جديد الموقع

 
 
 
 

محمد بديع سربيه

كتب عنها وحاورها

في مجلة الموعد اللبنانية

 

حول مذكرات سيدة الشاشة العربية «فاتن حمامة»

 
 
 

مشوار مع فاتن حمامة «1»

بقلم: محمد بديع سربيه

فاتن حمامة ومحمد بديع سربيه في حديقة مدينة الفنون في القاهرة اثناء تصوير مشاهد فيلم «ولا عزاء للسيدات»

تنشر «الموعد» في «شارع النجوم» مجموعة من المقالات التي كتبها رئيس تحرير «الموعد» الراحل محمد بديع سربيه، وهي لا تتبع التسلسل الزمني، بل تتنوع مواضيعها ومضمونها مع تنوّع النجوم الذين رووا ذكرياتهم وتحدثوا ومشوا في «شارع النجوم».

* * *

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1979:

الحركة تملأ حديقة مدينة الفنون بشارع الهرم في القاهرة ..

فنيون وعمال وممثلون وممثلات يروحون ويجيئون..

والمخرج هنري بركات ينتقل من مكان الى آخر، يوزع التعليمات، يلقي نظرة هنا ونظرة هناك، ويهئ للقطة جديدة، ستصور في فيلمه «ولا عزاء للسيدات »وهو الفيلم السينمائي الذي أختارت قصته فاتن حمامة لتعود بها الى الشاشة السينمائية مجدداً، بعد أن غابت عنها عامين منذ ان مثلت فيلمها «أفواه وأرانب» وأن كانت في هذه الفترة قد دخلت، كممثلة، عصر التلفزيون وأنتجت لحسابها عددا من الروايات للشاشة الصغيرة..

وعندما كانت الحركة قائمة قاعدة في حديقة مدينة الفنون، كانت فاتن حمامة، قبل غيرها من الممثلين والممثلات قد استعدت لتمثيل اللقطة الجديدة في الفيلم، وجلست تحت شجرة وارفة الظلال بأنتظار الانتهاء من ترتيبات التصوير للمشهد الذي يبدو فيه بطل الفيلم عزت العلايلي، وهو يطلق عليها الرصاص في شارع عام عندما تهمّ بركوب سيارتها..

وكنت مع فاتن حمامة، الأنيقة، الرقيقة، الراقية، الجميلة دائماً، تحت هذه الشجرة الوارفة الظلال، وكانت عندي اللهفة لكي ارى فاتن حمامة تمثّل المشهد، ومجرد رؤيتي لها وهي تمثّل امام الكاميرا، يجعلني أستعيد العديد والكثير من الذكريات عن مشوارها الفني الطويل الذي كان من حظي انني شهدت بدايته ..

ان الشمس المشرقة على امتداد ارض حديقة الفنون في شارع الهرم، أيقظت في ذاكرتي صورا من الماضي البعيد عن لقاء لي مع فاتن حمامة في مكان مماثل، أو ربما في مكان قريب منه، وكان هذا المكان هو حديقة غناء تملكها أحدى آكبر سيدات السينما المصرية في بداية نهضتها، المرحومة عزيزة امير..

ولكن.. 

لماذا  لا  أبدأ الذكريات، من أولها ؟؟ 

أنها تتوالى امام ناظري، وكانها احداث فيلم سينمائي طويل، مثير وممتع في نفس الوقت..

ولكي لا أشغل فاتن حمامة عن الاهتمام باللقطة التي ستصوّرها لها الكاميرا بعد لحظات، فقد رحت وحدي أجول بعيني في أرجاء حديقة مدينة الفنون، وأستعرض الذكريات التي أجمل ما فيها أنها ظلت مستمرة في كل مرحلة زمنية كانت فيها فاتن حمامة تزداد لمعاناً، وتألقاً، ويبقى لها وحدها عرش السينما العربية الذي صمد ثلاثين عاماً، أي الفترة التي هوت فيها تيجان كثيرة، وزالت عروش عدة وظهرت خلالها وانطفأت عشرات النجوم..

أنني، في بداية حياتي الصحفية، كنت مشدودا الى القاهرة، وتواقاً الى رؤيتها، وأزهى احلام الصبا عندي هي أن أزور تلك المدينة العربية العريقة التي بُهرت بعظمتها من خلال رؤيتي لها في الأفلام السينمائية، وأن أتعرف عن كثب الى نجومها الذين كان بريقهم يشعّ على أمتداد الوطن العربي، ويجعل منهم اساطير تلهب الخيال.. 

ولقد استطعت، وأنا في سن صحفية مبكرة، من السفر براً الى القاهرة، عن طريق فلسطين التي لم تكن محتلة بعد، ومنذ أن صحوت من النوم، في اليوم التالي لوصولي اليها، أتجهت على الفور الى مكتب مجلة «دنيا الفن» في شارع توفيق، وكان الهدف الاول لي أن أتعرف شخصياً على عدد من الزملاء الصحفيين الذين يكتبون فيها، وكنت قد تعرفت بهم عن طريق رسائل متبادلة بيني وبينهم .

ولقد كانت أول مفاجاة سارة لي بمجرد أن دخلت مكاتب المجلة هي أنني رأيت نفسي وجها لوجه أمام أحمد سالم، دون جوان الطبقة الراقية، ونجم السينما الساطع في الأربعينات، وكان وجها محبوباً  الى كل جيله من الشباب والفتيات، وكانت شخصيته تستهويني أكثر، لانني كنت أتابع كل أفلامه، وأيضاً كل أخبار مغامراته العاطفية، التي كان أولها مغامرة مثيرة مع كاميليا، أجمل وجه ظهر على الشاشة السينمائية في الاربعينات، وآخرها كانت المغامرة التي أنتهت بزواجه من النجمة الرائْعة الحسن والجمال مديحة يسري، التي كانت تجّسد في شخصيتها ارستقراطية المرأة، وأناقتها، وكبرياء الأنوثة عندها !..

وكان أول «خبر» عرفته وأنا أدخل مكاتب «دنيا الفن» هو أن احمد سالم شريك في أصدار هذه المجلة، وأن شراكته فيها كانت جز ءا من خطة ذكية أعدّها للسيطرة على الاعلام الصحفي الفني، في مواجهة منافسة النجم المرحوم أنور وجدي، الذي لم يكن مثقفاً كأحمد سالم، ولا ارستقراطياً مثله، ومع ذلك فقد استطاع أن يكتسح بأدواره وأفلامه الساحة السينمائية، ويتفوق على كل منافسيه من نجوم السينما الشباب .. وأحمد سالم منهم طبعاً..

وعلى أية حال، فأن قصة أحمد سالم ليست هي التي تروى الان..

والمهم، أن سعادتي بلغت الذروة عندما وجدت نفسي وسط زملاء أحببتهم عن بعد، وتعرفت اليهم عبر الرسائل التي لم تكن تتوقف، وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر خليل عبد القادر «وكان رئيساً لتحرير المجلة»، جليل البنداري، عبد الحليم بيومي، حسن عثمان، أنور عبدالله، محمد السيد شوشة، عبدالله أحمد عبد الله، الشهير بـ «ميكي ماوس»!.

ومن ساعة اللقاء الاولى مع كل هذا الحشد من الزملاء وجدت نفسي غارقاً في «قضية» فنية خطيرة ومثيرة.

أن خليل عبد القادر«رحمه الله» قال لي

لا بد أنك تعرف بأن في القاهرة الان عدد كبير من النجوم اللبنانيين.

قلت:

- أعرف أن عندكم فعلاً العدد الكبير منهم: نور الهدى، صباح، محمد سلمان، لور دكاش، وغيرهم..

وأستمر رئيس التحرير الصديق يقول لي:

 • أرجوك .. اذهب لزيارتهم جمعياً، وأسالهم أذا كانوا يعانون من أية متاعب في مصر، وأذا كان هناك فعلاً من يحاربهم، أو يحاول أبعادهم عن مصر !.

