حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مدخل الى  العنف والجريمة في السينما الأمريكية

النسق علامي لخطاب العنف السينمائي قوامه ثلاثة اركان هي: المجرم / الضحية / رجل القانون

بروكسل ـ د.طاهر علوان/ خاص بـ"سينماتك" *

مبدعون في سينماتك

·   قدمت السينما الأمريكية صورة رجل العصابات على خلفية الهزات الأجتماعية الكبرى كالحرب الأهلية والكساد والحربين العالميتين

·   انتجت هوليوود المخبر المحنك ثم مالبثت ان طورته فيما عرف بأيقونة الذكر الأمريكي  (American Masculine Icon)وهو الذي بدأ تجسيده ابتداء من اواخر الستينيات 

يشكل خطاب العنف والجريمة في السينما الأمريكية مرحلة مهمة في مسار هذه  التجربة السينمائية وتاريخ المنجز السينمائي في العالم بشكل عام . فقد عكست هذه التجربة مكونات ابداعية وايديولوجية وقدمت نماذج من الأفلام التي تنطوي على التنوع فضلا عن غزارة ماانتج حتى اعتادت المجتمعات المعاصرة على استهلاك هذا الكم من افلام العنف والجريمة وتأثرت الأجيال ايما تأثر بخطابها وشخصياتها وان لم تتأثر فهي تعلم وتألف اسماء ووجوه وافعال نجومها والقصص التي تحملها  . ومن جانب آخر فقد واكبت سينما العنف والجريمة الأمريكية مراحل مهمة من التاريخ  الأمريكي وتأثرت وأثرت في العديد من تلك المراحل الساخنة كالحروب والأزمات الأجتماعية يضاف لهذا ان تلك الأزمات القت بظلالها على النظام الأنتاجي لهوليوود من جهة وعززت من قوة (النوع ) الذي تمثل في العنف والجريمة فضلا على تأسيس انواع فرعية Sub Genre)) مثل افلام الشرطي والمخبر والتحري السري وافلام السجن وافلام رجال العصابات و افلام الألغاز والغموض

ومما لاشك فيه ان البحث في اشكالية العنف والجريمة في الفيلم الأمريكي تتطلب وعيا للآلية التي تشكلت من خلالها هذه الظاهرة وتبلور من خلالها ذلك الخطاب. اذ لايمكن واقعيا فصل منجز السينما عن المكونات التي اسهمت في تشكيل العقل الأمريكي ثم  اسهمت في تشكيل الثقافة الأمريكية و الفيلم ايضا وخاصة فيلم  الجريمة والعنف. ومن هنا فأن ثمة ترابطات اجتماعية وايديولوجية قد شكلت مستوى ونوع واتجاهات ذلك الفيلم. وهنا تصدق قراءات العديد من المفكرين المتخصصين في الثقافة الأمريكية و القائلين انه  لايمكن قراءة العقل الأمريكي دون قراءة مفهوم العنف المرافق له ، فهذه الأمة وجدت نفسها منذ نشأتها وجها لوجه مع العنف سواء في تأسيس المجتمع او في تحديد اولوياته او في الصراع من اجل البقاء من خلال السيطرة على الأرض والثروة لبناء ما عرف بالعالم الجديد باستكشاف القارة واستيطانها .

