جديد الموقع

 
 
 
 

عنوان الصفحة:

د.أمل الجمل تكتب عن مهرجاني «كارلو فيفاري» التشيكي و«إيل شينما ريتروفاتو» البولولني

 
 
 
 
 
 
 
     
 
 
 

د.أمل الجمل تكتب عن

مهرجان كارلو فيفاري السينمائي:

 

الموضوع

المصدر

التاريخ

 

 

 

 

مهرجان كارلوفي فاري الـ57.. باقة النجوم والأفلام التي ترصع سماء العام السينمائي

الجزيرة الوثائقية

11.07.2023

تكريم الممثلة التشيكية الاستثنائية دانييلا كولاشوفا في كارلوفي فاري الــ.٥٧

صوت العرب الأردنية

08.07.2023

السينما التشيكية بين الماضي والمستقبل ونهاية العالم في كارلوفي فاري الـــ٥٧

الـ arabtribune

08.07.2023

ضربة استباقية لكارلو فيفاري الــ٥٧ والاحتفاء بمئوية ماسومورا المتمرد

موقع مصراوي

08.07.2023

احتفاء بالسينما الإيرانية في كارلوفي فاري الــ٥٧

صوت العرب الأردنية

07.07.2023

في كارلوفي فاري الــ٥٧.. السينما العربية تنهض مجدداً

صوت العرب الأردنية

05.07.2023

كارلوفي فاري السابع والخمسين.. التكريمات عديدة لكنها مستحقة

صوت العرب الأردنية

03.07.2023

جوني ديب والرجل السندريلا في افتتاح مهرجان كارلوفي فاري ال٥٧

صوت العرب الأردنية

02.07.2023

     
 
 
 
 
 

مهرجان كارلوفي فاري الـ57.. باقة النجوم والأفلام التي ترصع سماء العام السينمائي

د. أمــل الجمل

 
 

“إنه بالفعل أحد أفضل المهرجانات التي حضرتها. أود أن أشكر فريق المهرجان بأكمله، أنا ممتنة للجمهور التشيكي المميز الذي يدعم الأفلام بحضوره واستقباله الحماسي لها، جعلتموني أعود بشعوري لما قبل جائحة كورونا، نحن بحاجة إلى السينما، ولدعم السينما”. هكذا تحدثت الممثلة الأمريكية “روبن رايت” بكلمات مؤثرة تكتنفها عاطفة جياشة، وذلك عقب تسلمها الجائزة التكريمية من الممثل التشيكي الكبير “ييري بارتوشكا” -رئيس مهرجان كارلوفي فاري- في ختام دورته الـ57 التي امتدت خلال الفترة ما بين ٣٠ يونيو/حزيران إلى ٨ يوليو/ تموز الجاري.

وقد عرض لها في إطار هذا التكريم فيلمها “العروس الأميرة” (The Princess Bride)، لكن كلمتها لم تكن استثناء، بل إن نجم هوليود النيوزيلندي “راسل كرو” الحائز على عشرات الجوائز منها الأوسكار والغولدن غلوب، تحدث أيضا عن أهمية المهرجان التشيكي ودقة مواعيده وانضباط منظميه، وذلك أثناء تسلمه جائزة إنجاز العمر لمساهمته البارزة في السينما العالمية، ليلة الافتتاح الذي اتسم بالجاذبية مع تقديم رقصة جماعية شيقة للتزلج على الجليد، فوق خشبة المسرح المغلق بالقاعة الكبرى في فندق ثيرمال.

“راسل كرو”.. إعجاب الجمهور وسياط الصحفيين

رغم كل الإبهار في الإضاءة والرقص، فإن وجود النجم “راسل كرو” جعل جمهور القاعة يهتز بقوة، مصفقا له بحماس منقطع النظير، خصوصا مع تكريمه بجائزة تمثال الكرة الكرستالية الشهير، تلقاها من رئيس المهرجان “ييري بارتوشكا”، وحول ذلك قال “كرو” أثناء الافتتاح: رغم سعادتي بالتكريم وتقديري له، فإنني هنا من أجل الحفل.

فقد خصصت له إدارة المهرجان إحياء الحفل الغنائي الذي يُقام عادة عقب مراسم وفيلم الافتتاح، وقد امتد حتى الساعات الأولى من الصباح، فبات يصدح بطل “المصارع” (The Gladiator) بصحبة فرقته الموسيقية التي جذبت مئات الآلاف من الجمهور العادي، وتفاعل معها بشكل هستيري من شدة البهجة، بينما في اليوم التالي وأثناء المؤتمر الصحفي تعرض لنقده بعض الصحفيين، مُلمحين إلى أن مسيرته الموسيقية ضعيفة، ولا تُقارن بإنجازه في فن الأداء، لكنه تجاهل النقد وحوَّل دفة الحديث إلى شغفه بالموسيقى والغناء من مرحلة مبكرة في حياته.

النجمة المكرمة في فري روبن رايت

قدم “كرو” في مسيرته عددا من الأعمال، منها “عقل جميل” (A Beautiful Mind) عام 2001، و”الرجل السندريلا” (Cinderella Man) عام 2005، و”المصارع” (The Gladiator) عام 2000، وهو الذي نال عنه جائزة الأوسكار، وقد قرر مخرجه بعد 24 عاما أن يعود لتحقيق جزء ثان منه بعد 24 عاما.

“جوني ديب”.. مزاعم في مقابلة النجم الغائب الحاضر

إذا كانت الجائزة لم تشغل “راسل كرو” على حد زعمه، فإن الأمر اختلف تماما مع الممثل والمنتج والموسيقي الأمريكي “جوني ديب” الذي تحول إلى ظاهرة فنية ضخمة قبل عدة سنوات، وله ملايين المعجبين في مختلف أرجاء العالم.

فرغم أنه حائز على ثلاثة ترشيحات لجوائز الأوسكار، وجائزة غولدن غلوب وجوائز أخرى لا حصر لها، ورغم أنه لم يحضر بجسده في هذه الدورة، فقد كان له وجود آخر مؤثر وداعم للمهرجان العريق، فقد ظهر بأحد المشاهد السينمائية الدعائية المصورة خصيصا للمهرجان، بينما تحاوره صحفية تؤكد على أنها من أشد معجبيه، لكنها مندهشة، لأن جميع النجوم الذين حضروا إلى المهرجان كان يُكرمون دوما، بينما هو لم يحصل على التكريم عندما حضر للمهرجان قبل عامين. فيسألها: حقا؟!

ثم بعد فترة صمت مربك، يستخرج لها تمثال الكرة الكريستالية الشهير والمميز للمهرجان، مدعيا أنه حصل عليه من كارلوفي فاري، فتتأمله الصحفية بدهشة، تبحث عن اسمه على جسد التمثال، فنكتشف معها أنه قد زيّف الأمر، وكتب اسمه على تمثال لم يحصل عليه.

“يسعدني أن أقدم لكم فيلما قريبا جدا من قلبي”

بعد غيابها أربع سنوات عن المهرجان، تعود النجمة “باتريشيا كلاركسون” هذا العام، للمشاركة في لجنة التحكيم الرئيسية، وهي مرشحة للأوسكار، وحاصلة على غولدن غلوب، وعلى جائزة التمثيل الخاصة في مهرجان صندانس السينمائي، وجائزة إيمي ثلاث مرات.

راسل كرو أثناء حفله الموسيقي في فاري

وقد قالت للجمهور بمرح أثناء تقديم فيلمها “مونيكا” (Monica): أفكر في الانتقال إلى كارلوفي فاري لأعيش هنا بينكم، حتى نتمكن من التسكع معا. يسعدني أن أقدم لكم فيلما قريبا جدا من قلبي، فعندما أفكر في مدى أهمية موضوع حقوق المتحولين ليس فقط في وطني، أشعر أن وجودكم مهم للغاية بالنسبة لي، حيث القبول والمغفرة، والأهم من ذلك هو الحب.

يُذكر أن فيلم “مونيكا” يتناول صورة مقربة جدا من حياة امرأة تعود إلى منزل الأسرة لرعاية والدتها المحتضرة، فنعايش معها صوراً للتخلي والشيخوخة ومدى القدرة على قبول الآخر، من خلال تفاصيل قصة رقيقة ومؤلمة لعائلة ممزقة.

“إيوان ماكغريغور”.. أبوة تنقل لشاشة السينما

كان من بين التكريمات منح جائزة رئيس المهرجان للممثل الأسكتلندي “إيوان ماكغريغور” الذي جاء بصحبة عائلته، وعلى الأخص ابنته التي شاركته الاحتفاء بالجائزة على خشبة المسرح، مثلما تُشاركه بطولة فيلمه الأحدث “أنت تغني بصوت عال، أنا أغني بصوت أعلى” (You Sing Loud, I Sing Louder)، وقد عُرض الفيلم وسط احتفاء الجمهور التشيكي الذي بلغ عدد حضوره ١٣٠ ألف مشاهد هذا العام.

تدور أحداث الفيلم في إطار درامي مليء بالفكاهة وحب الوالدين، حول علاقة أب وابنته البالغة من العمر عشرين عاما، تجمع بينهما تجربة صعبة بعد سنوات من الانفصال، إذ يحاولان إعادة تأسيس علاقتهما من خلال التغلب على مشكلة الإدمان لدى البنت، وذلك خلال رحلتهما من سان دييغو إلى نيو مكسيكو، ليكتشفا أن لديهما قواسم مشتركة أكثر من مجرد نقطة ضعف للحلويات.

“أليسيا فيكاندر” الممثلة والمنتجة والراقصة السويدية، نالت أيضا تكريما موازيا مرتين، الأولى بالحصول على جائزة رئيس المهرجان، والثانية بعرض أحدث أفلامها “فايربراند” (Firebrand) ليكون فيلم الافتتاح، وهو دراما تاريخية من توقيع المخرج البرازيلي ذي الأصول الجزائرية كريم عينوز، وقد أنتج عام ٢٠٢٣، ويتناول بشكل مثير للإعجاب من الناحية الأسلوبية رحلة زواج الملكة “كاثرين بار” و”هنري الثامن”، كاشفا عن القوة الداخلية للمرأة التي لا تُقهر.

راسل كرو ورئىس المهرجان في افتتاح فاري

تكريمات النجوم وعرض الأفلام.. دعم الصناعة المحلية

صحيح أن منظمي هذا المهرجان العريق يصنعون منه حدثا دوليا بامتياز، بملامح غير تقليدية على الإطلاق، وبطاقة وتفاصيل متجددة دوما، مثلما فرضوا مكانته المحترمة والمقدرة بين المهرجانات الكبرى العريقة، لكنهم في ذات الوقت لا يضعون في صدارة تفكيرهم الجمهور المحلي فقط، بل أيضا السينما المحلية ونجومهم المحليين.

وهذا يتمثل في أمرين؛ الأول خاص بالتكريمات المحلية، سواء من خلال تقديم لمسة وفاء للنجوم الراحلين خلال العام، أو عبر التكريمات، ومنها قسم “من الماضي” الذي يحتفي بشخصية سينمائية تركت بصمتها على الأجيال، ويعرض أبرز أفلامها أو يعرض أفلاما وثائقية عنها، كما حدث مع مهندس الصوت الكبير “إيفو شبالج” الذي أعدت عنه ابنته المخرجة “أديلا” فيلما وثائقيا يلقي نظرة على مسيرته، وإسهاماته في تلك المهنة التي كرس لها حياته بحب وشغف كبيرين، مع شهادات مهمة من صناع الفن السابع وزملائه.

كذلك، كُرمت الممثلة “دانيلا كولاشوفا” في حفل الختام، وهي إحدى أبرز نجمات التمثيل هناك، ويصفونها في جمهورية التشيك بالممثلة الأسطورة، ويعتبرونها شخصية استثنائية في عالم التمثيل السينمائي وفي المسرح التشيكي، فهي ممثلة عبرت عن جميع مراحل حياتها، فتنقلت بين الأدوار، وراوحت بين المراحل العمرية المختلفة، انطلقت من مرحلة تمثيلية إلى أخرى، من أدوار الفتاة الممتلئة بالسذاجة أو العشق إلى أدوار الأمهات ثم الجدات، وقدمت أعمالا رائعة.

الأمر الثاني أيضا أن صناع المهرجان يفرضون مساحة راسخة للسينما المحلية في البرمجة، فمثلا بداخل المسابقة الرسمية “الكرة البلورية” التي تضمنت ١١ فيلما، كان هناك فيلمان من الإنتاج التشيكي هما “أبدا لم نكن عصريين” (We Have Never Been Modern)، ويتناول إشكالية الازدواجية الجنسية بسبب عيوب خلقية يُولد بها الإنسان، ومشاكله الطبية وحلوله التي لم تكن معروفة إلا على نطاق محدود جدا حتى بين الأطباء، في نهاية الثلاثينيات من القرن العشرين، ثم إكساب الأمر تعاطفا إنسانيا، ومنحه شحنة عاطفية، من خلال طرح آثار ذلك على الإنسان وعائلته وشريكه في الحياة وعمله ونظرة المجتمع له، فهو في الأغلب كان يتعامل معه على أنه مسخ، طالما أنه ليس رجلا وليس امرأة.

أما الفيلم الثاني داخل المسابقة فينتمي لأفلام الطريق، وهو منسوج بنزعة تشاؤمية في إطار من الكوميديا السوداء التي تنهض على الغرائبية، مع توظيف جماليات بصرية تكاد تكون شحيحة لكنها ساحرة، ويحمل الفيلم عنوان: “إنسان حساس” (A Sensitive Person)، ويدور حول أب يبدو كأنه غريب الأطوار.

إنه ممثل متجول متزوج ولديه ولدان، يُقرر ذات يوم أن يعود بصحبة عائلته ليستقروا في جمهورية التشيك، وطوال رحلة العودة، يكون الأب وعائلته شاهدا على عالم يتدهور نظامه وأخلاقه بشكل تدريجي، وذلك عبر تأمله أو احتكاكه بمجموعة من الشخصيات الغريبة، مثل الناسك وعصابات المخدرات والنساء البغايا وسائقي الدراجات الذين يسرقون سيارته ويرمونه مع طفله الرضيع وابنه المراهق على قارعة الطريق.

ألوان مفعمة بالحيوية في أفلام قاتمة.. بصمة تشيكية

من الأمور اللافتة أن عددا غير قليل من صناع الأفلام التشيكية يتعمدون تناول قضايا نقدية أحيانا بأسلوب قاتم متشائم، لكنهم مع ذلك يُكسبون اللقطات مساحة لونية صاخبة مفعمة بالحيوية مثل فيلم “إنسان حساس”، ويكون ذلك عبر الملابس النسائية للمهرج وابنه بعد تعرضهما للسرقة، إضافة إلى ألوان المكياج، فيكشف التناقض البين بين عالمهم الداخلي والعالم الذي يعودون إليه.

الأمر ذاته يتكرر مع أحد الأفلام التشيكية القصيرة جدا، ويحمل عنوان “إلكترا” (Electra)، وقد عرض ضمن مسابقة “تخيل”، ففي ٢٧ دقيقة وعبر الخيال المتفجر بالألوان والمرح يلقي الضوء على شعور فتاة تخوض سن البلوغ المبكر، حيث تتعمق المخرجة “داريا كاشيفا” في الذكريات المؤلمة عبر توظيف جميع درجات اللون الأحادي، والمزج بين الممثلين الحقيقيين وبين الدُمى الممزقة.

إنه فيلم مرح ومربك عن كيفية إيجاد علاقة مع الجسد. إضافة إلى برمجة أفلام أخرى ضمن قسم “العروض الخاصة”، ومنها فيلم يتناول رؤية مستقبلية عن قدرة الإنسان على العودة من الموت، أو بالأحرى أن يكون لديه حرية الاختيار، والعودة من الموت إلى الحياة وفق شروط محددة.

“شباك خاوية”.. سعي إلى الزواج يبعد العاشق أميالا

فاز العام الماضي الفيلم الإيراني “صيف واعد” (Summer with Hope) بالجائزة الكبرى في ختام فعاليات كارلوفي فاري السادس والخمسين، وهذا العام حصد أيضا الفيلم الإيراني “شباك خاوية” (Empty Nets) جائزة لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الرسمية “الكرة الكريستالية”، وهو التجربة الأولى في الإخراج الطويل للمخرج بهروز كراميزاد.

يدور الفيلم حول قصة حب تجمع بين فتاة وشاب طُرد للتو من عمله رئيسا للطهاة، فقط لأنه تصرف بإنسانية، وعارض أمر صاحب المطعم بعدم تقديم وجبة العشاء للضيوف، لأن صاحب الفرح لم يدفع باقي المبلغ، ثم نتتبع رحلة هذا الشاب وصعوبة أن يجد عملا كريما حتى يتمكن من التقدم لخطبة حبيبته.

يضطر الشاب للعمل في مهنة الصيد، للاشتراك في مسابقات ضرب عنيف تحت الماء، يضطر للمغامرة بحياته ونفسه والتورط في أعمال تهريب غير مشروعة، وهي أعمال سوف تمتصه وتستنزف طاقته وحيويته، لكنه يواصل من أجل جمع المال الكافي ليفوز بحبيبته، لكنه لم يُدرك أن كل هذه الخطوات كانت تُبعده أميالا عن الفتاة التي تعلق بها قلبه، فقد أصبح إنسانا آخر دون أن يدري، ليُؤكد الفيلم أن المواطن الإيراني العادي هو كتلة من الإحباط والحظ السيئ والتخبط في اتخاذ القرارات اليائسة التي قد تجعله يخسر حتى نفسه.

هذا إلى جانب تخصيص منظمي المهرجان برنامجا كبيرا للاحتفاء بالسينما الإيرانية في الدورة السابعة والخمسين، جاء تحت عنوان: “ولادة أخرى.. السينما الإيرانية هنا والآن”، وقد ضم تسعة أفلام إيرانية، إضافة لفيلمين آخرين ضمن قسم “آفاق” بعنوان “لا دببة” (No Bears)، و”حدود بلا نهاية” (Endless Borders) من الإنتاج الإيراني الألماني التشيكي المشترك.

