حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

دراما رمضان التلفزيونية لعام 2013

سير

وحلقات

يومية

في

رمضان

أرسله والده ليدرس الطب في ألمانيا فتركها من أجل عيون السينما

«سراج منير وميمي شكيب» أشهر قصص الحب والزواج في مصر

القاهرة - أحمد الجندي

أشهر قصص الحب والزواج في الوسط الفني

ينتمي الفنان الكبير «سراج منير» الى جيل العمالقة وجيل الرواد الذين أسسوا وأرسوا قواعد فن التمثيل المصري والعربي في الحقب الزمنية الأولى من القرن الماضي.. هذا الجيل من العمالقة الكبار الذين أسهموا بجهد واضح وكبير في تأسيس حركة مسرحية وسينمائية مصرية كانت النواة والركيزة الأساسية التي بنيت عليها حركة وتاريخ هذه الفنون وقد تحملوا في سبيل هذا الدور الريادي والتأسيسي الكثير من المشاق والمصاعب والمعوقات التي يعد في مقدمتها عدم اعتراف المجتمع- في ذاك الزمان- بهذه الفنون ولا بمن يمارسونها وكان الفنان الذي يعمل بها في الدرجات الاجتماعية الأدنى في المجتمع

وسراج منير يمثل تاريخ فن حافلا وفصلا كاملا في حركة وتاريخ السينما والمسرح في مصر حيث قدم للسينما ما يقرب من 115 فيلما وكان أيضا منتجا لعدد من الأفلام كما قدم للمسرح ممثلا ومخرجا عشرات بل مئات المسرحيات كما انه احد القلائل جدا الذين درسوا فن السينما بأوروبا لذلك فهو ينتمي لفئة الفنانين الدارسين وكانت قصة حب وزواجه من الفنانة الكبيرة والنجمة الجميلة «ميمي شكيب» من أشهر قصص الحب والزواج في الوسط الفني المصري أثناء حقبة الأربعينيات وحتى أواسط الخمسينيات

وقبل ان ندخل في تفاصيل هذا الحب والزواج لابد ان نعطي ملمحاً سريعاً على نشأة وبداية هذا الفنان الكبير ونستعرض أيضا وبشكل سريع جانبا من مسيرته الفنية التي لا تنفصل كثيرا عن حياته الخاصة كانسان

ولد سراج منير وهذا هو اسمه الحقيقي - وهو اسم مركب- بحي باب الخلق في وسط القاهرة في 15 يوليو 1901 وان كانت هناك بعض المصادر الأخرى تؤكد ان سنة مولده هي 1904 ولا يمكن ان نجزم بشكل حقيقي أو بقناعة راسخة أي من هاذين التاريخين هو الأصدق لكن على أي حال ولد سراج منير لأسرة ميسورة الحال فوالده هو «عبدالوهاب بك حسن» احد رجال التعليم المرموقين وكان يشغل منصب مدير التعليم بوزارة المعارف في مطلع القرن الماضي وكان سراج هو الابن الأكبر لهذه الأسرة وبعد ثلاثة أشقاء آخرين منهم أخيه «حسن عبدالوهاب» الذي درس الهندسة وسافر الى باريس وزار هناك ستديوهات السينما وعاد ليعمل بالاخراج السينمائي واخرج بالفعل فيلمين ثم توقف بعدها تماما عن السينما.

أما الشقيق الأصغر فهو المخرج الكبير فطين عبدالوهاب أحد الأسماء البارزة في تاريخ السينما، بدأ سراج التدرج في مشواره الدراسي حتى وصل الى الثانوية العامة وحتى هذه المرحلة من عمره لم يكن في ذهنه مطلقا أي شيء عن الفن ولا عن التمثيل واستمر كذلك حتى تلقى دعوة من بعض أصدقائه للسهر معهم وذهب في منزل احدهم وهناك وجد أصدقاءه قد أقاموا مسرحاً صغيرا في حديقة المنزل وراحوا يقدمون عليه عددا من الاسكتشات التمثيلية التي تعد مسرحيات صغيرة وانبهر سراج منير بهذا العالم الفني المدهش رغم ان الذين يقدمونه هم أصدقاؤه وهم من الهواة وبدأ يسأل نفسه كيف اذن يكون الحال لو تعلق الأمر بالمحترفين في هذا الفن؟! ومن تلك الليلة بدأ سراج مشدوداً الى هذا العالم الفني الذي بدا له ساحرا مدهشا وعلى الفور سارع بالالتحاق بفريق التمثيل بالمدرسة الخديوية الثانوية التي يدرس بها وظل يشارك في كل عروضها حتى أنهى دراسته الثانوية

