يرى نقاد السينما والمؤرخون الفنيون أن الثنائي «فؤاد
المهندس وشويكار» من أهم الظواهر التي عرفها تاريخ الفن المصري صحيح أن
حركة الفن المصري وعلى امتدادها قد عرضت العديد من الثنائيات السينمائية
والفنية بشكل عام لكن يظل هذا الثنائي صاحب التميز الشديد الذي يصل به إلى
حد انه يمثل ظاهرة- ربما- يصعب تكرارها فهو الثنائي الكوميدي الوحيد الذي
عرفته السينما المصرية فرغم أن السينما عرضت ثنائيات عديدة منذ منتصف
الأربعينيات وحتى الثمانينيات تمثلت في «أنور وجدي وليلي مراد» «عادل إمام
ويسرا»، «شادية وكمال الشناوي»، «فاتن حمامة وعماد حمدي»، «فريد شوقي وهدى
سلطان» وقبلهما «فريد الأطرش وسامية جمال» وغيرهم لكن لم تكن هناك ثنائيات
كوميديان قبل المهندس وشويكار.
أيضا يعد هذا الثنائي حالة فريدة لأنه لم تضعه السينما بل
أتى إليها بعد تجارب رائعة في المسرح، بجانب تميزهما من ناحية العدد والكم
فعدد الأفلام التي قدمها المهندس
وشويكار معا بلغت 26 فيلما ومن خلال هذا الرقم نجده متفوقاً
على كل الثنائيات التي ذكرناها كما يتميز بطول التجربة وبالاستمرار حيث بدأ
عملهما معا في عام 1963 واستمر حتى بداية التسعينيات من خلال فيلم «جريمة
الأربع» 1990مع المخرج الراحل ياسين إسماعيل ياسين، وبالإضافة إلى هذا كله
هو الثنائي الوحيد الذي امتد أثره ونجاحه سينمائيا ومسرحيا في الوقت ذاته
وكانت أعمالهما المسرحية من أهم ما قدم المسرح الكوميدي والمسرح المصري
بشكل عام ويضاف إلى كل هذا النجاح الهائل أعمالهما الإذاعية التي قدماها
معا في الستينيات والسبعينيات ولكل هذه المميزات مجتمعة شكل الثنائي «فؤاد
المهندس وشويكار» واحدة من أهم الظواهر في تاريخ الفن المصري.
ونحن هنا لسنا بصدد استعراض مسيرتهما الفنية أو الحديث
بتفاصيل عن المشوار الفني الطويل لكل منهما لان هذا يحتاج إلى حلقات وحلقات
حتى نستعرض ما يزيد على 50عاما من الفن والإبداع لكل منهما أو لكليهما معا
لكن سندخل مباشرة إلى جانب آخر لا يقل أهمية بل هو مكمل للجانب الفني وهو
الجانب الحياتي لفؤاد المهندس وشويكار اللذين يعدان من أشهر بل من أهم
حالات الزواج داخل الوسط الفني.. ولاشك أن الجانبين تداخلا فأصبح أفضل زواج
فني وإنساني والدليل على ذلك عشرات الأعمال الرائعة التي أنجبها هذا
الثنائي الذي ربما لا يتكرر أو يمكن تقليده أو استنساخه..
بدأت العلاقة الإنسانية بين المهندس وشويكار من قبل أن
يلتقيا فنيا.. ففي الوقت الذي كانت شويكار تخطو أولى خطواتها الفنية في
نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات كان المهندس قد سبقها إلى العمل حيث بدأ
مشواره الفني مع نهايات الأربعينيات وعقب تخرجه من الجامعة بعد حصوله على
بكالوريوس التجارة التي مارس فيها أيضا الكلية- الفن من خلال مسرح الجامعة
كانت لقاءاتهما تتم مصادفة في الحفلات والمناسبات الفنية وكانا يتبادلان
الكلام العادي لكن كل منهما كان يشعر انه مدفوعاً للحديث مع الآخر، هذا ما
أشار إليه المهندس في بعض حواراته الإعلامية قبل وفاته بسنوات وكان حديثه
في هذه الحوارات اقرب إلى حديث الذكريات ومن بين ما قاله: «كنت أحب الحديث
معها كلما التقينا ولا اعرف السبب في ذلك وكنت اشعر أنها أيضا معجبة بي
ولهذا كانت تحرص على حضور عروض المسرحية الأولى أو عروض فرقة «ساعة لقلبك»
التي حققت شهرة ونجاحاً هائلاً».
واستمر الحال على هذا النحو بين الاثنين حتى فوجئ فؤاد
المهندس بأن الفنان عبدالمنعم مدبولي يرشحها لتشاركه بطولة مسرحية
«السكرتير الفني» التي يخرجها مدبولي إضافة إلى المشاركة في بطولتها..
