تعرف على صاحب "سينماتك"  وعلى كل ما كتبه في السينما

 

Our Logo

  حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

 
 

 

عن الأفلام المشاركة في مسابقة أفلام السعودية

مثلث تأثير التلفزيون والأداء المسرحي وتذبذب المونتاج

الحياة ـ جدة: خالد ربيع

 

 
 
 

بدت أفلام الهواة المشاركين في مسابقة أفلام السعودية التي أقامها النادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون مؤخراً في الدمام متأثرة الى حد كبير بالتلفزيون، وظهر ما يقارب 20 فيلماً روائياً وكأنها تمثيليات أو مقاطع من مسلسلات لم تراعى فيها خصوصية الشاشة الكبيرة والسحر الخاص الذي يمكن أن تحققه كاميرا السينما عبر جمالية الصور البانورامية، فيما كشفت الأفلام التي جنحت الى "الرمزية" عن غرابة وعبثية لا مبرر لها، وتأتت في صياغة غير متصلة بمفاهيم الإتجاه الرمزي، ما دعى البعض الى القول بأن صانعيها سيقعون في فخ التجريب الذي إعتقل إتجاهات في المسرح السعودي لسنوات طويلة في الماضي، وحيث أوضح كل فيلم صُنف على أنه "رمزي" وكأن له رمزيته الخاصة المفككة والضبابية التي لا يفهمها سوى مُعد الفيلم نفسه، ودل ذلك على أن هناك خلطاً واضحاً للمفاهيم والرؤى السينمائية التي يعتنقها هؤلاء الشباب. .وتتمظهر حالة الشوشرة تلك في المخيلة والثقافة والإشتغال السينمائي في عدة مستويات في أفلامهم. وربما أُستثني قلة من أفلام أولائك المبتدئين، أولهم فيلم موسى آل ثنيان (بقايا طعام) الحائز على الجائزة الأولى والنخلة الذهبية في المسابقة بسبب ملامسته الإحترافية لحس الصورة السينمائية في جميع مشاهد الفيلم، ولموضوعه الإنساني الحميم الذي عالجه بإقتدار كامل وكأنه مخرج متمرس .. وثانيها فيلم (مطر) الحائز على النخلة الفضية والجائزة الثانية للمخرج عبدالله آل عياف، وتناوله الرشيق لموضوع يمكن أن يندرج تحت لواء السينما السيكلوجية، بطريقة إخراجه الذكية التي تتطلب مشاهد يقظ، يتأمل ويحلل ويغوص في أعماق ذاته في خط متواز مع ترحاله التخيلي عبر ما يشاهده ويصطاده من لواعج في دواخل بطل الفيلم "عبدالله الأحمد" ، وهو الشاب الذي يوشك أن يفقد حاسة بصره، بمقارنته مع الطفل الفاقد لحاسة السمع والمعتمد على لاقط صوت معلق بأذنه، حيث تشي معايشة هاتين الشخصيتين وهما يكابدان حياة ناقصة ،رغم تعلقهما بالوجود بكل أحاسيسهما الوجدانية، بما يمكن أن يفعله ذلك النقصان والإحتياج لهاتين الحاستين من إضطراب نفسي غائر في أعماق اللاشعور لديهما.

في كفة أخرى ظهر أداء الممثلين في الأفلام متأثراً بالأداء المسرحي، لا سيما وأنهم أبناء خشبات المسرح بطرق أدائه الكلاسيكية التي لا تجهد الممثل في إشراك المتفرج معه في إستنتاج المعاني وتجييش مشاعره الإتصالية ليصبح دوره أكثر إيجابيةً في عملية التلقي .. وتميز عن ذلك، الأداء الموفق للممثل "طارق الحسيني" في فيلم (طريقة صعبة) لمخرجه سمير عارف ـ خارج المسابقة وعرض ضمن المهرجان ـ وأيضاً الأداء الجيد لعبدالله الجفال في "شكوى الأرض" الذي وازن به عنصر التمثيل في الفيلم وتخطى على طغيان الطابع المسرحي الإستعراضي لأحمد الجشي وزكي الدبيسي.

وعلى نحو عام، فإن مشاهدة الأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة التي حفلت بها المسابقة دفعت المتابع الى الفضول بهدف التقرب من ما يفعله هؤلاء الهواة من تجارب وطموحات في السينما، خاصة في لجة غيابها الواضح عن المشهد السعودي، الأمر الذي يكرّس المعاناة الواضحة في إقتحامهم لحقول إنتاج الأفلام القصيرة، ورغم ذلك لاحت ملامح معبرة عن رغبة جامحة في العمل السينمائي وتحقيق الأحلام التي ظلت غائبة ومصادرة عن ثقافتنا المحلية.