تحولات تاريخية

ان التحولات التاريخية التي شهدتها هذه الثقافة وهذا العقل تثبت لنا اجواء العنف التي ولدت في كنفها ابتداء من المواجهة مع شعب الهنود الحمر اذ تقدم لنا الوثائق صورة ما كان من امر تلك الحقبة من عنف ومأساة ويكفي ان نقرأ مثلا هذه السطور التي كتبها زعيم الهنود الحمر سياتل سنة 1854 لنستدل على بذور العنف في مسار تلك الثقافة وذلك العقل، يقول:" لقد مضى زمن كان فيه شعبي ينتشر فوق هذه الأراضي تماما مثلما تغطي مياه البحر المائج قاعه المرصوف بالقواقع والأصداف، بيد ان الوقت قد ولى الى غير رجعة مع عظمة القبائل وعنفوانها التي لم يبق منها الا ذكريات حزينة . ان ربكم ليس ربا لنا ، ان ربكم يحب شعبكم ويكره شعبي . انه يحيط البيض بذراعيه ليدفع عنهم الشر والأذى  ويقودهم بيده مثلما يقود الأب طفله الصغير ولكنه نبذ ابناءه الحمر واشاح بوجهه عنهم، ان المصير الأسود يتعقب مسيرة الرجل الأحمر، وحيثما يذهب ستلاحقه خطى محطمة وسيستعد بسكون واذعان لمواجهة مصيره المحتوم  عندما يهلك آخر رجل من الهنود الحمر، وتصبح ذكرى قبيلتي مجرد اسطورة يتداولها الرجل الأبيض ، فأن هذه السواحل ستعج بأشباح ابناء قبيلتي"

واذا كان هذا المشهد يجسم لنا واقع العنف الذي اكتنف العلاقة مع امة الهنود الحمر فقد كانت العلاقة مع الملونين وبالأخص السود منهم  هي الوجه  الآخر من اوجه تكوين ذلك العقل وتلك الثقافة من خلال تعامل  المجتمع الأمريكي مع شريحة محددة جيء بها تباعا ضمن نظام الرق والسخرة التي اعتمدتها الولايات الأمريكية في بواكير نشأتها وتطورها . ويجمع الباحثون في  التاريخ الأمريكي على ان ماعرف ب(ألتماس ووكر)  الذي كتبه احد الزعماء السود المدعو (ديفيد ووكر ) سنة 1829 على انها الوثيقة الأسوأ سمعة في التاريخ الأمريكي التي تكشف حقائق فضيعة لنظام التمييز العنصري والعرقي وضروب المهانة التي كان السود يتلقونها. 

<< قدمت السينما الأمريكية صورة رجل العصابات الذي اعتاد عليه المجتمع الأمريكي على خلفية الهزات الأجتماعية الكبيرة كالحرب الأهلية والكساد والحربين العالميتين >> 

ولقد كانت الأزمات هي الوجه الآخر من اوجه تشكل ثقافة العنف والجريمة في المجتمع الأمريكي وتبرز الحرب الأهلية الأمريكية كواحدة من اشد الأزمات وطأة التي رسخت العنف في العقل الأمريكي حيث  كانت هذه الحرب صراعا بين قوتين هما :الرأسمالية الصناعية في الشمال وهي الطموحة الطامعة بكل تقاليد ورؤى عصر الصناعة وبين الرأسمالية الزراعية في الجنوب حيث مالكو العبيد

تتضح ملامح العنف في المجتمع الأمريكي بالأضافة الى مااوردناه فيما يتعلق بالفكر والفلسفة والأدب والأقتصاد والحروب ، تتضح من خلال خصائص هذا المجتمع المندفع نحو الحداثة والتكنولوجيا . ولعل هذا الأندفاع انما هو جزء من منظومة سياسية تحكم هذا المجتمع وتشكل ملامح العنف فيه . وعلى هذا فأن المنطلق الأول في تتبع مسألة العنف في الذاكرة الجماعية للمجتمع يتجلى من خلال تتبع المنظومة السياسية في اطارها العام. فلقد درجت العادة منذ ماكس فيبر على تصنيف اشكال المنظومة  السياسية في انماط ثلاثة هي : السيطرة التقليدية , وتقوم على الأعتقاد بقدسية التقليد وسيطرة الزعامة : وتقوم على الولاء لشخص .والسيطرة العقلانية وهي بحسب ماكس فيبر اكثرها توافقا مع المجتمع الحديث وتقوم على مبدأ الشرعية المعترف به .

