جديد الموقع

 
 
 

عنوان الصفحة:

مجلة «عالم الكتاب»: هاشم النحاس.. ناسك السينما التسجيلية (ملف خاص)

 
 
 
 
 
غلاف أغسطس 2018
 
 

 

 

مجلة «عالم الكتاب»:

هاشم النحاس.. ناسك السينما التسجيلية

 

(ملف خاص)

أعدته الناقدة نرمين يُسر

(تصدر عن الهيئة العامة للكتاب.. رئيس التحرير د. زين عبد الهادي .. مديرا التحرير وائل سعيد - سناء عبد العزيز)

 
 
 
 
 
 

عناوين الملف

 

 

 

 

 

·      أفكار ضد الرصاص لهاشم النحاس

ايمن الحكيم
   

·      هاشم النحاس: السينما التسجيلية أصل الصورة (مقدمة)

نرمين يسر
   

·      هاشم النحاس: أثر السينمائي وحماس الناقد

ناهد صلاح
   

·      هاشم النحاس.. فنان أنطق الصورة

داليا همام
   

·      هاشم النحاس.. ناسك السينما التسجيلية

د.خالد عاشور
   

·      هاشم النحاس ناقداً

مي التلمساني
   

·      هاشم النحاس: العاشق المخلص للسينما التسجيلية

فايزة هنداوي
   

·      هاشم النحاس.. ناقدا

عصام زكريا
   

·      نعم.. هذا هو عيشنا

محمد سيد عبدالرحيم
   

·      هاشم النحاس.. العين التي ترى ما لا تراه العين المجردة (حوار)

عبدالله شاهر
   

·      النقد السينمائى عند هاشم النحاس

حسام حافظ
   
 
 
 
 
 
     
 

 

أيمن الحكيم

رئيس التحرير

 

 
 
 

أفكار ضد الرصاص لهاشم النحاس

 
 

كل مشاكل السينما المصرية وأزماتها المزمنة يمكن حلها خلال 50 دقيقة فقط لا غير، أتكلم جادا لا هازلا، وبصدق كامل لا أثر للسخرية فيه، والدقائق الخمسون هي المدة المطلوبة لقراءة 79 صفحة كتبها هاشم النحاس قبل 21 عاما، وأودعها في كتيب صغير صدر عن جمعية (النداء الجديد) التي أسسها د.سعيد النجار في سنوات التسعينيات، وكان يصدر عنها دراسات دورية جادة تحت عنوان(رسائل النداء الجديد).

وفي واحدة من تلك الرسائل (تحمل رقم 40 في السلسلة) كتب هاشم النحاس تلك الدراسة المكثفة المتخمة بالمعلومات والتحليلات والاقتراحات التي مازالت صالحة لإثارة الدهشة وحل أزمات السينما المزمنة.

هذه الدراسة شديدة الأهمية تحمل عنوان (السينما والدولة.. من القطاع العام إلي القطاع الخاص.. نظرة مستقبلية)، أودعها هاشم النحاس عصارة خبراته وتجاربه وثقافته.. وعشقه الخالص للسينما، وكل من يعيد قراءتها الآن لابد أن يسأل بغضب: كيف دارت السينما المصرية كل تلك السنوات الطويلة في تلك الدائرة الجهنمية بلا طائل ولم تلتفت إلي الحلول السحرية التي قدمها هاشم النحاس عام 1997؟

في دراسته القيمة، يقدم هاشم النحاس تحليلا مبهرا لتجربة (تأميم السينما) وتدخل الدولة في الإنتاج السينمائي عبر مؤسسة السينما في السنوات بين 1963 و1971، ويشرح رحلة الصعود والانهيار بمعلومات موثقة وشهادات رسمية، ويسوق الأسباب التي أدت إلي فشل التجربة، وبينها وقائع مثيرة ربما لم يسمع عنها كثيرون. منها مثلا ما يصل إلي الفضيحة، مجسدا في فيلم (أفراح بعلبك) التي تدخلت جهات ما ليكون إنتاجا مشتركا بين المؤسسة وبين الصحفي اللبناني سعيد فريحه، وبتعليمات من وزير الثقافة حينها جري صرف دفعات من الميزانية لحساب الشركة التي أسسها فريحه، وجري تصوير استعراضات الفيلم قبل أن يكون هناك سيناريو أصلا، وجري ترشيح الفنانة صباح لبطولة الفيلم، ثم صدر فجأة قرار باستبعادها بعد اتهامها بالإساءة إلي سمعة مصر في تصريحات صحفية، ثم توقف تصوير الفيلم وضاعت فلوس المؤسسة، وتبين أن الهدف منه كان توجيه دعم غير مباشر للصحفي اللبناني مكافأة له علي تأييد صحفه ومجلاته للنظام السياسي في مصر حينذاك!

وبعد أن يقدم هاشم النحاس تحليلاته المبهرة لأسباب فشل مؤسسة السينما، وأسباب تعثر الإنتاج الخاص ورداءة أفلامه وسعيه للربح التجاري علي حساب الفن، فإنه يقدم رؤية تفصيلية لشكل الإنتاج السينمائي المثالي كما يراه، تجمع بين مزايا (المؤسسة) ومميزات الإنتاج الخاص، لا ترفع فيها الدولة يدها عن السينما ولا تتخلي عنها وتقدم لها دعما حقيقيا دون أن تتورط في الروتين والمطبات و(الفساد) الإداري الذي أدي لانهيار المؤسسة، وتترك مهمة التنفيذ للقطاع الخاص بكل حيويته وتحرره وانطلاقه... وجنونه!

لا يقدم هاشم النحاس رؤية نظرية وخطوط عامة، بل يفصل ويحدد ويشرح ويوضح كل خطوات دعم الدولة للسينما في كل مراحل إنتاج الفيلم، من إنشاء كيان تشرف عليه الدولة يتلقي السيناريوهات الجديدة ويفحصها ويختار الأصلح والأكثر جودة (بدون كوسة)، ويبدأ الدعم من تلك المرحلة التي يسميها (مرحلة الإعداد والسيناريو) ويكون في شكل منحة كاملة أو قرض بلا فوائد لتنفيذ الفيلم الفائز، مع طبع كل السيناريوهات المتصدرة حتى ولو لم تجد طريقها للتنفيذ.

وبعد تنفيذ الفيلم يتواصل دعم الدولة بشراء نسخ من الفيلم للعروض الثقافية وترشيحه للعرض في المهرجانات الدولية وتحمل تكاليف الشحن والدعاية وسفر فريق الفيلم... وإصدار تشريع بعدم عرض الأفلام الجديدة تلفزيونيا إلا بعد مرور ثلاث سنوات علي الأقل من عرضها سينمائيا؛ إنقاذا لتلك الصناعة وصناعها ومحافظة علي الشاشة الكبيرة من تغول الشاشة الصغيرة.

يقدم هاشم النحاس رؤية واضحة لدعم الدولة للسينما لا تقتصر علي المشاركة في دعم الإنتاج، بل تتخطاها إلي دعم تصدير أفلامنا ودعم دور العرض ودعم الثقافة السينمائية بل ودعم استيراد الأفلام العالمية التي تقدم سينما حقيقية لا تجارية، الأجود وليس الأرخص. وفي كل واحدة منها يشرح الوسائل والخطوات والتفاصيل ولا يترك ثغرة للتعثر والفشل.

وفي تلك الدراسة المبهرة توقفت كثيرا عند ما طرحه هاشم النحاس من ضرورة دعم الدولة لفن النقد السينمائي ورآه واجبا ملزما لإنقاذ ما أسماه رقابة الصفوة علي السينما، وبتعبيره هو: إذا كانت الرقابة علي المصنفات تمثل الرقابة الرسمية علي الأفلام، وجمعيات السينما تمثل الرقابة الشعبية، فالنقاد يمثلون رقابة الصفوة المثقفة وهم بذلك يحتلون مكانة خاصة في حلقة الرقابة علي هذا الفن لا يمكن الاستغناء عنها"

يعلن هاشم النحاس انحيازه لدور النقد ويتنبأ بأن هذا الفن وهذا الدور معرضان لانهيار وخفوت إذا لم تكن هناك خطوات جادة لدعمه.. وهنا يقترح ثلاثة اقتراحات من جانبه: أن تكون هناك جائزة سنوية للنقد السينمائي لها جوائز معتبرة، ويشير إلي أن الدولة نظمت هذه الجائزة لفترة ثم توقفت دون سبب ولابد من إعادتها فورا، وهو اقتراح نضم صوتنا إلي صوت صاحبه ونطالب بعودة جائزة النقد السينمائي السنوية (الرسمية).

وفي السياق يقترح كذلك أن تصدر هيئة الكتاب سلسلة متخصصة بالنقد السينمائي يتولي الإشراف عليها واحد من شيوخه، تتولي نشر الدراسات والمقالات النقدية الجادة لخلق أجيال جديدة من نقاد السينما وتشجيعهم، وهو اقتراح ما زال جديرا بالدراسة والتنفيذ.

وأطالب أستاذنا هاشم النحاس أن يعود إلي تلك الدراسة المهمة ويطورها ويصدرها في طبعة جديدة، فما فيها من جهد يستحق أن يحظى باهتمام، ثم إن ما بها من أفكار ما زال مبهرا وقادرا علي الصمود في وجه الزمن والرصاص!

يحيرك هاشم النحاس نفسه، بوجوهه المتعددة وتنوع إسهاماته في حياتنا الثقافية، حتى لتشعر أحيانا أنه أكثر من شخص، فانجازاته علي امتداد سنوات عمره يفوق طاقة البشر، فهو المخرج المبدع والناقد الجاد والمترجم الواعي والباحث المرموق والمؤرخ الموثوق والمفكر الموسوعي والمثقف الذي جاء إلي الدنيا لكي يفيض كالنهر.

وفي كل الأحوال والوجوه كان طليعيا وسابقا بخطوة وسابقا لعصره.

في أروقة الدورة الأخيرة لمهرجان الإسماعيلية السينمائي كنت أتابع حيويته وذهنه المتقد رغم خذلان الجسد، ومتابعته لكل فعاليات المهرجان وإصراره أن يعرف ما يقدمه الجيل الجديد من شباب السينما التسجيلية الذي يعتبر واحدا من روادها ورموزها.

ملهم هو هذا الرجل بحق ومدهش ومثير للإعجاب والتقدير والمحبة بصفاء روحه وقدرته علي العطاء وبصيرته التي لا تخيب حتى ولو خذله البصر.

المؤكد أن في وجدان الأجيال الحالية والسابقة من السينمائيين شيئا من تأثير هاشم النحاس وسحره... فيلم أو كتاب أو دراسة أو مقال... أو ابتسامة حانية، أو واحدا من تلك الأفكار الملهمة.

ليتنا نعود إلي أفكاره لحل أزمة السينما المصرية. وليتنا نحقق أمله بإعادة الجائزة السنوية للنقد السينمائي. ولن نختلف علي أن تكون الجائزة الأولي من نصيب هذا الناقد المُعلم، الذي تعلمنا منه ومازلنا حب السينما.. وحب الحياة.

إلي هاشم النحاس.. برقية حب بعلم الوصول.

 
     
     
 
 
 
     
 

 

نرمين يُسر

 

 
 
 

السينما التسجيلية اصل السينما

 
 

لا أحب أن أركز على مرارة الواقع، المرارة الحقيقية فى نظرى أن يفقد الإنسان ذاته، والإنسان المصرى لم يفقد ذاته حتى الآن رغم كل الحصار المضروب وكل الإعصارات التى تجتاحه، وأملى أن أقف بجانبه فى صموده بالكشف عن مواطن قوته، أريد أن أُطلع الناس على أفضل ما فيهم، أن أؤكد أن الإنسان العادى الذى لم يذهب صيته بين الناس، المغمور، والمنسى هو بطل يستحق أن تُخرج عنه الأفلام.

هكذا يشرح المخرج والناقد والباحث هاشم النحاس في شرح منهجه الذي اتسم بعشق الإنسان الذى قدمه في عشرة أفلام وثائقية من أهمها فيلم "النيل أرزاق" 1972 الذى صور حياة بعض المصريين من الغلابة الذين يعتبرون مياه النيل سببا للرزق اعتمادا على أن الماء هو سر الحياة. كما ربط بين الانسان والمكان والتاريخ في علاقة وثيقة لا تنفصل من خلال عدة أفلام أخري مثل فيلم الناس والبحيرة 1981 اذ يصور فيه مظاهر حياة سكان بحيرة المنزلة، وفيلم توشكي 1982 وفيلم سيوة الأرض والإنسان والتاريخ عام 1987. حيث ركز النحاس في أفلام توثيق العلاقة بين الإنسان والأرض على اللمحات الجمالية المثيرة لمشاعر الحنين للوطن والتاريخ.

يعد هاشم النحاس أبرز مخرجي السينما التسجيلية وصناع التوثيق السينمائي غير أنه أضاف علي ذلك أفلام أثرت في الثقافة والوجدان المصري في فيلم نجيب محفوظ ضمير عصره  1989 الذى اقترب بالعدسة المكبرة من حياة الكاتب العالمي ليلقي أضواء على جوانب وملامح هامة لم يعرفها المشاهد من قبل وبالمثل فعل من خلال تقديمه فيديو "صلاح أبو سيف يتذكر"

أثرى هاشم السينما المصرية والعربية بالكثير من المؤلفات السينمائية والفلسفية والترجمات مثل كتاب الهوية القومية في السينما العربية والسينما المصرية وحقوق الناس وأسس مهرجان الاسماعيلية الدولي  للإفلام التسجيلية والقصيرة في 1987  كما حصد الجوائز الرفيعة من المهرجانات الدولية كانت أولها جائزة المجلس الأعلى للأداب والفنون عن بحثه "المشكلة الجمالية للإعداد السينمائي من الرواية إلى الفيلم". وهو البحث الذي كان أساس كتاب نجيب محفوظ على الشاشة فيما بعد، بالإضافة إلى اختيار أفلامه فلتمثل مصر في أسابيع الأفلام المصرية في الخارج مثل لندن وكراكوف وبولونيا ومونتريال، نحن في مديح مخرج حاصل على الجائزة الأولى في مهرجان "ليبزج" الدولى عن فيلم النيل أرزاق الذى اختير مؤخرا في فرنسا كأحد أهم الأفلام في تاريخ السينما التسجيلية في العالم.

في ملف يحمل بعض من إنجازات المخرج والناقد والباحث ورائد صناعة السينما التسجيلية هاشم النحاس، نحاول تقديم ما نستطيع للاحتفاء بصانع الصورة التي لا تحتاج للتعليق الصوتي إذ إن عدسة الكاميرا تنطلق بديلا للكلمات واختياره للموضوعات المؤثرة لا ثراء وتطوير صناعة السينما من خلال دراساته السينمائية ومؤلفاته التي تجاوزت الـ13 كتاب ومساهماته في صناة مهرجانات للفيلم التسجيلي الذى يصفه بأنه أصل السينما التي بدأت بالتوثيق.

 
     
     
 
 
 
     
 

 

ناهد صلاح

 

 
 
 

هاشم النحاس.. أثر السينمائي وحماس الناقد

 
 

كلما التقيت بالمخرج والكاتب والباحث والمترجم هاشم النحاس، أشعر بأثر يضيء الروح ويصنع هالته حول رجل يواجه الزمن بحضوره اللافت، مازال يملك قوة الملاحظة ورغبة الاكتشاف، سينمائي يفتح عينيه على الدنيا ليُفكّك تفاصيلها، كأنه يود أن يصوغ لقطاتها من جديد، في الحديث معه تحمل كلماته السلسة تحليلًا عميقًا ونظرة ثاقبة تكشف عن حماسه المتواري خلف هدوئه: حماس المُراقبة والتأمّل، اللذين يدفعان إلى مزيد من الفهم والمعرفة، هو الحماس ذاته الذي كان يقفز من وراء كل سطر في كتابه "يوميات فيلم القاهرة 30"، كتبه في بداية مشواره السينمائي؛ بعد انضمامه للعمل ضمن فريق الفيلم في العام 1965، حيث رصد فيه كيف عايش هذه التجربة المهمة في تاريخ السينما العربية، وكتب ملاحظاته الفنية والإنسانية بعين لاقطة تستحق أن تكون لمخرج تسجيلي يرى الأرض أوسع من شكلها الكروي، وتصوير فيلم أكبر من أن يكون مجرد رقم في حصيلة الإنتاج السينمائي وكفى. عين تتوقف عند التفاصيل وتقوم بتجميعها لتشكيل اللوحة النهائية الغنية بالخيوط والمعالم الواضحة للعملية السينمائية، من هذا المنطلق فتح باب التأمل على مصراعيه واستند على حماسه الذي شيّد مشروعه الخاص، بأسلـوب تمــيز بالاعتـناء بأدق التفاصيل، مشحوناً بالسردية المحملة بمعلومة مهمة، حضور طاغ في الكتابة والأفكار والسرد الغني بالتجربة.

