الرئيس أخيراً بالتجسس على الصحافيين.

وفي العام نفسه، برز اسم جديد: إنه جوليان أسانج مؤسس موقع «ويكيليكس». هكذا بدأ 2010 مع شريط مسرّب يظهر جنوداً أميركيين على متن طائرتهم يردون مدنيين عراقيين وصحافياً من دون أي تردد. وبعد أشهر، خرجت خبايا الحرب على أفغانستان إلى العلن من خلال نشر 90 ألف وثيقة سرية، بالتنسيق مع عدد من الصحف العالمية. ثم وثائق الحرب على العراق وأخيراً آلاف المحاضر والمراسلات الدبلوماسية بين سفراء الولايات المتحدة الأميركية في بقاع العالم ووزارتهم. وثائق شغلت العالم وإعلامه ولا تزال. بعضهم أيدها، وآخرون رفضوها، إلا أنّ الجميع وقفوا مصدومين من مشهد يعرّي السياسة العالمية ولاعبيها.

 

(إعلام) اليمن الحزين

جمال جبران

فيما شهد اليمن في 2010 تراجعاً ملحوظاً على جبهة الحريات الإعلامية، اختارت «نقابة الصحافيين» منح الرئيس علي عبد الله صالح درعاً تكريمية «تقديراً لدوره في رعاية الصحافة والصحافيين»! يختصر هذا التناقض الصارخ البيئة التي تعمل فيها السلطة الرابعة في «العربية السعيدة». هنا، لا يزال خطف الإعلاميين مستمرّاً، ولا يزال يُستخدم التعذيب للضغط عليهم. هكذا بقيت قاعات محاكمة الصحافة مفتوحة، رغم أنها مخالِفة للمادة 138 من الدستور الذي يمنع إنشاء المحاكم الاستثنائية.

ولعلّ عبد الإله شائع هو أبرز ضحايا هذا التضييق على الإعلام. اختطفه من منزله مجهولون ليتّضح لاحقاً أنه بات في عهدة السلطة. وكان شائع قد تعرّض لاختطاف مماثل في تموز (يوليو)، بعدما اقتيد إلى مبنى الأمن السياسي في صنعاء قبل أن يُفرج عنه في اليوم التالي بعد سرقة حاسوبه الشخصي. وحتى الساعة، لا يزال شائع يحاكم بتهمة «العمل مستشاراً إعلامياً لتنظيم «القاعدة» في اليمن»، رغم رفضه التعامل مع المحكمة الجزائية، معتبراً أنها غير مختصة في النظر في قضايا الصحافة. ويحصل ذلك رغم إعلان الرئيس اليمني في أيار (مايو) فتح «صفحة جديدة مع الصحافيين» والإفراج عن كل الصحافيين المسجونين. وقد شهد هذا العام «انفراجاً» في قضية رئيس تحرير موقع «الاشتراكي. نت» المعارض، محمد المقالح. بعد أربعة أشهر من اختطافه، اعترفت السلطة بأنه موجود في سجونها.

ومن الصحافيين إلى الصحف، لم تتردّد الحكومة في إقفال جريدة «الأيام» (تأسست سنة 1958). ولا تزال اليومية العدنية ممنوعة من الصدور حتى الساعة. طبعاً تصرّ السلطة على أنّ إغلاق هذا المنبر سيخفِّف من وهج الحراك الجنوبي. وهو أمر غير صحيح وغير ممكن.

ولم يكن العاملون في الإعلام المرئي في منأى عن كل ما يحصل. فقد اقتحمت السلطة مكتب قناة «الجزيرة» وصادرت أجهزة البث المباشر بحجة عدم امتلاك القناة ترخيصاً يسمح بدخولها إلى البلاد! وفضائياً أيضاً برزت هذا العام قناة جديدة هي «العقيق» التي يملكها مقرّبون من القصر الرئاسي وتبثّ من القاهرة. لكن سرعان ما وقعت المحطة في عدد من الإشكاليات: من الرتابة إلى المشاكل المالية. وكان الهدف من إنشاء هذه الفضائية الوقوف في مواجهة قناة «سهيل» التي يملكها الملياردير القبلي المعارض حميد الأحمر.