واندهش المهندس بشدة فهو لم يكن يتخيل أنها تصلح للأداء الكوميدي فمظهرها
وطريقتها وارستقراطيتها كلها أشياء بعيدة عن الكوميديا وربما لا تؤهلها لأن
تكون كوميديانه فهي «فيديت» كما يقولون.
أصر مدبولي على ترشيح شويكار لبطولة المسرحية وهو ما حدث
بالفعل وكان اللقاء الفني الأول بين هذا الثنائي المهندس وشويكار من خلال
مسرحية «السكرتير الفني عام1963» وحسب ما قاله المهندس رغم اعتراضي على
ترشيح مدبولي لها لتعمل معي في المسرحية إلا إنني في داخلي كنت راغبا في
رؤيتها والعمل معها وتسبب إصرار مدبولي في ترشيحها بهذا الشكل في قلب حياتي
وحياتها رأسا على عقب. وبكل تأكيد كان المهندس يقصد قصة الحب الكبيرة
والمشاعر الهادرة التي نمت داخل كل منهما تجاه الآخر وبدأ كأنهما كانا
مهيئان لهذه المشاعر الفياضة وهذا الحب، وقبل أن ندخل إلى زواجهما وكيف تم
لابد أن نشير أولا إلى تجربة زواج سابقة لكل منهما فلم تكن شويكار الزوجة
الأولى لفؤاد فله تجربة زواج سابقة من السيدة «عفت سرور» وكان زواجه منها
زواجاً عائلياً تقليديا حيث كان يسعى إلى الاستقرار الأسري والعائلي من
خلال زوجة تهيئ له المناخ للعمل وتساعده على النجاح بحث تتفرغ هذه الزوجة
للبيت والأولاد وبالفعل كانت هذه الزوجة أم أبنائه «محمد واحمد» لكن فؤاد
المهندس أدرك بعد ذلك عدم صحة قناعاته وتفكيره حيث كان يرى أن ارتباط
الفنان بزوجة بعيدة تماما عن مجال الفن وغير متفهمة لمهنته وطبيعة عمله
وتتحمل ابتعاده عن المنزل لفترات طويلة وأيضا مزاجه المتقلب أمر خاطئ، ومن
هنا حدث الاختلاف في الطباع والأحوال بينه وبين زوجته ووقع الطلاق.. لكن
المهندس كان دائما يذكر زوجته الأولى وأم أبنائه بكل الخير وكان يقول عنها
انها كانت سيدة عظيمة ورائعة.
أما شويكار فقد تزوجت في سن مبكرة جدا وقبل أن تدخل مجال
الفن على الإطلاق فبعد أن تخرجت من مدرسة «نوتردام » - اكتفت بالتعليم إلى
هذه المرحلة - تزوجت من المحاسب «حسن نافع الجواهرجي» وأنجبت منه ابنتها
الوحيدة «منة الله» لكن زواجها لم يدم طويلا حيث توفي زوجها بعد عامين فقط
وترك لها ابنتها طفلة صغيرة أي عندما ارتبطت بالزواج من المهندس كانت
أرملة، ونعود الآن لزواجهما فبعد أن تأكدا أن كل منهما يحتاج للآخر ولا
يمكن أن يعيش من غيره كان الزواج هو النتيجة الطبيعية لهذا الحب الجارف
وبالفعل اتفقا على الزواج ولكنهما لم يحددا الموعد بشكل قاطع لإتمامه.
ويبدو أن ذلك الترتيب المعنوي من خلال عدم الاتفاق على موعد
محدد لزواجهما كان يؤهلهما لوقت زواج يبدو جديداً وحديثاً بل وكوميديان
أيضا فبعد أن انتهيا الاثنان «فؤاد وشويكار» من المشهد الأخير من فيلم
«هارب من الزواج» الذي تقاسما بطولته وكان المشهد عبارة عن زفاف وكانت
شويكار ترتدي بالفعل فستان زفاف واستغل الاثنان مشهد زواجهما في نهاية
الفيلم وقررا أن يتزوجا في نفس الليلة وبالفعل ذهب الاثنان وهما بنفس
الملابس التي أديا بها مشهد الفيلم إلى المأذون ومعهما الفنانة زهرة العلا
وزوجها المخرج حسن الصيفي الذي كان مخرج الفيلم ومعهما أيضا شقيقه طلعت
الصيفي وتم توقيع عقد الزواج الذي شهد عليه حسن وطلعت الصيفي وكان ذلك مساء
يوم 28 نوفمبر1963.