“حدود بلا نهاية”.. عاشق مغترب يغيّر المجتمع في أقاصي الوطن

يحكي فيلم “حدود بلا نهاية” عن الحب وسط الصعاب من خلال قصة المدرس أحمد، وهو يعيش بالمنفى قرب الحدود مع أفغانستان، فيحاول إعادة الاتصال بزوجته التي انفصل عنها، لكنه ما زال مغرما بها، وهي كذلك. وهناك في المنفى يحاول أحمد تغيير أفكار الناس، وحماية شاب وقع في غرام فتاة عمرها ١٦ عاما أُرغمت على الزواج من رجل مسن يحتضر ضد إرادتها، بعد أن باعها أبوها للزوج.

في هدوء وتسلسل درامي سلس بعيد عن التعقيد، تدور الأحداث وسط مناظر جبلية شاسعة، فنرى محاولات للقتل، للخلاص، للهروب من جنبات ومخارج هذه المناظر الطبيعية المترامية بلا نهاية، والتي تشعرنا بالرهبة والقلق على أبطال الفيلم، مع تقديم شكل آخر للهجرة غير الشرعية وأخطار الطريق واجتياز البرك والمستنقعات المائية الخطرة، وسط طلقات الرصاص المنهمر على الرجال والنساء الهاربين. كل ذلك في درجات لونية رمادية متعددة في الصحراء، ودرجات لونية رمادية ممتزجة بالألوان الخضراء القاتمة وسط المستنقعات وأسلاكها الشائكة.

وليس السبب وراء اهتمام المهرجان التشيكي بالسينما الإيرانية، راجعا إلى حالة المطاردة والسجن الذي يتعرض له صناع الأفلام في إيران فقط، بل لأنه في تقدير إدارة مهرجان كارلوفي فاري أن السينما الإيرانية أثبتت أنها تنهض باستمرار، إذ يسعى جيل دؤوب من المخرجين الشباب، إلى صياغة لغتهم السينمائية الخاصة، لغة مبتكرة وفريدة من نوعها وتتحدث بحرارة كبيرة عن الحياة، مما جعل “الفيلم الإيراني يشهد ولادة جديدة مستمرة، يولد مرارا وتكرارا، لأنه لا يهتم فقط بالمحتوى والموضوعات والقضايا الاجتماعية، لكن أيضا -بشكل أساسي- لأنه يهتم بمنظور المخرج وجوهر الفيلم، الذي لا يخضع لضغوط الأحداث اليومية”.

“دروس بلاغا”.. دور يُعيد نجمة للتمثيل بعد 30 عاما

كانت جائزة المهرجان الكبرى “الكرة الكريستالية” من نصيب فيلم “دروس بلاغا” (Blaga’s Lessons) للمخرج البلغاري “ستيفان كومانداريف”، وهو ما كان متوقعا منذ العرض الأول للفيلم بقاعة ثيرمال، والفيلم من إنتاج بلغاري ألماني مشترك، ويدور في إطار درامي اجتماعي حول امرأة مسنة توفي زوجها، ويجب أن تدفن رماده قبل أن يُكمل اليوم الأربعين وفق المعتقدات، لكنها غير قادرة على شراء المقبرة، بسبب انتهازية السمسار، وبسبب تعرضها للسرقة والاحتيال الذي كتبت عنه الصحف، فأصبحت مثار سخرية الجميع، هنا وعن طريق الصدفة تتورط “بلاغا” في عمل يُجبرها على التخلي عن مبادئها الأخلاقية بعد أن فقدت كل مدخراتها.

بعد انقطاع 30 عاما، أعاد هذا الدور الممثلة المبدعة “إيلي سكورشيفا” للتمثيل مرة أخرى، مثلما كان فرصة حقيقة كشفت عن موهبة ممثلة عظيمة تفوقت في دور استثنائي، لذلك منحتها لجنة التحكيم جائزة أفضل ممثلة، كما أشاد بها المخرج في كلمته عقب الفوز قائلا: أود أن أُهدي الجائزة لجيل والديّ، لأنهم الأبطال الحقيقيون لهذا الفيلم، لقد وقعوا ضحايا لاقتصاد السوق في بلغاريا، وعملية التحول الاستهلاكي، فقد كانت تسرق معظم ممتلكاتهم ومدخراتهم، أيضا أود أن أشكر زملائي و”إيلي” الممثلة المذهلة.

من زاوية أخرى، ذهبت جائزة أفضل ممثل إلى “هربرت نوردروم” عن دوره في الكوميديا النفسية الهزلية الإسكندنافية “التنويم” (The Hypnosis)، وقد صعد الممثل لخشبة المسرح مُعربا عن امتنانه، والتأكيد على أن زميلته في البطولة هي شريك أساسي في هذا النجاح، قائلا بمرح: أتمنى أن لا تمانعوا أن أقسم الجائزة، وأرسل نصفها إلى “أستا” شريكتي في التمثيل.

والحقيقة أن الفيلم محمل بطبقات من الدلالات والإدانة للسوق والتلاعب بالناس، بأسلوب كان يفجر الضحك في قاعة العرض مرات عدة.

“فريمونت”.. أثقال تلاحق المغتربة الأفغانية في المهجر

ذهبت جائزة أفضل إخراج للمخرج “باباك جلالي” عن الفيلم الأمريكي “فريمونت” (Fremont)، وهو دراما كوميدية رقيقة جدا وحزينة، تنساب أثناء محاولة اكتشاف الذات، وبصيص الأمل الذي يأتي عندما لا نتوقعه.

تدور الأحداث معظم الوقت بداخل أماكن مغلقة حول البدايات الجديدة في الحياة، وذلك في أجواء رمادية قاتمة، من خلال شخصية “دنيا”، وهي مهاجرة أفغانية تعمل في مصنع بمدينة فريمونت بالولايات المتحدة الأمريكية.

تمكنت “دنيا” من الهرب في حين لا تزال عائلتها عالقة مهددة بسبب هروبها، لذلك تشعر الفتاة الشابة بعقدة الذنب، تقضي لياليها بصحبة الوحدة والأرق، ثم تلجأ إلى طبيب نفسي غريب الأطوار، فهل سيكون من الصعب التصالح مع ماضيها المؤلم، أو مع وجودها الحالي المضطرب؟ وهل وضع اللاجئ مشروط بالموقع الجغرافي، أم أنه حالة ذهنية؟ تساؤلات نجد إجابات مختلفة عنها بين ثنايا الفيلم ومشاهده.

“الرقص على حافة البركان”.. وثائقي يتيم يبكي مأساة المبدع اللبناني

عُرض في المهرجان الفيلم اللبناني “الرقص على حافة البركان” للمخرج سيريل عريس، وهو ثاني تجاربه الوثائقية الطويلة بعد “الأرجوحة”، وهو أيضا الفيلم الوثائقي الوحيد بالمسابقة الرسمية “الكرة البلورية”، وذلك بعد أن ألغيت مسابقة الأفلام الوثائقية قبل عامين، فأصبحت الأعمال الوثائقية تشارك الروائية، وتتنافس معها على الجوائز في جميع المسابقات.

نال الفيلم تنويها خاصا من لجنة التحكيم، وسلمت المنتجة التونسية القديرة درة بوشوشة -عضو لجنة التحكيم بالمهرجان التشيكي- شهادة التقدير بنفسها للمخرج اللبناني، واحتضنته طويلا، تعبيرا عن تقديرها وإعجابها بالفيلم وبأسلوب مخرجه.

أما أحداثه فتدور حول تساؤلات عن دور الفن إزاء المجتمع، منطلقا من تفجير مرفأ بيروت المُفجع الذي راح ضحيته العشرات، بأسلوب مؤلم، وتتساءل بطلة الفيلم مونيا عقل وهي تبكي: كيف ولماذا وصلنا لهذا الحال؟

بعد ذلك يتحول فيلم سيريل عريس لتوثيق الصعوبات التي واجهها صُناع فيلم “كوستا برافا” -الذي أخرجته مونيا عقل، وشارك العام الماضي في مهرجان البندقية، وكان مرشحا للأوسكار- فيكشف حجم معاناة المواطن اللبناني، ومأساة المبدع، وكيف يحارب على عدة مستويات لأجل إنجاز فيلم، وفي الوقت نفسه فإن صناعة الفيلم هي نوع من المقاومة والتشبث بالحياة، فالفيلم يبث طاقة أمل كبيرة وشعورا بالمقاومة وعدم الاستسلام، وهذه إحدى وأهم مزايا الفيلم.

“ياسوزو ماسومورا”.. تكريم في مئوية رجل السينما اليابانية

بقي أن نشير لأمرين؛ الأول أن الفيلم اللبناني هو الفيلم العربي الوحيد بالمسابقة الرسمية، وهي المرة الأولى في تاريخ المهرجان التشيكي، بينما عُرض باقي الأفلام العربية في قسم “آفاق”، ومنها نحو ثلاثة أفلام ذات مستوى شديد التميز شاركت قطر في إنتاجها، منها: “إنشالله ولد” للأردني أمجد الرشيد و”كذب أبيض” للمغربية أسماء المدير، و”حيوان” للمغربية الفرنسية صوفيا علوي.

بالإضافة إلى فيلمين لاثنين من المخرجين غير العرب شاركت قطر في إنتاجهما، وهما “فقط لو كان بإمكاني السبات” (If Only I Could Hibernate)، و”سيرة ذاتية” (Autobiography). والفيلمان أيضا من أجمل الأفلام سينمائيا وفكريا.

الأمر الثاني: هو الضربة الاستباقية التي قام بها مهرجان كارلوفي فاري، إذ احتفى بأحد عشر فيلما من توقيع المخرج الياباني “ياسوزو ماسومورا”، فأفلامه صارت تجتذب أتباعا جددا، وأجبرت النقاد والأكاديميين على إعادة تقييم مكانته داخل الموجة اليابانية الجديدة، وذلك بعد تجاهله الطويل.

وقد أعد هذا البرنامجَ التكريمي الاستعادي المبرمجُ والناقد السينمائي المصري جوزيف  فهيم، وبذلك يكون المهرجان التشيكي قد تجاوز كل المهرجانات، إذ احتفى مبكرا جدا بالمئوية الأولى لأحد أهم أيقونات السينما اليابانية، وهذه الاختيارات الفيلمية -وفق رأي الناقد فهيم- تتميز بأنها تعكس تنوعه الفريد وموهبته في التجريب، وانخراطه القوي مع المشهد السياسي في ذلك اليوم، فقد كان موقفه المناهض للحرب في المقدمة، ومركزيا في عمله، وهو موقف أيديولوجي اكتشف في عدد من عناوين الأفلام المختارة للعرض بالبرنامج.

كما وضع جوزيف فهيم يديه على مفاتيح عالم هذا المعلم الأيقونة الذي رسخ مكانته داخل الموجة الجديدة اليابانية، فتناول أمورا مثل فساد النزعة الاستهلاكية، وثقافات المشاهير، وأداة التمكين الجنسية عند المرأة، والإرث الراسخ للإمبريالية والعسكرة اليابانية، وانهيار الهيكل التقليدي للأسرة. “مثلما تُثبت أعمال ماسومورا أن السينما السائدة يمكن أن تكون جريئة وسياسية، ولديها الوعي الكامل تماما مثل نظيرتها من سينما آرت هاوس، وفي هذا تكسير للحواجز بين الفن والتجارة”.

 

الجزيرة الوثائقية في

11.07.2023

 
 

تكريم الممثلة التشيكية الاستثنائية "دانييلا كولاشوفا" في كارلوفي فاري الــ.٥٧

د. أمــل الجمل: صوت العرب كارلوفي فاري

 
 

«إنها شخصية استثنائية في التمثيل السينمائي وفي عالم المسرح التشيكي، ممثلة عبرت عن جميع مراحل حياتها. يمكنك أن تحبها وتعجب بها دوماً. لا تستطيع كل ممثلة أن تتنقل بين الأدوار وأن تراوح بين المراحل العمرية المختلفة، لكنها فعلت ذلك، انطلقت من مرحلة تمثيلية إلى أخرى، من أدوار الفتاة التي تمتليء بالسذاجة أو العشق إلى أدوار الأمهات ثم الجدات. لا يمكن لجميع الممثلات أن يفعلن ذلك. لكن دانييلا فعلت ذلك، وقدمت عملاً رائعاً».

هكذا تم تقديم الممثلة التشيكية المرموقة على خشبة المسرح بأكبر قاعة سينما هناك التي كانت ممتلئة عن آخرها وحضرها نجوم كبار من عالم السينما التشيكية، وذلك وسط احتفاء الحضور بها والتصفيق لها مطولاً، حتى منذ لحظة وصولها إلي مسرح كارلوفي فاري بعد ظهر يوم الخميس. كانت حشود من الناس تنتظرها بالفعل أمام المسرح. وكان في استقبالها رئيس المهرجان والممثل التشيكي ييري بارتوشكا، حيث ستُمنح اليوم أثناء حفل الختام جائزة الكرة البلورية التي تحمل اسم رئيس مهرجان كارلوفي فاري. وبمناسبة هذا التكريم أيضاً أنجز منظمو المهرجان فيلماً يُعبر عن قوة ونجاح مسيرتها المهنية، وهي الفرصة التي يمنحها المهرجان للمكرمين

كذلك يعرض لها المهرجان أحد أبرز أفلامها الذي يحمل عنوان «كرة البرق» Ball Lightning إنتاج عام ١٩٧٨، من إنتاج تشيكوسلوفاكيا، مدته ٨٢ دقيقة. والذي قام بإخراجه كلا من لاديسلاف سمولجاك (1931 ، براغ - 2010 ) والمخرج زدنيك بودسكلاسكي

إنه فيلم كوميدي يُلقي ضوءًا نقديًا على الحقبة الشيوعية. يُعتبر الفيلم قطعة فنية شديدة التميز، وأحد كلاسيكيات السينما التشيكية. تم بناء السرد الفيلمي على سخافات ثانوية في الحياة الاجتماعية والخاصة لأبطاله، والتي يتم تطويرها بحساسية بأسلوب فكاهي مرح لكنه يكشف التفاهات والحماقة سواء عند الأفراد أو طبيعة تلك الفترة. كذلك يحتوي الفيلم عددا من المواقف الهزلية والفكاهة اللفظية التي أصبحت جزءًا من التقاليد الشفوية المحلية، مع ذلك لا يخلو الفيلم من لحظات الحزن والكآبة خصوصاً فيما يخص الزوجين حيث لعبت دانييلا كولاشوفا دور الزوجة

تحدثت عن انفصال والديها، عن طفولتها، وأزواجها، والفن الذي عاشت في رحابه. لقد فتح النجمة التشيكية قلبها للجمهور أثناء الاحتفاء بها في مهرجان كارلوفي فري السابع والخمسين والممتد بين 30 يونيو ويختتم فعاليات اليوم الثامن من يوليو.

قالت دانييلا كولاشوفا «أنها على الرغم من ولادتها في براغ، فقد أمضت بالفعل شبابها من سن الرابعة إلى الثامنة عشرة في كارلوفي فاري. وأنها لا تزال تعتبر مسرح كارلوفي فاري هو المكان الذي حدد مستقبلها، لأنه على خشبة هذا المسرح خطت أولى خطواتها المسرحية وهي لاتزال في التاسعة من عمرها، وذلك في في حكاية خيالية بعنوان «ملابس الإمبراطور الجديدة». لقد سحرني المسرح.» 

هكذا انطلق نهر الذكريات مع تلك الممثلة الاستثنائية في تاريخ التشيك، مثلما استعادت ذكرياتها عن المدينة في ذلك الوقت وقالت: «كان نهر تيبلا يتجمد في الشتاء طوال الطريق إلى نافورة Vřídlo ، وكنا نتزلج عليه عندما كنا أطفالًا. كان يمكن رؤية الأسماك تحت الجليد الصافي... هذه أعز ذكريات طفولتي على الإطلاق.».

يُذكر أن دانييلا كولاشوفا قد ولدت في 21 سبتمبر 1946 في براغ، لكن بعد طلاق والديها، انتقلت مع والدتها إلى كارلوفي فاري، حيث أمضت طفولتها. تذوقت المسرح هنا وظهرت لأول مرة في عالم التمثيل في إدارة المسرح البلدي في كارلوفي فاري عندما كانت طفلة. في الأعوام 1964-1968 درست في أكاديمية براغ للموسيقى وأثناء دراستها حصلت على العديد من الفرص أمام كاميرات التلفاز وكاميرا السينما.

منذ نهاية الستينيات ظهرت كولاشوفا Kolářová بانتظام على شاشة التلفزيون والسينما. في عام 1969 لعبت دوراً مهماً في الكوميديا الناجحة  SLASTI OCE VLASTI ، والتي اتسمت بأنها السهل الممتنع، وكان لقاءها المصيري مع الممثل والكاتب التشيكي يورمير هانيزلك Jaromír Hanzlík  حيث تزوجا وشكلا معًا زواجًا اكتسب شعبية هائلة في السبعينيات، ولعبوا أدوار البطولة في عدد من الأفلام الناجحة، ومنها أعمال ناجحة للأطفال لاتزال باقية في وعي المشاهد التشيكي على نطاق واسع

كان الزوجين غزيرا الإنتاج، وإن مثلا أعمالاً لم يشتركا فيها، لكن ظلت الأعمال التي جمعت بينهما في السبعينيات والثمانينات خالدة في الذاكرة التشيكية، وهو أمر ربما يذكرنا بالثنائي المصري الأسطوري والاستثنائي فؤاد المهندس شويكار

بالطبع هناك عدد من الأعمال الضخمة على مستوى الإنتاج التي شاركت فيها النجمة الكبيرة لكنها لم تحقق النجاح المتوقع لها. مع ذلك يُعد أحد الفصول المهمة في تاريخ دانييلا كولاشوفا السينمائي هو تعاونها مع زدينيك سفريك Zdenek Svěrák ، ثم تعاونها لاحقًا مع ابنه Jan. أما في منتصف السبعينيات فلعبت كولاشوفا تدريجياً أدوار الأمهات والنساء البراجماتيات

اعتزلت كولاشوفا التمثيل مثل العديد من الفنانين الآخرين في أوائل التسعينيات أي في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي. لكنه كان أمراً مؤقتًا، إذ كرست نفسها وحياتها للسياسة. فخلال الفترة ١٩٩٠- ١٩٩٢ كانت عضوا في المجلس الوطني التشيكي، لكن عالم السياسة غير الصادق دمر حماسها بعد الثورة، وعادت أخيرًا إلى المسرح وإلى الشاشة.