وحتى الساعة، لا يبدو أن العام المقبل سيكون أفضل، إذ إنّ مجلس النواب يوشك على التصديق على قانون الإعلام الجديد الذي ينص على عقوبات تصل إلى الإعدام، إلى جانب محاكمته النيّات من خلال عبارات مطّاطة...

 

حراس الأخلاق يضربون من جديد

أحمد الزعتري

تعهّد رئيس الوزراء الأردني سمير الرفاعي أمام مجلس النواب «بدعم حرية الإعلام واستقلاليته وفق معايير واضحة تنسجم مع أفضل الممارسات العالمية». لكن الرفاعي لم يشرح ما هي «أفضل الممارسات الإعلامية» بل اكتفى بخطابه هذا لنيل ثقة البرلمان.

إذاً يبقى تعاطي السلطة مع ملف الإعلام سطحياً. مثلاً، لم نعد نسمع بقضية تلفزيون ATV الذي اغتيل رسمياً... كذلك يتجاهل الجميع الرقابة المسبقة غير المعلنة على الصحف، وموجة التعصّب الوطنيّ التي تبثّ على الإذاعات.

ولا تقف المشاكل هنا، بل إن بعض الصحافيين الموالين يتبرّعون بالتضييق على الأقلام الخارجة عن سيطرة الحكومة. في هذا الإطار اتّهم رئيس تحرير أسبوعية «المجد» فهد الريماوي، رئيس تحرير جريدة «الرأي» الرسميّة ونقيب الصحافيين عبد الوهاب زغيلات بإيقاف طباعة جريدته في مطابع «الرأي». كذلك اتهم رئيس تحرير جريدة «الغد» المستقلّة موسى برهومة جهات حكوميّة بالضغط على ناشر الصحيفة لإقالته.

أما المواجهة الحقيقيّة، فوقعت عندما حاولت الحكومة إمرار «قانون جرائم أنظمة المعلومات» في غياب مجلس النواب. ونص مشروع القانون على مواد تجيز تفتيش المنازل والمكاتب من دون إذن المدعي العام... إلا أن الحملة المعارضة للقانون نجحت في تعديله. كذلك اضطرّ الإعلام الأردني إلى التعامل مع اتهام قناة «الجزيرة» للأردن بالتشويش على نقلها لمباريات كأس العالم. ثمّ عادت المشاكل لتلاحق القناة القطرية بعد اتهامها بـ«إثارة الفتن الإقليميّة» بين الأردنيين من أصل فلسطيني، والشرق ـــــ أردنيين.

في النهاية، لا يمكن «دعم حريّة الإعلام واستقلاليّته» في ظل تفشّي الرقابة، وتراجع دور جريدة «الغد» التي قدمّت نفسها على أنها صحيفة ليبراليّة مستقلّة. هذا الوضع أدى إلى خلق مخبرين وحراس للدولة والأخلاق. وقد يكون أحد أبشع نماذج حراسة الأخلاق مقالة كتبها عدنان الروسان بعنوان «إعرفوا إحنا ولاد مين، أنت ابن مين يا قواد»! ولمن التبس عليه الأمر، فإن المقالة كانت تعليقاً على خبر إيقاف الأمن لحفلة نظّمها مثليّون في عمّان.

 

حصاد التلفزيون 2010

لم يكن الاحتلال الإسرائيلي هذا العام وحيداً في التضييق على الصحافة الفلسطينية، بل دخلت حركتَا «فتح»، و«حماس» على الخطّ للقضاء على آخر بذور الحرية في الأراضي المحتلة. أما دول المغرب العربي، فشهدت تراجعاً مستمراً في مجال الحريات، ولا سيّما في المغرب وتونس. من جهتها، بدت السلطات السورية مهتمة بتفعيل صناعتها الأنجح، الدراما... مع أنّ ذلك لم يمنعها من مواصلة رقابتها بنجاح كبير، وخصوصاً على المواقع الإلكترونية والمدونات!

