جديد الموقع

 
 
 

عنوان الصفحة:

مجلة «الفيصل»: ملف خاص عن السينما في الخليج والسعودية خاصة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

عناوين الملف

 
   
   

السينما في السعودية أكبر من مجرد افتتاح صالة عرض

ــ الفيصل

السينما ممارسة اجتماعية منظمة

عبدالسلام الوايل

خطوات لسد الفجوة الزمنية التي ساد فيها الظلام

فهد اليحيا

   

انتهت تحديات وبدأت أخرى

سلطان البازعي

السينما في السعودية من الأحواش إلى قاعات الآيماكس المتطورة

خالد ربيع السيد

السينما في البحرين تفاوت في تناول القضايا وطرح الهواجس التي يعج بها المجتمع

أمين صالح

جامعة عفت تتفرد بتدريس فنون السينما للسعوديات

ــ الفيصل

نظرة على السينما السعودية.. ولادات ما قبل الولادة المفاجئة

إبراهيم العريس

مخرجات سعوديات يعالجن قضايا المرأة برسالية وشغف سينمائي

فهد الأسطاء

السينما الكويتية.. بس يا بحر

خالد الصديق

سينمائيون سعوديون.. نستعد للأفلام الطويلة.. والوصول إلى «كان» لم يكن ضربة حظ

هدى الدغفق

طفرة في سينما الخليج

طارق الشناوي

السينما الإماراتية دراما وكوميديا وأكشن وخيال علمي والتحرر تدريجيًّا من عباءة المهرجانات

غسان خروب

سينما عمان.. من منبر للسلطة إلى معالجة القضايا الشائعة

أمل السعيدي

الطموح لبناء صناعة سينمائية

أمير العمري

   
 
 
 
 
 
     
 

 

الفيصل - خاص

يوليو 2018

 

 
 
 

السينما في السعودية أكبر من مجرد افتتاح صالة عرض

 
 

تشترك دول الخليج في الشغف المبكر للسينما، فرجة وإنتاجًا. وتشترك بعض هذه الدول في إنتاج سينمائي لافت، جاء باكرًا أيضًا. وبين البدايات الأولى وما نشهده حاليًّا من طفرات فلمية، مدةٌ زمنية طويلة يراها النقاد غير مبررة. عقود من الزمن بدت مثل شاشة خالية، بلا إنتاج فلمي يمكن الاعتداد به، ويعمق الانفرادات الأولى، فلم مثل «بس يا بحر» للكويتي خالد الصديق، ثم «عرس الزين»، لم يتعززا بأفلام أخرى من المخرج نفسه، بالقوة والمتانة نفسيهما. وهكذا الحال مع السينما في البحرين، التي بدورها قدمت أفلامًا مهمة، في مرحلة مبكرة.

في الأعوام الأخيرة شهدت بلدان الخليج طفرة لا نقول سينمائية، إنما «فلمية» عبر موجة لافتة من الأفلام القصيرة، التي عثر فيها مخرجون شبان على هوية لهم ومدخل إلى عالم السينما الكبير، وشجع على ذلك انطلاق مهرجانات مهمة مثل مهرجان أبوظبي السينمائي، ومهرجان دبي الدولي للسينما، الذي ينفتح على سينما العالم، رغم الغموض الذي يكتنف استمراره.

سعوديًّا، يوجد مهرجان أفلام السعودية، ومهرجان جدة للأفلام، اللذان قدما عشرات المواهب الشغوفة بالسينما. أفلام قصيرة كثيرة فازت بجوائز محلية ودولية، وأخرى روائية، قليلة جدًّا، فازت أيضًا بجوائز وتكريم في بلدان مختلفة. لكن على الرغم من عشرات الأفلام ومئات المواهب، فإن نقاد السينما المتابعين لهذه الموجة الخليجية، وفي لحظة شفافية، يقرون أن بين هذه الموجة الفلمية وبين صناعة سينما حقيقية بونًا شاسعًا جدًّا، لا يمكن للشغف وحده والمحاولات الفردية أن تمحوه.

من هنا، يعلق كثير من السينمائيين، سواء أكانوا سعوديين أو خليجيين أو عربًا، على الدخول السعودي الكبير لعالم السينما وما سيتيحه من إمكانات هائلة أمامهم. وتمثل هذا الدخول في تدشين مئات من صالات العرض في مختلف المدن السعودية، والتوجه إلى الصناعة السينمائية، عبر الإعلان عن المجلس السعودي للأفلام وما تحمله أجندته من مشاريع دعم وشراكات مع كبريات الشركات المتخصصة في العالم، والمشاركة التي لفتت الأنظار في مهرجان كان السينمائي في دورته الأخيرة، عبر الجناح السعودي. ويأتي ذلك بعد عقود من الحظر على هذا الفن البديع، الذي يمثل اليوم جزءًا مهمًّا من اقتصاديات عدد كبير من البلدان في العالم. ما يحدث في السعودية سيوفر سوقًا سينمائية لصناع الفلم السعودي والخليجي والعربي، فالسعودية تميزها كثافة سكانية يمكن أن تمثل دعامة لهذا الفن.

لكن السينما ليست فقط صالة عرض أو صناعة فلم، إنما هي أيضًا طقس اجتماعي وتقليد حضاري، يؤشران إلى طبيعة المجتمعات وكيف يروق لها أن تعيش حياتها بين العمل والترفيه. ومن هنا أيضًا، ينتظر أن تتحول صناعة السينما إلى قوة ناعمة يمكن لها أن تؤثر وتغير على الأقل من الصورة النمطية عن المجتمع، وتشييع سنوات من الحظر والظلام إلى نهايتها الحتمية.

«الفيصل» حرصت على مواكبة هذه الخطوات الحثيثة، فكرست ملفها لهذا العدد للسينما في السعودية والخليج، أفردت مساحة للنقاد والباحثين والسينمائيين للحديث عن الشغف بالسينما والتطرق للتحديات والمشاريع المقبلة وعن السبيل إلى صناعة سينمائية فعلية.

     
     
 
 
 
     
 

 

عبدالسلام الوايل

كاتب سعودي

يوليو 2018

 

 
 
 

السينما ممارسة اجتماعية منظمة

 
 

تناولت دراسات عديدة تأثير السينما في المجتمع. وغالبًا يُدرَج أثر السينما ضمن تأثير وسائل الاتصال. لذا، تستخدم نظريات تتحدث عن تأثير وسائل الاتصال الجماهيري بشكل عام ضمن الدراسات عن تأثير السينما. لكن السينما بهذا المعنى ليست جديدة على المجتمع السعودي، فأفراد المجتمع يشاهدون الأفلام منذ عقود. بل يشاهدون ما يريدون من الأفلام منذ ظهرت تقنية الفيديو. وكان لوسائل التواصل الجماهيري أثر هائل في تعميم مشاهدة السينما عبر جعل كل من لديه هاتف ذكي قادرًا على مشاهدة أي فلم يريده، سواء كان مطروحًا قبل قرن أو للتو، متخطين بذلك حاجز التنظيم المحلي.

الذي طرأ على المجتمع السعودي، إذًا، ليس مشاهدة السينما. بل السماح بقاعات سينمائية يذهب إليها الناس فرادى وجماعات لمشاهدة السينما. الجديد إذًا هو السماح بجعل مشاهدة السينما ممارسة اجتماعية منظمة لها ساحاتها وفضاءاتها واقتصادها وطقوسها. ما تأثير ذلك، ما دام تأثيرُ المحتوى نفسه ليس جديدًا وقائمًا من قبل؟

التأثير الأكبر لهذا التطور التنظيمي هو الكلمة التي باتت تتردد كثيرًا على الألسنة مؤخرًا، «حياة طبيعية»، أي أن السماح بالسينما يعيد لنا الإحساس بأننا ننظم مجتمعنا وفق التوقعات المنطقية لعصرنا ومستوى معيشتنا. فالمجتمع العصري، الذي لا إشكال مجتمعي كبير حول رغبتنا بأن نكونه، يتسم بصفات منها أنه لا يمنع وجود صالات سينما. إن منع وجود صالات سينما في مجتمع يعيش، في أساليب حياته اليومية من مسكن ومهن وملبس وفضاءات وطرق قضاء وقت فراغ ومقتنيات، يعيش حياة عصرية، كالمجتمع السعودي كان منعًا مصطنعًا. لذا، حلّت كلمة «طبيعي» في جوهر الوصف لهذا التحول المترافق مع السماح للفنون أن تُقدم وتُعاش في الفضاءات المجتمعية.

«الذهاب إلى صالة سينما» سيدخل حياة سكان السعودية. ستذهب العوائل والأصدقاء بشكل جماعي لمشاهدة هذا الفلم أو ذاك وستكتسي مشاهدة الفلم بطابع الجماعية بشكل أكبر مما كانت عليه من قبل. وستسجل لحظات مشاهدة هذا الفلم أو ذاك ضمن ذكريات المتعة والترفيه للعوائل. ليس الحديث عن تأثير السينما في السعوديين إذًا، بل عن تأثير توافر صالات سينما في المدن السعودية.

تأثير آخر متوقع للسماح بقاعات السينما. ذاك هو التأثير الإيجابي المحتمل لسماح كهذا على صناعة سينما سعودية. فتوافر سوق لعرض الأفلام تعرض فيه الأفلام بشكل يحافظ على حقوق الملكية الفكرية من المتوقع أن يساهم في نهوض صناعة سعودية للسينما. إن حدث ذلك، يكون المجتمع والثقافة السعوديان قد حازا آلة جبارة لصوغ العقول والأذهان. فتأثير السينما في العقول والأفئدة عظيم. وصناعة السينما يمكن لها أن تعزز المشاعر الوطنية. وكما قال جواهر لال نهرو: إن تأثير السينما الهندية في الشعب يفوق تأثير كل الصحف والكتب مجتمعة. بمعنى أن السينما أداة تواصل جبّارة. بل يجادل بعض الدارسين لتأثير السينما في المجتمع بأن السينما لم تعد فقط انعكاسًا للواقع بل هي شريك في صناعته. إنها إحدى أدوات تمرير المواقف والاتجاهات والمعتقدات والقيم ومختلف عناصر ثقافة المجتمع. وما دامت الحال كذلك، فإنه يحسن بالمجتمع، كي يستمر في إمداد أفراده بقيمه ورؤاه وكي ينجح في نقل تراثه للأجيال الجديدة، أن يحوز هذه الأداة الفعالة في تشكيل القيم وبناء «رؤية العالم». ومن المناسب تذكر التأثير الفعال للأعمال السينمائية والتلفزيونية المصرية في تعميم اللهجة المصرية على الشعوب العربية وجعلها اللهجة الأكثر قابلية للفهم، بعد اللهجات المحلية، في أي بلد عربي. ويحسن أيضًا تذكر التأثير المماثل لأعمال الكوميديا السعودية في السنوات الأخيرة في نقل بعض مفردات اللهجات السعودية لخارج السعودية وإدخالها الاستخدام اليومي في بعض الحالات.

المجلس السعودي للأفلام خطوة أولى لدعم السينما

يأتي تأسيس المجلس السعودي للأفلام، بحسب الهيئة العامة للثقافة، كخطوة أولى لدعم قطاع الأفلام والمحتوى الإبداعي في المملكة كأحد خمسة قطاعات رئيسية تعمل الهيئة العامة للثقافة على دعمها وتطويرها، وتعد من الأمور التاريخية الثقافية للمملكة؛ إذ إنها تتعلق بقطاع يعد رئيسيًّا في دعم النمو الاقتصادي والتنمية بشكل عام.

يهدف المجلس السعودي للأفلام الذي أسسته الهيئة العامة للثقافة، إلى تطوير قطاع حيوي وبيئة مزدهرة لصناعة الأفلام والمحتوى في المملكة، من خلال آليات التنمية الإستراتيجية والمستدامة عبر المحاور الرئيسية للقطاع: برامج التنمية والرعاية المتكاملة للمواهب، والأطر التشريعية والتنفيذية الداعمة والمرنة، والبنية التحتية والتقنية المتطورة للإنتاج الفني، وإتاحة الحلول والخيارات التمويلية، ومبادرات تطوير القطاع الثقافي بشكل عام في المملكة. وبدأت السعودية بإصدار تراخيص لدور العرض السينمائي تمهيدًا لإعادة فتحها بعد رفع حظر استمر عقودًا، ضمن خطة إصلاحات واسعة. وقالت وزارة الثقافة والإعلام: إنها «استكملت جميع الشروط. وتسعى شركات السينما الكبيرة لدخول السوق السعودية التي تضم أكثر من 30 مليون شخص، غالبيتهم دون سن 25 عامًا. ووقعت الشركة الأميركية «إيه إم سي إنترتينمنت»، أكبر مشغل لدور السينما في العالم، مذكرة تفاهم مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي لبناء وتشغيل دور سينما في المملكة. وستواجه إي.إم. سي منافسة شرسة من شركات كبيرة مثل فوكس.

وبادر المجلس السعودي للأفلام في أولى أعماله بتنظيم الجناح السعودي في مهرجان كان السينمائي في دورته الماضية، ولفت الجناح السعودي في مهرجان كان الأنظار، وزاره بعض كبار نجوم السينما في العالم. وشهد الجناح أفلامًا سعودية، وعقد ندوات حول قضايا السينما في السعودية. وأعلنت الهيئة العامة للثقافة إطلاق برامج دعم لصناعة الأفلام في المملكة، وتشتمل على برنامج للمنح الوطنية لدعم المشاريع السينمائية في مرحلتي الإنتاج وما بعد الإنتاج، والشراكات الدولية مع مراكز عالمية في السينما، إضافة إلى برامج دعم لاسترجاع ما قيمته 35% من النفقات على الأفلام التي يجري تصويرها داخل المملكة. وتهدف هذه البرامج، بحسب الهيئة، إلى الارتقاء بقطاع الأفلام المحلي، وتطوير المواهب، وخلق فرص عمل جديدة، وإنعاش قطاع السياحة، وتعزيز التفاعل مع مجتمع الأفلام العالمي. ويعول عدد كبير من المشتغلين في السينما السعودية على المجلس السعودي، في دعم مشاريعهم وتحويل آمالهم إلى واقع سينمائي حقيقي.

     
     
 
 
 
     
 

 

فهد اليحيا

عضو لجنة

تحكيم في مهرجان أفلام السعودية

يوليو 2018

 

 
 
 

خطوات لسد الفجوة الزمنية التي ساد فيها الظلام

 
 

الخطوات باتجاه السينما، مباركة وحثيثة لسد الفجوة الزمانية التي ساد فيها الظلام. السينما وسيلة ترفيه بالدرجة الأولى ونحن البلد الوحيد في العالم الذي كان يخلو منها! سيكون جميلًا أن يذهب المرء وأسرته أو مجموعة من الأصدقاء لمشاهدة فلم. من ناحية أخرى، هي وسيلة ثقافية وكذلك سلاح إعلامي ناعم إذا استخدم بحرفية بعيدًا من الوعظ والمباشرة.

ستوفر السينما -إضافة إلى بعدها الترفيهي الاجتماعي وهو الأمر الأساسي- فرص عمل عديدة للجنسين ومشاريع تجارية ذات علاقة بدار السينما. وستكون دور العرض مصدرًا لدخل إضافي كبير. المشاركة السعودية في مهرجان كان خطوة ممتازة لتعريف السينمائيين العالميين بالسينما السعودية، ومحاربة الصورة النمطية المتخلفة وغير الحقيقية التي تشكلت عبر عقود من الانغلاق. إذ نشهد عهدًا تقدم فيه السعودية وجهها الثقافي إلى العالم. وكنت قد تشرفت بالذهاب إلى موسكو ضمن الوفد الثقافي أثناء زيارة خادم الحرمين الشريفين، وكان احتفاء الجمهور الروسي بالثقافة السعودية كبيرًا، وحظيت العروض السينمائية بإقبال كبير ونالت الإعجاب والاستحسان.

300 فلم

في كل الدول (باستثناء فرنسا وربما أميركا وبريطانيا) بدأت دور السينما قبل أن تبدأ صناعة الأفلام. نحن فعلنا العكس قمنا بصناعة أفلام (ولا أقول صناعة السينما) قبل أن تتوافر لدينا دور عرض سينمائية حقيقية. أنتج السعوديون أكثر من 300 فلم معظمها قصير والأفلام الطويلة لا تتجاوز 10 حتى الآن. أتمنى أن يكون هناك شرط يوجب عرض فلم سعودي قصير مميز في بداية عرض كل فلم في دور السينما! الفلم الطويل مكلف ويستغرق وقتًا وجهدًا، ولخلق صناعة سينمائية يجب أن تكون هناك مدينة للإنتاج السينمائي. وأضيف أيضًا يجب أن يكون هناك تمويل قوي وتسويق ماهر وعلاقات دولية فنية، وأن يكون لدينا أكاديمية للفنون الدرامية بأنواعها وفيها أقسام للسيناريو والإخراج والتمثيل والنقد السينمائي!

تحديات

التحديات عديدة أولها التمويل ورأسمال يريد الربح والمكسب أو على أضعف الأيمان استرداد قيمة التكلفة. أتمنى أن تُنتَج في السعودية أفلام عالمية (عندنا تنوع كبير في التضاريس والطبوغرافيا) ويشارك فيها السينمائيون السعوديون ويعمل المخرجون السعوديون الشباب فيها كمساعدي إخراج، قبل أن يقدموا على صنع أفلامهم الروائية. بالمناسبة أقرأ هذين اليومين رواية قصيرة «حريملاء» للكاتبة المصرية «أسماء عواد» وأراها تصلح لأن تكون فلمًا سعوديًّا- مصريًّا مشتركًا! شاهدت أفلامًا سعودية قصيرة تضاهي الأفلام القصيرة التي تُنتَج في دول عريقة في صناعة السينما. مجموعة صُنّاع الأفلام السعوديين يتحلون بمهارات كثيرة والجميل أنهم حريصون على تطوير قدراتهم ومهاراتهم ومتابعة كل جديد. وتتنوع أفلامهم في الشكل والتكنيك والموضوعات. وإن كان أغلبها يتجه إلى الواقعية بأسلوب سرد سينمائي تقليدي إلا أن هناك أفلام خيال علمي وأفلام رعب وأفلامًا رمزية. أذكر هنا فلمًا أعجبني كثيرًا «حورية وعين» للمخرجة شهد أمين، وهو يدخل ضمن فئة الفلم الرمزي وحولته شهد أو استوحت منه فلمها الطويل الأول «حراشف». أذكر أيضًا فلم «عطوى» وهو فلم «غرائبي» جميل لـ«عبدالعزيز الشلاحي» ويمكن أن يدرج أيضًا تحت نوعية أفلام الطريق. وهي الأفلام التي تدور أحداثها في طريق سفر.

مأخذي الدائم على معظم الأفلام السعودية حتى الآن هو ضعف الحوار؛ إذ ما زال أسيرًا للحوار الإذاعي أو المسرحي. في حين الحوار السينمائي يجب أن يكون قصيرًا وألّا يقول الحوار ما يمكن قوله بالصورة. هناك استثناءات وهي الأفلام الحوارية مثل: «فضيلة أن تكون لا أحد» لبدر الحمود، وفلم «المغادرون» لعبدالعزيز الشلاحي! بقي شيء آخر هو النصوص (السيناريو) يشكو الكثير من صانعي الأفلام في السعودية من غياب النصوص السينمائية الجيدة.

     
     
 
 
 
     
 

 

سلطان البازعي

الرئيس السابق لمجلس إدارة الجمعية السعودية

للثقافة

والفنون

يوليو 2018

 

 
 
 

انتهت تحديات وبدأت أخرى

 
 

كل ما تم حتى الآن فيما يخص السينما هو في ظني خطوات في الاتجاه الصحيح، وهي خطوات بشرت بها رؤية المملكة 2030م حينما أعطت مساحة كافية للثقافة والترفيه بوصفهما من مقومات جودة الحياة، وبوصفهما أيضًا صناعة ستضيف أرقامًا إلى الناتج القومي الإجمالي. الثقافة عاشت في بلادنا سنوات طويلة تعتمد على اجتهادات فردية من المبدعين وبعض المتحمسين من الإداريين، ولم يكن يوجد لها إطار تشريعي واضح يضع قواعد الانطلاق والتمكين للمبدعين. والسينما ليست استثناء، بل إن الرؤية رأت فيها ساحة للإثراء الثقافي وصناعة قادرة على التوظيف وعنصرًا اقتصاديًّا مهمًّا، كما أنها بالتأكيد سلاح قوي في ترسانة القوة الناعمة للوطن كنا نفتقد وجوده كثيرًا.

افتتاح الصالات هو القاعدة التسويقية كبيرة الأهمية، والمجلس السعودي للأفلام ينتظر منه أن يلعب دور المشرع والممكن للسينمائيين ليقدموا إنتاجهم، والمشاركة الرسمية في محفل سينمائي مهم مثل مهرجان كان دليل على أن الدولة تدعم وبقوة تطوير هذه الصناعة. فقط كنت أتمنى وما زلت أن تكون المشاركة في هذه المهرجانات من طريق مؤسسات المجتمع المدني القائمة التي ستنشأ مستقبلًا؛ لأن العقلية الغربية لا تستوعب الحضور الحكومي في محفل ثقافي.

وبكل تأكيد، الصناعة.. أي صناعة لا يمكن أن تقوم دون سوق محلي قادر على دعمها، ولا يمكن أن تقوم صناعة –وبخاصة الثقافة- على أساس التصدير، ففي الثقافة والإبداع أنت عالمي بقدر ما تكون محليًّا. وعلى المستوى الإنتاجي فإن السوق المحلية هي التي ستعيد رأس المال المستثمر في الفلم وقد تحقق له الأرباح الأولى قبل أن ينطلق للأسواق العالمية. ولست قلقًا من صلاحية الفلم السعودي للعرض في الصالات والفوز بثقة شباك التذاكر، ذلك أن الأفلام الروائية الطويلة الثلاثة التي أنتجت خلال الأعوام الأخيرة، وحققت نجاحًا في المهرجانات وفي العرض التجاري خارج المملكة يمكن أن تحقق حضورًا كبيرًا في السوق السعودي، وأنا أشير هنا إلى أفلام «وجدة» لهيفاء المنصور، و«بركة يقابل بركة» لمحمود صباغ، و«بلال» لأيمن جمال. وكل هذه الأفلام أنتجت بمغامرة استثمارات خاصة أو بدعم من صناديق أجنبية، لكنها لو أنتجت بوجود الصالات في المدن السعودية لتغير حالها الإنتاجي، ولتسابق المنتجون لدعمها لأنها قصص جيدة. وأنا متأكد من قدرتها على الصمود في العرض المحلي لأسابيع عدة.

من ناحية، انتهت تحديات وبدأت تحديات من نوع جديد. فقد حصل السينمائيون السعوديون على الاعتراف الرسمي بوجودهم وأهميتهم، وتحقق حلمهم بقيام منافذ اتصالهم بجمهورهم الأولي. ويبقى أمامهم تحدي الإخلاص لفنهم وتقديم أعمال ترقى لتحدي مواجهة الجمهور وهو الناقد الأكبر والأكثر أهمية، وعدم الخشية من دخول مغامرة إنتاج الأفلام الطويلة. التحديات الأخرى تبقى في ملعب الجهات الرسمية مثل الهيئة العامة للثقافة والمجلس السعودي للأفلام الذي شكلته الهيئة، لاستكمال منظومة التشريعات التي تحفز على قيام بقية عناصر الخط الإنتاجي بدءًا من معاهد التعليم والتدريب على المهن المختلفة التي تتطلبها الصناعة، إلى حفز وتمكين قيام شركات إنتاجية برؤوس أموال كافية، ووصولًا إلى تأسيس صناديق لتمويل الإنتاج النوعي والجاد من الأفلام التي قد لا تغري المستثمرين كثيرًا، فعلينا أن نتوقع، بما أننا نتجه إلى سوق مفتوح، أن يتكون لدينا إنتاج يهدف بشكل رئيس لمغازلة شباك التذاكر مع قيمة ثقافية أقل.

     
     
 
 
 
     
 

 

خالد ربيع السيد

ناقد سينمائي

يوليو 2018

 

 
 
 

السينما في السعودية من الأحواش إلى قاعات الآيماكس المتطورة

 
 

تغير كثير من الأمور عشية افتتاح أول صالة عرض سينمائي في مركز الملك عبدالله المالي بالرياض. وبدا الجمهور المعني بالسينما وغواياتها، على موعد مع حقبة جديدة، لا تقتحم فيها السينما حياة السعوديين من جديد بعد حظر استمر عقودًا، إنما تخرج أيضًا من الأحواش التي كانت تعرض فيها إلى فضاء مختلف كليًّا. حقبة مليئة بالوعود لجمهور السينما ولصناعها أيضًا من السعوديين.

لنعد لليلة الافتتاح، ونذكر أن الشركة التي عقدت معها هيئة الإعلام المرئي والمسموع، وهي شركة AMC المشرفة على إدارة دور السينما في المملكة والعازمة على تدشين مئات الصالات السينمائية المجهزة حسب المعايير العالمية، جهزت منصتها المعنية بالأمر وفق سقف عالي «هاي كلاس» بتوفير أحدث النظم السينمائية بما تشمله من شاشات تعتمد تقنيات الصورة والصوت بنظام الآيماكس IMAX الأكثر تطورًا في العالم، الذي يتطلب نوعية خاصة من الأفلام وماكينات العرض التي توفر وضوحًا عاليًا للصورة، ناهيك عن فخامة الصالة ذات المقاعد الوثيرة والتكييف المنعش والمرافق المتكاملة، المعدة لراحة الجمهور.