 

صوت العرب الأردنية في

08.07.2023

 
 

د. أمل الجمل تكتب:

السينما التشيكية بين الماضي والمستقبل ونهاية العالم في كارلوفي فاري الـــ٥٧

 
 

ربما لا أتذكر عنوان أول فيلم شاهدته من جمهورية التشيك، أو «تشيكوسلوفاكيا» سابقاً. المؤكد أنني دخلت لعوالم وثقافة هذا المكان من زاوية مغايرة، وربما مناقضة، من خلال الروايات والقصص القصيرة منذ التحاقي بالجامعة، وذلك قبل أن أشتبك في عالم الفن السابع. كان كافكا أحد كتابي المفضلين، رغم كل هذه السوداوية في كتاباته. ساعدتني تحليلات كبار نقاد الأدب في مصر لأعماله، أن أستوعب في مرحلة مبكرة من عمري هذه الحالة التي يكتب عنها وأدخل إلي العالم النفسي المُظلم لشخصياته، ثم لاحقاً قرأت ميلان كونديرا التي تحول إلى ظاهرة في العالم العربي.

فتاة في سن المراهقة من مصر ما الذي يجعلها تُعجب بأفكار كاتب ينتمي لعصر آخر ويعيش في بلد على بعد آلاف الأميال؟ إنها موضوعات رواياته ذات الطابع العالمي، بجوهرها الإنساني، وبالخيال اللامحدود الذي تُروى من خلاله القصة.

كلمة «التشيك» صارت كأنها علامة للجودة في عالم مشاهداتي السينمائية. لم يكن يمر عام واحد إلا وأُشاهد عدة أفلام تشيكية في مهرجانات السينما المصرية، ثم اتسع نطاق الاختيار عندما بدأت رحلاتي للسفر للمهرجانات الدولية مثل فينيسيا وبرلين.

اختلف الأمر جذرياً منذ بدأت أحضر مهرجان كارلوفي فاري، لأن العدد الكبير للأفلام التشيكية المعروضة، هنا، يمنحني فرصة أكبر للمشاهدة والاختيار والقرب أكثر من عوالم هؤلاء المبدعين، أشاهد كل الأنواع الفيلمية سواء روائي أو وثائقي، واقعي أو فانتازي، الاجتماعي أو السياسي الذي يناقش التاريخ بكافة جوانبه، أشاهد الكوميدي، الموسيقي، الخيال العلمي فالسينما التشيكية لدها إرث غني متنوع. في كل دورة هناك حفنة كبيرة من الأفلام التشيكية موزعة في مختلف الأقسام، في المسابقات جميعها، في العروض الخاصة، في «قادما من الماضي»، في التكريمات، في العروض المرممة.

إن منظمي هذا المهرجان العريق يصنعون منه حدثاً دولياً بامتياز، لكنهم في ذات الوقت يضعون في مركز تفكيرهم فرض مساحة مستقرة للسينما المحلية في البرمجة، وأعتقد أنهم بهذا قد ساهموا بشكل من الأشكال في تشجيع الإنتاج، وبث طاقة من الحماس في قلوب وأرواح شباب المخرجين في التشيك، الطموحين، وهكذا يجب أن يكون واجب أي مهرجان في العالم.

عندما نمتلك حرية اختيار العودة من الموت؟

في الدورة السابعة والخمسين من هذا المهرجان التشيكي العريق، والذي يُعد الأهم في وسط وشرق أوروبا، والممتد بين ٣٠ يونيو وحتى ٨ يوليو الجاري، تم برمجة فيلمين على جانب كبير من الأهمية ضمن المسابقة الرسمية «أبدا لم نكن معاصرين»، و»إنسان حساس»، إضافة إلي برمجة أفلام آخرى ضمن قسم «العروض الخاصة» ومنها فيلم يتناول رؤية مستقبلية عن قدرة الإنسان على العودة من الموت، أو بالأحرى أن يكون لديه حرية الاختيار، والعودة من الموت إلي الحياة وفق شروط محددة.

عنوان الفيلم «نقطة للتعافي»- في اللغة التشيكية Bod obnovy – أو «نقطة استعادة» – وفق عنوان الإنجليزي Restore Point للمخرج روبرت هلوز Robert Hloz مواليد ١٩٨٩ وفي رصيده ثلاثة أفلام قصيرة.

ينتمي هذا الشريط السينمائى لأفلام الجريمة والحركة، إنه عملي فني مليء بالاشتغالات البصرية غير التقليدية رغم أنه التجربة الروائية الأولي للمخرج. مدته ١١١ دقيقة، من الإنتاج المشترك لعام ٢٠٢٣ بين جمهورية التشيك، جمهورية سلوفاكيا، بولندا، صربيا.

يحكي الفيلم قصة آسرة عن دور التكنولوجيا في حياتنا الذي قد يصل لمدى يفوق الخيال ويفوق الثقة التكنولوجية الحالية، تقع الأحداث عام ٢٠٤١ ، عندما تمكنت البشرية من تحقيق الخلود، أو ربما هى النقطة التي نستطيع فيها خداع الموت. فكل مَنْ يموت بشكل غير طبيعي يكون له الحق أن يُعاد إلى الحياة. كل ما عليه هو إنشاء نسخة احتياطية من شخصيته كل ٤٨ ساعة على الأقل «نقطة استعادة». لكن من زاوية آخرى ستظهر حركة معارضة لهذا الفكر، من ثم سوف تتصاعد الأحداث ويحدث الصدام، وتتطور الأمور ويتفشى الإرهاب، ويتضح أن الأمر ليس قضية بسيطة تتعلق بخيار حول العودة إلي الحياة لأن عواقبه ستصل إلى أعلى مستويات السياسة.

أبدا لم نكن عصريين

يميز الأفلام الثلاثة أنها على طرفي نقيض من بعضها البعض، وما يجمع بينها هو التميز الفكري والفني، والقدرة على طرح أسلوب مبتكر للسرد يتسق والموضوع، فإذا كان أحدها يقفز إلي المستقبل القريب، فيبدو الثاني وكأنه يحكي عن ما بعد نهاية العالم. في حين يعود الثالث للتاريخ القريب ليقدم لنا صورة للثنائية الجنسية وضحاياها وكيف كان يتعامل معها المجتمع قبل ثمانين عاماً فقط.

يستكشف فيلم «شخص حساس» A Sensitive Person لمخرجه توماس كلين – Tomáš Klein في أول تجاربه الطويلة – طبيعة العلاقات الأسرية والأخلاق وتصرفات الرجال مع النساء أهالي الأماكن مع الغرباء والمحتاجين. الفيلم مقتبس عن رواية للتشيكي جاشيم توبول Jáchym Topol، شارك المخرج في كتابة السيناريو.

هنا بالفيلم – الذي شارك التلفزيون التشيكي في إنتاجه – نرى أب يبدو وكأنه غريب الأطوار. إنه ممثل متجول متزوج ولديه ولدان، يقرر أن يعود من الخارج بصحبة عائلته ليستقروا في جمهورية التشيك، وطوال رحلة العودة، سيكون الأب وعائلته شاهداً على عالم يتدهور نظامه وأخلاقه بشكل تدريجي، وذلك عبر تأمله أو احتكاكه بمجموعة من الشخصيات الغريبة: مثل الناسك، أو مافيا المخلفات، والنساء البغايا، وسائقي الدراجات.

ينتمي هذا الشريط لأفلام الطريق، ينهض على مسحة من التشاؤم وينجح المخرج في توظيف الكوميديا القاتمة والغرائبية. على المستوى البصري يتمتع الفيلم بجماليات تكاد تكون شحيحة لكنها ساحرة سينمائية، فالموت وبقايا الأشياء والتعفن يسيطر على المشهد، مع ذلك فإن المخرج يُكسب اللقطات مساحة لونية صاخبة مفعمة بالحيوية عبر الملابس النسائية لكل من المهرج وابنه، إضافة إلى ألوان الماكياج فيكشف التناقض البين بين عوالمهم والعالم الذي يعودون إليه.

بينما يعود فيلم «أبداً لم نكن عصريين» We Have Never Been Modern إلي التاريخ القريب وتحديداً عام ١٩٣٧ ليتناول إشكالية الثنائىة الجنسية. الفيلم من توقيع المخرج ماتوج كلوباتشيك، ويُتوقع أن ينال أحد أبرز جوائز المهرجان، ربما تنال بطلته إليسكا كرينكوفا جائزة أفضل تمثيل نسائى- ولا ينافسها في ذلك إلا بطلة الفيلم البلغاري الألماني «دروس بلاجا» – فقد أدت دورها بمهارة وتلقائية وصدقية عالية معتمدة على نظرات العيون في إيصال رسائلها ومشاعرها إذ كانت تعتمد على الصمت الأصعب في أحيان كثيرة. مثلما تتميز إليسكا كرينكوفا بقدرتها على توظيف إيماءتها الجسدية بأقصى طاقة ممكنة مع أقل قدر من الانفعال، إذ رغم بشاعة ما مرت به وما تراه لكنها ظلت تتحكم في نبرة صوتها وانفعالاتها ولم تنفجر بصوتها عاليا إلا مرات معدودة جداً. وسنعود لتحليل الفيلم لاحقاً لأهميته وأهمية الشخصية التي قدمتها بطلته المولودة في ٣١ يناير ١٩٩٠ في براغ، والتي اشتهرت بأفلام مثل: «أنواع معينة من الصمت» ٢٠١٩ و«الشتاء يمر سريعاً» ٢٠١٨، و«مارتنسكا لود» ٢٠٢١.

 

موقع الـ arabtribune في

08.07.2023

 
 

ضربة استباقية لكارلو فيفاري الــ٥٧ والاحتفاء بمئوية ماسومورا المتمرد

د. أمل الجمل

 
 

«لقد تم إهمال أفلام مهمة للمخرج الياباني ياسوزو ماسومورا (١٩٢٤ - ١٩٨٦)، إذ تم تجاهلها لفترة طويلة في معظم أنحاء العالم الغربي على مدار العقد الماضي، لكنها الآن صارت تجتذب أتباعًا جددًا وأجبرت النقاد والأكاديميين على إعادة تقييم مكانته داخل الموجة اليابانية الجديدة».

إنها كلمات المبرمج السينفيلي والناقد السينمائي المصري جوزيف فهمي في حوارنا معه عن هذه الأيقونة اليابانية التي يحتفي بها مهرجان كارلوفي فاري السابع والخمسين الممتد بين من ٣٠ يونيو إلى ٨ يوليو الجاري. تلك الدورة الحافلة بالبرامج المتنوعة والتكريمات والمناقشات والسجالات وحفلات الموسيقى، وعروض الأفلام من مختلف أنحاء العالم.

مثلما شهدت هذه الدورة التي تختتم فعالياتها الليلة حضوراً عربياً متميزاً، إذ إلى جانب الأفلام العربية العديدة في آفاق، يشارك أيضاً فيلم لبناني في المسابقة الرسمية للمرة الأولى وهو «الرقص على حافة البركان» للمخرج سيريل عريس والذي يتوقع أن ينال أحد جوائز المهرجان لأهميته، فقد كان هذا واضحاً من قبل مشاهدته، خصوصاً من خلال الكلمة الاحتفائية التي قدمه بها المدير الفني للمهرجان كارل أوخ، وثانياً لإعجاب الجمهور التشيكي به، وانطلاق الضحكات العالية أثناء العرض متجاوباً مع مشاعر أبطاله، وثالثاً: لوجود منتجة تونسية منحازة للفن تستطيع الدفاع عن الفيلم، وإن كان الفيلم ليس بحاجة للدفاع عنه لأنه يحمل عاطفة قوية، وميتافور متعدد الجوانب، ولحظات إنسانية عالية، إضافة إلى مساءلة الواقع، وبحث دور الفن خلال هذا الوضع الكارثي في لبنان والذي يعكس في نفس الوقت الأوضاع المزرية في بلدان أخرى شبيهة.

بالعودة إلى البرنامج التكريمي الاستعادي والذي كان المسؤل عنه بالكامل جوزيف فهيم، حيث بدأ مهمته من الاختيارات التي سوف يتضمنها التكريم، ثم بحث وتدقيق المادة العلمية والتنقيب في الأرشيف الشحيح جدا، لكن هذا التحدي المعجون بالشغف الذي خاضه فهيم حقق نتائج مبهرة فقد استقبلت الصحافة الدولية الحدث بإشادة كبيرة.

لاشك أن مهرجان كارلوفي فاري بهذا التكريم حقق ضربة استبقاية تجاوزت كل المهرجانات وذلك عندما احتفى بالمئوية الأولى لأحد أهم أيقونات السينما اليابانية وهو المخرج ياسوزو ماسومورا، باختيار وعرض أحد عشر عملاً من أهم أعماله والتي على أهميتها وقيمتها الفنية والسياسية الكبيرة لكنها ربما تكون أقل شهرة، وهى اختيارات تتميز بأنها «تعكس تنوعه الفريد وموهبته في التجريب وانخراطه القوي مع المشهد السياسي في ذلك اليوم» فقد كان «موقف ماسومورا المناهض للحرب في المقدمة ومركزًا في عمله - وهو موقف أيديولوجي تم اكتشافه في عدد من عناوين البرنامج» التي تضم ما يلي:

«كل الأمور اختلطت» All Mixed Up . إنتاج ١٩٦٤، مدته ٩٠ ق. «الاختبار الأسود» The Black Test إنتاج ١٩٦٢، مدته ٩٥ ق. «الوحش الأعمى» The Blind Beast. إنتاج ١٩٦٩، مدته ٨٤ ق. «عمالقة ودُمى» Giants and Toys إنتاج ١٩٥٨، ٩٦ ق. «الجندي الشرير» Hoodlum Soldier إنتاج ١٩٦٥، مدته ١٠٣ ق. «فتاة مرحة» A Cheerful Girl إنتاج ١٩٥٧، مدته ٨٩ ق. «قبلات» Kisses إنتاج ١٩٥٧، ومدته ٧٤ ق. «مدرسة ناكانو للتجسس» Nakano Spy School إنتاج ١٩٦٦، مدته ٩٦ ق. «الملاك الأحمر» The Red Angel، إنتاج ١٩٦٦، مدته ٩٥ ق. «وشم العنكبوت» The Spider Tattoo إنتاج ١٩٦٦، مدته ٨٦ ق. «اعتراف الزوجة» The Wife's Confession إنتاج ١٩٦١، مدته ٩١ق.

خلال النصوص الأحد عشر التي كتبها جوزيف فهيم - بعين خبيرة وشغف سينفيلي حقيقي - نجده يضع يديه على مفاتيح عالم هذا المعلم الأيقونة الذي رسخ مكانته داخل الموجة الجديدة اليابيانية فيشير فهيم إلي: «فساد النزعة الاستهلاكية، ثقافات المشاهير، أداة التمكين الجنسية عند المرأة، الإرث الراسخ للإمبريالية والعسكرة اليابانية، انهيار الهيكل التقليدي للأسرة.» مثلما يُؤكد مسئول البرنامج على أن أعمال ماسومورا أثبتت أن «السينما السائدة يمكن أن تكون جريئة وسياسية ولديها الوعي الكامل تماماً مثل نظيرتها من سينما «الآرت هاوس»، إضافة إلى «تكسير الحواجز بين الفن والتجارة، باستمرار وعدم وضبابية الحدود بينهما. وأن أفلامه لا تقل ثورية عن أفضل أفلام آخرين مثل: صموئيل فولر أو نيكولاس راي أو فرانك تاشلين.

بقي أن نشير إلى أن هذا الاحتفاء جلب مئات المشاهدين لمتابعة أعمال هذا العلم الذي يعادل أحد الأبراج الشاهقة في تاريخ السينما اليابانية لفترة بعد الحرب، والذي أصبح موضوع تكريم البرنامج الاستعادي في المهرجان التشيكي العريق الذي يُعد الأهم في منطقة وسط وشرق أوروبا. مع ذلك يؤكد فهيم على أن هذا البرنامج الاستعادي «لم يكن يهدف فقط إلى تعريف الجماهير من جميع أنحاء العالم بالسينما الوحشية التي تحمل توقيع المخرج ياسوزو ماسومورا، لكن أيضًا لتعزيز سمعته المتنامية كأحد أعظم أساتذة السينما في اليابان». فتحية تقدير لمنظمي المهرجان التشيكي، وعلى الأخص جوزيف فهيم على دوره في التأسيس لهذا الاحتفاء السينفيلي، وإعادة إحياء إحدى أيقونات الفن السابع.

