حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

المخرج الراحل مصطفى أبو علي تحدث عن تجرِبَته وانطباعاتِه

بعض الأفلام الفلسطينية عبَّرت وبكفاءة عن المعاناة وبعضها حادت قليلاً أو كثيراً

سلفيت/ فلسطين ـ علاء الدين عيّاش*/ خاص بـ"سينماتك"

لم أكن أتخيل أنني سألتقي- يوماً ما- بأبي السينما الفلسطينية، "المرحوم" المخرج الفلسطيني الكبير، مصطفى أبو علي، ولم أكن أتخيل أنني سألتقي به مرة أخرى بعد سنة ونصف تقريباً من اللقاء الأول، لكن هذه المرة التقيته ميِّتاً.

كان مصطفى أبو علي قد ولد في بلدة المالحة قضاء القدس عام 1940، درس السينما في لندن وتخرج عام 1967، عمل مخرجاً منذ ذلك الوقت، وكان أحد مؤسسي السينما الفلسطينية منذ عام 1968، وأسس مؤسسة السينما الفلسطينية في بيروت عام 1971، ثم أسس جماعة السينما الفلسطينية في بيروت عام 1972، وأعاد تأسيسها مرة أخرى في رام الله عام 2004، وكان يترأسها إلى أنْ وافته المنية بتاريخ 30-7-2009، انتخب عضواً في الهيئة الإدارية لاتحاد السينمائيين التسجيليين العرب، وألَّف بالاشتراك مع الناقد والمؤرخ السينمائي حسّان أبو غنيمة كتاب" عن السينما الفلسطينية"، وأخرج حوالي 30 فيلماً، وكتب أربعة سيناريوهات لأفلام روائية طويلة، وحصل على 14 جائزة لأفلامه في مهرجانات دولية، وجائزة تكريم لجميع أعماله من مهرجان الإسماعيلية عام 2003، وكان عضو لجنة التحكيم في مهرجان الجزيرة الثاني2006 .

بداية معرفتي به كانت عندما بدأْتُ أُحضر لرسالة الماجستير، التي تناولتُ فيها الأفلام التسجيلية الفلسطينية، إذ إنني حصلت على ايميله الخاص من أحد المخرجين الفلسطينيين، وفي الرسالة الأولى التي أرسلتها له عرَّفتَه عن نفسي وعن طبيعة دراستي، فرد على الرسالة سريعاً، علماً أنني كنت متواجداً في مصر؛ لاستكمال الدراسة، ففي رده على رسالتي رحَّب بي، بكلمات شعرت من خلالها بالدفء والحميمية والتواضع، وتتابعت الرسائل عبر البريد الإلكتروني، محاولاً مساعدتي بكل ما أحتاج بما يتعلق بالسينما والأفلام التسجيلية الفلسطينية، إلى أن رجعت إلى فلسطين.

بعد وصولي فلسطين بيومين اتصلت به هاتفياً واتفقنا على موعد لقاء في رام الله، وذهبت على الموعد للقائه في دوّار المنارة، ولم أكن أعرفه بالشكل، المهم التقينا، ودعاني على فنجان قهوة صباحي، في إحدى المقاهي القريبة، وخلال اللقاء تحدثنا كثيراً عن الأفلام، وعن بدايات السينما الفلسطينية، بل وعن تجربته الخاصة في بيروت وسينما الثورة الفلسطينية التي كان يترأسها، وتتابعت اللقاءات في رام الله، وعبر البريد الإلكتروني عندما سافرت إلى مصر مرة أخرى.

ننسب الفيلم للمخرج الفلسطيني، ولكن...

في أحد اللقاءات أجريت معه مقابلة وحواراً طويلاً، حول السينما الفلسطينية، والأفلام التسجيلية الفلسطينية، ومشكلاتها وأهم إنجازاتها وجهات إنتاج هذه الأفلام وتمويلها...وفيما يتعلق بتعريفه للفيلم التسجيلي الفلسطيني ولمن ينسب، رد المرحوم مصطفى أبو علي قائلاً: "الفيلم التسجيلي الفلسطيني مثله مثل الأفلام التسجيلية الأخرى، والتي تعتمد على تصوير الواقع، أو ما يتم اختياره من ذلك الواقع. ويمكن لهذا النوع من الأفلام أن ينقل الواقع كما هو أو أن ينقله بتدخل صانع الفيلم وعبر وجهة نظره الخاصة. وينسب الفيلم، عادة، لجنسية المنتج– ولكننا في فلسطين، نسمح لأنفسنا بتجاوز هذا الأمر المتعارف عليه، وننسب الفيلم للمخرج الفلسطيني، ولكنَّ هذا النسب الذي نفضله، لا يغير من حقيقة الوضع القانوني للفيلم".

