حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أوشاج بين الكاريكاتير وبين السينما

إسهامات الكاريكاتير في إثراء السمعي البصري المعاصر

الجزائر ـ بوخموشة إلياس* / خاص بـ"سينماتك"

أثبتت تجربة الصحف والمجلات أن الكاريكاتير يمكنه أن يشحذ اهتمام القارئ، فمن خلال طرحه لنسق القضايا سياسية كانت أم اقتصادية، اجتماعية أو ثقافية، يعكس الكاريكاتير الافكار الرائجة في المجتمع بسخرية الناقد للمواقف والشخصيات من صُناع القرار وغيرهم.

يعتبر الكاريكاتير نوعا قائما بذاته، فالميزة الأساسية لهذه الفرجة الثابتة في الزمان والمكن هي سرعة التنفيذ في شكل غير تام بالتركيز على الفكرة مع إعطائها قالبا ساخرا، حيث يميل رهط من رسامي الكاريكاتير إلى أنه فن اختزال الأنساق الفنية للتعبير عن فكرة ما، منه نستنبط أن الكاريكاتير منذ نشأته أعتبر فن الانتقاء الغير تام نسقا والميسر لممارسة الفكر الإنساني بنوع من السخرية، والذي نقتفي أثره في الأدب حيث يُعتبر وصفا لغويا ساخرا للمواقف، أما من يمارسه فهم كثر حيث أن كاتبا روسيا معروفا اهتم به، (فلم يُعرف عن الكاتب الروسي المشهور أنطوان تشيخوف أنه مارس الرسم {...} كانوا يطلبون منه أن يقترح موضوعات أو يعلق على رسوم كاريكاتيرية. فكان تشيخوف يقترح الفكرة فيقوم فنان من العاملين في المجلة برسم الفكرة، أما التعليقات فقد كان تشيخوف يكتب عبارة ما أو نص أدبي أو حتى قصة  ويقوم الفنان بتجسيدها كاريكاتيريا)1 .

