(1)
عشر إشاراتٍ، وأكثر
تساعدك على كشف الانتحال، القصّ، واللصق، والسرقة
بدايةً، دعونا نفترض بأنّ هناك ناقدٌ متيقظٌ يغار
علي مهنته التي أصبحت مشاعاً، وفي يوم من الأيام، وعن
طريق مدونة بعنوان "سرقات سينمائية"، شنّ حملة لتنظيف
الثقافة السينمائية من المنتحلين، واللصوص، فأطلق عليه
أحد الصحفيين وصفاً لطيفاً: كلب حراسة الأنترنت.
ولكن، كيف كان هذا الناقد/الكلب يكتشف النصوص
المُنتحلة من نصوصٍ أخرى جزئياً، أو مسروقة بكاملها؟
هذه بعض الآليات البسيطة، ويكفي أن يمتلك الفضوليّ
حاسة شمّ قوية تطورت من خلال مخزون من قراءة ما يُكتب
عن السينما في المشهد السينمائي النقدي العربي.
(1) أسلوب الكتابة : عندما تشعر بأنّ المفردات
اللغوية، والجانب الأسلوبيّ للكاتب، يختلف اختلافاً
كبيراً من نصٍّ إلى آخر.
(2) ذاكرة الناقد/كلب حراسة الأنترنت، ومخزونه
الثقافي: عندما تتذكر بأنكَ قرأتَ سابقاً هذا النصّ،
أو بعض فقراته، وبتوقيع كاتبٍ آخر.
(3) روح النصّ : عندما تشعر بأنّ روح النصّ الذي
تقرأه، يختلف عن روح نصوصٍ أخرى قرأتها لنفس الكاتب.
(4) المُبالغة في استخدام المراجع : عندما تشعر بأن
الكاتب يذكر مراجع غير دقيقة، ومُختلقة لا يمكن التحقق
من صحتها.
(5) تباين الأسلوب بين فقرات النصّ الواحد : مثلاً
عندما تجد بأنّ أسلوب النصف الأول من النصّ، يختلف عن
أسلوب النصف الآخر من نفس النصّ .
(6) اهتمامات الكاتب المُنتحل/اللصّ : بشكلٍ عام،
يمتلك كلّ ناقدٍ سينمائيّ اهتماماتٍ خاصة (وأحياناً
محددة)، عندما يكتب ناقدٌ اليوم عن السينما الهندية،
وغداً عن سينما أمريكا اللاتينية، وبعد غد عن السينما
التجريبية، وبعدها عن السينما الصينية...
(7) المفردات اللغوية : يستخدم كلّ ناقد مفرداتٍ لغوية
معينة ترتبط به، وشكلاً معيناً في الكتابة: استخدام
التشكيل مثلاً، ...
(8) خبرة الناقد/كلب حراسة الأنترنت : ناقدٌ مبتدئ، أو
حتى قارئٌ مبتدئ، يختلف عن ناقد متمهلٍ يمتلك تاريخاً
من الكتابة، والقراءة، وهو قادرٌ على التفريق بين
النصّ الأصلي، والنص المُنتحل.
(9) الحاسة السادسة للناقد/كلب حراسة الأنترنت : هناك
البعض من النقاد، وبفضل خبرتهم المُمتدة، يمتلكون
حاسةً إضافية في معرفة النصّ المنتحل، أو بعض فقراته،
وهي حاسةٌ لا تتوفر عند الجميع، أو لا يريدون
استخدامها، أو لا يعنيهم موضوع الانتحال، والسرقة، ولا
يجدون فيه أيّ نوع من الخطورة على الثقافة السينمائية
العربية.
(10) محركات البحث : المُنتحل، والسارق ينسى عادةً بأن
هناك محركات بحث تُسهل العثور على النصوص الأصلية.
طبعاً، هناك آلياتٍ أخرى تكشف النصّ المُنتحل/المسروق،
أو بعض فقراته، ولكن أهمها المخزون الثقافي السينمائي
لمن يهمّه عملية الكشف، أي الناقد/كلب حراسة الأنترنت.
(2)
وماذا لو فكر أحدنا بإصدار كتابٍ بعنوان (مقالات غير
مُكتملة) للناقد نفسه، أو مجموعةً من النقاد، مقالات
ينبشها الناقد من أوراقه القديمة، أو ملفاته المحفوظة
في جهاز الكمبيوتر، أعتقد بأنها سوف تكوّن كتاباً
لامثيل له يكشف عن البذور الأولى للكتابة، وتُظهر
خبايا لا يعرفها القارئ عن طقوس الناقد نفسه، أو
مجموعةً من النقاد.
(مقالات غير مكتملة) تشبه الرسومات الأولى لفنان، أو
المادة الأولى من فيلم قبل مونتاجه، أو حتى اللقطات،
والمشاهد التي لم تكتمل، وسوف تُحذف في المونتاج،
ولكنها تكتسب أهمية كبرى في مسيرة الفيلم، وتكشف عن
كواليس تصويره، وما لن يراه المتفرج أبداً، ومع الزمن
تكتسب أهميتها التاريخية تماماً مثل كل شيءٍ يتعلق
بالسينما : صور، سيناريوهات، ملاحظات مكتوبة، رسائل،
مستلزمات شخصية، وحتى ملابس....
(مقالات غير مكتملة) تكشف أيضاً عن آليات الكتابة، كيف
يبدأ الناقد في كتابة نصّ، وكيف ينتهي، أو لا ينتهي،
ولماذا توقف الناقد عن تكملة هذا النصّ النقدي، أو
ذاك، وهل تمتلك هذه المقالات غير المنتهية أهمية ما في
تاريخ النقد السينمائي العام، والخاصّ.
عملية النبش، والبحث هذه تشبه تماماً إعادة الحياة
لأشياء زالت، أو في طريقها إلى الزوال، أو محكوم عليها
بالنسيان، إنها مهمة تشبه الباحث الأثريّ في استحضار
الماضي، أشخاصاً، وأشياء، وأماكن، ما لم يكن له أهمية
في فترة ما، سوف يكتسب أهميته تلقائياً في فترة زمنية
لاحقة. |