بالطبع لا يغيب عن الإدراك أن المؤشرات الأولية تومئ إلى صناعة سينمائية ناهظة في المملكة، ومقبلة على مستقبل زاهر، نظرًا للتوجهات الجديدة في التحول الوطني ورؤية المملكة المستقبلية الهادفة إلى إنشاء دور العرض تباعًا حتى تصل إلى 30 صالة في 15 مدينة سعودية، وتحقيق دخل يصل إلى مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، وافتتاح من 50 إلى 100 صالة عرض في 25 مدينة حتى 2030 وتحقيق نحو خمسة مليارات بعد التعاقد مع شركة فوكس vox الأميركية.

هذه التوجهات وهذا الحراك الاستثماري السينمائي المواكب للعالم، والمتسارع في الإنجاز، قد يحيل إلى موقفين، الغالب منهما إيجابي ومرحب به، ويصب في تأسيس الصناعة وفق خطوات مدروسة، لكن جانبًا آخر محبط ويحيل إلى عزل المستثمر الوطني -متوسط رأس المال- (ربما مؤقتًا في أحسن الأحوال) عن الدخول في سوق السينما العالمية بمفهومها الواسع، فهذه التقنيات تتطلب رأس مال ضخم، وقوى إدارية ولوجستية متمكنة، بما تشمله من علاقات متشابكة مع المنظومة العالمية للسينما، التي يجهل التعامل معها المستثمر المحلي الصغير والمتوسط، ومن ثم يجد نفسه أمام سوق لا يتحكم في أدواتها ولا يعرف آلياتها، ولا سيما أنه آتٍ من خلفية إدارة واستثمار سينما الأحواش الشعبية.

وقبل كل ذلك فإن هذا المستثمر لا يمتلك عناصر الصناعة السينمائية المتكاملة، وهو الأمر الذي يقود إلى تساؤل مفاده: هل يعدّ هذا الحراك المفاجئ في الواقع السعودي حافزًا للمنتج وصانع الفلم السعودي لبذل المزيد في تجويد صناعته؟ أم أنه سيشكل عائقًا يحد من مقدرته على الإنتاج، وفق المعايير التي تتطلبها دور العرض الفارهة والجمهور الفطن.

وفي هذه الحالة فإن الجماهير السعودية العريضة لن ترضى بواقع الأفلام القصيرة التي تخصص فيها المنتج والمخرج السعودي الهاوي، وإن كانت حققت قبولًا ورواجًا في المهرجانات الدولية التي شاركت فيها، ولاقت استحسانًا بين نسبة قليلة من النخب المتخصصة، إلا أنها تظل أعمالًا للتسلية المملة عبر اليوتيوب، لا طائل منها سوى الترويج الإعلامي الذهني وليس الفعلي، فهي لم ولن تدخل ضمن نطاق تجاري مربح، وصانعوها لم يبلغوا الحد الأدنى من الاحترافية، حتى إن اعتقدوا ذلك فهم مخطئون، فالسوق له أرقامه التي لا تكذب، وهم على كل حال قدموا ما بوسعهم، فهم لم يتأهلوا أكاديميًّا (معظمهم) ليحققوا أفلامًا طويلة تجذب جمهور السينما، عدا تجارب تعد على أقل من أصابع اليد الواحدة. وهكذا، فإن الأمر هنا يختلف، فإما أفلام طويلة مصنوعة بتقنيات عالية تناسب القاعات المتطورة وترضي، في اللحظة ذاتها، ذائقة الجمهور بسقفه العالي في المشاهدة. ذلك الجمهور لن يسعد بدفع 75 ريالًا (أي ما يعادل 20 دولارًا) ثمنًا لتذكرة ليشاهد أفلامًا قصيرة وعابرة لا تحقق المتعة، إنما تمكنه من اكتشاف الركاكة الفنية، وتجبره على التساؤل: هل هذه هي الأفلام التي روج الإعلام لها ولأصحابها؟ إذًا فإما الإنتاج بما يرضي الجماهير العريضة وإما الانزواء إلى حين ميسرة!

ممولون جدد للاستثمار السينمائي

وبنظرة متفائلة، ربما، يقود ذلك إلى احتمالية ظهور منتجين ممولين من الشركات الوطنية، ومن رجال الأعمال الذين وثقوا في صانع الفلم السعودي، وربما أغرتهم فكرة الاستثمار في صناعة السينما تدفعهم إلى التمويل، وإلى التدريب والاستعانة بالخبرات الفنية والتقنية لتجويد منتجاتهم. وهنا ليس من المستبعد أن تساهم الشركات التي تعاقدت مع آي إم سي ومع فوكس لتحقيق ذلك، وفق نظرية إكمال حلقات مراحل الصناعة. ورغم ذلك أجد بعض المهتمين متفائلين أو ربما متشائمين، بأن الحراك السينمائي السعودي على مستوى الإنتاج والتمويل والاتجاه للاستثمار سوف يزدهر سواء أكان من جهات حكومية أو أهلية، ولا سيما أن بعض المؤسسات الوطنية أخذت في العمل على بناء صناعة سينمائية قائمة على أسس منهجية، مثل الدورات السينمائية التي تقيمها مؤسسة «مسك الخيرية».

من ناحية، وبنظرة بانورامية متعمقة لكل المعطيات السابقة، فإنه من الأجدى والأثرى أن تفكر هيئة الإعلام المرئي بإصدار تصاريح وفق شروط أقل صرامة للمستثمر الوطني المحدود الإمكانية (صاحب رأس المال المتوسط)، بحيث يتاح له إنشاء دور عرض من الدرجة الثانية، لتكون أقل من دور عرض إيه إم سي وفوكس، تضع شروطها الهيئة وتخضع لرقابتها بتشكيل لجنة من وزارة الإعلام، ولتسمى على سبيل المثال: اللجنة المنظمة لدور العرض من الدرجة الثانية، فتعرض الأفلام بواسطة أجهزة اللابتوب الموصلة بشاشات كبيرة، وذلك بالكيفية المعمول بها بشكل معتاد في الأندية والمهرجانات السعودية للأفلام القصيرة.

كل ذلك يدفع بالتفكير على مربط الفرس والبحث عن نصوص مجودة تحول إلى سيناريوهات تعكس الرؤى والموضوعات السعودية، لتترجم في أفلام ترضي مشاهدها المحلي أولًا، ثم تنقل الثقافة والفن والحراك الحضاري إلى العالم… نصوص في مختلف قوالب السينما: الحركة، والكوميديا، والفانتازيا، والخيال العلمي، والاستعراض، والتحريك، والواقعي… إلخ. مع الأخذ في الحسبان دائمًا حساسية القبول والرفض من ناحية المتشددين دينيًّا، حتى إن خفض صوتهم الإعلامي، وقصت أجنحتهم التفاعلية وخفتت تأثيراتهم الفكرية، رغم أن هيئة الإعلام اشترطت خضوع محتوى العروض للرقابة وفق معايير السياسة الإعلامية للمملكة، بحيث تتوافق العروض مع قيم المجتمع وثوابته، بما يتضمن تقديم محتوى رصين وهادف لا يتعارض مع الأحكام الشرعية ولا يخل بالاعتبارات الأخلاقية، إلا أنها لم تحدد شروطًا فنية للأفلام التي ستعرض على الجماهير، ولم تقترح بأي شكل من الأشكال تشكيل لجنة فنية تجيز الأعمال قبل عرضها على الجمهور.

أسئلة محرضة

لا بد من التنويه إلى أمور عدة، نعكسها هنا في صيغة أسئلة، أولها: هل سيظل الجمهور السعودي يشاهد في قاعاته الأفلام الأميركية المدهشة التي لا طائل منها سوى التسلية العابرة والانبهار بالآلة الأميركية الفذة؟ وهل ستقبل الشركات الأميركية المستثمرة في هذا القطاع (إيه إم سي وفوكس) التعاقد من شركات سينما دولية أخرى لتعرض أفلامها في السعودية؟ وهل سيكون الجمهور السعودي مواكبًا لمشاهدة الأفلام العربية التي تعرض في المهرجانات العربية وتحقق صيتًا طيبًا؟ هل نترقب دورًا تقوم به الرياض بعد تقليص مهرجان دبي السينمائي؟

وإن تابعنا الأسئلة فسنقول: هل ستفكر هذه الشركة في تنظيم مهرجان دولي يحقق الوجود لمنتجاتها ويدعم سوقها في الحيز العالمي؟ فالقائمون على المهرجانات النخبوية المحدودة والمتقطعة التي تقام في جدة والمنطقة الشرقية لا يستطيعون بإمكاناتهم المتواضعة تنظيم مهرجان دولي يساهم في إثراء السوق الذي دخلته السعودية، حتى وإن كانت السعودية هنا تمثل «دكان عرض» لا ينتج ولكنه يسوق ويستهلك.

     
     
 
 
 
     
 

 

أمين صالح

كاتب و ناقد سينمائي بحريني

يوليو 2018

 

 
 
 

السينما في البحرين تفاوت في تناول القضايا وطرح الهواجس التي يعج بها المجتمع

 
 

الأفلام المنتجة في دول الخليج لا تزال، تاريخيًّا، في طور النشوء والتكوّن. لا يمكن القول: إن هناك سينما خليجية ملتحمة عضويًّا، لها ملامح فكرية وفنية وجمالية واضحة وملموسة، أو توحّدها سمات معينة أو ملامح خاصة أو شخصية متفردة تميّزها عن السينما في أقطار عربية أخرى.. لا من حيث الأشكال والأساليب، ولا المضامين التي تطرحها. حتى البيئة، أو جغرافية المكان، لا تبدو مميّزة وفريدة. لدينا فحسب محاولات وتجارب فردية، متباينة المستوى والقيمة، طرحت نفسها في مدة قصيرة زمنيًّا. ومن خلال متابعتي المتواضعة لمختلف التجارب السينمائية في دول الخليج، لا أستطيع بعد أن أحدد سمات معينة تميّز هذه السينما عن بقية المناطق الأخرى.

شخصيًّا أميل إلى مشاهدة أي فلم، بصرف النظر عن مصدره، كنتاج إبداعي إنساني كوني، وأرى إلى أي حد أتفاعل معه، وأتحاور معه، ويؤثر فيّ عاطفيًّا وفكريًّا، ويعمّق أفكاري ورؤاي، من غير التفات إلى جنسيته ولغته ومنبعه. كل فلم له كينونته الخاصة، طرائقه الخاصة، تأويلاته الخاصة، وله حياته المستقلة. لا نقدر أن نجمع الأفلام تحت بطاقة تعريفية واحدة. لقد أنتجت دول الخليج، منذ السبعينيات من القرن الماضي حتى الآن عددًا قليلًا جدًّا من الأفلام الدرامية الطويلة، أما الأفلام القصيرة فكانت تُنتج بناءً على توافر الميزانية، التي هي ضئيلة بطبيعة الحال، وفي بعض الحالات، حسب الأمزجة والأهواء الشخصية، وذلك في أوقات متباعدة وبوسائل متواضعة إن لم نقل فقيرة، وهذه التجارب لم تتزايد وتنتعش إلا منذ سنوات قليلة.

فنيًّا، الأفلام المنتجة في دول الخليج، في معظمها، لا ترقى إلى مستوى الأفلام الفنية التي نحلم بها أو نطمح إليها، أي تلك التي تتناغم فيها الرؤية العميقة للواقع وللحياة، مع الأبعاد الجمالية التي تحققها عناصر فنية بارعة وواعية. لدينا محاولات فردية، بجهود ذاتية طموحة وتكاليف بسيطة، هنا وهناك، استطاعت أن تجد لها موقعًا في مهرجانات عربية ودولية، لكنها لم تستطع أن تؤسس لحركة سينمائية قادرة على أن تفرض نفسها على الواقع، وأن تخلق كوادر فنية مؤهلة بامتياز لتحقيق الأفلام بجودة فنية عالية، وأن تستقطب التمويل اللازم سواء من الحكومات أو القطاع الخاص لدعم هذه الفعالية أو حتى للاستثمار في هذا المجال. هذا لا يعني أن تلك المحاولات ساذجة وبدائية ولا قيمة لها. بالنظر إلى كل محاولة كحالة مستقلة، كفلم قائم بالعناصر الفنية المتاحة والإمكانيات المادية المتواضعة، يتحتم علينا القول بأنها محاولات شجاعة، جريئة، جديرة بالثناء والإعجاب. وفنيًّا، هي لا تخلو من ومضات والتماعات لافتة، قدّمها سينمائيون شغوفون بالفعل السينمائي ويستحقون التقدير والاحترام.

ليس لدينا صناعة سينمائية

من هنا أرى أن من الخطأ التكلم، حتى هذه اللحظة، عن «صناعة سينمائية» بالمعني الحقيقي، فالصناعة تقتضي توافر رأس المال والتمويل والاستثمار، وتتطلب توافر آليات وخطط سليمة للإنتاج المنتظم، الثابت والوافر، إلى جانب وجود أستوديوهات بكل ما تحتويه من أجهزة وفنيين وتقنيين، إضافة إلى المعامل والكوادر الفنية المحترفة في مختلف المجالات العاملة في إنجاز الأفلام، وكذلك وجود شبكات توزيع وما شابه. إذن، لنكن أكثر تواضعًا ونتحدث عن محاولات أو تجارب سينمائية يقوم بها أفراد طموحون، بجهود فردية وبتكاليف بسيطة، وأحيانًا بدعم معقول من جهات معينة، كما في الإمارات، تهمها – حضاريًّا وثقافيًّا وإبداعيًّا – أن تكون هناك سينما، مثلما لدينا مسرح وفن تشكيلي وأدب.

منذ عشر سنوات تقريبًا، شهدت بعض أقطار الخليج طفرة نسبية في إنتاج الأفلام القصيرة والوثائقية، وهذا ما لاحظناه بجلاء من خلال مشاركات المخرجين الشباب في المسابقات والمهرجانات، حيث شاهدنا العشرات من الأفلام القصيرة ذات المستويات المتباينة فنيًّا وتقنيًّا، المتنوعة في موضوعاتها، التي تتفاوت في الجودة والضعف، والعمق والسطحية، والجدة والاستسهال. من المؤكد أن الطفرات التي نشهدها في إنتاج الأفلام هي نتاج المسابقات المحلية والخليجية؛ إذ إن هذه المسابقات، بجوائزها المتواضعة واستقطابها للأقلام النقدية العربية الرصينة، تخلق مناخًا حيويًّا للتفاعل والحوار، وتشكل دوافع وحوافز تشجع السينمائيين على الإنتاج والمشاركة بحماسة في الفعاليات المختلفة.

في البحرين، تكفّل مسرح الصواري، بإمكانياته المتواضعة، ومن غير دعم من المؤسسات العامة والخاصة، بإقامة عدد من المسابقات «المتعثرة»، التي لم تستمر بانتظام، لكنها مع ذلك نجحت في اجتذاب عدد لا بأس به من الشباب الذين قدموا أفلامهم الطموحة. غير أن العديد من هؤلاء أصابهم اليأس وكفوا عن الإنتاج نتيجة تعثّر المسابقة ثم توقفها، رغم دخول نادي السينما كمشارك في تنظيم الفعالية. أما أبوظبي، مثلًا، وتحت إدارة السينمائي مسعود أمر الله، فقد نجحت تظاهرة «مسابقة أفلام من الإمارات» ليس فقط في استقطاب العديد من التجارب السينمائية في الإمارات المتحدة وفي أقطار الخليج الأخرى، عبر دوراتها السنوية، بل ساهمت أيضًا في إبراز مواهب عدد من السينمائيين الإماراتيين، في مجالات الإخراج وكتابة السيناريو والتصوير وغير ذلك، الذين أثبتوا حضورهم بقوة حتى في المهرجانات العربية. لا أستطيع الزعم بأني متابع جيد لمسيرة السينما في الخليج، لكن من خلال مشاهدة عدد من الأفلام الطويلة والقصيرة، أنتجها سينمائيون في دول الخليج، بإمكان المرء أن يقرر أن هناك محاولات طموحة، وتوجهات جادة لتحقيق أفلام تريد أن تقول أشياء عن واقعها، وأن تعبّر بأدواتها البسيطة وإمكانياتها المحدودة عن هموم معينة أو عن أحلام معينة. وهناك أسماء معينة تحاول جاهدة، وبجدية، أن تقدم شيئًا مختلفًا ولافتًا، على مستوى التقنية والمضمون. عمومًا، التحسن والتطور لا يتحققان إلا عبر تراكم التجارب وتعدد المحاولات.

البحرين والشغف بالسينما

عندما نتطرق إلى السينما في البحرين، لا بد أن نشير، عبر النظرة التاريخية، إلى خلفيات المشهد والمكونات التي غرست حالة الشغف بالسينما. لقد تعرفت البحرين على العروض السينمائية التجارية في وقت مبكر قياسًا إلى بقية الدول الخليجية.. كان ذلك في أوائل الخمسينيات عندما شهدت البحرين افتتاح عدد من دور العرض السينمائي، التي كانت تعرض الكثير من الأفلام الهندية والمصرية والأميركية، ذات الطابع التجاري، التي عادة تلقى رواجًا كبيرًا؛ بسبب الافتقار إلى وسائل الترفيه والتسلية الأخرى في تلك الحقبة.

في عام 1968م تأسست شركة البحرين للسينما، التي احتكرت امتلاك دور العرض، وشيدت صالات أخرى جديدة أكثر تطورًا وفخامة، واجتذبت بعروضها جمهورًا واسعًا أخذ يتزايد رغم المنافسة الشديدة من التلفزيون والفيديو. في موازاة ذلك، تأسس نادي السينما في السبعينيات، حيث كان يعرض أفلامًا ذات نوعية مختلفة عن الأعمال السائدة. لكنه توقف بعد سنوات قليلة، ليعاود نشاطه في بداية الثمانينيات، عبر تأسيسه من جديد، بعناصر مختلفة، ولتستمر فعالياته حتى يومنا هذا. فيما يتصل بالإنتاج المحلي للأفلام، كانت شركة البحرين للنفط (بابكو) أول جهة تبادر إلى إنتاج أفلام سينمائية وثائقية وإخبارية تصور مظاهر من الحياة اليومية في البحرين، إضافة إلى الأحداث العامة والاحتفالات والأنشطة الرسمية والأهلية، وذلك بدءًا من عام 1961م.

في عام 1966م بدأ خليفة شاهين، الذي يعد من رواد السينما في البحرين، وتخرّج من معهد الفنون في المملكة المتحدة عام 1965م، في إنتاج وإخراج أول جريدة سينمائية في البحرين، كما حقق عددًا من الأفلام الوثائقية. في بداية السبعينيات قدّم المخرج الشاب علي عباس مع صديقه مجيد شمس عددًا من الأفلام الدرامية القصيرة، التي تعتمد الحركة (الأكشن) ضمن طابع ميلودرامي، والمصورة سينمائيًّا بكاميرا 8 مليمتر.

الذوادي والاقتراب من الواقع وقضاياه

وفي موازاة تلك التجارب الجنينية، في المجال الدرامي القصير، بدأ الشاب بسام الذوادي، قبل أن يلتحق بمعهد السينما بالقاهرة لدراسة الإخراج، وفي أثناء مدة دراسته، في تحقيق عدد من الأفلام الدرامية القصيرة التي من خلالها بدا الذوادي أكثر اقترابًا من مشكلات الواقع وقضاياه. في عام 1990م، بعد سنوات طويلة من خوض المخرج الكويتي خالد الصديق تجربة إنتاج وإخراج أول فلم درامي طويل في الكويت في السبعينيات، تمكن بسام الذوادي من إنتاج وإخراج أول فلم درامي طويل في البحرين، بعنوان «الحاجز»، ومع كوادر فنية بحرينية غير احترافية، إنما تعتمد بالدرجة الأولى على خبراتها في العمل الدرامي التلفزيوني.

وبسبب عدم توافر جهات منتجة وممولة للأفلام السينمائية، وانعدام أي دعم مادي من مؤسسات حكومية، مثل وزارة الإعلام أو هيئة التلفزيون، والافتقار إلى قنوات من خلالها يمكن التواصل مع جهات أجنبية تساهم في التمويل، كان يتعيّن على بسام الذوادي أن ينتظر أكثر من عشر سنوات حتى ينجز فلمه الثاني «زائر» (2003م) ثم «حكاية بحرينية» (2007م)… حتى هذه اللحظة لا يزال الذوادي يبحث عن منتج لفلمه الرابع. وقد سعى الذوادي، من خلال تأسيس الشركة البحرينية للإنتاج السينمائي سنة 2005م مع نخبة من رجال الأعمال البحرينيين، إلى دعم الشباب وتشجيعهم على العمل السينمائي عبر إنتاج عدد من الأفلام القصيرة. وكان باكورة إنتاج هذه الشركة الفلم الدرامي الطويل «حكاية بحرينية» سنة 2006م لبسام الذوادي ثم فلمين طويلين للمخرج حسين الحليبي: أربع بنات (2008م)، وحنين (2010م). لكن الشركة لم تستمر في الإنتاج لظروف خاصة.

في الثمانينيات، لم يظهر في الساحة السينمائية الخالية غير عبدالله السعداوي، وهو مخرج مسرحي معروف، حقق عددًا من الأفلام الدرامية القصيرة، بعدها توقف عن الإنتاج السينمائي ليتفرغ لعروضه المسرحية، ولم يعد لخوض تجربة الإخراج السينمائي إلا في عام 2004م عندما قدّم «الشجرة التي سرقت أوراقها»، ثم حقق مع محمد جناحي «غبار» (2009م).. لكنه كتب عددًا من السيناريوهات لمخرجين آخرين من الشباب. في التسعينيات، اتجه المنتج المسرحي والمؤلف التلفزيوني حمد الشهابي إلى السينما لينتج ويكتب ويخرج فلمًا دراميًّا طويلًا بعنوان: «بيت الجن» (1992م) وهو من النوع المرعب. ولم يكرر الشهابي تجربة الإخراج السينمائي إلا في عام 2006م حين أنتج وأخرج الفلم الدرامي الطويل «حبّاب وكلاب الساحر»، وهو من الأفلام الموجهة للأطفال. في عام 1996م، ظهر فجأة عدد من المخرجين الشبان الذين قدموا أفلامهم الدرامية الأولى مثل: سعيد منصور، ومحمد شرفي، وياسر القرمزي، وعلي رحمة، ومحمد نعمة، ومحمد جناحي.

هذه الطفرة النسبية المفاجئة من أفلام حققها مخرجون شبان على نفقتهم الخاصة، من دون الحصول على أي دعم من القطاعين: العام والخاص. بإمكانيات فقيرة وعناصر فنية متواضعة، قدم هؤلاء أعمالهم.. وكانت المناسبة: مسابقة مسرح الصواري، وهو الأمر الذي يؤكد أهمية المهرجانات أو المسابقات السينمائية وضرورتهما بوصفهما مجالًا لعرض الأعمال وتقييمها، وحافزًا على الإنتاج، وملتقى عامًّا فيه يختبر المنتج إمكانياته ومستواه. وعندما تتوقف مثل هذه المسابقات يتوقف المخرجون بدورهم عن تحقيق أفلام أخرى؛ إذ ينتابهم اليأس وتنعدم لديهم الرغبة مع انعدام فضاء العرض والتفاعل. بين مدة وأخرى، كنا نشهد ظهور أسماء تشتغل في مجال الفلم القصير لكن بشكل محدود جدًّا، وغير مؤثر، ولا تستمر في المجال طويلًا. كانت أعمالهم عبارة عن تجارب بدائية، لا تحكمها رؤية فنية وفكرية. أغلب تلك المحاولات كانت تنقصها الكثير لكي تفرض نفسها كحركة سينمائية. من جانب هي تجارب مستقلة عن بعضها، متباعدة، لا تتفاعل فيما بينها. ومن جانب آخر، هي تفتقر إلى النواحي الإنتاجية وإلى الكوادر السينمائية، معتمدة على جهود شخص أو شخصين.

غياب التمويل

حالة الانقطاع وعدم الاستمرارية ناشئة، بالدرجة الأولى، من غياب التمويل. الفلم ليس كالكتاب أو اللوحة. هو يحتاج إلى أموال تغطي شتى التكاليف الضرورية في عملية الإنتاج.

المخرجون الذين ظهروا في عام 1996م ابتعدوا باستثناء محمد جناحي الذي واصل العمل السينمائي في أوقات متباعدة، فقدم فلمين قصيرين: كاميرا (2001م) ورسالة (2006م)، وفلمًا متوسط الطول بعنوان: «أيام يوسف الأخيرة» (2010م) ثم دراما وثائقية بعنوان: «قوللي يا حلو» (2012م). تجدر الإشارة هنا إلى تجارب يوسف القصير، في مجال الأفلام الكارتونية (الأنيميشن) الذي حقق أعمالًا كارتونية قصيرة في عام 1995م، وفلمًا آخر بعنوان: «جزيرة الضباب» (1996م) عندما أتاحت «مسابقة أفلام من الإمارات» بأبوظبي المجال لمشاركات أفلام من دول الخليج الأخرى في التظاهرة، شهدنا في عام 2004م موجة أخرى من الأفلام البحرينية التي حققها مخرجون شباب جدد، مثل: محمد القصاب، وعبدالله رشدان، وحسن آل شرف، وعبدالله البزاز، وحسين الحليبي. أما العنصر النسائي في مجال الإخراج فأعلن عن حضوره للمرة الأولى بفلم درامي قصير نفّذته عواطف المرزوق بعنوان: «الهروب الأخير». وتعيّن علينا أن ننتظر حتى عام 2007م لنشهد بروز أسماء نسائية أخرى في مجال الإخراج، مثل: عائشة المقلة، وآلاء محمد، وحوراء عيسى، وريم فريد اللواتي تخصصن في المجال الوثائقي. الأفلام القصيرة والوثائقية هي نتاج محاولات فردية تتعرض للانقطاع والتوقف. ومن ثم لا يمكن أن نتحدث عن حركة سينمائية، بالمعنى الإنتاجي والفني، إنما هي محاولات متعثرة. والإنتاج السينمائي في البحرين لم يشهد استمرارية ملحوظة ومطردة، وتناميًا جليًّا في الكم، وتطورًا لافتًا في النوعية إلا مع إقامة مسابقة الأفلام في أبوظبي، ومع استمرارية المهرجانات السينمائية في دبي وأبوظبي وقطر.

