اضغط للتعرف على صاحب "سينماتك" والإطلاع على كتبه في السينما وكل ما كتبه في الصحافة Our Logo
 

  حول الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقعسجل الزوار 

 

 

 

خاص بـ"سينماتك"

ملفات خاصة

أخبار ومحطات

سينماتك ملتيميديا

إبحث في سينماتك

إحصائيات استخدام الموقع

 

 

جون كيو

خارج هوليود لن تكون بطلا

 أحمد ثامر جهاد/ خاص بـ"سينماتك"

 

     
  

تحتاج الأفلام السينمائية من اجل الخروج على تقاليد هوليوُد الراسخة إلى موضوعة جيدة ومعالجة جريئة وأسلوب ذكي ونظرة واقعية غير نمطية لمشاكل الحياة الأميركية وهمومها فضلا عن تمسكها بنجوم مشاهير كأحد أهم متطلبات النجاح التجاري في صالات العرض التي تتحكم بمزاج عدد غير قليل من الجمهور السينمائي.

جاء فيلم (جون كيو-2002 ) ليضاف الى قائمة طويلة من الأشرطة التي تنافس قضية حق أنساني مغتصب يدفع الفرد الى التمرد والخروج على طاعة القوانين الجائرة مهما كانت درجة الخطورة في مغامرة كهذه . عليه ترى ان القضية الأساسية التي نسجت بشأنها قصة الفيلم التي كتبها (جيمس كيرنس) هي مجموعة حقائق لا فرضيات ـ تظهر مكتوبة على الشاشة في نهاية الفيلم ـ تفيد بان أكثر من 48 مليون مواطن أميركي ليس لديهم أدنى تامين صحي . فيما يوجد نحو7000 مريض يحتاجون الى عمليات تنقذ حياتهم وليس لديهم القدرة على دفع تكاليفها.

جون كيو (الممثل دينزل واشنطن) عامل زنجي يعيش مع زوجته وابنه الوحيد (مايكل)حياة متواضعة محفوفة بالصعاب. يتعرض الابن الى مرض خطير في القلب لا يمكن علاجه سوى بعملية جراحية لزراعة قلب جديد تصل تكاليفها الى 250 ألف دولار ! تخفق جهود كيو في الحصول على هذا المبلغ بالرغم كل المعونات التي تلقاها من أصدقائه ومعارفه،فيما يتنصل مديروه في العمل من مساعدته بقروض مادية لأنه غير مشمول بنظام التامين الصحي لأسباب قانونية واهية. تتصاعد أزمة كيو بعد ان تخبره زوجته ان المستشفى قرر إخراجهم (هي والصغير مايكل) لعدم التزامهم بتوفير المبلغ المطلوب في الموعد المحدد قبل البدء بإجراءات العملية الجراحية.

بالنسبة لرجل كادح خدم المجتمع الاميركي الموعود بالرفاه الدائم يرى ابنه الوحيد يموت بين يديه فيما يقف عاجزا عن القيام بأي حل أمام عدم اكتراث الجميع سيجد لنفسه كل المسوغات للقيام بعمل جنوني لا يرضي السادة البيروقراطيين ويستفز حميتهم. وهو ما يحدث فعلا حين يقرر كيو اقتحام المستشفى واخذ الطبيب المسؤول (الممثل جيمس وود) مع مجموعة من المرضى والموظفين كرهائن داخل المبنى إلى ان يستجاب لمطالبه التي لا تتعدى إنقاذ ابنه من شبح موت وشيك. وأمام حالة اللاخيارات تتصاعد الأحداث مع دخول أطراف جديدة في الصراع الدائر ما بين كيو والرهائن من جهة ورجال الشرطة من جهة أخرى. لكن كيو يجد من يتعاطف مع قضيته من بين الرهائن وأيضا بعض الصحفيين الذين يراقبون ما يدور في المبنى المحاصر. وكالعادة تتفاوت مواقف الشخصيات إزاء ما يدور من أحداث متسارعة بحسب انتفاعها أو إنسانيتها.فهناك مثلا رئيس شرطة شيكاغو (الممثل راي ليوتا)وهو رجل قانون طموح يبحث عن مجده الشخصي حسب، يقابله ضابط شرطة له خبرته بالتعامل مع الأحداث أمضى 30 عاما في سلك الخدمة كانت كفيلة بإطفاء حماسته للبطولات والشهرة يؤدي الدور (النجم روبرت دوفال). خلال اشتداد الصراع بشان حقيقة كيو - الرجل الأسود الذي يحتجز عددا من الرهائن داخل مستشفى- تحظى قضيته باهتمام الناس ووسائل الأعلام وتتضارب قناعات رجلي الشرطة بشانه.