 

مطرقة «حماس» وسندان رام الله

مصطفى مصطفى

لم يكن المشهد الإعلامي الفلسطيني أفضل حالاً من السنوات السابقة. وبدا واضحاً في 2010 أن الخلافات الداخلية بين «فتح»، و«حماس» انعكست على الإعلام على نحو مباشر ومأسوي. البداية مع الفضيحة التي أثارتها «القناة العاشرة» الإسرائيلية التي عُرفت بـ«فتح غيت». حالما نشرت المحطة عدداً من الوثائق الفلسطينية الرسمية، وتسجيلات الفيديو التي كشفت تورط مسؤوليين في «سلطة رام الله» في قضايا اختلاس وابتزاز جنسي...

هبّ إعلام «فتح» للدفاع عن «المفضوحين». هكذا صوّرت محطات السلطة ما عرضه التلفزيون الإسرائيلي كمؤامرة تهدف إلى «كسر إرادة المفاوض الفلسطيني»!

وبعيداً عن الفضائح، اقتصر التصويت في انتخابات «نقابة الصحافيين» التي جرت في رام الله على إعلاميي الضفة الغربية، بعدما أصدرت «محكمة العدل العليا» في غزة قراراً بإيقافها. الانتخابات التي فازت بها قائمة «منظمة التحرير الفلسطينية» لقيت استنكاراً فلسطينياً وعربياً.

هذا العام أيضاً، واصلت «السلطة الفلسطينية» انفتاحها على «الجمهور الإسرائيلي»، وذلك ضمن حملة إعلامية أطلقتها السلطة تحت شعار «بارتنرز» (شركاء). هدفت الحملة إلى إقناع الإسرائيليين «بوجود شريك سلام فلسطيني». ولم تتردّد بطرح شعار «حل الدولتين». كذلك اعتذر فيها رئيس دائرة المفاوضات صائب عريقات اعتذاراً غير مباشر للإسرائيليين!

من جهة أخرى، واصلت جريدة «القدس» المقدسية سياسة التطبيع، بنشرها «تهاني وتبريكات» كل من «وزير الدفاع الإسرائيلي» إيهود باراك و«رئيس شرطة أورشليم القدس» الجنرال أهارون فرانكو إلى «المسلمين مواطني دولة إسرائيل» لمناسبة حلول شهر رمضان!

وعلى صعيد انتهاك حقوق الصحافيين، فقد سُجلت سابقة جديدة في مجال محاصرة الحريات الإعلامية لهذا العام. إذ أصدرت محكمة عسكرية فلسطينية في نابلس، حكماً بالسجن لمدة سنة ونصف على مراسل فضائية «الأقصى» التابعة لـ«حماس» طارق أبو زيد الذي أُطلق سراحه قبل أسابيع. هذه المحاكمة لاقت استنكاراً من جهات قانونية وصحافية عدة. وفي قطاع غزة، سمحت «إسرائيل» بدخول الصحف اليومية الثلاث: «القدس»، و«الحياة الجديدة»، و«الأيام» إلى القطاع بعد منعها منذ أواخر عام 2008. لكن «حكومة حماس» منعت توزيعها، بعد رفض أصحاب هذه الصحف «توقيع وثيقة تضمن عدم التعرض لحركة «حماس» والوضع السائد في قطاع غزة». وأكثر من أي وقت مضى بات واضحاً أن الاعتداء على حرية الصحافة مرتبط مباشرة بالمنافسة السياسية بين «سلطة رام الله» و«حركة حماس». أما الاحتلال الإسرائيلي فقد واصل جنوده الاعتداء على الصحافيين الذين كانوا يغطون الأحداث التي حصلت في القدس المحتلة، ومسيرات قريتَي بلعين والنبي صالح ضد الجدار العنصري ومصادرة الأراضي. كذلك اعتدوا على الصحافيين في بلدة أم الفحم، أثناء تغطيتهم لتظاهرة المستوطنين المتطرفين فيها.

من جهتها كانت المفاجأة الفرنسية، منع «فضائية الأقصى» من البث على قمر «يوتيل سات» الفرنسي بحجة أن المحطة «تعزّز الكراهية»، ويذكر أن «الأقصى» منعت أيضاً من البث على قمر «نايل سات» المصري.