قلت:

- ومن الذي قال أنهم يحاربون ..

أجاب :

لقد ظهرت مقالات في الصحف اللبنانية تتهم الهيئات الفنية المصرية بأن صدرها يضيق بالنجاح الذي يحققه الفنانون اللبنانيون في مصر، ولهذا تحاول وضع العراقيل في طريق عملهم..

وصارحت المدير قائلا:

- هذه ليست «قضية» .. وحتى لو جعلوا منها قضية فيمكن حلها بـأعلان الحقائق و.. النوايا الحسنة.

وضحك خليل عبد القادر وقال:

 • الحقائق أنت ستراها بنفسك، أما «النوايا الحسنة» فأننا سوف «نعلنها» أمامك غدا، في حفلة شاي نقيمها هنا تكريما لك، وتكون فيها مع مجموعة من أهل الفن والصحافة!.

- وهكذا تواعدنا على لقاء الغد..

... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)

الموعد اللبنانية في

02.05.2015

 
 

مشوار مع فاتن حمامة (الحلقة 2)

لو نجحت كهرمان لتأخرّ ظهور فاتن!

بقلم: محمد بديع سربيه

تنشر «الموعد» في «شارع النجوم» مجموعة من المقالات التي كتبها رئيس تحرير «الموعد» الراحل محمد بديع سربيه، وهي لا تتبع التسلسل الزمني، بل تتنوع مواضيعها ومضمونها مع تنوّع النجوم الذين رووا ذكرياتهم وتحدثوا ومشوا في «شارع النجوم».

* * *

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1979:

ما زلت تحت الشجرة الوارفة الظلال في حديقة مدينة الفنون في شارع الهرم في القاهرة، وكلما نظرت إلى فاتن حمامة وهي تنتظر أن تصدر إليها اشارة من المخرج هنري بركات للبدء في تمثيل لقطة جديدة من فيلم «ولا عزاء للسيدات» كلما إزدادت صور ذكريات الماضي عنها تتدفق إلى مخيلتي بغزارة...

لعّل ما سجلته من ذكريات في العدد الماضي يخرج إلى حدّ ما عن نطاق فاتن حمامة نفسها، ولكن عذري في إتساع لوحة الذكريات هذه، هو أن كل الأحداث التي تُروى مرتبطة بها إلى حد بعيد...

ومن الأحداث التي لا يمكن أن ترتبط بتاريخ سيدة الشاشة العربية حدث اكتشاف الفنان الكبير يوسف وهبي لحسناء لبنانية إسمها «مرتا أجبع» وتصميمه على أن يجعل منها اكتشافه الثاني الذي يهّز العالم السينمائي العربي من اقصاه إلى اقصاه....

وعلى غرار اكتشافه الاول المطربة اللبنانية الكسندرا بدران، التي اسماها «نور الهدى» واطلقها مشعة مضيئة إلى سنوات عديدة في ساحة السينما المصرية...

لقد أراد يوسف وهبي أن يكرّر التجربة...

وكما قلت، فأنه نظر إلى مرتا أجبع من فوق لتحت، ومن تحت لفوق، ثم هز برأسه وقال لها: انت اليوم كهرمان!!

وكان عليها أن تبدأ مشوار المجد والشهرة في اليوم التالي...

و....

في تلك الفترة، ومرتا أجبع صار اسمها «كهرمان» تدق ابواب الشهرة في القاهرة، كنا نحن في بيروت نتابع اخبارها بشغف ومتعة، وقد ازداد اعجابنا بها، وسعد كل صحفي ناشىء منّا، بأن ترتفع شهرة هذه الحسناء التي كانت بيننا قبل أسابيع، تُسحرنا بفتنتها وتُصارحنا بأحلامها وتوزع على كل منا عواطفها وبسماتها بالعدل والقسطاس واذا كانت الضجة الإعلامية حول صباح ونور الهدى قد اثيرت عندما تمّ اكتشافهما بل ونجاحهما فعلا، فإن صور «كهرمان» قد ملأت الصحف بمجرد أن سافرت إلى القاهرة وقيل أنها ستكون نجمة الموسم في أفلام يوسف وهبي، وكان السبب طبعاً هو كثرة صداقاتها، والإعجاب الزائد بجمالها عند جميع الصحفيين اللذين كانوا في سن المراهقة...

وفي الوقت الذي كان فيه العديد من الصحفيين - وأنا منهم - ننتظر أن تصل اليهم الصور الأولى للنجمة الجديدة «كهرمان» من فيلمها «ملاك الرحمة» اذا بالمفاجأت غير المنتظرة تقع.. وتصل «كهرمان» نفسها إلى بيروت وهي ذابلة العينين حزينة الوجه، مكسورة الخاطر...

وتدافعنا حولها بلهفة...

ما الذي حصل يا «كهرمان»...

هل انتهيت من تصوير الفيلم بهذه السرعة؟؟

إنها ردّت على كل هذه التساؤلات بصمت يدعو الى الحيرة، ولم تقل كلمة واحدة ترضي الفضول، او تكشف عن السبب الذي حملها على العودة سريعاً إلى بيروت...

ولكن ناطقاً بإسمها، وكان على الأرجح شقيقها، همس في اذان بعضنا بأن السبب الأول الذي جعل ابنة الشمال الحسناء تترك القاهرة، وتخسر بطولة الفيلم، هو أنها رفضت أن تبيع جسدها!.

كيف؟؟

أن الناطق بإسم «كهرمان» روى قصة غريبة من نوعها، وقال ان الفتاة الحسناء عندما وصلت إلى الإستديو، لتجري أول تجربة مصّورة على الدور الذي ستمثّله، استقبلها يوسف وهبي، واشار إلى غرفة في اقصى الإستديو، وقال لها:

ادخلي يا فتاتي إلى هذه الغرفة.. فإنها غرفة المجد، ولن تكوني جديرة بالمجد اذا لم تدخلي هذه الغرفة..

وعلى حد ما روى الناطق بإسم «كهرمان» فإنها ارتبكت وتلعثمت، ولم تدر ما علاقة الدخول إلى هذه الغرفة بوصولها إلى المجد، ذهبت ودخلت الغرفة، فوجدتها غرفة نوم أنيقة مريحة مليئة بالصور التي تدّل على أنها غرفة يسكنها الشيطان وليست مدخلاً إلى المجد...

وسأل الصحفيون المراهقون الناطق بإسم كهرمان

هه.. وماذا فعلت عندئذ...

فهز برأسه واجاب:

انتم تعرفون أننا نتمسك بتقاليدنا ونرفض أن نبيع أنفسنا مقابل أي شيء، ولذلك، وعندما فهمت «مرتا» معنى الدخول إلى الغرفة، آثرت أن تحافظ على كرامتها، والإنسحاب من الفيلم، والعودة إلى بيروت....

وهذه هي الحكاية من أولها إلى أخرها...

ولقد سمعت انا هذه الحكاية الغريبة كما سمعها سواي من الصحفيين، ولكنني تمهلت في تصديقها بينما سارع سواي إلى اعتبارها قصة حقيقية، فبادر إلى نشرها في الصحف وتحويلها إلى فضيحة داوية....

والواقع أنني لم أصدق ما رواه الناطق بإسم «كهرمان» لأسباب كثيرة، منها أن يوسف وهبي فنان كبير ومحترم لا يمزج بين عمله ونزواته، وأنه لا يمكن أن يضحي بإكتشاف سينمائي لمثل هذا السبب التافه، وهو عدم دخول الفتاة التي اكتشفها إلى غرفة المجد، اذا كان هناك غرفة مجد فعلاً في الإستديو، ثم أن العقل لا يتصور أن يوسف وهبي يحاول إغراء فتاة في قلب الإستديو، ويحاول أن يختلي بها في غرفة امام سمع وبصر عشرات العمال والفنيين....