 

موقع مصراوي في

08.07.2023

 
 

احتفاء بالسينما الإيرانية

في كارلوفي فاري الــ٥٧

د. أمــل الجمل: صوت العرب كارلوفي فاري

 
 

«يسعى جيل دؤوب من المخرجين الشباب، مع نضوجهم، إلى صياغة لغتهم السينمائية الخاصة، إنها لغة مبتكرة وفريدة من نوعها وتتحدث بحرارة كبيرة عن الحياة، وكذلك الفيلم. هؤلاء ليسوا مجرد صانعي أفلام مستقلين، بل إنهم أيضًا سفراء يُروجون لوجهة نظر بديلة للصورة السينمائية وللواقع الذي لا يمكننا تفسيره باستخدام أدواتنا المعتادة: لذلك، ومن أجل التعرف على ما اخترعوه، نحن ملزمون بإعادة اختراع أنفسنا.».

هكذا كتبت إدارة مهرجان كارلوفي فاري في حديثها عن السينما الإيرانية التي يتم الاحتفاء بها في الدورة السابعة والخمسين لهذا العام - الممتدة بين ٣٠ يونيو و٨ يوليو الجاري.  

لاشك أن السينما الإيرانية لها مكانة مميزة بين سينمات العالم، فقد استطاع مخرجوها وصناعها أن يصوغوا هويتهم ويكرسوا لأنفسهم مكانة راسخة في المهرجانات الدولية وفي أذهان المشاهدين، نجحوا في أن يقدموا دلالات رمزية قوية في أعمالهم كانت قادرة على أن تعكس بدرجات فنية متفاوتة الوضع الاجتماعي والسياسي والديني، وذلك رغم الرقابة والمعوقات والصعوبات المفروضة عليهم في بلدانهم، وقدموا أقوى النماذج للمقاومة وصناعة الأفلام حتى وهم بين جدران السجن. من دون أن نغفل أن الشريط السينمائى الإيراني منذ فجر الفيلم المستقل هناك في الستينيات والسبعينيات، ظل يتطور باستمرار. وصار الرمز والميتافور بالسينما الإيرانية قادراً على تقديم سياق ثقافي يتخطى كل الحواجز وحقق تراكماً عبر السنين، 

في العام الماضي فاز الفيلم الإيرانيSummer with Hope بالجائزة الكبرى في ختام فعاليات كارلوفي فاري السادس والخمسين، وهذا العام يُخصص منظموا المهرجان التشيكي العريق - تحت إدارة كل من كارل أوخ المدير الفني، وكرستوفر موخا المدير التنفيذي - برنامجاً كبيراً للسينما الإيرانية جاء تحت عنوان: «ولادة أخرى.. السينما الإيرانية هنا والآن» والذي يضم تسعة أفلام إيرانية، إضافة إلى فيلم روائي يُشارك ضمن السابقة الرسمية بعنوان «الشبكة الخاوية» Empty Nets وهو التجربة الزولى في الإخراج الطويل للمخرج بهروز كراميزاد، إضافة لفيلم آخر بعنوان «حدود بلا نهاية» ضمن قسسم «آفاق». 

ففي تقدير إدارة مهرجان فاري أن السينما الإيرانية أثبتت أنها تنهض باستمرار، إذ علي حد وصفهم: «يشهد الفيلم الإيراني ولادة جديدة مستمرة. يولد مرارًا وتكرارًا لأنه لا يهتم فقط بالمحتوى والموضوعات والقضايا الاجتماعية، لكن أيضاً وبشكل أساسي، لأنه يهتم بمنظور المخرج وجوهر الفيلم، الذي لا يخضع لضغوط الأحداث اليومية، وهو أيضًا قادر، علاوة على ذلك، على التلاعب مثل هذه الأشياء.» 

لذا، وربما أيضاً بسبب الطموح والعناد والإصرار على المقاومة التي يتسم بها المخرجين الإيرانيين، كان قرار إدارة المهرجان التشيكي بأن يخصصوا برنامجاً للسينما الإيرانية، فقاموا بوضع مجموعة مختارة من الأفلام وصانعيها، مع التركيز على السنوات الأربع الأخيرة، مفسرين ذلك بأنهم: «يرغبون في أن يحكو قصة هذه الثورة البركانية في الأدوات السينمائية، وأن يجلبوا إلى العلن تلك الأصوات الأكثر حميمية والأكثر إلحاحًا، أصوات أولئك الذين يمثلون مكوناً أساسياً للأمل والإبداع، وذلك بالانفتاح على الاختلاف وعلى الآخر غير العادي.

يكشف فيلم «شبكة خاوية» أن المواطن الإيراني العادي هو كتلة من الإحباط والحظ السيء، والتخبط في اتخاذ القرارات اليائسة رغبة في الحصول على مايريد، حتى لو اضطر لاتخاذ قرارات قد تجعله يخسر الجلد والصقر، وذلك من خلال قصة حب تجمع بين شاب وفتاة وصعوبات أن يجد هذا الشاب عملاً ليتقدم لخطبة فتاته، وذلك بعد أن تم رفته بسبب أن قام بتصرف إنساني ضد الرأسمالية  التي تتمثل في سلطة صاحب المحل الذي كان يعمل به

يضطر الشاب للعمل في الصيد، للاشتراك في مسابقات ضرب عنيف تحت الماء، يضطر للمغامرة بحياته ونفسه والتورط في أعمال غر مشروعة، كل ذلك من أجل أن ينجح في الزواج بحبيبته، لكن كل هذه الخطوات إلي أن أين تقوده. لقد أصبح إنساناً آخر دون أن يدري

أما فيلم «حدود بلا نهاية» Endless Borders فهناك نعايش قصة المدرس أحمد، المنفي من طهران والذي يعيش حاليًا بالمنفى بالقرب من الحدود مع أفغانستان. يحاول أحمد تغيير أفكار الناس هناك، يعتقد أنه قادر على ذلك، ثم يحاول حماية شاب - عمره ١٧ عاماً - وقع في غرام فتاة - عمرها ١٦ عاماً - أُرغمت على الزواج من رجل مسن يحتضر - ضد إرادتها بعد أن باعها أبوها للزوج، وتقوم الفتاة المراهقة بتمريضه، بينما يحاول أحمد إعادة الاتصال بزوجته التي انفصل عنها لكنه لازال مغرماً بها، وهى كذلك

في هدوء شديد تدور الأحداث وسط مناظر جبلية شاسعة. نرى محاولات للقتل، للخلاص، للهروب من  جنبات ومخارج هذه المناظر الطبيعة المترامية بلا نهاية، والتي تشعرنا بالرهبة والقلق على أبطال الفيلم. نعايش لحظات العقاب، والحبس، والتعرض للضرب والإهانة، ثم تجدد الأمل في محاولات الإفلات، وشكل اخر للهجرة غير الشرعية ومخاطر الطريق واجتياز البرك والمستنقعات المائية الخطر وسط طلقات الرصاص المنهمر على فلول الهاربين. كل ذلك في درجات لونية رمادية متعددة في الصحراء، ودرجات لونية رمادية ممتزجة بالألوان الخضراء القاتمة وسط المستنقعات وأسلاكها الشائكة. إنه شريط سينمائى مرهف، مليء بالإثارة والتوتر والقمع الأبوي والسياسي. لذلك لم يكن غريباً أبداً أن يفوز في مسابقة الشاشة الكبيرة في مهرجان روتردام السينمائي الدولي

 

صوت العرب الأردنية في

07.07.2023

 
 

في كارلوفي فاري الــ٥٧:

السينما العربية تنهض مجدداً

د. أمــل الجمل :صوت العرب كارلوفي فاري

 
 

قبل أن يبدأ تقديم فريق عمل الفيلم بنحو عشر دقائق دلف بهدوئه المعتاد إلي القاعة، وظل واقفاً بجوار الحائط في حالة ترقب، في ذلك المكان الذي عادة ما يتوقف فيه المدير الفني للمهرجان بعد تقديم كل فيلم. شعرت كأنه يترقب لحظة ميلاد أحد أبنائه. قبل عامين أجريت معه حواراً عن دوره في هذا المهرجان الأهم في شرق ووسط أوروبا، خصوصاً أن كثيرين يعتبرونه عينا حساسة وذات مصداقية بشأن السينما العربية، إذ ينقل لهم نبضها. يومها حين سألته عن طموحه حدثني قائلا: « أكثر حاجة مهمة لي كمبرمج، أكثر شيء له جاذبية في البرمجة أنني أثناء تقديم فيلمي للعالم أشعر كأنه طفلي - ماي بيبي - فإما أن يقبلوه أو يرفضوه، مع ذلك نحن مهتمين وراغبين في أن نعطي للعالم أطفالاً بأكبر قدر ممكن ونتمني أن الناس تتقبلهم

أتحدث عن المصري جوزيف فهيم أثناء حضوره عرض الفيلم اللبناني «الرقص على حافة البركان». جوزيف يمارس الكتابة عن الأفلام، والبرمجة لعدد من المهرجانات في مقدمتها مهرجان كارلوفي فاري. كذلك يعمل مستشاراً لبعض صناع الأفلام، وفي مجال الإنتاج. من يتتبع بعيونه اللقاءات وإن كانت سريعة بين جوزيف وكارل أوخ المدير الفني للمهرجان يُدرك بإحساسه، سواء من الإيماءة الجسدية، أو تبادل النظرات والهمسات أثناء الحوارات بينهما أنه قد تم بناء علاقة تصطبغ بالثقة الكبيرة بينه وبين إدارة مهرجان كارلوفي فاري، وهو نفسه يعترف بأنهم عائلته، وبأنه يعتبر كارل أوخ أحد أعز أصدقائه، مؤكداً أنه يستمتع بالعمل معه رغم الاختلاف أحياناً حول بعض الأفلام

مساء يوم الأثنين الموافق ٣ يوليو كان العرض الأول لجمهور كارلوفي فاري لفيلم «الرقص على حافة البركان» في القاعة الكبيرة بفندق ثيرمال. وطوال تقديم فريق العمل وحتى بعد بداية العرض ظل جوزيف واقفاً على قدميه كأنه لا يستطيع أن يجلس حتي ينتهي الفيلم ويرى رد فعل الجمهور تجاه طفله أو مولوده الجديد. وقد كان، فقد تعالى التصفيق بشكل قوي مطولاً عقب عرض الفيلم رغم أن نحو خمسة متفرقين خرجوا من القاعة في منتصف الفيلم تقريباً

هنا، لابد من القول أن السينما العربية تنهض مجدداً في كارلوفي فاري خصوصاً في الدورة السابعة والخمسين الممتدة بين ٣٠ يونيو و٨ يوليو الجاري.. والحقيقة أن جوزيف له دور مهم في ذلك، رغم أنه بتواضع شديد يقول: «أعتقد أن كارل أوخ كان لديه هذه الرغبة حتي من قبل حضوري للمهرجان، أعتقد أنهم لهذا السبب اختاروني، لأنهم كانوا يريدون اكتشاف المنطقة العربية، والشرق الأوسط..»

إذن، حفنة من الأفلام العربية علي مستوى فني كبير يحتفي بها الجمهور التشيكي من بينها الفيلم اللبناني الذي قدم صورة وحالة سينمائية قوية ومؤلمة لبنان تجمع بين التاريخ والحاضر ومأساة هذا البلد، وذلك في مزيج يجمع بين الصدمة وقوة المشاعر، والبكاء والكوميدي أو بالأحرى الكوميديا السوداء،م وذلك. من خلال تصوير كواليس فيلم «كوستا برافا» للمخرجة مونيا عقل، والفيلم ينافس على الكرة الكريستال بقوة، حيث ستُحِّكم عليه سيدة الإنتاج القديرة التونسية درة بوشوشة مع باقي أعضاء لجان التحكيم.

كذلك، مثلاً المغربية الشابة المبدعة أسماء المدير كانت في حالة سعادة وانتشاء من رد فعل الجمهور التشيكي إزاء فيلمها «كذب أبيض»، قالت لي أثناء حواري معها بفندق ثيرمال حين سألتها: صحيح أن فيلمك بعد أن حصد العديد من الجوائز الدولية يُعرض هنا ضمن قسم «آفاق» الذي لايمنح جوائز.. لكني أعتقد أن جائزتك الأهم هنا هو الجمهور ذاته؟

فأجابتني أسماء والفرح يغمر روحها: «عقب العرض ظل الجمهور يصفق ويسأل، وحتى بعد أن خرجت من القاعة ظل عدد كبير منهم يحاوطني ويسأل وكأنهم لا يريدون أن يتركوني..» 

في رأيي الشخصي فيلم «كذب أبيض» عمل سينمائى بصري بامتياز، كثيرين حاولا تغليب الطابع السياسي للفيلم على الجوانب الفنية، لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن صحيح بالفيلم طبقات سياسية تم مزجها بنعومة وذكاء شديد مع القصة الشخصية الفردية، مع ذلك تظل قوة الفيلم في أسلوب السرد والمقدرة الإبداعية للفتاة الشابة ذات الثانية والثلاثين على زن تخترع معادل بصرية مليء بالألوان والبهجة رغم مأساوية ما تحكي عنه

شاهدت أيضاً الفيلم الأردني «إن شاء لله ولد» للمخرج  أمجد الرشيد، فني رصيده فيلم قصير بعنوان «الببغاء» بطولة هند صبري. الفيلم مصنوع بمهارة، والسيناريو مقنع، واداء الشخصيات تلقائي، ويُضاف إلي رصيد السينما الأردنية. إنه شريط روائي عن اثنتين من النساء ضحايا المجتمع البطريركي، فالأولي البطلة الرئيسية يتوفى زوجها ثم تفاجأ بديون عليه ومساومات من شقيقه حتى تقوم الزوجة ببيع الشقة والسيارة لتقسيم هذه التركة بينها وبين أخواته، لأنها لم تنجب ولدا، وليس لديها أولاد سوى فتاة

إنه فيلم ينبش مجددا بقوة موضوع الميراث وقانون الوصاية، والتمييز بين النساء والرجال، والظلم الذي تتعرض له النساء، أما المرأة الثانية فدورها ثانوي لكنها تأكيد على نفس اللحن، وكأن المخرج أراد أن يقول أن اضطهاد النساء في مجتمع ذكوري لا يتقصر على لطبقة الفقيرة أو الوسطى ولكن أيضاً في العائلات الكبيرة الثرية.

«وداعاً جولياً» تجربة شائكة آخرى قادمة من السودان يقدمها المخرج الشاب محمد كردفاني في أولى تجاربه الروائية الطويلة، فيقدم نفسه كمخرج لديه أسلوبه الخاص في سرد حكاية سينمائية قد تبدو بسيطة لكنها محملة بالتعقيدات والطبقات التي تؤكد على الكارثة التي يعيشها السودان، وهو يستحق مقالاً كاملاً. خصوصاً أنه تجربة لها خصوصيتها أيضاً في الإنتاج المشترك

لازال هناك في مهرجان كارلوفي فاري السابع والخمسين عدداً من الأفلام العربية التي سأكتب عنها في الأيام القليلة القادمة، ومنها فيلم افتتاح هذه الدورة «الجمرة» وهو دراما تاريخية من توقيع المخرج البرازيلي من أصول جزائرية كريم عينوز. ثم فيلم المغربية صوفيا علوي، إضافة إلي عدد آخر من الأفلام شاركت قطر في إنتاجها. بالطبع إلي جانب أفلام المسابقتين الرسمية وبروكسيما، ثم عدد آخر من الأفلام التشيكية التي تأخذنا في سرداب التاريخ والمجتمع

 

صوت العرب الأردنية في

05.07.2023

 
 

كارلوفي فاري السابع والخمسين:

التكريمات عديدة لكنها مستحقة

د. أمــل الجمل :صوت العرب كارلوفي فاري

 
 

استنكر البعض كثرة التكريمات في المهرجان التشيكي العريق الذي يُعد الأبرز والأهم في شرق ووسط أوروبا. لكن التساؤل الذي يطرح نفسه.. هل إدارة المهرجان تقوم بتكريم شخصيات لها قيمة وثقل على مستوى الإسهامات الفنية، وبارزة في عالم الفن السابع أم لا؟ هل يمكن تحديد أو الإشارة إلى اسم واحد من بين المكرمين في هذه الدورة والإدعاء بأنه لا يستحق التكريم؟

الإجابة ستكون: بالطبع لا. فجميعها أسماء كبيرة وتكريمها أمر مستحق، إنه أمر يحسب للمهرجان ولصالحه، لأنه جلب مشاهير ونجوم، لهم إسهامات قوية في كتابة السيناريو والإنتاج والإخراج والتمثيل،   ومنهم راسل كرو الحائز على الأوسكار والجولان جلوب، والممثل والمخرج والمنتج الاسكتلندي إيوان ماكجريجور، الممثلة والمنتجة السويدية أليسيا فيكاندر، إضافة إلي تكريم الممثلة التشيكية دانيلا كولاشوفا، 76 عامًا، وذلك في حفل ختام دورة هذا العام

للصوت إمكانيات بلا حدود

لكن الأمر المدهش أن التكريمات في مهرجان كارلوفي فاري لها أوجه متعددة، ولا يقتصر فقط على تمثال الكرة الكريستال، فالقاء الضوء وعرض أعمال هؤلاء المبدعين أمام الجمهور التشيكي هو في حد ذاته تكريم كبير، سواء كانت هذه الأعمال من الماضي عبر الترميم، أو عبر الاستعادة، أو  عرض أحدث أعمالها في إطار الاحتفاء التكريمي بعدد من الشخصيات، وأحياناً يكون ذلك بعرض أفلاماً وثائقية عنها.

فمثلاً؛ بهذه الدورة وضمن قسم «من الماضي» يوجد احتفاء بمهندس الصوت التشيكي إيفو شبالج الذي يُعتبر أسطورة في مجاله بشهادة الكثيرين، والذي أعدت عنه ابنته المخرجة أديلا فيلما وثائقيا من إنتاج التلفاز التشيكي. فعلى مدار سبعون دقيقة تُلقي نظرة على مسيرة والدها، واسهاماته في تلك المهنة التي كرس لها حياته بحب وشغف كبيرين، مع شهادات مهمة من صناع الفن السابع وزملائه

بالفيلم نعود إلي طفولة هذا الفنان الأسطورة الذي ولد عام ١٩٤٠، نتابع من خلال لقطات أرشيفية نشأته، حياته مع والديه، واختياراته، دراسته وعمله بهندسة الصوت، وأساليب عمله المتطورة والمبتكرة، والخدع التي مارسها كاشفاً عن إمكانيات الصوت التي لا حدود لها، وذلك على مدار حياته الطويلة، إذ تعاون في تصميم وتطوير شريط الصوت بمئات الأفلام، حتى أصبح مرشدًا وهاديا لجيل من الرجال والنساء خلف منضدة المكساج.

