تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

ملفات خاصة

جديدالسينما

سينماتك ملتيميديا

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

"النصر لفنديتا".. مجابهة الراهن الداخلي في أوروبا

وتداعيات عن السينما في الفضائيات العربية

جدة ـ خالد ربيع السيد / خاص بـ"سينماتك"

 

التعليق الوحيد الذي جال بخاطري، بعد مشاهدتي لفيلم V for Vendetta انه "فيلم ثوري بإمتياز"، دراما سياسية سوداء، فهو فيلم مشحون بطاقة هائلة من الرفض والصدام والتصدي للنظم التوتاليتارية البغيضة، و قبل كل ذلك الوقوف ضد قمع الفرد للفرد وإستغلال الفرد القوي للفرد المسحوق . وبالرغم من العنف النسبي الذي يتخلل الفيلم، إلا أنه يحمل أيديولوجيها كوزموبوليتانية شديدة الإحترام لمعتقدات الآخر، ليس فقط بسبب النظرة للقرآن الكريم أو النص البديع ،حسب تعبير ورد في الفيلم، ولكن لرؤيته شديدة الإنسانية للأقليات العرقية، و إدراك طرح الفيلم لأهميتها.

V مقاتل مسخ يخفي وجهه المشوه خلف قناع , صنعته تجارب محرمة لعقاقير ومصول ضد البشر, عاد في الخامس من نوفمبر ليحيي ذكرى الثائر الذي شنقته السلطات ذات يوم لتسكت فمه .. لكن  V  يلجأ للإعلام ليعلن مخططه للحرب على السلطة الفاسدة ويدعوا مواطنيه لمساندته بعد عام كامل عندما يقدم على تفجير مبنى البرلمان , خلال هذا العام تتوطد علاقة v بشابة خانعة , راضية أن يصنع منها ثائرة في وجه أولئك الذي دمروا عائلتها , فيلم تحريضي يقدم رسالة شديدة الوضوح عن جدوى قمع الأفكار وديكتاتورية الحاكم ويكرس نبوءة بعالم من الدمار، تلعب فيه وسائل الإعلام و الثائر الرمز و الرسائل المتلفزة والتواريخ التي لا تنسى دور البطولة .

 مخرجه جيمس ماكتيغي تجاوز التركيز الشديد على البعد الفلسفي المقصود من الأخوين آندي ولاري واتشوفسكي ،كاتبي السيناريو، العبقريان صاحبا ثلاثية الماتريكس، وهو يقدم برؤيته الخاصة رسالة الماتريكس الأساسية عن تحرير العقل من مخاوفه الداخلية بإعتباره الطريق الأول للقوة .. ماكتيغي برع في مزجه المباشرة والتبطيني معاً ليقدم عملاً نابضاً في متعته و سحره وفي رؤيته البصرية أيضاً ، وستظل مشاهد سجن إيفي ثم تحريرها من مخاوفها من أكثر مشاهد الفيلم إشراقاً و تميزاً .

يتضح لمن تأمل الفيلم أنه أمريكي/ألماني، وتدور أحداثه في إنجلترا ، أخرجه مخرج ولد في استراليا (جيمس ماكتيغي)، والبطلة "إيفي" ولدت في إسرائيل (نتالي بروتمان)، و البطل ولد في نيجيريا (هيوج وافينغ) ، والقصة إعتمدت على نص كتبه إنجليزي (بنجامين ويسبرين).. أعتقد أن من هنا جاء التوحد في إنتاج عمل يحمل الصفة الكزموبوليتانية بدرجة التفوق .

غير أنه من مدخل أساسي يُلاحظ أن الفيلم يرتبط بالراهن الداخلي الأوروبي ، إلى درجة عميقة في التناول، حيث كُتِب ليعبر عن الوضع الدولي الجديد و قيام الأنظمة اليمينية في الدول المتقدمة وتغييب الرأي العام و قمعه بواسطة النظام الأمني الصارم. وعلى أساس أن الحال الداخلي العربي لا ينفصل عن الوضع العالمي ويشكل انعكاساً واضحاً له، فيمكن سحب الفيلم على أنه عربي جداً.