وهكذا وقع العديد من الزملاء في «مطب» تصديق الرواية التي تلقفتها آذانهم من الناطق بإسم «كهرمان» ورفضتُ انا أخذ ما سمعت على محمل الجد والصدق، وبالتالي فلم انشر كلمة واحدة عن هذا الموضوع...وكان كل ما نشرته هو الخبر الذي سمعته من «كهرمان» نفسها، وهو أنها بعد أن سجلت أُغنية واحدة بصوتها في «العب يا سمك» سحب يوسف وهبي منها الدور واسنده إلى الفتاة فاتن حمامة، التي كانت قد مثّلت، وهي في التاسعة من عمرها، دوراً في فيلم «يوم سعيد» مع الموسيقار محمد عبد الوهاب!.

وعلى طريقة مخرجي السينما إنتقل بسرعة إلى المشهد.. الآخر.

إن قصة الفتاة اللبنانية مرتا أجبع التي صار اسمها كهرمان، كانت ما زالت طازجة، عندما التقيت في مكاتب مجلة «دنيا الفن» وانا في طريقي إلى حفلة الشاي التي دعاني إليها رئيس تحريرها، بالفنان الكبير يوسف وهبي، والنجمة الجديدة الشابة فاتن حمامة...

وقبل أن أبادر الفنان الكبير بالسؤال، بادرني هو بقوله

هل تحوّلت انا في نظر بعض زملائك إلى..راسبوتين!.

وقلت له

معاذ الله يا يوسف بك... ولكن قصة «كهرمان» كانت غامضة بالنسبة للزملاء الذين لا يعرفونك شخصياً كما اعرفك انا، وكان هذا الغموض هو السبب في تصديقهم لحكايات رُوِيت لهم...

قال:

اذن.. اسمع الحقيقة مني.

أجبت:

الان، او بعد حفلة الشاي التي حان موعدها...

وابتسم يوسف وهبي وقال:

افضل ان تسمعها بعد الحفلة حتى يكون أمامنا متسع من الوقت..

ودخلت مع يوسف وهبي وفاتن حمامة إلى قاعة الإستقبالات التي أقيمت فيها حفلة الشاي، وكان حول المائدة حشد كبير من الصحفيين والفنانين اذكر منهم: عفاف شاكر «شقيقة النجمة شادية» وكانت يومها ممثلة كبيرة، ومديحة يسري واستاذ التمثيل الاول في مصر زكي طليمات، والموسيقار محمد حسن الشجاعي، وغيرهم وغيرهم...

ولأن الحفلة تقيمها صحيفة مصرية لتكريم صحفي لبناني، فقد كانت عامرة بالخطب، وكان اول المتكلمين هو يوسف وهبي ، الذي قال أن الذين يتهمون الفنانين المصريين بمحاربة اخوانهم الفنانين اللبنانيين هم أشبه بالذي يحاول الإيقاع بين أفراد الاسرة الواحدة ثم قال أن عروبة الفن المصري لا جدال فيها ولا شك، وأن احداً لا يمكن ان يجرد اي عربي من عروبته، ثم اعلن: «والله لو جئت ببذور اوروبية، زرعتها في صحراء العرب القاحلة لانبتت أعرابا»!

... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)

الموعد اللبنانية في

16.05.2015

 
 

مشوار مع فاتن حمامة «3» :

ورفضت نصيحة أحمد سالم!

بقلم: محمد بديع سربيه

تنشر «الموعد» في «شارع النجوم» مجموعة من المقالات التي كتبها رئيس تحرير «الموعد» الراحل محمد بديع سربيه، وهي لا تتبع التسلسل الزمني، بل تتنوع مواضيعها ومضمونها مع تنوّع النجوم الذين رووا ذكرياتهم وتحدثوا ومشوا في «شارع النجوم».

* * *

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1979:

ارتفع صوت المخرج هنري بركات من بعيد منادياً:

مدام فاتن تفضلي..

وكان معنى هذا النداء أن الاستعدادات قد تمت لالتقاط مشهد جديد من فيلم «ولا عزاء للسيدات» وأن على سيدة الشاشة العربية أن تقوم من المكان الذي تنتظر فيه تحت الشجرة الوارفة الظلال في حديقة الفنون بشارع الهرم، وتتجه الى المكان الذي سيتمّ فيه تصوير المشهد.

إن فاتن حمامة تنفست الصعداء بعد أن طال انتظارها، وبقيت وحدي تحت الشجرة، ومن بعيد رحت أرقبها وهي تمثّل المشهد المطلوب باندماج وإبداع، في لحظات تحوّلت من إنسانة وديعة رقيقة، الى سيدة عنيفة تتمرّد على زوجها، وهي الشخصية التي تمثّلها..

إنني ما زلت أذكر كيف أن يوسف وهبي كان فخوراً جداً بفاتن حمامة عندما عُرض فيلم «ملاك الرحمة» وأنه، بعد أيام من عرض الفيلم أعطى أوامره بأن يتغيّر مكان إسمها في الإعلانات فلا يكون بعد إسمه وإسم راقية ابراهيم، التي كانت بطلة الفيلم، وإنما يوضع إسم فاتن  حمامة على قدم المساواة مع إسمي يوسف وهبي وراقية ابراهيم..

ولقد أراد أحد الصحفيين مجاملة يوسف وهبي بعد نجاح فيلم «ملاك الرحمة» فكتب مقالاً هنأه فيها «على اكتشافه السينمائي الجديد الذي هو الممثلة الممتازة فاتن حمامة، وبالرغم من أن الفنان الكبير كان سعيداً بأنه قدّم الى السينما العربية نجمة من الدرجة الأولى بل والممتازة، فإنه رفض أن ينسب لنفسه فضل اكتشافها، وكتب رداً يقول فيه: «إنني في الواقع قدّمت فاتن حمامة في فيلمي ولم «أكتشفها».. وأظن أن ما تتمتّع به من المواهب الفنية العالية يجعلها لا تحتاج الى من يكتشفها، وهي لو لم تظهر في فيلمي لكان النجاح حتماً بانتظارها في أفلام عديدة مقبلة»..

وهنا أعترف بأنني عندما رأيت  فاتن حمامة في حفلة الشاي التي دعتني اليها مجلة «دنيا الفن» لم تغب عني ولو للحظة واحدة ملامح «النجومية» فيها، ليس كممثلة فقط، وإنما كإنسانة راقية أيضاً..

إنها في يوم الحفلة كانت ما زالت ممثلة ناشئة، لم تكن قد مثّلت غير فيلم واحد هو «ملاك الرحمة» ومع ذلك فقد كانت شخصيتها طاغية في الحفلة التي ضمّت العديد من المشاهير، والذين لهم تاريخهم الطويل في الحياة الفنية، بل إن الجميع من صحفيين وفنانين ومنتجين، كانوا يتنافسون في التودّد اليها، وأيضاً في الاقتراب منها لالتقاط صور معها..

ترى، هل إن الجميع كانوا يقرأون على لوحة المستقبل أن هذه الفتاة التي لم تصل بعد الى سن العشرين سوف تكون في وقت قريب سيدة الشاشة العربية، والنجمة التي تظلّ متربعة على قمة النجاح ثلاثين سنة متواصلة؟؟.

والمهم أنني كنت أيضاً أحد الذين اجتذبتهم شخصية فاتن حمامة طوال الحفلة، بحيث رأيت نفسي مهتماً بها أكثر من النجوم والمشاهير الذين كانوا في الحفلة، بل ورغم لهفتي لسماع قصة الحسناء اللبنانية كهرمان على حقيقتها من فم يوسف وهبي، فإنني آسف على الوقت الذي ضاع في الاستماع الى هذه القصة، لا لشيء، وإنما لأن فاتن حمامة كانت قد استأذنت وغادرت مكان الحفلة في الوقت الذي كنت فيه مشغولاً بسماع قصة كهرمان من يوسف وهبي!.

