زياد الخزاعي

 
سيرة كتابة
 
 
 

كتابة

 

"كان ّ" الـ71:

BlacKkKlansman للأميركي سبايك لي.. قيامات "اللوثايان" العنصريّ

بقلم: زياد الخزاعي

 

 
   

عنوان جديد الأميركي سبايك لي هو نحت لُغَويّ مُخاتل وإشكاليّيختصر حكاية الشّريط ونَّبرته السينمائية وعقيدته، التي تحاملت على ثنائية "إبادة جماعية وعبودية"، بإعتبارهما ركيزتيّ ولادة أُمّة "التكليف الألهي"، حسب رؤية الأباء المؤسسين في الدستور الأميركي.

ثلاث كلمات، رُصفت مع بعض، موحيّة بمفارقة عرقيّة/سياسيّة حدثت بالفعلبطلها شرطي أفروـ أميركي، إنتحل شخصية مواطن أبيض شديد العنصريّة في سبعينات القرن الماضي، لينخرط عضواً فاعلاً، في واحدة من أكثر العصابات، عنفاً وسفكاً لدماء الأقلية السوداء في تاريخ الولايات المتحدةمن هنا، فإن عنوان "رجل كوكلوكس كلان الزنجيلن يستدعي، بالضرورة، فيلماً كوميدياً محضاً، أو يولّد نصّاً تجارياً صلفاً، يُبرر لصانعيه إضفاء خفَّة سينمائية، في غير محلها، على جرائم مريعة، جرت وقائعها البكر منذ العام 1866، قبل ان تلحقها فظاعات "العقاب اللينتشي"(إعدامات شنقاُ من دون محاكمات)، إرتكبتها المنظمة عقب "ظهورها الثاني"(1915)، وإستهدفت ضحايا جدد من يهود وكاثوليك وأسيويين وسلالات "هسبانك" لاتينيين.

في العام 1979، قرأ رون ستولوورث إعلاناً في جريدة محلية في بلدة كولورادو سبرينغزتدعو فيه المنظمة، المعروفة بحروفها الأولى الشهيرة "KKK"، الى ضم إعضاء جدديتنكّر خلف لهجة حقودة، ويُحقق أول لقاء بينه ووسيط غليظ الطَّبعيتضح لاحقا انه جندي سابق خدم في فرقة "فورت كارسونالموجودة في منطقة قريبة من المدينةيُقنِع ستولوورث ضابطاً زميلاً له(يحدث ان يكون يهودياً)، يدعى فيليب زيمرمان (الممثل أدم درايفر)، للحلول مكانه، وتوثيق كشوفاتهما التي إستمرت شهورإنطلت الحيلة على الجميعيتسلم الأفرو ـ أميركي بطاقة عضويته الكاملة، حاملة توقيع الرئيس الأعلى للمنظمة ديفيد ديوك، ويعلقها بفخر فوق مكتبه.

بقيت الحكاية الغريبة طيّ الكتمان، حتى نشر ستولوورث، بعد تقاعده من الخدمة، تفاصيلها في كتاب في عام 2014. هذا التدبير الأقرب الى النكتة أورده المخرج سبايك لي بحذافيرهلم يُجمَّل فيه، أو يفخَّم أبطاله، أو يدعي نخواتها. ذلك ان تاريخها أثمن من تزوّيق بسالاتهابيد ان صاحب "أفعل ما هو صحيح"(1989)، لم يشأ "إعتقالما جرى ضمن زمنه وحسب، حيث ان المجازر ما زالت تقع، والدماء ما زالت تُسفكما أعتمد عليه سبايك لي في "عصرنةروح الفيلم، هو قراره الحصيف في ضرورة جلب العقيدة العرقيّة من جذرها، وربطها بما هو مُتخَفّ بين الـ"نيو نازية" الأميركية في الألفية الثالثةعليه، فإستعارة مشاهد بعينها، من الفيلم الأكثر عنصريّة في تاريخ السينما، لأبي السينما الأميركية دي. دبليو. غريفيث "مولد أُمَّة" (1915)، الذي مجده الرئيس (آنذاك) وودورد ويلسن بوصفه الشهير: "كأنه كتابة التاريخ بالضوء"، وكذلك من شّريط مواطنه فيكتور فليمنغ "ذهب مع الريح" (1939)، اللذين "لا يمكن التبرؤ من لعنتهما" حسب سبايك لي، ووضَعَهما في واجهة جدال سينمائي تحرّيضي، مع فقرات تلفزيونية لجرائم معاصرة، شهدتها بلدة تشارلوتسفيل، وقبلها سانفورد (فلوريدا)، وفيرغسن (ميزوري). أن اللفتة الإيديولوجية جلية في التأثيم والإستنكار، حيث يجد مشاهد "BlackKKlansman"، الحائز على الجائزة الكبرى في الدورة الـ71 (8 ـ18 أيار 2018) لمهرجان كانّ السينمائي الدولي، نفسه إزاء عار إنساني لا زال حياً، ويتمرس بين كيانات يمينية متطرفةان الوقوف ضده ليست مسألة سياسية وحسب بل ضميرية.