أخيراً، شهد الشهر الأخير إغلاق 18 وسيلة إعلامية في الضفة الغربية، بتهمة «عدم دفع الديون المترتبة على كل محطة عن أربع سنوات مضت». هذا الإغلاق سبقه قرار «سياسي» بإغلاق مكتب فضائية «فلسطين الغد» في رام الله التابعة لعضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» محمد دحلان. وفيما أكدت «السلطة الفلسطينية» أن «قرار الإغلاق له علاقة بإجراءات قانونية بالتراخيص فقط»، إلا أن الصراع بين دحلان ومحمود عباس يبدو السبب الأساسي في إغلاق هذه المحطة.

 

الرقابة الذاتية هي الحل؟

وسام كنعان

بات من المؤكد أن سنة 2010 لن تحجز لها مكاناً في ذاكرة السوريين، أقلّه من الناحية الإعلامية. مرّ هذا العام مرور الكرام من دون أحداث صحافية غير اعتيادية. وقد يكون العنوان العريض للعام هو إعداد مسوّدة «قانون الإعلام الإلكتروني» من قِبَل وزارة الإعلام السورية ووزارة الاتصالات، ثمّ إقراره في مجلس الوزراء، وتحويله إلى مجلس الشعب في انتظار التصويت عليه، ليصبح بعدها قانوناً نافذاً. وتزامناً مع هذه الإجراءات، تعالت أصوات كثيرة مندّدة بالمسوّدة ومعتبرة إياها أداة لتقييد الحريات التي تمتعت بها الصحافة الإلكترونية، مقابل الصحافة المطبوعة التي تخضع لرقابة حديدية.

من جهة أخرى، بعد تنبّه المسؤولين إلى النجاح الذي حققته الدراما السورية، قررت الحكومة العمل على حماية الصناعة السورية الوحيدة التي حقّقت رواجاً عربياً. هكذا صدر مرسوم جمهوري ينص على إنشاء مؤسسة عامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي، على أن تكون هذه الأخيرة هيئة مستقلة تتبع لوزارة الإعلام السورية. وقد تسلّمت إدارتها الكاتبة والإعلامية ديانا جبور، وبدأت بالإعداد فعلياً لإنتاج حوالى خمسة مسلسلات درامية بميزانية جيدة، أوّلها مسلسل «المنعطف».

أما الحدث الثالث فكان على مستوى الإعلام المرئي، وتمثّل في إطلاق البث التجريبي لقناة «الإخبارية». وهي المحطة السورية الإخبارية الأولى، ويديرها فؤاد شربجي، بعدما قدّم استقالته من تلفزيون «الدنيا».

إذاً بدأت «الإخبارية» عملها الميداني من المهرجانات والأحداث الفنية المهمة، لتعرض تقارير مصوّرة... وحتى الساعة تبدو استقلالية هذه المحطة شبه مستحيلة، بما أنها جزء من منظومة الإعلام السوري الرسمي الذي يأخذ على عاتقه تلميع صورة الحكومة والدفاع عنها، مصيبة كانت أو مخطئة. وفي السياق ذاته، افتتح هذا العام «المركز الإخباري السوري» الذي تُبثّ منه كل النشرات الإخبارية على المحطات السورية. ومع إطلاق «الإخبارية»، بات المركز جزءاً من مقرّها، على أن يعود بثّ نشرات الأخبار السورية من داخل «التلفزيون السوري» بعد ترميم استديو الأخبار فيه. بالتزامن مع كل ذلك، علمت «الأخبار» أنه يُعمل حالياً على تجهيز قائمة بحوالى ألف موظف في التلفزيون الرسمي يعملون بنظام «البونات» (عقود موقتة) وغيرهم لإنهاء التعاقد معهم قريباً.