منذ عام 2005م شهدنا ازديادًا في عدد الأفلام المنتجة في البحرين، مع ظهور مخرجين جدد بعضهم توقف ولم يستمر مثل: علي رحمة، ونزار جواد، وجعفر حمزة، وفريد الخاجة. والبعض الآخر واصل العمل السينمائي مثل: محمد إبراهيم، وإبراهيم الدوسري، وعبدالله رشدان.

مع استمرار المسابقات والمهرجانات الخليجية، استمرت عجلة إنتاج الأفلام في البحرين على الوتيرة ذاتها، والحماس ذاته، ضمن ظروف صعبة ومتقشفة، ومن غير دعم من أي جهة رسمية أو أهلية، واعتمد الشباب على إمكانياتهم المادية الخاصة، الفقيرة والمتواضعة، وعلى استعداد الفنيين والممثلين للعمل المجاني دعمًا ومساندةً للشباب من جهة، وللمساهمة في خلق سينما جادة ومتقدمة تنسجم مع الطموح الفني والرغبة في الإبداع. في السنوات التالية ظهرت أسماء جديدة حققت أعمالًا متفاوتة المستوى، نذكر منها: علي العلي، ومحمد راشد بوعلي (الذي حقق في عام 2015م فلمه الطويل الأول «الشجرة النائمة»)، وجمال الغيلان، وحسين الرفاعي، ومحمود الشيخ، وعمار الكوهجي، وأسامة آل سيف، ومحمد جاسم، وصالح ناس، وسلمان يوسف. في الأفلام البحرينية، بشكل عام، نجد تفاوتًا في تناول وطرح القضايا والمشكلات والهموم والهواجس التي يعج بها المجتمع البحريني، فليس ثمة موضوع واحد أو قضية موحدة، يجري التركيز عليها، بل هناك اهتمام بقضايا كثيرة، من المشكلات المعقدة، إلى الهموم الوجودية، إلى الأحلام الذاتية، إلى التفاصيل الحياتية. مع رغبة ملحّة في التعبير عن الواقع وعلاقة الفرد بمحيطه وبالآخر، والتطرق إلى العلاقات الإنسانية المتعددة، والهموم المعيشية، والعبث بالبيئة، وغيرها.

الطفرة الفلمية والتقنيات الحديثة

مع توافر التقنيات الحديثة في مجال التصوير والمونتاج والمؤثرات البصرية والسمعية، بالنظام الرقمي (الديجيتال)، صار بإمكان السينمائي أن ينتج أفلامه بميزانية أقل، وضمن شروط للعمل أيسر وأكثر تحررًا من الضغوط. إن الطفرة الإنتاجية التي شهدتها دول الخليج ترافقت مع توافر وانتشار التقنيات الحديثة التي هيأت للشباب فرص الانخراط في العمل السينمائي بعيدًا من الشروط التقليدية في الإنتاج والتنفيذ والطبع والعرض والتوزيع.

لكن المهارة التقنية، والبراعة في استخدام الأجهزة، لا تكفي لصنع فلم جيد وعميق ومؤثر. يجب أن يرتكز الفلم على رؤية فكرية وفنية واضحة، تتحكم في العمل ككل وتوجّه كل العناصر الفنية للتعبير جماليًّا وفكريًّا عن المراد طرحه وتقديمه. الغالبية من صنّاع الأفلام يعانون ندرة أو شحًّا في الإمكانيات المادية الداعمة لمشاريعهم، وهذا يؤدي إلى عرقلة المسيرة السينمائية، ففي حالة عدم وجود جهات إنتاجية – من القطاع العام والخاص معًا – تموّل وتدعم الأفلام، يشعر السينمائي الشاب بالإحباط، وهو الذي نفّذ فلمه الأول وربما الثاني والثالث على نفقته الخاصة، متوقعًا أن يجد من يمول فلمه التالي. حتمًا سوف يتوقف عن العمل ويتخلى عن حلمه، أو ينتظر سنوات حتى يتوافر لديه مبلغ يكفيه لإنتاج فلمه، أو يلجأ إلى قنوات خارجية للتمويل.

في غياب القطاع الخاص، الذي لا يكترث بالسينما، ولا يعدها مجالًا صالحًا للاستثمار، يكون للدعم الرسمي أهمية قصوى، خصوصًا إذا أدركت الحكومات أهمية السينما – كفعالية ثقافية – وضرورة دعمها. أما إذا استمرت في النظر إلى السينما بارتياب أو بوصفها مجالًا لا ضرورة له ويمكن الاستغناء عنه، فسوف تتعرض المحاولات والجهود السينمائية إلى التعثّر والتعطّل، وسوف تواجه العديد من العراقيل والصعوبات.

السينما في البحرين، كما في أقطار الخليج الأخرى، تعاني قلة، أو ندرة، العناصر الفنية المؤهلة سينمائيًّا، فالمخرج المتحمس لتحقيق فلمه، على نفقته الخاصة، يحتاج إلى مصور وفنيّ صوت ومونتاج، وغير ذلك من العناصر؛ لذلك يضطر إلى التعاقد مع فنانين عرب أو أجانب، وهو الأمر الذي يعني زيادة التكاليف. إن الافتقار إلى هذه العناصر يفضي بطبيعة الحال إلى إفقار الفلم فنيًّا، والتقليل من قيمته وأهميته، وإفقاده القدرة على التأثير. العديد من الأفلام أخفقت بسبب نقص التجربة وسوء توظيف الأدوات من كاميرا وإضاءة وصوت وموسيقا ومونتاج، وضعف إدارة الأداء، والافتقار إلى الإدراك الحقيقي بتقنيات السينما.

     
     
 
 
 
     
 

 

الفيصل - خاص

يوليو 2018

 

 
 
 

جامعة عفت تتفرد بتدريس فنون السينما للسعوديات

 
 

تتفرد جامعة عفت في مدينة جدة عن بقية الجامعات في السعودية، بأن دشنت قسمًا متخصصًا في الإنتاج المرئي والرقمي؛ إذ يدرس فنون السينما من تصوير وكتابة محتوى، والتحق بهذا القسم عدد لافت من الطالبات اللاتي أحببن خوض هذا المجال أكاديميًّا، وقد تخرجت ثلاث دفعات. محمد غزالة رئيس قسم الإنتاج المرئي والرقمي في الجامعة، يقول لـ الفيصل: «إن فكرة إنشاء القسم بدأت في خريف 2012م إذ قصدت الأميرة لولوة الفيصل، نائب رئيس مجلس الأمناء والمشرف العام على جامعة عفت، وهيفاء رضا جمل الليل، مدرسة الفنون السينمائية بجامعة جنوب كاليفورنيا، بالولايات المتحدة، ساعيتين لاستشراف مستقبل تحقق بعد تلك الزيارة بست سنوات، لانطلاق صناعة سينمائية وإعلامية احترافية، مُتَوائِمة مع رؤية المملكة الحديثة 2030، الساعية إلى بناء مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح. في وقت لاحق، كان قد حضر وفد من جامعة جنوب كاليفورنيا لإجراء دراسة لاحتياجات السوق السعودي في مجالات الإنتاج الإعلامي، الذي كان يعتمد بشكل كامل تقريبًا على متمرسين واحترافيين أجانب. وبعد هذه الدراسة كان تصميم هذا البرنامج الذي راعى خصوصية المملكة واحتياجاتها وتطلعاتها المستقبلية لمواكبة متغيرات العصر، من خلال برنامج الإنتاج المرئي والرقمي».

ويمضي غزالة قائلًا: «كان اتفاق وفد الجامعة مع مدرسة الفنون السينمائية على تصميم منهج متكامل يؤسس لإنتاج معاصر واحترافي للصناعات السينمائية والتخصصات كافة الداعمة لتلك الصناعات، من كتابة للمحتوى والتصوير والمعالجة التقنية وفنون التحريك والمؤثرات البصرية والإعلام التفاعلي. وبالفعل، وبعد أخذ الموافقات اللازمة من وزارة التعليم وبالتعاون مع الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، جرى إطلاق البرنامج بعد تلك الاتفاقية بعام كامل، وذلك في خريف 2013م، ليشتمل القسم على أربعة مسارات مختلفة بها تخصصات فرعية عدة: إنتاج الأفلام، والرسوم المتحركة، وكتابة السيناريو، والإعلام التفاعلي. على مدى عمر هذا القسم الذي ما زال يعد ناشئًا، مقارنة بتخصصات الجامعة الأخرى ذات الباع الطويل في سوق العمل والسمعة الواسعة كتخصصات الهندسة والعمارة والمالية، فإن الإقبال على القسم زاد من مجرد عدد قليل من الملتحقات يتكون من 16 طالبة فقط في خريف 2013م حتى وصل إلى 150 طالبة في خريف 2015م، اللاتي انخرطن في مهام تعليمية وتطبيقية لتناول فنون السينما تحت إشراف نخبة من الأكاديميين والمتمرسين في مجالات الإعلام وصناعة الأفلام من حول العالم. والحمد لله تمكنا من تخريج ثلاث دفعات من الخريجات اللاتي يسهمن في سوق العمل ويمثلن المملكة في المحافل الدولية بثقة وتأثير».

وبخصوص كيف ترى الجامعة أهمية وجود مثل هذه الأقسام الأكاديمية، وهل ينتهي دورها عند تخرج دارسة السينما، أم أنها تلعب دورًا آخر مكملًا؟ ذكر غزالة أن هدف الجامعة الرئيسي، «يكمن في إعداد الكفاءات القيادية المستقبلية بحسب معايير عالمية، وذلك من خلال تأمين بيئة متعددة الاختصاصات وإدارة الموارد بفاعلية بغية توفير العلم الذي يرافق طالباتنا مدى الحياة… إلى ذلك، فقد حرصت جامعة عفت على عقد الكثير من الشراكات مع المجتمع المحلي والعالمي لإتاحة الفرصة لطالباتنا وخريجاتنا على تلمس سبل التأثير والممارسة العملية للإنتاج الإعلامي على أوسع مستوى ومختلف الأصعدة. فبداية من الشراكات الأكاديمية مع جامعة جنوب كاليفورنيا وجامعة نيويورك في الولايات المتحدة، عقدت الجامعة شراكات مع مدينة الإنتاج الإعلامي في القاهرة، أكبر مجال للتدريب في العالم العربي، إضافة إلى شراكات مع شركات ومهرجانات ومؤتمرات خاصة بالعمل الإعلامي والسينمائي في المملكة. فالجامعة الشريك الأكاديمي لمهرجان أفلام السعودية في الدمام منذ تأسيسه في عام 2015م حتى اليوم، وكذلك مهرجان جدة لأفلام الشباب. وبذلك نحرص على توفير فرص مشاركة طالباتنا بإبداعاتهم داخليًّا وخارجيًّا».

وحول ما إذا كان لدى الجامعة خطط لاستمرار جذب الطالبات إلى قسم السينما، قال: «بالطبع، فمع انطلاق السينما في المملكة والتصريح بدعمها بشكل رسمي ودعم حكومي كبير، فإن المسؤولية تزداد لتطوير وتحسين جودة العملية التعليمية والحرص على المخرجات الجديدة المتطلعة لسوق عمل واعد ومنفتح. وبما أن قسم الإنتاج المرئي والرقمي بجامعة عفت يعد الأول والوحيد في المملكة إلى الآن- حتى على مستوى التعليم العام للطلبة والطالبات- فإن التركيز الآن على توسيع النشاط ونقل الخبرات المتحصلة عبر السنوات الخمس الماضية، لدعم تلك الصناعة الناشئة التي سوف تحتاج للعديد والعديد من الكوادر الشابة الوطنية، وكذلك محاولة الإسهام في تشكيل ورسم الأطر العامة للصناعة السينمائية، التي ما زالت تحتاج للعديد من الضوابط الحاكمة لإدارة المجالات الإبداعية والفنية بشكل اقتصادي وثقافي واجتماعي وقانوني أيضًا، وتحقيق أفضل النتائج التي تخدم المجتمع ومستقبل أبنائه».

وبخصوص مشاركة جامعة عفت في الجناح السعودي بمهرجان كان السينمائي، أوضح غزالة قائلًا: «كان حضور الجامعة كممثل للسينما السعودية في الجناح السعودي إلي جانب بعض الشركات الخاصة التي دعاها المجلس السعودي للأفلام للتعريف بما يختمر في المملكة من فرص الاستثمار في الصناعة السينمائية. ولعل من أهم تلك الفرص الاستثمارية التعليم والتدريب، وهو ما يحتاجه العديد من جيل الشباب الشغوفين بتعلم وممارسة فنون السينما من صناعة أفلام وكتابة محتوى للسينما والتلفزيون بل وللإنترنت. كانت الجامعة ممثلة على أعلى مستوى؛ إذ حضرت الدكتورة ميرفت الشافعي، عميد كلية العمارة والتصميم والدكتورة بيان الشعباني مديرة الشؤون القانونية بالجامعة والدكتور محمد غزالة رئيس قسم الإنتاج المرئي والرقمي، الذين حرصوا جميعًا على التعريف بالجامعة ومبادراتها في دعم التعليم السينمائي في المملكة، وكذلك السعي لتطوير شراكات مستقبلية مع جهات محلية ودولية لدعم تلك المبادرات».

     
     
 
 
 
     
 

 

إبراهيم العريس

ناقد سينمائي لبناني

يوليو 2018

 

 
 
 

نظرة على السينما السعودية: ولادات ما قبل الولادة المفاجئة

 
 

لسنة واحدة خلت فقط، لم يكن هذا الأمر يبدو واضحًا، أو حتى ممكنًا. ففي دورة العام الفائت، 2017م من مهرجان كان السينمائي الدولي الذي يعدّ في الحسابات كافة، أضخم مهرجان من نوعه في العالم وبالتالي يعدّ المناسبة الأبرز لاستعراض المبدعين والشركات والأمم كل ما لديها من جديد في عالم الفن السابع. والذي نعني أنه لم يكن واضحًا ولم يكن يبدو ممكنًا إنما هو بروز السعودية في دورة هذا العام التي أقيمت أواسط شهر مايو من العام الحالي، بوصفها الحدث الأبرز والأجد في عالم هذا الفن. ففي وقت كان السينمائيون العرب وكثر من سينمائيي العالم ينعون بأسى مهرجان دبي السينمائي الذي ألغى دورته لهذا العام بشكل مفاجئ بعد حين من اختفاء مهرجان أبوظبي وتبخر المهرجانات القطرية في الهواء، وكانت تلك التظاهرات قد ساهمت في إحياء سينمات عربية خلال السنوات الماضية، أتت المفاجأة الطيبة، إذًا، من حيث لم يكن أحد يتوقع: من السعودية على شكل مشاريع واتفاقات ومجلس وطني ووعود بإعفاءات ضريبية.

ولكن أكثر من هذا وذاك: من طريق سينمائيين شبان سعوديين انتشروا بين اللقاءات والأجنحة وصالات العروض، وراحت صحافة المهرجان تنشر أخبارهم، ولقاءات معهم وبخاصة منهم هيفاء المنصور التي في غمرة انهماك الجميع بالحديث عن تلك المفاجآت السعودية غير المتوقعة، تذكروا أنها قد شغلت أهل السينما قبل سنوات بتقديمها في البندقية وتورنتو أول فلم روائي سعودي طويل من إخراج امرأة وهو «وجدة»، لكنهم تذكروا أكثر من هذا كيف أن دورة مهرجان كان نفسه لعام 2006م شهدت حضور أول فلم روائي سعودي طويل على الإطلاق وهو «ظلال الصمت» الذي عرضه مخرجه ومنتجه عبدالله المحيسن على هامش المهرجان ليلفت النظر حقًّا يومها ويسجّل وعدًا بظهور سينما سعودية كبيرة وناضجة في سنوات لاحقة. وهو ما تأخر حتى الآن. ولكن ألا يقول المثل أن تأتي الأمور متأخرة خير من ألا تأتي أبدًا؟

والحال أنه من البديهي أن أي حديث عن عبدالله المحيسن وهيفاء المنصور، في تاريخهما السينمائي على الأقل، لا يمكنه أن ينطلق إلا من تحديد مكانتهما في التاريخ «الغريب» للسينما في بلدهما، ونقول: إنه «غريب» لسبب واضح، هو أن هذا التاريخ يبدو لنا متعرجًا، وغير مؤكد أكثر من أي تاريخ آخر لأي فن آخر في أي بلد عربي، وإن كان في إمكاننا، من ناحية منطقية بحتة، أن نصل إلى تحديد بداية ما لهذا التاريخ، ترتبط باسم عبدالله المحيسن نفسه، جاعلة منه دون منافس، الرائد المؤسس لما يمكننا تسميته «السينما السعودية»، وإن كان في وسعنا أيضًا أن نعود سنوات إلى وراء بدايات المحيسن كي نجد حضورًا ما لسينما في السعودية، عروضًا بل حتى إنتاجًا كما سوف نرى بعد قليل. لكننا قبل هذا نجدنا قادرين على سلوك موضوعنا بشكل فيه بعض المواربة، بل حتى بعض المشاكسة على واحد من أكبر مؤرخي السينما الفرنسيين، الناقد جورج سادول، الذي رأى أواسط سنوات الستينيات أن من الممكن له أن يتحدث «بشكل قاطع» في أقل من صفحة من كتاب له كُلّف يومها بوصفه بتوصية وتمويل من منظمة اليونسكو، عن نظرة إلى ما أسماه السينما في السعودية.

كان عنوان الكتاب، كما نعرف «السينما في البلدان العربية» (صدرت ترجمته العربية عام 1966م، عما كان يسمى في ذلك الحين «مركز التنسيق العربي للسينما والتلفزيون»، بعد أن صدر أولًا بالفرنسية). المهم اكتفى سادول يومها من حديثه عن السينما في السعودية بقوله: «يمنع قانون البلاد عرض الأفلام أمام الجمهور؛ لأن ذلك يتعارض مع التعاليم الإسلامية، وهكذا لا يوجد في هذه البلاد صالة عامة، إنما توجد في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه سبعة ملايين نسمة، صالات خاصة بالعمال العرب في المؤسسات، وفي مقدمتها شركات البترول. إضافة إلى ذلك يملك الأغنياء صالات عرض في قصورهم. وتعد السعودية سوقًا مهمة لإنتاج الجمهورية العربية المتحدة (وكان ذلك هو الاسم الذي تحمله مصر في ذلك الحين)، فقد اشترت منها عام 1959م، 23 نسخة من أفلام قياس 35 ملم، و155 نسخة من أفلام قياس 16 ملم، أي أكثر من نصف الكمية التي باعتها الجمهورية العربية المتحدة هذه السنة من الأفلام ذات الحجم الصغير (342 منها 333 للبلاد العربية). ويلاحظ أن شراء الأفلام العربية في السعودية لم يكن منظمًا في المدة (1959- 1963م)؛ إذ كانوا يعتمدون على نسخ من الحجم الصغير (132 في عام 1963م، مقابل لا شيء من قياس 35 ملم). وهذا يدل على أن هذه البرامج قد أعدت للعرض في صالات خصوصية يملكها العرب؛ لأنه من النادر جدًّا أن يطلب الأوربيون والأميركيون المقيمون في هذا البلد أفلامًا من هذا النوع».

من الواضح أن هذا الكلام سوف يبدو شديد الاختزال إن نحن أوردنا ملاحظتين قد يكون من شأن أي منهما أن تنسفه: فمن ناحية أولى نعرف أن كثرًا من السعوديين، ومن مختلف الأوساط الاجتماعية كما من مختلف مناطق البلاد، ولا سيما في مدن السواحل الشرقية كما في مدن السواحل الغربية، يتحدثون عن مشاهدتهم وهم صغار، وبالتالي في سنوات الخمسينيات والستينيات قبل انتشار الفيديو ثم التلفزيون العارض أفلامًا سينمائية، لأعداد كبيرة من الأفلام المصرية، ومن أمهات الإنتاجات حافظين مشاهد وشخصيات منها عن ظهر قلب؛ ومن ناحية ثانية لا يتعين أن يقتصر الحديث هنا على الأفلام المصرية أو حتى العربية، بالنظر إلى أننا نعرف أن عروضًا كبيرة العدد وواسعة الانتشار طاولت أفلامًا غربية وهندية وما إلى ذلك، وهو ما يعني أن انتشار السينما في السعودية في ذلك الحين، كان أوسع كثيرًا مما يوحي به كلام سادول.

وإلى هذا، وأيضًا فيما يتعلق بالحديث عن «تاريخ السينما في هذا البلد»، يجب ألا نتجاهل واقعًا؛ أن ثمة، دون أدنى ريب، أعدادًا كبيرة من الشرائط التي يمكن أن يكون قد صوّرها أجانب، وحتى سعوديون، قبل ذلك بكاميرات وأدوات توليف صغيرة لمشاهد عائلية أو تجوالات في المناطق المختلفة. وذلك انطلاقًا من فكرة لا بد دائمًا من أخذها في الحسبان، وهي أن ما من بلد في العالم – ولم يمكن للسعودية أن تكون قد أفلتت من هذا؟! – لم يعرف ذلك النوع من إنتاج الهواة، الذي خلّف في مناطق عديدة أشرطة باتت اليوم بالغة الأهمية في تاريخ العروض السينمائية، وربما كذلك في بحوث سوسيولوجية السينما.

ترى أفلا يخطر في بالنا أن نتساءل دائمًا حين نشاهد – غالبًا على شاشات التلفزة – مشاهد مصورة لمناطق سعودية مختلفة، ومنها مثلًا مشاهد للحج الشريف وطقوسه في مكة المكرمة، بل حتى مشاهد رأيناها مرات عديدة، للقاء الشهير بين المغفور له مؤسس المملكة، والرئيس الأميركي ترومان (وربما هو روزفلت) على ظهر الباخرة الأميركية، أفلا يخطر في بالنا أن نتساءل: من أين جاءت هذه المشاهد؟ ولئن كانت السلطات قد سمحت لأجانب بالتقاطها، ألا يمكن أن يكون السماح قد شمل مواطنين سعوديين أيضًا، أو أجانب مقيمين هنا، وهو ما يجعل تلك المشاهد، بشكل أو بآخر، جزءًا من تاريخ السينما في المملكة؟ لا شك أن هذا موضوع ينبغي دائمًا العودة إليه، بل حتى حثّ باحثين ودارسين على الاشتغال عليه. لو فعلوا سوف تكون ثمة إعادة نظر حقيقية في هذا التاريخ. كما حدث في العديد من البلدان، حيث إنه تحت وقع بحوث ودراسات من هذا النوع، حدث كثيرًا أن دُفع تاريخ الأفلام الأولى إلى الوراء!

قرار ثوري

وهنا نكتفي من هذا الموضوع بهذه الإشارات لنقفز في الزمن قفزة توصلنا إلى بدايات الألفية الجديدة، أي إلى نحو عقدين من القرار الثوري/ السينمائي، الذي ها هو عند كتابة هذه السطور، يعيد السينما من موقع قوة، ورعاية رسمية، إلى الحياة الاجتماعية في السعودية. ففي واحدة من أوائل سنوات القرن الجديد، أتيح لكاتب هذه السطور، في أثناء جولة صحافية في الرياض وما جاورها، أتيح له أن يرصد ظاهرة لم يكن يتوقعها: في العديد من مقاهٍ منتشرة على مبعدة من العاصمة، وتبدو مترابطة بعضها ببعض، كانت ثمة شاشات تلفزيونية عملاقة معلقة في صالات المقاهي، وتبث جميعها في وقت واحد، نفس الأفلام أمام مئات من الرواد والمتفرجين. يومها نشرت تحقيقًا في مجلة «الوسط» الأسبوعية التي كانت تصدر عن «دار الحياة»، أتساءل فيه بشكل واضح عما اذا لم يكن ما شاهدته بأم عيني، يشكل عروضًا سينمائية حقيقية تضاهي تلك التي تقدم، عادة، في الصالات؟

مرة أخرى أكتفي هنا بهذا، لأعود إلى سياق موضوعي الرئيسي: تاريخ السينما السعودية نفسه، ولا أتحدث هنا عن العروض السينمائية في السعودية، ولا طبعًا عن شرائط الهواة، أو المشاهد العائلية، أو الأفلام الإخبارية التسجيلية، بل أتحدث، طبعًا، عن العمل السينمائي بالمعنى الاحترافي للكلمة، حتى إن كان في مقدور المتابعين، أن يتحدثوا عن أفلام سينمائية حُققت في المملكة، تسجيلية قبل «اغتيال مدينة» (1976-1977م) وروائية قبل «ظلال الصمت» (2006م) والاثنان لعبدالله المحيسن طبعًا، ولنذكر مرة أخرى هنا أن الفلمين لم يصورا في السعودية، إنما هما من تحقيق مخرج سعودي لا يمكن إلا عدّه رائدًا لكونه أول سينمائي سعودي بالمعنى الاحترافي للكلمة. وهنا لإعادة الحق إلى أصحابه، سيكون من الإنصاف أن نذكر، نقلًا عن العديد من المصادر أن أول إنتاج سعودي، بالمعنى التاريخي للكلمة تمثل عام 1950م في فلم «الذباب»، ثم كان على هذا البلد أن ينتظر ستة عشر عامًا قبل أن يعرف إنتاجًا سينمائيًّا روائيًّا ثانيًا هو فلم «تأنيب ضمير» للمخرج سعد الفريح من بطولة حسن دردير، أما الفلم الروائي الطويل الثالث فقد حقق في عام 1980م، بعنوان «موعد مع المجهول» وكان فلمًا بالغ الطول (أكثر من ساعتين ونصف) من بطولة الفنان سعد خضر، الذي يمكن عدّه «أول ممثل سينمائي سعودي» بالمعنى الاحترافي للكلمة حيث ظهر في عدد من الأفلام المصرية واللبنانية في سنوات الثمانينيات والتسعينيات. إذا يمكن الحديث عما لا يقل عن ثلاثة أفلام روائية حققت في السعودية قبل أن يحقق عبدالله المحيسن روائيّه الطويل الأول… خارجها.

