ميزانية الفيلم 20 مليون دولار وجمع 52 مليوناً من الأسواق العالمية
«الصعود»
.. البحث في القدس عن جسد السيد المسيح!
عبدالستار ناجي
تجري احداث فيلم الصعود عام 33 ميلادياً. حيث يتم تكليف احد ابرز القيادات
الرومانية . بالبحث عن جسد السيد المسيح المفقود الذي قام من بين الأموات
الذين تم صلبهم بناء على أوامر الرومان، لتتحول عملية البحث تلك الى رحلة
عذابات بالنسبة لذلك الضابط تنقله من الشك الى اليقين .
ويعتبر فيلم الصعود واحداً من أهم الأعمال السينمائية التي تناولت جوانب من
سيرة السيد المسيح عليه السلام بالذات المرحلة التي أعقبت صلبه وصعود الروح
الى السماء الاعلى. والفيلم يتتبع النص الاصلي المقتبس من الكتاب المقدس
الإنجيل عن ملحمة القيامة والصعود، كل ذلك من خلال عيون ضابط روماني غير
مؤمن، صارم حازم، يسعى الى تنفيذ المهمة التي أنيطت به بالبحث عن جسد السيد
المسيح الذي اختفى بعد صلبه ودفنه. كلافيوس جوزيف فينيس أداء عال للنجم
البريطاني وهو بتقمص شخصية ضابط روماني حازم وقاس ومساعده لوسيوس . في رحلة
البحث وحل لغز اختفاء ذلك الجسد الذي تعرض للصلب والدفن. ثم الصعود الى
السماء، ما يجعل الرومان بكل جبروتهم يسعون الى تكذيب رواية الصعود واختفاء
الجسد بين أجساد الموتى.
محاولة يائسة من الرومان من أجل دحض انتفاضة راحت تستعر نيرانها في المدينة
المقدسة القدس الشريف . وكان ذلك الثنائي في سباق مع الزمن من اجل البحث عن
الجثة . وكلما تجاوزا محطة، اقتربا اكثر من اليقين لحدث تلك الشكوك التي
أعمتهم عن رؤية الحقيقة حول النبوءة.. وحول الرسالة المقدسة التي حملها
السيد المسيح.
فكر أعمى ظلامي حبست به تلك الشخصية التي يمثلها كلافيوس في رحلته المسعورة
من أجل تكذيب الحقائق السماوية حول نبوءة السيد المسيح وحول اختفاء جسده
والذي يمثل إحدى دلالات النبوءة وصعود الروح الى خالقها الأعلى، ويظل صاحب
ذلك الفكر المظلم المولود من أجل خدمة العرش الروماني وعسكره الذي كان وراء
القبض على السيد المسيح وصلبه أمام أهله وأصحابه في مشهديات ستظل رمزا
للتحدي والإرادة والإصرار على مواجهة الظلم والطغيان.
تنطلق مهمة كلافيوس بأمر من يونتيوس بيلات كولن فيرث الذي يواجه ضغوطا
متزايدة والبحث عن طرق من اجل تهدئة الاضطرابات والانتفاضة التي راحت تستعر
نيرانها وذلك قبل وصول الإمبراطور الى مدينة القدس الشريف، رحلة لسحق تمرد
واكتشاف جثة وإلغاء نبوءة.. فإذا الأمور تذهب عكس ما شاءت تلك الأوامر
لأننا أمام أمر إلهي أعلى.. وروح مقدسة هي روح السيد المسيح التي صعدت الى
الخالق الأعلى.
مهمة صعبة المنال يبحث خلالها كلافيوس حول الحقيقة والجسد وكل المشبه بهم
وهو لا يحول بل يقتل ويدمر ويشوه كل من يجده في طريق مهمته التي صمم لها..
وكأنه خلية شريرة جاءت لتجتاح كل شيء أمامها إلا أن تلك المسيرة تقوده الى
اليقين المحجل.
رحلة من الشك الى اليقين، رحلة الكينونة، ورحلة الخلاص، ورحلة تحول ذلك
الإنسان القاسي الذي لا يعرف إلا تنفيذ الأوامر إلى روح جديدة تصقلها
اللحظات والمواجهات والكرامات التي راحت الواحدة بعد الآخر تؤكد صدق
النبوءة وعظم يسوع النبي وخلوده في السماء العليا.
يؤدي بحث كلافيوس في نهاية الأمر الى صحوة روحية.. ليتغير الفيلم ومساراته
وشخصياته، من البحث البوليسي العسكري إلى مزيد من الإيمان واكتشاف عظمة
الدين والسيد المسيح ومدى التضحيات التي قدمها من أجل الدين والرسالة
المقدسة.