الجذور الثقافية للعنف في السينما الأمريكية

وعلى هذا  فأن انتاج المعنى في خطاب الجريمة والعنف في هذا الفيلم لايمكن فصله عن الجذور والأمتدادات الثقافية المجاورة التي اسهمت في تشكيل الوعي وظهور اجيال المؤلفين الذين شكلوا بمنجزهم فيما بعد المادة الأدبية للموضوعات السينمائية . ان هذا التواشج بين رواية الجريمة والعنف والسينما انما يؤكد هوية ثقافية محددة الملامح فيما يخص الثقافة الأمريكية فلقد كانت العوامل المؤثرة في نشأة وظهور خطاب الجريمة في الرواية الأمريكية هي نفسها التي تغلغلت في الوعي واللاوعي الجمعي الأمريكي بمعنى وجود العوامل المشتركة والتجارب والخبرات المشتركة التي اسهمت في رسم ملامح ادب الجريمة . ولقد وفر هذا الضرب من الروايات مادة اولية للسينمائيين عبر الأجيال السينمائية اللاحقة في كون الرواية والقصة تصويرا مبدعا للأحداث والشخصيات والمكان والبيئة ونقلا لصور من تطور الحياة وانماط العيش وطريقة التفكير والأزمات والمراحل التي مرت بها الحياة الأمريكية.

لقد كان هنالك ( نوع ( Genre من الأدب هو ادب  الجريمة الذي تعامل مع الجرائمِ، حياة المجرمين ، السجون ، التحري ، الضحايا ، ادوات الجريمة ، الدوافع النفسية والعقلية للعنف والجريمة وغيرها . انه ادب تميز عن الأشكال السردية السائدة  الأخرى مثل الخيال العلمي أَو الروايات التأريخيةِ، من نواحي الموضوعات المطروحة وطريقة المعالجة واهداف وخصائص السرد في كل نوع.

وكان هذا الأدب موضع اهتمام ودراسة العديد من الباحثين والدارسين المرموقين ومنهم   العالمان جاك ديريدا وجان لاكان اللذين درسا وحللا اعمال " ادجار الن بو"  رائد قصة الجريمة في الأدب الأمريكي .

نشأة الرواية البوليسية

ولقد كانت ولادة الرواية البوليسية كنوع متميز قد اقترنت زمنيا بالقرن التاسع عشرِ ، برسوخ قصة المخبرِ وكان النجاحِ اللاحق للرواية البوليسيةِ بعد ( ادجار بو)  ومدرسته يعود الى ظهور سلسلة شرلوك هولمز   التي سرعان ما تمتعت بشعبية واسعة وتغلغلت ملامحها وبناؤها الفني في اعمال العديد من الروائيين اللاحقين

لقد توفرت عوامل عدة اسهمت في تطور ادب العنف والجريمة منها تطور وسائل إلأعلام ألأمريكية في النصف الأخير للقرن التاسع عشر ، هذا التطور كان له  دور حاسم في انتشار قصص وروايات  الجريمة والأنواعِ المقاربة  لها ورسوخ هذا النوع كنوع من الثقافة الشعبية والأدب الشعبي وعزز ذلك ظهور المجلات الشعبية المتخصصة بهذا النوع ومنها : "ستاندارد وهاربر" السريعة فيما تعد مجلة القناع الأسود (The Black Mask Mag.)هي المجلة  الأكثر أهميةً في العشريناتِ في تشجيع وتسويق النوع الجديد لقصص العنف و الجريمة وكان من المع كتابها داشيل هاميت ، و بول كين (جورج سمس) و رايموند جاندلر وهوراس مكوي وهم في طليعة من رسخوا هذا النوع من الأبداع . ولقد ترسخ ايضا نوع من ادب العنف والجريمة عرف ب  ( Hard boiled) وهو نوع من قصة الجريمة إبتكر من قبل هاميت، وترسخ على يد  رايموند شاندلر.