من جهة أخرى، لا تزال مؤسسات رجل الأعمال السوري النافذ رامي مخلوف تعمل على تجهيز استوديوهات ضخمة لإطلاق قناة «نينار» التلفزيونية بعدما أطلقت إذاعة فنية تجارية تحمل الاسم نفسه. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن حالة الإعلام السوري المسموع بقيت على ما هي عليه. الترخيص الذي تمنحه وزارة الإعلام السورية لإنشاء إذاعة محلية هو فني تجاري، ولا يمكن الاحتيال عليه لتقديم مادة إعلامية ذات مستوى عالٍ، إلا بجهود مضنية، مع التخوّف من عقلية الرقيب الجاهزة دائماً للمنع من دون حاجتها إلى تقديم مبررات.

وعلى صعيد الحريات، بدت أحداث هذا العام تمشي بتسارع شديد نحو مزيد من التضييق، وبطريقة مبتكرة لا يمكن تحديد ملامحها بوضوح. إلا أنه يمكن متابع الشأن السوري أن يخلص إلى أن الإعلاميين السوريين باتوا يضعون لأنفسهم خطوطاً حمراً وحواجز رقابية أكثر مما ينبغي، وأكثر مما هو مطلوب! قد يأتي تخوّف الإعلاميين الزائد من التحفظات الأمنية المتشددة في سوريا. في هذا الإطار، تبقى قضية اعتقال المدوّنة الشابة طل الملوحي تشغل الرأي العام السوري والعربي، وحتى المنظمات الحقوقية الدولية، إذ إنّ الغموض يلفّها، ولم تقدّم السلطات تبريرات واضحة أو مقنعة لسبب اعتقالها.

 

دموع الديموقراطيّة المغربية

محمود عبد الغني

لم تتغيّر أحوال الصحافة في المغرب هذا العام. بل على العكس، تدهورت إلى حدّ دفع منظمة «هيومان رايتس ووتش» إلى إعلان أنّ «المغرب لديه مجتمع مدني وصحافة مستقلّة، لكنّ السلطات بمساعدة القضاء تستخدم تشريعات قمعيّة لمعاقبة معارضين سلميين وسجنهم». وأضاف بيان المنظمة أن «الدولة المغربية تمنع الصحف وتُغلقها، وتعتقل الصحافيين وتغرّمهم، إلا أنّها نادراً ما تحاسب الشرطة على انتهاك حقوق الإنسان». هكذا أصدرت وزارة الاتصال قراراً بـ«تعليق نشاط قناة «الجزيرة» القطرية في المغرب، ووقف العمل بالاعتمادات الممنوحة لطاقمها».

وقد بررت الوزارة المعنية ذلك بالقول إنها رصدت «حالات عدة انحرفت فيها القناة المذكورة عن قواعد العمل الصحافي الجاد والمسؤول...».

وكان هذا القرار متوقعاً بسبب انزعاج الحكومة من المتفرقات الإخبارية المتعلقة بالمغرب، وخصوصاً في نشرة «الحصاد المغاربي».

وفي الإطار نفسه، اندلعت مواجهات إعلامية بين المغرب وإسبانيا، بعد أحداث مدينة العيون في الصحراء الغربية. إذ عرضت قناة «أنتينا 3» الإسبانية صوراً فوتوغرافية قالت إنها من أحداث المدينة الصحراوية، ليتّضح لاحقاً أنها صور قديمة لجريمة قتل جرت في الدار البيضاء!

كذلك، قرّر وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي الطيب الفاسي الفهري رفع دعوى قضائية على الصحافي الإسباني في صحيفة «إل باييس» الشهيرة، توماس باربولو «الذي حرّف حديث المسؤول المغربي» كما أعلن وزير الاتصال خالد الناصري.

لكن لم تكن الصحافة الغربية، ولا العربية وحدها في مواجهة مع السلطات.

بل إن إقفال عدد من المطبوعات البارزة مثّل صدمة للشارع المغربي. إذ يبدو أن المقربين من الملك محمد السادس اختاروا التركيز في 2010 على استهداف الصحافة المستقلة دون غيرها، بسبب الإزعاج الذي تسبّبه لهم.

والبداية كانت مع مجلة «لو جورنال» (تأسست سنة 1997) التي أقفلت مكاتبها مطلع العام المنصرم. أما السبب، فهو أن سياستها وخطّها التحريري الديموقراطي لم يعجب النظام، فبدأت مضايقتها.