في الحقيقة لم أُدفع ـ ذاتياً ـ للكتابة ، بسبب أن الفيلم أعجبني، ـ لم يعجبني ولكنه أثارني ـ و إنما لشأن آخر ذاتيِ أيضاً، فلقد انتابني من شعور الدهشة أقصاه، و أنا أتابع، والحقيقة أن عيناي قد جحظتا، وشعرت بشحنة كهربية تجتاح رأسي لثوان.

إنتابني شعور بالدهشة وأنا أتابع الفيلم إزاء قبلة ظهرت في إحدى المشاهد  بين فتاتين مثليتين، ، فالقبلة واضحة وطويلة ، ولم يمسها مقص الرقيب!! كيف..؟ لا أعلم! . وكنت قد بدأت منذ يومين قراءة رواية صادرة حديثاً لكاتبة سعودية "صبا الحرز" بعنوان (الآخرون) وهي تتناول تفاصيل وأبعاد علاقة فتاة بفتاة أخرى حيث تنجرف البطلة في علاقات مـَثلية سحاقية متوهجة مع صديقة لها كانت إغتصبتها، والصديقة هذه بدورها أغوتها معلمتها "بلقيس" التي إستغلت إحتياجها العلمي فأوقعتها في حبائل المجاسدة الشاذة ، وحينما نجحت وتفوقت أخذت تقبلها قبلة فموية محمومة هي ذات القبة التي ظهرت في الفيلم . تلك القبلة التي سرعان ما ساقتها الى هواجس الإختلاجات الجسدية المحمومة.

وعلى هذا النحو تقاطع ،في دخيلتي، الفيلم والرواية ، عند مقولة الناقد محمد العباس في سياق كتابته عن الرواية بأن هذه المثلية "عقدة أنثوية تضخم أيديولوجيا الاضطهاد" وهو على وجه التحديد ما أحسست به وأنا أحملق في الممارسات الشاذة التي يبرزها الفيلم نتيجة لإضطهاد يقهر البطلة ويكرسها كذات مغبونة ساعية الى الإنتقام والتشفي من محرمات يفرضها مجتمع جائر.

لن تفوت على المشاهد اللقطات السريعة للشرطة وهي تقتحم غرف نوم المثليين ، و تقبض عليهم شبه عراة في تلميح صريح عن كنه الحالة التي كانوا بها ، فهي لقطات شبه معتادة في السينما العربية ويمكن أن تمرر بشكل أو بآخر ، ولكن المهم في الأمر الرؤية الدرامية السينمائية الكاملة لمعاناة فتاة مثلية منذ طفولتها في مجتمع يقهرها ، وبالتالي تُرفض من قبل عائلتها ، ومدرسيها ، ثم وقوعها في الحب عدة مرات ـ مع فتيات طبعاً ـ و أخيراً القبلة المدهشة التي يفترض أن يكون قد شاهدها الاف المشاهدين من الجمهور العربي، خصوصاً وأن الفيلم وزعته شركة وارنر بشكل واسع على أشرطة الفيديو والأسطوانات المدمجة في جميع أنحاء العالم العربي وعرضته قناة عربية.

ومع كل ذلك لا أظن أن من شاهد الفيلم كان له أي رد فعل سلبي على هذه القبلة.. بل على العكس، أحسب أن المشاهد قد تفاعل معها ، حيث لم يكن المشهد شاذا عن حبكة الفيلم فاللحظة الدرامية كانت تحتم حدوث مثل هذه القبلة.التي لحقها مقص الرقيب في نسخة الفيديو، وأبقتها إحدى الفضائيات العربية.