 في الدورة الماضية لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، بدا حرصه على التواجد ومتابعة الأفلام والندوات والجلسات النقاشية في المهرجان الذي كان أحد مؤسسيه، وأحد الذين منحوه صبغته الجدية في التعامل مع السينما التسجيلية والروائية القصيرة، بخطوات متمهلة وراسخة كان يتنقل بين أروقة الفندق الذي شهد فاعليات الدورة الفائتة للمهرجان وبين قاعات العرض خارجه، على الرغم من هذا التمهل فإنه لم يفقد لمسته الحماسية في النقاشات المستمرة حول الأفلام أو الموضوعات السينمائية العامة، طاقة هائلة تُشعر من حوله بأنهم على وشك فكرة تلمع على مشروع ثقافي جديد، بقعة ضوء عنيدة في حسه النقدي ربما هي التي تعينه على الاحتفاظ بيقينه في تعامله مع آليات العمل السينمائي، نفس اليقين الذي تفجر لديه حين التقى بالمخرج الكبير صلاح أبو سيف في أحد أيام صيف 1965؛ حسبما كتب في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه "يوميات فيلم القاهرة 30" وطلب منه أن يعمل مساعداً له في الفيلم، فأسند إليه أبو سيف مهمة تدوين تفاصيل لقطات الفيلم وحركة الكاميرا والممثلين وما إلى ذلك من ملاحظات دقيقة، ما أتاح له على صعيد آخر كتابة ملاحظاته الخاصة وتجميعها في هذا الكتاب الذي صار مرجعاً مهماً للمهتمين بالسينما، دراسة ميدانية ووصفية لحركة الإبداع السينمائي، تتيح الفرصة لمعرفة العراقيل التي قد تعترض عملية الإنتاج السينمائي ومشاكلها، وبالطبع فإن فيلم القاهرة 30 نموذجاً، كما أشار النحاس بنفسه على تلاميذه، ليكون هذا الكتاب كما وصفه المخرج والكاتب أحمد كامل مرسي: "هو الأول من نوعه في مكتبة الثقافة السينمائية، لم يسبق له نظير أو مشابه في اللغة العربية، سواء كان موضوعاً أو مترجماً"، مشيراً إلى كتابين أخرين؛ أحدهما بالفرنسية منذ ما يزيد عن عشرين عاماً من كتاب هاشم النحاس، وهو كتاب "يوميات فيلم الحسناء والوحش" للفرنسي جان كوكتو كاتباً ومخرجاً، وفيه يغلب طابع الشاعرية والرقة، والكتاب الثاني بالانجليزية بعنوان "صنع فيلم الجماعة السرية" للناقد والمخرج الانجليزي لندساي آندرسون الذي اتسم بالعملية والحرفية البحتة، بينما وصف "مرسي" كتاب "النحاس" بأنه أشبه ما يكون بالسيمفونية التي تطلبت يقظة وحنكة وسياسة وخطة.

  لعل معالم هذه الخطة بدت واضحة في فصول الكتاب الأربعة التي قسمها النحاس بتراتبية العملية الإبداعية، فكان الفصل الأول "قبل التصوير أو الكل على أهبة الاستعداد"، الذي بدأه بحكاية قصة "القاهرة الجديدة" التي كتبها نجيب محفوظ عام 1938 ولم تنشر إلا في عام 1945، ثم حولها صلاح أبو سيف إلى فيلم باسم "القاهرة 30" رفضته الرقابة أربع مرات ووافقت عليه في المرة الخامسة عام 1964، ويحكي النحاس عن الخطوات الأولى للإنتاج والصعوبات والتحضيرات وكتابة السيناريو والتعديلات واختيار الممثلين، فصل شديد الثراء والمعلومات ينقلنا إلى الفصل الثاني بعنوان "التصوير أو كل الجبهات تتحرك"، وفيه يجعلنا نشعر بالعمل الذي صار على أهبة الاستعداد ثم ندخل معه حيز التنفيذ بكل خطواته العملية التي يقودها مخرج مثل صلاح أبو سيف؛ قادر على توجيه الجميع كما ورد فيما بين السطور ووراء المشهد وداخله أيضاً، وتتابع اللقطات وتكرارها مع رصد انفعالات الممثلين وغيرها من ملامح صاحبت عملية التصوير المضنية كما وصفها النحاس، قبل أن يدخلوا إلى مرحلة جديدة يرصدها الفصل الثالث الذي حمل عنوان "المونتاج الموسيقى المكساج أو حصاد المعركة"، حيث بدأت عملية تجهيز الفيلم وطريقة تجميع وتركيب لقطاته، والمشاورات الكثيرة لاختيار اللقطات وترتيبها ووضع الموسيقى التصويرية والطريقة التي يعمل بها فؤاد الظاهري، كذلك طريقة سعيد الشيخ في عملية المكساج وهو يتعامل للمرة الأولى مع صلاح أبو سيف، إضافة إلى كتابة العناوين والمقدمة وتجهيز نسخة العرض، أما الفصل الرابع والأخير فقد جاء بعنوان "لقطات أو طلقات"، على طريقة المحقق رصد هاشم النحاس اللقطات الجدلية في الفيلم كما "اللقطة 701"، وقدم مقارنة بين المعالجة السينمائية والإعداد النهائي للفيلم، ثم ختم الكتاب بـ" الفيلم على صفحات الجرائد والمجلات أو صدى المعركة"، موردًا أبرز مقالات النقاد حول الفيلم، لتنتهي فصول الكتاب بيسر يؤكد أن الفن السينمائي ليس جموداً نظرياً وإنما هو فعل ثوري ونفسي وإنساني مثير للخيال والقفز على القوالب الجامدة، وهو ما برز من خلال أسلوب هاشم النحاس السردي وطريقته في تشكيل عناوين فصول كتابه متجاوزاً الطرق التقليدية، معتمداً في جرأة فكرة أن عملية إنتاج وتصوير فيلم أشبه بالمعركة التي تحتاج روح وثابة وراء حلمها.

  إنها نفس الروح اتي رافقته في مشواره لاحقاً؛ فبهذه الكيفية الفاتنة والمحفزة كتب "يوميات فيلم القاهرة 30"، ثم قدم أفلامه وكتاباته مستلهماً الوجه الإنساني في وطنه ومجتمعه، فيراه في حركة مستمرة لا تتوقف عن الأمل والعمل، وأحياناً قد تتغير هذه الصورة لتصبح غائمة، لكن يظل الوطن بالنسبة إليه حي، زاخر بأهله وبأملهم الذي صوره في 40 فيلماً تسجيلياً تميزت بوضوح رؤيته الإنسانية هذه والأثر المعلن لتكوينه المرهف والشغوف بالتفاصيل والتجديد السابح في عذوبة الصورة، وإدراكه لتكوين صنيعه البصري متواصلًا مع رغبته في التحرر من القولبة، ويأت كذلك استخدامه للمؤثرات الصوتية وفق هذا الأساس مشحوناً بالمعنى سواء تجاه الناس أو الأمكنة، بدا ذلك واضحاً منذ البداية في فيلمه "النيل أرزاق" (1972) مقتربًا من عالم البسطاء الذين ينعطفون وراء تيار النهر بحثًا عن الرزق يعينهم على شظف العيش، ولعل هذا ما لمسه الناقد علي أبو شادي حين كتب في مقاله المنشور في جريدة الوطن (هاشم النحاس.. عطاء متجدد) قائلاً: "تتميز سينما النحاس بأسلوب خاص يتسم بالعشق للإنسان والمكان، (الناس والبحيرة ١٩٨١/ البئر ١٩٨٢)، الإنسان المصرى البسيط المنسى كما يحب أن يسميه، الذى يبنى الحياة ويحقق نوعاً فريداً من البطولة، الإنسان العادى الذى يعمل وينتج رغم قسوة الظروف.. تنشغل كاميراته برصد التفاصيل.. الوجوه المكدودة والأيادى الخشنة والأقدام العارية (النيل أرزاق ١٩٧٢/ أيادٍ عربية ١٩٧٥/ فى رحاب الحسين ١٩٨١)، ويتابع فى معظم أعماله، رحلته مع هؤلاء البسطاء فى حياتهم اليومية، كلهم فى حالة عمل، ينسجون ملحمة البقاء (الخيامية ١٩٨٣/ أبوأحمد ١٩٨٣).

  وإذا كان كتابه "يوميات فيلم القاهرة 30" قد جمع فيه بين نجيب محفوظ وصلاح أبو سيف، فإنه بدا أول الخيط الذي ربط بين الكبيرين في عالم الأدب والرواية والسينما والإخراج، حيث صدر له كتابي "نجيب محفوظ على الشاشة" و"صلاح أبو سيف.. محاورات"، هذا غير فيلمين عنهما هما: "نجيب محفوظ ضمير عصره " و"صلاح أبو سيف يتذكر"، هذا غيرت العديد من المؤلفات الأخرى التي أضاءت المكتبة السينمائية العربية سواء على مستوى التأليف أو الترجمة، وشكلت إضافة ثقافية وفنية نوعية؛ أسهمت في زيادة المعرفة عبر تقديمه لموضوعاته بأدوات معرفية ونقدية تنفتح على الأسئلة والتجارب المختلفة في نص إبداعي وتحليلي، وهو ما يختصر صورة مبدع لم يكتف بالكتابة والإخراج فقط وإنما توغل في المسار السينمائي أكثر، محاولاً صنع اعتبار للفيلم التسجيلي من ناحية، ومساهماً في تأسيس الجمعيات السينمائية في مصر، كوسيلة مهمة وضرورية لتطوير المشهدين الثقافي والاجتماعي، كان نتاج نضاله السينمائي حصوله على العديد من الجوائز المحلية والدولية، لكنها لم تكن دافعه الأقوى على المواصلة والاستمرار؛ بل هو حلمه الذي لم يستسلم للتداعي، في التعبير عن ناس بلاده تحت وطأة قسوة واقعهم، وهذا جزء من شخصية هاشم النحاس المشرعة على العالم بانفتاح يحاول أن يخمش في الأفق أثراً من الصعب محوه، لعل هذا ما عبر عنه في اقتباسه الشهير: "لا أحب أن أركز على مرارة الواقع.. المرارة الحقيقية في نظرى أن يفقد الإنسان ذاته، والإنسان المصرى لم يفقد ذاته حتى الآن رغم كل الحصار المضروب وكل الإعصارات التى تجتاحه.. وأملى أن أقف بجانبه في صموده بالكشف عن مواطن قوته.. أريد أن أُطلع الناس على أفضل ما فيهم.. أن أؤكد أن الإنسان العادى الذى لم يذهب صيته بين الناس، المغمور، والمنسى هو بطل يستحق أن تُخرج عنه الأفلام".

 
     
     
 
 
 
     
 

 

داليا همام

 

 
 
 

هاشم النحاس.. فنان أنطق الصورة..

 
 

فى نوع من الرهافة المتقنة الهادئة، والتى تدعو للتأمل تسرى مشاهده فى بساطة وعمق فى آن معا، فنان يمتلك أدوات سينمائية ورؤية عميقة.

لقطاته توضح مدى عمق الحياة وصيرورتها واستمرارها، إنه "هاشم أحمد سليمان النحاس" الناقد والباحث والأديب ومخرج روائع الأفلام التسجيلية، والذى يلتقط من الواقع المعاش لينقش حروفا على صفحة التاريخ، ويسجل لحظات إنسانية يخلدها بأفلامه التسجيلية "جلَ مايهتم به فى أفلامه هو الإنسان ومدى اتصاله وتواصله مع بيئته المحيطة وتأقلمه معها"يبرز -النحاس- ذلك الرضا الذى ينبثق من العيون فى تلك الوجوه المصرية التى يرهقها السعى وراء "لقمة العيش" لكنها ترضى بهذا الشقاء وتتعامل معه بابتسامة آسرة.

إنه "هاشم النحاس"صاحب النقلة الكبيرة, فى تاريخ السينما التسجيلية المصرية، بفيلمه "النيل أرزاق 1972" والذى أختير ضمن برنامج المائة فيلم للقرن, وذلك ضمن فاعليات المهرجان الدولى للأفلام القصيرة فى "كليريمو فيران- فرنسا" لقد تم اختيار النيل أرزاق فى فرنسا كأحد أهم الأفلام فى تاريخ السينما التسجيلية فى العالم وحصل على الجائزة الأولى فى مهرجان "ليبتزغ" الدولى 1972.

 

النيل أرزاق

لوحة بصرية حية

فن تسجيل الفطرة الإنسانية

بموسيقى هادئة رقراقة كصفحة النيل التى تستعرضها كاميرا "رمسيس مرزوق"يبدأ فيلم النيل أرزاق سيناريو وإخراج "هاشم النحاس"، بحركة وئيدة  يلملم الصياد شباكه راجيا رزقه المُنتظر، وبلقطة قريبة مُكبرة على يدين تحرك المجدافين وهى يد امرأة تستعرض الكاميرا ملامح وجهها الأسمر المصرى بوضوح مبهج إلى جوار طفلها الصغير، يمكنك أن ترى تلك الأسرة فى تعاون مدهش، وفى رضا تقدمه الصورة، عاكسة ذلك التكامل والتعاون بين الرجل والمرأة، يستمر النحاس فى استعراض لقطاته فنرى طفل صغير يصعد أعلى مركب شراعية، ببطء تقدمه الكاميرا عبر متابعتها إياه فتأتى زاوية الكاميرا من أسفل لأعلى فيبدو الطفل مقتربا من السماء ليفرد الشراع، فى صورة شعرية راقية، تدعم من حالة الثراء الجمالى والانطلاق والشموخ.

تبدو لغة التكوين فى لقطات النحاس ناطقة بالحياة، بعناصرها "الخط والشكل والكتلة والحركة" فى توافق وانسجام يعبر عن المعنى، وبرغم أن كل ذلك المقدم عبر الصورة فى الفيلم حقيقى وغير مصطنع، لكن القدرة على تكثيف تلك العناصر وتقديمها للمتلقى تجعلها أقرب للوحة تشكيلية متحركة تنطق بالحياة.                                                   

فى ثوانى خاطفة و"بلقطة بانورامية "يستعرض النحاس مدى التطور الذى طرأ على صفحة النيل الخالد، وبذلك الرجوع التدريجى "زووم أوت"يظهر أكبر قدر من التفاصيل ومعايشة الحالة والمكان، حيث نافورة الماء إلى جوار الأوتوبيس النهرى والقارب الصغير وبجوارهما مركب ضخم جدا، والشرطة النهرية، من ذلك العرض  يمكن أن ترى صيرورة الزمن فى تلك اللقطة السريعة الخاطفة.

يستعرض النحاس العديد من المهن التى اختارت أن يكون النيل مصدر أساسى لرزقها، منها مشهد المعدية التى يسحبها الرجل لينقل مجموعة من البشر، وهو مشهد يمكنك إدراك أنه سيتكرر فى مكان ما على أرض مصر مادام النيل موجودا.

يركز "النحاس" بشكل واضح فى كادراته على تلك التفاصيل الدقيقة حيث التشقق والخشونة، التى أصبحت ملمح لهذه الأيادى صاحبة هذه المهن فى النيل وعلى ضفافه، فتلك التشققات لا تفرق بين ذلك المركبى وهذا الحمال الذى يثقل كاهله بحمولات ينوء عن حملها البشر، وهو هنا يشترك مع حمال الحجارة التى تساهم مياه النيل فى صنعها، جميعها مهن تعتمد فى جوهرها على رزق النيل، لا ينسى النحاس أن يقدم مشهد لمرتادى محلات الطعام على ضفاف النيل ليستمتعوا بأسماكه الشهية، لكن فى هذا المشهد وعبر ترتيب الصور يمكن إدراك ذلك الفارق الطبقى الواضح بين مرتادى هذه المطاعم على النيل، وبين الفقراء أصحاب المهن فى وعلى ضفاف النيل.

يتجلى معنى الحب والمؤازرة فى تلك الأسرة الصغير التى تسكن المركب الصغير، وكأنه منزل متنقل حيث ترضى هذه الأسرة دائما بما يفيض عليها النيل من أرزاق.