حسنًا قد يقول لنا الواقع: إن من حق القارئ أن يتساءل: أين هي الريادة إذًا؟

الجواب بسيط: الريادة ترتبط هنا بالنوعية، وبمكانة الفلم نفسه في التاريخ السينمائي للبلد. فكما أشرنا سابقًا، في تاريخ فن كالفن السينمائي، لا يمكن أن يكون هناك بداية حقيقية، بالمعنى التقني للكلمة. ومن هنا يتعين على الذين يريدون خوض تاريخ فن ما – السينما هنا – أن يتوقفوا عند عدة أبعاد هي، وليس الأقدمية التاريخية وحدها، وهو ما يجعل عملًا معينًا، رائدًا في مجاله: المكانة التاريخية – نوعية العمل وموضوعه – قدرته على أن يعيش تاريخه في استقلال عن الظروف التي وُجد فيها، تقبل المتلقين له، ثم قدرته على أن يكون له، تاريخ متواصل تفاعل معه. وهنا، مع احترامنا الكلي للتجارب التي سبقت «اغتيال مدينة» ثم «ظلال الصمت»، لعبدالله المحيسن، لا بد من التأكيد على أن مفهوم الريادة ينطبق على هذين الفلمين. لكنه ينطبق أيضًا على مجال ثالث ألمحنا إليه قبل قليل ولا بد أن نذكر به دائمًا: في «اغتيال مدينة» كما في «ظلال الصمت»، لم يكتفِ عبدالله المحيسن بأن يكون مخرجًا سعوديًّا، يقدم موضوعات سعودية مستقاة من الحياة المحلية، أو من الأدب السعودي الروائي والقصصي المزدهر – وفي زاوية ما من تفكيرنا ربما نقول ليته فعل، أو حتى ليته يفعل الآن! بل انطلق من نظرته السعودية/ العربية/ الإسلامية، لكي يلقي نظرة عميقة، على معضلات عربية/ إسلامية تشكل بعض همومه وهموم بلده: ومن هنا نجده، كذلك، رائدًا، في إظهار نظرة شاملة تنطلق من بلد يحسّ هو الآخر بمسؤولياته تجاه ما يحدث من حوله. وفي هذا، بدا عبدالله المحيسن شبيهًا، إلى حد ما، بأولئك السينمائيين اللبنانيين الذين ما إن امتلكوا ناحية قدرتهم المهنية – خلال سبعينيات القرن العشرين، مثلًا – حتى راحوا يحققون أفلامًا عن فلسطين (برهان علوية وجان شمعون) أو مصر (برهان علوية وجوسلين صعب) إنه الهم العربي العام وقد راحت السينما تغوص فيه.

من هنا يسجل لعبدالله المحيسن هذه الالتفاتة إلى خارج حدود بلاده، وليس فقط في فلميه الأولين، بل في معظم ما حققه حتى الآن، هو الذي لن ننسى أن أول شريط حققه كان تسجيليًّا عن تطوير مدينة الرياض (1975م). منذ تلك البدايات إذًا، حتى اليوم، تبدلت الأمور كثيرًا. وربما يمكن القول: إن خطوات عبدالله المحيسن، وسابقيه ومتابعيه الأولى، قد أثمرت أخيرًا حيث إن نصف القرن ونيّفًا الذي صاره العمر الحقيقي للسينما السعودية، يبدو اليوم غنيًّا نسبيًّا، ويختلف في الأحوال كافة، عما كان كتبه جورج سادول في نصّه المشار إليه أول هذا الكلام. صحيح أن عدد الأفلام الطويلة التي أنتجت حتى الآن، بالمعنى الاحترافي للكلمة منذ «ظلال الصمت»، ليس كبيرًا مقارنة بما ينتج في بلدان عربية أخرى، مثل مصر والمغرب ولبنان وفلسطين وغيرها، لكننا نجد أنفسنا إنْ نحن دققنا في الأمر، أمام أعمال لافتة دائمًا يشكل كل منها مغامرة فنية حقيقية، بل أحيانًا مغامرة إنسانية. زد على ذلك أن بعض هذه الأفلام شكل ظواهر حقيقية لفتت نظر العديد من المهرجانات في أنحاء متفرقة من العالم. وذلك بالتحديد بدءًا من «ظلال الصمت» إذا ما آثرنا هنا الاكتفاء بالحديث عن الأفلام الروائية الطويلة، وبدءًا بالتحديد أيضًا من «اغتيال مدينة» إذا ما ارتأينا توسيع دائرة حديثنا ليشمل كل الأنواع السينمائية.

فبدءًا من عام 2006م، الذي ظهر فيه «ظلال الصمت»، ظهر أيضًا فلم عدّ نفسه سعوديًّا بدوره، مع أنه من إخراج سينمائي فلسطيني آتٍ من كندا، ومن إنتاج تلفزيوني، هو «كيف حالك». ولقد شهد العام نفسه تحقيق ما لا يقل عن خمسة أفلام قصيرة، وهو العدد نفسه الذي أنتج في العام التالي 2007م، الذي شهد بدايات واحد من المخرجين والمنشطين الأكثر حضورًا، بفلمين قصيرين من إخراجه، وهو ممدوح سالم. ولسوف يعود سالم إلى نشاطه الإخراجي خلال الأعوام التالية، لكنه سوف ينشط كذلك في مجال تنشيط المهرجانات وحَفْز المخرجين الشبان على تحقيق أعمال أولى. ولئن غاب الفلم الروائي السعودي الطويل عن إنتاجات عام 2007م، فإنه لن يلبث أن يعود في عام 2008م بفلمين طويلين هما: «صباح الليل» و«مهمة وسط المدينة»، إلى جانب سبعة أفلام قصيرة. وفي عام 2009م، أُنتِج في المملكة فلمان طويلان هما: «مناحي» و«الشر الخفي» مقابل عشرة أفلام قصيرة شهدت ظهور أسماء جديدة، وبروز شرائط متطورة اللغة السينمائية إلى حد مثير للإعجاب، وهو ما يمكن أن يقال نفسه عن إنتاج عام 2010م الذي لم يشهد مرة أخرى ظهور أفلام طويلة لكنه سجّل إضافة أحد عشر فلمًا قصيرًا إلى سجل السينما السعودية القصيرة وهو الأمر الذي تكرر في العام التالي 2011م، ثم في عام 2012م، الذي سجل ظهور فلم روائي سعودي هو الأول لمخرجه امرأة: «وجدة» لهيفاء المنصور، الذي أتى بعد خمس سنوات من ظاهرة «ظلال الصمت» لعبدالله المحيسن، ليتحول على الصعيد العالمي، ولا سيما في أبرز المهرجانات العالمية إلى ظاهرة بدوره.

سينما ناضجة

والحال أن السينما السعودية، باتت تبدو في ذلك العام بالتحديد، وفي الأعوام التالية له، سينما ناضجة تكاد تتسم بمسوح الاحتراف، إن لم يكن كليًّا بالنسبة إلى إنتاجاتها، التي ستبقى قليلة العدد، في مجال السينما الروائية الطويلة، فعلى الأقل في مجال كثافة وتنوع إنتاجها من الأفلام القصيرة، التي بات يبدو واضحًا أنها تشكل مدخلًا أساسيًّا لنهضة مقبلة في مجال الفلم الطويل. ومن هنا كان وسع كاتب هذه السطور أن يرسم جردة للتطور الجديد والتراكمي الحاصل في السينما السعودية في تلك السنوات المفصلية التي تواكبت مع ما سمي «الربيع العربي».

وتقول تلك الجردة: إن السعودية التي تبدو، نظريًّا على الأقل، من أقل البلدان الخليجية سينمائيًّا، من ناحية، لكونها خالية من الصالات السينمائية، ومن ناحية أخرى، بسبب خلوّها من أية بنى إنتاجية، مع أن ثمة تواريخ تفيد بأن مدنًا مثل جدة ومناطق شرقية أو غربية فيها، قد عرفت شيئًا من النشاط في هذا المجال، بين الحين والآخر، فإن ما يمكن ملاحظته فيها، هو أن ثمة من القوى البشرية والطاقات الإبداعية ما لا يتناسب وما يُحكى عن غياب السينما عنها. فالحال أن ثمة، منذ سنوات عديدة، حراك هواة – يتحولون أحيانًا إلى ما يشبه الاحتراف – يعكس اهتمامًا شبابيًّا بيّنًا بالفن السابع؛ كما يعكس واقع أن البيوت السعودية تكاد تكون أكثر البيوت العربية احتواء على مكتبات سينمائية. ناهيك عن معارض الكتب، التي لا تفتأ تسجل ارتفاعًا ملحوظًا في عدد النسخ المَبِيعة من أي كتاب سينمائي يصدر في العربية.

ولئن خلت السعودية من مهرجانات سينمائية ضخمة أو احتفالات بالنجوم، فإن المحطات التلفزيونية المحسوبة على السعودية أو الممولة برأس مال له علاقة بها، لا تتوقف عن دعم سينمات عربية هنا وهناك. أما الجديد في هذا السياق، فهو ما يتوقّع منذ الآن لمشروع رؤية 2030 الاقتصادي، الذي أطلقه ولي العهد السعودي، بالجانب المعلن فيه، والمتعلق بالاهتمام بالتوظيف في مجال الثقافة والترفيه، أن يؤدي إلى توليد أنماط من عروض سينمائية، سيكون من شأنها بالتأكيد أن تؤدي إلى نتاجات متلاحقة في هذا المجال. ويزيد من إمكان هذا، أن ثمة الآن، بفضل الشاشات التلفزيونية والمسلسلات والبرامج المتنوعة ودخول فكرة الفن السعودي وغير السعودي إلى كل بيت وعائلة، طاقات فنية سعودية بارزة، لا شك أن يومًا ما سيأتي، ستُوسّع اهتماماتها لتشمل السينما، ولو في مجال التلاحم المتزايد بين فن الشاشة الكبيرة وفن شقيقتها الصغيرة.

غير أن بعض المبدعين السعوديين لم ينتظروا هذا الواقع الجديد، أو المتجدد، كي يتحركوا مبدعين أعدادًا لا بأس بها من شرائط صغيرة، لكن كذلك أعدادًا، ولو محدودة، من أفلام طويلة. فالسينمائي عبدالله المحيسن، الذي يبقى الرائد الحقيقي للصناعة السينمائية السعودية كان، منذ سنوات الثمانينيات، بل قبلها قليلًا، قد انطلق محققًا العديد من الأفلام التسجيلية الطويلة والمتوسطة عن شؤون راهنة (مثلًا عن حرب لبنان في «اغتيال مدينة» وعن حرب الخليج في «الصدمة»…)، لكنه ما لبث أن خاض مغامرته الكبرى مع انطلاقة القرن الجديد كما أشرنا، محققًا أول فلم روائي سعودي طويل، «ظلال الصمت» الذي دنا به بتأمل فني معتبر وغاضب، من الواقع العربي. صحيح أن ذلك الفلم الطموح لم يبدُ سعوديًّا إلا بمخرجه وتمويله وبعض المشاركين فيه، لكنه كان الخطوة التي لم يكن منها بدّ للقول: إن ثمة سينما سعودية، ولو مواربة، ماثلة هنا وبدأت انطلاقاتها. لقد فتح المحيسن الطريق بقوة واقتدار، لكن بشيء من الحذر أيضًا.

أما هيفاء المنصور، فكانت أقل «حذرًا»؛ إذ هي دنت مباشرة في فلمها الروائي الطويل الأول «وجدة» الذي حققته بعد سلسلة مميزة من أفلام قصيرة ومتوسطة، عالجت فيها قضايا اجتماعية سعودية قد تبدو شائكة، دنت من المجتمع السعودي في عمل شق طريقه، ليس إلى العالمية المهرجانية والجوائز فقط، بل كذلك إلى دور العرض التجارية في العديد من العواصم الغربية، محققًا نجاحًا مدويًا، تمثل بخاصة في أن عالم السينما، لم يتعامل مع «وجدة» بتعاطف نسوي أو بغرائبية استشراقية من النوع المعهود، بل تعامل معه كعمل سينمائي متكامل وطموح، يفتح الباب، هذه المرة، أمام انبثاق سينما اجتماعية سعودية، تكاد تُسمي الأشياء بأسمائها، من دون أن يجابه الفلم بمناوأة كان كُثُر يتوقعونها. والحقيقة أنه إذا كانت أفلام عبدالله المحيسن قد أشارت إلى الطريق، فإن فلم هيفاء المنصور سلكها بالفعل، مطلقًا دعوة للآخرين، مبرهنًا في طريقه أن السلطات الرسمية ليست العقبة في وجه قيام سينما سعودية حقيقية.

وهذه الطريق التي نتحدث عنها، سلكها بعد سنوات قليلة فلم سعودي جديد، أثبت بدوره حضورًا عالميًّا، إلى درجة سمحت لأصحابه بأن يعدوا أنفسهم بجائزة عالمية وأكثر، بل توجهوا بأنظارهم لوقت ناحية «أوسكار أفضل فلم أجنبي». لكن المهم ليس هنا، المهم أن الفلم، وهو «بركة يقابل بركة»، من إخراج محمود الصبّاغ، وجد ليؤشر بدور فعلي أن ثمة سينما سعودية ماثلة تشق طريقها، ولسوف تفعل أكثر وأكثر. ولئن كان أول الأفلام، وهو «ظل الصمت» قد ذهب إلى خارج السعودية ليستلهم موضوعه، وفلم «وجدة»، قد جعل البطولة لطفلة، وهو ما سهل عليه الأمور، فإن ما يلفت في «بركة يقابل بركة»، أنه قدم دراما اجتماعية، من خلال قصة حب تدور تحديدًا في مدينة جدة، حيث صُوِّر الفلم بممثلين سعوديين وأموال سعودية.

صحيح أننا توقفنا هنا عند هذه الأفلام القليلة التي برزت على الصعيد المحلي والعالمي، غير أن الحديث عنها لا ينبغي أن ينسينا أعدادًا لا بأس بها من شرائط سعودية أخرى، كانت أقل حظًّا، حُقِّقت خلال العقود الأخيرة، من دون أن تتمكن من أن تكوّن ما يمكن وصفه بالتراث السينمائي الحقيقي في هذا البلد؛ إذ تفيدنا إحصائيات تقريبية أن السعودية أنتجت منذ عام 1975م حتى الآونة الأخيرة، قرابة ثلاث مئة فلم قصير وطويل. وأن نحو دزينة، من بينها، هي أفلام طويلة بشكل أو بآخر، لكن معظمها لا يعدو، في الحقيقة، كونه محاولات هواة.

إنجازات نوعية

أما الإنجازات الكمية (والنوعية إلى حد ما) الحقيقية، فتتمثل في الأفلام القصيرة، روائية كانت أم تسجيلية، التي يمكن القول: إن من بين أيادي مبدعيها، ستنطلق السينما السعودية الحقيقية، بالمعنى التراكمي للكلمة. فبتوقيع ممدوح سالم، أو بدر الحمود أو نواف المهنّا أو عبدالله آل عياف أو عبدالمحسن المطيري أو فيصل العتيبي، وعدد من رفاقهم، بات الفن السينمائي السعودي يمتلك ما يشبه التراكم، الذي يعرض في مناسبات جامعية أو ندوات ظرفية، من الممكن القول: إنها تهيئ كلها المناخ لنهضة سينمائية مقبلة.

ولئن كانت تلك الجردة قد تناولت السينما السعودية فإنها تواصلت لتشمل السينما الخليجية قائلة: لكن هذه النهضة، وقد آن الأوان لقول هذا أخيرًا، لن تكون ممكنة، من دون أن يكون للتلفزة الدور الحيوي فيها. وإذ نقول هذا فيما يتعلق هنا بالسعودية، حيث على عكس السينما، يبدو التلفزيون والعمل فيه مقبولًا ومثمرًا، بل بات كذلك مرغوبًا، حتى من فتيات الأُسر الأكثر انفتاحًا على الزمن الحديث، يمكن أن نقوله فيما يتعلق بباقي البلدان الخليجية. والدرس في هذا المجال عالميّ، وليس خليجيًّا فقط. فاليوم في العالم كله، لم يعد ذلك التناحر القديم قائمًا بين الشاشتين الكبيرة والصغيرة، بل في مناطق كثيرة وعريقة سينمائيًّا في العالم كله (فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإلى حد ما، حتى فيما يتعلق بالسينما المستقلة في الولايات المتحدة)، بات التلفزيون يلعب دورًا كبيرًا، ليس في عرض النتاجات السينمائية فقط، بل في تمويلها كذلك. ومن الناحية السوسيولوجية، تفيد الدراسات أن المسلسلات والدراما التلفزيونية حلّت في حياة الطبقات الوسطى في المجتمعات محل ما كانت عليه السينما وصالاتها في القرن العشرين.

من الناحية التقنية، لم تعد التلفزة تُعدّ فنًّا منافسًا للفن السينمائي، بل هي وسيلة إيصال لشتى الفنون والمعارف والمعلومات، بما فيها السينما. قد يصح القول: إن التلفزة تنافس الصالات، وليس السينما نفسها كفن إبداعي؛ بل إن التلفزة نفسها تبدو، وستبدو دائمًا، في حاجة إلى الأفلام السينمائية لتعرضها وتجتذب جماهير عريضة إلى ساعات عرضها، كما ستكون دائمًا في حاجة إلى المبدعين السينمائيين لإنتاج أعمال لها. المشكلة تكمن الآن: بشروط مَن سيتم هذا التعاون؟

في انتظار العثور على إجابات مرضية، يبقى أن الخليج بدأ منذ سنوات، وأحيانًا منذ عقود، خطواته السينمائية الأولى، وليس ثمة ما يشير إلى أن المسار سيتوقف، ولا سيما اليوم إذ نشهد هذه الانطلاقة السعودية التي سيقال دائمًا وعلى الرغم من كل ما استعرضناه أعلاه: إنها «لم تكن في الحسبان».

     
     
 
 
 
     
 

 

فهد الأسطاء

كاتب ومخرج سعودي

يوليو 2018

 

 
 
 

مخرجات سعوديات يعالجن قضايا المرأة برسالية وشغف سينمائي

 
 

في حديث سابق مع الصديق المخرج عبدالمحسن الضبعان – الذي أعدّه المخرج السعودي الأكثر والأفضل تناولًا لموضوعات المرأة عبر ثلاثة أفلام متتالية – ساقنا الحديث نحو الانعكاس الاجتماعي بقضاياه المتعددة على التجارب الفلمية السعودية، منذ بداياتها منتصف العقد الأول من هذه الألفية الجديدة ومستوى التباين عمقًا ومعالجة لهذا النوع من القضايا. وربما لم نختلف أيضًا حول ما إذا كانت المرأة السعودية أفضل إخراجًا وأكثر جدية ونجاحًا وتميزًا بالإجمال تجاه موضوعات المرأة من المخرج السعودي، آخذين في الحسبان نسبة الوجود والإمكانيات والظروف المساعدة التي غالبًا ما تصبّ في مصلحة المخرج الرجل.

لكن مثل هذا الإطلاق بدا لي فيما بعد حافزًا لتناول الموضوع بطريقة بحثية وتتبع تاريخي دقيق، لمعرفة دور المرأة في السينما السعودية وأثر قضاياها المتعددة على مستوى المخرجين الرجال الذين تناولوا هذا الأمر بعناية واهتمام، كما هو الحال مع المخرج عبدالمحسن وغيره… ولا بد أن يكون الحديث عن المرأة في السينما السعودية يُراوِح بين وجودها الذاتي كمخرجة – عبر أبرز الأسماء الفاعلة والمؤثرة – التي ما زالت تواصل تحقيق طموحها برسالية وشغف سينمائي حقيقي، تتحدث فيه عن قضاياها واهتماماتها أو حتى موضوعاتها الأخرى التي لا تصنف في العادة كموضوعات «نسوية»، وبين وجودها كموضوع – نسوي – لعدد من الأفلام السعودية حتى هذا اليوم من المخرجين إجمالًا نساءً ورجالًا، لكنني هنا سأقتصر على سردية تاريخية لأبرز الأسماء النسائية التي بدأت الإخراج وما زالت توجد على الساحة السينمائية السعودية لتواصل تعبيرها الفني وطرح رؤيتها الخاصة.

شكلت المخرجة هيفاء المنصور البداية الفعلية لمسيرة المرأة السعودية في الإخراج السينمائي، لتعلن عن هذه الظاهرة اللافتة بحضورها وجمهورها وجوائزها التي ما زالت مستمرة ومتطورة، على مستوى الكم والكيف حتى يومنا منذ منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة تقريبًا، تزامنًا مع بروز المهرجانات السينمائية المعنية بالأفلام القصيرة، بداية من مسابقة أفلام الإمارات مرورًا بمهرجان الخليج السينمائي في دبي ومهرجان أبو ظبي السينمائي وبيروت وتروبيكا ومسقط وغيرها من المهرجانات الدولية، وبطبيعة الحال المهرجانات السعودية في جدة والدمام التي توقفت لوقتٍ قبل عودتها في السنوات الأخيرة.

هيفاء المنصور الأشهر

وعليه يمكننا عدّ هيفاء المنصور حاليًّا المخرجة السعودية الأشهر من بين المخرجين السعوديين إجمالًا، ليس بسبب بداياتها المبكرة نسبيًّا فحسب إنما استمرارها في مسيرة الإخراج السينمائي وصولًا لعالم هوليوود، حينما قدمت فلمًا أميركيًّا بنجوم معروفة مثل إيلي فانينغ وميسيا ويليامز العام الماضي عبر فلم Mary Shelley. بدأت هيفاء أول أفلامها وعنوانه «من؟» حول هوية المرأة وكينونتها من خلال استلهام قصة قاتل متخفي بلباس امرأة وحجابها، و«الرحيل المر» دراما شاعرية حول الفقد والذكريات، و«أنا والآخر» حول الاختلاف والوحدة الوطنية من خلال قصة ثلاثة شباب مختلفي التوجهات، تتعطل سيارتهم في منطقة بريَّة معزولة، وقد عرض الفلم على قناة الشاشة في الشوتايم وقتها، لكن أبرز إنجازاتها جاء مع فلم «نساء بلا ظل»، والفائز بجائزة أفضل فلم وثائقي في مسابقة أفلام الإمارات، و«الخنجر الذهبي» في مهرجان مسقط السينمائي حول وضع المرأة السعودية ووجودها في الفضاء الاجتماعي العام.

إلى أن قدمت عام 2012م إنجازها الأكبر والأهم من خلال فلمها الروائي الطويل «وجدة»، الفائز بجائزة المهر العربي في مهرجان دبي السينمائي، وجائزة أفضل فلم طويل في مهرجان الخليج السينمائي في دورته الأخيرة 2013م، والمشارك في مهرجان فينيسيا، والمتوج بثلاث جوائز تقديرية هي: جائزة سينما فناير، وجائزة الاتحاد الدولي لفن السينما، وجائزة «إنترفلم»، ويجري منح هذه الجوائز لتكريم المتفوقين من المتخصصين في صناعة السينما، كما يمكن عدّه أول فلم سعودي طويل يصوَّر داخل السعودية بهوية وممثلين سعوديين تمامًا، يلاقي كل هذا الاحتفاء والاهتمام العالمي، وينال إعجاب العديد من النقاد ومتابعي السينما العالمية، وهو دراما اجتماعية بمزيج كوميدي حول أحلام طفلة في امتلاك دراجة هوائية وقيادتها في الشارع، وسط إسقاطات اجتماعية متعددة تقدمها المخرجة هيفاء.

عهد كامل في إطلالة عالمية

وكانت المخرجة المميزة عهد كامل موجودة في فلم هيفاء ولعبت دورًا رئيسيًّا في فلمها «وجدة»، كممثلة رائعة استطاعت مؤخرًا (هذا العام 2018م) أن تحقق إنجازًا مهمًّا حينما شاركت في تمثيل دور مهم في المسلسل البريطاني «Collateral» بجانب النجمة كالري موليغان ومن تأليف الكاتب ديفيد هير الذي سبق أن كتب أفلامًا مهمة مثل «الساعات» و«القارئ». لكن عهد كامل قبل ذلك كانت قد قدمت نفسها كمخرجة متميزة منذ عام 2009م بفلم قصير بعنوان «القندرجي» من بطولة المصري عمرو واكد في دور إسكافي عراقي، يعود إلى عائلته بعد أن أسرته قوات الاحتلال ظلمًا لمدة عامين كاملين، إذ تلاحقه ذكريات كئيبة حتى منزله. وهو الفلم الذي فاز بجائزة «الف» الذهبية لأفضل فلم شرق أوسطي قصير، وذلك في الدورة العاشرة لمهرجان بيروت الدولي للسينما وجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان وهران الجزائري 2010م كما فاز بالمركز الثاني كأفضل فلم قصير في مهرجان الخليج السينمائي في دبي في دورته الثالثة. قبل أن تكرر هذا الإنجاز مرة أخرى، حينما فاز فلمها الأخير «حرمة» بالمركز الثاني أيضًا في دورة مهرجان الخليج السينمائي عام 2013م وتكرر إنجاز الفوز أيضًا بذهبية مهرجان بيروت السينمائي في دورته الثالثة عشرة، من بين أكثر من 70 فلمًا عربيًّا قصيرًا، كما شارك الفلم ضمن المسابقة الرسمية في مهرجان برلين للأفلام القصيرة. ويحكي الفلم بحس إخراجي مميز قصة امرأة يموت زوجها وهي حامل لتبقى وحيدة تصارع من أجل بقائها وتحسين معيشتها، وسط إجحاف القانون ومطامع الآخرين حولها.