نجد أن تراكم التجربة خلال ممارسات فن الكاريكاتير آل به إلى حرفة كثيرة الانتشار في جل المجالات منها السمعية البصرية، التي أصبحت تمثل صنفا ضروريا لوسائلنا في الاتصال والإعلام وحتى التسلية وبلورة الذوق، ولعله من أبرز التطبيقات المعاصرة المباشرة والغير مباشرة للكاريكاتير المتعلق بالفن التشكيلي في السمعي البصري عموما والسينما على سبيل الحصر بحكم أن هذه الأخيرة تُمثل العمود الفقري للصورة المتحركة والناطقة، فنجد تغلغله في كثير من الملصقات السينمائية للأفلام الكوميدية والكرتونية على وجه الخصوص حيث كانت أول ملصقة سينمائية صنعها بريسبوت سنة 1895 لأولى عروض الأخوين أوغيست ولويس لوميار الفيلمية في تاريخ الفن السابع، والتي تمثلت في رسم انطباعي مكتمل، ثم أثرت المدارس والاتجاهات التي تبنتها الأفلام في جعل الملصقة تُساير الجو السائد مثل ما نلمحه عند الألمان، حيث كانت ملصقة الفيلم التاريخي الدكتور كاليغاري سنة 1919 تنتمي شكلا لمدرستهم التعبيرية، تلك المدرسة التي تبناها الأسلوب الإخراجي للفيلم كذلك، فكان أول فيلم ينتمي للاتجاه التعبيري عبر مسار السينما. كلتا الملصقتين السالفتين الذكر عبارة عن رسم يدوي ينتمي لجوهر الكاريكاتير، أما الكاريكاتير باعتباره فنا تشكيليا وممارَسِ مباشرة في فبركة الملصقة السينمائية يُمكننا الإحالة دون الحصر والتقييد إلى أفلام المفتش الطاهر التاريخية في الجمهورية الجزائرية، والتي تُحيل إلى الأسلوب الإخراجي الكاريكاتيري لنوعية الفيلم بحد ذاته، الذي يُمكن أن نصطلح عليه بفيلم الكاريكاتير السينمائي - أفلام سكاتش - ولا تزال هذه المدرسة قائمة لحد الآن في الجزائر بفضل السينما المنزلية –الأفلام الرقمية DVD- التي تتكئ على مواهب فرق ساخرة وهزلية أمثال فرقة بلا حدود وكذا ثلاثي الأمجاد والساخر لخضر بوخرص...، على غرار اللمبي وغيره من ممثلي اتجاه الجمهور عايز كده في جمهورية مصر العربية، والظاهرة شهدت توسعا عربيا سريعا، مما يضطر إلى إحداث مسحة نقدية لمجريات الساحة الفنية بمقاربة نظرية بين الكاريكاتير، وبين السكاتشات السينماتوغرافية التقليدية والرقمية، حيثُ أن السكاتش السينمائي والتلفزيوني وكذا المسرحي المعاصر يسرد قصصا ينقصها الإنجاز الفني في كل حيثياتها، لكنها بقالبها اللاإنجازي الهزلي تعكس تناقضات تتخبط فيها مجتمعات مرت بمراحل متباينة منذ نيل معظمها لاستقلالها عن الاستعمار التقليدي وصولا إلى أيامنا هذه، كما رسخت أسلوبا شاملا في التمثيل والإنتاج والإخراج الذي أصبح يميل إليه رهطٌ من مخرجين ومؤلفين ومخرجين مؤلفين، فالمخرج المؤلف هو باختصار ما قصده أحد أبرز المخرجين المنتمين للموجة الجديدة الفرنسية فرانسوا تروفو حيث قال (فيلم الغد يشبه من يخرجه) 2 فالمخرج المؤلف هو تقني في الإخراج إضافة إلى كونه مؤلفا وفنانا بالدرجة الأولى، أما المخرج الموظف أو مخرج الصنعة فهو تقني منسق سمعي بصري لسيناريو دون التزام بجوهره (- فكلمة مخرج تعني - في اللغة الروسية الموجه، وعلى هذا فإننا نستطيع أن نقول إن مهنة المخرج هي القيادة والتوجيه حيث لا توجد عنده وسائل تدل على أن عمله إبداعي) 3 فيقوم هذا الصنف من المخرجين بالتنسيق بين ومع فريقه الفني والتقني للوصول إلى إخراج الشخصيات الورقية على الشاشة الكبيرة أو الصغيرة مجسدة تنطق بلسان الممثلين، وبالحصول على مهارات في التواصل الاجتماعي النفسي وعبر الدراسة والمراس التقني ، يصل صانع الفيلم إلى فبركة صورة تؤول إلى نسق يجمع بين الإرسالية الإعلامية والجاذبية الجمالية تسجيلية كانت أم روائية، ثُم يتركها تؤدي مفعولها الذي يتحول إلى أثر قصير أو متوسط أو طويل المدى لخدمة الفكر والعواطف الإنسانية فـ(قوة التواصل لدى الصورة معروفة من طرف كل سكان المعمورة. وهذا هو سبب استعمالها بكثرة من قبل المتصلين عبر الأزمنة والمجتمعات)4 ،أما الملفت للتأمل هو المقاربة التي يُمكن إجراءها بين رسام الكاريكاتير وبين مخرج السمعي البصري في هذا السياق إذا كان نتاج هذا الأخير اختزال فني سريع غير ناضج شكلا لخدمة فكرة ما.

دخل الرسم الكاريكاتيري الفيلم السينمائي والتلفزيوني من باب آخر واسع جدا، ألا وهو أفلام الكرتون ثنائية وثلاثية الأبعاد، قصيرة ومتوسطة وطويلة في مدة العرضها، ولمختلف الأعمار، والتي يُمكن عنونة بعضها بالكاريكاتير المتحركة، فرسوم الكرتون المتحركة تبنت جل المدارس الفنية التشكيلية في صناعة أفلامها عبر العصور من بينها أسلوب الرسم الكاريكاتيري، فعلى سبيل المثال لا الحصر نلمح فيلم وسلسلة عائلة سيمبسونس الأمريكية والمتداولة في قاعات السينما والقنوات التلفزيونية الفضائية والتي نالت شهرة عالمية.

نخلص إلى أن الكاريكاتير عموما هو التركيز على فكرة بإظهارها في قالب ساخر بشكل لا إنجازي، وفي السينما والتلفزيون هو تلك الأفلام ذات التكاليف المنخفضة والتي تَرسُم مَشَاهِد بأسلوب تلقائي، ثم نجد الكاريكاتير في بعض الملصقات الإشهارية السينمائية والتي استُعمِلت عالميا وعربيا منذ ميلاد السينما إلى حد الآن.