 ينهى النحاس فيلمه بلقطة دالة على المستقبل والذى ينبض بالحياة مع هذا الطفل الصغير، الممسك بالمجداف كوالديه إنها ذاتها حياة الدأب على العمل والشقاء، هو واقع الحياة المصرية إبان تلك الفترة التى وثق النحاس فيها لتلك المهن وجميعها مهن تقتات رزقها من النيل، ولذلك فالنيل دائما أرزاق.

تصاحب الموسيقى الهادئة مشاهد الفيلم المختلفة، وهى موسيقى ذات تيمة لحنية واحدة، مُحايدة على الدوام لا تقدم حدث دراميا أو تدعمه، بل تقدم أحداث حقيقية متكررة لا جديد فيها، فهكذا هى الحياة على ضفاف النهر مع هؤلاء الفقراء.

تصمت الموسيقى أحيانا لتبرز الأصوات الحية للبشر والأشياء بما تمليه كل مهنة من صخب، وتعود الموسيقى مع كل لقطة جديدة، فى نوع من الانسيابية وكأنها حياة أخرى ضمن أرزاق النيل.

فيلم النيل أرزاق "فكرة "فريال كامل، مونتاج عادل منير، موسيقى منير مقار، ويعد البناء الجيد لفيلم "النيل أرزاق" هو مصدر المتعة التى يشعر المتلقى بها حينما يشاهده، لا يحتاج النحاس فى عرض أفكاره إلى مُعلق فالصورة أعمق كثيرا من الكلمات، فهى تجعلك تدرك حتى السكون ومدى بلاغته فى كادرات هاشم النحاس، فهو يعتمد فقط فى توصيل رسالته على الصورة الخالصة وهى تنم عن قوة تعبيره بأدواته السينمائية.

يجعلك النحاس تستسلم لسحر الصورة الذى لا يقاوم، ذلك السحر الكامن فيما ورائها فهى المثيرة دائما للتأمل، صورة تشعرك بنوع من الألفة لما تشاهد فهؤلاء الأناس قريبين منك بشكل ما، إنها معالجة غير تقليدية وتعبير بصرى ذى دلالة رمزية سهلة التلقى.

للنحاس أفلام تسجيلية كثيرة جميعها تركز على الإنسان بشكل أساسى، مثل "أياد عربية1975- فى رحاب الحسين 1981 –الناس والبحيرة 1981 –البئر 1982 – توشكى 1982 –الخيامية 1983 –سيوة 1986 –أبو أحمد 1983"وغيرها من الأفلام.

ومع أن النحاس يقدم لك الحقيقة كما طبيعة الفيلم التسجيلى فلا مجال للدراما أو للممثلين، ومناظره هى مناظر الطبيعة ذاتها بدون أى  تحريف أو اصطناع، إلا إنك تستطيع إدراك مدى عمق وبصيرة رؤيته الإخراجية فتبدو الصورة الجمالية، أروع مايكون، هنا لا ينفصل الشكل عن المضمون، فالتكوين فى الصورة ينظم البشر والأشياء داخل إطار الصورة فى كل مشهد بشكل يتوافق مع الرؤية الإخراجية والرغبة فى التأثير الصحيح، وعلى ذلك يتمكن النحاس من جذب اهتمام وانتباه المشاهد وتوجيه عينيه، وقياداتهما إلى مساحات وأماكن وأشخاص تخدم المعنى العام المُرجى أن يصل إلى المتلقى، إنه ذلك العمق المؤدى لمعرفة جوهر الإنسان.

 
     
     
 
 
 
     
 

 

د.خالد عاشور

فيلم تسجيلى عن [00_02_56][20180718-035825-3]

 
 
 

ناسك السينما التسجيلية

 
 

احترت كثيرًا حين شرعت في الكتابة عن هاشم النحاس وهو أحد أهم أعمدة الأفلام التسجيلية في مصر والوطن العربي فهو ناسك في محراب هذا الفن الذي أخلص له طيلة مشوراه الفني "إخراجاً وكتابة".

مسيرة طويلة عاشها هاشم النحاس عميد صناعة السينما الوثائقية التسجيلية منذ تخرجه من معهد المعلمين بالزيتون عام 1956، وحصوله على ليسانس الآداب من جامعة عين شمس عام 1961.

تأثر المخرج العبقري هاشم النحاس بحرفته الأساسية كخريج مدرسة المعلمين، مما أضفى على السيناريوهات التي كتبها لأفلامه التي أخرجها طابع الدراسة الأكاديمية في معظمها، كما أضفت عليه دراسته للآداب والفلسفة بكلية الآداب نظره فلسفية وميزة خاصة لمجمل أعماله التسجيلية التي ترتقي إلى توثيق الحياة في مصر من خلال أعماله التي بقيت كشاهد على العصر من خلال كاميرا ذكية وأفلام أشد رهافة وحساسية لما يقدمها من موضوعات خلالها.

لم يوثق هاشم النحاس خلال مجمل أفلامه للحدث فقط أو لتاريخه ومكانه أو للأشخاص الذين تحدث عنهم، تجاوز هذا وتناول فلسفة كلا من المكان والزمان وعلاقتهما بالأشخاص والأشياء في تلك الأفلام التي قسمها إلى مشروعات بدأها بمشروعه عن الإنسان المصري وتناولها في عشرة أفلام وثائقية هي:

1. النيل أرزاق (1972)-  عن الناس البسطاء الذين يستمدون رزقهم من النيل في القاهرة (10دقائق)

2. مبكي بلا حائط (1974) - عن فرحة الناس بمحتويات معرض الغنائم (10دقائق)

3. الناس والبحيرة (1981)- مظاهر الحياة المرتبطة ببحيرة المنزلة (14دقائق)

4. في رحاب الحسين (1981) - عن مظاهر الحياة التي خلقها جامع الحسين حوله (20 دقيقة)

5. البئر (1982) - عن بعض مظاهر حياة البدو على الساحل الشمالي (20د)

6. توشكى (1982)، يوم في حياة قرية نوبية (20 دقيقة)

7. خيامية (1983) عن فن الخيام واستخداماته في حياتنا اليومية (20 دقيقة)

8. شوا أبو أحمد (1983)-  يوم في حياة أسرة ريفية (10دقائق)

9. سيوة (الإنسان والأرض والتاريخ) (1987) (45 دقيقة)

10.               ناس 26 يوليو (2001) (30 دقيقة)

كتب هاشم النحاس وأخرج نحو 40 فيلماً تسجيلياً، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية التسجيليين المصريين وجماعة السينما الجديدة بالإضافة إلى أنه عضو مؤسس لاتحاد التسجيليين العرب.  وفي عام 1987 أسس مهرجان الإسماعيلية القومي للأفلام التسجيلية والقصيرة وكان أول من تولى إدارته. والملاحظ في جميع أفلام المخرج العبقري هاشم النحاس أنها تجمع بين الأنسان والمكان الذي يعيش فيه وما يربطهما من علاقة كأفلام "الناس والبحيرة، والبئر، وسيوة، وناس 26 يوليو" ثم يأتي وعلى الأخص فيلمة المتميز "النيل أرزاق" الحاصل على جائزة مهرجان "ليبزج" الدولي عام 1972 ثم عند الأحتفال بمئوية السينما العالمية عام 1995 اختير نفس الفيلم ضمن برنامج "100 فيلم من القرن" الذي قدمه المهرجان الدولي للأفلام القصيرة في كليريموفيران (فرنسا) . وأختير مؤخراً في فرنسا كأحد أهم الأفلام في تاريخ السينما التسجيلية في العالم.

 

 

 

 

ولنقف قليلاً مع أول أفلامه رائعته الجميلة "النيل أرزاق"، فللعنوان رسالة حيث اسم العلم "النيل" معرفاص بأداة التعريف، والمكان هو مصر "هبة النيل" كما قال هيرودوت، فليس النيل مجرد نهر عادي كبقية أنهار العالم، بل هو شريان الحياة في مصر وتأسست حوله الحضارات منذ القدم بدءًا من الحضارة الفرعونية وحتى الآن.. النيل هنا هو المكان بما يحتويه من معنى ورسالة، و"أرزاق" هنا اسم نكره.. دون تعريف، ومن خلال الفيلم يجيبنا العبقري هاشم النحاس ومنذ اللحظة الأولى عن حياة أسرة تعمل على مركب شراعية في النيل وحياتها وأن النيل هو "رزق" لهم.. فمن هنا اشتق الاسم الثاني من عنوان الفيلم "أرزاق" أو كما نقول نحن المصريون أن "الأرزاق على الله" والله جعل في النيل رزق الناس.. الصيادين.. و"الأكيلة" وجعله متنزها للمتعة وراحة العين والنفس من خلال الرحلة على شاطئه وضفافه.

يبدأ الفيلم ومن اللقطة الأولى أو اللقطتين المتتاليتين منه، وهما لقطة عامة من زاوية مرتفعة لمياه النيل والموجات النيلية الصغيرة المتكسرة التي تجعله أشبه بسجادة من الماء في لقطة لا تستغرق ثوان قبل أن تتبعها اللقطة التالية مباشرة والتي تمثل لقطة عامة متوسطة لرجل وهو عبارة عن صياد يقف في ثلث الكادر الأيسر ويقوم بعملية إعداد لشبكة صيد (رمز الرزق المنتظر أو الأرزاق المنتظرة من هذا النيل والتي سوف يستخرجها منه هذا الصياد البسيط عاري الصدر الذي يقف وخلفه الأفق/ السماء رمز الإيمان تكشف عنها خلفية الكادر ويمينه الخالي . في أقل من ثوان معدودة من بداية الفيلم وبلقطتين متتاليتين قصيرتين وكأنهم لقطة واحدة استطاع النحاس أن يضمن لنا رسالة الفيلم ومغزاه وأسلوبه في آن واحد (النيل رمز الحياة والصياد هو الإنسان والشبكة رمز العمل والسماء في الخلفية رمز الإيمان) هكذا دون كلمة واحدة أو آيه قرآنية او صوت معلق مهيب النبرات! فقط ثوان معدودة على الشاشة كثفت بعبقرية كل ما يريد الفنان إعلانه عن موقفه الوثائقي من الحياة. 

كان استغناء هاشم النحاس عن التعليق الصوتي عام 1972 عندما أنجز فيلمه الأول "النيل أرزاق" مثار لدهشة وترقب واستنفار المتلقين وصناع الأفلام التسجيلية على حد سواء في ذلك السياق الزمني الذي كان فيه التعليق الصوتي هو الوسيلة الأساسية للسرد والحكي وتقديم المعلومات وإبراز الأهداف والقضايا التي يتناولها الفيلم.

النيل أرزاق هو درة أعمال هذا الفذ هاشم النحاس التي توثق لتاريخ علاقة المصري أيما كانت رتبته "من الطبقة الدنيا" أو الطبقة العليا" أو من متوسطي الدخل، فالنيل بمثابة الحياة للجميع وهو مصدر رزق ومتعة وبهجة للجميع.

ثم يتناول في باقي أعماله هكذا منهج كفيلم "الخيامية" وصناعة الخيام التي تستخدم في الأفراح والمآتم والمناسبات والقاعات والنوادي وكانها رباط بين جميع فئات المصريين كما كان النيل رباطا بينهم.

لهذا تعد أفلام هاشم النحاس ضميرا سينمائيا موثقا للإنسان المصري في أكثر من بيئة وزمن مختلف، وليست مجرد أفلام وثائقية تستعرض نمط الحياة.

يبتعد هاشم النحاس في مشروعه الثاني عن  البيئة والإنسان المصري، ليلج مشروعه عوالم مثقفي ومفكري ويختار منهم نموذجين مهمين يضعهما تحت كاميرا ذكية تسجيلية ووثائقية في مشروعه الثاني والذي أطلق عليه "عن الأعلام" قدم من خلاله فيلمين هما:

·     نجيب محفوظ ضمير عصره – 1989 (40 دقيقة)

·     صلاح أبو سيف يتذكر (فيديو): إنتاج التليفزيون المصري (30 دقيقة)

 

 

 

 

ويعتبر فيلم "نجيب محفوظ ضمير عصره" واحدًا من أهم الأفلام الوثائقية التي سجلت عن تاريخ وإبداع أستاذنا العظيم نجيب محفوظ من خلال قراءة متنقاه ومختارة بعناية لرائعته رواية "أولاد حارتنا" وبصوت "نور الشريف أحد أكثر النجوم تمثيلاً لأفلام مأخوذة عن روايات أستاذنا نجيب محفوظ، ويتطرق مع السرد المختار من رواية "أولاد حارتنا" إلى أعمال مختلفة من سينما نجيب محفوظ تظهر بين السرد وحركة نجيب محفوظ تارة وبين نجيب محفوظ وحوارات اجريت معه ليلخص لنا في ذكاء مشوار الأديب العربي الوحيد حتى الآن الحاصل على نوبل في الآداب عن جدارة "نجيب محفوظ" ملخصاً عنوان الفيلم في ذكاء السيناريست "نجيب محفوظ ضمير عصره" فالأول معروف وهو عميد الرواية العربية نجيب محفوظ.. والجزء الثاني من الاسم هو "ضمير عصره" والذي لا زالت روايته ملهمه لصناع السينما والدراما حتى حينه مع إلهام موازٍ لدارسي الأدب العربي عامة والروائي بشكل خاص من الأكاديميين وطلبة العلم.

كما تناول في مشروعه الأخير  أثر الإنسان في الحضارة، وما تركه من تراث وآثار وفنون، ويتكون من 9 أفلام هي:

1. الحجر الحي (ترميم أبو الهول) تم تصويره خلال عام من العمل في الترميم (20 دقيقة)

2. منمنمات تركية (إنتاج 1969) (10 دقائق)

3. أنين الروح (الآثار المصرية: الإسلامية، القبطية، اليهودية التي جمع بينها ما أصابها من الزلزال) 1992، إنتاج المجلس الأعلى للآثار (20 دقيقة)

4. قوارير (محمد مندور) (8 دقائق)

5. نداء (أحمد نوار) (5 دقائق)

6. ألوان (فاروق حسنى) (7 دقائق)

7. عروس البحر (أزميرالدا) فيديو: إنتاج التليفزيون المصري (10 دقائق)

8. صيحة (أحمد شيحة) فيديو: إنتاج التليفزيون المصري (10 دقائق)

9. بشارة (محمود سعيد) فيديو: إنتاج التليفزيون المصري (10 دقائق)

كما قدم أربعة أفلام حول التنمية والعمارة هي:

1. افتتاحية للبناء: إنتاج 1974 (10 دقيقة)

2. أحلام شابة (فيديو): إنتاج الصندوق الاجتماعي للتنمية (30 دقيقة)

3. معا في أسوان (فيديو): إنتاج الصندوق الاجتماعي للتنمية (30 دقيقة)

4. في طريق التنمية (فيديو): إنتاج الصندوق الاجتماعي للتنمية (10 دقائق)

أما مؤلفاته للمكتبة السينمائية العربية فيمكن اعتبارها مرجعا مهما وأساسيا لكل محبي وصناع الفن السابع في العالم العربي، فعلي سبيل المثال كتابه "يوميات فيلم" والذي يروي فيه بالتفصيل عملية تنفيذ وإخراج فيلم "القاهرة 30" للراحل صلاح أبو سيف، يعد مرجعا في معرفة كيف تدار العملية السينمائية كما أنه يكشف العديد من الاسرار عن طريقة عمل المخرج الكبير صلاح أبو سيف لن نجدها سوى في كتاب آخر وهو كتاب "محاورات صلاح أبو سيف" لهاشم النحاس أيضا، وقد قدم للمكتبة العربية السينمائية 13 مؤلفا هي:

1. يوميات فيلم (المؤسسة المصرية للتأليف والنشر- طبعة أولى 1967، الهيئة العامة للكتاب-طبعة ثانية 2009)

2. نجيب محفوظ على الشاشة (الهيئة العامة للكتاب-طبعة أولى 1975 وثانية 1990)

3. دراسات سينمائية (وزارة الثقافة العراقية – بغداد 1977)

4. الروائي والتسجيلي (وزارة الثقافة العراقية – بغداد 1979)

5. الهوية القومية في السينما العربية (الهيئة العامة للكتاب 1986)

6. مستقبل السينما التسجيلية في مصر (المركز القومي للسينما 1990)

7. بركات كروان السينما المصرية (مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 1994)

8. صلاح أبو سيف.. محاورات (الهيئة العامة للكتاب 1996)

9. السينما والدولة (رسائل جمعية النداء الجديد 1997)

10.               السينما المصرية وحقوق الناس (مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان2001)

11.               وقائع وأحلام في مهرجانات الأفلام التسجيلية والقصيرة: (آفاق السينما -قصور الثقافة 2006)

12.               السينما الشابة (آفاق السينما – قصور الثقافة 2008)

13.               عاطف الطيب رائد الواقعية المصرية المباشرة (المجلس الأعلى للثقافة –طبعة أولى-2016)

إضافة لقيامه بترجمة 3 كتب هي:

1. كيف تعمل المؤثرات السينمائية (صدر عام 1962 عن المؤسسة المصرية للتأليف والنشر)

2. التكوين في الصورة السينمائية (الهيئة العامة للكتاب 1983)

3. موسوعة تاريخ السينما في العالم - 3 أجزاء (مع آخرين) (المركز القومي للترجمة – صدر الجزء الأول 2010)

بالإضافة لمراجعة ترجمة العديد من الكتب وتقديم غيرها وإشرافه على سلسلة "الكتاب السينمائي" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

هاشم النحاس هو رائد وعميد السينما الوثاقية لذا استحق عن جدارة ضمير السينما المصرية المهتمة بالإنسان والمكان والزمان المصري بكل ما يحمله من حياوات سجلها واحتفظ بها في ذاكرة التاريخ بكل ما أخرج وكتب من أفلام.