ريم البيات، تجريب وشاعرية

وفي تلك المرحلة أيضًا برز اسم مخرجة مختلفة في رؤيتها الفنية وهي ريم البيات، التي حضرت مع بدايات الصناعة الفلمية النسائية، وكانت قد بدأت أول أفلامها «ظلال» عام 2008م، وشاركت به في مهرجان الخليج السينمائي بدبي، ثم أنجزت فلمًا آخر ذا طابع تجريبي مثير حينما اعتمدت أكثر من 5000 صورة فوتوغرافية لتكوين فلم قصير مدته 6 دقائق بعنوان «دمية» الذي اختير في مهرجان «الربيع العربي» في باريس، وشارك في الدورة الثالثة لمهرجان الخليج السينمائي في دبي، ويتناول الفلم في إسقاطة ذكية وحادة موضوعًا مؤلمًا حول زواج القاصرات!! في حين حققت أكثر إنجازاتها بما يقارب 11 ترشيحًا في مهرجانات دولية وفوزها بجائزة أفضل مخرجة في مهرجان مدريد وميلان 2017م بفلمها القصير الأخير «أيقظني»، المشارك في مهرجان دبي السينمائي في مسابقة المهر الخليجي القصير، الذي تسرد فيه بحس شعري لمدة 24 دقيقة قصة أزمة منتصف العمر عبر امرأة تحاول استعادة هويتها، في ظل إحساسها بالرفض الاجتماعي والشعور بالتأنيب.

هناء العمير وهند الفهاد، جوائز وقضايا

ومن عالم الكتابة الفنية والنقدية في الصحف والمجلات وكتابة النصوص الدرامية تأتي المخرجة هناء العمير، لتقدم أول أفلامها عام 2009م وكان وثائقيًّا مفعمًا بالموسيقا بعنوان: «بعيدًا عن الكلام» ترصد فيه زيارة فرقة أرجنتينية تعزف التانغو للرياض ولقاءها بفرقة غنائية سامري من عنيزة. وكان الفلم شارك أيضًا تلك السنة في مهرجان الخليج السينمائي قبل أن تعود هناء مرة أخرى لإخراج أول أفلامها الروائية القصيرة بعنوان: «شكوى»، الحاصل على الجائزة الأولى «النخلة الذهبية» كأفضل فلم في مهرجان الأفلام السعودية في دورته الثانية عام 2015م. ويحكي الفلم قصة امرأة موظفة تتداخل في حياتها مشكلات وضعها المهني وحياتها العائلية، ليخلق لديها ارتباكًا نفسيًّا يؤثر في اتخاذها قراراتها. وكانت هناء قد أحدثت تعاونًا ناجحًا مع المخرجة هند الفهاد في كتابة سيناريو فلم «بسطة» عام 2015م الفائز بجائزة أفضل سيناريو في مسابقة الفلم السعودي في مركز الملك فهد الثقافي عام 2017م، وقبلها حقق أهم جوائزه وهي جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل فلم خليجي قصير في مهرجان دبي السينمائي عام 2015م، والنخلة الفضية في مهرجان الأفلام السعودية وأفضل فلم في مهرجان الشباب للأفلام في جدة والمركز الثالث كأفضل فلم خليجي في مهرجان دول مجلس التعاون في أبو ظبي. وبعد هذا النجاح الكبير في فلم «بسطة» الذي يحكي وقائع يوميات النساء البائعات على الأرصفة، تستعد حاليًّا المخرجة هند الفهاد لفلمها الجديد «شرشف» الذي يتحدث عن تنميط المجتمع للمرأة وتحديد فرص تطلعها المستقبلية. ومن أفلامها «مقعد خلفي» عن دكتورة تتعطل حياتها وتنقلاتها المتعددة بسبب عدم قدرتها على قيادة السيارة، في لفتة نحو موضوع تمكين المرأة في المجتمع بضرورة إعطائها حقوقها على قدر المساواة مع الرجل، حينما تتكفل أيضًا بالمسؤوليات نفسها. وهو الفلم الذي كان قد شارك أيضًا في مهرجان الخليج السينمائي عام 2013م ومهرجان الفلم العربي في أريزونا.

شهد أمين، خريجة متروبوليتان

في عام 2014م برز أيضًا اسم شهد أمين حينما فاز فلمها «حورية وعين» بجائزة أفضل فلم وأفضل تصوير في مهرجان أبو ظبي في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة، والجائزة الثانية «النخلة الفضية» في مهرجان الأفلام السعودية في دورته الثانية عام 2015م، وكان الفلم قد شارك أيضًا عام 2013م في برنامج أصوات خليجية في مهرجان دبي السينمائي، وهو يحكي في دراما فانتازية جميلة قصة الفتاة الصغيرة حنان التي تعيش مع والدها الصياد على ساحل البحر، لتكتشف أنه يقوم بصيد الحوريات لانتزاع اللآلئ منها! المخرجة شهد أمين خريجة معهد متروبوليتان الفني في لندن، درست كتابة السيناريو في نيويورك وبدأت أول أفلامها «موسيقانا» ثم «نافذة ليلى» عام 2012م الذي عُرض في الدورة الخامسة من مهرجان الخليج السينمائي حول طفلة صغيرة منعزلة خلف نافذة غرفتها، في عالم وهمي تسعى فيه لمعرفة لغز الحياة. فيما تستعد حاليًّا المخرجة شهد لتجربتها الروائية الطويلة عبر فلم «حراشف»، من خلال حكاية فتاة صغيرة تتجاوز حادثًا موجعًا لتمارس حياتها وسط وحدتها وانعزالها.

هناء الفاسي، وجوائز دولية

فيما تقوم المخرجة هناء الفاسي حاليًّا بدراسة الماجستير تخصص سينما في أكاديمية نيويورك للأفلام في أميركا لتعزيز موهبتها وشغفها السينمائي، بعد أن كانت قد تخرجت سابقًا من أكاديمية فنون وتكنولوجيا السينما لرأفت الميهي في مصر، وبدأت أولى تجاربها الفعلية مع فلم تجريبي قصير بعنوان: «جاري التحميل»، الحاصل على جائزة أفضل فلم وأفضل مخرجة في مهرجان أميركا السينمائي الدولي بميتشيغان قسم الأفلام التجريبية، والجائزة الفضية للأفلام القصيرة من مهرجان كاليفورنيا، والفلم حول رجل يُدفَن في إحدى المقابر لكنه يحاول النهوض حال انصراف الناس ليلحق بالحياة من جديد. وهو الفلم الذي بدأت فيه علاقاتها مع المهرجانات السينمائية، حينما شاركت في مهرجان الخليج السينمائي عام 2010م، قبل أن تتوجه إلى موضوعات أكثر تحديدًا وواقعية، كما في فلم «السحور الأخير» (2016م) الذي يستعرض قصة مجموعة من النساء العربيات المقيمات في الخارج حينما يجتمعن لتناول السحور الأخير في آخر أيام شهر رمضان بمشاركة فتيات أميركيات، لتبدأ حينها الحوادث والمفارقات الكوميدية. وفي الفلم الأكثر درامية وملامسة اجتماعية «حلاوة» (2017م) الذي شارك في مسابقة المهر الخليجي للأفلام القصيرة في مهرجان دبي السينمائي، ويحكي قصة فتاة تصل لسن البلوغ لتضطر لإخفاء الأمر عن عائلتها حتى تتجنب ارتداء الحجاب وتغطية وجهها! فيما يبدو مشروعها المقبل مع فلمها الروائي الطويل الأول «رجال الورد»، الذي وقع عليه الاختيار للمشاركة في ملتقى دبي السينمائي، كما أعلنت ذلك الهيئة الملكية الأردنية للأفلام بعد مشاركة المشروع في البرنامج التدريبي: محترف الشرق الأوسط للأفلام وقبوله في ورشة راوي وميد فلم فاكتوري.

موجة من المخرجات

ومن اللافت للنظر كثيرًا في السنوات الأخيرة، ازدياد شريحة المخرجات السعوديات إذ نلحظ أن الدورة الثالثة من مهرجان أفلام السعودية 2016م بلغ عدد المشاركات فيه 22 مخرجة سعودية، قياسًا بالدورة الثانية التي شارك فيها 9 مخرجات فقط، فيما كان في الدورة الرابعة 12 مخرجة مشاركة. وتبرز في هذه المرحلة مجموعة من الأسماء الجديدة المميزة إخراجيًّا، مثل مها الساعاتي التي تقدم أفلامها بطريقة تجريبية وغرابة درامية فنية، مثل فلم «عش إيلو» الذي شارك في مهرجان أفلام السعودية 2016م. ثم شاركت في العام التالي بأحد أفضل أفلام مهرجان أفلام السعودية في دورته الرابعة «الخوف: صوتيا» حينما تفصح المخرجة عن مشاعر أنثوية مرتبكة. كما يبرز أيضًا اسم المخرجة هاجر النعيم، وهي طالبة إنتاج وإخراج سينمائي بكلية الأفلام بجامعة لايولا ماريمونت بلوس أنجليس، ونالت شهادة الإنتاج السينمائي من كلية الأفلام بجامعة كاليفورنيا ، وشاركت أيضا عام 2016م في مهرجان أفلام السعودية بفلم «أمل» حول طبيبة تسعى لإنقاذ والدتها المصابة بمرض نادر بصنع دواء جديد تقوم بتطويره. لكن مشاركتها الأبرز كانت في مسابقة المهر الخليجي القصير في مهرجان دبي السينمائي بفلم «احتجاز» (2017م) الذي يروي قصة الفتاة السورية لارا، التي سافرت إلى أميركا بعد تفاقم أحداث العنف والحرب في بلادها، إلا أن خيبة الأمل كانت سيدة المشهد عندما أوقفها الأمن القومي الأميركي، إثر تورط والدها في أحداث إرهابية وقعت في مطار لندن. ومن المخرجات اللاتي شاركن في مهرجان دبي السينمائي (2015م) في مسابقة المهر الخليجي القصير ندى المجددي، إحدى دارسات السينما في لوس أنجليس، بفلمها «كيكة زينة» الفائز بجائزة أفضل فلم قصير في مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للطفل، ويروي الفلم بأسلوب كوميدي خفيف قصة الفتاة زينة التي تحولت هوايتها في صنع الكيكة إلى مجال عمل مؤثر في حياتها وعلاقاتها! وفي المسابقة نفسها كانت هناك أيضًا المخرجة السعودية الشابة مرام طيبة التي قدمت فلم «منكير»، في دراما تسعى فيه دينا إلى إيجاد حلّ سحري لتحسين علاقتها الزوجية رغم ظروف البعد. إضافة إلى المخرجة رنا الجربوع التي قدمت فلمًا وثائقيًّا بعنوان «هجولة»، وتكشف فيه المخرجة بطرافة عن إحدى أغرب الهوايات وأخطرها «التفحيط».

أخيرا، ما يبشر أيضًا بتطور أفضل وتوجه أكثر لعمل إخراجي أكثر احترافية، وجود العديد من الفتيات السعوديات المبتعثات اللاتي يقمن حاليًّا بدراسة السينما في مختلف المعاهد والكليات في أميركا، وهو الأمر الذي سيشكل عودتهن أملًا كبيرًا مع هذا التوجه الجديد في دعم السينما في السعودية، عبر هيئة الثقافة والمجلس السعودي للأفلام ومهرجان الأفلام السعودية وغيرها من الجهات والمؤسسات الحكومية والمستقلة.

     
     
 
 
 
     
 

 

خالد الصديق

مخرج سينمائي كويتي

يوليو 2018

 

 
 
 

السينما الكويتية.. بس يا بحر

 
 

عندما كنت أدرس في المدرسة الشرقية في الكويت في بداية الخمسينيات لم تكن هناك دور للسينما والمجال الوحيد لعرض الأفلام كان في البيوت، وفي المناسبات السعيدة كانوا يعرضون أفلامًا على مقياس 16 ملم. وأول فلم شاهدته في الكويت كما أذكر كان فلم «بلبل وبطة» لإسماعيل ياسين، وذلك كان في أحد البيوت المجاورة لنا في منطقة الشرق في بداية الخمسينيات. بعد ذلك، ولأنني كنت أهمل الدراسة في الكويت، وكان الوالد – كمعظم تجار الكويت آنذاك – له علاقات تجارية مع الهند ففكر أن يرسلني إلى الهند للدراسة، وأن يشرف مكتبه التجاري على ذلك. وعندما وصلت إلى الهند أدخلت في مدرسة أميركية إنجليزية اسمها مدرسة سان بيتز. وطبعًا الهند معروفة في مجال السينما سواء في الأفلام الهندية أو الغربية، ومن هنا تدريجيًّا بدأت اهتماماتي بالسينما، ومع الزمن كنت أهرب من المدرسة لحضور بعض الأفلام لدرجة أن المدرسين والمدرسات بدؤوا يشتكون من غيابي إلى مكتب الوالد. وكنت أستغل الكثير من هذه الأوقات، لا لمشاهدة الأفلام فقط، بل لتعلم أمور فنية أخرى مثل: الإلكترونيات والالتحاق بمعاهد التصوير الفوتوغرافي وحضور أستوديوهات الأفلام السينمائية، ومنها أشهر أستوديو وهو أستوديو سنترال. وكنت دائمًا أساعد الفنيين في الأمور الفنية المختلفة، منها الديكور والأصباغ والمعمل والطبع والتحميض والصوت، وكل ذلك طبعًا من دون أي مقابل أبدًا، والمقابل الوحيد أن يسمحوا لي بأن أساعدهم بأي طريقة ممكنة، وهذا كان كافيًا لي. ومع الزمن وقبل إنهاء دراستي الثانوية هناك التحقت بمعهد سينمائي في بومباي، ودُرِّبتُ على التصوير الفوتوغرافي والنواحي الفنية للفلم السينمائي.

وكل هذه الأمور كانت تدور بمنتهى السرية بعيدًا من معرفة مكتب الوالد أو الوالد نفسه بها، حتى انتهيت من الدراسة في المدرسة الثانوية فطلبت من والدي أن أواصل دراستي التخصصية في مجال السينما. وطبعًا رفض رفضًا قاطعًا حيث كان يرى أن مجال السينما مجال اللهو والفساد وغيره. وهنا حدث نوع من التحدي من جانب الوالد حتى إنه أعادني إلى الكويت، وحاول أن يقنعني أن أشتغل معه في تجارته. وطبعًا لم أفلح في ذلك واستمرت عملية التحدي معه حتى التحقت –بعد التخرج- بتلفزيون الكويت عام 1963م. كان تلفزيون الكويت في بدايته، ولم يكن به قسم للسينما، وبعد عام تقريبًا من عملي في القسم الهندسي بالتلفزيون، انتقلت إلى الإخراج التلفزيوني معتمدًا على التدريب الذاتي، ثم عرض علينا وزير الإعلام ووكيل إلاعلام في ذلك الوقت الشيخ جابر العلي والأستاذ سعدون الجاسم أن نشترك في مهرجان تلفزيوني، وكان عبدالوهاب السلطان يومها رئيس قسم التصوير الفوتوغرافي في وزارة الإعلام ومحمد السنعوسي وأنا من التلفزيون وذهبنا إلى مونت كارلو في مهمة رسمية لحضور المهرجان التلفزيوني هناك عام 1964م، وفي أثناء وجودنا هناك تحدثنا أنا وعبدالوهاب السلطان حول مسألة إنشاء قسم للسينما في تلفزيون الكويت، وبعد رجوعنا بدأنا ننقل بالتدريج من وزارة الإعلام بعض الأجهزة السينمائية – التي كانت تابعة لوزارة الشؤون سابقًا – إلى قسم السينما، وترأس الأستاذ عبدالوهاب هذا القسم، ومجموعة من مصوري السينما منهم: المصور اللبناني سليم شحيد، والمصور المصري محمود سابو، والمونتير حسنوف. وكان لدينا معمل لتحميض الأفلام السينمائية في ثانوية الشويخ لأنه كان تابعًا آنذاك لوزارة التربية. وبدأنا نستعير هذا المعمل ونحمض الأفلام 16 ملم والأفلام الإخبارية التي كانت تصور بالطريقة السينمائية 16 ملم أيضًا.

وكان أول عمل أنجزناه فلمًا صورته، مدته نحو 20 دقيقة مقياس 16 ملم، وحمض في معمل وزارة التربية، وكان اسمه «علياء وعصام» عام 1964م، ولتوفير الوقت في عمل الفلم لأنه كان ضمن برنامج اسمه «صور شعرية»، اضطررت أن أمثل في الفلم أيضًا – صورنا الفلم كله في نصف يوم! بعد ذلك عملت عدة أفلام قصيرة درامية وتسجيلية ووثائقية منها فلم «الصقر» عن القنص، وقد صور الفلم في البراري، وكان معي من المصورين سليم شحيد وتوفيق الأمير. وحمض الفلم بإنجلترا (35 ملم) وقد اشتركنا بالفلم في مهرجانات عدة ولاقى صدى إعلاميًّا واسعًا).

صراع الإنسان وتوظيف الفولكور

في مهرجانات الأفلام القصيرة والتلفزيونية التي كنت أمثل الكويت فيها من خلال أفلامي، كنت أواجه بصورة مستمرة بأسئلة غريبة من نوعها عن الكويت، ومنها أن الكويتيين مولودون بملاعق ذهبية في أفواههم، وذلك بسبب الثروة النفطية! وبسبب تركيز وتكرار هذه الأسئلة فكرت أن أقدم عملًا أعرض فيه كفاح آبائنا وأجدادنا الكويتيين قبل اكتشاف البترول. وطبعًا هذه الانطلاقة كانت ذاتية. وبدأت أبحث عن الموضوع المناسب لمدة طويلة جدًّا حتى وقع اختياري على قصة شبه قصيرة للكاتب عبدالرحمن الصالح، كانت بعنوان «الدانة». وبمجهود كبير كتبنا السيناريو بالمشاركة مع المؤلف عبدالرحمن الصالح نفسه، وباشتراكي أنا والأستاذ ولاء صلاح الدين والممثل سعد الفرج. وأحببت -من خلال هذا الفلم كما ذكرت– أن أبيِّن للعالم كفاح الشعب الكويتي والخليجي ضد الطبيعة –والطبيعة هي البحر عندنا– قبل اكتشاف النفط. ومع أن هذه العملية كانت نوعًا من المجازفة، لكن الاندفاع والحماس وجنون السينما أيام الشباب جعلوني أنسى كل هذه الجوانب على الرغم من خبرتنا المتواضعة في كتابة السيناريو، اليوم وبعد النجاح الباهر الكل يدعي أنه الوحيد الذي كتب السيناريو لهذا الفلم من الألف إلى الياء.

ومن الصعاب التي واجهتنا في هذا العمل أن الممثلين كلهم كانوا غير محترفين، ولهم وظائفهم اليومية في دوائر الوزارات الحكومية وكنت مضطرًّا إلى أن أسجل وأشتغل معهم فقط في العطلات الرسمية، وكل يوم خميس أو جمعة حسب ظروفهم. وطبعًا كانت هناك صعاب ومشاكل كثيرة حتى أنجزت تصوير الفلم في زمن قياسي، فقد كان التصوير في نحو أربعة أشهر إلى خمسة أشهر. وطبعًا كان كل يوم جديد يمثل تحديًا لنا في ظل ظروف قاسية، قاهرة، خارجة عن إرادتنا، ومن دون أي خبرة سينمائية سابقة في مجال الأفلام الروائية الطويلة، ولله الحمد تخطينا كل هذه الصعاب، وأنجزنا الفلم من ناحية التصوير فقط، أما النيغاتيف السالب للفلم فقد حمض في تلفزيون الكويت، وأُجرِيت المراحل الفنية الأخرى في أستوديو مصر في القاهرة. وعندما أنهينا الفلم في الشكل الأولي، اقترح السفير الكويتي في القاهرة –الأستاذ حمد الرجيب– إقامة عرض خاص للفلم يشاهده الصحافيون والنقاد، لجس نبض الصحافة والنقاد واستكشاف انطباعهم عن الفلم. وبالفعل أقيم عرض خاص للفلم حضره كبار النقاد والصحافيين في القاهرة. وكانت الاستجابة رائعة، ونشرت الصحف مقالات عديدة في الأيام التالية تشيد بمستوى الفلم. وبعد العودة إلى الكويت استقبل الفلم استقبالًا رائعًا، وحضر عرضه الأول سمو أمير البلاد، وكان آنذاك ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء.

ونجح هذا الفلم في المهرجانات العديدة التي عرض فيها – فقد حاز حتى الآن على نحو تسع جوائز سينمائية عالمية منها جوائز مهرجان طهران ومهرجان دمشق، ومهرجان فينسيا، ومهرجان قرطاج، ومهرجان شيكاغو، ومهرجان قرطاجنة في إسبانيا وجوائز غيرها – وأعتقد أن سبب النجاح الباهر لهذا الفلم يرجع إلى أنه منفَّذ بصدق، وحماس مخلص وصادق، وفي بيئة غريبة لم تعرض من قبل على العالم بهذا الشكل. من خلال هذا العمل أحببت أن أقدم –غير الكفاح المرير لشعب الخليج ضد الطبيعة– زاوية وأسلوبًا وفكرًا جديدًا في المعاملة السينمائية، وذلك بإبراز أو عرض العادات والتقاليد الكويتية، وأحبكها حبكة درامية لصالح الخط الدرامي (أقصد بذلك أن أوظف العادات والتقاليد والجانب الأنثروبولوجى توظيفًا دراميًّا لصالح الخط الروائي للفلم) وأظن إلى حد ما أن هذه المحاولة قد نجحت. وهذه النقطة هي سبب من أسباب نجاح الفلم على هذا المستوى. ففي رأيي أنه من خلال دراستنا للجوانب الفولكلورية والعادات والتقاليد نجد الدافع وراءها دراميًّا في البداية، عند ظهورها إلى الوجود، وتستمر هكذا مع الأجيال، وفكرت أنه يجب عليّ أن أعرض هذه الأمور من خلال خط درامي، أي توصيلها دراميًّا وإبراز وظيفتها الدرامية، فكل الأشكال الفلكلورية الموجودة في الفلم موظفة دراميًّا. وكما أن البعض يرى في هذا العمل تناولًا أنثروبولوجيًّا، فأظن أن بالإمكان عده صالحًا كمرجع سينمائي لدراسة أنثروبولوجية لبيئة الكويت قبل النفط، وأظن أن المادة الوحيدة المرئية الموجودة في العالم عن الكويت قبل اكتشاف البترول هو فلم «بس يا بحر»؛ لأنه يعرض جميع الجوانب قبل دخول عامل النفط، بما في ذلك الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية، وكذلك طبعًا العادات والتقاليد. فهذه النواحي ساهمت في نجاح الفلم نجاحًا منقطع النظير على جميع المستويات، لدرجة أنه من الممكن أن أقول بعد «بس يا بحر» ظهرت أفلام عربية عدة عالجت مادتها بالطريقة نفسها، يعني الخط الدرامي فيها مطعم بالعادات والتقاليد، ابتداء من «عزيزة» الفلم التونسي لعبداللطيف بن عمار (سنة 1977-1978م) إلى آخر فلم على الغرار نفسه شاهدته سنة 1988م، وهو فلم «عرس الجليل» للمخرج الفلسطيني ميشيل خليفي.

بعد ذلك بسنوات فكرت في إخراج رواية الطيب صالح «عرس الزين». وقد وقع اختياري على «عرس الزين» لسبب بسيط جدًّا، فقد وجدت من خلال قراءتي لهذه الرواية المتوسطة في الطول أن هناك نقطة مهمة جدًّا يجب أن نتطرق إليها أنا أو غيري ونعرضها للجمهور. والنقطة هذه جاءت في الرواية بصورة مبسطة جدًّا وهي النفاق الديني في المجتمعات الإسلامية، وفضلت أن أقوي هذا الخط وأبرزه بشكل ملحوظ. وهذا شكل نوعًا من التعديل في رواية «عرس الزين»، هذا إضافة إلى اهتمامي بالعادات والتقاليد والجانب الأنثروبولوجي في العمل الأدبي، في البيئة السودانية الغنية.

القطاع الخاص وعدم دعم السينما

لقد حاولت في هذه الأفلام الثلاثة، بتنوع بيئاتها الدرامية تقديم عمل جاد مختلف عن السينما التجارية الهابطة، وفي الوقت نفسه سعيت في هذه الأعمال إلى أن أبين الأبعاد التاريخية والحضارية لنا. فبالطبع هذه الأعمال لها أبعادها وترتبط بروح المكان والبيئة والزمن. وهذه الأعمال كلها ترتبط أيضًا بالحالة النفسية أو المرحلة الظرفية التي أكون فيها عندما أختار العمل، وتسيطر عليّ طبعًا من البداية إلى أن أقع على القصة المناسبة، وأحوِّل هذه القصة إلى فلم سينمائي. قبل الدخول في تصوير فلم «بس يا بحر» حاولت إقناع الجهات المسؤولة في الكويت في أوائل السبعينيات أو أواخر الستينيات بتمويل أفلام روائية طويلة، ومع ذلك للأسف لم أنجح في ذلك. فجازفت بعمل فلم «بس يا بحر» بنفسي وعلى مسؤوليتي، وبعد تفكير عميق حاولت وفكرت أن أعمل عملًا ثانيًا. وأرفض تماما أن تتولى الدولة عملية الإنتاج السينمائي، وقد فشلت كل المحاولات التجارية في هذا الإطار فشلًا ذريعًا – في أوربا الشرقية، وفي مصر وغيرهما – لكن الدولة يمكن أن تقدم المساعدات والإمكانيات الكافية للإنجاز الإبداعي في مجال السينما. فعندما أنتج فلمًا لحسابي الخاص، وتكلفته على سبيل المثال 100 ألف دينار، الدولة تقول: «مستعدة أدفع نصف المبلغ أنجزوا العمل». هذه الخطوة رائدة وجميلة إذا تمت هنا. وللأسف فإن القطاع الخاص «ليس عندهم ثقة في مجال السينما ولا حماس لخدمة الكويت إعلاميًّا وثقافيًّا من خلال السينما»، لماذا لا يساهمون في دعم إنتاج أفلام سينمائية ينجزها فنانون وفنيون كويتيون. وهو وضع يجعل الإنسان يتمنى لو كان لدينا نظام للضرائب؛ لأنه إذا فرضت الضرائب على المؤسسات والشركات فسوف تمول – كما يحدث في أوربا – إنتاج أفلام سينمائية بدلًا من دفعها لضريبة وتستفيد دعائيًّا من وضع اسمها على الفلم، كذلك ستكون قد ساهمت في المجالات الثقافية والإعلامية في البلد.