غير أن تلك الرغبات الطموحة لم تنجو من فرط السطوة التلفزيونية التي جعلت هؤلاء الهواة لا يدركون مدى تورطهم في اللغة التلفزيونية واعتقادهم بأن هناك مبالغات في التوجيهات والملاحظات التي أطلقها النقاد والمشاهدون ، للدرجة التي أماطت الخمار عن ضعف خبرتهم النظرية المتجلية خلال مناقشاتهم في الندوات المقامة إبان أيام المسابقة، ناهيك عن حبو الخبرة العملية وتهدج بدايات الممارسة الفعلية، وفقر إمكانات وميزانيات الإنتاج المخجلة، والتي لا تتجاوز الريالات في بعضها، فجميع صنّاع الأفلام لا تتخطى تجاربهم الإخراجية الفيلمين أو الثلاث في أندر الحالات . . وهكذا لعل وهن الخبرة برز في حقيقة عدم إدراك الفوارق الأساسية بين إستخدام كاميرا السينما وكاميرا التلفزيون، بما يؤكد إنتفاء معرفتهم لقاعدة بديهية تقول: أن كاميرا السينما يمكن تشبيهها بالتلسكوب الذي يفتش عن الأشياء البعيدة ليقربها، في حين كاميرا التليفزيون تعمل كالميكروسكوب الباحث عن الأشياء الدقيقة لتحاول تكبيرها .

لكن .. على أية حال، وطدت ضحالة معرفة هؤلاء الهواة بأساسيات التقنيات السينمائية وفرقها عن التقنيات التلفزيونية الأخطاء، وأوقعتهم في هفوات جعلت أفلامهم تبتعد عن سحر السينما وتنأى عن إحساسها الخاص، وغاب عنهم كذلك أن علاقة المتفرج بشاشة التلفزيون تشبه علاقة الصديق الحميم الذي يروي أحداثاً لصديقه في قالب لا يخلو من الانفعالات الصادقة والمشاعر الفياضة تجاه ما يروي ، بينما علاقته بالسينما كعلاقته بساحر السيرك الذي يستطيع إخراج أرانب من كم سترته وحمائم من قبعته. ولهذا طالما طُلب من المخرج التليفزيوني التركيز والاقتراب بهدف الوصول إلى العمق لتحديد طريقة تلقي المتفرج وتذوقه وتوجيه انتباهه، وفي المقابل أنيط بالمخرج السينمائي خلق صورة شاملة تبين مختلف التأثيرات الثقافية والتاريخية ،الزمانية ،المكانية والنفسية، مع إستخدام الإيحاء والمفارقة والمفاجأة تارة والتلميح والترميز تارات أخرى . . هكذا راح النقاد يشرحون وجهات نظرهم عن الفارق بين السينما والتلفزيون لا سيما وأن الدراما التليفزيونية تستمد مادتها بطريقة مباشرة من الحياة لطبيعتها الإنسانية المرتبطة بمشاكل الحياة الاجتماعية وما تعكسه الظروف الإقتصادية والسياسية، في حين تنهل السينما من الفكر والفن بإتجاهاته اللامحدودة بدأ من الواقعية والفانتزية والتخيلية وجميع أنواع السينما .. إنتهاء بالحلمية أيضاً إن صح القول.

بكل الجلاء بات الأمر واضحاً في معظم أفلام المسابقة، وكان من هذا الوضوح ما يدعوا بشكل حتمي ويدفع بصانعي الأفلام القصيرة لأن يحذفوا التفاصيل المطولة التي لا أهمية لها في تطور أحداث أفلامهم، أو التي لا تضيف الى المتفرج سوى لحظات ثقيلة من الملل، والإهتمام عوضاً عنها ببلورة الشخصيات، وتجويد دراسة حركة الكاميرات والممثلين، وفحص سينوغراف تكوينات مواقع التصوير في كل لقطة على حدا، بحيث تكون توليفة المشهد نابعة من داخل الموضوع بلقطات موظفة بحنكة لتحقيق أغراض درامية محددة، وتجسد إيقاع زمني مدروس، بغية إيغال الفيلم إلى عقل وقلب المشاهد.