 

*************

المراجع:

·     أفلام هاشم النحاس "النيل ارزاق"، "نجيب محفوظ ضمير عصره" مع مجمل أعماله.

·     قراءة في وثائقيات هاشم النحاس: "النيل أرزاق" و"الناس والبحيرة" - رامي عبد الرازق.

·     هاشم النحاس.. ضمير السينما العربية - محمد حافظ

 
     
     
 
 
 
     
 

 

مي التلمساني*

 

 
 
 

شهادة
هاشم النحاس ناقدا

 
 

كنا في نهايات صيف عام 1989. وكنت آنذاك معيدة بقسم اللغة الفرنسية بجامعة المنوفية منهمكة في البحث في نظرية الأدب وتطبيقاتها على مجموعة "المباهج والأيام" للروائي الفرنسي مارسيل بروست. شجعني أبي فور تخرجي على ترجمة الكتب من الفرنسية والإنجليزية إلى العربية. في تلك الآونة عرض علي الأستاذ مختار السويفي ترجمة رواية مبسطة ضمن سلسلة تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب تعنى بكلاسيكيات الأدب العالمي للناشئين. في هذا العمل الأول، اكتشفت حبي للترجمة على استحياء، وبالتوازي مع بدايات النشر الإبداعي والنقد السينمائي. كانت فترة اكتشاف وخصوبة وتنوع، ترجمت أثناءها عددا من الروايات ضمن سلسلة روائع الأدب العالمي منها "البحيرة الزرقاء" لستاكبول و"ديزيه ملكة السويد" لآن ماري سلينكو و"فارس من اسكتلندا" لوالتر سكوت وغيرها وكنت أيضا أنشر بشكل شبه منتظم مقالات في السينما في مجلات "أدب ونقد" ثم في "الكواكب" ولاحقا في "الفن السابع". 

ولكن بعيدا عن الترجمة الأدبية، لم أقدم على ترجمة كتاب نقدي في السينما إلا بفضل تشجيع ودعم الأستاذ هاشم النحاس. في صيف 1989، أهداني صديق فرنسي كان يعمل بالملحقية الثقافية الفرنسية في مصر كتابا عن السينما العربية صدر في باريس مؤخرا ونصحني بترجمته إلى اللغة العربية. اتصلت بالأستاذ هاشم عن طريق أبي، والتقيته برفقة هذا الصديق في مكتبه حيث كان رئيسا للمركز القومي للسينما آنذاك وعرضنا عليه ترجمة الكتاب فرحب بالفكرة باعتباره مسئولا عن الكتاب السينمائي في هيئة الكتاب واقترح نشره ضمن مشروع الألف كتاب الثاني. في لقائنا الأول، وعد الأستاذ هاشم بتجهيز عقد للترجمة بشرط الحصول على موافقة الناشر الفرنسي وعهد إلى بالترجمة بلا تردد رغم قلة خبرتي في هذا المجال. ابتهجنا أنا وصديقي وتفاءلنا باللقاء لسببين، أولهما سرعة الأستاذ هاشم في اتخاذ القرار ودعمه الصادق للمشروع فضلا عن ترحيبه بالتعاون معي بتواضع ومحبة أزالا عني رهبة اللقاء الأول، وثانيهما احترامه لقوانين الملكية الفكرية وحرصه على تطبيق هذه القوانين. سارعت بعد هذا اللقاء بالكتابة للناشر والناقد الفرنسي الشهير جي إنبيل وحصلت على موافقته كتابيا على الترجمة العربية بدون مقابل مادي. 

بعد إتمام الإجراءات والانتهاء من الترجمة، عدت للقاء الأستاذ هاشم. عقدنا عددا من جلسات العمل لمراجعة المخطوط وتولى الأستاذ هاشم كتابة مقدمة للكتاب واختيار الغلاف ومتابعة النشر حتي خرج الكتاب للنور في عام 1994 بعنوان "السينما العربية من المحيط إلى الخليج". في كل هذه المراحل كان الأستاذ هاشم بهدوئه المعتاد ورصانته وعنايته بالتفاصيل والمراجعة الدقيقة لعناوين الأفلام وأسماء المخرجين وضبط المفاهيم والتواريخ خير عون لي في ترجمة أول كتاب نقدي يحمل اسمي ولم أكن قد أتممت بعد عامي الثلاثين. في اعتقادي أن للأستاذ هاشم النحاس وهو الناقد والمترجم والمسئول عن النشر، الدور الأكبر في تشجيع الكثيرين على ترجمة كتب النقد السينمائي التي صدرت في تلك الآونة عن هيئة الكتاب سواء من ترجمته هو مثل كتاب "التكوين في الصورة السينمائية" (1983) أو من ترجمة آخرين مثل "نظريات الفيلم الكبرى" (1987) و"التذوق السينمائي" (1989) و"فن كتابة السيناريو" (1997) وغيرها. 

بعد ذلك اللقاء بسنوات، قرأت للأستاذ هاشم النحاس كتابين في النقد السينمائي في إطار رسالتي لنيل درجة الدكتوراه عن الحارة في السينما المصرية هما كتاب "الهوية القومية في السينما العربية" (1986) و"نجيب محفوظ على الشاشة" (1990). يعد الأخير مرجعا هاما في تاريخ النقد السينمائي المصري، طبع للمرة الأولى في السبعينيات ثم أعيد طبعه ضمن الألف كتاب الثانية عام 1990، هو كتاب لا غنى عنه لفهم العلاقة بين لغة الأدب ولغة السينما من منظور مخرج تسجيلي وناقد مصري عاشق لواقعية نجيب محفوظ. اختلفت في الرسالة مع منظومة الهوية القومية برمتها وناقشت دور نجيب محفوظ في التأسيس لصورة الحارة وشخصية ابن البلد في السينما انطلاقا من كتاب هاشم النحاس. ناقش هاشم النحاس في مؤلفاته النقدية العلاقة بين هوية المكان والسياق التاريخي في الأدب الواقعي والسينما الواقعية، وحاور صديقه المخرج صلاح أبو سيف وكان لكليهما منظور خاص عن أثر الواقع في العمل السينمائي الروائي والتسجيلي، كما كتب يوميات فيلم "القاهرة 30" وألف كتابا عن عاطف الطيب وآخر عن السينما الشابة والموجة الجديدة في السينما المصرية... وكلها من المؤلفات النقدية الممتعة السلسلة التي يمتزج فيها منظور الناقد المتمرس في نقد وتحليل الفيلم الروائي برؤية المخرج المبدع المخلص للسينما التسجيلية.

في تلك الفترة أيضا كتبت عن فيلمه الأشهر، "النيل أرزاق" ضمن كتاب "خمسة وعشرين فيلما تسجيليا نالت جوائز عالمية" ورأيته بوصفه فيلما مختلفا عن أفلام جيل الرواد (ومنهم أبي) حيث احتفى بشاعرية اللقطة وتعاطف مع الإنسان المصري في بيئته الطبيعية واهتم بالموسيقى وجعلها أداة من أدوات التعبير السينمائي تفوق أحيانا اللغة المكتوبة أو المنطوقة. وفي الوقت ذاته جاء هذا الفيلم بمثابة امتداد لطموح الجيل الأول الفكري وكأنه يحقق بالشكل الأمثل وجهة نظر هاشم النحاس النقدية فيما يخص تصوير الواقع في السينما حين يقول: "لا أحب أن أركز على مرارة الواقع. المرارة الحقيقية في نظري أن يفقد الإنسان ذاته، والإنسان المصري لم يفقد ذاته حتى الآن رغم كل الحصار المضروب وكل الأعاصير التي تجتاحه. وأملى أن أقف بجانبه في صموده بالكشف عن مواطن قوته. أريد أن أُطلع الناس على أفضل ما فيهم.. أن أؤكد أن الإنسان العادي الذى لم يذهب صيته بين الناس، المغمور، والمنسي هو بطل يستحق أن تُخرج عنه الأفلام".

على مدى سنوات تجربتي في مجال النقد السينمائي، شاركت الأستاذ هاشم النحاس العديد من الفاعليات الثقافية سواء في جمعية نقاد السينما المصريين أو في اتحاد السينمائيين التسجيليين ورأيته دائما يؤمن صادقا بالثقافة السينمائية ويدافع عن آرائه بهدوء وترو ويبتعد عن الصراعات الصغيرة ويتابع بدقة ودأب إنتاج السينمائيين الشباب في مجال الفيلم التسجيلي ويدير مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية بنفس الروح القتالية وبنفس الدعة ويصر في كافة الأحوال على الاستمرار في أداء دوره كمبدع وناقد ينتصر لقيم الحق والخير والجمال. لهذا وللكثير من الصور والمشاهد التي لم يتسع المكان للكتابة عنها، أعتبر نفسي محظوظة لأني جاورت الأستاذ هاشم النحاس فقد كان في بداية مشواري مع النقد السينمائي وفي تفريعاته اللاحقة على رأس قائمة الأصدقاء (وهم قلة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة) الذين اعتبرتهم قدوة تحتذي في صياغة الفكر وفي العلاقات الإنسانية والذين أثروا الحياة الثقافية والسينمائية بحضورهم المطمئن الذي كثيرا ما تجاوز حدود الجيل وتغاضى عن تراتبية المناصب لينتصر للفن وللثقافة كقيمة وكأفق للعمل المشترك.

* أستاذ الأدب العربي والسينما بجامعة أوتاوا، كندا

 
     
     
 
 
 
     
 

 

فايزة هنداوي

 

 
 
 

هاشم النحاس: العاشق المخلص للسينما التسجيلية

 
 

غيّر تاريخ الفيلم التسجيلي في مصر وساهم في تكوين أهم المؤسسات السينمائية

عندما تذكر السينما التسجيلية في مصر لابد أن يقترن ذكرها باسم المخرج الكبير هاشم النحاس، فهو أب من الأباء العظام للسينما التسجيلية الذين لم يتعاملوا معها كخطوة في سبيل تحقيق حلمهم بإخراج أفلام روائية طويلة، كما يفعل الكثير من المخرجين، بل عشق السينما التسجيلية وأخلص لها، ونظر اليها باعتبارها أصل السينما، وأثراها بكثير من الأفلام الرائعة التي تعد علامات في تاريخ السينما المصرية، كما أثري المكتية السينمائية المصرية والعربية،  بكتب ودراسات نقدية  أصبحت مراجع هامة لكل باحث أو عامل أو مهتم بالسينما.

حصلت أعمال النحاس على العديد من الجوائز المحلية والدولية كان أولها  فوزه بالجائزة الأولى في مهرجان "ليبزج" الدولي عام 1972، عن فيلم "النيل أرزاق" بعدها فاز بجائزة المجلس الأعلى للآداب والفنون سنة 1972 عن بحثه "المشكلة الجمالية للإعداد السينمائي من الرواية إلى الفيلم".

اختيرت أفلامه لتمثل مصر رسميا في أسابيع الأفلام المصرية بالخارج وفي معظم المهرجانات الدولية الهامة للأفلام التسجيلية والقصيرة مثل "لندن"، " نيون"، و"كراكوف"، و"أوبرهاوزن" و"ليبزج"، و"ليل"، و"كليريموفيران" و"سينما الحقيقة "، و"خريبكا" و"أغادير" و"بولونيا" و"مونتريال" 

وفي احتفالية بمئوية السينما العالمية  عام 1995 أقامها أهم مهرجان دولي للأفلام التسجيلية  "كليريمو فيران" بفرنسا" اختير فيلم "النيل أرزاق"  كأحد أهم الأفلام في تاريخ السينما التسجيلية في العالم، عن جدارة، حيث كان بداية لنوعية جديدة مختلفة  في تاريخ السينما التسجيلية المصرية،  فقد كانت نوعية الأفلام السائدة في ذلك الوقت، تعتمد علي الصوت من خلال التعليق الصوتي أكثر من الصورة، كما كانت في معظمها دعائية، وخطابية، وعلي العكس من ذلك اعتمدت أفلام هاشم النحاس علي الصورة كوسيلة أساسية في الفيلم، إضافة للموسيقي التصويرية التي أبدع النحاس في اختيارها لتلائم مواضيع أفلامه، بشكل غير تقليدي مثلما حدث عندما اختار موسيقي الجاز لفيلمه "النيل أرزاق"، ولم يستخدم النحاس التعليق الصوتي مطلقا في أفلامه.

 تناولت أفلام "النحاس موضوعات غير تقليدية "، حيث ركز علي حياة الإنسان المصري في عدة بيئات مختلفة، وأظهر من خلالها جوانب عديدة للشخصية المصرية منها الصبر وقوة الاحتمال وعدم اليأس، وقدرته علي التكيف مع الطبيعة، إضافة للعفوية والعذوبة والعاطفة الجياشة مع الحسم.

 كل هذه الصفات ظهرت بعذوبة شديدة في أفلام النحاس التي تميزت بالنعومة علي عكس ما كان سائدا قبل ذلك في الأفلام التسجيلية حيث كان لهاشم النحاس مدرسته الخاصة  التي تعلم منها كثيرون بعد ذلك من صناع السينما التسجيلية.

حتي في أفلامه عن المبدعين  مثل نجيب محفوظ وصلاح أبو سيف وبركات، كان المخرج الكبير حريصا علي إبراز الجوانب الإنسانية وطبيعة الشخصية  وتأثيرها علي إبداع هذه الشخصيات.

وكذلك في أفلامه عن الإنجازات الكبري، كان يتناولها من جهة تأثير الإنسان وقدرته علي تطويع الطبيعة.

هاشم النحاس يؤمن بالإنسان المصري  والشخصية المصرية لذلك كانت محور لمعظم أفلامه بشكل مختلفة واقترب منها بأسلوب شاعري يضفي علي أفلامه لمحة حالمة رغم واقعية هذه الأفلام، حتي في تصويره اعتمد كثيرا علي اللقطات القريبة التي توضح الانفعالات والمشاعر، وحافظ النحاس علي شخصيته في جميع أفلامه رغم تنوع الموضوعات، وقال إنه كان يحرص دائما علي تصوير أبطاله في حالة عمل وإنتاج وإظهارهم في الصورة التي يحبون الظهور بها مع الحفاظ علي موضوعية الفيلم.

المفارقة أن هاشم النحاس اتهم بـ"الإساءة لسمعة مصر" عندما قدم فيلم "النيل أرزاق" لاهتمامه بالإنسان المصرى البسيط دون تجميل  علي غير المعتاد وقتها، حيث لم تكن الأفلام تهتم بهذه الطبقات الكادحة. 

 هاشم النحاس لم يكتف بدوره كمبدع بل ساهم في تأسيس عدد من المؤسسات السينمائية الهامة التي ساهمت في تشكيل الواقع السينمائي المصري وهو أحد الأعضاء المؤسسين لجمعية التسجيليين المصريين بالإضافة إلى أنه عضو مؤسس لاتحاد التسجيليين العرب وجماعة السينما الجديدة، التي تكونت سنة 1968 كأول جمعية رسمية خاصة تجمع بين شباب السينمائيين وشباب النقاد، وكانت تهدف إلي منح الفرصة للمخرجين الجدد، و التعبير عن الفكر الجديد في السينما والهروب من التقليدية  بإنتاج الأفلام الروائية  بأساليب جديدة، وتغيير السوق والرغبة في إعادة توزيع ميزانية مؤسسة السينما ليحصل الجيل الجديد من السينمائيين على فرصة لعمل أفلامهم.