وفي رده على سؤالي عن مدى قدرة الأفلام التسجيلية الفلسطينية في التعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني، ومدى خدمة هذه الأفلام للقضية الفلسطينية، قال:" إلى حد ما عبَّرَت عن المعاناة وخدمت القضية الفلسطينية، فبعض هذه الأفلام عبَّرت وبكفاءة عن معاناة الشعب الفلسطيني، وبعضها الآخر حادت قليلاً أو كثيراً– خاصة تلك الأفلام التي مُوِّلت من جهات غير فلسطينية".

المخرج المرحوم مصطفى أبو علي كان يترأس جماعة السينما الفلسطينية في عام 1973م منذ بداياتها، إذ تم إنشاء هذه الجماعة؛ لتكون تجمعاً بديلاً عن أقسام السينما التابعة للفصائل الفلسطينية، وانضمت إلى "مركز الأبحاث الفلسطينية" ببيروت، وضمت السينمائيين العاملين في التنظيمات الفلسطينية كافة، وعدداً من السينمائيين التقدميين العرب، وكانت هذه الجماعة قد حملت آمالاً كبرى، لكنها توقفت عام 1974م؛ لأسباب تنظيمية، وقد شكل انهيارها دليلاً على عدم اهتمام القيادات بالعمل السينمائي المجدي.

أعادت مجموعة من السينمائيين الفلسطينيين المهتمين تشكيل "جماعة السينما الفلسطينية"، وتسجيلها رسمياً، وتأهيلها لتحقيق أهدافها؛ لتكون مؤسسة مستقلة مدنية غير ربحية، وكان ذلك استجابة للدعوة التي وجهها المخرج المرحوم أمين سر الجماعة ( سابقاً) بضرورة إعادة تشكيل الجماعة مجدداً في فلسطين؛ وذلك لعدم وجود أية جهة في فلسطين سواء رسمية أو مدنية أو أهلية، تعتني بالنشاط السينمائي، والآن يترأسها المخرج يحيى بركات.

ليس من مصلحة السينما الفلسطينية إشراف الجهات الرسمية

ورجوعاً إلى المقابلة والحوار مع المرحوم مصطفى أبوعلي، قال عن الدعم الذي يتلقاه المخرجون الفلسطينيون لإنتاج أفلامهم:" إن السينما الفلسطينية عموماً، تسجيلية وروائية، تفتقد الدعم الفلسطيني، إذ لا توجد جهات قادرة– لا أقول راغبة– على تقديم هذا الدعم، ومن أهدافنا في جماعة السينما الفلسطينية إنشاء (صندوق الفيلم)؛ لتوفير هذا الدعم".

كما تحدث عن مضمون الأفلام التسجيلية الفلسطينية وشكلها، إذن قال:" إن مضمون هذه الأفلام مرتبط بشكل وثيق بالحياة الفلسطينية"، أما عن الشكل، فقال:" لم أشاهد إلا القليل جداً من محاولات تطوير لغة سينمائية خاصة لدى السينمائيين الفلسطينيين". وأشار إلى الإشراف على الأفلام الفلسطينية، أنه ليس من مصلحة السينما الفلسطينية أن تكون هناك "جهات رسمية مشرفة"، فهذا قد يؤدي إلى نوع من الرقابة– ولكننا بحاجة إلى جهات رسمية وأهلية تقدم العون، وتمكِّن السينمائيين الفلسطينيين من التعبير الحر عن أنفسهم.