هكذا منعت عنها الإعلانات وحُجزت حساباتها بحجة أنها لم تدفع مستحقاتها لـ«الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي». وكانت هذه الخطوة الضربة القاضية التي أقفلت المطبوعة، رغم شعبيتها الكبيرة.

وذكّرت هذه الحادثة بما حصل مع صحيفة «أخبار اليوم» التي أُغلقت مكاتبها عام 2009، بعد نشرها كاريكاتوراً «مسيئاً للعائلة المالكة»، و«معادياً للسامية».

وبعد القضاء على هاتين التجربتين المستقلتين، لم يبق سوى أسبوعية «نيشان» لتدافع عن حق الصحافة «المختلفة» بالوجود.

هكذا بقيت أسبوعية «نيشان» وحدها في الميدان. هذه المجلة التي رسمت لنفسها خطاً تحريرياً، اختارت منذ صدورها أن تسلك طريقاً منفتحاً، فناقشت مواضيع عدة كانت لسنوات طويلة «محرّمة» في الإعلام المغربي. لكن فترة السماح التي منحتها السلطات لهذه المجلة انتهت هذا العام، بعدما امتنعت جهات مقربة من القصر الملكي عن نشر إعلانات في المجلة.

واستمرّت محاصرة السلطة للمجلة مع إتلاف أعداد كبيرة منها في 2009، ما سبّب لها خسائر فادحة... ورغم كل هذه المحاولات لإقفال «نيشان»، بقي صحافيوها صامدين، ومصرّين على تغيير المشهد الإعلامي المغربي من خلال فتح ملفات سياسية، ودينية، وجنسية، والتطرق إلى قضايا الفساد والمحاصصة...

كل ذلك أدى إلى تضييق الخناق عليها، لينتهي الكابوس بإعلان الأسبوعية الأكثر مبيعاً في المغرب إفلاسها.

 

«عذراً على رداءة التلفزيون»

سعيد خطيبي

«عذراً على رداءة التلفزيون»، لم يكن ما سبق تعليقاً في أحد البرامج الساخرة، بل عبارة قالها وزير الإعلام الجزائري ناصر مهل أمام البرلمان. وجاء تصريحه بعد فشل قسم البرمجة في التلفزيون الرسمي في جذب المشاهد الجزائري في رمضان الماضي، إثر تغييب الدراما المصرية، والتركيز على المسلسلات السورية، والأعمال المحلية التي طغت عليها صفة الارتجالية.

اعتذار توقّع كثيرون بعده أن يُعاد النظر في السياسة المنتهجة، والبحث عن سبل التغيير، وإنقاذ المحطة الرسمية من سباتها. لكن للأسف مرت أشهر ولم تتبدّل الصورة.

وكان عام 2010 قد شهد ـــــ إلى جانب الفشل على المستوى المرئي ـــــ سيطرة حكومية على الصحافة المكتوبة من خلال فرض الضرائب الجبائية على الجرائد والمطابع، وترهيب وتخويف، وتكميم أفواه الصحافيين، وملاحقتهم قضائياً. ويشير المحامي الجزائري خالد بورايو إلى أن السنوات العشر الماضية سجلت ما لا يقل عن 400 قضية ملاحقة قضائية في حق صحافيين جزائريين.

كذلك، فإن عام 2010 شهد احتفال الجزائر بمرور عقدين على إنشاء الصحافة المكتوبة المستقلة التي أبصرت النور عقب إقرار قانون «نيسان/ أبريل 1990». وهو القانون الذي فتح الطريق أمام صدور أولى اليوميات الوطنية، ليبلغ عددها اليوم ثمانين مطبوعة مختلفة. ولكن هذا الازدهار لم يمنع السلطة القضائية من مواصلة مسلسل الرقابة والتضييق على الحريات. هكذا أدانت الصحافي والأكاديمي أحمد رواجعية بالسجن ستة أشهر تسديداً لغرامة مالية. وجاء ذلك بعد نشر الإعلامي الجزائري مقالة تناول فيها هشاشة «الجامعة الجزائرية». كذلك أوقفت السلطة الصحافي والمناضل اليساري جيلالي حجاج الذي تعرض لتحقيقات ماراتونية، بعد اتهامه بتوقيع شهادات طبية مزوّرة، عدّتها تنظيمات حقوقية ناشطة مجرد حجة تهدف إلى ترهيب حجاج. وهذا الأخير هو أيضاً ممثل «منظمة الشفافية العالمية» في الجزائر.