تصبح إمثولة "رجل السلطة وراعي الأمان الإجتماعيوتلفيق تخفّيه، إستعارة درامية باهرة لإزدواجية معايير قانونية في بلد الديمقراطية الكبيرةنرى البطل رون(جون ديفيد واشنطن)، بقصّة شعره المميزة، وهو يتعرض الى مزاح ثقيل من زملائه داخل مركز الشُّرطةيُكلّف بمهام "وضيعة بلا ألق"، منها إختراق إجتماعات ناشطين زنوج من طلاب جامعيين يساريين، وأخرى لموالي حركة "الفهود السودالنضالية، وثالثة لمعارضي حرب فيتنام، مستخدماً لون جلده ووسامته، ليقابل الشابة الناشطة باتريس(لورا هارير)، التي تفتح بصيرته حول عالم يدعو لإلتزام جماعيّ، وتكافل عرقيّ، وتحقيق مساواة وعدلوهي مفاهيم مناقبيّة، لا تتساير مع رجل شرطة ومهماتهنعم، هو مفوّض بالدفاع عنها، بيد انه غير مُكره على الإيمان بهايشحذ رون وجدانه "العرقي"، بتحريض من الطالبة الحسناء، قبل ان توصله طويّته الى "بطولتهالكبيرة، حين إطَّلع على الإعلان الصحافي للمنظمة السيئة الصيت.

تُبان ثنائية معايير الشرطي رون مرّة أخرى، مع تكشَّف تفاصيل مؤامرة ناشطين عنصريين، سعوا الى تصفية دوريس ورفاقها عبر تفجير قنبلة، تزرعها زوجة أحدهم، تحت سيارة تقف قرب منزلهايأخذ رون شجاعته بيديه، ويتلّبس مسوحات القديس جورج الذي صرع تنين الـ"لوثايانالفاسد برمحه الشهيرينقذ الشرطي الفحل المناضلة الشابة من حتفها، ويحيد مجموعة القتلة في مطاردات ختامية، غلب عليها طابع الإثارة!. لتصبح لدينا مفارقة جديدة، حيث رجل شرطة أسود، يُصفي جنوداً بيض سابقين في الجيش الأميركي، وأعضاء فاعلين في القوة الضاربة للـ"كلان"، تحت حماية قانون عام، سيأمر(هذا القانونجنوداً أخرين بعد38 عاماً، في التصدي الى تظاهرات زنجية، تحمل رايات "حياة السود ثمينة"، تطالب بوقف تصفيات مُدَبَّرة، يقترفها شرطيون بيض بحق مواطنين أفروـ أميركيينان الإستعارات الوثائقية في ختام "BlackKKlansman"، خصوصا اللقطة الفريدة العارضة الى تحوّل العلم الأميركي المسمى بـ"راية بتسي روز"، بألوان أشرطته ونجماته المميزة، الأبيض والأحمر والأزرق، الى لون أسود قاتم، في إشارة رفض سياسي علنيّ، لواحد من رموز تطهير عرقيّ مزمن، تمارسه سلطة ماحقة تتوارث عنصريتهايحقق هذا المشهد رؤية إنجيلية تقول: "لست وحدك صانع الشر، بل يوجد من يدفعك إليه بعنف".

فيلم سبايك لي(ولد إتلانتا، جورجيا عام 1957) عبارة عن فيوض من وقائع وشخصيات وأسماء وتواريخ وأنساب ومراجع إبداعية وثقافيةفصوله مصنوعة بدراية واقعية، ذات إيقاع ديناميكيحواراته مُصاغة ضمن حد تاريخي، لما ورد حسب شهادة ستولوورثبيد ان مخرج "مالكوم أكس"(1992) و"شي ـ راق"(2015) لم يرم الى جعل شّريطه خطابياً وديماغوغياً، إنما إنتصر الى عرفان جماهيري للسينما وفرادتها في "تثويرحماسة جمهورها، وشحذ ميلهم للحقّلذا، فان كل فصل فيه وكل ثانية من الـ128 دقيقة لزمنه، أكانت أفلّمة أو فقرات توثيق، هي إنذار بَيَّن وشديد اللهجة الى ان عقيدة الرئيس دونالد ترامب وإدارته، ليست سوى قيامات جديدة للوثايان العنصريّ.

سينماتك في ـ  31 مايو 2018

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)