البحرين.. أفلام وفعاليات سينمائية

 
 
 
 
 

الكنش الثقافي :

«غيــاب».. انتظار لا أحد..

ولكنه قادم

كتب: مصطفى عبدالعزيز

 
 
 
 

فيلم

غياب

 
 
 
 
 
 
 

العلاقة بين المخرج البحريني والسينما أشبه بعلاقة غرامية.. تجمعهما لقاءات ''قصيرة'' سريعة خاطفة يتناقلان خلالها مشاعر العشق والحب والهيام والجنون.. يؤكد لها أنه لن يتخلى عنها ويتمسك بها وتقسم له بأنها لن تكون لأحد سواه.. وكلاهما يحلم بأن يجمعهما بلاتوه واحد بعدما توثق علاقتهما طرقة ناعمة من لوحة الكلاكيت تعلن عن انطلاق حياة جديدة من الحب المتبادل الذي يثمر عن فيلم روائي حقيقي يشاهد المحبون مراحل صناعته على شاشة السينما.

في الفيلم البحريني القصير ''غياب''  للمخرج محمد راشد بوعلي تدرك تماماً أنك أمام عاشق يحلم بيوم زفافه على أميرة قلبه ولكنه لا يجد من يتكفل بمصروفات حفل الزفاف .. فطيلة عشرة دقائق هي زمن الفيلم يقنعك بوعلي بامتلاكه الأدوات اللازمة لقيادة فيلم روائي طويل، وبقدرته على تقديم رؤى جميلة يسعد بها مشاهديها ولكنه يفتقد للكثير من الأدوات الإنتاجية والدعم المادية التي تمكنه من صناعة حلمه.

من المشهد الأول للفيلم استطاع مخرجه بوعلي أن ينقل لك الإحساس الراقي لما يرغب في توصيله من رسالة بالغة الأهمية، اختار الموقع الجيد للتصوير والزمن المناسب لسرد الحدث ، وركز بكاميرته على ما يُنطق لسان حوار المتلقي فخرجت المشاهد المتتالية بنعومة شديدة كما أنها معبرة وناطقة وقوية.. فبدءً من الإطلالة الواسعة للمنزل القديم المتهالك تتوسطه شجرة عتيقة تشير بأوراقها الخضراء والجافة اليابسة لما عايشه سكان المنزل من أيام حلوة ومرة ، مروراً بطائر حبيس صامت عن التغريد والزقزفة معبراً عما تحمله حياتهم من سجن وفراغ، نهاية بمروحة السقف القديمة التي تدور لتؤكد استمرارية الحياة رغم ما يحمله المشهد من وحدة مؤلمة ومريرة ليس لما يعانون منها ذنب فيها، مثلما ليس لهم ذنب أيضاً في سقوط أوراق الشجرة التي تسقط معها ساعات وأيام حياتهم.

'' غياب ''.. عنوان اختاره السينارست حسن حداد بعناية شديدة ليشير بقوة إلى مضمون الفيلم الذي ينتظر أبطاله شخص غائب لا أحد يعرف من هو- حتى أبطال الفيلم أنفسهم - ولكنه قادم لا محاله، لذلك يجب أن نترك الباب ''موارباً'' مفتوحاً ربما يأتي الآن ولا نسمع ''طقاته'' فتضيع علينا فرصة اللقاء به.. هكذا استطاع  حداد أن ينقل لنا على لسان بطل الفيلم في جملة حوارية واحدة بليغة ما يمكن سرده في أيام وليال وربما شهور طويلة.. ''يمكن حد طق الباب وما سمعناه، وأقول من الغرابة إنه يجي حد.. إحنا ما نترجى جيته.. يطق الباب وما نسمعه وما نروح نبطله.. لا إحنا لازم نخلي هالشئ فى بالنا ونهتم''.

قصة الفيلم والمستوحاة من فكرة إنسانية بعنوان '' الوحيد والوحدة''  للشاعر الكبير قاسم حداد سطرت ضمن أوراق كتابه ''ما أجملك أيها الذئب جائع وتتعفف عن الجثث''.. تدور القصة حول حالة إنسانية خاصة جداً تجسد الإحساس بالوحدة والانتظار اللذان يسيطران على اثنين في الخمسينات من العمر ويعيشان الوحدة في منزليهما.

موسيقى ''غياب'' جاءت مزيجاً بين آلاتي البيانو والعود وهو ما ساهم في تصعيد الإحساس بالأصالة والحداثة في آن واحد ففي الوقت الذي تنتقل إلى مسامعك جملة إيقاعية تحمل لك حداثة السرد الذي تدور داخله المشاهد، تسافر بك جملة وترية إلى رحيق ماضي عطر جميل، وهو ما برع فيه محمد حداد صاحب موسيقى الفيلم طيلة الأحداث القصيرة للفيلم وتعامل مع مشاهده كمحترف يطعم تاج ذهبي بباقة رائعة من الجواهر النفيسة يدرك جيداً حجم ومكان وزمن كلاً منها، وهو أيضاً نفس الأسلوب الاحترافى الذي تعامل به المخرج ومصور الفيلم عبد الله رشدان فالعناية الكبيرة والجهد الواضح في اختيار مقاسات اللقطات وأحجامها كان له أثر بالغ في خلق حالة من التركيز الشديد لدى المتلقي لمتابعة الفيلم وزيادة الإحساس بما يود طرحه من رسالة.

الحديث عن الفيلم البحريني القصير ''غياب'' لا ينتهي قبل التطرق إلى الأداء الجيد والمتمكن للفنان عبد الله ملك والذي أمسك جيداً بأطراف الشخصية التي يقدمها صانعاً من عناصرها وجبة تمثيلية دسمة ساهمت في إشباع المشاهد ولعل الحديث يمتد أيضاً إلى الفنانة شيماء الكسار التي استطاعت ببساطة وتلقائية شديدة أن تطرح معنى الوحدة لدى امرأة صاحبت زوجها طيلة السنوات الطويلة من عمرهما.

فيلم غياب.. فيلم قصير في مدته طويل جداً فيما يحمله من رسالة هادفة وراقية زاخرة بالمعاني المعبرة عبر مضمون سينمائي أكثر من جيد.

الوطن البحرينية في 13 أبريل 2008

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)