حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنياأرشيف الموقع 

"هيوغو" لمارتن سكورسيزي

دعوة إلى سينما الأحلام والسحر ورفض للحرب ولسُلطةٍ بلا عاطفة

أبوظبي ـ محسن الهذيلي/ خاص بـ"سينماتك"

 

شاهدنا في الفترة الأخيرة في قاعات السينما في أبوظبي فيلمين جميلين، فيلم شارلوك هولمز2 وفيلم هيوغو. وإن لم يمكنا الكتابة عن الفيلم الأول فها نحن نكتب عن الثاني.

أما بالنسبة لما شجعنا على الكتابة عن فيلم سكورسيزي الأخير "هيوغو"، فهو تكريمه لأحد مؤسسي السينما في العالم. فالفيلم يروي لنا حياة الفرنسي "جورج ميلييس"، وإن بطريقة غير تقليدية.

قبل وصوله إلى عالم السينما، مر جورج ميلييس بطفولة كان مولعا فيها بإصلاح الأشياء والساعات المعطلة، وفي شبابه إلتفت إلى العروض السحرية وأنشأ مسرحا قدم فيه أغلب أعماله، وذلك صحبة زوجته ورفيقة دربه والتي سوف تمثل معه في كل أفلامه فيما بعد.

حياة ميلييس المتنوعة والثرية هذه انتهت به إلى اكتشاف السينما وأثرت بالتالي على نوعية إنتاجه السينمائي الذي استمد كثيرا من مواضيعه وصوره وأشكاله من عالم السحر والحلم. بالنسبة لهذا الأخير كان جورج ميلييس يجيب حين يسأل عن مصادره لدى الناس بالقول: أنظروا إلى ما حولكم وسوف تجدون أحلامكم، وحسب اعتقاده فإن السينما هي إحدى أهم مصادر الحلم لدى الإنسان ما بعد السينما، لذا نلاحظ في أفلام ميلييس وَلعَهُ الكبير بهذه الموضوعة وتَوْلِيدُه لها، حيث تنتمي جل أعماله إلى عالمي الخوارق والخيال العلمي.

بداية ميلييس السينمائية إنطلقت على أثر تعرفه على الإخوة لوميار (Les frères Lumiere) الذين أبهره عملهم. وعلى إثر رفض مبدعو الصورة السينمائية تمكين ميلييس من كاميرا للتصوير، قام الأخير بمفرده معتمدا على خبراته المتعددة بصناعة كاميرا تصوير أنجز بها أفلامه التي تربو على المائة.

عندما قامت الحرب الأولى في أوروبا وأجهزت على أحلام كثير من الناس، لم ينجو جورج ميلييس من شرها، فقد أدخلته في حالة من الإحباط لم يعد يؤمن معها بقيمة الحلم، وبما أن الحرب في نظر ميلييس هي نقيض الحلم فقد هجر السينما كلية. بل ذهب إلى حد تدمير كل إكسيسواراته وعدد غير قليل من أفلامه، وهكذا جرد ميلييس نفسه من أدواته للإبداع السينمائي.

بقي لدى ميلييس عمل فني آخر تمثل في إنسان آلي يعمل على الطريقة التي تعمل بها الساعات وله قدرة على الرسم، هذا العمل الفني قرر جورج ميلييس إهداءه إلى إحدى المتاحف الباريسية وذلك بعد أن جرده من بعض غياراته إنتقاما في الحقيقة من نفسه.

ما زاد من أزمة ميلييس النفسية والتي انتهت به إلى بائع للعب الأطفال في محل صغير في محطة قطار، هي أن هذا العمل – أي الإنسان الآلي- الذي ظن أنه نجا من التلف ومن لعنة الحرب فُقِدَ بدوره على أثر حريق نشب في المتحف الذي يأويه.

هكذا إذن جاءت قصة جورج ميلييس أحد الآباء المؤسسين للسينما في فيلم مارتن سكورسيزي. ورغم أن كل الفيلم هو عبارة عن تكريم لهذا السينمائي الفرنسي إلا أن سكورسيزي خير أن لا يجعله بطله السينمائي، فالبطل هو الطفل هيوغو الذي استعار الفيلم عنوانه من إسمه.