ونشير هنا الى ان السينما العالمية والأميركية والأوروبية لطالما تناولت
هذا الموضوع وهذه القصة على وجه الخصوص عبر كم من وجهات النظر، ولكنها
المرة الأولى التي تذهب بها السينما الى هذه الزاوية حيث البعد الروحاني
للاكتشاف وتجاوز كل القيود الفكرية والتسلط الذي عاشته شخصية كلافيوس الى
مرحلة من التوهج والانعتاق من دهاليز الظلم والعتمة والكفر..
فيلم الصعود إنتاج يجمع بين السينما والتلفزيون من إنتاج عام 2016 وهو أحدث
الأعمال السينمائية التي أنتجت عن السيد المسيح عليه السلام وتم اعتماد
مدينة القدس كمحور أساس للأحداث التي تمثل مرحلة التأكيد والاكتشاف والرسوخ
على فكر وتعالم يسوع المسيح . الفيلم من إخراج كيفيف رينولدز والذي كتبه
بالتعاون مع بول إييلو وقام ببطولته جوزيف فينيس وتوم فيلتون وكليف كورتيس
وبيتر فيرث وإنتاج استديوهات كولومبيا بكتشرز .
في التفاصيل الدرامية للفيلم، نجد بأن عملية البحث تقود في كل محطة من
محطاتها لمزيد من التطهير والاكتشاف الروحي سواء حول كلافيوس أو الشخصيات
التي تدور في فلك أحداث العمل بالذات مريم المجدلية وبارثولوميو.. رحلة
تنطلق من فكر أعمى ظلامي لتفكيك التفاصيل والبحث عن جميع الخيوط
والإحداثيات اعتبارا من الشخصية التي كانت تحرس الجثة .. حيث نكون أمام
شخصية جندي مخمور يروي الكثير من الحكايات حتى اللحظة التي يؤكد بها بأنه
في لحظة اختفاء الجسد المقدس ظهر وميض ودوي أعقبه تفكك الحجر الذي كان يغلق
الكهف الذي وضعت به الجثة.. ولكن كلافيوس يظل غير مصدقا لتلك الرواية.
وحينما يصل كلافيوس بعد رحلة طويلة من البحث يأمر هذا الضابط بالتوقف عن
قرار البحث عن الجثة لأنه وصل الى قناعة لا تقبل الشك بأنه أمام أمر
استثنائي لا يمكن أن يحدث إلا مع نبي.. مقدس، وعندها يلتحق كلافيوس بأصحاب
السيد المسيح مؤمناً مباركاً عاشقاً للسيد المسيح مستغفراً عن الآثام التي
ارتكبها خلال مسيرة بحثة وتسلطه وعنفه وجبروته.. وصولا الى صفاء الروح..
والإيمان.
وحينما يكتشف بيلاطيس ان كلافيوس قد خانه تبدأ مهمة الخلاص من كلافيوس الذي
بات من أبرز المدافعين عن السيد المسيح والإنجيل والحواريين..
رحلة روحانية مكتوبة باحترافية وعمق تذهب الى منطقة ثرية بالقيم الكبرى حيث
صفاء الروح من الشوائب التي تحيط بها وصولاً الى الحقيقية، وهي رحلة
سينمائية عالية الجودة، تحقق بمعايير سينمائية تجعلنا نشير إلى أننا أمام
واحد من أهم الأعمال السينما التي تناولت هذا الجانب وتلك المرحلة من تاريخ
السيد المسيح ومدينة القدس الشريف. حيث تظل المدينة جزء أساسي من الأحداث
عبر شوارعها وأزقتها.. علما بأن مشاهد الفيلم الخارجية صورت بين مالطا
ومدينة مالقا الاسبانية.
في نهاية الأمر يتحول كلافيوس الى شخص آخر متختلف تماما عن تلك الشخصية
التي شاهدناها في بداية الفيلم والتي جاءت محملة بالسلاح ومن قبل الفكر
الظلامي الى إنسان بلا سلاح ويعيش حالة من السلام الذاتي.
الفيلم بلغت كلفته 20 مليون دولار واستطاعت أن تتجاوز أرباحه في نهاية
عروضه في الأسواق الأميركية والعالمية 52 مليون دولار عدا عروض التلفزيون
والاسطوانات المدمجة.
حضور مدينة القدس في فيلم الصعود يمثل واحدة من التجليات الفنية، وأيضا
الترسيخ لمكانة ودور وأهمية هذه المدينة المقدسة، عبر سينما احترافية تشتغل
على المعادل الديني ولكن بمضامين غير مباشرة في كتابة سينمائية سخية بالقيم
.
وأخيرا.. سينما من نوع مختلف تعمق مكانة وحضور مدينة القدس عبر سينما تخاطب
العقل والقلب. |