وبقيت بعد حفلة الشاي حلقة  فنية ضيقة من الذين كانوا مدعوين اليها، وكانت حبة العقد فيها الممثلة الحسناء عفاف شاكر، وكانت يومها ممثلة محبوبة، ولكن غير معروفة إلا في نطاق فني محدود، لأن أزماتها الشخصية كانت تحول دائماً دون تفرّغها لعملها الفني، ولو أنها تفرغت فعلاً، لما كان صعباً عليها أن تصبح مع الأيام نجمة أولى، وأن تصل الى ما وصلت اليه فيما بعد أختها النجمة اللامعة شادية!.

إن الحلقة الفنية التي كانت تضم عدداً من الصحفيين والفنانين، والتي بقيت بعد انتهاء حفلة الشاي في دار «دنيا الفن» لم يكن هناك ما يشغلها سوى الحديث عن فاتن حمامة، والمستقبل الذي ينتظرها، والنجاح الذي حقّقته، والنجمات اللواتي سوف ينطفئ بريقهن بسبب ظهورها..

ولقد انضم الفنان النجم أحمد سالم الى الحلقة في منتصف الحديث، وعندما سُئل عن رأيه في النجمة الجديدة سارع الى القول:

إنها أول ممثلة عربية يمكن لي مقارنتها بممثلات أوروبا..

وصفق الجميع لهذا الرأي من النجم الأرستقراطي الذي اشتهر عنه أنه قَلَّ أن يمتدح أحداً، بل كان لا يعجبه العجب في السينما المصرية ويقول: إنها لن تصبح سينما إلا إذا وصلت الأفلام المصرية الى المستوى الذي يؤهلها لأن تُعرض في الخارج..

وهكذا طال الحديث حول فاتن حمامة..

وفجأة، تنبهت الممثلة الجميلة عفاف شاكر وتذكرت أن تقو ل لي:

على فكرة، إن فاتن طلبت مني إبلاغك أنها سوف تنتظرك على الغداء بعد غد..

قلت:

- ولكنها قالت لي إن والدها سوف يتصل بي..

أجابت عفاف شاكر:

لقد جاء والدها لاصطحابها الى البيت واتفقت معه على موعد دعوتك الى الغداء، وأرادت أن تبلغك بالموعد، ولكنك كنت مشغولاً بالحديث مع يوسف وهبي..

قلت:

- حسناً.. سأكون عندها بعد غد..

وهنا، انتحى بي أحمد سالم جانباً وقال لي:

ستذهب الى فاتن حمامة... أليس كذلك؟

قلت:

- هي أرادت مشكورة أن تدعوني الى الغداء، ولا أستطيع أن أرفض دعوة إنسانة وفنانة مثلها أحببتها واحترمتها من أول لحظة عرفتها فيها.

وقال لي أحمد سالم:

إذن، فإن عندي نصيحة هامة لفاتن حمامة أرجو أن تحملها بنفسك اليها..

وضحكت وقلت:

- فاتن حمامة كانت هنا، على بُعد أمتار قليلة منك، فلماذا لم تهمس في أذنها بالنصيحة التي تريد الآن أن أنقلها اليها..

وقال النجم الأرستقراطي:

لم يكن مناسباً أن أقولها لها أمام الناس، وبوسعك أن تقولها لها بينك وبينها!.

قلت له:

- حسناً.. ما هي النصيحة؟

فأجاب:

ألاّ تمثّل أبداً في فيلم من إخراج أنور وجدي..

واستغربت النصيحة، فسألته:

- ولكن.. لماذا؟

فشرح أحمد سالم وجهة نظره وقال:

لأنها هي ممثلة راقية وهو مهرج.. وأفلامه كلها تهريج في تهريج وفاتن تمثّل بالنسبة لنا الأمل في أن نتخلص من التصنّع والإثارة والافتعال في التمثيل، ولهذا أريدها أن تكون في دنيا تختلف عن الدنيا التي تعيش فيها الممثلات الآن..

وقلت له:

- ربما أخالفك في الرأي بالنسبة لأنور وجدي، ولكنني على كل حال سوف أنقل نصيحتك الى فاتن حمامة!

وبالفعل، ذهبت الى بيت فاتن حمامة، وكان يومئذٍ في شارع «المنيرة»، وكانت قد دعت الى الغداء عدداً من الزملاء أيضاً، وطالت جلستنا، وتعدّدت المواضيع التي نتحدث فيها، وفاتن تتصرّف في الجلسة رغم صغر سنها كأستاذة تستوعب كل فكرة، وتعلّق على أي رأي، وتناقش ما يقال لها، ولكن بجد ممتزج بالظرف وخفة الدم..

يومها، سعدت بأنني رأيت ممثلة في جو عائلي حميم، وتأكدت من أن فاتن حمامة سوف تبقى طوال حياتها الفنية في مثل هذا الجو ولن تغادره لتعيش حياتها بالطول والعرض كما تأكدت من أن الغرور لن يأخذ سبيلاً اليها مهما كبرت شهرتها ودوّى اسمها في العالم السينمائي، وما جعلني أذهب الى هذا المدى في التأكد، هو أنها كانت في ذلك الوقت وهي في هذه السنّ المبكّرة، بطلة سينمائية شهيرة ومحبوبة، والعروض لتمثيل الأفلام تنهال عليها من كل جهة ومع ذلك فلم يتملّكها أيّ قدر من الغرور، ولا تزهو بنفسها بمناسبة وبدون مناسبة، مع العلم، بأن الغرور كان يصيب، في تلك الأيام، أي فتاة تظهر ولو لدقائق على الشاشة، أو أي شاب يمثّل دوراً قصيراً وثانوياً بل إن من الذكريات التي تضحكني كثيراً هو أن ممثلة جاءت يوماً الى بيروت، وصار يعلن عنها كضيفة شرف في كثير من الحفلات الفنية على أنها نجمة فيلم «يحيا الحب» الذي مثّله الموسيقار محمد عبد الوهاب، وعندما ذهبت لأرى هذا الفيلم، وأبحث عن هذه الممثلة التي يُقال إنها نجمة، وجدت أنها لم تمثّل فيه سوى دور يستغرق عرضه على الشاشة ثوانٍ قليلة!.

... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)

الموعد اللبنانية في

01.06.2015

 
 

متى تكتب فاتن حمامة مذكراتها؟!

بقلم: محمد بديع سربيه

تنشر «الموعد» في «شارع النجوم» مجموعة من المقالات التي كتبها رئيس تحرير «الموعد» الراحل محمد بديع سربيه، وهي لا تتبع التسلسل الزمني، بل تتنوع مواضيعها ومضمونها مع تنوّع النجوم الذين رووا ذكرياتهم وتحدثوا ومشوا في «شارع النجوم».

* * *

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1986:

عندما خرجت مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة من قاعة الفن التشكيلي في مجمع الفنون بالزمالك، اكتشفنا أن الوقت الذي أمضيناه في القاعة قد ضاع كله في الحديث عن تمثالها البرونزي الذي صنعه لها الفنان التشكيلي عبد العزيز صعب، والذي سينقل الى بيتها بعد الإنتهاء من عرضه أمام الجمهور!.

وقالت لي فاتن حمامة:

ما رأيك؟ ما زال الوقت مبكراً، ولم يحن بعد موعد أي سهرة لك، فهل تتناول الشاي عندي؟

قلت:

- هذه فرصة سعيدة جداً، وعلى الأقل أستطيع خلالها أن أعرف منك أخبارك الصحيحة؟

فابتسمت وقالت:

اذن، تعال معي في سيارتي، ونبدأ الحديث ونحن في الطريق!.

وفعلاً، كنت مع سيدة الشاشة العربية في سيارتها، ولكن لمدة قصيرة لا تزيد عن دقائق معدودة، هي المسافة الفاصلة بين  مجمع الفنون، وعمارة «ليبون» التي تقيم فيها سيدة الشاشة العربية منذ أكثر من عشرين سنة!.