ولهيوغو في الفيلم قصة مستقلة عن قصة ميلييس، فهو طفل يتيم الأب والأم، وأبوه كان يعمل في صنع وإصلاح الساعات ويقوم بترميم الآلات والساعات القديمة لصالح نفس المتحف الذي منحه جورج ميلييس إنسانه الآلي، وهنا نتعرف على المصير الحقيقي لهذا الأخير، فهو على عكس اعتقاد جورج ميلييس لم يُتْلَفْ وإنما جرى انقاذه.

فبفضل أبو هيوغو الذي أخذه معه إلى بيته وأطلعه إلى ابنه على أمل أن يصلحاه ويتعرفا على سره، نجا الإنسان الآلي من الحريق الذي أكل لسوء الحظ من بين ما أكل أبو هيوغو.

كان الإنسان الآلي لميلييس يحمل في يده قلما ويتهيؤ للكتابة، وهذا هو ما جعل الوالد وابنه يتحرقان شوقا لمشاهدته وهو يخطط، ومن ثَمَّ التعرف على ما عساه يكتب لهما من سره المكنون، لذا كان هدفهما البحث عن بعض غياراته الناقصة وتشغيل محركه الذي بين جنبيه.

بعد أن مات والد هيوغو، وغادر هذا الأخير بيتهما ليسكن مع عمه في محطة القطار، لم يفقد هيوغو رفقة الإنسان الآلي الذي أصبح بمثابة صديق دربه وأنيسه في وحدته.

مع عمه الساعاتي الثمل طول الوقت انقطع هيوغو عن المدرسة وأصبح يتولى بنفسه وعوضا عن عمه إصلاح وتعهد ساعات محطة القطار، هذا بينما يقضي العم مجمل وقته على ضفاف نهر السان يسكر إلى أن مات.

وقد مرت الفترة ما بعد وفاة الوالد وغياب العم، شديدة العسرة على هيوغو، فإلى جانب توليه تشغيل وتعهد ساعات المحطة، وضعه القدر وجها لوجه مع شخصية شرطي المحطة القاسي القلب –إحدى الشخصيات المهمة في الفيلم- الذي كان يسهر على الأمن ويراقب كل صغيرة وكبيرة في المحطة.

وقد كان من اهتمامات الشرطي مراقبة توقيت ساعات المحطة ومقارنتها -كل صباح- بتوقيت ساعة جيبه. عندما علم الشرطي بهلاك الساعاتي دون أن يظهر أثر ذلك على ساعات المحطة التي بقيت تعمل بدقة متناهية، تساءل عمن كان يشغلها ويتعهدها، لم يكن يعلم حينئذ أن من حافظ على وقت المحطة كل تلك الفترة إنما هو ذاك الطفل اليتيم الذي يقضي جزء من وقته يتعقبه هو وكلبه ويبثان في نفسه الخوف.

من مهام شرطي المحطة الأخرى القبض على الأطفال المشردين والذين ليس لهم أهل وتسليمهم إلى القائمين على مآوي أيتام الحرب الذين أفهمنا الفيلم أنهم كانوا يتاجرون فيهم.

هذه هي إذن الحكاية الثانية في الفيلم، وهي كما سوف نرى ليست مقطوعة تماما عن الحكاية الأولى بل تتقاطع معها حكائيا في كثير من الثنايا ومن خلال العديد من الشخصيات.

والحقيقة أن شخصية الطفل هيوغو لم تكن سوى أسلوبا حكائيا وربما حيلة سينمائية لتصوير إحدى وجوه أو فترة عمرية أخرى من حياة جورج ميلييس، وهي فترة طفولته، حيث سمعنا في الفيلم الذي لم يرنا ميلييس صغيرا، سمعنا هذا الأخير يتكلم عن طفولته مقارنا إياها بطفولة هيوغو وولعه بتصيلح الأشياء والساعات المعطلة وما شابهها.

من شخصيات الفيلم المهمة، إلى جانب جورج ميلييس وزوجته وابنتهما بالتبني إيزابيل والطفل هيوغو، نجد (شخصيات داخل المحطة) وهم الشرطي الذي سبق ذكره، الكهلة صاحبة المقهى، الشابة بائعة الزهور، الكهل المصور والشيخ الكتبي.

لقد حاول مارتن سكورسيزي، الذي دعا -على لسان الصبي هيوغو وهو يتكلم إلى الطفلة إيزابيل- إلى أن يكون لكل إنسان هدف في الحياة كي يكون سعيدا ومبدعا، حاول سكورسيزي أن يعطي لكل واحد من شخوصه مبررا لوجوده وهدفا لحياته.