ضمّت الجماعة  إلي جانب هاشم النحاس مخرجين شبان في ذاك الوقت لم يكونوا قد انتهوا من عمل فيلم طويل بعد وهم محمد راضي وعلي عبد الخالق والفلسطيني غالب شعث هذا بجانب رأفت الميهي وداود عبد السيد وأشرف فهمي، والمصورون محمود عبد السميع وسعيد شيمي وسمير فرج، والنقّاد سامي السلاموني وسمير فريد ويوسف شريف رزق الله وآخرون، وأنتجت الجمعية فيلمين هما “أغنية على الممر” للمخرج علي عبد الخالق و”الظلال في الجانب الآخر” للمخرج غالب شعث، وقد منعت الرقابة عرض الأخير ثم أتاحته بعد فوزه في مهرجان كارلو فيفاري، وعادت ومنعت عرضه مرة أخري. 

شارك النحاس كذلك في تأسيس اتحاد نقاد السينما المصريين وتم انتخاب مجلس إدارة مؤقت للاتحاد من أحمد كامل مرسى رئيسا وسامى السلامونى نائبا للرئيس وفتحى فرج سكرتيرا ويوسف شريف رزق الله أمينا للصندوق وعضوية أحمد رأفت بهجت وسمير فريد وتم الاتفاق على أن يكون هدف الاتحاد "توحيد جهود النقاد من أجل بلورة اتجاهات منهجية فى النقد السينمائى وصولا الى خلق وعى سينمائى متطور لدى المتفرج".

وفى الفترة من 26 الى 28 ديسمبر عام 1972 ساهم النحاس في تنظيم برنامج مشترك بيي جمعية الفيلم وجماعة السينما الجديدة ونادى سينما القاهرة واتحاد التسجيليين وجمعية النقاد بعنوان “أيام فيتنام” تضامنا مع الشعب الفيتنامى ضد العدوان الأمريكى حيث عرضت مجموعة من الأفلام التسجيلية المصرية والأجنبية وصدرت نشرة خاصة أعدها سمير فريد عن قضية فيتنام فى السينما العالمية،

ثم أشهرت جمعية نقاد السينما المصريين  فى ديسمبر  1972، التي كان النحاس من مؤسسيها أيضا.

وشهد يوم السابع من أبريل 1974 منح أول جائزة باسم نقاد السينما فى مصر، بل وأول جائزة سينمائية تمنحها جمعية سينمائية، وقد فاز بالجائزة فيلم ”الحب الذى كان” إخراج على بدرخان عن سيناريو رأفت الميهى، بطولة سعاد حسنى ومحمود ياسين. ولاتزال الجمعية تمنح جائزتها السنوية حتى الآن.

وفى عام 1975 أضافت مسابقة النقاد إلى جائزة أحسن فيلم مصرى جائزة أخرى لأحسن فيلم أجنبى.

مهرجان الاسماعيلية السينمائي الدولي للسينما التسجيلية  أيضا من إنجازات هاشم النحاس الذي أسسه كأول مهرجان دولي في مصر للسينما التسجيلية  عام 1988 فى عهد الدكتورعبدالمنعم عمارة محافظ الإسماعيلية الأسبق الذى رحب بالمهرجان على أرض الإسماعيلية، وما زال المهرجان مستمرا حتي الآن كأهم مهرجان للسينما التسجيلية في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأأوسط..

أما مؤلفاته للمكتبة السينمائية العربية، فهي مؤلفات متفردة في التحليل السينمائي، نتجت عن خبرة ودراية وعلم  مثل يوميات فيلم"،  "محاورات صلاح أبو سيف"، و"عاطف الطيب" رائدا الواقعية المصرية".

بالإضافة لمراجعة ترجمة العديد من الكتب وتقديم غيرها وإشرافه على سلسلة "الكتاب السينمائي" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

 
     
     
 
 
 
     
 

 

عصام زكريا

 

 
 
 

الثقافة السينمائية بدأت على يد جيله:

هاشم النحاس... ناقدا

 
 

ارتبط اسم هاشم النحاس بالأفلام التسجيلية مثل غيره من القلائل الذين كرسوا حياتهم لهذا النوع من السينما، رافضين الاقتراب من مجال السينما الروائية الطويلة وغيرها من الأنواع الشعبية أو غير الشعبية. وهذا الربط غطى في أحيان كثيرة على إنجازات هاشم النحاس الأخرى، مثل جهوده في تأسيس الجمعيات كجمعية نقاد السينما، والكيانات السينمائية كمهرجان الاسماعيلية، ومثل اسهاماته النقدية والتنظيرية والترجمات القيمة التي قام بها لعدد من الكتب السينمائية.

هاشم النحاس جاء إلى السينما من باب الفلسفة والأدب، وبدأ حياته كناقد سينمائي قبل أن يقرر دراسة السينما أكاديميا ليحسن ويعمق فهمه لها.

كانت البداية مع صلاح أبو سيف في بداية الستينيات عندما قرر اختيار مجموعة من خريجي الجامعة؛ ليكوّن منهم لجنة قراءة النصوص وتقييم الأفكار السينمائية؛ واجراء عملية مسح للروايات التي تصلح للتحويل السينمائي، وكان هاشم النحاس واحدا منهم. في ذلك الوقت كان للجامعة وخريجي الجامعة شأن وكفاءة وتقدير من الدولة الناهضة لا مثيل له الآن.

تعرف هاشم النحاس في هذه اللجنة على أحمد راشد، الذي سيصبح ناقدا ومخرجا للأفلام التسجيلية أيضا، وربطت بينهما صداقة وتعاون وتأثير متبادل لسنوات وعقود قادمة.

يقول هاشم النحاس في حواره مع الناقد رامي عبد الرازق في كتاب "هاشم النحاس وأفلامه عن الانسان" الصادر عن مهرجان الاسماعيلة الدولي بمناسبة تكريمه عام 2017:

"كان أحمد راشد أكثر إيجابية مني، فقد بدأ كتابة النقد قبلي، وبدأ العمل في السينما قبلي، لكن كانت المسافة الزمنية بيننا على مستوى الإنجازات وجيزة جدا..

تولى أحمد راشد سكرتارية مجلة السينما، التي كان يصدرها المركز القومي للأفلام التسجيلية (قبل المركز القومي للسينما)، وكان يرأسه وقتها الكاتب حسن فؤاد، حيث أسند رئاسة مجلة "الثقافة والحياة" لمنى مجاهد، وأسند لنا أنا وأحمد راشد بعض الأعمال" في تلك الفترة كنت أجرب كل شئ حتى إنني قمت بعمل موضوع في مجلة الثقافة والحياة عن الطلبة الوافدين للدراسة في الأزهر، كما قمت بعمل فيلم قصير للثقافة والحياة أيضا عن حديقة الحيوان عام 1967."

 في وقت لاحق سيتم تكليف هاشم النحاس بعمل مجلة سينمائية للفلاحين أخرج منها 3 أعداد، وشاركه العمل فيها أسماء مثل محسن زايد وعليّ عبد الخالق!

ويقول النحاس عن تجربته في هذه المجلة الفريدة من نوعها:

"أعتقد أن عملي في مجلة النيل كان له أثر ما في خلفيتي الذهنية عندما أنجزت أول أفلامي "النيل أرازق"."

في حدود عام 1967 كان هاشم النحاس يعمل بالنقد السينمائي في مجلة "المجلة" وأحيانا في إجراء التحقيقات الصحفية في مجلة "الكواكب" وذلك أثناء فترة رئاسة الناقد رجاء النقاش. وكان يعمل في لجنة القراءة والسيناريو مع نجيب محفوظ في المؤسسة العامة للسينما، ويقوم بكتابة سيناريوهات لتمثيليات تليفزيونية من حلقة واحدة عن أعمال نجيب محفوظ وواحدة عن رواية "العيب" ليوسف أدريس يقول النحاس:

"كنت أقوم بمختلف هذه النشاطات من أجل أن أعد نفسي لأكون ناقدا، ولم يكن في ذهني وقتها أنني سوف أتجه إلى إخراج الأفلام التسجيلية، لم يكن في ذهني سوى تعلم الفيلم من الداخل حتى أستطيع تقييمه والحكم عليه بشكل يختلف عن أسلوب وطريقة النقاد الذين كانوا يكتبون عن الأفلام في تلك الأيام".

كانت ندوة "الفيلم المختار" التي أسسها الأديب يحي حقي في بداية الخمسينيات وكانت تقام أسبوعيا في ساحة قصر عابدين، هي نقطة التجمع التي التقى عندها عدد من عشاق السينما الذين سيتحولون إلى نقاد وباحثين وسينمائيين، ومنهم هاشم النحاس وأحمد الحضري الذي كان بمثابة أخ أكبر ومعلم ومثل لهاشم ورفاقه.

كان أحمد الحضري ناشطا وناقدا ومترجما دقيقا، وكان يكتب بعض المقالات القيمة في مجلة "المجلة" التي يرأس تحريرها يحيىّ حقي، ولفتت انتباه الشاب هاشم النحاس، الذي وجد فيها نوعا مختلفا من الكتابات السينمائية، يتعامل مع السينما كفن راق.

بعد قليل سيقوم فريد المزّاوي المسئول عن "ندوة الفيلم المختار" بتكليف الحضري والنحاس وبعض الشباب بإدارة الندوة تحت إشرافه، فكانوا يقرأون عن الفيلم ويشاهدونه قبل العرض العام ويكتبون عنه ورقة ويديرون المناقشة.

فريد المزاوي اختار شباب مجموعة "جمعية الفيلم" ضمن مشروع "ترجمة الكتب للهواة" ليحصل كل منهم على كتاب للترجمة، كان هذا عام 1961 باقتراح من المخرج أحمد بدر خان أن يتم ترجمة عشرة كتب عن سينما الهواة كبداية لتنشيط الثقافة السينمائية، وكان كتاب "كيف تعمل المؤثرات السينمائية" من نصيب هاشم النحاس، وكانت بداية قراءاته الأجنبية عن السينما ومحاولاته في الترجمة.

أحمد الحضري كان أيضا صاحب فكرة تأسيس جمعية سينمائية للهواة التي تأسست بالفعل عام 1960 تحت اسم "جمعية الفيلم"، لتصبح النواة لمعظم الجمعيات السينمائية الأخرى التي نشأت من بعدها، مثل "جماعة السينما الجديدة" و"جمعية نقاد السينما المصريين" و"جمعية التسجيليين المصريين" و"جمعية كتَّاب ونقاد السينما".. حيث لا تخلو أي جمعية من هذه الجمعيات من الأعضاء الذين تم تكوينهم وتأسيسهم داخل جمعية الفيلم، وعلى رأسهم هاشم النحاس.

أحمد الحضري هو أيضا صاحب فكرة ومؤسس "نادي السينما بالقاهرة" الذي بدأت عروضه عام 1968 واستمرت لمدة 26 عامًا.

ومع كل عرض كانت توزع نشرة أسبوعية تتراوح أعداد صفحاتها ما بين 8 : 32 صفحة، صدر منها حوالي 1350 عددًا، وكانت تمثل نموذجًا فريدًا بالنسبة للنشرات التي توزع مع عروض نوادي السينما في العالم كله. ويقول هاشم النحاس في حواره المذكور سابقا:

"أتيح لي المشاركة بتقديم بعض أفلام النادي وإدارة المناقشة حولها والكتابة عنها في النشرة. وكان الحضري قد وضع تقليدًا فريدًا على من يكتب في النشرة الدراسة الأساسية الخاصة بالفيلم المعروض، أن يسبق الدراسة بتتابع تفصيلي لمشاهد هذا الفيلم. ولا أدري من أين جاء بهذا التقليد المنهجي غير المسبوق في ثقافتنا السينمائية العربية، والذي كان يساعدني شخصيًا على ترتيب أفكاري وضمان عدم سقوط أي فكرة لها أهمية. وكان تكرار كتابتي على هذا النحو للنشرة، ومتابعتي لقراءات الدراسات الأخرى، أن أصبح هذا التقليد عادة مكتسبة كلما حاولت كتابة مقال عن فيلم من الأفلام. وهو ما اتبعته أيضًا في تأليف كتابي عن المخرج "عاطف الطيب رائد الواقعية المصرية المباشرة" حيث رصدت فيه تتابع المشاهد لكل فيلم على حدة من أفلام الطيب."

وكان طبيعيًا أن تتفاعل وتنمو العلاقة بيني وبين الحضري، في هذا المجال أيضًا، وكان لي الشرف أثناء توليتي مسئولية الإشراف على سلسلة الكتاب السينمائي الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، أن أسند إليه ترجمة بعضها منها مثل كتاب "كتابة السيناريو للسينما"1988 وكتاب "التمثيل للسينما والتليفزيون" 1993 و"توجيه الممثل في السينما والتليفزيون"2004.

وعندما توليتُ رئاسة المركز القومي للسينما، أسندتٌ إلى الحضري استكمال مهمة ترجمة كتاب "نظرية السينما" الذي سبق وأن اشترك مع غيره في ترجمته، والكتاب يقدم نظرية "بيلا بالاش" التي تعتبر إحدى النظريات السينمائية الكبرى."

يحيى حقي الذي كان دائم الحضور في عروض "ندوة الفيلم المختار" ساهم أيضا في منح الفرص لهاشم النحاس ورفاقه للكتابة في مجلة "المجلة" التي كان يرأس تحريرها. وكانت أول مقالة نقدية تحمل توقيع هاشم النحاس في عدد مارس1963 عن أعمال صلاح أبو سيف بعنوان "من إخراج صلاح أبو سيف"، وتعتبر أول دراسة جادة عن سينما صلاح أبو سيف ونشرت على جزئين.

من مقالات هاشم النحاس في "المجلة" مقال آخر عن فيلم "دنيا" لخليل شوقي والمأخوذ عن قصة  للكاتب فتحي غانم. عنوان المقال "دنيا بين الفيلم والقصة" ويعتبر واحدا من أوائل المقالات المنشورة بالعربية التي تنتمي لما يعرف بالنقد المقارن بين الفيلم والرواية.

كتب النحاس أيضا عددا من المقالات النقدية عن أفلام نجيب محفوظ، والتي ستكون بداية علاقته المميزة مع الأديب الكبير سواء على مستوى الكتابة أو الاخراج.

يقول النحاس: "خلال عملي بالسينما لم انقطع أبدًا عن العمل في الصحافة"، وعندما عمل كمساعد للمخرج صلاح أبو سيف في فيلم "القاهرة 30" كلفه أبو سيف بكتابة يوميات وملاحظات كانت نواة أول كتاب من تأليفه بعنوان "يوميات فيلم"، والكتاب كان سببا في تعرفه على الناقد رجاء النقاش والعمل معه لفترة قصيرة كصحفي في مجلة "الكواكب"، ولكن وقتها، كما يقول النحاس: "كنت قد بدأت رحلتي مع الإخراج وأدركت أن العمل بالصحافة به جو تنافسي لا يناسبني، وهو مختلف عن الأجواء التنافسية في المجال السينمائي الذي كنت قد بدأت أدرك أبعاده".

في عام 1971 أعلن المجلس الأعلى للآداب والفنون عن مسابقة لكتابة أبحاث عن موضوعات سينمائية، وشارك هاشم النحاس ببحث يحمل عنوان "نجيب محفوظ على الشاشة" استمد فكرته من المقالات التي كان ينشرها عن أفلام محفوظ في مجلة "المجلة"، وفاز البحث بالجائزة الثانية للمجلس ونشرته الهيئة العامة للكتاب بعد ذلك عام 1975 وأعيد في طبعة ثانية 1990.

إجمالا كتب هاشم النحاس ثلاثة عشر كتابا في السينما، وترجم أو شارك في ترجمة ستة كتب، وأشرف من خلال عمله كمشرف على الكتب السينمائية في مشروع الألف كتاب الثانية بالهيئة العامة للكتاب على نشر 25 كتابا مترجما ومؤلفا، بالإضافة إلى عدد من حلقات البحث التي نظمها المجلس الأعلى للثقافة، وعدد من الكتب التي قدم لها.

في كل هذه الكتابات نجد درجات من العمق والجدية والأسلوب العلمي، لم تكن موجودة قبل هاشم النحاس ورفاق جيله الذين أسسوا فعليا ما نطلق عليه اليوم النقد السينمائي العربي.