ويضيف المرحوم أبو علي:" يمكن القول إنه لا توجد جهة فلسطينية محددة يمكن الإشارة إليها كممول للأفلام التسجيلية الفلسطينية، فربما تقوم مؤسسة ما بتمويل فيلم أو المساهمة بتمويل فيلم، ولكن هذا يأتي غالباً نتيجة مبادرة من أحد المخرجين أو المخرجات نحو تلك المؤسسة، وليس نتيجة خطة لدى المؤسسة، إذ حصل البعض على تمويل أوروبي لمرحلةٍ ما من الإنتاج، ولكن هذا يحصل غالباً لمرة واحدة، ونادراً ما يتكرر".

وعن مدى تأثير هوية الجهة المنتجة على الأفلام التسجيلية الفلسطينية قال المرحوم أبو علي:" لجميع الجهات المنتجة أو الممولة متطلبات، حتى لا نقول شروط، ترغب في تلبيتها من السينمائيين، ولا تمنح التمويل إلا بتلبية هذه المتطلبات، وهذا ينطبق على التمويل الأجنبي، وعلى التمويل الإسرائيلي لبعض المخرجين الفلسطينيين، داخل الخط الأخضر، أيضا ً".

للأسف، لا يوجد لدينا نقّاد سينمائيون...

وتحدث عن مستوى مشاركة الأفلام الفلسطينية في المهرجانات الدولية والعربية، فقال:" كثير من الأفلام الفلسطينية شاركت في مهرجانات عربية ودولية، ونالت جوائز مختلفة، مما يدل على مستواها الجيد، باستثناء تلك الجوائز التي تمنح من باب التضامن لبعض الأفلام، والتي يمكن أن تكون ذات مستوى أقل من جيد". وحول مستوى النقد الفني السينمائي للأفلام التسجيلية الفلسطينية، قال:" للأسف، لا يوجد لدينا نقاد سينمائيون، مع أنه يوجد بعض الصحفيين الذين يكتبون عن الأفلام، ولكن هؤلاء يركزون على مضمون الفيلم فقط، ولا يتطرقون للجوانب الفنية فيه".

وكما قال:" يمكن النهوض بمستوى الأفلام التسجيلية الفلسطينية من ناحية الشكل والمضمون بتوفير الفرص لعمل أفلام تسجيلية لأكثر عدد من السينمائيين الراغبين في هذا النوع من التعبير السينمائي، فهذا سيوفر لهم الفرصة لاختبار وسيلتهم وتطوير لغتهم السينمائية، فالسينما ممارسة بقدر ما هي نظرية"، وعن مستقبل السينما الفلسطينية، وخاصة الأفلام التسجيلية، قال المرحوم أبو علي،:" أتوقع مستقبلاً أفضل، خاصة مع التطور التكنولوجي، وانتشار ال (ديجيتال فيديو) سواء في عمليات التصوير أو المونتاج، بالتالي أصبح من الممكن الاختصار في النفقات والوقت بشكل كبير جداً؛ فلا ضرورة للتصوير بفيلم سينمائي 35 ملم أو 16 ملم، كما كان متبعاً، وهي عملية مكلفة جداً، إذ أصبح بالإمكان التصوير بالفيديو الرقمي، وتحويل المادة المصورة إلى فيلم سينمائي وبكفاءة عالية". وكما يرى أبو علي فإنه": بفضل الديجيتال استغنينا عن عملية التحويل إلى فيلم سينمائي، إذ أصبح ما يعرف بـ(Digital Video Disk) وسيلة للعرض في دور السينما، وحتى في المكتب أو المؤسسة أو البيت".

وعن الأفلام التسجيلية الفلسطينية وأرشفتها، قال:" إن هناك جهوداً تُبذل من جماعة السينما الفلسطينية (50 عضواً حتى بداية آذار 2008) في اتجاه إنشاء أرشيف الفيلم الفلسطيني وصندوق السينما، وإذا تكللت جهود هذه الجماعة بالنجاح، فإنها ستكون علامة بارزة لبدء مرحلة جديدة".

من هنا نقول إن السينما الفلسطينية خسرت مناضلاً سينمائياً كبيراً، أفنى حياته في خدمة القضية الفلسطينية، من خلال السينما والأفلام، وأرسى قواعد مهمة في تاريخ السينما الفلسطينية وعمل على بناء جيل سينمائي قادر على حمل الراية لمواصلة النضال بالصورة ونقل الواقع.

*باحث إعلامي فلسطيني يقيم في بلدة سلفيت

alaaayyash@gmail.com

سينماتك في 06 يناير 2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)