الشرطي كان هدفه مراقبة المحطة والحفاظ على أمنها.

بائعة الزهور تمثل دورها في بيع الزهور الطرية لأنها تأتيها على جناح السرعة في قطارات المحطة.

صاحبة المقهى ترسل الدفئ في حياة الناس، تقدم لهم "الكرواسون" الساخن والقهوة والحليب في الصباح وتبيع لهم النبيذ وتحيي السهرات الغنائية في المساء.

هناك المصور الفنان الذي يبيع ذكريات باريس في صوره.

التركيز على شخصيات الفيلم دون الإلتفات إلى تصوير مخرجه لروح العلاقة التي تربط بين كل تلك الشخصيات، يمكن أن يكون معيقا أمام الإستمتاع بالفيلم، لقد حاول سكورسيزي تصوير ما يمكن أن نطلق عليه "الدفئ": دفئ الأماكن ودفئ العلاقات.

بالنسبة للأماكن، صور لنا الفيلم خلال مشاهده داخل المحطة دفئ الأماكن -التي كان يعيش فيها البطل هيوغو ضمن كواليس المحطة- وحميميتها، تلك الأماكن الغير مفتوحة للعموم والتي تربط بين مختلف ساعات المحطة ومرافقها الأخرى، كما كانت تلك الأماكن تبعث على الدفئ بسبب ذاك الدخان المنبعث والذي نجهل مصدره الحقيقي، خارج تلك الكواليس في المحطة كان مأتى "الدفئ" ذاك الإكتضاض والتزاحم والتقارب بين الركاب.

في الخارج تماما كان الشتاء وتساقط الثلج يعطي لمناهج باريس ما بين الحربين الصورة الأجمل في مخيلة أغلب من عرفوا باريس (بلد الجن والملائكة كما كان يسميها إبراهيم عبد الله)، ورغم إحساسنا بالبرد تعاطفا مع هيوغو -الذي كان يكتسي تبانا إلى الركبة-، فإن وعينا بالدفئ غلب وعينا بالبرد، وربما يرجع ذلك إلى تأثير صورة باريس النموذجية للحب والدفئ فينا، هذا إلى جانب تأثرنا بصورة بيوت أحياء باريس القديمة جدا -في تلك الفترة التاريخية- وهي تبدو لنا متراصة متقاربة ترسل نوافذها أضواءا ساخنة لونيا.

فمارتن سكورسيزي رغم استعماله لألوان باردة وخاصة اللون الأزرق بالنسبة للجدران والتماثيل التي كانت تغطيها الثلوج، فقد جعل النوافذ والأبواب والملابس ذات ألوان ساخنة ما بعث الدفئ في الصورة.

كما كان لمرور إحدى القطارات في إحدى مشاهد الخارج -خلال لقطتين ثنتين- وإرساله دخانا في الهواء، سينمائيا، من إحدى بواعث الدفئ في أضلعنا.

هناك أيضا الدفئ العاطفي الذي لاحظناه ضمن كل العلاقات الإنسانية في الفيلم والتي طالت كل شخوصه بما فيهم الشرطي عدو هيوغو ومتعقبه اللدود.

فلقد عرف الحب طريقه إلى قلب هذا الشرطي الذي تعلق ببائعة الزهور الشابة ونجح أخيرا في التقرب منها بفضل إبتسامة علقها على شفتيه تعلمها من صاحبة المقهى، وقد كان قبل ذلك شاردا مكفهرا دائما.

بالنسبة لما سهل علاقة الشرطي ببائعة الزهور الرقيقة -رغم خشونته- فهو اكتواؤهما ثنتاهما بنار الحرب، فبينما فقد هو رجله فيها فقدت هي أخاها.

أما صاحبة المقهى التي كانت تصنع دفئ الحياة في قهوتها ببيعها "الكرواسون" الدافئ واستضافتها كل ليلة تلك الفرقة الموسيقية التي تغني للمسافرين، فقد ارتبطت بعاطفة حقيقية مع المصور الكهل.

هناك أيضا تلك العاطفة فوق الزمن التي كانت تربط بين جورج ميلييس وزوجته الممثلة رفيقة دربه. بالنسبة لبطل فيلمنا الصغير هيوغو فقد ارتبط بالطفلة إيزابيل متبنات جورج ميلييس في علاقة عاطفية عفوية وصادقة أبدعت السينما الأمريكية عموما في تصويرها دون تشوهات.