يقول رئيس شرطة شيكاغو لزميله(علينا ان لا نجعله ينجح هنا.. فكر بعدد الذين ستغريهم فعلته لو انه نجح في النهاية وأجرى العملية لابنه.. يجب ان نجعله مثالا يحتذى لسلوك صحيح) وتتحالف مع وجهة النظر هذه مديرة المستشفى التي تمثل انموذجا لتعنت القوانين وصرامتها المجحفة. في الغضون تحاك مؤامرات عدة لقتل كيو (وهو الحل المثالي بالنسبة للمؤسسات المتسلطة) قبل ان تتحول قضيته إلى فضيحة كبرى تطيح ببعض رجالات المؤسسة. من جهته يحاول رجل الشرطة المخضرم روبرت دوفال استبعاد هكذا حلول لأنه شائنة ولان قتل كيو ليس أمرا مسليا. وسيكون الانتقاد الأهم الذي توجهه مثل هذه الأفلام هو إظهارها ارتزاق وسائل الأعلام على هموم الآخرين بشكل استغلالي يجعلها تلهث في البحث عن نجاحات مهينة وبطولات رخيصة وهي تتقاتل لاصطياد مادة تلفازية مثيرة تستحوذ على عقول المشاهدين واهتمامهم وتنسيهم في الوقت نفسه علل همومهم الحقيقية،فالأمر لا يتعدى بالنسبة للبعض وجبة أخبار مشوقة ومضللة صالحة للعرض الجماهيري، تتفنن الصورة فيها بتحويل المأساة الى ملهاة باهتة. إلا ان أحداث الفيلم اللاحقة تكشف لنا ان واقعية مطالب كيو تكسبه في النهاية جمهورا من المؤيدين والرافضين لتعسف المؤسسات الحكومية،فتتعالى أصواتهم متسائلة: ألا يستحق مرضانا بعض المساعدة والعناية؟ على صعيد مقارب يحق لنا التساءل ان كان لون بشرة كيو السوداء (بوصفه بطلا أميركيا) اختيرت بعناية دلالية تشير إلى تاريخ طويل من المعارضة السياسية والثقافية لمملكة الرجل الأبيض؟ تخفق محاولة قتل كيو وتتسلل صورة الحدث الى أعين الناس المتجمهرين الذي تتزايد حماستهم لنصرة كيو، ويصرخ الأخير أمام الجميع بشكل مؤثر: لا أريد ان ادفن ابني وإنما أريد من ابني ان يدفنني) يرد دوفال بنباهة وعلانية: (لا يمكنك ان تكون بطلا هذه الأيام فليس هناك من يهتم لأمرك) وهي بلا شك رسالة الفيلم التي تبرهن مصداقيتها خارج عالم السينما، في الواقع الحياتي الصعب حيث لا يمكن للأخلاقيات الدونكيخوتية ان تحقق كسبا كبيرا في عالم يسوده الفساد والوحشية.

سيكسب جون كيو الجولة لصالحه هذه المرة مثلما درج الفيلم الأميركي مع جمهوره المتعطش لحزمة ضوء آخر النفق ويبدو محقا كل من يتصور: ان العدو الذي نحاول التعرف عليه هو نحن.ويبقى السؤال معلقا بشان ما يمكن لماكنة الأعلام ان تفعله مع قضية كيو أو ما يماثلها: أهو بطل أم همجي في المعيار الثقافي الأميركي؟

بقي ان نقول ان المخرج (نك كاسافيتز) استطاع ربط خيوط حكايته السينمائية بأسلوب إخراجي متمكن منح مشاهد الفيلم قدرا لائقا من الإثارة والتشويق محاولا إلى حد ما الاقتراب من نجاح بعض الأعمال السينمائية التي اشتغلت على موضوعات مقاربة وتركت انطباعا جيدا لدى الجمهور.. ومنها على وجه الخصوص فيلم (المدينة المجنونة) للمخرج الكبير كوستفا كافراس.

سينماتك في 10 يونيو 2008

 
     

 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
(2004 - 2008)