بعد هذا الزواج والارتباط الإنساني الذي دعمه قصة حب عنيفة
ومشاعر قوية بين الطرفين انطلق هذا الثنائي الفني مسرحيا وسينمائيا وإذاعيا
ففي المسرح قدما معا عدداً من المسرحيات الكوميدية والتي اعتبرت من أهم ما
قدمه المسرح الكوميدي والمسرح المصري من أعمال مثل مسرحيات «أنا وهو وهي»
و«أنا فين وانتي فين» و«حواء الساعة 12» و«سيدتي الجميلة»
وفي السينما قدما كماً كبيراً من الأفلام الكوميدية التي
حققت نجاحاً جماهيريا هائلا نذكر منها «هارب من الزواج» و«أنا وهو وهي»
و«اعترافات زوج» و«اقتلني من فضلك» و«إجازة بالعافية» و«غرام في أغسطس»
و«أخطر رجل في العالم» و«إجازة غرام» و«مطاردة غرامية» و«الراجل ده ح
يجنني» و«أشجع راجل في العالم» «شنبوه في المصيدة» و«أرض النفاق» و«العتبة
جزاز» و«أنت اللي قتلت بابايا» و«ربع دستة أشرار» و«سفاح النساء» و«شلة
المحتالين» و«مدرسة المراهقين».. وغيرها من الأفلام التي تحظى بمشاهدة
عالية كلما عرضت على الفضائيات العربية ويقدم الجمهور العربي على مشاهدتها-
ربما- أكثر من رغبته في مشاهدة الكوميديا الحديثة ويرى الكثير من النقاد أن
السبب في نجاح هذه الأفلام هو شعور الجمهور بالمصداقية لأنه كان يعرف وقتها
حالة السعادة الزوجية التي كان يعيشها هذا الثنائي فكان يصدق الحب الذي
يجمعهما على الشاشة أما نجاحها المتواصل إلى الآن فيرجعه النقاد إلى كم
الرقي في الكوميديا المقدمة والتي يفتقدها الجمهور في أفلام اليوم إضافة
إلى الحنين الطبيعي إلى زمن الأبيض والأسود أو زمن الفن الجميل، ورغم
العلاقة الإنسانية والفنية الجميلة التي ربطت بين هذا الثنائي وأحبها
الجمهور وتجاوب وتعايش معها على مدى ما يقرب من 20 عاما صحيح أن المهندس
وشويكار لم ينجبا من خلال علاقتهما الزوجية أولادا، إلا أنهما أنجبا بالفعل
عشرات الأعمال الرائعة مسرحيا وسينمائيا وأيضا إذاعيا، ورغم هذه العلاقة
الرائعة فإن الجميع فوجئ بانفصال هذا الثنائي وهو ما أحزن جمهورهما الذي
خشي أن يكون الطلاق نهاية لأعمال هذا الثنائي الرائع.
وكما كانت قصة حبهما وارتباطهما رائعة كان أيضا انفصالهما
رائعة وقمة في التحضر فلم يسمع أحداً عن صراعات ومشاحنات وحالات خصام أو
خلافات ذاع صيتها بل تم الطلاق في هدوء ولم يتحدث أي منهما عن أسبابه أو
الدوافع التي أدت إليه واكتفيا بالمقولة الشهيرة «أن كل شيء قسمة ونصيب وأن
العلاقة لم يكن لها نصيب لتمتد أكثر من ذلك».
ورغم هذا الانفصال الإنساني ألا أن علاقتهما الفنية لم
تنقطع واستمر تعاونهما معاً في أعمال مسرحية وسينمائية لكنها لم تكن على
نفس القدر- من ناحية الكم- خصوصا في السينما التي تغيرت شكلا ومضمونا مع
بدايات الثمانينيات وأصبح ما يقدم خلالها لم يعد يناسب هذا الثنائي.. وفي
كلمة مأثورة رائعة قالتها الفنانة القديرة الراحلة هند رستم وقتها حزنا على
افتراق فؤاد المهندس وشويكار:«لقد فقد المسرح المصري ثلث قوته.. وعقب
المهندس على هذه المقولة قائلاً: هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها لكن دوام الحال
من المحال» وظل المهندس بعد الانفصال عن شويكار شديد الحب والاحترام لها
ولفنها ودائما ما كان يردد «أنها الحب الأول والأخير في حياتي» وكان يشيد
بأدائها وفنها ويقول عنها باعتزاز «شويكار هي نجمة وفنانة من طراز خاص وهي
نسخة وحيدة غير قابلة للتكرار أو التقليد» وكانت هي شديدة الاحترام
والتقدير له وظلت على اتصال به حتى في لحظات مرضه الأخيرة قبل وفاته وكانت
تقول عنه انه أستاذها التي تعلمت منه الكثير على المستوى الفني والإنساني
رحل فؤاد المهندس عن الدنيا في 16سبتمبر 2006 وأطال الله عمر نصفه الآخر
شويكار وسيظل فن هذا الثنائي باقيا على مر الأجيال.
النهار الكويتية في
23/07/2013 |