هناك عاطفة أخرى التقيناها عند ذاك الشيخ الأنيق صاحب المكتبة والذي كان حبيب كل من يحب الكتاب ويقرؤه، والذي رأينا كيف كان يتطوع بكل ود وأناقة لإعارة –أي من كتبه- دون مقابل لإيزابيل أو حتى إهدائه كما فعل مع هيوغو في الأخير بعد أن استنكره في البداية حين جاءه صحبة الطفلة إيزابيل.

ودفئ العاطفة في الفيلم طال -في الحقيقة- حتى الكلاب (وفي هذا كثير من أسلوب الحياة الفرنسية)، لقد كان بين صاحبة المقهى وكلبها نوع من العاطفة بلغت حد الغيرة، فالكلب كان لا يحتمل قرب المصور العاشق من سيدته، ولأن الأخير قد فشل رغم كل محاولاته إثناء الكلب ومقاربة حبيبته فقد بحث له عن كلبة من نفس جنسه انسجم معها وتركه وشأنه مع صاحبة المقهى.

بالنسبة للإحتفاء بفن السينما في الفيلم فقد استهله المخرج عبر علاقة الطفلين هيوغو وإيزابيل، فأبو هيوغو الذي كان مغرما بالسينما وكان كثيرا ما يأخذ إبنه معه إلى قاعات العرض، كان سببا لولع هيوغو بالفيلم وتعرفه على باب خلفي في قاعة السينما دلف منه مع إيزابيل لمشاهدة عددا من "الأفلام الصامتة"، وقد شد الطفلين مشهد سينمائي أشرف فيه الممثل على السقوط من بناية شاهقة كان يتسلقها لولا تعلقه بعقارب ساعة جدارية عملاقة.

هذا المشهد أثر كثيرا في هيوغو الذي رغم أحلامه الكثيرة أثناء المنام وفي اليقظة لم يستطع إلا معايشة هذا المشهد ثانية في الواقع على إثر تعقبه من طرف ذاك الشرطي وكلبه إلى أعلى برج ساعة المحطة.

فقد أحس هيوغو، بعد التقائه بجورج ميلييس في بيته صحبة ذلك المؤرخ لسينما ميلييس، أن من واجبه إدخال الفرحة على السينمائي الشيخ بإعادة رجله الآلي إليه. عندما غادر هيوغو البيت وذهب إلى المحطة لاستقدامه، وجد نفسه وجها لوجه مع الشرطي، ولينجو منه قام هيوغو –على غرار ما رأى في الفيلم- بالخروج من خلال نافذة الساعة العملاقة والتعلق بإحدى عقاربها منتظرا –في الثلوج- انصراف متعقبيه.

في الخلاصة يجدر بنا التنويه بفيلم مارتين سكورسيزي الذي كان احتفاءا حقيقيا بالسينما السحرية والحالمة وتجسيدا في نفس الوقت لسينما كلها شعر وحلم وسحر.

بقي أن في الفيلم بعض الثغرات التي يجدر بنا ذكرها:

أهم هذه الثغرات ما تعلق بطريقة سرد الحكاية في الفيلم، حيث يصعب على الجمهور في البداية الربط بين هيوغو وجورج ميلييس ومقاربتهما على أنهما وجهان لحقيقة واحدة هي شخصية المبدع.

فاللقاء بينهما في البداية كان عنيفا، وارتباط سر الرجل الآلي بميلييس وليس بهيوغو لم يتضح لنا إلا آخر الفيلم. كما أن ظفر هيوغو بالمفتاح الصغير -الذي يحمل شكل قلب والذي شغل به محرك الإنسان الآلي- في جيد إيزابيل متبنات ميلييس، بدا سهلا ودون جهد كبير سينمائيا.

إستعمال سكورسيزي للألوان الحارة والباردة وخاصة في الخارج كان أنيقا إلا أن ثغرة التصوير في الخارج تمثلت أساسا في تكرار بعض المشاهد واللقطات، وربما يرجع السبب في ذلك إلى إنحسار منطقة تصوير الفيلم في بعض مناهج باريس القديمة نظرا للحاجة إلى ديكور يتماشى مع الحقبة التاريخية للحكاية وتكلفة توسيعه على مساحة أكبر.