لم يكن الأب رجل التعليم والمرموق في المركز الاجتماعي يعلم شيئا عن النشاط الفني لابنه وكان هذا الأب يرسم مستقبلا آخر للابن فأرسله الى ألمانيا ليدرس الطب ويعود من هناك طبيبا لكن سراج الذي تمكن حب الفن منه وجد نفسه في ألمانيا يسير في الاتجاه الذي يحبه وليس الذي يريده منه والده وعائلته وعل الفور تعرف على مخرج ألماني سهل له دراسة السينما في برلين وأيضا سهل له العمل في بعض الأفلام التي تنتجها شركة «أدفا» الألمانية وظهر سراج منير كممثل لأدوار صغيرة في هذه الأفلام ليتعمق أكثر وأكثر كممثل خصوصا أنه التقى هناك بالمخرج الشاب محمد كريم الذي ذهب خصيصا الى ألمانيا ليدرس فن السينما والذي أصبح فيما بعد واحداً من أهم مخرجي السينما العربية ومن أبرز روادها

وعندما عاد سراج منير الى مصر كانت صدمة الأب والأسرة هائلة فهم كانوا يعدونه ليكون طبيباً ناجحاً له مركزه الاجتماعي المرموق لا فنانا وممثلا تخجل الأسرة من مهنته ووظيفته لذلك لم يرد سراج ان يزيد من غضب والده فاستجاب لطلب أسرته بصرف النظر عن التمثيل ونسيان ما تعمله في ألمانيا، وقبل العمل في وظيفة مترجم في احدى الهيئات الوزارية ولم يمض وقت طويل على عمله في هذه الوظيفة حتى عاوده الحنين الى عالم الفن الذي يعشقه فأخذ الخطوة الجريئة التي تحدى بها الجميع واتجه الى الفن وترك الوظيفة الى غير رجعة وعمل في بعض الفرق المسرحية حتى جاءته النقلة الأهم في حياته الفنية عندما رشحه صديقه وزميل بعثته في ألمانيا المخرج محمد كريم ليقوم ببطولة فيلم «زينب» أمام بهيجة حافظ ومعهم دولت ابيض وزكي رستم وعلوية جميل وكان الفيلم من انتاج يوسف وهبي وأخرجه محمد كريم عام 1930 وهو الفيلم الروائي رقم 9 في تاريخ السينما المصرية وكان فيلما صامتا فلم تكن السينما وقتها ناطقة ويرى بعض النقاد والمؤرخين ان هذا الفيلم يعد البداية الحقيقية للسينما المصرية لأنه جاء أكثر حرفية ومهنية من الأفلام التي سبقته.