من هنا يمكن القول أنه كان من الممكن أن تكتمل الجمالية الفنية لفيلم الإفتتاح، على سبيل المثال، في أول أيام المسابقة والمعنون بـ(حلم بريء) وهو من إنتاج مجموعة "القطيف فريندز" للشاب بشير المحيشي ، فلو أنه حذف الدقائق القليلة التي تضيف تفاصيل لا طائل منها سوى تكرار ذات المعاني التي وصلت للمشاهد منذ اللحظات الأولى للفيلم، واستغل تلك الدقائق في إستعارات صورية وإيحاءات دلالية تزيد من سحرية الفيلم وتؤكد عميلة خطف إنتباه المشاهد نحو مكنونات عالم قصة الفيلم. . لكن غفل الفيلم، ومعظم الأفلام، حساسية المونتاج غير الموثق بتعليمات سيناريو رصين، فكانت متذبذبة ومترهلة في بعض مشاهدها، بما يمكّن من وصفها بالثرثرة السينمائية الفارغة. وأيضاً في مشاهد أخرى كانت مبتعدة عن أجروميتية لغتها ومفرداتها .. لم تحقق اللقطة بإعتبارها اللبنة الأولية المكونة لنسيج المشهد الثري بصوره الجاذبة، من جهة إنسيابها أو تصادمها باللقطات التالية، وإنما إرتبكت اللقطات بالفتور مرة وبكسر الإيقاع مرة أخرى، وزاد على ذلك توظيفات الموسيقى المصاحبة والمؤثرات الصوتية غير الموائمة أحياناً، مثلما حدث في فيلم (عصافير الفردوس) ـ على سبيل المثال ـ لمحمد الباشا، رغم لطافة موضوعه، لإستخدامه صوت زقزقة العصافير بشكل مبالغ فيه، في حين وفق في توظيف الإضاءة وأنطق تأثيرها على الألون وإنعكاساتها على الظل، وهو الأمر الذي تنبه له "بدر الحمود" في فيلمه الحاصل على النخلة البرونزية والجائزة الثالثة في المسابقة (بلا غمد)، فدعمه بدقة التكوينات الصورية من ناحية إحياء الظل و تفعيل ملائمته لإختيار زوايا التصوير التي تظهر سينوغرافيا متكاملة ملائمة مع موضوع الفيلم، وأيضاً براعة "الحمود" في إدارة حركة الممثلين وتبيان إيماءات أجسادهم وتعبيرات وجوههم من خلال لقطات مقربة "زوم إن" في مشاهد المبارزة بالسيوف على حد خاص، وهي تقنيات درامية، وتفصيلات سينمائية تضاف الى تلك التي إعتمدها "الحمود" في فيلميه (أبيض وأبيض) و (بالونة) وكلها تبشر بمخرج واعد من شأنه أن يحقق أفلام ذات قيمة جيدة .

وأخيراً لم يقتصر تأثير التلفزيون على الأفلام الروائية إذ تخطاها الى فيلمين وثائقيين شاركا في المسابقة وهما : (خطر الإبل في السياقة الليلية) لفالح الدوسري و (عروس الأثار والجبال) لفيصل العتيبي، وهما فيلمان جديران بالإهتمام، ولكن رغم إجتهادهما الفني لإحراز رصانة الرصد التوثيقي مع إضفاء الجاذبية والإمتاع البصري، ورغم جدية الطرح في الأول وجمالية الصورة في الثاني والتي غازلت ذائقة المتفرج بمناظر رائعة لمدائن صالح وقرية العلا، إلا أنهما لم يخرجا من نطاق التسجيل التلفزيوني فيما يتعلق بالتركيز في معظم مشاهد الفيلمين على موضوعة واحدة، وعدم توشيحهما بموتيفات جانبية خاطفة يمكن للعدسة إقتنصها لثوان بغرض طلاء المشهدية العامة بأبعاد جمالية كثيرة وماتعة، الى جانب هذا وذاك، تجلى خفوت الإهتمام بعنصر التعليق في ناحيته الدرامية، وشبه تلاشى تأثير صوت المعلق الراوي الذي كان فاتراً وإعتيادياً بل وضائعاً في لحظات، للدرجة التي يمكن فيها مشاهدة الفيلم الثاني بدون صوت والإستمتاع به، ومن ثم لم يستطع الفلمان الفكاك من الأسلوب التعليمي والتدريسي بوجوميته الأستاذية وكأنهما أعدا للدرس الأكاديمي وليس للمعرفة المقترنة بالمتعة الفنية .

 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2009)