هناك مآخذة أخرى على الفيلم وهي ذات علاقة هذه المرة بالجانب التاريخي فيه، فقد لاحظنا أن أسلوب الحياة وخاصة أجواءها كما صورت في الفيلم هي أقرب إلى ظروف الحياة الباريسية قبل الحرب الأولى وليس بعدها، ولعل ميل سكورسيزي إلى تصوير أجواء الحقبة ما قبل الحرب الأولى رغم حياة نجمه السينمائي بعدها سببه تميز تلك الحقبة بنوعية حياتية قد فُقِدَتْ بَعْدَهَا، أو ربما نتج ذلك عن تأثر سكورسيزي بالفترة الزمانية التي كتب عنها الأديب الفرنسي فيكتور هيوغو خاصة في روايته البؤساء، فكثير من الأجواء والأسماء والصور تشي بهذا التوجه، فالفيلم يهتم بواقع البؤساء والأيتام وخاصة الأطفال منهم كما أن التسميات مثل هيوغو وجون فال جون إسم الشخصية الرئيسية في أشهر روايات فيكتور هيغو والذي تلفظت به إحدى شخصيات الفيلم، تشي بتأثر مارتن سكورسيزي بهذه الحقبة من تاريخ باريس ما انعكس سينمائيا في روح الفيلم.

في الأخير نشير إلى استعمال سكورسيزي لصورة جاهزة ومستهلكة في السينما الأمريكية عن باريس الرومنسية في الليل (حيث أن أغلب مشاهد الخارج صورت في الليل) والثلج يتساقط فيها.

أما بالنسبة للجماليات السينمائية والفنية في الفيلم، زيادة عما ذكرنا حتى الآن، نشير إلى التالي:

بغض النظر عن الدقة في التعبير عن حقبة تاريخية بعينها، ننوه –رغم ذلك- بالنجاح الكبير لسكورسيزي في تصوير الحياة الباريسية والتعبير بعمق عن روح المجتمع الفرنسي، حيث جاءت أجواء وأسلوب الحياة فرنسية تماما، هذا رغم التشويش الناتج عن استعمال اللغة الأنجليزية، وذلك على لسان كل شخصيات الفيلم الباريسية بما فيهم جورج ميلييس ذاته.

بالنسبة للمميزات التقنية والفنية للفيلم، نشير أولا إلى لقطاته الطويلة التي سهلتها الإمكانيات الإلكترونية الجديدة، فبعض اللقطات تغطي مشاهد بكاملها بل أكثر من مشهد واحد أحيانا، فلا تقطع حتى مع وجود حواجز مثل الابواب والنوافذ.

رأينا هذه النوعية من اللقطات في أول مشهد للفيلم، حيث أخذتنا الكاميرا -بسلاسة متناهية- من مشهد عام على باريس إلى داخل محطة القطار خلال ممراتها بين القطارات وإنتهاء بقهوتها.

في مرة ثانية تجولت بنا ذات الكاميرا بين كواليس المحطة عبر الحواجز، وذلك دون تقطيع أيضا. كان لنا أيضا موعدا مطولا آخر مع هذه اللقطات عندما انطلقت بنا الصورة من مشهد عام على باريس كما في الأولى لتدلف بنا عبر نافذة زجاجية مغلقة إلى بيت الشيخ جورج ميلييس وتتجول بنا في كافة أرجائها.

من المشاهد القوية في الفيلم، مشهد خروج القطار عن سكته الحديد داخل المحطة واصطدامه بالأشياء والعباد الذين كانوا يفرون من أمامه، وما يعنيه ذلك من علاقة قوية بالحلم في السينما وفي حياة الطفل هيوغو.

أتقن سكورسيزي أيضا الكلاوزاب ضمن الصورة ثلاثية الأبعاد، حيث طبقها بجمالية كبيرة على البرتريهات والوجوه، وخاصة وجهي هيوغو وجورج ميلييس، في بعض اللقطات جاء بورتري هذا الأخير مثل منحوتة فنية.

ننوه في الآخر بالمفاجئة السارة التي احتفظ لنا بها مارتن سكورسيزي ولم يكشف لنا عنها إلا آخر الفيلم، حيث جمع أهم شخصيات حكايته في بيت ميلييس أولا ثم في ذاك المسرح، في مشهد يشبه حفلة توزيع السعفة الذهبية أو الأوسكارات، لنعلم أن ميلييس لم يتلف في الحقيقة كامل أفلامه وإنما احتفظ بعدد كبير منها.

سينماتك في 4 يناير 2012

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)