ومن هنا أتسائل ذات السؤال الساذج : لا أعلم سببا والى متى ستظل الرقابة العربية شديدة الحساسية تجاه التابوهات طالما جاءت في سياق درامي وحبكة فنية مجودة.؟

وأيضاً أرى تلك الرؤية البديهية ، فمن المنطقي بدلاً من تقطيع الفيلم وإرهاق مقص الرقيب (التلفزيوني) الساهر دوماً على مشاعر المشاهدين أن يخصص وقتاً متأخراً لعرض مثل هذه الأفلام مع إضافة تحذير : (للراشدين فقط)، أو أنه ليست هناك ثمة داعي لعرض ملخص للأفلام من الأساس، شأننا في ذلك شأن التلفزيونات الأوروبية والأمريكية . ففي فيلم Crash عندما عرض في نفس القناة تم حذف الكلمات العنصرية التي كتبت على الحائط في محل الرجل المسلم ، علما بأن الفيلم بأكمله كان ضد هذه الكلمات، و مبني على محاربة هذه النظرة. وأذكر بوضوح عندما عرضت هذه القناة فيلم Fatal Attraction قبل عدة سنوات عمل الرقيب على حذف الملامسة المثيرة التي حدثت بين امرأتين بينما وقف الممثل "ريتشارد جير" يتأمل في تحفز وذهول تام.

الغريب أن الأفلام العربية كانت قد تعرضت لموضوعات جنسية / سياسية / دينية ، لا نجرؤ على تناولها الآن في سينمانا الجديدة . كالعلاقات المثلية ، و عشق المحرمات، وسفاح ذوي القربى ، والتحرشات بالقصر ، والخيانات الزوجية وأحداث المعتقلات منها: زائر الفجر ، المذنبون ، حمام الملاطيلي ، البداية، السراب ، إسكندرية ليه ، قطة على نار ، الأقدار الدامية ، البوسطجي ، مذكرات مدام إكس ، صمت القصور"الجزائري" ، زهرة الخشخاش "التونسي". الخ.

ولهذا كنت دائما ،ولا زلت، أحدث نفسي وأحيانا أخبر صديق قبل عرض أي فيلم في التلفزيون ، و أنا أعلم انه يتعرض لقضية حساسة بعض الشيء : سوف يعرضون الليلة "مُختصراً" لفيلم كذا في قناة كذا.. كما عرض التلفزيون السعودي مختصراً لمسلسل "الثلاثية" لنجيب محفوظ في التسعينات، ومختصراً لمسلسل "العائلة" الذي تناول التطرف الديني وملخصاً لمسلسل "آرابيسك" الذي قال عنه مؤلفه أسامة أنور عكاشة :أنه أفضل ما كتبت، أما عن ملخصات الأفلام في قنوات مثل الفضائية المصرية والقناة الكويتية وقناة سورية فهي بمثابة فن قائم بذاته يمتزج فيه فن القص واللزق والكولاج الذي يصل الى مرحلة الديكوباج !!. إذ أن ما يعرض هو فحوى فيلم فقط أو توليفة (ديكوكولاجية) مربكة.

على أية حال أرى ـ خطاَ أم صواباَ لا ادري ـ أن ما حدث في V for Vendetta هو نقلة بشكل أو بآخر ، مثله مثل رواية "الآخرون" فهي أيضاً نقلة في الأدب السعودي والعربي إن جاز التعميم . أقول ذلك ليس بدفاع عن المثليين، فتلك قضية لا أخبر بواطنها، و لكن لأنها على الأقل خطوة للحديث عن تابوهات اخرى ، فربما بعد الحديث عن أزمة فتاة مثلية يأتي يوم نشاهد فيلم يتعرض لاضطهاد الشيعة، أو لحب الغلمان، أو لإزدراء الملونين السود في العالم العربي أو لوضع الأقليات العرقية أو الجنسية الشاذة في بلداننا .. من يدري؟ . 

سينماتك في 29 ديسمبر 2008

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)