وبالأضافة لكل ماذكر فقد كانت قصصِ شرلوك هولمز والتي نشرت  في 1890  كانت نقطة البداية  في تحليل قصةِ المخبرِ الكلاسيكيةِ بل انها بحق بمثابة العصر الذهبي لقصة المخبر التي إزدهرت في السنوات الأولى من القرنِ العشرينِ. وقدسار  على خطى مؤلفها (دويل )العديد من كتاب القصة والرواية البوليسية.

ظهورالسينما والفيلم الصامت

وكانت اجواء ظهور السينما والأفلام الصامتة الأولى في السينما الأمركية هي اجواء ازدهار وانتعاش كل هذه الأنواع الأدبية لرواية وقصة الجريمة بأشكال وانماط معالجاتها . لقد وفرت هذه الروايات الأرضية لقارئ لا يعلم شيئا عن  صنعة البناء السردي لهذا الضرب من الأبداع وقد عززت ذلك النزعة التجارية التي اطرت هذا النوع من الكتابة من خلال تقريبه من السواد الأعظم من الناس من خلال المجلات المتخصصة بأدب الجريمة والتي جعلت من هذا الأدب الرصين والذي لايختلف عن اي ابداع ادبي متكامل الخواص ، جعلت منه نوعا شعبيا خالصا .

لقد قدمت السينما منذ بواكيرها صورة رجل العصابات الذي اعتاد عليه المجتمع الأمريكي على خلفية الهزات الأجتماعية الكبيرة كالحرب الأهلية والكساد والحربين العالميتين حيث كان هنالك تسارع انتاجي شجع عليه تعزيز فيلم الجريمة بالمكونات التقنية المبكرة ومن ابرزها دخول الصوت الذي شكل دعامة مهمة في تعزيز البناء السردي للفيلم.وكان ذلك مؤشرا لأستراتيجية انتاج المعنى في فيلم الجريمة والعنف من خلال رسوخ الفيلم البوليسي الذي شهد نموا في الثلاثينيات والأربعينيات ليتوج بظهور نوع الفيلم السوداوي Film-  Noir الذي شكل نقلة نوعية في فيلم الجريمة والعنف بعد سقوط نظام الأستوديو وانطلاق المطالبة بالمساواة والحرية المدنية بعد الحرب العالمية الثانية وانطلاق الحركات النسائية. وبذلك تكون نسق علامي للخطاب السينمائي قوامه ثلاثة اركان هي: المجرم / الضحية / رجل القانون، وكان من ملامح هذا النسق ثلاثي الأركان هو القبض على المجرم بعدما سادت الفيلم الصامت ثنائية المجرم والضحية.

ايقونة الذكر الأمريكي

لقد صار فيلم الجريمة والعنف بعد هذا الذي اصبح عليه موضوعا لدراسات الأيديولوجيا وعلم الأجتماع والحركات النسوية  Feminismوبذلك انتجت هوليوود نسقا موازيا قوامه المخبر المحنك ثم مالبثت ان طورته فيما عرف بأيقونة الذكر الأمريكي  (American Masculine Icon)وهو الذي بدأ تجسيده ابتداء من اواخر الستينيات ، وهو نسق منتج لمعنى التفوق من خلال القدرات البدنية العالية للجندر (Gender) الأبيض الذي ظهر لاحقا في نماذج سلفستر ستالون وارنولد وفان دام . وظهر الشرطي المتفوق الذي لايقهر ثم الشرطي المسند بالتكنولوجيا والطائرات والأجهزة ، والشرطي المعبر عن فكرة العولمة في مقاومة الأرهاب عبر القارات وهو ماقدمته افلام الثمانينيات والتسعينيات وماشهدته من ادماج العنف والجريمة بالجنس . ولذا ركزنا على هذه الحقبة المهمة المعبرة  عن هذه الذكورية المنتجة للعنف والجريمة ، عالية الأحتراف والتي تتمتع برواج جماهيري وانتشار غير مسبوق يضاف الى المستوى الأنتاجي والأخراجي العالي الذي انتجت من خلاله هذه الأفلام  وهي في كل حال افلام تمتد على مساحة نصف قرن ابتداءا من الخمسينيات وانتهاءا بالتسعينيات وهي مدة النصف قرن التي انتجت ورسخت فيلم الجريمة والعنف الأمريكي بمضاعفاته الأيديولوجية والأجتماعية والسياسية ونشرت على اوسع نطاق نسقا سمعبصريا لشخصية الذكر الأبيض المتفوق الذي يعبر عن اهداف كبيرة يتحدث عنها الساسة فيما يخص نشر القيم ومن ذلك ظهور الشرطي المضحي من اجل انقاذ الآخرين .

