جديد الموقع

 
 
 
 
عنوان الصفحة:

جعفر الجمري يكتب عن فيلم «القناص الأميركي»

 
 
 
 
 

قصة أشهرهم في تاريخ بلاده...

«القناص الأميركي»... يتناول الثأر والعدالة من إخراج إيستوود

الوسط - جعفر الجمري 

لاشيء يهدد الجيوش النظامية مثلما يفعل القناصُّون. سلاح فتاك في هيئة رجل/ امرأة، حذر/ حذرة، مع قدرة على إصابة الأهداف وكأنها تسامره وتنادمه. قدرة على الاختفاء والتواري، وبلوغ الأهداف بعد رسم خرائط، ليس بالضرورة على الورق. إنها هناك في قدرة المخيلة على تجاوز الحدود، والنية في القتل أيضاً!

يأتي فيلم الممثل المخضرم، والمخرج العالمي الأميركي كلينت إيستوود «القناص الأميركي» الذي يؤدي دور البطولة فيه برادلي كوبر، وهو مأخوذ عن يوميات، أو سيرة ذاتية لواحد من أشهر قنّاصي الولايات المتحدة الأميركية (كريس كايل)، وتتناول القصة موضوعي الثأر والعدالة، من خلال جندي يعمل في البحرية الأميركية في العراق.

صحيفة «نيويورك تايمز» أفردت إضاءة وتقريراً مطولاً للفيلم في عددها يوم الأربعاء (24 ديسمبر/ كانون الأول 2014)، كتبه أيه أو سكوت.

تسرد قصة الفيلم المستمد عنوانه من الكتاب نفسه «القناص الأميركي» قصة واحد من أفضل الأدوات الوحشية تلك في أميركا، القتل من مكان غير مرئي، والقصة كتبها في الوقت نفسه قناص شهير في البحرية، والذي قتل أكثر من 160 شخصاً أثناء الحرب على العراق.

الفارق في المونتاج

الفارق في المونتاج هو خروجه على المألوف، بالتفاتة ذكية مليئة بالتشويق وانشداد للنفس مع ذروة الدور، من خلال مشهد واحد، تصطرع فيه نوازع نفس كوبر، ومدى قدرته على تنفيذ قتل امرأة عراقية وطفل يبدو أنه يحمل سلاح «آر بي جي»!

في الفيلم تلك المواجهة بكل تفاصيلها مع الموت. تلك اللحظات التي تبدو دهراً، قبل وأثناء وبعد إنجاز المهمة؛ إن تم إنجازها. لعبة نوازع النفس البشرية، وانتقالاتها بين الندم وتأنيب الضمير، أو الذهاب ببرودة أعصاب في تلك الممارسة الوحشية، وإن جاءت تحت عناوين الدفاع عن الوطن؛ ولو كان مثل ذلك الدفاع من خارج الحدود التي تفصلها عن البلد آلاف الأميال! هكذا يتم تقديم تلك النماذج، وبالكليشيهات الجاهزة: الدفاع عن الوطن، ولو كان الوجود هناك احتلالاً فاقعاً بكل مسمَّياته والمؤديات إليه، والنتائج التي ستتمخض عنه.

في الاصطراع النفسي ذاك، في العاطفة التي تبدو حاضرة ممزوجة بتفاصيل من الحياة الشخصية، والنهاية التي تصير إلى انفصال كايل عن زوجته والعائلة.

كصبي صغير، قبل أن يكبر متمتعاً ببنية قوية، الملتحي برادلي كوبر، (كريس كايل) يتلقى درساً في الحياة من أبيه التكساسي الصارم. العالم، وفقاً لرؤية أبيه، ينقسم إلى خراف وذئاب وكلب الراعي، أولئك النادرون من ذوي النفوس الصالحة يتم اصطفاؤهم لحماية الأبرياء من الأشرار؛ بحسب تعبير سكوت.

إنها، نظرة صارخة وصعبة لأي أمر من الأمور، تلك التي توجه كريس في حياته المهنية اللاحقة كقناص في البحرية بوشمه الشهير.