 
     
     
 
 
 
     
 

 

محمد سيد عبدالرحيم

 

 
 
 

نعم.. هذا هو عيشنا!

المصري في أفلام هاشم النحاس التسجيلية

 
 

في أحد مشاهد فيلم "المومياء" 1969 للمخرج شادي عبد السلام، يسأل الابن الأكبر أفراد عائلته - بعد معرفته بأن قبيلته تقتات من انتهاك حرمة مقابر الفراعنة وبيع مقتنيات المومياوات - "أهذا عيشنا؟!" أنه سؤال استنكاري رافض للواقع الذي يتمثل في رفض شقيق البطل لحياة البطالة التي تعيشها القبيلة وأيضا رفضه لعيشها في الحاضر منعزلة ومنقطعة عن ظهيرها الحضاري العريق المتمثل في الحضارة الفرعونية. وهو ما كان يرفضه أيضا بطل الفيلم ونيس وصانع الفيلم شادي عبد السلام وذلك عبر إبراز السلب لتبني الإيجاب أي إبراز البطالة من أجل إعلاء قيمة العمل وإبراز الانقطاع الحضاري من أجل الحث على ربط الحاضر بالماضي من أجل مستقبل أفضل.

وفي حالة مخرج الأفلام التسجيلية هاشم النحاس نجد أن أفلامه تقوم بعكس ذلك تماما من أجل الوصول إلى نفس الهدف وهو تأكيد أهمية العمل والتفاؤل بما سيأتي به المستقبل (الإيجابيات) وذلك عبر إظهار الإنسان المصري وهو يعمل في شتى المجالات وفي شتى بقاع مصر وكأن المخرج الكبير يريد بذلك أن يقول للمشاهد ويؤكد له أن "هذا هو عيشنا" الذي عاش الإنسان المصري على منواله منذ قرون طويلة فبنى الحضارة المصرية القديمة وهذا هو ما يجب أن نستمر على منواله حتى نستكمل بناء هذه الحضارة لنكون جديرين بتاريخنا وحضارتنا وتراثنا وبلادنا.

ويتميز النحاس بسمتين أساسيتين وهما تقديس العمل وتفاؤله بالمستقبل. فالرجل الذي تجاوز الثمانين عاما (مواليد 1937) ما زال يعمل يوميا ويتابع الأفلام والمهرجانات والكتابات المختلفة، يدفعه عشقه وتقديسه للعمل وأيضا تفاؤله بالحاضر وبالمستقبل وبكل ما/ من حوله. وبذلك تتطابق أفكاره مع حياته وهو أمر جد نادر ولكنه يعكس مدى فرادة هذا المخرج والناقد والمثقف الذي أفنى حياته من أجل السينما والفن والثقافة بشكل عام.

ويعتبر هاشم النحاس واحدا من رواد السينما التسجيلية وأيضا من رواد النقد السينمائي في مصر والذي استمر عطاءه للسينما لأكثر من نصف قرن. فالسينما أخذت منه الكثير وتطورت كثيرا على يده عبر أفلامه التسجيلية التي صنعها والتي تعتبر من أهم الأفلام التسجيلية في تاريخ السينما وأيضا عبر كتاباته النقدية التي عمقت من رؤية المشاهد والفنان معا. وفوق ذلك كان لهاشم النحاس أيضا أدوار أخرى كثيرة منها دوره كأستاذ للسينما في المعاهد المختلفة وشغله لمنصب رئيس المركز القومي للسينما وإنشاء المهرجانات ورئاستها وإدارتها مثل مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة بالإضافة لمشاركته في الكثير من المهرجانات وأيضا مساهمته في تأسيس الثقافة السينمائية في مصر منذ ستينيات القرن العشرين عبر جمعية الفيلم وجمعية نقاد السينما المصريين وجمعية التسجيليين المصريين وجماعة السينما الجديدة بالإضافة إلى رآسته لسلسلة الكتاب السينمائي بهيئة الكتاب التي نشرت بسبب جهوده أهم الإصدارات السينمائية عن هيئة الكتاب.

 

العمل والتفاؤل

اهتم هاشم النحاس في أفلامه التسجيلية بفكرة العمل، حيث نجد أن أول أعماله "النيل أرزاق" 1972 يسجل حياة المصريين وارتباطهم بالنيل الذي يرزقهم بطرق مختلفة وأيضا في فيلمه "الناس والبحيرة" 1981 وفيلم "البئر" 1982، حيث الماء أصل الحياة مثلما يقول الفيلسوف اليوناني طاليس. فالماء مرتبط وملاصق لحياة الناس وعيشهم وهو ما صوره النحاس عبر عملهم اليومي من زراعة وصيد وبناء، والذي يهدف إلى إعمار الأرض واستمرار الحياة، وكأن الغاية من الحياة -في ثلاثية الماء السابق ذكرها- هي العيش. والعيش هنا لا يأتي بمعنى الحياة فقط بل يأتي أيضا بمعنى الطعام أو الخبز (ولنلاحظ مدى بلاغة العامية المصرية حينما أطلقت على الخبز العيش) وأيضا الرزق وهو ما يحيلنا إلى عنوان أول أفلام هاشم النحاس التسجيلية وهو فيلم "النيل أرزاق". فهذا العنوان يعكس رؤية ومسيرة هاشم النحاس الإخراجية من البداية حتى آخر فيلم له حيث تتناول كل أفلامه فكرة العمل في بر وبحر مصر.

إلا أن هذا لم يمنع المخرج الكبير من أن يتناول أيضا عمل فئة أخرى تختلف تماما عن فئة الصيادين أو الفلاحين أو البنائين وهي فئة الفنانين –التي ينتمي إليها المخرج نفسه- الذين يعملون هم أيضا ويكدون من أجل بناء مصر والإنسانية بشكل عام عبر فنهم وذلك في أفلام مثل فيلم "نجيب محفوظ: ضمير عصره" 1989 وفيلم "ألوان فاروق حسني" وفيلم "عرووس البحر: أزميرالدا" وفيلم "صيحة أحمد شيحة" وفيلم "بشارة محمود سعيد". والمخرج في هذا يؤكد أن الفنانين بشكل خاص والفن بشكل عام لا يقل أهمية أبدا عن المزارعين والصيادين والعمال وغيرهم. فالحياة لا يمكن أبدا أن تكون مكتملة بدون الفن والفنانين الذين يعبرون عن أنفسهم وعن بني ثقافتهم وحضارتهم.

وفي كل أفلام هاشم النحاس، يركز على تسجيل وتوثيق علاقة البشر مع الطبيعة التي تحيط بهم من مياه في ثلاثية الماء السابق ذكرها أو أدوات مختلفة كالخشب والحديد مثل فيلمه "في رحاب الحسين" 1981 أو مع القماش في فيلم "خيامية" 1983 أو في حياتهم اليومية مع كل عناصر الطبيعة مثل في فيلم "توشكى" 1982 وفيلم "شوا أبو أحمد" 1983 وفيلم "سيوة" 1987 وفيلم "ناس 26 يوليو" 2001 أو مع الوسائط التي يستخدمها الفنانين من أجل إبداع أعمالهم الفنية من ألوان للرسامين أو صخر للنحاتين حيث يحاولوا أن يتغلبوا على الطبيعة عبر الحيلة والعمل المستمر من أجل كسب رزقهم/ قوت يومهم بشكل خاص ومن أجل اعمار الأرض بشكل عام.

ويعكس هاشم النحاس هذه الأفكار أيضا عبر الصورة، بعد أن وضحها عبر اختيار الأفكار ووجهة النظر؛ حيث تتجلى حالة معافرة الإنسان المصري مع الطبيعة عبر استخدام وتوظيف اللقطات الكبيرة التي تركز على اليدين والقدمين والوجوه التي تقطر عرقا بسبب العمل والجهد والعروق النافرة من اليد والرقبة، بالإضافة إلى حركة الجسم واليد في العمل وتطور العملية نفسها التي يغير فيها الإنسان الطبيعية حيث يوضح المخرج للمشاهد صيرورة العملية من وقت لآخر حتى تحقيق المبتغى منها إذا كانت عبر البناء أو النحت أو التشكيل. كل ذلك يقوم به المخرج عبر الصورة وبدون أن يستخدم أي تعليق صوتي أو حوار مع الشخصيات التي يسجلها الفيلم.

السمة الأخرى التي يتميز بها هاشم النحاس شخصا وإبداعا هي سمة التفاؤل. فهو يرى دائما الجانب الممتلئ من الكوب، فيقدم شخوصه بحب وتقدير واعتزاز شديد، بل أنه يصل إلى مرحلة تبجيلها حينما يقدمها بشكل مثالي، فلا يري المشاهد أي سمة سلبية في الشخصيات التي يقدمها عبر أفلامه.

الكاميرا عند هاشم النحاس هي كاميرا انتقائية تختار تقديم ايجابيات المجتمع المصري من أجل التأكيد على أهمية تبني هذه الايجابيات وتنميتها في المستقبل، لاستكمال بناء الحضارة المصرية. فيقدم النحاس مثلا حالة الدروشة التي تنتشر في المجتمع المصري بطريقة إيجابية بعكس أغلب الأفلام والفنانين الآخرين وذلك عبر التأكيد على أن الدروشة لا تلهي أصحابها عن العمل وعن خدمة المجتمع، عبر تقديمهم الطعام والشراب للمحتاجين أثناء القيام بمثل هذه الطقوس في فيلمه "في رحاب الحسين" أو فيلم "سيوة" كأمثلة. بل إن النحاس يقدم المصري وهو "يعافر" مع حالة الفقر والعوز التي يصطدم بها في حياته اليومية فيستطيع التغلب عليها عبر عمله، مما يجعله قادرًا على تحمل صعاب الحياة، فتتحول بذلك حالة شظف العيش في المجتمع المصري لأمر إيجابي دافع لاستمرار وتطور الحياة، لا أمرا سلبيا يعوق تقدم الحياة والبشرية.

 

ثورة على التعليق الصوتي

ومن أهم سمات أفلام المخرج هاشم النحاس هو الثورة التي قام بها في السينما التسجيلية في مصر، حينما قرر بوعي شديد وواضح أن يبتعد عن استخدام التعليق الصوتي في أفلامه التسجيلية. فمنذ أول أفلامه، لم يعد المشاهد يسمع هذا الصوت الذي يعلق على الصورة عبر سرد تاريخ أو تعليق على حدث يظهر أمامه أو غيرها من الأمور. وعبر هذا الغياب كان المخرج الكبير يحاول أن يغيب ذاته كموجه للمشاهدين بالصوت لتكون الصورة هي الحكم. فالتعليق الصوتي -وهو من ترسبات فنون أخرى بعيدة عن وسابقة على السينما- كانت غالبة على كل أفلام السينما التسجيلية في مصر. ومع غيابها غاب –جزئيا- المخرج/ المؤلف ليفسح مجالا أكبر للصورة التي تظهر المواطن المصري وحياته. فحضور المصري على الشاشة أصبح أكثر تركيزا في أفلام هاشم النحاس عن أفلام سابقيه، بعد تغييب التعليق الصوتي الذي كان كصوت الإله القادم من لا مكان. فهو صوت غير طبيعي يأتي من خارج الصورة وبلا أي مبرر واقعي سوى فرض رأي ورؤية صانع الفيلم على المشاهد وتوجيهه.

ويقول هاشم النحاس في هذا السياق "هو تغيير أكثر منه ثورة... ما فعلته هو التخلي عن التعليق الصوتي والحوار وهو أمر صعب بالتأكيد حيث كان علي أن أعتمد على الحركة للتعبير عن الإنسان. حينما ترى الإنسان وهو يتحرك أو يعمل، لا تحتاج للحوار أو للتعليق الصوتي ليخبرك بما يدور بداخله، إذ إن حركته وعمله تفصحان عن مكنونه. مثلا حينما أصور ولد وهو يصعد ساري مركب فأصور تفاصيل ذلك عبر لقطات قريبة ليده وذراعه، فتدل على أنه يعمل في هذه المهنة منذ مدة طويلة وتدل على مدى الشقاء الذي يعانيه في عمله بدون كلمة ملفوظة".

ولكن ما فعله هاشم النحاس بالفعل هو ثورة. ثورة من أجل صوت شخصيات الفيلم التسجيلي مقابل صوت المخرج. ونستطيع أن نقول أنها ثورة المواطن المصري على الملك وعلى الحاكم بشكل عام. هذا الحاكم الذي يوجه الناس بخطاباته التي قد تتناول موضوعات مختلفة متماسة مع الماضي أو المستقبل، ولكنها بالفعل توجه الناس إلى الحاضر؛ حيث تبجيل وتقديس الحاكم الذي لا ينطق عن الهوى. بغياب الصوت، أصبح للمشاهد مساحة أكبر من التفكير والاستيعاب الفردي الحر بدلا من الإملاء الذي كان يجبر عليه عبر التعليق الصوتي فلا يترك له أي مساحة للتفكير أو استيعاب ما يراه على الشاشة بطريقة أخرى مخالفة أو حتى مختلفة عن الطريقة التي يرويها المعلق الصوتي. وبذلك قام هاشم النحاس بما يمكن أن نطلق عليه بدمقرطة تلقي الأفلام التسجيلية عبر تغييب صوت المعلق الصوتي فجعل المشاهد له حرية الاختيار في تكوين رأي وفكرة عما يشاهده. وهذا لا ينفي بالتأكيد أنه كان على وعي بذلك وأنه ينتقي كل شيء في الفيلم وبالتالي فهو يقوم –بشكل ما– بتوجيه المشاهد عبر اختيار الموضوع والشخصيات والموسيقى وكل ما يراه المشاهد في الفيلم.

أخيرا، الفنانون الكبار في تاريخ الإنسانية دائما ما تؤرقهم أفكارا محددة تغلب عليهم في كل أعمالهم. تنبع هذه الأفكار من همومهم في الحياة الشخصية والعامة وهو ما ينطبق هنا مع هاشم النحاس المهموم دائما بالعمل والمتفائل دائما بمستقبل أفضل للمصريين والبشرية.

 
     
     
 
 
 
     
 

 

حوار: عبدالله شاهر

 

 
 
 

هاشم النحاس

(العين التي ترى ما لا تراه العين المجردة)

 
 

"الأفلام التسجيلية لا تقل إبداعًا عن الأفلام الروائية، وأهم ما في السينما التسجيلية بعد تخلصها من التعليق الصوتي هي الصورة التي تعطيك الفرصة لتتأمل وتستنتج بحُرية دون أن يملي عليك أحد ذلك"، هكذا تحدث عاشق الصورة، ومبدع السينما التسجيلية، الذي يبحث عن الإنسان المصري، أنه المخرج والفنان هاشم النحاس، صاحب العين التي ترى التفاصيل التي لا تراها العين المجردة، والعاشق للإنسان المصري بكل تفاصيله، فمن يريد التعرف على الإنسان المصري فليشاهد أفلام هاشم النحاس.

ولد هاشم النحاس 27 مارس عام 1937، حصل على دبلوم في التربية من معهد المعلمين بالزيتون عام 1956، وعلى ليسانس آداب الدراسات الفلسفية والاجتماعية من جامعة عين شمس عام 1961، وعلى دبلوم معهد السيناريو عام 1964، وعلى دبلوم الدراسات العليا في السينما (سيناريو وإخراج) من المعهد العالي للسينما عام 1972.

وأمضى حياته في عالم السينما ناقداً ومخرجاً ومترجماً وباحثاً وأستاذاً، حيث عمل مخرج ومنتج فني في المركز القومي للأفلام التسجيلية 1967-1987، ثم عين رئيسا للمركز القومي للسينما 1990-1993، وعمل كأستاذ (غير متفرغ) للسينما التسجيلية بجامعة 6 أكتوبر (1998-2005)، وأستاذ متميز (غير متفرغ) للسينما التسجيلية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وانتقل لجامعة بغداد لتدريس السينما.

وأصبح عضو لجان التحكيم بالمهرجانات المحلية والقومية والدولية.

وتتميز أفلامه بأسلوب خاص يتسم بالعشق للإنسان والمكان، و تتولى كاميرته مهمة رصد التفاصيل، التي تعبر عن حبه لهذا الإنسان، وهو ماترجمته أعماله، ومنها (النيل أرزاق)، أياد عربية (1975)، في رحاب الحسين (1981)، الناس والبحيرة (1981)، البئر (1982)، توشكى (1982)، الخيامية (1983)، أبو أحمد (1983)، سيوة (1986) وغيرها من الأفلام.