سيدة الإنتاج المستقل 

كذلك هناك احتفاء في مهرجان كارلوفي فاري بالمنتجة الكبيرة كريستين فاشون، فيقدم لها تحية في الدورة السابعة والخمسين الممتدة بين ٣٠ يونيو إلي ٨ يوليو الجاري، وذلك بعرض أحد أحدث مشاريعها الإنتاجية «أرواح الماضي» للمخرجة سيلين سونغ.

حقق الفيلم نجاحًا ساحقًا في صندانس، ثم كانت المفاجأة أنه تم برمجته في أحد مسابقات مهرجان برلين بعد شهر واحد من عرضه في صاندانس، وهى نادرة في عالم البرمجة المهرجانية للمهرجانات ذات الأسماء الكبيرة والعريقة، لكنها تحمل دلالة مهمة كما قال المدير الفني للمهرجان كارل أوخ عند تقديمه للفيلم بالقاعة الكبرى بفندق ثيرمال، بكلمات: «إنه أمر لا يحدث كثيراً، بل نادراً ما يحدث، أن يتم عرض فيلم بمهرجان مهم مثل صندانس، ثم بعد شهر واحد يعرض الفيلم نفسه في مسابقة مهرجان كبير آخر مثل برلين. إنه يثبت أن هذا عمل استثنائي حقًا». 

شاركت المنتجة كريستين فاشون في تقديم الفيلم للجمهور التشيكي مع المخرجة التي أسعدت الحضور من أبناء وبنات الدولة المضيفة بقولها: «إنه لأمر غير عادي أن أتمكن من تقديم الفيلم في جمهورية التشيك. أنا هنا للمرة الثالثة. كنت هنا أيضًا في شهر العسل. وبالطبع نشأت مع كتب ميلان كونديرا وأفلام مينزل. أنا أعتبر جمهورية التشيك مكانًا خاصًا

فيلم «أرواح من الماضي» من إنتاجه العام ٢٠٢٢، شاركت في إنتاجه كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية يُعرض في قسم «آفاق» بالمهرجان التشيكي العريق، ويدور في قالب رومانسي رقيق، حول المصير والقدر والحب، وذلك من خلال الكاتبة نورا وحب طفولتها هاي سونغ، الذين يعيشان على بعد آلاف الكيلومترات، لكنهما كانا ولا زالا مرتبطان بعلاقة حب راسخة. فجأة يمنحهما القدر فرصة آخرى بعد أكثر من عشرين عامًا، إذ تلتقي هذه الأرواح الشقيقة في نيويورك مجددا. هذا اللقاء غير المتوقع يجعل نورا تسأل نفسها، «ماذا لو؟». 

«أرواح من الماضي» قصة إنسانية فريدة شديدة الرومانسية لاثنين من البشر يجمع بينهما العواطف الحقيقية رغم تفرق مساراتهما في الحياة.

 

صوت العرب الأردنية في

03.07.2023

 
 

جوني ديب والرجل السندريلا

في افتتاح مهرجان كارلوفي فاري ال٥٧

د. أمــل الجمل :صوت العرب كارلوفي فاري

 
 

يشتهر مهرجان كارلوفي فاري بميزات عديدة من أبرزها الجمهور الذي لن تجده في أي مكان آخر في العالم، وذلك بشهادة نجوم كبار. أيضاً المقاطع السينمائية التي يُصورها ويصنعها المهرجان خصيصاً  لنفسه ويقوم ببطولتها نجومه المكرمين ملمح مميز جداً له وجزء من هويته الأصيله

المدهش هذا العام هو عودة وجه جوني ديب للمهرجان من خلال مقطع مصور خصيصاً من بطولته قام بإخراجه التشيكي إيفان زكريا - وهو مخرج إعلانات نال جوائز دوليه مرموقه - وتم عرضه الأول ليلة الافتتاح بالقاعة الكبرى للمهرجان، مثلما عرض على منصة المهرجان فشاهده الجميع على أجهزة الموبايل والكومبيوتر، 

جوني ديب استضافه المهرجان قبل عامين، وعرض له فيلمين مهمين من إنتاجه، أحدهما وثائقي والثاني روائي. وحينها تعرض المهرجان للهجوم بسبب دعوة ديب لأنها حين ذاك كان في خلاف مع طليقته وكانت المنظمات الحقوقية والنسوية تهاجمه، لكن المهرجان التشكي العريق أصر على قراره، وقد شهدت كاتبة هذه السطور بنفسها كيف استقبل الجمهور التشكي جوني ديب بالترحاب بشكل كبير جدا، مثلما يقول المدير التنفيذي للمهرجان كرستوفر موخا «شهد جوني ديب استقبالًا حارًا للغاية من الجمهور والمعجبين في كارلوفي فاري قبل عامين، وبسبب ذلك أصبح مؤيدًا كبيرًا لنا. لهذا السبب وافق على تصوير هذا المشهد السينمائي، على الرغم من أننا كنا مقيدين بجدول أعماله المزدحم. كان المشهد ناجحاً للغاية، وأعتقد أن جوني ديب سيعود إلى فاري شخصيًا ذات يوم». 

إذاً، هذا الاحتفاء وتلك المساندة الكبيرة التي قدمها مهرجان فاري له - والتي تؤكد انحياز منظموه للفن والإبداع وتنحية المسائل والخلافات الشخصية جانباً - يُفسر موافقة جوني ديب - وإن تدخل بعض الشيء في صياغة المشهد- الذي قام ببطولته بحيث يبدو على النقيض من كثير مما تم تصويره قبل ذلك

طوال الأعوام الماضية شهدنا نجوما كبار في مشاهد مثل هذه يُحطمون الجائزة - تمثال الكرة الكريستال الشهيرة لكارلوفي فاري، أو يُحاولون بيعه إذا احتاجو للأموال، أو حتى رهنه. نراه أحياناً متراكم عليه التراب وخيوط العنكبوت، وأحياناً يكون مصدرا للهب والتوهج. والحقيقة أنها جميعاً مقاطع سينمائية دوما مثيرة للإعجاب، وتجعل المشاهد ينطلق في الضحك. لكن المهم هو جرأة المهرجان في صناعة لقطات سينمائية تنهض فكرتها على السخرية من الجوائز، وكأنه ينحاز لفكرة الإبداع

مع الممثل والمنتج والموسيقي الأمريكي جوني ديب اختلف الأمر، فرغم أنه حائز على ثلاثة ترشيحات لجوائز الأوسكار، وجائزة غولدن غلوب وجوائز أخرى لا حصر لها، فقد ظهر بالمشهد بينما تحاوره صحفية تؤكد على أنها من أشد معجبيه لكنها مندهشة «لأن النجوم جميعهم الذين يأتون إلي المهرجان دوما يتم تكريمهم، بينما هو لا.» فيسألها: «حقاً؟!.» 

الرد الاستفهامي -المستنكر في نصه التحتي - تجعلنا نحن كمشاهدين نتساءل: أليست استضافته وعرض اثنين من أفلامه هو تكريم في حد ذاته، خصوصاً في ذلك التوقيت. لكن، الأمر المدهش والجميل في هذا المقطع، أن جوني ديب يستخرج لها تمثالاً مدعياً أنه تكريم حصل عليه من كارلوفي فاري، تتأمله الصحفية، تبحث عن اسمه على جسد التمثال فنكتشف معها أن جوني ديب زيف الأمر، وكتب اسمه على تمثال لم يحصل عليه

لاشك أن ذكاء منظمي المهرجان، أن قراراتهم التي تنهض على منطق الانحياز للسينما وفقط، والتنظيم الدقيق جدا، كل ذلك منح المهرجان العريق مصداقية وسمعة دولية مرموقة ولم يعد فقط المهرجان الأهم في وسط وشرق أوروبا، لهذا نجح في استحضار أبرز وأشهر النجوم، وهى أمور ساهمت في جلب أنظار العالم لهذه المدينة التشيكية التي تتوهج جميع أرجاءها بمظاهر الفن، فطوال الطريق الممتد بين جميع دور العرض السينمائي أثناء فترة انعقاد المهرجان ستجد احتفالاً بالموسيقى والغناء، والعروض الادائية، إضافة إلي برامج الطبخ، والمناقشات، والاستمتاع بالطقس والمشاهد التاريخية هناك، ستجد الكبير والصغير وذوي الهمم. ازدحام غير عادي تشهده كارلوفي فاري - تلك المدينة العلاجية الساحرة في جمهورية التشيك

تكريم الرجل السندريلا

شهد افتتاح هذه الدورة السابعة والخمسين تكريم راسل كرو الذي قدم العديد من الأعمال ومنها «العقل الجميل» و«الرجل السندريلا» و«المصارع» الذي نال عنه الأوسكار والذي قرر مخرجه ريدلي سكوت بتحقيق جزء ثان منه بعد 24 عامًا

كان التكريم بتمثال الكرة الكرستال الشهيرة، تلقاها من رئيس المهرجان ييري بارتوشكا  Jiří Bartoška. عن إنجاز العمر لمساهمته البارزة في السينما العالمية. وحول ذلك قال كرو أثناء الافتتاح: «رغم سعادتي بالتكريم وتقديري له، لكني هنا من أجل الحفل.» كان راسل كرو يعني بذلك الحفل الغنائي الذي قدمه للجمهور عقب حفل الافتتاح والذي استمر حتى الساعات الأولى من الصباح، مما جعله في اليوم التالي يتأخر على المؤتمر مع الصحفيين نحو نصف ساعة، لكنه أثناء تقديم فيلمه Master & Commander: The Far Side of the World - في القاعة الكبيرة في فندق ثيرمال التي امتلأت بالمتفرجين الذين جاؤوا لمشاهدة - قال: «الموسيقي مهمة جدا بالنسبة بشكل مرعب. إنها عملية إبداعية جذبتني منذ طفولتي. كتابة الأغاني تشبه إلى حد بعيد إنشاء شخصية جديدة لدور جديد.» مثلما فتح الرجل السندريلا الباب مجددا للحكي عن ذلك الفيلم المعروض بهذه الدورة من إنتاج عام ٢٠٠٣، إذ قال «الأستوديو قرر تقديم الفيلم آنذاك كفيلم أكشن لجذب مزيد من المشاهدين. لكن الأمر لا يتعلق بالحركة والإثارة، إنه قصيدة سينمائية تحكي عن الانضباط والحياة الصعبة للبحارة في الأوقات الصعبة».

أثناء المؤتمر الصحفي تحدث راسل كرو بأسلوب ذكي مدروس عن حياته المهنية في عالم التمثيل، ورغم أن بعض الصحفيين وضعوا علامات استفهام حول مسيرته الموازية كموسيقي، في تلميح إلي عدم تميزها بعكس إنجازه في فنون الأداء، لكنه تجاوز كثير من الأشياء، وعاد للحديث عن الأفلام وتجربه مه ريدلي سكوت، ثم في النهاية أكد على أن مدينة كارلوفي فاري التي يُقام فيها المهرجان تركت لديه انطباعًا قويًا، قائلاً: «لا أعرف ما الذي كنت أتوقعه، لكن بالتأكيد لم يكن في خيالي هذه المدينة الرائعة ذات الهندسة المعمارية الخلابة. الآن أقول للجميع أنه يتوجب عليهم زيارة كارلوفي فاري

الحقيقة أن تكريم راسل كرو لم يقتصر على الجائزة والحفل الغنائي الذي قدمه، أو عرض فيلمه، لكن منصة المهرجان - والتي يتولى مسئولية إدارة المحتوى فيها كارل أوخ وهو نفسه المدير الفني للمهرجان - تقوم حالياً بعرض فيلم راسل كرو، رومبر ستومبر Romper Stomper  إنتاج عام ١٩٩٢

كلمة أخير عن هذه المنصة التي أسسها المهرجان قبل عامين، وتحقق طفرة كبيرة، فإلى جانب أنها تعرض أفلاماً مدفوعة الأجر، ذات محتوى متميز على مدار العام، تقوم ببث مباشر لجميع فعاليات وأنشطة المهرجان التشيكي العريق إذ أصبحت المحطة التليفزيونية الرسمية له، من هنا بسهولة يمكن لأي مشاهد متابعة ما وراء الكواليس في المهرجان، أو زيارة السجادة الحمراء، أو حضور أحداث مهمة أخرى عبر تلك المنصة

إذاً، تُعتبر المنصة امتداداً للمهرجان وداعماً له، إذ يقول منظموها: «الشغف السينما له عدة أشكال، النسخة عبر الإنترنت تسمى KVIFF.TV » أي »منصة مهرجان كارلوفي فاري»، أما عن السبب وراء إطلاقها وهل تكون بديل لقاعات السينما، فيجيب المنظمون: « نحب الأفلام حقًا وأجواء قاعات السينما المظلمة. على مدى سنوات عديدة من تنظيم مهرجان كارلوفي فاري السينمائي السنوي، لابد أننا رأينا وتحدثنا عن ألف فيلم، نحن نستمتع بعملنا أكثر فأكثر كل عام. لهذا السبب توصلنا إلى KVIFF.TV - لإتاحة محتوى سينمائي عالي الجودة لعشاق السينما على مدار العام، بغض النظر عن مكان وجودهم.» 

 

صوت العرب الأردنية في

02.07.2023

 
 
 
 
 
 
 
     
 
 
 

د.أمل الجمل تكتب عن

مهرجان ال تشينما رتروفاتو السينمائي:

 

الموضوع

المصدر

التاريخ

 
     

مهرجان بولونيا.. احتفاء بالسينما العربية وإحياء لتراثها العتيق

الجزيرة الوثائقية

05.07.2023

مهرجان ريتروفاتو.. استعادة للنون المنسية في السينما

العربي الجديد اللندنية

11.06.2023

مهرجان ريتروفاتو الـ37.. احتفالٌ بأفلام مُرمّمة وللعرب حضورٌ

العربي الجديد اللندنية

28.06.2023

كوستا جافراس يُقدم فيلما مُرمما لهيتشكوك تحت سماء بولونيا، محاطاً بالحشود

موقع مصراوي

28.06.2023

أشكال للثقافة السينمائية في مهرجان «بولونيا لإعادة اكتشاف الأفلام» الـ٣٧

صوت العرب الأردنية

27.06.2023

«إيل شينما ريتروفاتو» البولوني.. الصدارة للموسيقى، والأفضل في عام ١٩٠٣

الـ arabtribune

27.06.2023

     
 
 
 
 
 

مهرجان بولونيا.. احتفاء بالسينما العربية وإحياء لتراثها العتيق

د. أمــل الجمل

 
 

“أنا مدين لعشرات ومئات المخرجين باكتشاف كثير من الأشياء، لذلك علينا بذل كل جهودنا لترميم هذه الأفلام والحفاظ عليها. لأنها تراث إنساني، إنها ذاكرتنا”.

هكذا تحدث المخرج الكبير “مارتن سكورسيزي” إلى “تشيشيليا تشينشياريلي” الإيطالية الشابة المسؤولة عن مشروع الترميم، وهي تعد من المديرين الأربعة لمهرجان بولونيا الذي يحمل عنوان “إعادة اكتشاف السينما”، أو كما يُنطق بالإيطالية “إل تشينما ريتروفاتو” (Il Cinema Ritrovato)، وذلك أثناء زيارته إلى بولونيا قبل أيام قليلة من افتتاح الدورة الـ37 للمهرجان العريق الذي امتد تسعة أيام خلال الفترة ٢٤ حزيران/ يونيو وحتى ٢ تموز/ يوليو الجاري.

إذن السينما ذاكرة إنسانية. لكن لماذا لا تدرك كثير من الحكومات العربية أن السينما تراث وذاكرة إنسانية؟ أم أنها تُدرك ذلك وتخشى السينما، فتسعى لطمسها وترك أصولها (النيغاتيف) تتحلل؟ هذا ما كانت تشي به الكلمات التقديمية قبل عرض مجموعة من الأفلام العربية هناك، وكذلك ردود فعل الجمهور عقب عرض فيلم «المخدوعون” بتوقيع المصري الراحل توفيق صالح، في مهرجان بولونيا، وهي مدينة تقع في شمال إيطاليا، وتشتهر بأنها الأكثر يسارية وثقافة في إيطاليا.

“المخدوعون”.. نهاية مأساوية في أكناف الجمارك العربية

هذا أيضا ما تُؤكد عليه أحداث الفيلم، فقد أُنتج عام ١٩٧٢، لكنه ما زال قادر على التعبير عن قضية شائكة خطيرة حتى الآن، وهي إشكالية الهجرة غير الشرعية بحثا عن الرزق، ثم الموت في النهاية.

قد يكون هناك اختلاف ببعض التفاصيل لكن المقدمات والنتائج تظل واحدة، فإذا كان أبطال قوارب الموت يموتون غرقا اليوم، فإن أبطال “المخدوعون” ثلاثة من الفلسطينيين من ثلاثة أجيال يسافرون بشكل غير قانوني من العراق إلى الكويت على أمل أن يلحقوا بالطفرة النفطية، بعد تهجيرهم من أراضيهم على أيدي المحتل الصهيوني.