كما نجد أفلاما سينمائية وتلفزيونية كرتونية تعتمد أسلوب الكاريكاتير في الرسم والتعبير، أما الكاريكاتيري باعتباره تقنية بيد المخرج فقد أفادت بفاعلية في إنجاز أعمال عالمية وعربية صُنفت عند كثير من النقاد بأفلام من أصناف سلسلة "زاد" وسلسلة "نانار" كما نجد أن الأسلوب الكاريكاتيري لحق أيضا بعض أفلام السلسلة "ب" من التقسيم العالمي المُصنف للأفلام وفق تكاليف إنتاجها من السلسلة "أ" إلى ما سبق ذكره من أصناف.

بَيَّنَ مارشال ماكلوهن أن (الكلمة هي الاستمرار التقني للوعي، والتي تمكنه الانتقال من شيء إلى آخر بسرعة وبسهولة أكبر وبطريقة أقل التزاما) 5 فالكاريكاتير سَنَن إذا ما طابق رسمه الكلمة ، يمكن الإشارة خلال هذا السياق إلى أن غياب الالتزام يمكن أن يؤول لنقيضه فيتحول الكاريكاتير الساخر إلى الرسم المهين بطابع التهجم من جهة، والذي يحيل من جهة ثانية المُتأمل إلى جدلية وعي الضمير الإنساني بخطورة الإساءة وصراعه مع إباحية التعبير، فتتحول حرية التعبير إلى التزام بغاية تبرر الوسيلة بطرح ميكيافليي يفتح المجال واسعا للإساءة والتحقير بدل نقد منفتح وايجابي منوط بالحكمة والأدب، فحينما يتحول الفن والأدب من غاية شفافة ونبيلة إلى سلاح والتزام بمرجعية خارجه تبتغي الإقصاء، يقل الأدب بحجة حرية الأدب، وهذا ما يهدد تطور ورقي الكاريكاتير بمختلف مظاهره باعتباره نوعا فنيا يحتوي فروعا تضم أنواعا فرعية، أما الأجواء فتكرس لرفض التنوع الفني، فعند جملة من النقاد وللأسف كل نوع مغاير هو شذوذ وقبح، والجمال هو ما يفرضه المعيار الذي حُددت قوانينه في ليلة بدون نور قمر.

أما خوف بعض المثقفين من موجة –التخريب- التي ادعت التجريب بفرضها لسيناريوهات ونصوص تُفصل بالضرورة على مقاس الممثلين، تم الرد عليها بفكرة ميول الجمهور المعاصر إلى الحكم على الشكل والاهتمام به أولا وهو المعني بالعملية الإنتاجية واستهلاكها أخيرا، ولا أدري إن كان هذا الرد مؤسسا وفق دراسات متعددة تكرر فيها تطابق النتائج، أم هو حكم الناقد الكلاسيكي الذي يُنصب نفسه ممثلا رسميا وبدون منازع للجمهور، وبذلك ساهم في نشر أنفلونزة إعادة الأعمال العالمية، بدافع استعمال الجاهز -الذي نجح يوما ما وفي بيئته- وبأي طريقة ولو على حساب فنية النوع، بحجة ركاكة النصوص المحلية، أما الغرض الدفين الفعلي بالنسبة للجماهير والذي وجدناه متداولا كحكم مسبق عند من تعلمنا من السماع لآرائهم، هو خدمة الكسب المالي السريع عند صناع الفن المعاصرين لا غير.

*أستاذ في الفنون وناقد سينمائي (الجزائر)

 

الإحالات :

  1  http://www.caripedia.com/studies/study_3_chekhov/01.html

2  FABRICE Revault d’Allonnes, la caméra au cœur d’un art animé, des objets font l’histoire, CASTERMAN Belgique. p 41 .

3  طماس حمدو، السينما الموسيقى والمسرح، دار المعرفة، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى 2004. ص29.

4  LAZAR Judith , la science de la communication, editions Dahleb, 108, Rue de TRIPOLI – HUSSEIN-DEY , Deuxiéme éditon corrigée. P86

5  FAVROD Charles-Henri, Encyclopédie du Monde actuel, la linguistique, Charles-Henri Favrod 1978, 12Rue Françoise 1er Paris .p127

سينماتك في 4 فبراير 2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)