وشهد هذا العام أيضاً عودة النقاش في قانون الإعلام الذي رأى كثيرون أنه يحتاج إلى تعديلات، لأنه لا يتماشى مع التطورات التي يعيشها قطاع الإعلام. كذلك طالب المعنيون والحقوقيون بفتح القطاع المرئي والمسموع أمام الشركات الخاصة، وإخراجه من دائرة الاحتكار، كما هي الحال في الدول المجاورة. والأبرز كان استمرار حملات الهجوم على مصر، من خلال مقالات وعبارات ومصطلحات مسيئة لـ«المحروسة»، بهدف منع التفاهم بين الدولتَين العربيتَين.

وعند إلقاء نظرة سريعة على العام المنصرم، لا بدّ من تسجيل غياب إحدى أكثر الصحافيات جرأةً، وهي باية قاسمي التي توفيت في شهر نيسان (أبريل).

 

في قبضة بينوشيه العربي...

سفيان الشورابي

نظرة سريعة على المشهد الإعلامي التونسي في 2010، تؤكّد لنا حقيقة واحدة: البروباغاندا السياسية البدائية لم تدفن نهائياً رغم ثورة الاتصالات والمعلومات! واصلت تونس احتلالها المراتب السفلى في تقارير حرية الصحافة. ولا يزال نظام الرئيس زين العابدين بن علي يُحكم قبضته على مختلف وسائل الإعلام. مع ذلك، يتكرّم «اتحاد الصحافيين العرب» بمنحه درعاً تقديرية لدوره «في الدفاع عن الصحافة في الوطن العربي». هكذا أصبح «بينوشيه العرب» ـــــ وفق تعبير «الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان» ـــــ أبرز المدافعين عن حرية التعبير... هو الذي زجّ، خلال حكمه منذ سنة 1987 أبرز الأقلام المعارضة في السجن. وبالتزامن مع تكريم بن علي، كان الصحافي الفاهم بوكدوس، يحاكم بتهمة «نشر معلومات من شأنها الإضرار بالنظام العام». وقد صدر بحقّه حكم بالسجن أربع سنوات بعد إعداده تقارير تلفزيونية تناولت الاضطرابات التي شهدتها مناطق جنوب البلاد قبل عامين. ورغم أن قضية بوكدوس لم تكن يتيمة في قاعات المحاكم، إلا أنها ظلّت الأبرز بسبب الوضع الصحي السيئ الذي يعانيه.

على جبهة الإنترنت، حاول ناشطون تنظيم اعتصام أمام مقر وزارة الاتصالات للمطالبة بإلغاء الرقابة، والحجب الممارسين على آلاف المواقع. لكن ذلك لم يثن السلطة عن الاستمرار بنهجها التعسفي. وعندما حاول النظام الترويج لفتحه قطاع الإعلام أمام الشركات الخاصة، من خلال منح ترخيصين لإنشاء إذاعتين، تبيّن أن أصحاب التراخيص هم أقرباء زين العابدين بن علي.

القنوات التلفزيونية الحكومية من جهتها، لم تخرج من رتابتها المعهودة، وفشلت في جذب المشاهد التونسي إلا عند عرض مباريات كرة القدم، وفي سهرات رمضان. هكذا خصصت «نسمة تي في» شهراً كاملاً لفلسطين بعنوان «فلسطين في قلب المغرب الكبير». فيما رسا الخيار على محطة «تونس7» لتعرض النسخة المغاربية من برنامج «ستوديو الفن» بعدما فشل الاتفاق بين المخرج اللبناني سيمون أسمر وقناة «حنبعل تي في».

الأخبار اللبنانية في

31/12/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)