ماريان لوينسفكي أثناء مناقشة كتابها عن سمامة

ينتهي بهم المطاف متفحمين بداخل فنطاس المياه الجاف، الذي كان أشبه بأحد الأفران الملتهبة من شدة قيظ الحر في الصحراء، فقد صعدوا للاختباء داخل خزان المياه، وظلوا هناك عندما احتجز موظفو الجمارك سائق الفنطاس لبعض الوقت. وانتهت رحلة الهروب بحثا عن الرزق بالموت وإلقاء الجثامين في مكب للنفايات.

عرض الفيلم.. حلم تحقق في إيطاليا بعد طول انتظار

كانت المفاجأة حضور زوجة الروائي الفلسطيني الراحل غسان كنفاني بصحبة ابنها لتقديم الفيلم المقتبس عن رواية “رجال في الشمس”، وقد عُرض بإحدى أكبر وأهم القاعات هناك، قاعة “جولي”. في البداية تحدثت “تشيشيليا تشينشياريلي” عن عملية البحث الطويلة والعميقة عن نسخة النيغاتيف في أرشيفات عدة دول، وقد أسفرت عن نتائج مبهرة لم تكن متوقعة، ثم عملية الترميم ومحاولة الحفاظ على الألوان والأصل بقدر الإمكان، كاشفة عن أهمية الفيلم، وخطورة موضوع الآني والمعاصر، كذلك تعرضه للرقابة في العالم العربي ومنعه من العرض سنوات طويلة.

أما زوجة كنفاني فبدأت حديثها بشكر السينماتيك في بولونيا على جهوده لإعادة إحياء الفيلم الذي يُعد أحد كلاسيكيات السينما، ليست السينما الفلسطينية فقط بل العالمية أيضا، ثم أعادت للذاكرة حكاية الجلسات التي كانت بين توفيق صالح وزوجها عند الاتفاق على تحويل الرواية إلى السينما، وذلك أثناء فترة هجرة توفيق صالح إلى سوريا والعمل في المؤسسة العامة للسينما، مشيرة إلى أن المخرج رأى ضرورة تغيير النهاية لتكون مناسبة أكثر للسينما.

لكن كيف وصل فيلم “المخدوعون” إلى إيطاليا؟ هذا ما كشف عنه النقابَ المخرجُ التونسي محمد شلوف الذي تحدث قائلا: في أواخر الثمانينات كان المخرج يوسف شاهين لديه مستحقات مالية عند المؤسسة السورية العامة للسينما، فاشترى منهم حقوق توزيع الفيلم، لكنه لم يكن قادرا على توزيعه في إيطاليا. آنذاك كنت أنظم تظاهرات سينمائية عربية للمشاهد الإيطالي في عدة مدن، وعندما التقيت بشاهين طلبت منه توزيع الفيلم في إيطاليا فوافق. كنت مغرما بالفيلم. ذات يوم وعدت مخرجه توفيق صالح بترميمه، وأنا سعيد الآن بإنجاز الوعد.

محمد شلوف.. تكريم لمرمم الأرشيف العربي والأفريقي

المخرج التونسي محمد شلوف -الذي يعتبر أن الطاهر شريعة هو الأب الروحي له- لم يقتصر وجوده ودوره فقط على إعادة اكتشاف “المخدوعون” وتقديمه للجمهور الإيطالي، لكنه كرس حياته المهنية للأرشيف الأفريقي والعربي، ولذلك لم يكن غريبا أبدا تكريمه في ختام فعاليات المهرجان البولوني العريق، وذلك تقديراً لجهوده المخلصة.

محمد شلوف يلقي كلمة للحضور في حفل تكريمه

على صعيد مواز، يمارس شلوف دورا كبيرا، ويبذل جهودا مضنيا حاليا لتحقيق أفضل النتائج فيما يخص الأرشيف التونسي، خصوصا أن تونس تمر بأزمة اقتصادية مروعة، وفي ذات الوقت هناك احتفال بمئوية السينما التونسية بعد أشهر قليلة في مهرجان قرطاج السينمائي بدورته القادمة.

طوال فعاليات المهرجان ظل شلوف يحاول التواصل مع ضيوف المهرجان من المسؤولين في كافة أرشيفات السينما العالمية بحثاً عن أي أفلام تونسية، وبحث إمكانية تقديم مساعدات ليست فقط مادية، لكنه أساساً يبحث عن أصول الأفلام أو نسخ منها، إضافة إلى طلب الدعم الفني والتقني عبر توفير المعدات المناسبة لخلق أرشيف بظروف وشروط علمية صحيحة.

مئوية السينما التونسية.. احتفاء يليق بالبلد

انطلق الاحتفال بمئوية السينما التونسية من بولونيا أولا، فقد عُرضت فيها مجموعة أفلام وثائقية قصيرة من توقيع رائد السينما التونسية المخرج ألبير سمامة شيكلي، صُور بعضها في مدن مختلفة في أرجاء تونس، حيث وثق حياة الناس في البحر والبادية، وأثناء عمليات الصيد، وتربية الماعز، وحركة الجيش أثناء وجود العثمانيين، مثلما صور أجواء بعض عمليات الإعدام، لكنه رفض تصوير لحظة الإعدام ذاتها.

وقد صوّر بعض أفلامه في ليبيا، وهي تكشف عن تشابه المعمار هناك مع بعض المدن التونسية في الجنوب – وفق تصريح المخرجة التونسية عايدة شامخ للجزيرة الوثائقية- فقد كان سمامة شيكلي مثل الرحالة، وهو كان يصف نفسه بالمسافر.

أثناء رحلاته قام بتصوير الحرب العالمية الأولى، وعاد منها مريضا بسبب الغاز السام هناك الذي أصابه بالدرن، وتوفي بعد فترة قصيرة، ربما لأن مشروعه السينمائي لم يُكتب له الاستمرار ففقد الأمل، وربما لأنه لم يحظَ بالعلاج في المصحات المتخصصة المتميزة في ذلك الوقت بسويسرا.

الشقيقات كاترينا وسيلفيا يلقيان محاضرة في المهرجان

وقد أصدر المهرجان كتابا عن ألبير سمامة، يقع فيما يقرب من أربعمئة صفحة، تتضمن صورا شخصية له ولعائلته، ووثائق تنشر لأول مرة، ولقطات من أفلامه التي أدت بطولتها ابنته زهرة، وهي لم تستمر في التمثيل رغم موهبتها الواضحة، فقد منعها من العمل في أفلام الآخرين آنذاك.

تقول “ماريان ليفنسكي” محررة الكاتب: كانت أفلام ألبير سمامة سابقة لعصرها، لكنه عندما تحول للسينما الروائية الطويلة لم يتمكن من توزيعها، إذ لم تكن تُرضي ذوق الموزع الغربي أو الأوروبي، مثلما لم تكن ترضي هوى المستعمر، لأنها لم تُنجز بعين فولكلورية أو استشراقية. كانت عين ألبير سمامة السينمائية تختلف تماما عن المصورين الاستشراقين، كان يصور الناس بإحساسه كأنه واحدا منهم.

أيام المهرجان.. رحلة في سرداب السينما العتيقة

صحيح أن مدة المهرجان كانت تسعة أيام فقط، لكن منظميه اصطحبوا المشاهدين عبر سرداب الزمن والتاريخ في رحلة طويلة تغطي 150 عاما من تاريخ السينما العالمية، عُرضت خلالها مجموعة من الروائع النادرة في عالم الفن السابع منذ اختراع السينما، إذ عرض ٤٧٠ فيلما مختارا من بين جواهر السينما المصنوعة على مدار ما يزيد عن قرن من الزمان، وذلك من مختلف دول العالم من أوروبا وآسيا وأفريقيا والعالم العربي والأمريكتين، منها ١٧٩ فيلماً صامتا تصاحبها الموسيقى. ومن بينها أفلام التونسي ألبير سمامة التي صاحب عرضها اثنان من الموسيقيين الإيطاليين. كان العزف ارتجاليا، تماماً كما كان يحدث في بدايات السينما الصامتة.

لم يقتصر الأمر عند “المخدوعون” وأفلام سمامة شيكلي، فقد كان للسينما العربية حظ غير قليل، إذ عرض فيلم “أحلام المدينة” للسوري محمد ملص، وأكد منظمو المهرجان أنهم بصدد عملية ترميم للفيلم.

وكذلك عُرض فيلمان عن النساء الفلسطينيات بتوقيع مخرجات من أصول لبنانية. كان الأول وثائقيا قصيرا بعنوان “نساء فلسطينيات” للمخرجة اللبنانية الراحلة جوسلين صعب، أما الثاني فهو روائي طويل بعنوان “ليلى والذئاب” للمخرجة اللبنانية هايني سرور.

ختاما، نذكر بأن هذا المهرجان الاستثنائي الذي قدم برنامجا أسطوريا، أتاح للجمهور التنقل بين 15 من دور العرض السينمائي، بعضها في الهواء الطلق، وفي مقدمتها الساحة الكبيرة المشهورة باسم “بياتزا ماجوري” (أي ساحة ماجوري) وهي أكبر ساحة عرض مفتوحة في أوروبا، وضمت ستة آلاف من الجمهور ليلة عرض فيلم “هيتشكوك” الذي قدمه المخرج اليوناني الفرنسي الشهير “كوستا غافراس” صاحب رائعة “هنا كي” (Hanna K.).

 

الجزيرة الوثائقية في

05.07.2023

 
 

مهرجان ريتروفاتو:

استعادة للنون المنسية في السينما

أمل الجمل

 
 

"كانت تمتلك قدرة هائلة على معرفة الناس وفهمهم، وعلى الدخول إلى عقل المخرج الذي يطلبها للعمل معه. كانت كطبيب نفسي للمخرج. تنصت إليه، كأنّها تدخل عقله، تُدرك ما يدور في ذهنه وتكتبه. كانت تكتشف بسرعة ما يريده فيسكونتي أو بلاسيتي أو زامبا".

هذا كتبه مازولينو داميكو، وأكّدته شقيقته كاترينا، ابنة سوزو تشكَّي داميكو (Suso Cecchi d'Amico)، أشهر كاتبة سيناريو في تاريخ السينما الإيطالية، في ندوة الاحتفاء بها، ومناقشة كتابها عنها، بمناسبة تكريمها في برنامج "شقيقات السينما"، في الدورة الـ37 (24 يونيو/حزيران ـ 2 يوليو/تموز 2023) لـ"مهرجان السينما ريتروفاتو" (Il Cinema Ritrovato)، الخاص بترميم الأفلام وإعادة اكتشافها، بحضور كاترينا وشقيقتها المنتجة سيلفيا، وجيان لوكا فارينيلي، مدير "السينماتيك البولونية" (مُنظّمة المهرجان)، الذي قدّمها أيضاً. و"السينماتيك" مؤسّسة تُرمّم الأفلام أيضاً، بالتعاون مع مؤسّسات أخرى، منها "أرشيفات الفيلم" في العالم، و"مؤسّسة مارتن سكورسيزي". وسكورسيزي زار السينماتيك قبل انعقاد الدورة هذه بأيامٍ قليلة.

لم تتحدّث سيلفيا إلا قليلاً، لكنّ حضورها قوّي، عبر آراء سريعة، مؤثّرة وكاشفة، تؤكّد أنّ سرد حكاية العائلة، بآلامها وأفراحها، وُلدت منذ لحظة اكتشاف الرسائل التي كانت تكتبها الأم للأب فيديل داميكو (1912 ـ 1990) في فترة علاجه من السلّ، في مصحِّ سويسري، بعد عودته من الحرب العالمية الثانية. تكشف الرسائل -التي عثرت عليها كاترينا بعد رحيل الأم، فنسختها رقمياً، وأعطت نسخاً منها لأشقائها- غموضاً كثيراً في علاقة الزوجين أحدهما بالآخر، اللذين رفضا فكرة الانفصال بسبب المرض، حفاظاً على العائلة، رغم أنّ كلّاً منهما ينتمي إلى عالم مختلف عن الآخر. كما تُعدّ دليلاً على صلابة سوزو، بكتابتها رسائل يومية بين ديسمبر/كانون الأول 1945 ومارس/آذار 1947؛ وتشهد على الحيوية القصوى للعلاقة بينهما، فعندما وجدت الشابة سوزو نفسها وحيدة في روما، ومسؤولة عن طفلين، سيلفيا ومازولينو، لم تستسلم، وعثرت سريعاً على وظيفة مترجمة وكاتبة سيناريو، وصارت مطلوبة. الهمّ الرئيسي الذي يُشغل سوزو طمأنة زوجها، والحفاظ على معنوياته عالية، وإشراكه في الحياة العائلية. لذلك، أصرّت على مواصلة الكتابة إليه يومياً.

مع ذلك، تؤكّد سيلفيا أنها لم تكن تشبه أمها في شيء. فأمها عملية جداً وصلبة، بينما هي أقرب إلى والدها، التي وصفته بالعبقري، وأنّها مثله لديها هذا "الشغف والعاطفة القوية التي تجعلني أبكي بسهولة"، وأنّها لم تكن أبداً في المقدمة أو من الأوائل، لكنْ لها موهبة استثنائية في دعم الناس ومساندتهم، مُشيرة باستنكار إلى "الآثار النفسية عليّ كطفلة"، عندما كان يُلمّح مخرجون إلى أنّها أقلّ مستوى بمقارنتها بأخيها الذي صار كاتباً ومترجماً.

أما كاترينا، مؤلّفة الكتاب، فتحدّثت طويلاً عن ظروف نشأة أبويها، القادِمَين من عالمين مختلفين، فسوزو تشكَّي (1914 ـ 2010) ابنة عائلة فقيرة، مثقّفة تهتمّ بالفنون، فتاة مستقلّة جداً، درست العزف على البيانو، والتقت من أصبح شريكها في روما، عندما كانت تدرس الموسيقى، فأُغرم أحدهما بالآخر، قبل أنْ يتزوّجا. كما أنّها درست اللغة الفرنسية، لكنّها توقفت عنها سريعاً، وكرّست حياتها للعائلة، وعثرت على عمل في الترجمة، فكانت تفضّل أنْ تعمل في البيت كثيراً، قبل بدء كتابة السيناريو، مُقدّمة نحو 120 سيناريو فيلم منذ بداية الواقعية الجديدة، كـ"سارقو الدرّاجات" (1948) لفيتّوريو دي سيكا و"النمر" (1963) للوكينو فيسكونتي. أما فيديل، فابن عائلة بورجوازية، وهو أيضاً عاشق فنون وعزف، وكان "موسيقاراً عبقرياً" كما تصفه ابنته، تعلّم لغات عدّة، وصار مترجماً وناقداً أدبياً. كان، بعقله المنفتح، يرغب في لعب دور في المجال الأكاديمي.

تبدو شخصية سوزو تشكَّي داميكو، بحكايتها مع عائلتها، درامية بامتياز، وإنْ كانت تنحو إلى التراجيديا قليلاً. مسيرتها الإبداعية ككاتبة سيناريو ظهرت في ذروة عصر الواقعية الجديدة، وعاشت كل مراحل السينما في إيطاليا، وساهمت في أنواع مختلفة: الكوميديا الإيطالية، واقتباس أعمال أدبية، وشاركت في تأليف سينما تنتمي إلى الطابعين السياسي والاجتماعي، هذه المسيرة تطرح سؤالاً مُربِكاً عن هوية كاتب السيناريو، ومدى تأثيره ومساهمته في بناء فيلم.

فالابن مازولينو يؤكّد أنّ الفيلم يخصّ المخرج، لأنّ وظيفة السيناريست تخضع للمخرج: "عندما طُلب منّي أنْ أساهم في تعريف هوية والدتي ككاتبة سيناريو ومؤلّفة، كان أول ردّ فعل لي: "مستحيل". ففي إيطاليا، كانت الأفلام، خاصة الجادة، تُعتَبر دائماً عمل المخرج أولاً، عكس الحاصل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة". أضاف أنّ السيناريوهات المنشورة تكون "النسخة النهائية للفيلم، الذي ربما يختلف عن النصّ الأصلي، إذْ تحصل تغييرات مهمة"، وأيضاً "لأنّ جميع الكتّاب وكتّاب السيناريو، وإنْ كانوا غير راضين عن ذلك أحياناً، يُكرّسون موهبتهم لخدمة الفيلم، باختراع قصص، وإعادة الحياة إلى شخصيات يدخلون في أذهانها؛ بينما يصوغ المخرجون هذه الموهبة لخدمة غاياتهم الخاصة".

لم يقتصر الاحتفاء على الشقيقتين فقط، إذْ كرّم المهرجان نساء أخريات في برنامج "شقيقات السينما"، يعملن في مجالات سينمائية مختلفة، إخراجاً وتصويراً وكتابة سيناريو ومونتاجاً وتمثيلاً ورسماً، وذلك بهدف إخراج بعض هؤلاء المبدعات من الإهمال والنسيان، بتسليط الضوء على وجودهنّ المهنيّ، ولإثبات أنّ صانعات الأفلام يقمن بتفكيك عمل نظرائهنّ الذكور.

أحد أفلام هذا البرنامج وثائقيّ مُرمَّم حديثاً للمخرجة لي غرانت، أنتج عام 1986 بعنوان Down And Out In America، الفائز بـ"أوسكار" أفضل فيلم وثائقي في النسخة الـ59، ويُعدّ دراسة حيوية ومُعاصرة للتأثير المدمِّر الناجم عن سياسات حقبة رونالد ريغان على الأشخاص المهمّشين، وأثر الركود في منتصف ثمانينيات القرن الـ20 على عمّال المزارع في مينيسوتا، والعاطلين عن العمل في المناطق الحضرية، والمشرّدين الجدد في لوس أنجيليس ونيويورك. مُشارك فيه يصف الموقف هكذا: "إنّها حرب للدفاع عن معيشتنا. صحيح أنْ ليس هناك دماء إلى الآن، لكنّي أخشى أنّه سيكون. لا بُدّ أنّ تكون هناك دماء". لا يزال الفيلم يُعبّر عن مأزق وقضية ملتهبة شديدة المعاصرة، ويدلّ على التزام سياسي شرس ووثيق الصلة بهذا اليوم.