المحكّ الأخلاقي

في المضمون تركيز على الحياة الحقيقية التي لا تقبل محاولة العبث بها، سواء عن طريق الوهم والتخيل أو عن طريق الهروب من مواجهتها. وهنالك محك أخلاقي، وما يشبه المبدأ السياسي الذي يبذره إيستوود في ثنايا الفيلم، ولذلك عواقبه ومخاطره أيضاً من دون شك.

معظم الأفلام المؤثرة والعظيمة التي عرضتها هوليوود، كثيراً ما تحمل تلك القيمة: البدء بفرضية بسيطة تتمحور حول القتال حتى الموت، من نوعية المواجهات التي تحدث بين الأخيار والأشرار.

فيلم «القناص الأميركي»، ليس بالضرورة أن يكون من تلك النوعية من الأفلام، ولكنه يحمل الكثير من طابع وقوة علامتها المكرَّسة في التوظيف؛ وإن في صور وزوايا وتناولات مختلفة، لأنه مستمد من الوضوح والصدق؛ بغضِّ النظر عن رؤيتنا لذلك الصدق وحقيقته، والولاء الذي يكون بمثابة حجر الزاوية والأساس للفيلم. ليس للفيلم وحده؛ بل حجر الزاوية للشخصية الرئيسية أيضاً.

في الحروب تسقط الكثير من تلك القيم التي تظل راسخة في حال من الاستقرار، ويحرص كثيرون على ألاّ يتجاوزوها. هل يحدث ذلك في الحروب؟ هل تتيح الحروب مثل ذلك التمسك بقيم الصدق، والأخلاق ضمن عنوانها العريض؟ نحن أمام مسألة حياة أو موت!

باستحواذ القلق على القناص، يكون المعيار الأخلاقي في آخر الاهتمام. لا هيمنة للأخلاق في هكذا ممارسة، من المكمن حيث الإطلالة لوضع حد لحياة في حدود النظر الذي يمكن أن يطولها!

لحظة بعمر الدهر

قصة أفضل قنّاص في تاريخ أميركا، والذي يجسد بطولته برادلي كوبر؛ حيث يكون أمام اختبار في الدور الذي ركز فيه إيستوود بذكاء على كوبر، تلك اللحظة التي تبدو بعمر الدهر، وستكشف فيما بعد عن شخصية كوبر، من خلال المشهد الذي يظهر فيه والثواني التي يريد فيها تقرير قتل امرأة وطفل.

لا ينجو الفيلم من محاولة تقديم كايل في صورة قديس في بعض المشاهد، ويمكن تلمّس ذلك من الحالات التي يبثها من خلال المشاهد المكثفة. نحن في بعض تلك المشاهد أمام «قدّيس قاتل»!

كاتب التقرير في «نيويورك تايمز»، «أيه أو سكوت» يثير في مراجعته للفيلم ما أسماه «النكتة العدوانية»، والإغاظة التي لا نهاية لها، والرجال وهم تحت مرمى النار، أو يتلمسون طريقهم إلى القتل من كوّة. لا نعدم الدفء في بعض المشاهد، حزمة من الفضائل وسط كل ذلك الاضطراب، يمررها إيستوود ببراعة وخديعة أيضاً، بحضور رومانسية العائلة.

كايل الذي خدم على أربع دفعات في العراق، وحقق 160 هدفاً، هي عبارة عن مجموعة من الأشخاص استهدفتها بندقيته، بأعصاب ثابتة وإجهاد في الوقت نفسه، ومحاولة إقصاء الشك بخطأ ما يقوم به، وثقة لا لبس فيها بأن أعداءه يستحقون القتل بحسب تعبير سكوت، وخصوصاً أولئك الذين يدّرعون بالنساء والأطفال الذين يتم توجيههم إلى عمليات الانتحار، والكمائن التي يتم ترتيبها لمشاة البحرية.

ثمة بُعْد أسطوري أيضاً يتم منحه لكايل (توفي في العام 2013)، باكتساب الإعجاب من زملائه لنتائج إصابته للأهداف، والذين لا يخفون رهبتهم من شجاعته ومهارته.