وفي السيارة، قلت لها:

اتهمتني بأني أهوى السهر غير المبكر، فهل أفهم من هذا أنك لا تحبين السهر!.

فأجابت:

- أنا طول عمري أحب النهار، وتستهويني الشمس، ولا أنام بعد الظهر، لأنني أشعر بأنني حرمت نفسي من وقت جميل، وحتى العمل أفضل أن يكون في ساعات النهار، وليس في الليل حيث لا أكون منفتحة الإحساس كما أنا في الصباح، أو الظهر، وحتى ساعة الغروب!.

قلت:

والذي أعرفه عنك من أيام زمان أنك فعلاً لست من أهل السهر، وأنك أول من تنسحب من أي سهرة عندما تشعر بأنها سوف تطول كثيراً، اذن، فإن حالك مع السهر ما زال مستمراً!.

أجابت:

- أيوه، وأنا وزوجي من الذين يحبون النوم باكراً، لكي نصحو باكراً، ونبدأ يومنا من أوله، ولكن لا بد من سهرة مرة في الأسبوع، أو في المناسبات!.

وانتهى المشوار القصير بالسيارة.. وبعد لحظات كنت وفاتن حمامة في صالون بيتها الأنيق الذي أسبغت ذوقها الرفيع على ديكوره، وأثاثه، وألوانه، بحيث جعلته صالوناً مريحاً للعين، وللجالسين فيه أيضاً!.

وقلت لها:

وهكذا، كل مرة أرى تجديداً في الصالون..

فابتسمت وقالت:

- أعمل ايه، أنا أمضي في بيتي ثلاثة أرباع أوقاتي، فلا أقل من أن أحاول أن أجعله جميلاً ومريحاً..

سألتها:

وهل من تجديد مقبل فيه؟

أجابت:

- أيوه، أنا الآن أصمم ركناً ريفياً في الصالون، بحيث نحس ونحن نجلس فيه بأننا في.. قعدة فلاحي!

وأخشى أن نضيع عن الأخبار الصحيحة التي أنتظر سماعها منها، فأسألها:

ما حقيقة الأخبار التي تقول بأنك سجلت قصة حياتك بصوتك في ثلاثين حلقة، وأنك ستصورينها فيما بعد للتلفزيون؟

فأجابت:

- غير معقول أن أتاجر بقصة حياتي وأجعلها عملاً فنياً، وربما سواي يروي هذه القصة نيابة عني من بعدي!

قلت:

بعد عمر طويل، ولكن، ربما كنت تروين مذكراتك وليس قصة حياتك؟

أجابت:

- يعني، المذكرات كما أعرف، يكتبها من يتقدم به السن، أو يعتزل العمل ويعيش في الفراغ، وأنا لم أعتزل عملي السينمائي بعد، وبص شوف، هل تراني قد تقدمت في السن كثيراً..

وقلت:

فشر؟؟ أنت، والحمد لله، شباب على طول!! ولكن، وما دمت تقولين بأنك لن تسجلي أو  تصوري قصة حياتك، وأيضاً لن تكتبي مذكراتك، فهل ان كل ما قيل ونشر عن هذا الموضوع هو عار تماماً عن الحقيقة!.

فأجابت:

- يعني، تقدر تقول هناك أفكار، واقتراحات، وربما يكون البحث بيني وبين البعض قد دار  حول رواية بعض من ذكرياتي في العالم السينمائي، ولكن أي شيء لم يتقرر، وبالتالي لا أعرف من أين تجيء مثل هذه الأخبار التي وصل بعضها الى حد التأكيد بأن الحلقات التي زعم أني سجلتها أو صورتها سوف تذاع في شهر رمضان الحالي، فتصور الى أين يصل الخيال، أو كيف تكون فبركة الأخبار!.

وأقول لسيدة الشاشة العربية وهي تصب فنجانين من الشاي لها ولي:

اذن، أنت من رأيك أن لا تكتب النجمة السينمائية المشهورة مذكراتها؟

فردت قائلة:

- ممكن جداً أن تكتب إنسانة مثلي عاشت حياتها في العالم الفني عن تجاربها وخبرتها في مذكرات لها لكي تفيد الأجيال التي تجيء من بعدها، ولكن ذلك يتطلب مني أن أترك العمل وأتفرغ تماماً لكتابة المذكرات، وهو ما لم يخطر لي

على بال حتى الآن، وعلى أي حال فأنا لا أعارض فكرة المذكرات، ولكنني أشعر بأن الكلام عن تسجيل أو إنتاج قصة حياة فاتن حمامة فيه نوع من التجارة لا أحبه، بل وأرفضه تماماً..

وأسألها:

ولكن، هل إن لديك نواة لمذكراتك، أي عناوين أو رؤوس أقلام مدونة في مفكرتك؟

- أجابت:

- أيوه، ولكن لا بد من أن يكون عندي، الوقت لأتذكر كل حكاية وقعت لي أو صادفتها، ومنها حكايات كانت عندما حصلت تعتبر قمة في الدراما، ولكن مجرد تذكرها الآن يثير الضحك!.

وقلت لها، وما زلنا نرتشف فنجاني الشاي اللذين جاءت بهما الشغالة السيريلانكية:

بالمناسبة، أي مرحلة من حياتك الفنية أحببتها أكثر..

إن فاتن حمامة لا تحدد مرحلة معينة أحبتها.. ولكنها تعيش باستمرار مراحل تحس فيها بالسعادة، وهي التي تكون فيها داخل أي استديو سينمائي، تمثل فيلماً أمضت وقتاً كبيراً في تحضيره، ومناقشته، والإعداد له..

إن مرحلة ولادة الفيلم السينمائي الذي تمثله فاتن حمامة هو المرحلة الأهم عندها، وعبارة «أكشن» عندما يطلقها المخرج تطربها كأنها مقطع من إحدى أغنيات أم كلثوم، والإلفة الحميمة تحس بها وهي تعيش وسط أسرة الفيلم وكل منهم مهتم بعمله!.

على أن السعادة عند فاتن حمامة تبلغ الذروة عندما يعرض الفيلم، وترى إذا كان قد أعجب الجمهور أم لا، وحتى الآن، ومنذ أربعين سنة، فإن تسعة وتسعين بالمائة من أفلام فاتن حمامة انتزعت الإعجاب والتصفيق، ولم يقل الحماس الشعبي لسيدة الشاشة العربية ولا فترة لحظة منذ أن مثلت فيلمها الأول وهي في سن الصبا والمراهقة «ملاك الرحمة» وحتى فيلمها الأخير «ليلة القبض على فاطمة»!.

وآخذ رشفة من فنجان الشاي، وأتابع الحوار مع فاتن حمامة في صالونها الهادئ المريح!.

وأسأل فاتن حمامة:

هل إن حماسك للعمل السينمائي، ما زال على حاله، وكما كان في السابق، وبعد أن مثلت أفلاماً يقدر عددها بأكثر من مائة!.

أجابت:

- حماسي للشغل زي ما هو، ما زلت كما كنت في السابق أحب أن أشترك في تحضير وإعداد كل مشهد من الفيلم، ولو أن دوري فيه جميل فإن أكبر  متعة عندي هي أن أدرسه بعمق، وأعيش تفاصيله وأحاسيسه!.

وقلت لسيدة الشاشة العربية:

عندما أدخل الى الأستديوهات السينمائية في مصر، وأرى خلوها من أسباب الراحة بالنسبة لأي من العاملين فيها، فإنني أتساءل: بأي مزاج يمكن أن تمثل فاتن حمامة في هذه الأستديوهات!.