الالتزام نفسه موجود في الحياة المهنية للمخرجة اللبنانية جوسلين صعب (1948 ـ 2019) التي صوّرت لحظاتٍ تاريخية كثيرة، من ثورات وحروب وفظائع، في الشرق الأوسط في القرن الـ20. أفلامها جريئة وصاخبة، عُرض منها قصيرٌ بعنوان "نساء فلسطينيات" (1974)، قبل عرض الروائي الطويل "ليلى والذئب" (1984) لهَايني سرور. تجاوب الجمهور الإيطالي مع فيلمي المخرجتين اللبنانيتين، إذْ قالت الإيطالية الثمانينية أنجيلا توماسييني، المُصوّرة التلفزيونية، إنّهما "يُذكّرانني بحالنا، وبمرحلة مهمة وخطرة في تاريخنا وصراعنا مع المجتمع البطريركي في فترة الاستعمار".

 

العربي الجديد اللندنية في

11.07.2023

 
 

"مهرجان ريتروفاتو الـ37":

احتفالٌ بأفلام مُرمّمة وللعرب حضورٌ

أمل الجمل

 
 

برنامج ضخم تحفل به الدورة الـ37 (24 يونيو/حزيران ـ 2 يوليو/تموز 2023) لـ"مهرجان السينما ريتروفاتو" (il Cinema Ritrovato)، الخاص بترميم الأفلام وإعادة اكتشافها، الذي ـ بجهود منظّميه ـ جعل "سينماتيك بولونيا" مشهورة في العالم. برنامج يعرض 470 فيلماً، في 7 صالات، وأخرى في الهواء الطلق، في "ساحة ماجوري"، في المدينة التاريخية الساحرة الإيطالية "بولونيا" (شمالي إيطاليا)، المعروفة بـ"المدينة الحمراء"، ذات الـ12 باباً. والمدينة، إحدى أشهر المدن الايطالية، تتميّز بالهدوء، نسبياً. فيها جامعة من العصور الوسطى، أي أنّها من 10 أقدم جامعات في العالم، وإحدى أكثر الوجهات الدراسية التي يقصدها طلاب كثيرون في أوروبا، الذين يُشكّلون 58 بالمائة من سكّانها.

في هذه المدينة الثقافية، النابضة بالحيوية، يُنظّم المهرجان الذي يمنح المشاركين فيه رحلة ممتعة في سرداب الفنّ السابع، بتغطيته نحو 120 عاماً من تاريخ السينما، بدءاً من السينما الصامتة، وفيها روائع وتحف سينمائية نادرة، ونسخ 35 ملم و16 ملم. أفلامٌ كهذه تُعرض رفقة موسيقى حيّة تعزفها أوركسترا بولونيا في حفلتين في الساحة نفسها، (ماجوري) ثم في "بياتزيتا بازوليني"، حيث يعزف فرانك بوكيوس (طبل) وجون سويني (بيانو) الموسيقى في برنامج "أفضل أفلام عام 1903"، مع دخان ضوئي لتعزيز سحر العرض.

"ماذا تعني إعادة اكتشاف ومشاهدة النسخ الأصلية لأفلام مخرجين كبار؟ تعني تجديد حبّ السينما وعشقها، وقراءة شغف المؤلّف بين السطور، وتعزيز متعة أنّك مُشاهد في ظلام المشهد، من دون أي تدخل". هكذا يُحدّد منظّمو المهرجان هدفه، مع روائع فيلمية مستعادة، كانت مخفية ويُعاد اكتشافها، من آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا والدول العربية وأوروبا والأميركيتين. بهذا، يُتيح المهرجان فرصة التعرّف على أفلامٍ استثنائية، لم تنل حظّها من الشهرة، فيعرض النسخ الأصلية لأفلام جان رينوار وميكلأنجلو أنتونيوني وإنغمار برغمان وبرناردو برتولوتشي وفرنسوا تروفو وفيم فاندرز وألفرد هيتشكوك وياسوجيرو أوزو وديفيد لينش، وغيرهم.

تسترجع الدورة الـ37 قرناً من رؤى سينمائية، بأنواعها وأشكالها، وبنظرات ومواضيع وقضايا لا تزال حاضرة بقدر مدهش، مع ضيوفٍ يُثري وجودهم الدورة، بمحاضراتهم ونقاشاتهم، فتكون فرصةً للاستمتاع بتاريخ السينما، بينهم السويدي روبن أوستلوند، الذي سيقدّم محاضرة مفتوحة للجمهور، مع عرض فيلمه "المربع" (2017). هناك 18 درساً ومحاضرة، تتناول تطوّر الشكل الفني بين عامي 1903 و1923، وأبرز سمات أكثر من قرن من "عجائب" الفنّ السابع: أصول السينما وصانعو أفلام، إخراجاً وتصويراً وتمثيلاً، منحوا العالم ملمحه المعاصر، الذي لا يُنسى. من المحاضرين: فاندرز ولوكا غوادانينو وبوبي أفاتي وجو دانتي وباربيت شرودر.

هناك أيضاً احتفاء بالمصوّرة الفوتوغرافية والناشطة الجندرية نان غولدن، إحدى أجرأ الفنّانات الرائدات من أبناء جيلها، هي المولودة عام 1953، التي أحدثت ثورة في التصوير الفوتوغرافي منذ سبعينيات القرن الـ20، بتوثيق حياتها وحياة أصدقائها. أصبحت صُورها وصُور عائلتها، الملتقطة في ثمانينيات القرن الماضي، موضوع كتابها الأول، The Ballad Of Sexual Dependency، الصادر عام 1986.

يُكرِّم المهرجان الممثلة الإيطالية آنّا مانياني (1908 ـ 1973)، بمناسبة مرور 50 عاماً على وفاتها (ولدت لأبٍ مجهول، يُقال إنّه من الإسكندرية)، وكاتبة السيناريو الإيطالية سوزو تشكي داميكو (1914 ـ 2010)، التي كتبت نحو 120 سيناريو/فيلم منذ بداية الواقعية الجديدة، منها "سارقو الدراجات" (1948) لفيتّوريو دي سيكا، و"النمر" (1963) للوكينو فيسكونتي، والمخرج الأرمني روبن ماموليان، المشهور بترميز رؤيته في الضوء والحركة، ثم في اللون، وبمساهمته في انتقال هوليوود من مرحلة الصمت إلى مرحلة الصوت، بتفكيكه قيود الكاميرا، واستخدام الحوار كمرافقٍ للموسيقى، كما اعتمد على كاميرته المحمولة. يُمكن التعرّف على أسلوبه بفضل روح الدعابة وطابعه الإيروتيكي. يُذكر أنّ أفلامه كلّها تُعرض بنسخ 35 ملم، باستثناء "دكتور جايكل ومستر هايد" (1931)، الذي يُعرض بنسخة مرمّمة رقمياً.

الدورة الجديدة هذه لـ"مهرجان السينما ريتروفاتو" تحتفل بمئوية السينما التونسية، وتُكرّم أحد أبرز روّادها، المخرج ألبير شمامة شكلي (1872 ـ 1934)، مُصدرة عنه كتاباً (336 صفحة)، يتضمّن صُوراً عائلية وشخصية، وأخرى من أفلامه، ووثائق خاصة به يُكشف عنها للمرة الأولى. كما تُعرض نسخ ٌ مُرمّمة من أُفلامٍ له، وتُنظّم حفلة، يُشارك فيها المخرج التونسي محمد شلوف.

عربياً أيضاً، يُعرض "أحلام المدينة" (1984) للسوري محمد ملص، والفيلمان اللبنانيان "نساء فلسطينيات" (1974) للراحلة جوسلين صعب (1948 ـ 2019) و"ليلى والذئب" (1984) لهَني سرور، و"المخدوعون" (1972) للمصري الراحل توفيق صالح (1926 ـ 2013).

يُذكر أخيراً أن هناك عروضاً لأفلام وثائقية عن تاريخ السينما، وأخرى للأطفال والشباب.

 

العربي الجديد اللندنية في

28.06.2023

 
 

كوستا جافراس يُقدم فيلما مُرمما لهيتشكوك تحت سماء بولونيا، محاطاً بالحشود

د. أمل الجمل

 
 

كانت ليلة الرابع والعشرين من يونيو الجاري واحدة من الليالي المشهودة، والتاريخية، في الساحة البولونية الكبيرة «بياتزا ماجوري»، شمال إيطاليا - وذلك مساء افتتاح مهرجان «بولونيا لاعادة اكتشاف الأفلام» خلال الفترة الممتدة بين ٢٤ يونيو إلي ٢ يوليو القادم - وذلك بحضور المخرج اليوناني الفرنسي اليساري الشهير كوستا جافراس بأسلوبه المشوق لتقديم فيلم «المدهش» Spellbound أحد أهم الأفلام الرائدة في مجال التحليل النفسي سينمائياً، والذي أخرجه ألفريد هيتشكوك عام ١٩٤٥، وكتب له السيناريو بن هيشت أحد أعظم كتاب هوليوود وبرودواي، والذي تم ترشيحه خمس مرات لأفضل كتابة أوسكار، من بينها حصوله علي أوسكار أفضل قصة أصلية عام ١٩٢٧ عن فيلم «الجحيم» Underworld وذلك في حفل توزيع جوائز الأوسكار الأول عام ١٩٢٩، مثلما كانت له إساهاماته في كتابة العديد من الأفلام الكلاسيكية.

يُعد فيلم «المدهش» Spellbound أحد الأفلام الاستثنائية والتي لم تنل حظها كثيراً وقت عرضها، ويُعيد المهرجان اكتشافها واستعادتها ومشاركة هذا الشغف مع جمهوره الغفير، خصوصاً بعد عمليات الترميم التي أجريت للنسخة الأصلية.

إنه الفيلم الذي لم يكن هيتشكوك راضياً عنه تماماً، وأثير من حوله كثير من الأمور سواء على مستوى التصوير والإنتاج، من زاوية ما أرداه هيتشكوك وما انتهى إليه الفيلم في صورته النهائية بسبب المنتج ديفيد أو. سلزنيك الذي كان يريد الاقتصاد في الإنفاق. كان هيتشكوك يرى أن أكثر فنان يمكن أن يفهم التصور البصري للأحلام هو سلفادور دالي، لكن المنتج أيضاً رفض في البداية إلي أن أدرك أهمية وجود اسم دالي في التسويق للفيلم، مع ذلك لم يُنفذ ما أراده هيتشكوك تماماً، وطالب باختصار وتوزيع وتعديل تسلسل مشاهد الأحلام.

أراد هيتشكوك: «في هذا الفيلم أن يحطم الأسلوب التقليدي في تصوير مشاهد الأحلام السينمائية، كانت عادة ضبابية ومربكة، مع اهتزاز الشاشة. لذلك فكر في التعاون مع دالي بسبب رغبته في تحقيق أحلام بصرية جداً، بضربات حادة واضحة، بصورة أوضح من صورة الفيلم على وجه التحديد. وكان دالي يتميز بالجانب الحاد من هندسته المعمارية، وبقدرته على رسم الظلال الطويلة، اللانهائية للمسافات، والخطوط التي تتقارب مع المنظور، مع وجوه بلا شكل. كذلك اخترع دالي بعض الأشياء الغريبة التي كان يصعب تحقيقها، بسبب الإنتاج. كان هيتشكوك يرغب في تصوير أحلام دالي في موقع تخيلها، أي خارج الاستوديو، بحيث يكون كل شيء مغمور بالضوء وأن تصبح النبرة عالية بشكل رهيب، لكن تم رفض ذلك واضطر إلى التصوير في الاستوديو.» وذلك وفق تصريح هيتشكوك في حواره مع فرانسوا تروفو.

كذلك، الأمر الآخر الذي كان يضايق هيتشكوك أن تعبيرات وجه البطل جريجوري بيك - المريض النفسي - إذ لم يكن هيتشكوك راضياً عنها، ويرى أن بطله لم يكن قادر على تقديم التعبيرات التي يريدها مخرج أفلام الرعب.

يُعد «المدهش» من أوائل الأفلام التي تناولت موضوع التحليل النفسي. يحكي عن طبيبة نفسية تقوم بدورها إنجريد برجمان، تحمي هوية مريض فاقد للذاكرة متهم بالقتل - جريجوري بيك - لكن البطلة التي وقعت في غرامه تؤمن ببراءته، وتسعى للحماية مريضها بكل السبل، مهما عرضت نفسها للمخاطر، وذلك أثناء محاولتها معه لاستعادة ذاكرته، وذلك في إطار رومانسي تشويقي يستند أساساً على علم النفس التحليلي وتعقيدات الأمور عند المريض المصاب بعقدة الذنب، وكيف يُمكن فتح الأبواب المغلقة في عقله الباطن للوصول إلي ما وراء ذلك الشعور بالذنب الذي يجعله يعتقد أنه قتل أحد أحبائه، وكيف أنه أحياناً يخشى فتح أحد أهم هذه الأبواب الكاشفة للأسرار، ويجعله الخوف الشديد يفضل أن يبقى مريضاً.

نال الفيلم جائزة أوسكار أفضل موسيقى تصويرية لفيلم كوميدي أو درامي، في عام ١٩٤٦، كما أنه كان مرشحاً لخمسة جوائز أوسكار آخري من بينها أفضل إخراج، وأفضل مؤثرات بصرية، وأفضل فيلم. يعتبر من أوائل «الفيلم نوار» وهو المصطلح الذي أطلقه النقاد الفرنسيين على أفلام الإثارة والتشويق الأمريكية خلال الفترة ١٩٤٤ - ١٩٥٤ وهى الأفلام التي تتميز بطابع تهديدي ومزاج من التشاؤم والقدرية.

في الساحة الكبيرة «بياتزا ماجوري» وتحت سماء بولونيا لم يتقصر الحضور على الكراسي المخصصة لجمهور العرض، لكن الجماهير الغفيرة احتشدت وافترشت الأرض أو جلست بين أعمدة العمارة التاريخية في مشهد تاريخي ساحر.

وظل الجميع ينصتون لكلمات كوستا جافراس، إذ لم ينل الفيلم إعجاب بعض النقاد آنذاك، وإن لاحقاً تم الاحتفاء به وتم اعتباره فيلما مهما، إذ يقول صاحب رائعة «هنا كا» عن تجربة مشاهدته: «كان الفيلم صادما، ومتقدما جدا، حين شاهدته بعد عرضه بثلاثة سنوات وجدته فيلماً ساحراً، به جرأة وتطور. إنه فيلم متقدم.»، ثم ظل جافراس يواصل الحكي لنحو ربع ساعة عن أسلوب هيتشكوك وظروف صناعة الفيلم، ومحاولة هيتشكوك الاستعانة بأفكار من علم النفس، وتواصله مع سلفادور دالي، ومشهد العيون الشهير بالفيلم.

كان ذلك الحديث على خشبة المسرح في تلك الساحة الكبيرة المشهورة والمعروفة باسم«بياتزا ماجوري» - أي ساحة ماجوري - في مدينة بولونيا، الواقعة شمال إيطاليا، والتي تبلغ مساحتها ١٤١ كيلو متر تقريبا، ويسكنها نحو ٣٩٣ ألف منهم ٥٨٪ طلاب مسجلون في واحدة من أعرق وأقدم جامعات العالم، حيث تشتهر هذه المدينة بجذب الطلاب إليها من مختلف أنحاء العالم.

في هذه المدينة العريقة التي تحتوي بين جنباتها كثير من العمارة التاريخية البديعة من القرون الوسطى، إذ تحتضن العديد من المعالم الثقافية والأثرية مثل المتاحف والكنائس والأبراج والمسارح والأروقة الضيّقة، تلك المدينة المشهورة بأنها الأكثر يسارية في إيطاليا، والتي خرج منها المتمرد العظيم بيار باولو بازوليني - (1922 – 1975) - أفتتح فيها منتصف نهار ٢٤ يونيو الدورة السابعة والثلاثين من مهرجان «إعادة إكتشاف السينما» - أو كما يُنطق بالإيطالية «الشينما ريتروفاتو». والذي سيتيح للجمهور التنقل بين خمسة عشر من دور العرض السينمائي - بعضها في الهواء الطلق - بين مختلف أرجاء هذه المدينة العريقة لمشاهدة نحو ٤٧٠ فيلما تم اختيارها من بين جواهر السينما المصنوعة على مدار ما يزيد عن قرن من الزمان.

موقع مصراوي في

28.06.2023

 
 

أشكال للثقافة السينمائية في مهرجان «بولونيا لإعادة اكتشاف الأفلام» الـ٣٧

د. أمــل الجمل: صوت العرب - بولونيا

 
 

بين أروقة قد تبدو ضيقة لكنها مفتوحة على أبواب التاريخ الواسعة، بين العمارة التاريخية العريقة التي تحمل ذاكرة قوية عن الشغف بالفن والطب والمسرح والسينما، في هذا المكان العريق، مقاطعة بولونيا شمال إيطاليا، وعلي مدار تسعة أيام يأخذنا مهرجان «بولونيا لإعادة إكتشاف الأفلام» أو «إيل شينما ريتروفاتو» - Il Cinema Ritrovato - كما يُنطق بالإيطالية، يصطحبنا في رحلة عبر مناظر طبيعية  واقعية أو متخيلة، من المشاعر الإنسانية العميقة، بدرجات مختلفة ومتناقضة أحياناً، حيث التضاريس الجغرافية  الشاسعة، والحكايات التاريخية الجذابة عن الموت والحب والرعب والغيرة والفقد، والسعادة، والأمومة والشباب والنضال، والتمرد على الإمبريالية وغيرها عشرات الحكايات، في برنامج ساحر تم تصميمه بحيث يجد الجميع - الكبير والصغير، الرجل والمرأة، المحتفى به والمنسي - قيمة متساوية، إذ اختار منظمو المهرجان عرض أفلامًا عن الدول والحضارات العريقة، أفلاماً من فجر السينما، وعصر السيلولويد متتبعين أفق التطور الذي سار فيه الفن السابع، ليصل إلي نتيجة مفادها أن الأكوان الكبيرة والصغيرة لها وزن متساوٍ.