من ناحية، لدي مأخذ بسيط على الشباب الكويتيين المتخرجين حديثًا في مجال السينما فأقول لهم: رجاء يا أصدقائي ابدؤوا من أول السلم. إن كل خريج يأتي في بدايته، ويريد أن يصبح مخرجًا لفلم روائي طويل. وقد نصحت أحد هؤلاء الخريجين الجدد منذ مدة قريبة وقلت له: «إذا بدأت مسيرتك بفلم روائي طويل وفشل فقد انتهيت إلى الأبد كمشروع مبدع سينمائي». فأكبر مخرجي العالم بدؤوا حياتهم الفنية من خلال أعمال صغيرة.

أتمنى أن يكون هناك تجمع للسينمائيين الموجودين في الكويت. وطبعًا هناك عوائق عديدة أمام ذلك. فالجيل الأقدم إما مشغول، أو يئس من المحاولة. والجدد لا يزالون في حاجة إلى إثبات وجودهم، وتنقصهم الخبرة. لكنني أتمنى أن نجتمع قدامى وشبابًا تحت مظلة جمعية للسينمائيين. وسمعت في الآونة الأخيرة عن محاولات تقوم بها مجموعة من شباب السينمائيين في الخليج، وهو إنشاء مركز سينمائي تابع للأمانة العامة لدول مجلس التعاون وهي فكرة ممتازة، لكني أتحفظ على أن يكون الهدف الأساسي لهذا المركز إنشاء أستوديوهات، فهذا خطأ، كما سبق أن أوضحت، فدور العرض مثلًا أهم، وإنتاج الأفلام أهم. فماذا أصنع بالأستوديوهات من دون أن أنتج أفلامًا؟ لأنه بإمكاننا إنتاج أفلام من دون أستوديوهات ومعامل كما عملنا في السابق، ولكن العكس غير ممكن.

عدنان فرزات: إمكانات مادية وفنية وأعمال روائية لم يستفد السينمائيون منها

ظل الناس لمدة زمنية طويلة، يعتقدون أن الفلم الكويتي «بس يا بحر» الذي ظهر في عام 1972م ويتحدث عن مرحلة الغوص، هو بمثابة بيضة الديك، أو أبعد من ذلك، هو بمثابة اللعنة التي حلت على بقية الأعمال السينمائية فطمستها حتى لم يعد يعرف الناس من السينما الكويتية سوى «بس يا بحر للمخرج خالد الصديق والمؤلف عبدالرحمن الصالح». هذا الفلم يمكن القول عنه: إنه «شوّش» على ماضي السينما وحاضرها في الكويت، وغطى على أعمال كثيرة، فسطوة هذا العمل السينمائي، جعلت بعضهم يعتقد أن تاريخ السينما بدأت منه، لكن الواقع يقول: إن السينما في الكويت لم تبدأ من تاريخ هذا الفلم، فالمؤرخون يذكرون أن بدايات السينما فيها تعود إلى عام 1939م. بدأ الوعي بأهمية السينما في الكويت مبكرًا؛ إذ أُسِّس قسم السينما والتصوير في دائرة المعارف التي هي بمثابة وزارة التربية اليوم، عام 1950م فأُنتج في تلك المدة ستون فلمًا وثائقيًّا تعليميًّا، حسب موسوعة تاريخ الكويت، التي جاء فيها أيضًا: «وفي عام 1954م تأسست شركة السينما ومعها أنشئت دور العرض وبدأ استيراد الأفلام، وفي عام 1964م انتقل النشاط السينمائي إلى وزارة الإعلام وتم افتتاح قسم السينما في تلفزيون الكويت، ثم مراقبة السينما عام 1981م بطاقة إنتاجية من عشرين فلمًا إلى ثلاثين فلمًا في السنة، وفي عام 1965م أُنتج فلم «العاصفة» لمحمد السنعوسي ثم تبعه في السنة نفسها فلم «الصقر» لخالد الصديق، ومجموعات من الأفلام التسجيلية ثم الروائية مثل «بس يا بحر» و«عرس الزين» و«شاهين». في مقالة منشورة بصحيفة القبس الكويتية بتاريخ 6/10/2017م، جاء أن: «أول جهاز للسينما دخل الكويت كان عام 1936م أحضره عزت جعفر، ووضع في قصر دسمان.. لكن البداية انطلقت من بيت بالإيجار خلف مستشفى الأميري، حوش عربي كبير، جهز بأرضية من الأسمنت وكراسي متحركة، وبدأت الأفلام تعرض في فصلي الصيف والشتاء، وحوش العرض غُطِّي بقماش سميك (يسمى الطربال) لا تنفذ منه المياه في أثناء نزول الأمطار. وكراسي متحركة، وكان إيجار البيت 44 ألف روبية في السنة الواحدة، أضيفت إلى ساحة العرض مطاعم لتقديم الوجبات السريعة، هذه البداية عام 1954م سميت دار سينما الشرقية».

جمهور سعودي

من المفارقات التي تذكرها المقالة، عن جمهور كان يحضر من المملكة العربية السعودية لمشاهدة العروض السينمائية: «طلب المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح من شركة السينما الكويتية إنشاء سينما للسيارات، فتم إنشاء سينما على الدائري السادس، وهذه نقلة جديدة في عالم السينما في الكويت نجحت وجذبت كثيرًا من المشاهدين، وبخاصة المملكة العربية السعودية، وهنا حصلت مشكلة وهي أن السعوديين يأتون بسيارات كبيرة لمشاهدة الفلم فتغطي على الصغيرة، فقامت الشركة بوضع أماكن لهذه السيارات حوالي ستين موقفًا للمشاهد». هذه ملامح عن البدايات التي تشير إلى أنها كانت بدايات جدية ومدروسة وممنهجة لتأسيس سينما حقيقية، لكن مع ذلك لم يحظ «الفن السابع» بالحضور الذي شهدته باقي الفنون في الكويت، فلكي نعرف أبعاد السينما في الكويت، لا بد من المرور بشكل عابر على بقية الفنون لإجراء مقارنة بسيطة، فالمسرح الكويتي كان أكثر رسوخًا من السينما، وقد انتشر المسرح الكويتي لمدة طويلة في المنطقة وارتبط بأسماء لامعة وموضوعات حيوية حركت مشاعر الجمهور أكثر مما فعلته السينما، وكذلك الأمر بالنسبة للدراما التلفزيونية الكويتية التي كانت مهيمنة لمدة طويلة على الساحة الخليجية، من خلال مسلسلات وتمثيليات كويتية بارزة لا يزال الناس يتذكرونها حتى اليوم، بل إن الكثير من المسرحيات الكويتية القديمة ما زالت تُعرض حتى اليوم تلفزيونيًّا وتستقطب المشاهدين بشغف.

هنا نصل إلى منعطف يتمثل في أن السينما في الكويت مرت بمرحلتين: التأسيس والحاضر، وبين هاتين المرحلتين فجوة كبيرة وفراغ سينمائي لم تشغله الكثير من الأفلام بعد فلم «بس يا بحر»؛ إذ يمكن القول بوجود مدة زمنية ما بين المرحلتين، غابت فيها السينما المحلية بشكل ملحوظ، واعتمدت دور العرض السينمائية على الأفلام الواردة من الخارج. هذا الموضوع تحدثتُ عنه سابقًا في ندوة شاركت فيها في نادي السينما بالكويت مع الكاتب إسماعيل فهد إسماعيل والمخرج وليد العوضي، الذي أخرج فلمًا صخمًا بعنوان: «تورا بورا». طرحتُ في هذه الندوة قضية غياب السينما المحلية، وربطت الأمر بتقاعس السينمائيين عن الاستفادة من الروايات الكويتية التي يصلح معظمها لأن تتحول إلى أفلام سينمائية. وذكرت يومها أن الإمكانيات البشرية والمادية متوافرة بكثرة في الكويت، لكنها لا تستثمر بالشكل المطلوب.

ظلت السينما في الكويت تراوح بين البدايات وبضعة أفلام متقطعة هنا وهناك، إلى أن حدثت نقلة نوعية في السنوات الخمس الأخيرة، حيث نشطت مجموعات شبابية اتجهت نحو الأعمال السينمائية، وبدأت الأفلام القصيرة وغيرها تظهر على شاشات العرض وتشارك في مهرجانات بل تحصد الجوائز. ونذكر هنا دور الناشطة الثقافية الشيخة إنتصار سالم العلي الصباح، التي تبنت مجموعة سينمائية شبابية تمكنوا من تقديم أعمال مرموقة وحصلوا على العديد من الجوائز في مهرجانات خارجية. كما قامت رابطة الأدباء الكويتيين بتأسيس نادٍ سينمائي أطلقت عليه اسم نادي «سين» وتولى الإشراف عليه الشاب خلف العصيمي، فأصبح النادي يقيم عروضًا سينمائية أسبوعية وورشات عمل. وأيضًا بدأت بعض الأعمال الروائية تتحول إلى أعمال سينمائية مثل فلم «بيبي» المأخوذ عن رواية للكاتب عبدالوهاب الرفاعي وإخراج لولوة عبدالسلام وعبدالعزيز العمار. كما دعمت شركة السينما الوطنية الكويتية الشباب، فقدمت أعمالًا مميزة منها: «فلان» من إخراج مساعد خالد ومقداد الكوت، و«صورة جواز» للمخرج يوسف المجيم، و«ضابط مباحث»، و«سالفة صورة» للمخرج داود شعيل وغيرها.

عماد النويري: هذه بدايات السينما في الكويت

مدير نادي السينما السابق في الكويت الناقد عماد النويري، الذي يعد أحد أهم موثقي وناقدي الأعمال السينمائية، تحدث لــ«الفيصل» عن تاريخ السينما في الكويت، وكان ألَّف كتابًا عن هذا الموضوع، يقول النويري: في الثلاثينيات من القرن العشرين، وعندما بدأ الكويتيون في السفر والترحال إلى عدد من الدول العربية للدراسة والتجارة، استطاعوا هناك مشاهدة الأفلام في دور السينما سواء كانت أجنبية مستوردة أو أفلامًا عربية منتجة في تلك الدول. وفي عام 1939م قام ألن فلييرز الرحالة والقبطان البحري الأسترالي الأصل بتصوير فلم تسجيلي عن الغوص وصيد اللؤلؤ وبعض ملامح البيئة الاجتماعية في الكويت، وتلاه محمد قبازرد بالفلم التسجيلي «الكويت بين الأمس واليوم». وفي عام 1946م جرى تصوير فلم تسجيلي عن بدء ضخ النفط من ميناء الأحمدي، وفي عام 1950م قامت دائرة المعارف (وزارة التربية الآن) بتأسيس قسم السينما والتصوير، وتمكنت من إنتاج 60 فلمًا وثائقيًّا تعليميًّا عن التعليم والصحة وغيرهما من أمور تتعلق بالحياة في الكويت.

ويضيف النويري أنه في عام 1954م تأسست شركة السينما الكويتية «التي أخذت على عاتقها إنشاء دور العرض واستيراد الأفلام. وفي عام 1964م انتقل النشاط السينمائي من دائرة الشوؤن الاجتماعية (وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الآن) إلى وزارة الإعلام إذ افتُتح قسم السينما بتلفزيون الكويت ثم مراقبة السينما عام 1981م بطاقة إنتاجية من 20 إلى 30 فلمًا في السنة قبلها. وكان التلفزيون قد بدأ إنتاجه السينمائي عام 1961م.
وفي عام 1964م قدم محمد السنعوسي فلم (العاصفة)، وفي عام 1965م قدم خالد الصديق فلم «الصقر». ويشير إلى أنه يمكن الإشارة إضافة إلى السنعوسي والصديق، إلى العديد من الأسماء التي ساهمت في تشكيل الواقع السينمائي في الكويت. كما يمكن الإشارة أيضًا إلى بعض محاولات الهواة في إنجاز وتحقيق عدد من الأفلام الروائية والتسجيلية أو أفلام التحريك القصيرة.

     
     
 
 
 
     
 

 

هدى الدغفق

- الفيصل 

يوليو 2018

 

 
 
 

سينمائيون سعوديون: نستعد للأفلام الطويلة.. والوصول إلى «كان» لم يكن ضربة حظ

 
 

الحراك السينمائي الذي انطلق مؤخرًا شجع السينمائيين والسينمائيات في السعودية على إعادة صوغ أولوياتهم، ودفعهم إلى العمل بمسؤولية وجدية أكبر؛ إذ إن عددًا من هؤلاء بدأ يفكر جديًّا في الاشتغال على أفلام طويلة، بعد زمن من العمل على الأفلام القصيرة.  يتحدث لـ«الفيصل» عدد من السينمائيات والسينمائيين السعوديين عن رؤيتهم للخطوات الحثيثة التي تدفع بها الهيئة العامة للثقافة والمجلس السعودي للأفلام، كما تطرقوا إلى مشاريعهم وطموحاتهم في المستقبل:

صورة جديدة في وعي الغرب

سمر البيات

تصف الممثلة سمر سمير البيات الفرص التي أتيحت اليوم للسينمائيين والسينمائيات بأنها تتجه نحو لحظتها المنتظرة، لحظة تاريخية وحتمية وهي تمثل الاعتراف بكل هذه الطاقات السينمائية التي عملت من قبل وساهمت في الاستعداد لقبولها بل الاحتفاء بها كصورة من صور التعبير عن الحياة. الوصول إلى مهرجان مثل «كان» تراكمي، فهناك كثير من الأفلام السعودية كانت قد تركت بصمات مميزة في مشاركاتها من خلال المهرجانات العالمية، وتركت أيضًا في وعي الغرب صورة جديدة عن السعوديين ومن يكونون في هذه اللحظة. ولا تنتهي التحديات بالنسبة لسمر التي ترى أن التحديات سلم للارتقاء: «نحن في طور الكلام، أما الفعل سوف يكون تطبيقه أكثر تعقيدًا. وسوف تكون الخبرات التي تتكون من خلال الممارسة، هي طريق آخر للوصول إلى أفضل طريقة لتحديات جديدة ومستمرة، إنها حالة ديناميكة جديدة لا تكف عن الحركة وتتغير فيها التحديات السابقة، إلى تحديات تتعلق بالمواضيع وطريقة تقديمها حتى تتكون السينما هنا وفق مهمتها الجميلة، وهي الوصول إلى لحظة حضارية أكثر رقيًّا». وقالت سمر: إن وجود صالات العرض سيسهم في تطوير الفلم السعودي؛ «لأننا نصنع مكانًا إيجابيًّا للتنافس ولحكم الجماهير على مستوى جودة الأفلام التي ستكون متاحة للجميع من خلال دور العرض، التي سوف تجعل من جودة الأفلام مقياسًا دقيقًا لرصدها».

من ناحية، يرى الممثل والناقد السينمائي وائل الدسيماني أن الحراك السينمائي الذي تدفع به الدولة اليوم، «فاق بكثير أحلام السينمائيين السعوديين. لو سألت أي سينمائي قبل هذه المرحلة: ما هو حلمك السينمائي؟ لاكتفى بطلب فتح دور العرض السينمائي في السعودية. وتفاجأنا كسينمائيين سعوديين بأن السينما تم وضعها في منهج متكامل ضمن رؤية 2030 واعتبرتها الحكومة أحد أهم ركائز القوة الإعلامية السعودية وأحد أهم روافد الترفيه». ويوضح الدسيماني أن الصناعة السينمائية «عملية متعددة المراحل». ويقول: كنا سابقًا نتحدث مجرد «أحاديث» عما سيواجهنا إذا بدأنا بتفعيل السينما واليوم نحن في قلب التحديات، فلكي نقول: إنه لدينا صناعة سينمائية متكاملة لا بد من توافر مدن وأستوديوهات إنتاج سينمائي، ولا بد من توافر أنظمة وقوانين تسهل حركة الطواقم ووجودها من دون أية عوائق.

تعاطف مبرر

ويتطرق الدسيماني إلى المستوى الفني والجمالي لما تحقق حتى الآن من أفلام، ويقول: يجب أن نكون واقعيين في تقييمنا لهذه المرحلة المبكرة من عمر السينما السعودية الناشئة، مضيفًا أن الأفلام التي «تلفت النظر من ناحية القيمة الجمالية والفنية قليلة جدًّا، ويستحق صناع هذه الأفلام القليلة المميزة الثناء والتشجيع». ويرى أن نظرة التعاطف من النقاد العرب والمهرجانات العالمية للأفلام السعودية، «مبررة الأسباب ولا نستطيع لوم الآخرين عليها، وإن كانت تزعجنا كسينمائيين سعوديين لأنها تفقدنا قدرة القياس الفني لمستوى فلم سعودي معين، فمثلًا عندما تلقت المهرجانات السينمائية العالمية فلم «وجدة» أو فلم «بركة يقابل بركة» هل هذه المهرجانات أشركت هذا الفلم السعودي وسلطت الضوء عليه لقيمته الفنية أم كتشجيع معنوي لشبان وفتيات ينتمون لبلد ليس فيه فرصة التعبير السينمائي؟».

هناء الفاسي

وتوضح المخرجة هناء الفاسي أن تطوير الفلم السعودي يحتاج إلى التمويل الجيد، «فعندما نقارن فلمًا أجنبيًّا بفلم سعودي سنلاحظ أن الفلم الأجنبي قيمته ملايين الدولارات، في حين لا تزيد كلفة الفلم السعودي المستقل عن أربع مئة ألف دولار. وهنا يكمن الفارق في طاقم العمل المحترف بالكامل، ومزايا أخرى لا تتوافر في الفلم السعودي. ثانيًا: تطوير صناعة السينما من خلال ورش العمل التي يمكن من خلالها استقدام محترفين من أرجاء العالم، كالتي تقوم بها بعض الهيئات في الوطن العربي، مثل الهيئة الملكية للأفلام بالأردن، ولقد تم قبولي في ورشة تسمى الراوي لكتابة السينما، وهي ورشة تعاونية بين الهيئة ومعهد ساندانس في أميركا. بعدها شاركت معهم في ورشة محترف الشرق الأوسط. وهم يختارون بعض المشاريع ويستقدمون محترفين من العالم لصناعة أفلام هوليوود وغيرها للإشراف على مشاريع من اختاروهم في الورشة، ومثل هذه الورش نحتاجها جدًّا في السعودية وهذا وقتها». وتنفي هناء الفاسي حقيقة النظرة المتعاطفة مع الفلم السعودي من العرب والأجانب، «ليس هناك تعاطف مع الفلم السعودي على الإطلاق. الفلم الجيد هو الذي يفرض نفسه. مديرو البرامج في المهرجانات التي أذهب إليها تحدثوا لي عن أفلام سعودية ضعيفة جدًّا. إذن لماذا لم يتعاطفوا معها؟

هند الفهاد

بدورها، ترى المخرجة هند الفهاد أن وجود الفلم في صالات السينما ونجاحه يعتمد على حضور الجمهور ومشاهداته. وبالتالي فإن مسألة تقديم أعمال لا تكون محكومة فنيًّا بشكل دقيق، وبشكل يحترم المشاهد بالتأكيد سيكون فشلها واضحًا وسريعًا جدًّا». وتقول: لذلك فأنا ضد التعجل في صناعة الأفلام، فليس المهم أن نعرض الآن بقدر ما هو مهم أن ينجح الفلم السعودي في صالات السينما، ويكون مرغوبًا من الجمهور السعودي. وتضيف أن هذه المسألة «أشد أهمية من الاستعداد السريع ومراعاة نوع المواضيع التي تجذب المشاهد السعودي، ونوع الأفلام التي تطرح في السينما».

منافسة صعبة

وتقول المخرجة مها الساعاتي: إن السينما موجودة منذ مدة طويلة في الإمارات والبحرين، «لكن هل يوجد من دخل السينما ليشاهد فلمًا إماراتيًّا أو بحرينيًّا؟ ربما بدا ذلك الأمر نادرًا». وتعتقد أن المنافسة للحصول على دعم، ستكون منافسة صعبة، «لا أعلم إن كانت ستزداد صعوبة مع غلاء أسعار كل شيء، كتأجير خدمات التصوير ومعداته؛ لأن الجميع بدأ ينظر للمسألة بطريقة ربحية، ويحاول الاستفادة منها كتجارة. النظر للفلم بطريقة تجارية بحتة سوف يحد من أصالته وصدقه وعفويته». وتنظر مها الساعاتي إلى ما تحقق فيما سبق على أنه بدايات واجتهادات مستقلة، «كثيرًا ما يغلب عليها المثاليات، أو الطابع الحنيني حبيس الماضي والتقاليد». ولا تعلم الساعاتي إن كان هناك تعاطف من العرب أو من الغرب، لكنها تعتقد أن وجود سينما تجارية في السعودية «سيحد من إمكان الحصول على دعم خارجي؛ لأنه لم يعد هناك مبرر للاستعطاف واللعب على ورقة الضعف».

محمد السلمان

ويطمح الكاتب والمخرج محمد السلمان إلى إنجاز فلم طويل. ويقول: «اشتغلت عددًا من الأفلام القصيرة؛ إذ إن لها فرصة المشاركة في بعض المهرجانات، وبالتالي تتاح لي فرصة العمل على فلم طويل، بعد اكتساب الخبرة اللازمة. ومع توافرها لم يعد هناك مبرر للتقاعس عن إنتاج أفلام طويلة. أمر آخر، أراه مهمًّا، وهو ضرورة أن تكون لدينا هوية خاصة تميز الفلم السعودي. ينبغي أن نروي نحن قصصنا في السعودية، ولا نترك الآخر يرويها نيابةً عنا. هذا أمر مهم جدًّا، وهو فرصة كبيرة لنا وللمجتمع، الذي بالتأكيد سيقبل على أفلام تعالج همومه وقضاياه. وعندما ننجز أفلامًا طويلة في مستوى عال من الفنية، سنكون على موعد مع التحدي مع أفلام أجنبية في صالات العرض الداخلية، لذلك من الأفضل لنا، كما أعتقد، أن نعمل مثلما عملت السينما الفرنسية، عندما وضعت امتيازات خاصة لأفلام بلدها، تشجع من خلالها صالات السينما بتخصيص ساعات عرض دائمة للأفلام التي تظهر من فرنسا. الشاب السعودي اليوم أثبت أن لديه شغفًا بالسينما، ويسعى إلى أن تكون لديه هوية فنية خاصة به. غير أن ما ينقصنا هو كتابة سيناريو (البناء الدرامي للفلم) كما لا نريد أن تكون أفلامنا حلقة طويلة من مسلسل تلفزيوني. هذا ليس طموحنا».

عبدالرحمن صندقجي

أما المخرج عبدالرحمن صندقجي فيقول: إن الرؤية الجديدة 2030 أعطت اهتمامًا كبيرًا لصناع الأفلام للنهوض بالسينما السعودية، «مع هذا الدعم الكبير ستكون هناك نهضة سينمائية سعودية، وبخاصة مع افتتاح صالات السينما والتعاون مع شركات عالمية معروفة في هذا المجال، وستكون هناك فرص ذهبية لعرض المشاريع والأفلام السينمائية السعودية في سينمات عالمية ومحلية. ومن أجل تطوير مستوى هذه الأعمال ودعمها سيكون هناك تعاون مع جهات مرموقة في العالم السينمائي. أما طموحاتي كمخرج أفلام وثائقية سينمائية فقد أنجزت عددًا من الأفلام، مثل فلم «الزهايمر» بالتعاون مع الجمعية الخيرية السعودية للزهايمر. وفلم «فوسفين» وفلم «الجليد» الذي حصل على جوائز عالمية في عدد من المهرجانات. وأطمح في تناول القضايا السعودية الرائجة والحديثة من خلال أفلام وثائقية استقصائية، لنرى فيها الكثير من ثقافاتنا الغنية وتجاربنا الناجحة وإنجازاتنا، وسيكون تركيزي على قصص النجاح وعرضها بطريقة ترفيهية».

سلسلة وثائقية

من جانبه، يرى المخرج عبدالعزيز الفريح أن نهضة الصناعة السينمائية سواء في السعودية أو غيرها «ليست مرتبطة بالصالات ودور العرض السينمائية إطلاقًا، فصالات السينما هي غالبًا تكون تجارية، تعرض الأفلام المستوردة العالمية المشهورة وبخاصة أفلام هوليوود لتحقق أرباحًا من بيع التذاكر والبوب كورن والمشروبات. أما إذا كنا نتحدث عن نهضة الصناعة السينمائية فهي مرتبطة بعدة عوامل، من أهمها الاهتمام بالتعليم المتخصص بمجالات صناعة الفلم المتعددة من إضاءة، وصوت، وتصوير، وإخراج، وإنتاج، وكتابة، ومونتاج، وتأليف الموسيقا التصويرية، والإخراج الفني، والمكياج، والخدع البصرية وغيرها لتؤهل الكوادر البشرية تأهيلًا احترافيًّا، ليستطيعوا النهوض بالصناعة السينمائية والمنافسة في تطوير هذه الصناعة العريقة. حينما كنت أدرس الماجستير في تخصص الإنتاج السينمائي في لندن حضرت اجتماعًا للبرتيش فلم إنستيتيوت، وكان يتحدث المسؤول عن دعم الدولة لصناعة الأفلام السينمائية في بريطانيا وأنها تخصص مبلغًا سنويًّا يتجاوز قيمة 500 مليون جنيه إسترليني للحفاظ على حركة السينما داخل بريطانيا، وذلك لمعرفتهم بأهمية السينما وكيف تحفظ صورة الشعوب وتاريخها وموروثها، وكذلك تحدث عن أهمية فتح الباب وتقديم التسهيلات لشركات الإنتاج العالمية للتصوير داخل بريطانيا، لما تعكسه من نقل صورة جميلة للعالم عن لندن وكذلك ينعكس على رفع اقتصاد البلد سياحيًّا، وثقافيًّا واجتماعيًّا!». ويقول الفريح: «بشكل عام نحن كصناع أفلام سعيدون جدًّا بما تحقق من إنجازات لم نكن نحلم بها يومًا، متمثلة في إنشاء هيئة الثقافة والمجلس السعودي للأفلام وافتتاح صالات السينما في السعودية، وعرض الأفلام السعودية على مستوى العالم مؤخرًا، وفخورون أيضًا أنه كانت هناك مشاركات نسائية بارزة وممتازة في صناعة الأفلام السعودية لمعت مؤخرًا وحققت جوائز عديدة. لا ننسى كذلك الدعم القادم للصناعة السينمائية في السعودية وصناع الأفلام السعوديين وكل هذا بفضل قيادة الأمير الشاب محمد بن سلمان ورؤية 2030 لما يقدمه من رفع لمستوى جودة الحياة في المملكة العربية السعودية وكذلك أن ننافس عالميًّا في المستقبل في الأصعدة كافة».