الفيلم/ البيان السياسي

وبحسب سكوت، الفيلم يكاد يقترب من «البيان السياسي» في جانب من جوانبه. من جانب آخر، ألهمت الهجمات الإرهابية الفيلم. الهجمات على سفارتي الولايات المتحدة الأميركية العام 1998، في كل من (دار السلام) تنزانيا ونيروبي (كينيا)؛ في وقت واحد، وتحديداً في 7 أغسطس/ آب 1998 بالتزامن مع الذكرى السنوية الثامنة لانتشار القوات الأميركية ودول التحالف العالمي إلى منطقة الخليج، وصور انهيار مركز التجارة العالمي في 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وما يحدث في العراق، بتبيّن الخصوم الذين يمكن تحديدهم، متمثلين بتنظيم القاعدة.

يتم استبعاد السياسة التي تم اتباعها في حرب العراق، على رغم حضور اسم جورج دبليو بوش، (مهندس التحالف الدولي وعرّابه) في استدعاء واضح، لنكون على اتصال في التقديم وتسلسله بمهمة «القناص الأميركي»، الذي يُرَاد أن ينظر إليه تعبيراً عن الحنين إلى نهج المانوية في السياسة الخارجية.

يمتلئ الفيلم بالعنف واللغة البذيئة ويتطلب وجود ولي الأمر حتى للبالغين، وبالطبع، من هم دون السابعة عشرة.

يذكر، أن الفيلم تم إطلاقه في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، ويؤدي الأدوار فيه برادلي كوبر، سيينا ميلر مع لوقا غرايمز، كايل غالنر، وسام جايجر، جاك ماكدورمان وكوري هاردريكت في الأدوار المساعدة.

تم عرض الفيلم بداية في مهرجان معهد الفيلم الأميركي بتاريخ 11 نوفمبر 2014، كما تم عرضه في دور السينما في الولايات المتحدة بتاريخ 25 ديسمبر/ كانون الثاني 2014.

يشار إلى أنه في سبتمبر 2012، صرح ديفيد أُو راسل، أنه كان مهتماً بإخراج الفيلم. وفي 2 مايو/ أيار 2013، تم الإعلان بأن ستيفن سبيلبرغ سيقوم بمهمة تولّي الإخراج؛ إلا أنه تخلى عن المهمة في 5 أغسطس 2013، وفي 21 أغسطس من العام نفسه، أفيد بأن كلينت إيستوود سيقوم بتولّي المهمة.

القناص أبوصالح

في السياق نفسه، بقي أن نشير إلى أن القناص العراقي «أبوصالح»، الذي كان يتبع ما يسمّى «الجيش الإسلامي»، ظل واحداً من أشهر القناصين العرب بعد الاحتلال الأميركي لبلاده، ودخول قوات التحالف، بعد سقوط نظام صدام حسين. وقد أعلن أبوصالح أنه قتل نحو 645 جندياً أميركياً؛ ما دفعهم إلى أن يطلقوا عليه لقب «جوبا»، وهي رقصة زنجية ترمز إلى الموت. وشرائط الفيديو شاهدة ماثلة في كثير من العمليات تلك.

وليس بعيداً عن الموضوع. للنساء نصيب من تلك المهمات الصعبة والخطرة، وتحضر هنا، القناصة السوفياتية ليدوميلا بافليتشنكو، من بين أوائل الذين تقدموا للتطوّع دفاعاً عن بلدهن (روسيا) لمواجهة الاجتياح النازي في صيف العام 1941، لتلتحق بسلاح القناصة، وأثبتت أنها أبرع القناصة الإناث في العالم، وحتى التاريخ الذي يمكن رصده، وخصوصاً إذا ما عرفنا أن رصيدها من أهداف القتل وصل إلى أكثر من 184 جندياً ألمانياً، فقط في 75 يوماً، وحين وضعت الحرب أوزارها وصل رصيدها من الأهداف إلى 309 جنود ألمان!

 
 

الوسط البحرينية في

03.01.2015

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)