احتفاء بالنساء المبدعات

البرنامج الذي يضم نحو ٤٨٠ فيلم يتميز بأنه ثري ومتنوع، فهناك احتفاء بالسينما الصامتة، وتقديم عروض مصحوبة بالموسيقى، فتصبح الموسيقى بطلاً أساسياً في هذه الدورة، كما تعرض أفلاماً تخص النساء، وتكشف دورهن في العملية الإبداعية ما بين التمثيل والتصوير وكتابة السيناريو، حيث يتم تكريم الممثلة الإيطالية آنا ماجناني Anna Magnani - بمناسبة مرور خمسين عاماً على وفاتها، والاحتفاء بالمصورة الممثلة والمخرجة الناشطة الجندرية نان جولدي والتي تعد إحدى أجرأ الفنانات الرائدات من أبناء جيلها في الخمسنينات

مثلما، يحتفي المهرجان بكاتبة السيناريو الإيطالية سوسو تشيتشي داميكو Suso Cecchi d’Amico، التي توفيت عام ٢٠١٠، وأصدر المهرجان عنها كتاباً مهم للغاية بقلم ابنتها الأصغر كاترينا داميكو، وأقيمت من حوله ندوة هائلة لنحو ساعتين شاركت فيها بناتها كاترينا وسيلفيا، وانتهت بالتصفيق طويلاً لهما نتيجة التأثر العاطفي بالحياة التي عاشتها الأم  تلك الشخصية الدرامية، وكذلك أسرتها ومدى الاختلاف الكبير بين عوالم الأم والأب الذي انخرط في عالم السياسية وتأثير ذلك على الأبناء، كان السرد الذي قامت به كاترينا مشوقاً، بالإضافة إلى تدخلات من جانب سيلفيا، كانت مداخلات سيليفا قصيرة لكنها مهمة وأقرب إلي الرتوش القوية التي تُوضح الأشياء، مما جعل الوقت يمر دون الشعور به

عن الحب، والوقوع في الحب

كذلك، من بين التكريمات وإصدارات المهرجان بالدورة السابعة والثلاثين التي تمتد بين ٢٤ يونيو الجاري و٢ يوليو القادم - في هذه المدينة الثقافية والمشهورة بأنها الأكثر يسارية - إصدار كتاب صور موسترا، إضافة إلي كتاب توثيقي ضخم عن المخرج التونسي الرائد ألبير سمامة شيكلي، الذي يُعتبر الرائد السينمائى الأول في أفريقيا، والذي قام المهرجان بترميم عدداً من أفلامه، وسيتم عرضها، إضافة إلي احتفالية خاصة عنه ضمن الاحتفال بمئوية السينما التونسية، والتي لن تتوقف عند حدود المهرجان البولوني العريق.

ولكن وفق تصريح المخرج التونسي محمد شلوف سوف يُواصل هؤلاء المحاربون في مهرجان «إعادة إكتشاف الأفلام» دورهم وإسهاماتهم في دعم مهرجان قرطاج، نهاية أكتوبر القادم، حيث سيقدمون نسخاً مرممة من أفلام سمامة للعرض بتونس، كما سيُرسلون ماكينة عرض حديثة ٣٥ملم استخدمن للمرة الأولى فقط بهذه الدورة، ليتم العرض في قرطاج من خلالها، إضافة إلى المساهمة في ترميم أفلام تونسية آخرى

للحب مكان قوي في هذه الدورة، الحب والشغف بالسينما، وكذلك الحب الرومانسي بأشكاله، لذلك تم تخصيص جانب من البرنامج بعنوان «في موود الحب» In the Mood for Love، حيث يعرض أربع قصص كلاسيكية وعاطفية عن الحب، من هوليوود في عشرينيات القرن الماضي من هنري كينج «ستيلا دالاس» - الذي شهد حضوره في الساحة الكبيرة «بياتزا ماجوي» نحو خمسة آلاف مشاهد - إلى العلاقات المضطربة للمخرج الشهير فريد زينمان ورائعته «من هنا إلى الأبد» ذلك المخرج الذي كان يريد أن يصبح عازفاً للكمان، لكنه وقع في غرام السينما أثناء دراسته للقانون، وأصبح مهتمًا بشكل متزايد بالفيلم الأمريكي وقرر أن هذا هو ما يريد فعله، فانخرط في صناعة الأفلام الأوروبية لفترة قصيرة قبل أن يذهب إلى أمريكا لدراسة السينما. إضافة إلي فيلمي Love Me Tonight للمخرج روبن ماموليان، و The Love Test، للمخرج مايكل باول. إنه برنامج عن الوقوع في الغرام، لكنه أيضاً يجعلنا نقع في حب السينما

أشكال للثقافة السينمائية 

ما المقصود بدار العرض السينمائي؟ وما الذي يمكن أن تُقدمه للناس؟ بمعنى آخر؛ ما هي السينما، وماذا يمكن أن تقدم للناس؟ مجموعة من التساؤلات وضعها فريق العمل لهذه التظاهرة السينمائية الاستثنائية للمساهمة في رفع وعي الجمهور وتهذيب ثقافته، إذ لم يكتفوا بإصداراتهم السينمائية التي من المؤكد أنها تساهم بمقدار كبير وعميق في رفع هذا الوعي، مؤكدين على أنه «مثل قصيدة رينوار المبهجة والملونة لعالم المسرح وعن الحياة نفسها، أنه من المستحيل فصل الفن السينمائي - الذي هو محور اهتمامهم - عن الأشخاص الذين صنعوه.» لذلك سيكون صناع هذه الأفلام حاضرين ليشاركوا الجمهور في بولونيا تلك التجربة وذلك الشغف، لذلك لن يكون غريبا أن تجد كوستا جافراس قادما .  

من هذا المنطلق، فإن الدروس والمحاضرات هى ملمح أساسي في هذه الدورة من المهرجان، فهناك ثمانية عشر محاضرة ودرساً في السينما وتحليلات للأفلام، يقدمها نخبة من أكبر المخرجين المتمرد والثوريين في عالم الفن السابع، منهم على سبيل المثال: فيم فيندرز، ولوكا جوادانيينو، بوبي أفاتي، جو دانتي، والإيراني باربيت شرودر.

كذلك، يتواجد في أروقة وقاعات المهرجان عدد من المحاربين الذين قاموا بحفظ تلك الأفلام وترميمها واستعادتها، إذ كانوا حاضرين داعمين بقوة للمهرجان البولوني، إذ شاركوا في الندوات والمناقشات عن الأرشيف ومشاكل وصعوبات الترميم، مثلما قدموا لهذه الأفلام التي تشكل إرثاً إنسانياً، يجب الحفاظ عليه لأنه ذاكرة إنسانية

 

صوت العرب الأردنية في

27.06.2023

 
 

د. أمل الجمل تكتب:

«إيل شينما ريتروفاتو» البولوني.. الصدارة للموسيقى، والأفضل في عام ١٩٠٣

 
 

يصفها البعض بأنها «جنة عشاق السينما.» لكنها تختلف عن الجنة في أنها حقيقة واقعية، ملموسة ومحسوسة، ويمكن اختبارها، والحكم عليها. إنها تجربة حضور المهرجان البولوني الشهير والعريق «إيل شينما ريتروفاتو» Il Cinema Ritrovato ، كما تُنطق بالإيطالية، أو مهرجان «بولونيا لإعادة اكتشاف الأفلام» المخصص لاستعادة الأفلام المجهولة، والجميلة التي لم تنل حظاً من الشهرة، وتلك الأفلام التي قامت مؤسسة «سينماتيك بولونيا» بترميمها بعد جهود مضنية لعدد من السنوات من البحث بين جميع أرشيفات العالم، ثم السير في خطوات الترميم التي قد تسستغرق أحياناً عقد بالكامل أو عدة سنوات.

بولونيا يهتم بالسينما الأفريقية

بشكل مضاعف تهمنا هذه الدورة كثيراً.. تهمنا كمصريين، كعرب، كأفارقة، ككتاب ونقاد في مجال السينما، وعشاق للفن السابع، لأن هذا الإرث العظيم – من نتاجات الفن السابع – الذي خلفه لنا الأجداد هو إرثنا جميعاً، وهو ذاكرتنا. هذا هو الشعور والانطباع القوي الذي سيخالج أي إنسان أثناء حضور فعاليات هذه المهرجان الذي يعرض نحو ٤٧٠ فيلماً في نحو ١٥ مسرح سينمائى، ما بين قاعات عرض سينمائية وشاشات في الهواء الطلق في الساحات البولونية الشهيرة، وذلك على مدار تسعة أيام تمتد خلال الفترة ٢٤ يونيه وحتى ٢ يوليو القادم.

تتمير الدورة السابعة والثلاثين من المهرجان – الذي يُقام ويُنظم في واحدة من أعرق المُدن الإيطالية النابضة بالحياة – بأنها تحتفي بالسينما الأفريقية، وتخصص ندوة عنها، وعن أرشيفها، وأصدرت كتاباً عن أحد أهم روادها – التونسي ألبير سمامة شكيلي – يمكن الحصول عليه بأربعين يورو ضمن معرض الكتاب الذي ينظمه المهرجان ضمن أروقته.

على صعيد آخر، تعرض أفلاماً أفريقية – تم ترميمها حديثاً – في عروضها الأولي لأشهر وأعظم المخرجين الأفارقة والرواد منهم التونسي ألبير سمامة شكيلي، بمناسبة مئوية السينما، كما تعرض فيلم Cdddo الذي تم ترميمه حديثاً لأبو السينما الأفريقية عثمان سمبين، وهو المخرج السينغالي الذي لفت أنظار المهتمين بالسينما إلي أفريقيا، مثلما نال جوائز دولية وتعرض للرقابة، ويتم التقديم للفيلم بحديث عن ظروف عملية الترميم وذلك بمشاركة أحد الخبراء المساهمين في هذه العملية وذلك بحضور ابنه آلان سمبيين، كذلك يعرض الفيلم السينمائى السنغالي البديع Yam Daabo للمخرج إدريس ويدراوغو – Idrissa Ouedraogo، من إنتاج عام ١٩٨٧ . فيلم شديد الأهمية، على المستوى الفكري والإيدولوجي وقبل كل هذا فيلم مهم باللغة السينمائية الساحرة والهامسة التي قدم بها المخرج أفكاره على مدار شريطه السينمائى الذي يبلغ ساعة و٢٠ دقيقة. والذي يحكي عن الفقر والبؤس المتفشيان في إحدى القرى في الساحل، وهناك كان لزاماً على السكان أن يختاروا ما بين البقاء وانتظار المساعدة الدولية أو المغادرة إلى مناطق أكثر خصوبة في البلاد لكنها ستكون رحلة محملة بالمخاطر والثمن الذي يجب دفعه.

من أفريقيا أيضاً، وتحديداً من مصر وسورياً، يعرض المهرجان البولوني فيلم «المخدوعون» للمصري توفيق صالح والذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما في سوريا، فبعد أن نجح السينماتيك البولوني في العثور على نسخة نيجاتيف منه، أسرعوا بالبدء في عمليات الترميم، وبعد الانتهاء منها سيتم عرضه جماهيرياً اليوم، منتصف نهار ٢٧ يونيو في أحد أكبر قاعات السينما هناك وهى «قاعة جولي»، مثلما تعرض أفلام عربية آخري منها «أحلام المدينة» لمحمد ملص، و«نساء فسلطينيات» للمخرجة الراحلة جوسلين صعب، و«نادية والذئاب» اللبنانية هايني سرور التي شاهدتها كاتبة هذه السطور تواظب على حضور عدد كبير من الأفلام بحماس طوال أيام المهرجان.

الموسيقى تُعزز «ستيلا دالاس»

مرة أخرى، تحتل الموسيقى مركز الصدارة، والشاشة المركزية في مهرجان «إيل شينما ريتروفاتو»، فالبرنامج مليء بالأحداث الموسيقية خصوصاً مع الأفلام الصامتة، الطويلة والقصيرة، وقد بدأ ذلك منذ مراسم الافتتاح في سينما جولي، منتصف نهار ٢٤ يونيو، في حضور مديري المهرجان الذين قاموا بقص الشريط الافتتاحي للنسخة السابعة والثلاثين: وهم سيسيليا سينسياريلي، جيان لوكا فارينيلي وإحسان خوشباخت، وماريان لوينسكي، حيث رافق هذه اللحظات عزف على البيانو قام به دانييل فورلاتي،
ثم، في الرابعة من ذات اليوم عرض فيلم روبن ماموليان القصير The Flute of Krishna إنتاج أمريكي 1926، والذي رافقه ستيفن هورن على الفلوت.

على صعيد آخر مهم، أثناء فعاليات المهرجان تعود أوركسترا بولونيا – Teatro Comunale di Bologna – إلى أهم مسرح في أكبر ساحة في المقاطعة وهى ساحة «بيتازا ماجوري» – Piazza Maggiore لحضور حفلتين سينمائيتين مذهلتين بقيادة المايسترو العالمي تيموثي بروك Timothy Brock.

كانت الحفلة الأولى ليلة أمس، الإثنين الموافق السادس والعشرين من يونيو الجاري، حيث رافقت الأوركسترالية الكاملة أحداث الفيلم الصامت «ستيلا دالاس» للمخرج هنري كينج، كانت أمسية خرافية امتدت لساعتين، حتى منتصف الليل، واختتمت بالتصفيق الحماسي للجماهير الحاشدة لما يزيد عن خمس دقائق متواصله، كانت ليلة أسطورية في جمالها، بنفس القدر كانت كاشفة لأهمية دور الموسيقى في تكثيف المشاعر وإثارتها وتعزيزها. إنها أحد الهبات والمنح التي أكسبت السينما الصامتة بقائها وصمودها خلال تلك السنوات. هل لنا أن نتخيل أن فيلماً صامتاً أنتج عام ١٩٢٥ يمكن أن يجعل الدموع تعرف طريقها على وجوهنا في بعض مشاهده؟ هذا ما أنجزته وأثبتته الموسيقي ليلة أمس.

«معجب السيدة ويندرمير»

تدور أحداث الفيلم حول الفوارق الاجتماعية بشكل خفي، وعدم قدرة البعض الخروج من جلده والانتماء للطبقة الأعلى اجتماعياً حتى في ظل توفر المادة. هنا، تتزوج فتاة فقيرة متواضعة لكنها طموحة تُدعى ستيلا من رجل المجتمع ستيفن دالاس عقب انتحار والده، لكنها لا تشترك معه في بساطته الأنيقة واهتماماته، فكل شيء يجمعها محكوم عليه بالفشل. بعد ولادة ابنتهما لوريل ستنفصل العائلة ويعود ستيفن دالاس إلى نيويورك. عندما تكبر لوريل وتصبح امرأة شابة تُدرك ستيلا أنها لا تستطيع إعالتها ابنتها بشكل صحيح ينتمي للطبقة الراقية، فترسلها للعيش مع ستيفن وعائلته الجديدة. لكن حتي تنجح هذه الخطوة ستكون هناك تضحيات مؤثرة جدا من الطرفين؛ الأم والابنة، في النهاية تتزوج لوريل من شاب لطيف من الطبقة العليا بينما تقف ستيلا تحت المطر تراقب الحفل من خلال القضبان الحديدية لسور حديقة الفيلا التي تسكن فيها عائلة ابنتها.

الليلة الثانية للأوركسترا ستكون يوم الثلاثين من يونيو، حيث تصحب الفرقة الأوركسترالية بقيادة تيموثي بروك – لمدة ساعتين – عرض فيلم «معجب السيدة ويندرمير» Lady Windermere’s Fan للمخرج إرنست لوبيتش، والمنتج عام ١٩٢٥، والذي تدور أحداثه في إطار كوميدي حيث تعتقد سيدة مجتمع أن زوجها على علاقة غرامية، وهو تخمين خاطئ سيترتب عليه عواقب شخصية وخيمة على جميع المعنيين.

هناك سهرة إضافية للموسيقى مع كل من الأفلام التالية: «السيدة بيوديت المبتسمة» La Souriante Madame Beudet للمخرج جيرمين دولاك، ومع فيلم «صوت العندليب» La Voix du rossignol والذي يشبه الحلم، ثم الفيلم الكوميدي La fuga di Socrates، إلي جانب أمسية آخرى عبارة عن حفلة موسيقية من ستينيات القرن الماضي، مخصصة بالكامل لعرض 16 ملم.

كذلك، من بين أكثر العروض التي تمت في أجواء أكثر حميمية كانت في ساحة بيتازا بازوليني – Piazzetta Pasolini – ليلة ٢٥ يونيو حيث قام الثنائي الرائع فرانك بوكيوس على الدرامز، وجون سويني على البيانو، بتقديم موسيقى لرحلة برنامج الأفلام المختارة تحت عنوان «أفضل ما في السينما في عام 1903». كانت تجربة ساحرة خصوصاً مع آلة العرض الجديدة/ القديمة ٣٥ ملم، حيث كان الجمهور يُرواح بين النظر لشاشة العرض لمتابعة الأفلام، ثم ينظر للخلف ليتأمل هذه الماكينة العريقة – رغم أنها نسخة جديدة – والتي يعود تاريخها لنشأة السينما وفجر مولدها، كأننا نراوح بين الماضي العريق والحاضر، كأننا نسافر بين زمنيين ومكانين رغم أجسادنا القابعة على الكراسي البسيطة في ساحة بياتزا باوليني. فقد كان الضوء الفاتن ودخان جهاز آلة العرض الكربوني يعزز سحر اللحظة.

 

موقع الـ arabtribune في

27.06.2023

 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004