العنف والجريمة في الفيلم الأمريكي في المرحلة الصامتة

لقد كانت الوفرة التي تميزت بها الكتابة عن الجريمة امرا ملفتا للنظر حقا على صعيد الثقافة الأمريكية الشعبية فلايمكن النظر الى المنجز الأدبي هنا دون النظر في روايات وقصص المخبر والشرطي السري ودون النظر في مكونات الجريمة المنظمة وما عرف بروايات غرف المحاكمات فضلا على روايات وقصص الغرف المغلقة حيث يتم التخطيط للجريمة او تنفيذها بعيدا عن الأنظار.

وكانت اجواء ظهور السينما والأفلام الصامتة الأولى في السينما الأمريكية هي اجواء ازدهار وانتعاش كل هذه الأنواع الأدبية لرواية وقصص الجريمة بأشكال وانماط معالجاتها. لقد وفرت هذه الكثافة من الروايات على يد ادكار بو وشاندلر وداشيل هاميت وكونان دويل وديفيد كودس وجستر هايمس وغيرهم وفرت الأرضية لقارئ لا يعلم شيئا عن صنعة البناء السردي لهذا الضرب من الأبداع وقد عززت ذلك النزعة التجارية التي اطرت هذا النوع من الكتابة من خلال تقريبه من السواد الأعظم من الناس من خلال المجلات المتخصصة بأدب الجريمة والتي جعلت من هذا الأدب الرصين والذي لايختلف عن اي ابداع ادبي متكامل الخواص، جعلت منه نوعا شعبيا خالصا.ونخلص من هذا ان الأجواء الأجتماعية والفكرية والنفسية كانت مهيأة لآطلاق فيلم الجريمة مع بدايات السينما ومرحلتها الصامتة.

لقد درس اثنان من اهم الباحثين في مجال الفيلم الصامت وهما كل من ( لانكمان وفين) الخواص التي ميزت هذا الفيلم والأفكار التي حملها من خلال مايقرب من 2000 فيلم صامت ووثائقي وقصير وهي تمتد من1890 الى الـ1930، بالرغم من ان قسما كبيرا من هذه الأفلام لم يكن متوفرا فعلا بالشكل الذي يمكن الأستفادة منه عند التحليل. وفي كل الأحوال فأن تاريخ السينما بنسخه المتعددة ومؤلفيه الكثر لم يغفل هذه الحقبة من تاريخ الفيلم الصامت لكن المسألة هنا تتعلق بما نحن بصدده من دراسة الفيلم الصامت من خلال نوع محدد وهو فيلم الجريمة.