وأجابت:

- عندما أكون وسط الديكورات الخاصة بالفيلم الذي أمثله، ومع ممثلي وممثلات الفيلم، وبالملابس التي يمثلون بها أدوارهم، وعندما أعيش في جو أحداث قصة الفيلم، فإنني أنسى تماماً ما هي عليه حال الأستديوهات، ولا أفكر في خلوها من وسائل الراحة، ولكن ما يحزنني فعلاً هو رداءة طبع وتحميض الأفلام في معامل الأستديوهات، مما يفقد الفيلم ثلاثة أرباع جماله، وبحيث يبدد جزءاً كبيراً من المجهود الذي بذل ليكون الفيلم راقي المستوى، وما يحزنني أكثر هو أن رداءة طبع الأفلام، تضاف اليها عندما تعرض في دور السينما رداءة ماكينات العرض!.

.. وكان قد تردد في كواليس الأستديوهات السينمائية أن المخرج يوسف شاهين كان قد عرض دور البطولة في فيلمه الجديد أولاً على فاتن حمامة، قبل أن يرشح لتمثيله المطربة الأوروبية داليدا، وأنها اعتذرت عن عدم تمثيله..

... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)

الموعد اللبنانية في

21.02.2015

 
 

سرّ قالته فاتن حمامة في نهاية الحوار معها!

بقلم: محمد بديع سربيه

تنشر «الموعد» في «شارع النجوم» مجموعة من المقالات التي كتبها رئيس تحرير «الموعد» الراحل محمد بديع سربيه، وهي لا تتبع التسلسل الزمني، بل تتنوع مواضيعها ومضمونها مع تنوّع النجوم الذين رووا ذكرياتهم وتحدثوا ومشوا في «شارع النجوم»

* * *

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1986:

قبل أن ألتقي سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة في قاعة الفنون التشكيلية بمجمع الفنون بالزمالك، وفي المعرض الذي قدّم فيه الفنان عبد العزيز صعب التمثال الذي صنعه لها، قبل هذا اللقاء كنت قد جمعت من الصحف والمجلات العربية عموماً ما يقارب الثلاثين خبراً عن قصص سينمائية اختارتها فاتن حمامة

وبدأت تستعد لتمثيلها، أو أفلام بدأت بتصويرها فعلاً، بل إن بعض الأخبار تنسب اليها شخصياً قولها أو الإعلان عنها!

ولأن القاعدة التي يسير عليها جهاز التحرير في «الموعد» هي أن لا ينشر أي خبر عن أي نجمة أو نجم، وبالذات عن فاتن حمامة، إلا بعد التأكد من صحته، فإن صفحات المجلة تظل أحياناً عدة شهور خالية من ذكر سيدة الشاشة العربية، لأنه لا أخبار  فنية عندها، ولأن أخبارها الشخصية تكاد أن تكون روتينية، وبالرغم من لهفة ألوف القراء في كل مكان من الوطن العربي لقراءة أي شيء عن فاتن حمامة، فإن «الموعد» تؤثر أن تكون صادقة، على أن ترضي لهفة القراء بأخبار غير صحيحة عن سيدة الشاشة العربية، أو بنشر أخبار تؤكد بأنها موجودة في بيتها، وأنها، أكلت، وشربت، ونامت، وتكلمت في التليفون!

ولقد وضعت أمام فاتن حمامة وكل منا يمضي في ارتشاف ما بقي من شاي في فنجانه، مجموعة من الأخبار والموضوعات الصحفية التي نشرت في الأشهر الثلاثة الأخيرة عن أعمال سينمائية بدأت أو على وشك أن تبدأ بها، وقلت لها:

أود الآن أن «أغربل» هذه الأخبار، وأنتقي منها ما قد تقولين إنه صحيح..

فضحكت وقالت:

- وبدون أن أعرف أي خبر منها أقول لك إنها غير صحيحة..

وسألتها بدهشة:

ولا خبر؟

أجابت وهي باسمة الوجه:

- ولا خبر، والسبب بسيط وهو أنه ليس عندي الآن أي عمل سينمائي جاهز للتنفيذ، وأيضاً فإنني لم أستقر بعد على رأي بالنسبة للقصص المقترح عليّ أن أمثّلها في السينما، وما دام ليس عندي عمل ما فمعنى هذا أن أي خبر ينشر عن أعمال فنية لي هو غير صحيح!.

وهنا قلت لها:

يخيّل إليّ أن بعض الزملاء الصحفيين يدركون لهفة الجمهور لقراءة أي شيء عن فاتن حمامة فيؤثرون ملء الصفحات بأخبار عنها ولو غير صحيحة، على أن يُغيّب إسمها من صحفهم أو مجلاتهم!

فاتسعت ابتسامتها أكثر وقالت:

- ليس هذا فقط، بل إنه يحدث في أحيان كثيرة أن ينسب اليّ كلام لم أقله أبداً، بل إنني قرأت عدة مرات تفاصيل مقابلات صحفية مزعومة جرت معي وأنا، كما تعرف، قليلة الكلام، ولا أجري أحاديث صحفية إلا فيما ندر!.

وأسألها:

لو أذعت مرة تكذيباً عن أحاديث نسبت اليك، فلربما يتوقف سيل فبركة الأخبار والأحاديث التي تنسب اليك!

فقالت:

- يعني، أنا أكتفي بمطالعة ما يكتب ولا أكذبه، لأنني لا أجد فيه ما يسيء اليّ..

وهنا حان وقت الجد.. وسألت فاتن حمامة

هل أستطيع أن أحصل منك الآن على أخبارك الفنية.. الصحيحة!.

فأجابت:

- أيوه، والخبر الأول هو أنني في العام الماضي، انصرفت الى إعداد سبع سهرات تلفزيونية، أي روايات مدة كل منها ما يقارب الساعتين، وكنت أعقد الإجتماعات المستمرة مع كاتب كل رواية، ولكنني في النهاية وجدت أن الجهد الذي سوف يأخذه تحضير كل سهرة يوازي حجم الجهد الذي يتطلبه فيلم سينمائي، ومن هنا فقد ألغيت المشروع، وأعدت الى شركة الإنتاج العربية التي كانت تموّل إنتاج هذه السهرات مبلغ العربون الذي كنت قد أخذته منها..

وسألتها:

ولم يعد عندك أي عمل تلفزيوني؟

أجابت:

-  أنا أحاول الآن أن أعد روايتين للتلفزيون تختلف كل منها عن الثانية فكرة وموضوعاً، ولكنني لا أضمن أن أصل بها الى التنفيذ!.

سألتها:

ليه؟

أجابت:

- لأن ما أفعله الآن هو التحضير المبدئي لهاتين الروايتين، ولكن المشروع السينمائي والتلفزيوني عموماً لا يعتبر مشروعاً إلا إذا كان هناك سيناريو جاهز له، وليس مجرد فكرة قصة تملأ ثلاث ورقات!.

وأسأل سيدة الشاشة العربية:

هذا عن التلفزيون، ولكن أليس في الأفق الآن أية مشاريع سينمائية، أي أفلام تمثلين أدوار البطولة فيها!.

وتجيب:

- حتى الآن لا جديد، وليس من قصة جاهزة لدي، ومؤخراً وعدتني السيدة سكينة فؤاد، مؤلفة قصة «ليلة القبض على فاطمة» بأن تكتب لي قصة جديدة، وهي لم تنته بعد من كتابتها، وطبعاً لا أستطيع أن أطلب اليها الإسراع في إنهائها، لأن الكتابة في النهاية تعتمد على الإحساس، وليس عملاً يدوياً!.

قلت:

ولكن جمهور السينما العربية يلح في رؤية أفلام جديدة لك، لأن هذه الأفلام هي التي تصحح المسار السينمائي، ولا سيما عندما تنحدر الأفلام الى السطحية والإبتذال!.

وتجيب سيدة الشاشة:

- يعني، أنا أرى الآن أن المعادلة الاقتصادية  في الإنتاج السينمائي باتت صعبة، فإن الفيلم الجيد والرفيع المستوى لم تعد تكاليفه تقل عن الأربعمائة ألف جنيه، فمن أين يغطى هذا المبلغ، وسوق الفيلم المصري محدود الإيرادات!! إن العملية أصبحت تحتاج الآن الى منتج قادر مادياً، وقادر أيضاً على المغامرة!.

