طال انتظار عشاق السينما في العالم أجمع لمشاهدة بطل سلسلة أفلام جيمس بوند
الجديد، الممثل الانكليزي القحّ «دانييل كريغ» في المغامرة الأخيرة للجاسوس
الأشهر، والمسماة «الكازينو الملكي». وللعلم، فإن هذه هي أولى حكايات جيمس
بوند التي كتبها إيان فلمنغ، وتعود القصة الى نهاية الخمسينات أو مطلع
ستينات القرن الماضي، ويقال ان فلمنغ كتبها من وحي جلساته الطويلة في
الكازينو المذكور. وبالطبع، فقد تم «تحديث» القصة وعولمتها الى أكبر حد
ممكن، لتتوزع الاحداث من افريقيا الى الكاريبي... الى ميامي ثم الجبل
الأسود وأخيراً فينيسيا، مروراً بلندن بالطبع. الارهاب الدولي كان حاضراً
في الفيلم كخلفية، وكذلك تفجير الطائرات كحدث، إضافة الى الاستغلال المالي
لهاتين الظاهرتين...
في سورية تمكن عشاق جيمس بوند من مشاهدة الفيلم في صالة سينما «الشام»
الفخمة – الوحيدة تقريباً – حتى قبل العرض العالمي للفيلم بيوم واحد على
الأقل، وقبل معظم العواصم العربية بالتأكيد. وفي حديث مع مجموعة من
المشاهدين الانكليز اتفقنا على أن الفيلم كان جيداً الى حد ما، ودانييل
كريغ كان مناسباً تماماً للدور، على رغم أنه لم يكن سلساً مثل بيرس بروسنان...
لكنه كان خشناً ورجولياً مثل شون كونوري. وهذا بالضبط ما اتفق عليه النقاد
في كبرى الصحف ووسائل الإعلام العالمية، اذ اعتبر بعضهم الفيلم الحالي افضل
افلام بوند منذ افلام كونوري، وأن كريغ ينافس في حضوره «الشرير» كونوري،
ويتفوق على بروسنان بالتأكيد. ويلاحظ أن الفيلم افتقد الى المعدات
والتقنيات البوندية «السحرية» التقليدية، كما افتقد الى سيناريوات تدمير
العالم وإنقاذه.
لكنه تضمن قصة حب جميلة بين بوند والبطلة فيسبر ليند (التي لعبت دورها
الحسناء ايفا غرين)... دفعت بوند الى تقديم استقالته الى مديرته الشمطاء
الجميلة M
(السيدة جودي دنش). لقد أخذت قصة الحب هذه حيزاً كبيراً ومقنعاً، وحفلت
بمشاهد رومانسية تقليدية مطوّلة دفعت العديد من المشاهدين للخروج من صالة
العرض بشكل مبكر... اعتقاداً منهم بأن هذه هي نهاية الفيلم «السعيدة»، وان
بوند قد ترك مهنته القذرة ليستمتع بالحياة الهادئة المرفهة مع الحسناء
فيسبر وعشرات الملايين من الدولارات التي كسبها في مقامرة «شريفة» ضد خصمه
«لو شيفر» مموّل المنظمات الارهابية الدولية... بالطبع هناك مفاجآت تنتظر
المشاهدين.
وكالعادة، بدأ الفيلم بمشهد قتال طويل بالأسلحة البيض والأيدي ومطاردات
راجلة في مناطق مزدحمة وقفز من الأعالي وتدمير ممتلكات وإهدار لأرواح
لأسباب لا يعرفها الا الراسخون في العلم... مشهد يستمر لعشر دقائق في
افريقيا، لينقلنا بعدها الى جزر البهاماس والى ميامي ويدخلنا في حبكة تفجير
الطائرات المدنية والارهاب الدولي – الحمد لله، لم يكن إسلامياً أو عربياً
هذه المرة... الى أن نصل الى القسم الرئيسي في الفيلم، وهو المقامرة
«الدولية» الكبرى التي تحتل حوالى نصف ساعة أو أكثر من وقت الفيلم، وتتضمن
تمثيلاً Acting...
وليس فقط حركة أو
Action.
وللحق، فقد كان هذا القسم متميزاً أو مقنعاً الى حد بعيد، مثل قصة الحب
اللاحقة. ويبدو أن أداء كريغ أصدق وأكثر ملاءمة من بروسنان الذي كانت تتغلب
عليه وسامته ورقته، وتقلل من صدقية وعنفوان الشخصية التي يلعبها، وكأنه
جيمس بوند من فرساتشي أو أرماني. وبالتأكيد، فإن الافلام المقبلة في
السلسلة سوف تكون أقوى وأغنى وأكثر إثارة... خصوصاً، إن كريغ استطاع أن يشق
طريقه الى قلوب المعجبين عبر شباك التذاكر وينسيهم رمينغتون ستيل... عفواً،
أقصد بيرس بروسنان الفاتن.
تبدو شخصية جيمس بوند بتفسير كريغ في الفيلم الحالي أكثر عاطفية، أكثر
ضعفاً، وحتى أكثر سذاجة أحياناً... وبالتأكيد اكثر انسانية، وخصوصاً في
مشهد تعذيبه عارياً... وكأنه مناضل أو ناشط سياسي في أحد البلدان العربية
او الافريقية (يذكر قليلاً بمشهد تعذيب طه الشاذلي في فيلم «عمارة يعقوبيان»...).
ويبدو أن صنّاع الفيلم لم يكتفوا باستبدال الممثل الرئيس فقط، لكن حاولوا
إعادة ترتيب الاحداث واعادة رسم الشخصيات أيضاً... كي يكون الفيلم بداية أو
انطلاقة جديدة لهذه السلسلة السينمائية العريقة... وعلى المشاهدين أن
يظهروا التفهم وحسن الاستقبال بدورهم... كي تستمر السلسلة الى ما لا نهاية!
|