بعد هذا الفيلم انطلق سراج منير سينمائيا يقدم الأدوار المختلفة والمتنوعة فتارة هو البطل وتارة أخرى يقدم الدور الثاني لكن كل أدواره السينمائية جعل منها ادوار بطولة لا يستقيم الفيلم بدونها ولا يمكن ان يلعبها ويجسدها غيره وأصبح واحداً من كبار نجوم السينما المصرية في كل تاريخها وصاحب البصمات التي لا تمحى من ذاكراتها كما انضم الى فرقة «رمسيس» وهي كانت واحدة من أهم الفرق المسرحية في مصر وقتها وكان صاحبها ومخرج عروضها ومؤسسها ونجمها الأول يوسف وهبي ومن هذه الفرقة وفرق أخرى غيرها سجل سراج منير لنفسه تاريخا مسرحيا حافلا ممثلا ومخرجا، ونعود الى قصة حبه وزواجه من «ميمي شكيب» والتي كانت واحدة من أهم قصص الحب والزواج في الوسط الفني المصري وقتها- كما ذكرنا- بل ان كثيرا من المؤرخين الفنيين يعتبرونها من أهم الزيجات الفنية على الاطلاق نشأت وبدأت قصة الحب بين سراج وميمي أثناء مشاركتهما معا في بطولة فيلم «ابن الشعب» عام 1934 وكان الفيلم من انتاج واخراج موريس ابتكمان وشاركهما البطولة بشارة واكيم وماري منيب وحسن البارودي وقام سراج بدور شاب من طبقة فقيرة يقع في حب ابنة احدى الباشوات والتي قامت بدورها ميمي شكيب ورغم المعوقات الاجتماعية العديدة التي وقفت في اتجاه هذا الحب فان هذا الشاب الفقير يكافح ويجتهد حتى يصبح محامياً معروفاً وذلك حتى يكون جديرا بمن أحبها قلبه وتحولت قصة الحب أمام الكاميرات وعلى الشاشة الى مشاعر حب حقيقية جمعت بين سراج منير وميمي شكيب خلف الكاميرا وفي كواليس الفيلم

وهنا نتوقف قليلا لنقول ان ميمي شكيب كانت وحتى هذا الفيلم تعرف باسمها الأصلي «أمينة شكيب» وكانت هي وأختها «زوزوشكيب» من الفنانات الشابات اللاتي ظهرن على الساحة الفنية في مصر مطلع الثلاثينيات من خلال التحاقهم بالعديد من الفرق المسرحية التي كانت منتشرة في القاهرة في تلك الفترة

أما نشأة أمينة شكيب التي تحولت فيما بعد الى اسم التدليل «ميمي شكيب» وهو الاسم الفني التي عرفت بها طوال تاريخها وأختها زوزو توجد مصادر أكيدة وموثقة عن حقيقة نشأتهما فهناك من قال انهم من أصول شامية لبنانية وأم مصرية وهناك من أكد ان أصولهما أرمينية.. بدايتهما في التمثيل ودخولهما المجال به الكثير من الغموض وعلى أي حال كانت ميمي شكيب ومن خلال ملامحها الارستقراطية الجميلة والشعر الأشقر واحدة من الفنانات الجميلات اللاتي أصبحن مطلبا للفرق المسرحية وأيضا لأفلام السينما وهذه الملامح الشقراء الارستقراطية هي التي جعلت من ميمي شكيب أشهر من جسد شخصية الفتاة والمرأة والسيدة الارستقراطية على شاشة السينما ولبراعتها كفنانة لم تحبس نفسها في نمط واحد من هذه الشخصية بل نوعت فيها فهي أحيانا الزوجة المتسلطة أو المرأة اللعوب أو الأم الحنون وأحيانا الزوجة التي تنتمي للطبقة الوسطى والمحبة لأسرتها وزوجها.

ونعود الى قصة الحب الملتهبة والعاصفة بين سراج وميمي لنجد انها أصبحت حديث الوسط الفني كله وكان لابد ان تنتهي هذه القصة بالنهاية الطبيعية وهي الزواج وهنا كانت المشكلة والعقبة الكبرى حيث رفض والده وعائلته بشدة على اتمام هذا الزواج، وقالوا له: لقد رضينا على مضض ان تعمل بالفن وان يكون هذا طريقك ومستقبلك لكن ان تتزوج من فنانة هذا هو المستحيل بعينه وازاء هذا الرفض القوى والحاسم من جانب أسرته لم يكن أمامه الا الاذعان».. لكن هذا الرفض لم يمنعه من الاستمرار في مشاعره ناحية حبيبته بل انه زاد من تعلقه بها

وهنا نتوقف قليلا لنشير الى ان هناك رأيين في هذا الجانب فهناك من قال ان ميمي شكيب بعد رفض أسرة سراج منير زواجه منها قد تزوجت من خارج الوسط الفني وأنجبت ابنها الوحيد وهناك رأي آخر مختلف تماما يقول ان هذه الزيجة لميمي شكيب من والد ابنها كانت قبل ان تلتقي بسراج وان زوجها بالفعل كان من خارج الوسط الفني .