 

*للوهلة الأولى في الحديث معه تستشعر أنك أمام كنز من الخبرات والمعلومات والإبداع، ما يجبرك بشكل تلقائي، أن تستمر في الأسئلة لتنهل من هذا النبع.

أصبت بحالة من الاندهاش استمرت معي حتى إنتهاء الحوار، بعدما علمت منه أنه لم يكن في ذهنه التخصص بالسينما، وأنه كان يريد أن يصبح كاتباً، وبدأ بالفعل في إعداد بعض القصص لنجيب محفوظ في التلفزيون إخراج إبراهيم الصحن، ولكن فيلمه (النيل أرزاق)، الذي يفخر ويعتز به كثيراً وهو ما قد تلاحظه بحديثك معه، كان للفيلم تأثيرًا كبيرًا في تحول تفكير النحاس من كونه كاتب وناقد، إلى اتخاذ السينما التسجيلية هدفاً وطريقاً، حصد النيل أرزاق جوائز كثيرة أهمها الجائزة الثانية في مهرجان"ليبزج" الدولي بألمانيا عام 1972،احتفالا بمئوية السينما العالمية عام 1995، واختير فيلم "النيل أرزاق" ضمن برنامج "100 فيلم من القرن" الذي قدمه المهرجان الدولي للأفلام القصيرة في كليريموفيران (فرنسا).

 

*ويقول المخرج هاشم النحاس، أن فيلم النيل أرزاق كان له الأثر الكبير في التحول من الكتابة إلى السينما التسجيلية، نظراً للتقدير والتكريم بالداخل والخارج، بالرغم من أن الفيلم كان قد تعرض للهجوم الشديد في الداخل، واتهم بالإساءة لسمعة مصر، حيث يركز على الشخصيات الفقيرة و ليس أصحاب الياقات البيضاء، ولكن الجوائز والتقدير الخارجي صدوا الهجوم عن الفيلم وجعلوه مرحباً به، وأصبح نقطة تحول في تاريخ السينما التسجيلية التي كانت تمتنع عن تصوير هذه الطبقة الكادحة وفق توجيهات البعض، وكانت تقتصر فقط على تصوير الشحصيات الهامة والإجازات والأحداث المهمة، كنوع من أنواع الدعاية، ليأتي النيل أرزاق ويكسر تقاليد السينما التسجيلية شكلاً وموضوعاً.

 

*ويفسر المخرج هاشم النحاس، أن اهتمامه بخلق هذا الاتجاه الجديد في السينما التسجيلية، وتصوير هذه الطبقة الكادحة، كان رد فعل تلقائي على هزيمة 67، فيقول "خلفت هزيمة 67 مرارة في حلق أبناء جيلي، الذين تنوعت ردود افعالهم إزاء هذه الهزيمة، فاتجهت السينما التسجيلية إلى أفلام عن المقاومة وحرب الاستنزاف عند "فؤاد التهامي مثلا"، واتجه جانب اخر من التسجيليين إلى أفلام مستمدة من تاريخنا الفرعوني "شادي عبد السلام وسمير عوف"، ومنهم من اتجه إلى الأفلام الدينية "حسين الطيب"، كل منهم يقصد رفع الروح المعنوية للمصريين بتقديم ما يراه مصدرًا للقوة يجب ان نتمثله لعلاج ما بنا من ضعف. ولكني اخترت ان يكون موضوعي الأساسي الانسان المصري المعاصر، باعتباره هو القوة الحقيقية الكفيلة بالرد على العدوان، والكفيلة بصنع الحضارة، وكانت هذه الأفلام بحثا عن هوية الانسان المصري البسيط وما يتميز به من قدرة على الابداع فضلا عن قدرته على تحمل المشاق وكنت بذلك اول من اظهر الانسان المصري البسيط في حياته اليومية، ويقترب من أفلامي أفلام المخرجة عطيات الابنودي التي تناولت الانسان المصري البسيط ولكن من خلال المشاكل التي يواجهها في حياته. وكانت أفلامي عن هوية الانسان المصري وافلام عطيات الابنودي عن مشاكل هذا الانسان هي أول أفلام تتناول الانسان المصري البسيط بدلا عن الشخصيات والاحداث الهامة والإنجازات التي كانت تشغل السينما التسجيلية من قبل".

 

*ويستكمل النحاس قائلاً، حاولت الكشف عن هوية الإنسان  البسيط، وخاصة وهو في أبهى صوره والتي تتمثل في لحظة العمل، وحبي لهذا الإنسان  وتفهمي له ينعكس في لحظة تصويري وهو يعمل لإبراز قوته وصبره وذكائه في التفاعل مع البيئة المحيطة به، ولم أولي مشاكل الإنسان البسيط أهمية رغم كثرتها، حتى لا يبدو منكسراً، فقد كنت أريد تقديم الإنسان المصري، لنعرف أنفسنا ونبني المستقبل على أسس ثابتة بعيدة عن الإدعاء، وعندما أشاهد هذه الأفلام مرة أخرى أكتشف بها أشياء كثيرة في هذا الإنسان لم تكن في بالي، فكل هذه الأفلام تجيب عن سؤال واحد، وهو كيف استطاع الإنسان البسيط التفاعل مع بيئة يخلق منها أساس الحياة".

لتشمل الأفلام بيئات مختلفة فنجد فيلم (الناس والبحيرة) ليصور الإنسان وعلاقته بالبحيرة وعلاقته بها، وفيلم (شوا أبو أحمد) الذي يصور علاقة الفلاح بالأرض واسرته.

وعشق المخرج هاشم النحاس للإنسان المصري لم يتوقف بانتقاله من مصر، فقد سافر إلى العراق للعمل في تدريس السينما  في جامعة بغداد، وفي فترة حكم صدام حسين، الذي كان قد أعد خطة لتنمية وتطوير العراق، وباستقطاب أعداداً كبيرة من الفلاحين المصريين، وأنشأ لهم قرية، ما دفع النحاس لتصوير فيلم تسجيلي عنهم بعنوان (قرية الفلاحين المصريين في بغداد).

 

*ويقول هاشم النحاس "أن المخرج في السينما التسجيلية محرر من القيود التي يُكبل بها مخرج الأفلام الروائية، فهو حر في اختيار موضوع الفيلم، وغير مقيد بفكرة نجوم الشباك، ولكن ما يعيب السينما التسجيلية، عنصر التعليق الصوتي، وهو ما أكرهه كرهاً شديداً، فالتعليق الصوتي عنصر مفتعل مقحم على الصورة، فأنا اعتبره عنصر فاشيستية، لا يسمح للمتفرج بتأمل الصورة والتعبير عن رأيه الشخصي، حيث يفرض المعلق رأيه عليه، وكثيراً ما يكون التعليق مفتعلاً وكاذباً، وأذكر فيلم للمخرج سعد نديم، وهو أحد آباء السينما التسجيلية، قدم فيلم معتمدًا عن الرسومات التي تصور حياة النوبيين، وكان يصحبه التعليق الصوتي، الذي كان يحاول إقناعنا،  بأن النوبيين سعداء بهجرتهم إلى القرى الجديدة وترك أراضيهم ومنازلهم، بالرغم من أن المتعارف عليه، أن النوبيين كانوا ومايزالون يبكون قراهم القديمة، التي غمرتها المياة التي فاضت من السد العالي، ولكنهم اضطروا للانتقال للنوبة الجديدة، التي أنشأها الرئيس جمال عبدالناصر، وهو ما يثبت أن الفيلم التسجيلي المصحوب بالتعليق قابل للكذب على المتفرج ومحاولة إقناعه بعكس الحقيقة التي يراها بعينيه".

 

*شعور النحاس بالغيرة من تونس ومهرجاناتها، هو ما دفعه لتأسيس مهرجان الإسماعيلية، حيث يقول النحاس، "عندما حضرت ضيفاً على أحد مهرجانات الدولية للأفلام التسجيلية والقصيرة في تونس، شعرت بالغيرة وقررت عمل مهرجان دولي للأفلام التسجيلية في مصر، وعندما شرعت في الإجراءات واختيار المكان، كنت أريد الابتعاد عن القاهرة، فهي مزدحمة بالأنشطة، ما يؤدي إلى (الكبس على أنفاس المهرجان)، ففي البداية ذهبت إلى أسوان لبحث إمكانية إقامة المهرجان هناك ولكني لم أجد الدعم الكافي من العاملين بالوزارة هناك بالإضافة إلى أنها تبعد كثيراً عن القاهرة، وليس معنى أنني أريد الابتعاد عن القاهرة، أن أفقد التواصل معها أيضاً. لذا فكان السبب الرئيسي في اختياري للإسماعيلية إنها منفصلة عن القاهرة ولكنها قريبة منها في وقت واحد، وبدأ المهرجان قوميا عام 1987 ثم تحول إلى مهرجان دولي للأفلام التسجيلية 1990، وحقق المهرجان بعض أهدافه، ولكنه مازال بحاجة لجهد أكثر لتحقيق الأهداف المرجوة منه، منها تحقيق التفاعل بين المخرجين المصريين والمخرجين الأجانب، وأيضاً الهدف الرئيسي هو إقبال الجمهور على السينما التسجيلية، وهو بالكاد ما رأيته يتحقق في الدورة الأخيرة للمهرجان في أبريل الماضي، ويمكن إيصال السينما التسجيلية بصورة أوسع للجمهور من خلال عرضها في المنتديات وأماكن التجمعات والمدارس وقصور الثقافة، والإستعانة بالمثقفين لتقديم العروض ومناقشة الجمهور فيما شاهدوه، السنيما التسجيلية تحتاج تنظيم ورعاية وقليلاً من الدعم، فنحن الآن نملك مجموعة كبيرة من المخرجين والمخرجات، على قدر رفيع من التكنيك والفهم، ولكن يجب ان نوفر لهم قدرًا من الدعم و مساحة اكبر من الحرية للتعبير عن أنفسهم.

 

*وللمخرج التسجيلي هاشم النحاس: أقوال مهمة توضح أسلوبه واهتماماته في السنيما التسجيلية حيث يقول:

«لا أحب أن أركز على مرارة الواقع.. المرارة الحقيقية في نظرى أن يفقد الإنسان ذاته، والإنسان  المصرى لم يفقد ذاته حتى الآن رغم كل الحصار المضروب وكل الإعصارات التى تجتاحه.. وأملى أن أقف بجانبه في صموده بالكشف عن مواطن قوته، (أريد أن أُطلع الناس على أفضل ما فيهم)، (أريد أن أؤكد أن الإنسان  العادى، الذى لم يذهب صيته بين الناس، المغمور، والمنسى هو بطل يستحق أن تُخرج عنه الأفلام).

 

وأسهم النحاس بفعالية في نشاطات المجتمع المدني، مشاركاً في تأسيس أهم الجمعيات السينمائية في مصر منذ عام 1960جمعية الفيلم، أقدم وأعرق جمعيات السينما، مروراً بـ جماعة السينما الجديدة، وجمعية نقاد السينما المصريين، واتحاد السينمائيين التسجيليين العرب.

كتب وأخرج النحاس، 40 فيلماً تسجيلياً، وألف أكثر من 15 كتاب، وترجم 3 كتب، وراجع ترجمة 6 كتب، كما أشرف على إصدار أكثر من 30 كتابا سينمائيا، معظمها يمثل سلسلة الكتاب السينمائي، من اصدارا في الهيئة العامة للكتاب.

 

ومن أفلامه:

عن الإنسان المصري (الحياة اليومية في بيئات مصرية مختلفة)، من إنتاج المركز القومي للسينما:

1- النيل أرزاق (1972)، عن الناس البسطاء الذين يستمدون رزقهم من النيل في القاهرة (10د)

2- مبكي بلا حائط (1974)، عن فرحة الناس بمحتويات معرض الغنائم (10د)

3- الناس والبحيرة (1981)، مظاهر الحياة المرتبطة ببحيرة المنزلة (14د)

4- في رحاب الحسين (1981) عن مظاهر الحياة التي خلقها جامع الحسين حوله (20د)

5- البئر (1982)، عن بعض مظاهر حياة البدو على الساحل الشمالي (20د)

6- توشكى (1982)، يوم في حياة قرية نوبية (20د)

7- خيامية (1983) عن فن الخيامية واستخداماته في حياتنا اليومية (20د)

8- شوا أبو أحمد (1983)، يوم في حياة أسرة ريفية (10د)

9- سيوة (الإنسان  والأرض والتاريخ) (1987) (45د)

10- ناس 26 يوليو (2001) (30د)

 

وعن الأعلام:

1- نجيب محفوظ ضمير عصره – 1989 (40د)

2- صلاح أبو سيف يتذكر (فيديو): إنتاج التليفزيون المصري (30د)

3- رموز مصرية: نجيب محفوظ (فيديو): إنتاج 2003 – إنتاج قناة دريم (26د)

4ن2- عن العمارة والفنون التشكيلية (1) الحجر الحى (ترميم أبو الهول) تم تصويره خلال عام من العمل في الترميم (20د)

5- منمنمات تركية (إنتاج 1969) (10د)

6- أنين الروح (الآثار المصرية: الإسلامية، القبطية، اليهودية التي جمع بينها ما أصابها من الزلزال) 1992. إنتاج المجلس الأعلى للآثار (20د)

7- قوارير (محمد مندور)(8د)

8- نداء (أحمد نوار) (5د)

9- ألوان (فاروق حسنى) (7د)

10- عروس البحر (أزميرالدا) فيديو: إنتاج التليفزيون المصري (10د)

11- صيحة (أحمد شيحة) فيديو: إنتاج التليفزيون المصري (10د)

12- بشارة (محمود سعيد) فيديو: إنتاج التليفزيون المصري (10د)

 

عن التعمير والتنمية:

1- افتتاحية للبناء: إنتاج 1974 (10ق)

2- أحلام شابة (فيديو): إنتاج الصندوق الاجتماعي للتنمية (30د)

3- معا في أسوان (فيديو): إنتاج الصندوق الاجتماعي للتنمية (30د)

4- في طريق التنمية (فيديو): إنتاج الصندوق الاجتماعي للتنمية (10د)

 

مؤلفاته :

1- يوميات فيلم (المؤسسة المصرية للتأليف والنشر 1967)

2- نجيب محفوظ على الشاشة (الهيئة العامة للكتاب 1975)

3- دراسات سينمائية (وزارة الثقافة العراقية – بغداد 1977)

4- الروائي والتسجيلي (وزارة الثقافة العراقية – بغداد 1979)

5- الهوية القومية في السينما العربية (الهيئة العامة للكتاب 1986)

6- مستقبل السينما التسجيلية في مصر (المركز القومي للسينما 1990)

7- بركات كروان السينما المصرية (مطبوعات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي 1994)

8- صلاح أبو سيف... محاورات (الهيئة العامة للكتاب 1996)

9- السينما والدولة (رسائل جمعية النداء الجديد 1997)

10- السينما المصرية وحقوق الناس، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان  (2001)

11- وقائع وأحلام في مهرجانات الأفلام التسجيلية والقصيرة: آفاق السينما – قصور الثقافة 2006

12- السينما الشابة (آفاق السينما – قصور الثقافة 2008)

13- عاطف الطيب رائد الواقعية المصرية المباشرة (المجلس الأعلى للثقافة - ط1 - 2016)

 

*بالإضافة لمراجعة ترجمة العديد من الكتب وتقديم غيرها وإشرافه على سلسلة "الكتاب السينمائي" الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب؛ ليصبح هاشم النحاس بحق الضمير السينمائي العربي وأحد المعلمين الأوائل لكل محبي وصناع الفن السابع في الوطن العربي خاصة في مصر.

 

*وهو عضو مؤسس لمعظم الجمعيات السينمائية الثقافية في القاهرة بداية من جمعية الفيلم 1960 ثم جمعية نقاد السينما المصريين وجمعية التسجيليين المصريين وجماعة السينما الجديدة بالإضافة إلى أنه عضو مؤسس لاتحاد التسجيليين العرب.

شارك ونظم العديد من المؤتمرات وأسابيع الأفلام وحلقات البحث السينمائية، وأخرها ثلاث حلقات بحث عن تاريخ السينما المصرية خلال الأعوام 2008 - 2010 على التوالي، يختص كل منها بمرحلة من مراحل تاريخ السينما المصرية وقام بتحرير ما جاء من أبحاث في كل منها في مجلد خاص.

