تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

ملفات خاصة

جديدالسينما

سينماتك ملتيميديا

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

"عالمنا في صورة"..

سحر الضوء على شاشة العقل

 البصرة ـ لؤي حمزة عباس * / خاص بـ"سينماتك"

 

يقترح كتاب (عالمنا في صور) للناقد السينمائي أحمد ثامر جهاد أكثر من طريق للدخول إلى عالم السينما المدهش، مثلما يقترح أكثر من طريقة لتأمل الفيلم السينمائي ومعالجة خصائصه التي مكنته من الاحتفاظ لما يتجاوز القرن من الزمان ببهائه وسيادته الاستثنائية على أحلام العقل البشري، فالسينما قبل كل شيء سحر الضوء المدوّن على شاشة العقل، حيث يبدو كل شيء مؤهلاً لإثارة حواسنا والاستحواذ على اهتمامنا، هذا الاهتمام الذي لا نستطيع تصوّر السينما معه، كما يؤكد أحمد ثامر"إلا بوصفها عمل الواقع والخيال معاً، ممزوجاً بقابلية الشعور الإنساني على الإبداع"، لتعد ثلاثية الواقع والخيال والإبداع معادلة تتحكم بمعطيات القراءة النقدية وتوجّه وعي صاحبها في مقاربة الفيلم " فلا خيار أمامنا كمتلقين سوى التحدث بلغة رديفة للفلم تعتمد تسلسلاً منتظماً من الكلمات وتستوعب ما أمكن من الأفعال وردود الأفعال".

إن مشاهدة الفيلم وقراءة المادة النقدية المكتوبة حوله تمنحاننا، نحن مشاهدي الفيلم وقرّاء المادة، فرصةً للحركة بين الأنظمة اللغوية لتأمّل قدرة الفيلم وهو يقرأ العالم وتأمل المادة وهي تقرأ الفيلم، ولن يغني أحدهما عن الآخر في مضمار القراءة الواسع، إنهما معاً يسهمان ببلورة وعينا في إدراك جانب مؤثر من جوانب التجربة الإنسانية إذ تفرض جدارة "المعنى السينمائي" لبعض الأفلام على متلقيها ضرورة إقامة حوار معها، يتنوّع هذا الحوار بتنوّع أساليب إنتاج الأفلام واختلاف موضوعاتها، لكن القراءة تظل على الرغم من تعددها واتساع مجالاتها " مجموع مسرّات المشاهدة منظوراً إليها بوعي ممكن"، وهو ما يمنح مشروع أحمد ثامر جهاد خصوصية تعاطيه مع عالم السينما الذي يعيننا عنوان الكتاب على كشف جانب منه وهو ينظر لارتسام عالمنا في صورة، لنكون عندئذ بمواجهة عالمين: عالمنا المثقل بأحداثه الجسام وعالم الصورة الذي يؤسس ذاته في الوقت الذي يقرأ عالمنا، مثلما يمنح الكتاب فرصة لمراجعة المبدأ الجمالي الذي يتأسس عليه معنى الفلم وهو يندمج بإيقاعه، بحسب ميرلو بونتي "كمعنى الإيماءة الذي لا يمكن قراءته مباشرة في الإيماء ذاتها، فالفيلم لا يريد أن يعني شيئاً آخر غير ذاته"، إن إرادة المعنى تجد صداها في الكتاب عبر سعيه لمعالجة معنى الفيلم عبر قراءة جمالياته، ومعنى علاقته بالحدث عبر قراءة صلته بالتجربة الإنسانية، فالسينما مثل باقي الفنون ليست معنية بتقديم التاريخ من زاوية وثائقية، إنما تفضّل ـ في حدودها القصوى ـ قراءة الزمن الماضي بكل ما يشتمل عليه من اشتباكات مريرة مع الواقع.

إننا عبر قراءة الفيلم والوقوف على جمالياته نقرأ العالم، عالمنا الذي يزداد صعوبة كل يوم بما لا يعني أزاء الاحتراز الفكري للمشاهد أو الناقد "أن أفلام اليوم خلت من الجمال أو القيمة المضمونية، إنما يؤشر حالة شاملة يُعبّر خلالها بصيغ مختلفة عن مستوى التقارب من الخلل الوجودي والتاريخي لحضارة إنسانية واحدة"، إن مشروع قراءة الفيلم السينمائي، بناء على هذا التصوّر، يختزن طموحاً في قراءة انكسارات الحضارة التي استطاع الفيلم السينمائي إضاءتها بعمق مدهش، وهو ما يمنح الكتاب فرصة لانفتاح أفقه النقدي بين أفلام الرؤيا التي تضيء صلتها مع مراجعها الأدبية في الغالب، وأفلام التجارب التي تفعّل العلاقة مع الحدث إنتاجاً وتلقياً، فمن بابلو بيكاسو إلى فرانكشتاين إلى ابن فضلان إلى ألان باركر تتشكل قراءات القسم الأول: الفيلم ورأي آخر، وتمضي قراءات القسم الثاني باتجاه أوليفرستون، ورومان بولانسكي، وكازانوفا، والبطل الأمريكي في تجارب وقراءات، من دون أن يستغني القسمان عن دراسات ذات وجهة نظرية أضافت للكتاب بعداً تأملياً، فلا تشكل قراءة المنجز السينمائي وحدها مادة المشروع النقدي بل سيعمل المشروع على الاشتباك مع فلسفة الفلم لإدراك آفاقه الجمالية والوقوف على بلاغة التحديث في الخطاب السينمائي، وهو ما يدعو الكتاب لمعالجة قضايا مثل الصورة السينمائية، طرق المعاينة وإمكانيات التأويل، والإيقاع والتشويق في الفيلم السينمائي، واستبطان الذات بلقطة قريبة، ومعالجة إشكالية التلقي بين الرواية والفيلم التي سبق للناقد أن أنجز فيها كتابه الأول (مديات الصورة والاتصال ـ تونس 1998) لإدراك الأثر المتبادل بين الرواية والفيلم، مشيراً لما يشكله المجال السينمائي اليوم من حقل فاعل لتجريب تصورات فنية متعددة، كما يُعدّ اختباراً حقيقياً لجدارة المواقف الفكرية والجمالية المتباينة، حتى يغدو فهم لغة الفيلم، بتعبير يوري لوتمان، خطوة أولى وحاسمة نحو فهم الوظيفة الفنية والأيديولوجية للسينما.  

* د. لؤي عباس، ناقد وروائي وقاص عراقي

سينماتك في 31 يناير 2009

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)