يذهب لانكمان وفين في قراءتهما لحقبة الفيلم الصامت الى المقدمة الموجزة والملفتة الآتية التي تكشف شكل ومحتوى فيلم الجريمة وهو يخطو خطواته الأولى ليصنع لنفسه نوعا مميزا: لنتخيل عالما بدون قتلة محترفين، بدون عصابات أَو جريمة منظمة، بدون قتلة موتورينِ   يشوهون أَو يقطّعون ضحاياهم، وعالم يبدو للعيان بدون أسلحة وعمليات قتل جماعي دون ادنى اكتراث. هذا هو العالم الذي كان قد صور أثناء السَنَوات الأولى من الأفلام الصامتة فالمخرجون وكتاب السيناريو وغيرهم لمِ يكونوا يعنون في تلك الفترة بالسماتِ القذرة المعتادة للجريمة؛ وعليه يمكننا القول، ان أغلب الجرائمِ التي ظهرت  على الشاشة في تلك الفترة كَانت مقبولة  نسبيا إن لم تكن غير عنفية.و أولئك الذين صنعوا أفلام الجريمة المبكرة اكتشفوا وجربوا عالما مختلفا عن الذي نراه اليوم

ويبدو ماقاله الباحثان مقبولا وحيث ان رؤيتهما هي رؤية يمكن تبريرها على اية حال اذا ما قورن فيلم الجريمة في حقبته الصامتة مع نظيره في الحقب التالية. وبشكل عام فأن مراجعة عينات من هذه الأفلام في تلك الحقبة المبكرة من تاريخ الفيلم تقدم لنا خلاصة مفادها ان أفلام الجريمة في تلك الحقبة قد ركزت  وبصورة رئيسية على انحرافات ومخالفات اجتماعية وقانونية دون ان تقدم  افلام الجريمة في شكلها الدامي والبشع القائم على القتل والسادية ، و بضمن ذلك السرقة، وبالأخص السرقات البسيطة، والغش والأحتيال والهرب من السجن. خذ افلاما مثل ( توماس أي. موقوف في الحيّ الصيني) وسان فرانسيسكو، ويعودان للعام (1897)، على سبيل المثال،يظهران شرطيين يضِعان رجلا صينيا في عربة يجرها حصان ومكتوب على العربة اسم (الشرطة). فيلم لصوص الدجاجِ الذي يعود للعام (1897) عالج موضوعَ الجريمةِ أيضاً ولكن في اطار مبسط، كما هو فيلم اللص الذي انتج سنة (1898)، ثم فيلم اللص في غرفة النوم سنة (1898) ايضا واللص على السقفِ (1898)،و كلها كانت من أنتاج شركة اديسون. وفي السنة نفسها قامت الشركة نفسها بالتوسع في موضوع المغامرات التي يخوضها اللص من خلال فيلم الشحاذ المزيف (1898). ثم فيلم اللِص والعانس(1898). وفي فيلم في الليل (1899) هنالك  إمرأة في صالون تسرق محفظتَها.

والخلاصة عن هذه المرحلة المبكرة ان ليس هنالك عنف ولا جريمة تهز كيان المجتمع او تتسبب في احداث اضرار فادحة.

لكن ومع نهاية القرن، بدأت  الأفلام بالتعامل مع الجرائم الأشد خطورة. فمثلا ان فيلم المختطف (1903)، يصور إختطاف طفل وعندما يحاول الطفل الهرب، يخلع المختطف ملابسه ويبدأ بضربه. ويعد فيلم السادة قطاع الطرق (1905) أحد اهم افلام الجريمة. وبهذه الصورة تأسس نوع محدد ومميز هو فيلم الجريمة والعنف.وهذه الأفلام وغيرها هي مجرد عينات يتحدث عنها مؤرخو السينما وتقدم الموسوعات الفيلمية (على اقراص دي في دي) نماذج منها في مايشبه كرونولوجيا السينما الأمريكية ، لكن الكثيرين لايتوقفون عندها كثيرا في وسط الأهتمام بانواع فيلمية اخرى او الأنشغال بتاريخ السينما الأمريكية ونشأة نظام النجوم بشكل عام .

يتبع في مقالات اخرى ......................

ملاحظة:

هذا المقال هو (جزء من دراسة مطولة هي مشروع كتاب عن خطاب  العنف والجريمة في السينما الأمريكية).

* ينشر بالتعاون مع ورشة سينما : خاص – بروكسل

www.cineworkinst.eu

سينماتك في 11 مايو 2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)