ويتحدث الفريح عن طموحاته فيصفها بالكبيرة، «فأنا امتداد لسعد الفريح رائد السينما والتلفزيون والمسرح في السعودية، ومن شدة اهتمامي بهذا المجال وعشقي له تغربت ودرست السنة التأسيسية والبكالوريوس والماجستير في تخصص الإنتاج التلفزيوني والسينمائي في بلد عريق وله باع طويل في الفنون وهو بريطانيا، ولدي مهمة كبيرة وهي إكمال مسيرة والدي الذي شق طريقه في تأسيس هذه الصناعة في السعودية، وتحقيق بعض أحلامه التي لم يستطع تحقيقها في وقته؛ بسبب

عبدالعزيز الفريج

قلة الإمكانات والظروف الاجتماعية القاسية عليه آنذاك. حاليًّا أعمل على مشروع سلسلة فلم وثائقي طويل اسمه «أسماء في الذاكرة» وقد بدأه سعد الفريح عام 2000م ولم يكمله إذ وافاه الأجل، وأنا الآن أعمل على إكمال هذا المشروع كما كان يريده بشكل حديث وعميق، وسيكون سعد الفريح من ضمن أحد شخصيات الفلم الراحلة».

خط إنتاج داخلي

أما المخرج والمنتج طلال عايل فيوضح أن الشباب «يعون أهمية صناعة أفلامهم والمشاركة بها، وهم لديهم خلفيات معرفية في السينما عميقة ومتشعبة انعكست على أفلامهم. أفلام تنتمي إلى السينما بشكلها الأصيل، لافتة للانتباه والاهتمام من النقاد ومبرمجي المهرجانات. وفعلًا ذهب السينمائيون الشباب إلى مناطق لم يتوقع الجمهور وغيرهم وصولنا إليها»، مشيرًا إلى أنه كمنتج ومخرج «لدينا خط إنتاج داخلي، ننتج فيه من عام 2007م أفلامًا للشباب السعودي ونعمل على دعمه ومنذ عام 2015م بدأ يتحول هذا العمل إلى عمل منظم وحثيث؛ إذ أنتجنا مجموعة من الأفلام ولدينا هذا العام مجموعة أفلام أخرى سنبدأ في إنتاجها، بعضها سيكون إنتاجًا مشتركًا مع دول أخرى وبعضها سيكون إنتاجه في السعودية، من ضمنها فلمان طويلان. أتوقع أن كثيرًا من الأسماء السعودية ستبهرنا بأعمالها. ونحن منذ أن أُعلِن عن السينما بشكل رسمي، بدأنا نعد العدة ونجهز أنفسنا لنكون في مصافّ الإنتاجات التي تعكس شكلًا سينمائيًّا مميزًا عن المملكة وعن الشباب السعودي، ومدى وعيه واستيعابه للحركة السينمائية على مدى تاريخها.

رحلة تحدٍّ

وتنظر المخرجة ضياء يوسف إلى الخطوات الجديدة بصفتها «إشارة إيجابية لتفعيل الحراك الفني في المملكة وعلى المستوى العالمي، يظهر جليًّا السعي الحثيث لتحريض الطاقات الإبداعية لدى شبابنا، وإنتاج الفنون المتفردة القادرة على تأكيد تواصلنا مع بعضنا، وفتح أبواب التواصل على مصاريعها مع جميع الهويّات الثقافية والحضارية الأخرى». وتوضح أن تحويل الأفكار إلى أعمال إبداعية «هو رحلة تحدٍّ بحد ذاته، فضلًا عن أن هذا العمل الإبداعي خاصة يتعلق بالسوق وظروف السوق. لدينا سوق في طور الإنشاء ستبقى بعض الأدوار الضرورية فارغة وسيتعين علينا ردمها مع الوقت. على أي حال وجود المجلس السعودي للأفلام وفتح الصالات هو بداية جيدة لمستقبل السينما السعودية».

وقالت ضياء: «منذ البداية كان الشغف هو وقود السينما السعودية. هذا الشغف كان حقيقيًّا جدًّا لدرجة انعكس في الأعمال التي صرنا نراها تتطور يومًا بعد يوم. رحلة الفلم السعودي في طريقها إلى النضوج والجمال والاحترافية كانت وما زالت رحلة مشوقة وجميلة».

     
     
 
 
 
     
 

 

طارق الشناوي

ناقد سينمائي مصري

يوليو 2018

 

 
 
 

طفرة في سينما الخليج

 
 

دخول السعودية بما تملكه من قوة وإرادة للتغيير والقدرة على امتلاك أسلحة القوة الناعمة، وإتاحة الفرصة لها كي تلعب دورها الحقيقي في التغيير المجتمعي، سيحدث تغييرًا مهمًّا في صناعة السينما في دول الخليج العربي. السينما في الخليج لا تتوازى مع قوة الخليج الفكرية والحضارية والاقتصادية والثقافية، لكن هذا لا ينفي وجود نماذج قوية في العمل والاقتصاد السينمائي، ففي الإمارات على سبيل المثال واحد من أهم مهرجانات السينما في العالم العربي، وهو مهرجان دبي السينمائي، الذي يعقد بشكل دوري سنويًّا، وإن كانت دورة 2018م لم تعقد هذا العام وجرى تأجيلها لعام 2019م، إلا أن أهمية هذا المهرجان تأتي من أننا نستطيع أن نتعرف من خلاله اتجاهات السينما العالمية، وهذا المهرجان في العموم عنوان مهم جدًّا ليس للسينما في الخليج فقط، ولكن للعالم العربي ككل.

وأتوقع أن دخول السعودية إلى الإنتاج السينمائي سوف يثري سوق العمل السينمائي، بداية من الإنتاج والإخراج والممثلين والمونتيرين والمصورين وغيرهم، سواء كانوا من أبناء الخليج أو من أبناء العالم العربي بشكل عام، أو حتى من الفنانين والكتاب والمخرجين العالميين، فمجرد دخولها سيفتح بابًا واسعًا لتنافس مواهب كثيرة في مختلف مجالات العمل السينمائي، كما أنه سيتيح فرص تعاون كبيرة بين مختلف صناع السينما في بلدان العالم العربي. لنا أن نرى ما حدث مع فلم الفنانة هيفاء المنصور «وجدة» الذي جرى تصوير أجزاء منه في الشارع بالسعودية قبل أن يُسمَح للسينما بالعمل، فهذا التصوير جرى وسط قبول مجتمعي قبل أن تسمح السلطات بالعمل السينمائي، فما بالنا بعد السماح، وتشجع الكثيرين وخروجهم من دوائر التزامهم لإطلاق العنان لخيالهم وإبداعاتهم. أتصور أن ثمة طفرة ستحدث في السينما الخليجية من جانب، وسوف يكون لهذه الطفرة تأثيرها الكبير الاجتماعي والثقافي في الشارع السعودي، من جانب آخر. وأعتقد أن بوادر ازدهار صناعة السينما الخليجية بدأت في التدفق هذا العام، فلأول مرة وبعد مرور 71 عامًا على إنشاء مهرجان كان السينمائي الدولي نجد السعودية تشارك بجناح فيه هذا العام، هذا الجناح يعرض أفلامًا مختارة، ويعقد صفقات خاصة بصناعة السينما في السعودية ودول الخليج ككل، وهذه خطوة مهمة وكبيرة يجب الانتباه لأهمية وجودها وضرورته.

ناقد سينمائي مصري

     
     
 
 
 
     
 

 

غسان خروب

صحافي فلسطيني يقيم في أبوظبي

يوليو 2018

 

 
 
 

السينما الإماراتية دراما وكوميديا وأكشن وخيال علمي والتحرر تدريجيًّا من عباءة المهرجانات

 
 

بخطى واثقة، تمضي السينما الإماراتية نحو الأمام، حاملة بين ثناياها حكايات عديدة، ترويها عبر مشاهد فلمية، تحمل بصمات صناع سينما طالما اختبروا الواقع المجتمعي، ونجحوا في استخراج مكنناته، وترجمتها على الشاشة الكبيرة. ورغم أنها لا تزال حديثة العهد، فإن السينما الإماراتية استطاعت أن تحقق في السنوات الأخيرة، قفزات نوعية، ليس فقط في عدد الأفلام المنتجة سنويًّا، إنما في فتح أبواب صالات العرض التجارية أمام أفلامها، التي جاءت بعضها على مستوى عال من الجودة، والحبكة والمعالجة.

بين عوالم الكوميديا والدراما والأكشن تنقل صناع الأفلام الإماراتية، لدرجة حطوا فيها برحالهم في أراضي الخيال العلمي، ودخلوا معها في دهاليز أفلام الرعب، التي تميزت بنصوص جيدة، وأفكار بعضها مستوحى من البيئة الشعبية الإماراتية، مستفيدين من اتساع الفضاء السينمائي الذي تتمتع به الإمارات، سواء من ناحية صالات العرض، أو من ناحية وجود مهرجانات السينما وعلى رأسها مهرجان دبي السينمائي، الذي تحول إلى حدث ينتظره عشاق السينما في المنطقة والعالم. خلال العام الماضي، تمكن صناع السينما الإماراتية من إنتاج ما يقارب 13 فلمًا ما بين روائي قصير وروائي طويل، معظمها حملت بصمات مخرجين شباب وأخرى لفتيات تَمَكَّنَّ من خلال أفلامهن من تقديم رؤاهن لقضايا المجتمع، ونسجْنَ على ضوئها بعضًا من أحلامهن، وفي العام الجاري، لا يزال هؤلاء يواصلون طريقهم، متسلحين بآمال كبيرة في أن يتمكنوا من الوصول يومًا إلى منصة الأوسكار، ولا سيما بعد الإعلان خلال مهرجان كان السينمائي في دورته السبعين، عن تشكيل الإمارات للجنة خاصة لاختيار أفلام تمثل الإمارات في منافسات جائزة الأوسكار ضمن فئة أفضل فلم أجنبي.

ورغم كمية التحديات التي تواجه صناع الأفلام الإماراتية التي في مقدمتها تأتي إشكالية التوزيع والدعم، فإنهم استطاعوا أن ينجزوا أفلامهم بالاعتماد على مصادر دخل متعددة، مثل صندوق «إنجاز» التابع لمهرجان دبي السينمائي، و«سند» التابع لشركة إيمج نيشن أبوظبي، أو القطاع الخاص، الذي لا يزال بعيدًا نوعًا من لعبة الإنتاج السينمائي، أو من خلال فوزهم بجوائز سينمائية مرموقة، مثل جائزة «أي دبليو سي شافهاوزن» للمخرجين الخليجيين التي تمنح الفائز بها 100 ألف دولار، وجائزة وزارة الداخلية لأفضل سيناريو مجتمعي التي تقدر قيمتها بنحو 100 ألف دولار.

ويتفق عدد من السينمائيين الإماراتيين في حديثهم لـ«الفيصل» على أن السينما الإماراتية استطاعت خلال السنوات الخمس الأخيرة، أن تحقق قفزات نوعية، وأن تدخل أروقة صالات العرض التجارية، وأن تحرر نفسها من عباءة المهرجانات التي طالما تدثرت بها خلال بداياتها.

أفلام بمعايير العرض التجاري

يقول المخرج الإماراتي عبدالله الجنيبي، صاحب فلم «كيمره»: «في تقديري، إن السينما الإماراتية استطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تقطع شوطًا جيدًا في مجال الصناعة، وذلك بفضل الجهد الذي بذله صناع الأفلام الإماراتية، وكذلك بفضل المهرجانات السينمائية التي أقيمت في الإمارات وساهمت بطريقة أو بأخرى في إرساء قواعد هذه الصناعة، بحيث أصبح المخرج الإماراتي قادرًا على إنتاج أفلام مفصلة على مقاس صالات العرض التجارية». ويضف: «بلا شك أن المتابع لمسيرة السينما الإماراتية يدرك حجم القفزة التي حققتها؛ إذ أصبح صناعها أكثر جرأة وإقبالًا على إنتاج أفلام طويلة، بعد أن ظلوا لسنوات طوال يقتصرون على إنتاج الأفلام القصيرة فقط، وهذا التحول في تقديري أدى إلى إحداث نقلة في طبيعة العمل نفسه، وطرق الإخراج، والتصوير، حتى القصص والقضايا التي يعالجونها في أفلامهم، التي استطاعت التحرر من عباءة المهرجانات، وأصبحت أكثر قربًا من العرض التجاري، وهو ما يمكن القول بأنه يمهد لصناعة أكبر».

يشير عبدالله الجنيبي أيضًا إلى أن التحديات التي تواجه السينما الإماراتية، هي ذاتها التي تواجه أي سينما في العالم: «يكاد يشكل الدعم التحدي الأكبر الذي يواجه أي سينما في العالم، والسينما الإماراتية لديها هذا التحدي أيضًا، ولكن تم التغلب عليه، نوعًا ما، من خلال إيجاد صناديق دعم قادرة على توفير جزء صغير من تكلفة الإنتاج، إلى جانب وجود مسابقات أخرى تعمل على توفير جانب آخر من التكاليف». ويشدد على ضرورة إدخال القطاع الخاص في عملية تمويل ودعم الأفلام الإماراتية: «السينما الإماراتية في حاجة إلى وقوف القطاع الخاص إلى جانبها، وهو أمر يمكن تطبيقه على أرض الواقع، ولا سيما أن القطاع الخاص قادر على فتح الآفاق أمام صناع الأفلام الإمارتية، وهو ما لمسته من خلال تجربتي في فلم «كيمره» الذي اعتمدت كليًّا في تمويله على القطاع الخاص، من خلال تعاوني مع الدكتور فيصل علي موسى، رئيس مجلس إدارة مجموعة فام القابضة، الذي وفر لي الإمكانات كافة التي نحتاجها من أجل إنتاج الفلم الذي تم إعداده خصيصى لصالات العرض التجارية. واستطاع الفلم أن يحقق إنجازًا بفوزه بجائزة أفضل إخراج في الدورة الرابعة عشرة لمهرجان دبي السينمائي، إلى جانب منافسته على شباك التذاكر المحلي». ويبين الجنيبي أن تجربته مع القطاع الخاص في فلم «كيمره»، مهدت أمامه الطريق لإنتاج أفلام أخرى، مؤكدًا أنه بدأ الاستعداد لإنتاج فلم جديد بعنوان: «قائمة الأمنيات» الذي سيجري إعداده أيضًا للعرض في الصالات التجارية.

أمامنا مشوار طويل

نايلة الخاجة

أما المخرجة نايلة الخاجة، فتقول: «يمكن القول إن السينما الإماراتية استطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تقطع شوطًا جيدًا، وتمكنت من دخول حلقة إنتاج الأفلام الروائية الطويلة القادرة على المنافسة في صالات العرض التجارية، بدليل كميات الأفلام التي عرضت خلال العام الماضي والجاري أيضًا، وجميعها كان تجارب جيدة بشكل عام، وأعتقد أن سبب ذلك يعود إلى طبيعة التجارب التي خاضها صناع الأفلام الإماراتية بدءًا من مسابقة «أفلام من الإمارات» ومرورًا بمهرجان الخليج السينمائي، وكذلك أبوظبي السينمائي وليس انتهاءً بمهرجان دبي السينمائي الذي عمل على تفريخ صناع السينما الإماراتية، من خلال توفير منصة عرض دولية لهم». وتشير صاحبة فلم «عربانة» إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجه صناع السينما الإماراتية هو عدم توافر كُتاب النصوص، وهو الأمر الذي يضطرهم للاعتماد على أنفسهم في هذا الجانب، «على الرغم من الإنجازات التي حققتها السينما الإماراتية، إلا أنني أعتقد أنه لا يزال أمامها مشوار طويل في هذا الجانب، فنحن لا نزال نفتقر إلى الأكاديميات القادرة على تخريج مخرجين وكُتاب وفنيين وغيرهم، وما هو متوافر لدينا يكاد يكون محصورًا في أكاديمية نيويورك أبوظبي، وبعض الورش العملية التي تقام هنا وهناك، وهذا بتقديري لا يكفي».

وتوضح صاحبة فلم «حيوان» أن دخول صناع الأفلام الإماراتية على صالات العرض التجارية، كان بمثابة حلم: «على أرض الواقع، الحلم بدأ يترجم، وأصبح هناك نافذة جديدة لصناع السينما الإماراتية، يمكنهم من خلالها تقديم أعمالهم مباشرة إلى الجمهور، ومعرفة ردات أفعاله مباشرة، وكلنا يدرك أن الجمهور هو أفضل حكم على جودة هذه الأعمال، وبلا شك أن المتابع للأرقام والإيرادات التي حققتها الأفلام الإماراتية في الصالات، يشعر بمدى التطور الذي أصاب هذه الأعمال؛ إذ أصبح لدينا أفلام أكشن، ودراما ورعب وكوميديا، وهو ما خلق تنوعًا في طبيعة الإنتاج».

الخاجة التي سافرت هذا العام نحو مهرجان كان السينمائي، بصحبة ثلاثة سيناريوهات لأفلام طويلة، أحدها رعب والآخر كوميدي والثالث درامي، تؤكد ضرورة العمل على توسيع دائرة دعم السينما الإماراتية. وتقول: «أعتقد أنه حان الوقت لأن يعمل مخرجو السينما الإماراتية على توسيع مروحة الدعم، وعدم الاكتفاء فقط بما تقدمه صناديق الدعم التابعة لمهرجان دبي السينمائي، وأن يكون هناك توجه جاد نحو إشراك القطاع الخاص في هذه الصناعة، التي يمكن لها أن تفتح مجالًا كبيرًا للاستثمار الناجح، بدليل التجارب الدولية العديدة في هذا الجانب».

إقبال جماهيري

منال بن عمرو

«السينما الإماراتية تتحرك إلى الأمام بثقة كبيرة، وذلك بفضل تكاتف بعض صناع السينما المحليين مع بعضهم، من أجل تقديم أعمال روائية طويلة»، بهذا التعبير بدأت المخرجة والكاتبة السينمائية منال بن عمرو حديثها. وتقول: «أعتقد أن التجارب التي قدمتها السينما الإماراتية في السنوات الخمس الأخيرة، استطاعت أن تحررها من عباءة المهرجانات؛ إذ قدم صناع الأفلام رؤى جديدة، بمستويات عالية، مستفيدين بلا شك من طبيعة التجربة التي مرت بها السينما الإماراتية منذ انطلاقتها حتى الآن». وتضيف: «الإقبال الجماهيري على مشاهدة الأفلام الإماراتية في الصالات، ساهم في رفع معنويات الشباب الإماراتي المهتم بصناعة السينما، وهو ما دفع العديد من مخرجي السينما الإماراتية إلى خوض تجارب إنتاج الأفلام الروائية الطويلة، المفصلة على المقاييس التجارية، التي استطاعت أن تعكس وجهة نظرهم الخاصة، والقضايا التي يناقشونها».

منال تذهب في حديثها ناحية إشراك القطاع الخاص في عملية دعم السينما الإماراتية. وتقول: «تعزيز فكرة الاستثمار الثقافي بكل جوانبه، ومن القطاعات (الحكومية وشبه الحكومية والخاصة) أمر أساسي يتوجب الاهتمام الفعلي به، ولا سيما أنه يساهم في تفعيل دور الثقافة والفنون ومسيرة التنمية الفكرية للمجتمع وأفراده. وصناعة السينما في الإمارات وكجزء فعال من قطاع الثقافة والفنون، خاضت شوطًا مبشرًا بُني على أسس وقواعد تستمر رغم العقبات في الوجود والإنتاج، سواء من خلال الصناع أو الأفلام أو الفعاليات السينمائية المتخصصة على الأصعدة المحلية والعالمية، كمهرجان دبي السينمائي الدولي، ومهرجان الشارقة الدولي لسينما الطفل وغيرها». وتشير إلى أن القطاع الخاص يعنيه أمر الترويج والدعاية، «إن وفرت صناعة السينما بجميع أركانها ومراحلها ذلك، وبشكل لافت لن يتوانى عن الدعم المعنوي والمادي، الذي هو في النهاية استثمار يعود لمصلحته المباشرة».

وتتابع صاحبة فلم «رائحة الخبز» بقولها: «عندما نذكر الاستثمار، فمن المتوقع أن يكون هناك ربح ما مادي أو معنوي. ولا تجد مستثمرًا يضع أمواله وإن كانت في سبيل أمر فني وثقافي دون أن ينتظر عائدًا ما منه، ولن يقوم بهذه الخطوة إن لم تكن هناك دراسة واضحة ودقيقة للمشروع السينمائي، توضح كل الجوانب التي تمكنه من وضع تصور لأرباحه من هذه الصناعة وتوقعاته للنتائج على أقل تقدير». وتواصل: «نشر هذه الثقافة يحتاج لجهود عدة من بينها: تعزيز قيمة العمل السينمائي، وأهمية صناعة الأفلام، وتشجيع المؤسسات الثقافية والفنية في الدولة لصناع الأفلام من خلال الدعم والمشاركات والعروض واللقاءات الفكرية، وبشكل مستمر ومتواصل؛ لأن السينما حياة وليست أمرًا طارئًا لحظيًّا، يلقى الاهتمام لفترة ثم يهمل. ومكانة السينما وأهمية دورها في الحياة والمجتمع تحتاج لتعزيز وتمكين، خصوصًا أن المُخرجات الأكاديمية للتخصصات ذات الصلة بصناعة الأفلام في تزايد، والفرص متوافرة إلا أن جهد وضعها جميعها على الطريق نفسه تبدو صعبة أو غير ممكنة».

وردًّا على سؤال حول إمكانات نجاح وجود صندوق عام لدعم السينما على أرض الواقع، تقول منال: «أذكر فيما مضى عددًا من المؤسسات بدأت فكرة مشابهة، إلا أنها لم تستمر لأسباب عدة، مثل تقليص الميزانية، وغيرها، ولعب عدم مسؤولية والتزام بعض صناع الأفلام، دورًا في عدم وجود رؤية وصيغة تعامل رسمية سبب في تدهور المبادرة وتعثرها. وفي تقديري أن مثل هذا الدعم، يجب أن يكون فريقه خبراء في الإنتاج وصناعة الأفلام، يتولون العمل الميداني الإداري ومتابعته والحرص على توفير فرص متكافئة للجميع وبآلية عمل واضحة ودقيقة». وتضيف: «النموذجان المستمران حتى الآن في الدعم، وهما صندوق «إنجاز» التابع لمهرجان دبي السينمائي الدولي، والصندوق التابع لشركة إيمج نيشن أبوظبي، يدعمان الأفلام على المستوى المحلي والعالمي، وعليه فالدعم جزئي وليس كاملًا لميزانية المشروع. وعلينا أن ندرك أن صناعة الأفلام لا تتوقف عن النمو بسبب عدم وجود دعم فقط، فالأمر يكمن في مسألة التوزيع واستثمار العمل كمشروع مربح، وهذا يتطلب وعيًا تامًّا بمراحل صناعة الفلم وإعداد النص وتنفيذه ومرحلة ما بعد الإنتاج من تسويق وتوزيع».

نجاح ملحوظ

في حين يشير المخرج والمنتج عامر سالمين المري، صاحب فلم «عاشق عموري» إلى أن السينما الإماراتية تمكنت من تجاوز مرحلة الفلم القصير، وباتت تقف على أعتاب الأفلام الروائية الطويلة، والتجارية. ويقول: «لطالما ارتبطت السينما الإماراتية في بداياتها بإنتاج الأفلام الروائية القصيرة، ولكن مع مرور الوقت، استطاعت بفضل إصرار صناعها على تجاوز هذه المرحلة، التي يمكن القول: إنها أسست لمفهوم الفلم الروائي الطويل، سواء المخصص للعرض ضمن مهرجانات السينما، أو المفصل على مقاس صالات السينما التجارية، وفي الحالتين تمكنت السينما الإماراتية من تحقيق نجاح ملحوظ». ويضيف: «لعل ما يحسب للسينما الإماراتية هو تكاتف صناعها، ومساعدة بعضهم بعضًا، وهذه الحالة مكنت السينما الإماراتية من الحصول على دماء شبابية جديدة، حيث بات الشباب يطمحون إلى دخول الساحة وتقديم رؤاهم الإخراجية والفنية في السينما، فضلًا عن ذلك لا يمكن أن نفصل السينما الإماراتية عن واقعها، حيث استطاعت من خلال جملة من الأفلام أن تعكس الواقع الإماراتي وأن تقدم الوجه الحقيقي للمجتمع الإماراتي، من حيث ثقافته وعاداته وتقاليده، وقضاياه السابقة والراهنة، وهذا بلا شك ساهم في دفع السينما الإماراتية نحو الأمام». ويتابع سالمين: «ما حققته السينما الإماراتية خلال السنوات الخمس الأخيرة، من إنجازات، ساهم في رفع سقف طموحاتها؛ إذ أصبح معظم مخرجيها يصنعون أفلامًا توازن بين الرؤية الفنية السينمائية، والمقاييس التجارية، وهذا أنتج لنا أفلامًا تجارية ذات مستويات عالية، مثل «ساير الجنة» لسعيد سالمين، و«كيمره» لعبدالله الجنيبي، و«عاشق عموري»، و«دلافين» لوليد الشحي، وغيرهم».