قلت لها:

إذن.. حالياً لا جديد سينمائياً عندك؟

أجابت وهي تحسم الأمر:

- لأ.. ما فيش!.

وهكذا، فإن ما قالته فاتن حمامة ينفي جميع الأخبار التي تناقلتها الصحف العربية عن أفلام قريبة سوف تمثلها سيدة الشاشة ولم تكن «الموعد» من بين هذه الصحف لأنها تفضّل أن تستقي الأخبار التي تنشرها من رأس النبع مباشرة، أي من فاتن حمامة شخصياً التي اعتادت ألا تكذّب الأخبار غير الصحيحة التي تنشر عنها، ولكنها في الوقت نفسه لا تكتم أخبارها الصحيحة عن «الموعد»!.

ولكن الحديث ما زال مستمراً..

وأسأل فاتن حمامة:

هل كان فيلم «ليلة القبض على فاطمة» من إنتاجك؟

وأجابت:

- اشتركت في إنتاجه أنا ومخرجه هنري بركات، ولكن، ولو أن أي فيلم أمثله لا يكون من إنتاجي مادياً، فإنني أتولى رعاية إنتاجه من الناحية الفنية!

قلت:

ألا تتوقعين مسبقاً إذا ما كان الفيلم الذي تنتجينه مادياً وفنياً سوف يحقق إيرادات مادية جيدة أم لا..

وأجابت، وهي تنزل فنجان الشاي عن شفتيها:

- عندما أعمل في أي فيلم، سواء أكان من إنتاجي أم من إنتاج سواي فإن ما يهمني أولاً هو النجاح الفني، وليس الربح المادي، لأنني لو كنت أريد كسب الفلوس لافتتحت أي دكان وكسبت منه، وإن كنت متأكدة من أنني سأجعله دكاناً جميلاً، لأن طبيعتي تجعلني أحرص على أن يكون كل شيء أصنعه جيداً وكاملاً، وحتى في حياتي الخاصة، إذا كان عندي ضيوف، وكان الأكل على المائدة نص نص، فإني أكون في غاية التوتر..

وما دامت قد ذكرت حياتها الخاصة، فإنني أسألها:

في بيتك هل تعيشين كفنانة؟ يعني، هل إن الفن هو ما يشغلك طوال يومك..

فابتسمت وقالت:

- لا، أنا الآن أعيش حياة زوجية عادية ومستقرة..

سألتها:

وما الذي يشغلك طوال يومك؟

أجابت:

- ما يشغل أي زوجة، في الصباح أهتم بما يحتاج اليه البيت، ثم أذهب الى النادي حيث ألعب «البولينغ» أو أمارس الرياضة مع صديقاتي، ومثل ما هو الحال في كل البيوت المصرية  نتأخر - أنا وزوجي - في تناول الغداء الى الساعة الثالثة أو الرابعة..

قلت:

والليل.. ماذا عنه في حياتك؟

وتجيب:

- ثلاثة أيام من أيام الأسبوع نتناول العشاء مع أصدقاء، سواء في البيت أم خارجه، والأيام الباقية تكون سهراتنا عادية جداً، ونسلي أنفسنا بمشاهدة الأفلام على الفيديو!.

قلت:

وهل تشاهدين أفلاماً كثيرة؟

وترد:

- أنا لا أشاهد سوى الأفلام الجيدة، أما الفيلم الذي أكتشف أنه رديء، فأنا أوقف عرضه بعد عشر دقائق من بدايته، ويكون الأفضل عندي بعد ذلك أن أقرأ كتاباً يفيدني ويسعدني..

سألت فاتن حمامة:

وهل ما زلت تقضين إجازاتك في أوروبا، وتمتد الى شهر وشهرين؟

فابتسمت وقالت:

- لقد أصبحت الآن صيادة سمك ماهرة، مشاركة لزوجي الدكتور محمد عبد الوهاب الذي معروف عنه أنه صياد ممتاز، وبحكم هوايتنا المشتركة، أو التي أصبحت مشتركة، فإننا نقضي معاً أغلب إجازاتنا في الهواء الطلق، وعلى شاطئ البحر، وأحب كثيراً أن أصطاد السمك في البحر الأحمر، أما أوروبا فلا أسافر اليها إلا  في السنة مرة، وعندما أريد رؤية إبني طارق!.

قلت:

على ذكر طارق، هل صحيح أنه طلق زوجته؟

أجابت:

- أيوه، وعنده الآن ولده عمر الذي أكمل عامه الثاني، ولم أره إلا عندما كان ما زال بعد في الشهر السابع من عمره، وأنا الآن سأغتنم أي فرصة للذهاب الى كندا لرؤية إبني وحفيدي..

... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)

الموعد اللبنانية في

07.03.2015

 
 

أمام تمثال مدام فاتن!

بقلم: محمد بديع سربيه

تنشر «الموعد» في «شارع النجوم» مجموعة من المقالات التي كتبها رئيس تحرير «الموعد» الراحل محمد بديع سربيه، وهي لا تتبع التسلسل الزمني، بل تتنوع مواضيعها ومضمونها مع تنوّع النجوم الذين رووا ذكرياتهم وتحدثوا ومشوا في «شارع النجوم».

* * *

كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1986:

أعترف بأنني من محبي الفن التشكيلي، ولكنني لست من المتحمسين لمتابعته، ولا أجعل من حضور معارضه شغلاً دائماً لي، تماماً كما أحب كرة القدم، ولكنني لا أجعلها هماً يومياً لي، ولا ألهث وراء كل مباراة تقام، في القطب الشمالي لأعرف من تغلب على من.

ولكن الصدف شاءت لي من خلال أشهر قليلة أن أشاهد معرضين من معارض الفنون التشكيلية التي تقام بكثرة في كل بلد، ولا أعرف أخبارها إلا من الصحف.

الأول هو معرض الملكة السابقة فريدة ذو الفقار الذي أقيم في إحدى قاعات فندق «الميريديان» والثاني هو معرض منحوتات الفنان الشاب عبد العزيز صعب في مبنى مجمع الفنون بالزمالك.

والمعرض الأول ذهبت اليه، وأعترف ذلك بصراحة، لكي أرى الملكة فريدة وليس حباً بمشاهدة لوحاتها!

أما المعرض الثاني فإنني وجدت نفسي متحمساً لزيارته من أجل تمثال مدام فاتن!

إن الذي حدث هو أن الصحف والمجلات امتلأت في الآونة الأخيرة بأخبار عن أعمال فنية على وشك أن تقوم بها سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، ومنها على سبيل المثال أنها سجلت أو ستسجل حالاً قصة حياتها في ثلاثين حلقة تصور تلفزيونياً..

وبين فاتن حمامة و«الموعد» رباط وثيق من الود الصادق.

وأيضاً بين سيدة الشاشة العربية، والمجلة التي أحبتها على مدى السنين، معاهدة غير مكتوبة، ولا متفق عليها شفهياً بل صنعتها الأيام والسنون. وتنص هذه المعاهدة على أن لا تنشر «الموعد» خبراً عن فاتن حمامة سواء كان فنياً أو شخصياً إلا إذا تأكدت من صحته مئة بالمئة وتنص أيضاً على أن لا تخفي سيدة الشاشة العربية عن صديقتها «الموعد» أي خبر صحيح عنها إذا كان من الأخبار المسموح عرفاً وتقليداً، بأن تكون منشورة ومتداولة!.

وعلى مدى السنين، فإن ما تعتز به «الموعد» هو أنه ما من خبر نُشر على صفحاتها عن فاتن حمامة إلا وكان صحيحاً وقد أسعدني أن أسمع منها أكثر من مرة أنها تردّ على الذين يسألونها عن صحة خبر ما نُشر عنها بقولها

- إذا نشرت «الموعد» هذا الخبر فإنه يكون صحيحاً بالتأكيد!.