ولم يكن الغموض قاصراً على هذه النقطة فقط بل هناك غموض أيضا في وقت وتاريخ انضمامهما هي وأختها «زوزو» الى فرقة نجيب الريحاني فهناك من يؤكد أنهما بدأ مشوارهما الفني بها وهناك من يذهب الى رأى أخر ويقول انهن انتقلا الى فرقة الريحاني من فرقة «أنصار التمثيل» على أية حال أصبحت ميمي شكيب من نجمات مسرح الريحاني بل هي بطلة الفرقة الأولى وكان الريحاني قد أطلق عليها لقب «شمس الشموس» وكانت بالفعل نجمة رائعة الجمال ولها أسلوبها الخاص في الأداء وفي تقمص أدوارها وطريقة النطق والكلام وهي طريقة وأسلوب يصعب تقليده

ونعود الى قصة الحب لنجد ان سراج منير لم يستطع ان يبتعد عن حبيبته النجمة الجميلة فقرر ان يترك فرقة رمسيس التي تحول اسمها الى «الفرقة القومية» وانتقل الى مسرح الريحاني ومع الوقت أصبح سراج من العناصر الرئيسة في هذه الفرقة وكان نجيب الريحاني متعاطفا بقوة مع قصة حبه لميمي شكيب وهو ما جعله يحاول ويتوسط أكثر من مرة لدى أسرة سراج منير ليقنعها بزواجه من ميمي وبعد محاولات مضنية ومتكررة من جانب الريحاني وافقت الأسرة على هذا الزواج الذي تم فعلا في عام 1941 بعد قصة حب عنيفة استمرت 7 سنوات كاملة

وبعد الزواج عاش الزوجان في هدوء وسعادة فما لا يعرفه الكثيرون ان سراج منير كان في حياته كانسان رجلا رقيقا هادئا يحمل قلب طفل ولا يطيق العنف أو القسوة على العكس تماما من الصورة النمطية التي كان يظهر عليها في الكثير من شخصياته وأدواره كرجل قوي قاس متجهم وأحيانا عنيف كما كانت هي أيضا على عكس المرأة الارستقراطية المتعالية المتسلطة التي كانت تظهر عليها في بعض أفلامها، فهي كانت زوجة محبة ومطيعة ومخلصة مثل أي زوجة عادية وكانت أجواء أسرتهما الهادئة مضرب المثل في الوسط الفني وشاركا معا في أفلام عديدة. وكانا كثيرا ما يقومان بدور زوجين على الشاشة.

وفي بدايات الخمسينيات أصيب سراج منير بأزمة قلبية تعرض لها اثر الفشل الجماهيري لفيلم «حكم قراقوش» الذي قام بانتاجه وبطولته وأخرجه شقيقه الأصغر فطين عبدالوهاب وكان الفيلم يطرح قضية جادة هي قضية الحرية من خلال أجواء تاريخية وتراثية ورغم القيمة الفنية العالية للفيلم فان عدم نجاحه الجماهيري وما نتج عنه من خسائر مادية فادحة احزن سراج منير بشدة وكانت اصابته بهذه الأزمة الصحية التي تعافى منها سريعا وعاد ليستأنف نشاطه الفني في السينما والمسرح بقوة وحماس

وفي مساء يوم 15 سبتمبر عام 1957 عاد سراج منير الى منزله بعد ان انتهى من المسرح وكان في كامل صحته وعافيته وتناول عشاءه ونام وفي الصباح فاجأته أزمة قلبية واستدعت ميمي شكيب الأطباء لاسعافه فلم يتمكنوا ورحل سراج منير في هذا اليوم وغادر الدنيا وهو في كامل عنفوانه وأوج مجده الفني رحل وهو بين يدي المرأة التي أحبها وتزوجها وعاش معها 16 عاما في هدوء وسعادة رحل وهو في منتصف الخمسينيات من عمره ونعت الصحف في اليوم الثاني رحيل احد أبناء جيل الرواد وجيل العمالقة في حركة وتاريخ الفن المصري والعربي .

النهار الكويتية في

18/07/2013

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2013)