 

جوائز هاشم النحاس

حصلت أعمال النحاس على العديد من الجوائز المحلية والدولية، منها شهادة من مهرجان لندن عن فيلم (النيل أرزاق)، و وسام الشرف للأداب والفنون من المجلس الأعلى للآداب والفنون، عام 1972 عن بحثه "المشكلة الجمالية للإعداد السينمائي من الرواية إلى الفيلم"، وهو البحث الذي كان أساس كتاب نجيب محفوظ على الشاشة فيما بعد. وجائزة المركز الكاثوليكي.

واختيرت أفلامه لتمثل مصر رسميا في أسابيع الأفلام المصرية بالخارج، وفي معظم المهرجانات الدولية الهامة للأفلام التسجيلية والقصيرة، مثل: لندن (إنجلترا)، نيون (سويسرا)، كراكوف (بولندا)، أوبرهاوزن وليبزج (ألمانيا)، ليل وكليريموفيران وسينما الحقيقة (فرنسا)، خريبكا وأغادير (المغرب)، بولونيا (إيطاليا)، مونتريال (كندا). 

وحصل على الجائزة الأولى في مهرجان "ليبزج" الدولي عام 1972، عن فيلم (النيل أرزاق) كما اختير مؤخراً في فرنسا كأحد أهم الأفلام في تاريخ السينما التسجيلية في العالم، واحتفالا بمئوية السينما العالمية عام 1995، اختير فيلم "النيل أرزاق" ضمن برنامج "100 فيلم من القرن" الذي قدمه المهرجان الدولي للأفلام القصيرة في كليريموفيران (فرنسا).

*كرم بالمهرجان القومي للسينما المصرية عام 1995، وأصدر المهرجان كتابا عنه باعتباره أحد رواد السينما التسجيلية والثقافة السينمائية في مصر.

 وكان تكريمه في نفس المناسبة مع تكريم كل من صلاح أبو سيف عن السينما الروائية وفاتن حمامة عن التمثيل (نساء) ومحمد توفيق عن التمثيل (رجال).

 

*الأن المخرج هاشم النحاس في إنتظار إنتهاء اجراءات هيئة الكتاب، لنشر كتابه الجديد بعنوان (اللغة السينمائية- مبادئ أولية في النظرية والتطبيق)، ويشمل شقين: الشق النظري والذي يتناول ماهية اللغة السينيمائية، والشق التطبيقي والذي اعتمد فيه على تحليل فيلم (النيل أرزاق).

 
     
     
 
 
 
     
 

 

حسام حافظ

 

 
 
 

النقد السينمائى عند هاشم النحاس

 
 

اشتهر المخرج الكبير هاشم النحاس كواحد من أهم مخرجى السينما التسجيلية فى مصر عبر تاريخها الطويل. ولكن الحقيقة التى أعترف بها هاشم النحاس إنه كان يعد نفسه للعمل كناقد سينمائى وليس مخرجا، يقول فى معرض حديثه عن ذكرياته فى تلك المرحلة: "لابد من ذكر الأثر الكبير للكاتب والأديب يحيى حقى والذى كان دائم الحضور معنا فى ندوة الفيلم المختار، وكان معجبا بنقاشاتنا وشجاعتنا الأدبية فى مواجهة الجمهور فى هذا السن المبكر، ويدخل معنا فى حوارات طويلة عن الفيلم وما يستدعيه عن الفن والثقافة، وكان له الفضل فى إتاحة الفرصة لى؛ لكتابة دراساتى النقدية أثناء رئاسته لتحرير مجلة "المجلة" التى كان يكتب فيها كبار الكتاب مثل العقاد ومحمد مندور وصلاح عبد الصبور وحسين فوزى. وكانت كتاباتى فى ذلك الوقت بمثابة مقالات ريادية فى تاريخ النقد السينمائى فى مصر، ومنها مقال بعنوان "إخراج صلاح أبو سيف" – أعيد نشره  فى كتاب "كتابات تأسيسية فى الثقافة السينمائية" الصادر عن هيئة الكتاب – وتعتبر أولى الدراسات المنهجية الموضوعية فى النقد السينمائى العربى، وكذلك نشرت أول دراسة فى مجال النقد المقارن بعنوان "دنيا" بين الفيلم القصة عن فيلم "دنيا" المأخوذ عن قصة بنفس العنوان للكاتب فتحى غانم. بعد ذلك توالت مقالاتى عن الأفلام المـأخوذة عن أعمال نجيب محفوظ، وكان يحيى حقى دائما مايوجه لى الملاحظات على كتاباتى ومن أهمها أن يأتى المقال بجديد، ويكون المقال موجها لمن شاهد الفيلم ومن لم يشاهده.

اختلفت تجربة هاشم النحاس مع النقد السينمائى فى الستينات عندما بدأ الكتابة، وتجربته بعد ذلك مع نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الجديدة وهذه التجربة هى موضوع هذا المقال...  وسوف نكتشف أن كتابات هاشم النحاس النقدية الحديثة تؤكد على مقولة الناقد السينمائى روجر مانفيل بأن الأساس الأول فى النقد السينمائى أساس مزدوج، نابع من إزدواج طبيعة السينما من حيث هى فن وصناعة فى نفس الوقت. لذلك على الناقد أن يدرك المشاكل التى تؤثر فى إنتاج الفيلم وصناعته وأن يأخذها فى حسابه دائما، وأن يدرك الضغوط التى تمارسها الصناعة على السينمائى.

وهاشم النحاس يختلف عن غيره من النقاد بنظرة التفاؤل بواقع ومستقبل السينما المصرية حاليا، حيث يقول فى مقدمة كتابه "السينما الشابة": لست مبالغا عندما أستشعر أن السينما المصرية تمتلك من عناصر الازدهار ما يؤهلها لإنتاج طفرة قد تماثل ما أنتجته بوجود ستوديو مصر، وقد قامت الطفرة التى حققها استوديو مصر على ساقين؛ أحدهما توفير أحدث المعدات السينمائية وقتها؛ وثانيهما إرسال البعثات للخارج لتوفير الكوادر البشرية. وكذلك ترجع الطفرة التى تحققها السينما الشابة اليوم إلى عاملين رئيسين: أولهما الأخذ بوسائل التقنية الحديثة التى اجتاحت العالم وأصبحت ميسرة للجميع من ناحية آلات التصوير الديجيتال والمونتاج الالكترونى. أما العامل الثانى فهو وفرة الخبرة البشرية بفعل التراكم مع توإلى دفعات خريجى معهد السينما وانتشار دورات التدريب السينمائية، فضلا عن انتشار الثقافة السينمائية ووفرة المعلومات عن طريق الانترنت وتغلغل ثقافة الصورة فى الثقافة المعاصرة وشجع ذلك على وجود جيش من الشباب الجدد "الفنانين والفنيين" العاملين فى هذا الحقل.

جمع هاشم النحاس مقالاته عن السينما الشابة والتى نشرها فى الصحافة بين عامى 1997 و2007، ونحاول تحديد ملامح النقد السينمائى عند هاشم النحاس كما ظهرت فى مقالاته عن الأفلام خلال العشر سنوات المشار إليها.. ونبدأ بالأفلام الواقعية والذى يعتبره أهم تيارات السينما المصرية.. ومنهم مجموعة أفلام تدور أحداثها حول كشف أوجه الفساد المختلفة فى المجتمع مثل "مواطن ومخبر وحرامى" لداود عبد السيد و"معإلى الوزير" و"ديل السمكة" لسمير سيف عن سيناريو لوحيد حامد و"عمارة يعقوبيان" لنفس كاتب السيناريو وإخراج مروان حامد عن رواية علاء الأسوانى.

ويرصد النحاس مجموعة أفلام أخرى تتناول مشاكل الشباب مثل "فيلم ثقافى" لمحمد أمين و"أوقات فراغ" لمحمد مصطفى و"مذكرات مراهقة" لإيناس الدغيدى و"أسرار البنات" لمجدى أحمد على و"سهر الليالى" لهانى خليفة و"حب البنات" لخالد الحجر و"بنات وسط البلد" لمحمد خان و"فى شقة مصر الجديدة" لنفس المخرج.. ويشير النحاس أخيرا إلى مجموعة أفلام لها طابع خاص يميزها عن غيرها مثل" الآخر" و"إسكندرية نيويورك" ليوسف شاهين و"جنة الشياطين" و"بحب السيما" لأسامة فوزى و"القبطان" لسيد سعيد و"عرق البلح" لرضوان الكاشف و"أرض الخوف" لداود عبد السيد.

يلخص هاشم النحاس تقييمه لفيلم مواطن ومخبر وحرامى بقوله: "يقدم داود عبد السيد رؤيته الفنية الفكرية لما وصل إليه مجتمعنا من ميوعة؛ أذابت الحواجز بين اللص والمغنى والمخبر والسياسى والمثقف والمدعى وبين الجميع ورجال الأعمال. واختلط القهر باسم الدين وباسم العدالة وباسم المصلحة العامة، واستسلم الجميع واستكانوا لتحقيق مصالح شخصية وراحوا يحلمون أو يعملون على تحقيق عالم وهمى كاذب من الوئام بين المتناقضات، حتى بين الفئران والقطط الذين لابد أن ينتج عن تزاوجهم فيران مقطقطة كما تقول أغنية النهاية".

وفى نقده لفيلم عمارة يعقوبيان يشير النحاس إلى العوامل الفنية لنجاح الفيلم خاصة تماسك عناصره والإيقاع والجاذبية الضرورية للنجاح الجماهيرى لأى فيلم.. حيث يقول: "يكشف مروان حامد عن مهارته كمخرج متمكن يتقن استخدام أدواته وإن ظل فى حدود استخداماتها التقليدية المعروفة، كأن يعتمد على الظلال المتقاطعة أو الإضاءة التى تقسم الوجه إلى نصفين، يغمر الظل أحدهما تعبيرا عن الصراع الداخلى الذى تعانى منه الشخصية، أو استخدام الموسيقى الاوركسترالية فى تضخيم الإحساس بالموقف وتأكيد معناه. مروان حامد لم يفقد القدرة على الإحاطة بكل عناصر الفيلم فى وحدة متماسكة، وحافظ إجمالا على إيقاع السرد الذى يحقق جاذبية العمل ويغرى المشاهد بالمتابعة. ساعده على ذلك أداء الممثلين بالإضافة إلى ماتوفر له من إمكانات أخرى بشرية وتكنولوجية عالية كانت تفصح عنها الصورة."

وكما يحتفل هاشم النحاس بتيار الواقعية بمفهومه التقليدى فإنه يهتم أيضا بواقعية محمد خان وهى تنتمى لنوع خاص من السينما برع خان فى تقديمها. يقول فى نقده لفيلم "فى شقة مصر الجديدة": "ليس جديدا على مخرج فى مستوى محمد خان أن يقدم فيلما جديرا بالتقدير فهو مخرج كبير وفيلم شقة مصر الجديدة إضافة حقيقية إلى رصيده من الأفلام السابقة ويرجع الفضل الأساسى لمستوى الفيلم لكاتبة السيناريو وسام سليمان وهذا عملها الثالث بعد "أحلى الأوقات" و"بنات وسط البلد". أفلامها الثلاثة تنم عن مشروع واضح تقبل وسام على إنجازه وفحواه رصد التحولات المعاصرة فى عالم الفتاة المصرية وهو مايلتقى مع مايطرحه خان فى أفلامه عن تحولاتنا الاجتماعية مثل "عودة مواطن" و"سوبر ماركت" و"زوجة رجل مهم".

فى مصر الجديدة يطرح أثر متغيرات المجتمع المصرى على الإشكالية الأزلية عن الحب والزواج من خلال النموذج الإنسانى للفتاة نجوى التى كاد أن يفوتها قطار الزواج".

أما أكثر المواقف النقدية إثارة للجدل، فهو موقف هاشم النحاس من فيلم "اللمبى" بطولة محمد سعد وسيناريو أحمد عبد الله واخراج وائل إحسان. لقد دافع النحاس عن الفيلم وعن حق الجمهور فى الضحك وحق الشباب فى الغضب وحق الفنان فى التعبير، واندهش من التناقض الحاد بين هجوم النقاد على الفيلم والإقبال الجماهيرى الكاسح على مشاهدته وقال: "لا يمكن أن نركن إلى اتهام النقاد بتدنى ذوق الجمهور. فكم من الأفلام التى أدرك الجمهور بفطرته التلقائية قيمتها قبل أن يدركها النقاد؛ فأقبل على مشاهدتها بغض النظر عن اعتراض النقاد عليها أو إهمالهم لها. أضرب المثل على المستوى العالمى بأفلام هتشكوك الذى أدرك الجمهور قيمتها قبل أن يدركها النقاد... وعلى المستوى المحلى فيلم "خللى بالك من زوزو" للمخرج حسن الإمام الذى حظى بإقبال هائل من الجمهور وسط شتائم النقاد، واليوم بعضهم يقدم مايشبه الإعتذار عن آرائهم السابقة متوحدين مع ذوق الجمهور الذى سبق وأدانوه. فهل تتكرر الظاهرة نفسها مع فيلم اللمبى ويضع النقاد أنفسهم فى الحرج نفسه".

ولا يتردد هاشم النحاس فى تشجيع بطولة الممثلين الشباب للأفلام فى مطلع الألفية الجديدة مثل فيلم "سهر الليالى" للمخرج هانى خليفة حيث يقول: "فى اعتقادى أنه لولا وجود هذه الأفلام التى قضت على احتكار النجوم القدامى، وقدمت جيشا من النجوم الشباب ما كان لفيلم سهر الليالى أن يظهر بالمستوى الفنى والتقنى الذى ظهر به ولا يقلل هذا من قيمة الفيلم إنما يمد له جذورا تدعمه وتدعم الأمل فى مستقبل السينما المصرية التى يتعجل الكثيرون كتابة نعيها!"

ويرصد النحاس ظهور شخصية القبطى فى أكثر من فيلم أهمها "بحب السيما" للمخرج أسامة فوزى. ويقول: "ويبدو أن التناول الواقعى الجرئ الصادق للشخصيات والعلاقات القبطية التى تشغل لأول مرة أحداث فيلم بحب السيما، كانت صدمة بالنسبة لمشاعر بعض الأقباط الذين لم يعتادوا رؤية أنفسهم، ومنها بعض تناقضاتهم على هذا النحو من الوضوح. رغم أن هذا التناول فى رأيى يجعل الشخصية القبطية بواقعيتها وتناقضاتها وجوانب ضعفها أقرب إلى قلوب المشاهدين. حيث يتناول شخصية قبطى يؤدى تزمته الدينى إلى انحراف زوجته، وأن انتهى الفيلم بإعادة القبطى إلى توازنه النفسى وتراجع الزوجة عن الانحراف بفضل الابن الذى كان يحب السينما. وشارك الأب فى النهاية هواية ابنه فى حب السينما والإقبال على الحياة. فيلم مصرى وشخصيات مصرية 100% كانت قبطية فى الفيلم ويمكن أن تكون إسلامية. ومن مشاهد الفيلم التى أثارت الجدل مشهد شاب يغازل من نافذة الكنيسة فتاته فى البيت المواجه."

ويصف النحاس أفلام الحركة بأفلام الشباب، لأنها تجذب دائما هذا القطاع المهم من الجمهور، ويقول: "وتمثل أفلام الحركة التى عادت إلى الشاشة هى الأخرى بعد انحسارها نوعا ما ملمحا من ملامح أفلام الشباب. وقد كانت أفلام الحركة من أوائل أنواع الأفلام التى عرفتها السينما المصرية منذ أيام إبراهيم لاما ونيازى مصطفى. غير أن ما تقدمه أفلام الحركة فى هذه المرحلة يمثل قفزة واسعة من الناحية الحرفية، إذا ما قارناه بأفلام نفس النوعية فى المراحل السابقة. ويرجع ذلك بالطبع إلى التقدم التكنولوجى المتاح الآن على نحو ما سبق أن ذكرناه. من هذه الأفلام: مافيا لشريف عرفة – وتيتو لطارق العريان – وحرب ايطاليا لأحمد صالح – وواحد من الناس لأحمد جلال – والرهينة لسندرا".

كانت هذه جولة مع مقالات هاشم النحاس الذى كتب النقد السينمائى قبل أن يكون مخرجا للأفلام التسجيلية وهو ما أعطى لشخصيته القدرة على البناء والتحليل الفنى وأصبح لديه الثقافة السينمائية التى تؤهله للتعبير بالصورة عن أفكاره ثم التعبير بالكلمة عن رؤيته النقدية للأفلام التى شاهدها وأراد الكتابة للقراء عن تلك الأفلام. 

 
     
     
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)