وعندما كثرت الأخبار عن تسجيل وتصوير فاتن حمامة لقصة حياتها في التلفزيون، فإنني رأيت أن أتصل بها شخصياً لمعرفة مدى صحة هذه الأخبار!.

وترد فاتن حمامة عليّ بعد أن رنّ جرس التليفون مرة واحدة..

ونتبادل التحيات، والأسئلة عن الصحة والأحوال وآخر الأخبار، ثم أقول لها:

كالعادة، أريد أن أسألك عن أخبارك.. الصحيحة!

ورنت ضحكتها الناعمة من خلال ثقوب سماعة الهاتف وقالت لي:

- آخر خبر صحيح عني تعال معي لتراه هذا المساء!.

قلت:

خير!! هل ستبدأين تصوير فيلم جديد؟

فأجابت:

- لا ولكن سأذهب الى مجمع الفنون في الزمالك لأحضر حفلة افتتاح معرض الفنان التشكيلي عبد العزيز صعب!.

وقلت لها:

هذه أول مرة أعرف فيها أنك من هاويات معارض الفنون التشكيلية..

وعادت ضحكتها الرقيقة ترن من خلال ثقوب السماعة، وقالت لي:

- الحكاية وما فيها أن عبد العزيز صعب أقام معرضه اليوم ليقدم فيه التمثال الذي صنعه لي من البرونز.

صحت بدهشة:

تمثال؟؟ ولك أنت؟؟ إنه خبر الموسم؟

ولم يطل الحديث التليفوني أكثر من ذلك بيني وبين فاتن حمامة، وتواعدنا على اللقاء بعد ساعات في مجمع الفنون بالزمالك، وأمام التمثال البرونزي..

إنني وصلت الى قاعة المعرض قبل فاتن حمامة بعشر دقائق، وكان هناك جمهور غفير ينتظر حضور سيدة الشاشة العربية بعد أن شاع وذاع أنها ستجيء لمشاهدة تمثالها، ووجدتها فرصة سانحة لأرى التمثال البرونزي لوحدي، وأتأمله جيداً..

ورغم أنني لست خبيراً في الفنون التشكيلية ولا في أمور الرسم والنحت، إلا أنني رأيت أمامي تمثالاً برونزياً هو صورة طبق الأصل عن فاتن حمامة، وحتى نظرة التأمل التي تعبّر عن الشموخ والثقة بالنفس، والتي هي من أبرز ملامح وجه فاتن حمامة، أبرزها التمثال بشكل دقيق، ولولا اللون الخاص للبرونز لتخيلت أن ما أراه هو صورة فوتوغرافية لسيدة الشاشة العربية.

والتقيت في قاعة المعرض بالفنان عبد العزيز صعب، صانع تمثال مدام فاتن  - كما كان يقال في المعرض - ووجدتها فرصة لسؤاله:

ما حكاية التمثال؟

فأجاب:

- إن هوايتي الكبيرة هي صنع التماثيل لمن هم في قمة العبقرية والعطاء، وقد صنعت من قبل تمثالاً للموسيقار محمد عبد الوهاب، والآن أنهيت صنع تمثال فاتن حمامة، وأتمنى أن أصنع تمثالاً للمطربة اللبنانية الكبيرة فيروز..

قلت له:

ولكن، متى وكيف تفاهمت مع فاتن حمامة على موضوع التمثال؟

فأجاب:

- إن الذي قدّمني اليها هو الدكتور يوسف ادريس، الذي كنت صنعت له تمثالاً، ولم أصادف أي صعوبة في إقناعها بإعطائي فرصة لصنع تمثال لها، لأنها كانت قد شاهدت من قبل بعض أعمالي، ومنها التمثال الذي صنعته للموسيقار محمد عبد الوهاب.

سألته:

وما الذي اجتذبك الى وجه فاتن حمامة لتصنع لها تمثالاً؟

فأجاب:

- منذ بدء هوايتي للنحت، وأنا أبحث عن وجه يمثّل شخصية المجتمع الأنثوي المصري، ولم أجد خيراً من وجه فاتن حمامة، ليجسّد هذه الشخصية، والدليل على ذلك أن الجماهير أحبتها لا كفنانة فقط بل وكإنسانة أيضاً!.

وعدت أسأله:

ما الذي كان يهم فاتن حمامة أن يبرز في تمثالها؟

وقال الفنان عبد العزيز صعب:

- إن مدام فاتن فنانة كبيرة، وقد سألتني وهي تجلس أمامي أثناء فترة إعداد التمثال عن أي شخصية أبحث عنها عندها، فقلت لها إن الذي يهمني هو أن يبرز التمثال مزيجاً من شخصيتي فاتن حمامة الفنانة والإنسانة!.

وسأله محرر في «الموعد» كان معي في الزيارة؟

كيف وجدت شكل وجه فاتن حمامة؟

فأجاب:

- نسب تركيب وجهها هي نسب عربية مصرية قديمة، ووجهها شرقي جداً، وتتمتع بنظرة معينة وشهيرة، وهي نظرة لوم هادئ في حين أنه مؤثر وعميق جداً، وكذلك فإن أنفها مصري تماماً وعيناها تأخذان الشكل «البانورامي» وهي تملك نظرة شمولية لكل ما حولها!.

وعاد المحرر يسأله، بينما أنا مشغول من جديد بتأمل التمثال:

هل صادفت أي صعوبات مع مدام فاتن خلال عمل التمثال؟

أجاب:

- إنها من الجلسة الأولى قالت لي سأعتبرك مخرجاً، واعتبرني ممثلة  وواجب الممثلة هو إطاعة المخرج حتى في الخطأ، وبهذه الديبلوماسية وضعتني في موقف المسؤول عن العمل كله، ولذلك، ومن شدة حرصي على الكمال الفني في التمثال فإنني بعد أن انتهيت من صنعه أردت أن أحطمه، ولكن السيدة فاتن حمامة عارضت رأيي لأول مرة، وبشدة، واختلفنا في الرأي، وعندما وصلنا الى طريق مسدود، طلبت منها أن نحتكم الى آخرين، وفعلاً، ألّفنا لجنة التحكيم من: زوجها الدكتور محمد عبد الوهاب، وابنتها السيدة نادية ذو الفقار، وحماتها السابقة والدة المخرج الراحل عز الدين ذو الفقار، والمذيعة نادية صالح، وأجمع رأي الكل على أن التمثال جيد ورائع، ولكنني عدت وأصررت على تحطيم التمثال لأصنع غيره، وعندئذٍ هددتني مدام فاتن وقالت: إذا خدشت هذا التمثال، فإنني سأرفع قضية ضدك، وتأكد بأنني سوف أكسبها!.

وتعالى التصفيق من حديقة مجمع الفنون في الزمالك، وكان إشارة الى وصول سيدة الشاشة العربية، وهرع الجميع لاستقبالها وهي تطل على القاعة بإشراقة وجهها، وشموخ شخصيتها، وأناقتها الهادئة البسيطة!.

إن فاتن حمامة قصت الشريط إيذاناً بافتتاح معرض الفنان عبد العزيز صعب، وبوصفها ضيفة الشرف، ثم راحت تطوف بين منحوتات المعرض وتتوقف أمام كل منها عدة دقائق، ثم عندما وقفت أمام تمثالها سألتني ضاحكة:

- هل أنا جميلة الى هذا الحد؟

فقلت لها:

إن عتبي على عبد العزيز  صعب هو أنه لم يبرز جمالك كله..

وعادت تتأمل التمثال، ثم قالت لي:

- أتعرف؟؟ إن أكثر ما اجتذبني الى التماثيل التي يصنعها عبد العزيز  صعب هو أنها ليست مجرد تماثيل، بل ترى فيها مسحة آدمية.. يعني هو لا يبرز في التمثال الشكل فقط بل الإحساس أيضاً..

... (البقية على صفحات مجلة "الموعد" النسخة الورقية)

«محمد بديع سربيه» 

الموعد اللبنانية في

07.02.2015

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004