نجوم الغانم: الإمارات في حاجة إلى سينما نوعية

يميز المخرجة نجوم الغانم امتلاكها لتجربة ثرية في السينما الإماراتية؛ إذ بدأت اشتغالها السينمائي في منتصف التسعينيات، وقدمت طوال هذه السنوات جملة من الأفلام الوثائقية الطويلة، آخرها كان بعنوان «آلات حادة»، وفازت عنه بجائزة أفضل فلم إماراتي في الدورة الـ14 لمهرجان دبي السينمائي، إضافة إلى عدد من الأفلام الروائية القصيرة. حول نظرتها للسينما الإماراتية، تقول: «لا بد لنا أن نعترف أن السينما الإماراتية حديثة العهد، ولديها نشاط في الأفلام الروائية القصيرة، ورغم ذلك استطاعت أن تمتلك القدرة على إنتاج أفلام طويلة جيدة قادرة على اقتناص الجوائز، ليس في داخل الإمارات وحسب إنما على المستوى الدولي أيضًا، كما حدث مع معظم أفلامي مثل «حمامة» و«آلات حادة» وغيرهما. ولا نزال نسعى إلى تقديم أفلام سينمائية روائية طويلة، ذات مستويات جودة عالية، قادرة على محاكاة قضايا المجتمع الإنسانية وإبراز قصصه المختلفة، في ظل جملة التحديات التي تواجه السينما الإماراتية والخليجية على حد سواء، ولعل أبرزها يتمثل في وجود الدعم والجهات المنتجة؛ لأن الإنتاج السينمائي في الواقع مكلف ماديًّا، ويحتاج إلى جهات متخصصة وقادرة على توفير الدعم المطلوب؛ لإبقاء عجلة السينما مستمرة في حركتها».

صاحبة فلم «عسل ومطر وغبار»، تشير إلى أن السينما الإماراتية تفتقد إلى كُتاب سينمائيين جيدين، عادَّة إياها نقطة ضعف في السينما الخليجية والإماراتية على حد سواء. وتقول: «لكل مجتمع خصوصيته، وكذلك هي المجتمعات الخليجية، التي تمتلك خصوصية لافته، تحتاج إلى كاتب سيناريو ماهر، وخبير في طبيعة العلاقات الاجتماعية وتركيبتها وتفاصيلها، إلى جانب خبرته في ثنايا المجتمع نفسه، بحيث يتمكن من إظهار القضايا التي يعانيها ويعمل على وضعها في قوالب سينمائية جميلة». نجوم التي عُرفت بالتزامها بخط الأفلام الوثائقية، تؤكد أن السينما الإماراتية تحتاج إلى تراكم نوعي وليس كمي. وتقول: «مهرجانات السينما ضرورية بلا شك، من أجل تنشيط حركة الإنتاج وحفز السينمائيين على العمل والإبداع، وتمنحنا فرصة التعرف على مدارس أخرى وجديدة من سينمات العالم المختلفة، ورغم ذلك لا نزال في الإمارات بحاجة إلى سينما نوعية وليست كمية، في ظل ما تشهده صالات العرض التجارية من تدفق كبير من أفلام هوليوود وبوليوود». وتنوه الغانم إلى أن السينما الإماراتية محظوظة بامتلاكها لمجموعة من الشباب العارف في السينما، والقادر على إنتاج أفلام ذات مستوى جميل، وإيقاع لافت.

     
     
 
 
 
     
 

 

أمل السعيدي

باحثة عمانية

يوليو 2018

 

 
 
 

سينما عمان.. من منبر للسلطة إلى معالجة القضايا الشائعة

 
 

«السينما المعادل الشعري واللوني لـ(الأزرق الكبير)» محمد الحارثي

لا يمكن أن نبدأ أي سرد عن السينما العمانية من دون أن ننطلق من حيث كتب الشاعر والكاتب العماني محمد الحارثي عن دور السينما الأولى في عمان، ففي كتابه «ورشة الماضي: أوراق في الشعر، السرد، السينما، وسير الترحل» (مؤسسة الانتشار العربي) خصص فصلا فيما يشبه السيرة الذاتية، حول علاقته الشخصية بالحضور الأول للسينما في المشهد الثقافي العماني، وكان دخول السينما في منتصف السبعينيات على حد تعبير الحارثي إثمًا لا يغتفر اجتماعيًّا ودينيًّا، إلا أن وزارة الإعلام ابتكرت آنذاك فكرة عروض السينما المتحركة في عربات متنقلة، وذلك بسبب عجز وصول الإرسال التلفزيوني إلى كل مناطق عمان، «شاهد فيها الجمهور مآثر العهد الجديد من أفلام توجيهية تختارها وزارة الإعلام» (ورشة الماضي، للحارثي) ومن هنا فإن عهد العمانيين مع السينما كان عبر استخدامها كمنبر يحقق غايات السلطة، التي كانت تواجه في ذلك الحين مشكلات عديدة منها وبلا شك حربها الضروس ضد الشيوعيين في جنوب السلطنة، ومحاولة بناء دولة جديدة قائمة على المؤسسات المدنية، في بلاد تمتاز بصراعات قبلية، وتيار ديني تمثل حكم عمان في أوقات سابقة.

وفي أوائل السبعينيات حسب الحارثي افتتحت عدة دور للعرض السينمائي في عمان وهي: سينما ريكس، وسينما النصر، وسينما بلازا، التي كانت دور عرض اقتصرت على الأفلام الآسيوية الموجهة لترفيه العمالة الآسيوية العاملة. عدا سينما النجوم التي غامر مستثمر لبناني بافتتاحها مع شركاء عمانيين حيث خصصت يوم الجمعة لعرض فلم عربي إلا أن هذه التجربة لم تستمر نظرًا لقلة توافد العمانيين والجاليات العربية لارتياد دور السينما، مقارنة بنظيراتها التي نالت نجاحًا واسعًا.

النشاط السينمائي العماني، اقتصر على مجموعة من الدراسات السينمائية التي قام بها بعض الأدباء والمهتمين بهذه الصناعة كان منهم الأديب العماني عبدالله حبيب الذي صنع مجموعة من الأفلام القصيرة خلال مدة دراسته بأميركا. وهناك مجموعة من الأسماء التي درست السينما في مصر أمثال خميس الرفاعي وهو الملحق الثقافي بسفارة السلطنة في القاهرة ومال الله الذي يعمل في التلفزيون ومنصور عبدالرسول الذي يعمل هو الآخر بالتلفزيون، لكن أيًّا منهم لم يحقق عملًا سينمائيًّا يذكر سوى مشاريع التخرج الخاصة بهم. (السينما العربية وآفاق المستقبل – جان الكسان – الفن السابع – منشورات وزارة الثقافة المؤسسة العامة للسينما – دمشق ٢٠٠٦م) ومن خلال ذلك يمكن أن نستنتج أن الفلم العماني القصير مرتبط بمناخ طلابي. والاستدلال على ذلك يمكن بالنظر تاريخيًّا في نشوء الفلم العماني وتطوره. وهكذا كان أول اشتغال سينمائي عماني طلابيًّا وهو لحاتم الطائي وعبدالله حبيب بوصفهما طالبين في الولايات المتحدة الأميركية عام ١٩٨٨م باستخدام كاميرات سينمائية احترافية. حاتم الطائي أخرج فلم «السقوط» وبعد عودته أنجز الفلم الروائي القصير «الوردة الأخيرة» عام 1989م ثم أعقبه بفلم «شجرة الحداد الخضراء» (الذي لم يكتمل)، وقام المخرج محبوب موسى بإخراج عدد من الأفلام القصيرة في أثناء متابعته لدورات سينمائية في أحد المعاهد الأميركية المتخصصة، كما أخرج الشاعر الناقد عبدالله حبيب في بداية التسعينيات عددًا من الأفلام الروائية القصيرة. منها فلمه الذي حاز جائزة دولية وهو «هذا ليس غليونًا» (اعتمدت الكاتبة على المقابلة الشخصية مع الكاتب والسينمائي العماني عبدالله خميس في كثير من أجزاء هذا المقال).

تطلعات كبيرة

ويعد فوز فلم «هذا ليس غليونًا» لعبدالله حبيب بالجائزة الفضية في مسابقة مؤسسة الثقافة والفنون، بالمجمع الثقافي، في أبو ظبي، بدولة الإمارات العربية المتحدة عام ١٩٩٢م بداية أكثر من مبشرة للسينما العمانية التي كانت تحمل عبر هذا الجيل تطلعات كبيرة صقلتها المعرفة، والقرب الثقافي من تجارب مؤثرة في السينما حول العالم، ولعل المثال الأبرز على ذلك هو كون هذه التجربة، أعني «هذا ليس غليونًا» لعبدالله حبيب تدخل ضمن نطاق «التجريب» الكامل في العمل الفني، أي عدم الالتزام بالشكل التقليدي وتقديم رؤية فنية جديدة تعكس الروح الشاعرة والمتمردة لطبيعة ذلك الجيل، إلا أنه ولمشاكل عديدة واجهها ذلك الجيل توقف عن لعب دور المنتج واقتصر ما تبقى من نشاطه على تقديم الأطروحات والدراسات حول الأفلام السينمائية، من دون تجربة صناعتها من جديد. حدث بعد ذلك انقطاع كبير إلى حين ظهور كاميرات الديجيتال، وعاد الفلم العماني ليؤكد ارتباطه بعالم الطلبة والكليات. ظهرت أفلام كل من يوسف البلوشي وجاسم البطاشي وعبدالله البطاشي الذين خاضوا تجارب دراسية مرتبطة بالاشتغال الفني مثل الإخراج المسرحي. الانتعاش الجديد للفلم السينمائي جاء في الورش التي قامت دائرة الأنشطة الطلابية بوزارة التعليم العالي بإدارة الفنانة التشكيلية بدور الريامي ونائبها سلطان العزري. إذ أقاموا ورشة للأفلام، وهذا في العام الأكاديمي ٢٠١٠- ٢٠١١م في كلية العلوم التطبيقية بنزوى. شارك فيها المخرج عامر الرواس، وناصر الشكيلي من مركز القدس للإنتاج الفني، واختيرت كلية نزوى لوجود معامل حاسب آلي جاهزة للعمل. استمرت الورش ٣ أعوام وتصادف وجودها مع مهرجان الخليج السينمائي. فبدأ العمانيون يشاركون في المهرجان. وغلبت على الأفلام في هذه المرحلة مزية العمل المشترك. وفازت بعض هذه الأفلام في دورات مهرجان الخليج السينمائية الأولى، وهو ما شجع دائرة النشاطات الطلابية فقدموا الورشة لعامين آخرين. وظهرت في تلك الحقبة ولأول مرة أفلام لمخرجات عمانيات منها: «تيمنية».

ومن أبرز الثيمات التي عولجت في أفلام هذه المرحلة: القرية، والطفولة، والحنين على اعتبار أنها مواقع تصوير متاحة ويمكن معالجة مواضيع مرتبطة بها، فكثرت مثلًا الأفلام التي تناولت «قرية حمرا العبريين، المسفاة» بوصفها موقعًا تراثيًّا وثقافيًّا استغله العمانيون أحيانًا في تقديم عمل فني متماسك فنيًّا وفي أحيان أخرى كبطاقة عبور لقبول الآخر لرمز من رموز الهوية العمانية في مهرجانات عالمية، لم تعتمد المعالجة الفنية وحدها لقبول العمل السينمائي بل اعتبارات أخرى مرتبطة بالقدرة على تكريس التابوهات في مجتمعات منغلقة أو نقل التراث، وتحرير المرأة على سبيل المثال لا الحصر. واستمرت هذه الثيمات في حضورها البارز في السينما العمانية إلى اليوم، نظرًا لكون غالبية الأفلام المنتجة هي مشاريع طلابية غير مدعومة، تكفل صانعوها باستخدام أقل الموارد كلفة. هذه مقدمة لا بد منها إذا ما أردنا أن نقيم وضع السينما العمانية اليوم ولا يمكن بمكان أن نعزل صناعة الفلم عن الحالة الثقافية العمانية، التي وفي سرد تاريخي لها في كتابه «مفاتيح ضئيلة سماوات واسعة» كتب عبدالله حبيب عن المراحل العسيرة لتاريخنا الوطني التي تعذر فيها وجود فضاء عام ذي فعالية كبيرة، وصولًا إلى ارتباط العمل الثقافي في عمان بالمؤسسات الرسمية، وهو الأمر الذي قد يعني حدودًا مرسومة للتعامل مع الخطاب ومفردات المشهد الثقافي في عمان.

قضايا اجتماعية شائعة

أُطلق مهرجان مسقط السينمائي الأول عام ٢٠٠١م تحت مظلة فرقة فناني مجان المسرحية (ورقة بحثية: مدخل إلى التحولات السينمائية في سلطنة عمان ودور الجمعية العمانية للسينما في نشأة الحراك السينمائي – محمد الكندي)، ولعل في هذه الإشارة تأكيدًا مستمرًّا على كون السينما العمانية إلى مدة قريبة، لم تعامل كصناعة مستقلة بعيدًا من مساهمة فنانين من المسرح ورواد الفن التشكيلي والأدباء والشعراء، وفي عام ٢٠٠٦م أُشهِرت الجمعية العمانية للسينما. وهذه الجمعية بالنسبة للكاتبة لا تتجاوز بقية جمعيات المجتمع المدني التي لم تدفع الحالة السينمائية إلى موقع آخر مقارنة بتلك التي دُعمت من قبل الحكومة العمانية وديوان البلاط السلطاني مثل جمعية هواة العود وجمعية التصوير الضوئي، كل هذه الظروف تحدد مقاس التطلعات للإنتاج السينمائي العماني. إن المتابع عن قرب للإنتاج السينمائي يجد أن الشاغل الأكبر من ناحية المضمون هي القضايا الاجتماعية التي يعيشها المجتمع العماني بشكل مباشر، مثل حوادث السير، وإدمان المخدرات، والفقر، والانتقال من القرية إلى المدينة، وغيرها من القضايا الاجتماعية الشائعة، عدا تجارب فردية قليلة نسبيًّا مقارنة بمن يقدمون هذا النوع من الأعمال، قدمت المخرجة العمانية الشابة مزنة المسافر تجربة فلم قصير حول موضوع النقاب، والخيارات الشخصية التي تفرض على المرآة من منطلقات دينية وأخرى اجتماعية. وقدم أنور الشريقي عملًا حول ختان الصبية والمثلية الجنسية في إحدى مناطق السلطنة مما تعد تجارب لافتة مع تجارب أخرى لم يسعني الإشارة إليها. ولا يدعو هذا للقلق لأن مختلف الفنون حول العالم مرت بهذه المرحلة التاريخية، التي ذهب بعض النقاد لإطلاق صفة الحتمية عليها، إلا أن الخروج من دائرة الالتزام بالقضايا العامة إلى دائرة الاهتمام بالحياة الشخصية، يتطلب منظومة كاملة تدفع لاحترام الفردانية، وتؤسس لها؛ إذ يتصرف فيها الفنان بحرية التفكير والتجريب. إن طبيعة الشخصية التي تكرس لها الأنظمة العربية كل أدواتها، قلما تكون غير مستلبة، وذات خيال حر. وهذا ليس ببعيد من ذهنية المشتغلين في السينما في عمان من وجهة نظري. لقد ساهمت التقنية وبشكل كبير في تقديم كل الأدوات الممكنة لجودة بصرية عالية إلا أن الرهان يبقى على السيناريو والكتابة المختلفة، التي تستطيع تقديم رؤية مغايرة للعالم وللظروف التي نعيش فيها داخل عمان.

     
     
 
 
 
     
 

أمير العمري

ناقد مصري

يوليو 2018

 

 
 
 

الطموح لبناء صناعة سينمائية

 
 

في العالم العربي توجد صناعة سينمائية عريقة راسخة ومعروفة في مصر. في حين يوجد إنتاج للأفلام في عدد من البلدان العربية. والمقصود بصناعة سينمائية وجود عوامل متعددة مترابطة تمكنت خلال الكثير من التجارب والإنشاءات من خلق قاعدة لوجود هذه الصناعة بغض النظر عن تطور أو تدهور هذه الصناعة، طبقًا للمراحل التاريخية المختلفة، والعوامل التي تؤثر في وجودها وتطورها، كما أن وجود صناعة للسينما لا يرتبط بالضرورة بمستوى ما ينتج من أفلام، فهناك التجاري السائد أو الأفلام الاستهلاكية التي تنتج بغرض التسلية، وهناك الأفلام الفنية الأكثر طموحًا التي تنتج للتعبير وتوصيل رسالة فكرية وذهنية معينة.

ولعل النموذج الأمثل للدلالة على ما نقوله هنا بخصوص الصناعة، يتمثل في صناعة السينما الهندية، ما بين تجربة «بوليوود» في بومباي، والتجارب السينمائية الأقل تكلفة وإبهارًا التي تنتج في ولايات أخرى في الهند.

وعندما نقول: إن هناك أفلامًا سينمائية تظهر بين وقت وآخر في لبنان وسوريا وفلسطين والجزائر وتونس والمغرب، فليس المقصود التقليل من شأن هذه الأفلام أو منتجيها، لكنها لا تخلق صناعة بسبب اعتمادها الأساسي على العنصر الأجنبي سواء في التمويل أو التقنية السينمائية (التصوير والمونتاج والموسيقا والمكساج… إلخ) كما أنها- تفتقر لوجود سوق داخلية تضمن دوران رأس المال في دورة مستعادة تكفل الاستمرار في الإنتاج. ولولا شراء هذه الأفلام من بعض قنوات التلفزيون الفرنسية والأوربية عمومًا، لأفلس منتجوها بسبب غياب دورة التوزيع، وبخاصة في ضوء التراجع المخيف المستمر منذ سنوات في عدد دور العرض في هذه البلدان التي ذكرناها.

لهذا فإذا تصورنا أننا نريد خلق صناعة سينمائية في بلد عربي لم يعرف هذه الصناعة من قبل أو عرف على استحياء عروض بعض الأفلام، من دون أن تظهر فيه عناصر سينمائية تقدم على تجربة الإنتاج، فمن الضروري أولًا التأكد من خلال دراسات الجدوى من وجود جمهور يمكنه استهلاك المنتج السينمائي، أي سوق لتوزيع الفلم يكفل استرداد الأموال التي أنفقت على إنتاجه وتحقيق هامش من الربح لمنتجيه، وبهذا تستمر دورة الإنتاج، ومن دون سوق لا فائدة في الحديث عن صناعة سينما. ووجود السوق يقتضي إنشاء شبكة ضخمة من دور العرض، فالفلم مكانه الطبيعي في دار العرض السينمائي وليس على شاشة التلفزيون أو جهاز الكومبيوتر الشخصي أو الآيفون وخلافه، فما يصلح للعرض على الشاشة الكبيرة لا يصلح بالضرورة للعرض على الشاشة الصغيرة، فلكل جمالياته ومقاييسه الفنية الخاصة.

السينما فن ديمقراطي بالضرورة وبحكم طبيعته وتكوينه فهو لا ينشأ وتتعدد مستوياته وأساليب مخرجيه إلا في مناخ عام صالح حر مع تقليص قبضة الرقابة والحد من تدخل قوى التشدد الاجتماعي. ولا يجب التذرع بما تحققه بعض الأفلام الإيرانية في المهرجانات الدولية، فإيران تنتج عشرات الأفلام سنويًّا، كلها تخضع لمعايير رقابية متشددة تتضمن الكثير من المحاذير، ولا تنجح خارج إيران سوى الأفلام التي تفلت بطريقة ما، من هذه القيود، منها أفلام تصور سرًّا أو تخترق نظام الرقابة، ويدفع مخرجوها الثمن، أو أفلام تُموَّل من الخارج ومن فرنسا تحديدًا، ويتركها النظام الإيراني للتظاهر بالحرية لكي تُسوَّق في أوربا، لكنه يحظر عرضها في الداخل.

تأسيس بنية تحتية قوية

يجب قبل كل شيء تأسيس بنية تحتية قوية: نظام للأستوديوهات والمعامل والكاميرات مع إعداد كوادر مدربة تدرس السينما في المعاهد أو ورش العمل والبرامج التدريبية المباشرة على الفروع المختلفة للعمل السينمائي. ضرورة توافر نظام للإنتاج يسمح بالاستثمار الخاص والخارجي مع الاستثمار القادم من الدولة التي يتعين عليها دعم التجارب الأكثر طموحًا، مع تخصيص مسابقات للسيناريو الأفضل. وهنا يأتي دور مهرجانات السينما التي لا يجب أن تكتفي بعرض مختارات من الأفلام العالمية، فرغم أهمية هذه العروض إلا أن الهدف الرئيسي لأي مهرجان دولي كبير هو تنشيط السوق السينمائية الداخلية ودعم صناعة السينما في البلد الذي توجد فيه المهرجانات. ويتوافر هذا من خلال الاحتكاك مع شركات الإنتاج الخارجية ودعوة ممثليها للمشاركة في المهرجانات وعرض المشاريع التي تستحق التمويل عليهم، وتبادل الأفلام معهم، وتوزيع الأفلام الفنية التي تحمل قيمًا وأفكارًا إنسانية رفيعة في الداخل أي عدم الاكتفاء بعرضها في المهرجان فقط، كما يجب أن تلعب قنوات التلفزيون المتخصصة في عرض الأفلام دورًا في تمويل إنتاج الأفلام «السينمائية» على أن تعرض أولًا على الشاشات في دور العرض السينمائي قبل أن تنتقل للعرض على الشاشة الصغيرة.

تشجيع النقد في الصحافة والإعلام

أي الاهتمام بنشر الدراسات والمقالات النقدية في الصحف، ونشر الكتب السينمائية المتخصصة بشكل منتظم، وإقامة الندوات والمحاضرات حول قضايا السينما، وتخصيص برامج للثقافة السينمائية في القنوات التلفزيونية وعدم الاكتفاء ببرامج التسلية السينمائية التي تدور عادة حول الفلم الأميركي الشعبي تحديدًا وحول نجوم السينما الأميركية، أي عدم التعامل مع السينما بوصفها ظاهرة من ظواهر التسلية بل كظاهرة ثقافية. أي الاهتمام أيضًا بالصورة وثقافة الصورة ومغزاها ودلالاتها بشكل عام، والطموح لجعل تدريس التذوق السينمائي مادة من المواد التي يدرسها التلاميذ منذ المرحلة الابتدائية من التعليم جنبًا إلى جنب المسرح وسائر الفنون الأخرى.

الفلم الفني

وإذا كنا نعدّ السينما جزءًا من الثقافة مثلها مثل الأدب والشعر والمسرح والفن التشكيلي والتصوير والعمارة، فمن المهم التركيز على تطوير هذه النظرة من خلال الاهتمام بالفلم الفني الذي يستخدم الوسيط السينمائي من أجل التعبير عن الأفكار، مع تشجيع وجود تيارات متعددة في السينما بحيث لا تصبح الأفلام على وتيرة واحدة، تتكرر فيها الثيمة نفسها من فلم إلى آخر، فالسينما «الطبيعية» هي السينما التي نجد فيها الفلم الدراميّ والفلم الموسيقيّ والفلم الحربيّ والفلم الكوميديّ والفلم الفلسفيّ… إلخ التي تنفتح فنيًّا على مختلف المدارس والمذاهب السينمائية. والفلم السينمائي ليس هو فقط الفلم الروائي الدرامي الطويل فهناك الفلم القصير والفلم التسجيلي وفلم التحريك والفلم التجريبي. وهذه الأجناس المختلفة من الأفلام يجب أن توجد جنبًا إلى جنب، وبخاصة الفلم التسجيلي الذي أصبح اليوم من أهم وسائل التعبير البصرية عما يجري في الواقع، بل يتجاوز كثير من الأفلام التسجيلية السينما الروائية في جاذبيتها وقدرتها على عرض موضوعاتها مع مزجها بالخيال الشخصي للفنان السينمائي الذي يصنعها.

وليس من الممكن أن تعيش أي صناعة سينمائية ناشئة اليوم بمعزل عن محيطها الإقليمي، فمطلب وجود سوق سينمائية عربية مشتركة يظل مطلبًا أساسيًّا، وقد يمكن التحرك في هذا المجال من خلال تبادل التوزيع السينمائي أي ليس من خلال عمليات البيع والشراء بالضرورة بل من خلال الشكل التبادلي وهو الأنسب في منطقة الخليج العربي والعراق.

لا شك في وجود الكثير من شباب السينما في بلدان الخليج، منهم من درس السينما على أعلى مستوى، ومنهم من أنتج وأخرج بمبادرات فردية أفلامًا بواسطة الكاميرا الرقمية الخفيفة وبإمكانيات بسيطة محدودة للغاية، بل هناك أيضًا بعض التجارب القليلة الأكثر طموحًا جاءت من السعودية والإمارات، واعتمدت على سيناريوهات أصلية ومخرجين من المنطقة مع تطعيم تجاربهم بخبرات أجنبية. والمطلوب الآن من هذه التجارب السير قدمًا لتحويل المبادرات الفردية إلى قاعدة دائمة للصناعة والإنتاج والعرض السينمائي في الداخل أولًا وفي المنطقة العربية ثانيًا، بدلًا من أن ينحصر الهدف في اختراق المهرجانات السينمائية الدولية.

     
     
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)